الإصحاح الخامس – سفر دانيال – القس أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر دانيال – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح الخامس

سنه 536 ق. م.

فى الإصحاح السابق رأينا الله ينذر ويؤدب نبوخذ نصر ليرتد عن كبريائه، وأنه خضع لله فشفى وخلص. وهنا نرى أن من يستخف بإنذارات الله يهلك. نجد هنا قصة الليلة الأخيرة لمملكة بابل. وقبل هذه الليلة بعامين هزم كورش جيش بابل فإحتمي البابليون بأسوارهم حتى هذه الليلة التي سكروا فيها في حفلة ضخمة أكمل بها الملك خطاياه.

الأعداد 1-9

الآيات (1 - 9): -

"1بَيْلْشَاصَّرُ الْمَلِكُ صَنَعَ وَلِيمَةً عَظِيمَةً لِعُظَمَائِهِ الأَلْفِ، وَشَرِبَ خَمْرًا قُدَّامَ الأَلْفِ. 2 وَإِذْ كَانَ بَيْلْشَاصَّرُ يَذُوقُ الْخَمْرَ، أَمَرَ بِإِحْضَارِ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الَّتِي أَخْرَجَهَا نَبُوخَذْنَصَّرُ أَبُوهُ مِنَ الْهَيْكَلِ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ، لِيَشْرَبَ بِهَا الْمَلِكُ وَعُظَمَاؤُهُ وَزَوْجَاتُهُ وَسَرَارِيهِ. 3حِينَئِذٍ أَحْضَرُوا آنِيَةَ الذَّهَبِ الَّتِي أُخْرِجَتْ مِنْ هَيْكَلِ بَيْتِ اللهِ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ، وَشَرِبَ بِهَا الْمَلِكُ وَعُظَمَاؤُهُ وَزَوْجَاتُهُ وَسَرَارِيهِ. 4كَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيُسَبِّحُونَ آلِهَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَالْخَشَبِ وَالْحَجَرِ.

5فِي تِلْكَ السَّاعَةِ ظَهَرَتْ أَصَابعُ يَدِ إِنْسَانٍ، وَكَتَبَتْ بِإِزَاءِ النِّبْرَاسِ عَلَى مُكَلَّسِ حَائِطِ قَصْرِ الْمَلِكِ، وَالْمَلِكُ يَنْظُرُ طَرَفَ الْيَدِ الْكَاتِبَةِ. 6حِينَئِذٍ تَغَيَّرَتْ هَيْئَةُ الْمَلِكِ وَأَفْزَعَتْهُ أَفْكَارُهُ، وَانْحَلَّتْ خَرَزُ حَقْوَيْهِ، وَاصْطَكَّتْ رُكْبَتَاهُ. 7فَصَرَخَ الْمَلِكُ بِشِدَّةٍ لإِدْخَالِ السَّحَرَةِ وَالْكَلْدَانِيِّينَ وَالْمُنَجِّمِينَ، فَأَجَابَ الْمَلِكُ وَقَالَ لِحُكَمَاءِ بَابِلَ: «أَيُّ رَجُل يَقْرَأُ هذِهِ الْكِتَابَةَ وَيُبَيِّنُ لِي تَفْسِيرَهَا فَإِنَّهُ يُلَبَّسُ الأُرْجُوَانَ وَقِلاَدَةً مِنْ ذَهَبٍ فِي عُنُقِهِ، وَيَتَسَلَّطُ ثَالِثًا فِي الْمَمْلَكَةِ». 8ثُمَّ دَخَلَ كُلُّ حُكَمَاءِ الْمَلِكِ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَقْرَأُوا الْكِتَابَةَ، وَلاَ أَنْ يُعَرِّفُوا الْمَلِكَ بِتَفْسِيرِهَا. 9فَفَزَعَ الْمَلِكُ بَيْلْشَاصَّرُ جِدًّا وَتَغَيَّرَتْ فِيهِ هَيْئَتُهُ، وَاضْطَرَبَ عُظَمَاؤُهُ. ".

كما ذكر في المقدمة فقد ترك نبونيدس الحرب وإدارة شئون المملكة لإبنه بيلشاصر الذى كان ينتسب عن طريق أمه لنبوخذ نصر (كان نبوخذ نصر جده) وقد وجد فى النقوش الأثرية كتابة لبيلشاصر "أما مرودخ ونرجل وأبى (أى نبونيدس) فماذا صنعوا. لقد كانوا ملوكا بالإسم فقط ولم يكن بينهم من هو جدير بأن يكون سليل نبوخذ نصر". ولكن بيلشاصر لم يشابه جده سوى فى جنون العظمة. ويضاف لسقطاته جنونه بالولائم والسكر. وهذه الحفلة المذكورة هنا حضرها 1000، وهذا يدل على حجم هذه الحفلة وكانوا غالباً من القادة رجال الحرب. وظهور الملك أمامهم ليشرب خمراً فيه كرامة لهم فالملوك لا يظهرون إلا نادراً. وفي (1) شرب خمراً قدام = إتضح أن الملك في هذه الولائم كان يجلس مرتفعاً عن مدعويه. وهذا القول يشير لدقة الكتاب.

وهو هزأ بآنية الله المقدسة ولكن بسبب هذا أرعبه الله. فالله أعطاه إنذاراً أولاً بهزيمته أمام كورش ثم بالحصار لعله يتوب (كما تاب أبوه نبوخذ نصر) ولكنه إزداد في خطاياه وكبريائه. وليعلم أن كل من يهزأ بمقدسات الله، أن الله لا يشمخ عليه. وفي (5) في تلك الساعة = إذاً سقوط بابل كان بسبب هذا الإستهزاء بآنية بيت الرب. وآنية الله المقدسة هي أجسادنا التي هي هياكل لله "ومن يفسد هيكل الله يفسده الله" (1كو17: 3 + 2تي20: 2، 21) (بيلشاصر هذا يرمز للشيطان الذي تملك على البشر الذين هم آنية بيت الله لزمن ما. وكما ضرب الله بيلشاصر لإستهزائه بالآنية، سينتقم من الشيطان لأنه إستهزأ بأولاده وتسبب فى موتهم وهلاكهم). وكورش يرمز للمسيح الذي حررنا ليبنى هيكله أي كنيسته (عزرا 1) ولزيادة السخرية فهم شربوا في آنية الله المقدسة وسبحوا آلهة الذهب والفضة. وهذا الفرح الخاطئ زاد في قساوة قلوبهم. ويد الله التي كتبت الوصايا العشر تكتب الآن قراراً ضدهم بسبب خطاياهم. ولم يرعبهم الله ببروق أو رعود بل بكلمات مكتوبة. وكتاب الله المقدس هو ما كتبته يد الله فلنرتعب منه. ومن شاركوا الملك حفلته الماجنة شاركوه رعبه. والله وضع حجاباً على عيون حكمائه حتى لا يفهم الكتابة سوى دانيال الذى كان غالباً مبعداً عن مجلس الملك من بعد موت نبوخذ نصر. وقد سمع كورش بأخبار هذه الحفلة وإستغل حالتهم وسكرهم وهاجم بابل وخربها كما تنبأ إشعياء (21: 1 - 5) أنهم يهلكون بيد مادى وفارس ليلة لذتهم وأكلهم وشربهم.

الأعداد 10-29

الآيات (10 - 29): -

"10أَمَّا الْمَلِكَةُ فَلِسَبَبِ كَلاَمِ الْمَلِكِ وَعُظَمَائِهِ دَخَلَتْ بَيْتَ الْوَلِيمَةِ، فَأَجَابَتِ الْمَلِكَةُ وَقَالَتْ: «أَيُّهَا الْمَلِكُ، عِشْ إِلَى الأَبَدِ! لاَ تُفَزِّعْكَ أَفْكَارُكَ وَلاَ تَتَغَيَّرُ هَيْئَتُكَ. 11يُوجَدُ فِي مَمْلَكَتِكَ رَجُلٌ فِيهِ رُوحُ الآلِهَةِ الْقُدُّوسِينَ، وَفِي أَيَّامِ أَبِيكَ وُجِدَتْ فِيهِ نَيِّرَةٌ وَفِطْنَةٌ وَحِكْمَةٌ كَحِكْمَةِ الآلِهَةِ، وَالْمَلِكُ نَبُوخَذْنَصَّرُ أَبُوكَ جَعَلَهُ كَبِيرَ الْمَجُوسِ وَالسَّحَرَةِ وَالْكَلْدَانِيِّينَ وَالْمُنَجِّمِينَ. أَبُوكَ الْمَلِكُ. 12مِنْ حَيْثُ إِنَّ رُوحًا فَاضِلَةً وَمَعْرِفَةً وَفِطْنَةً وَتَعْبِيرَ الأَحْلاَمِ وَتَبْيِينَ أَلْغَازٍ وَحَلَّ عُقَدٍ وُجِدَتْ فِي دَانِيآلَ هذَا، الَّذِي سَمَّاهُ الْمَلِكُ بَلْطَشَاصَّرَ. فَلْيُدْعَ الآنَ دَانِيآلُ فَيُبَيِّنَ التَّفْسِيرَ».

13حِينَئِذٍ أُدْخِلَ دَانِيآلُ إِلَى قُدَّامِ الْمَلِكِ. فَأَجَابَ الْمَلِكُ وَقَالَ لِدَانِيآلَ: «أَأَنْتَ هُوَ دَانِيآلُ مِنْ بَنِي سَبْيِ يَهُوذَا، الَّذِي جَلَبَهُ أَبِي الْمَلِكُ مِنْ يَهُوذَا؟ 14قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ أَنَّ فِيكَ رُوحَ الآلِهَةِ، وَأَنَّ فِيكَ نَيِّرَةً وَفِطْنَةً وَحِكْمَةً فَاضِلَةً. 15 وَالآنَ أُدْخِلَ قُدَّامِي الْحُكَمَاءُ وَالسَّحَرَةُ لِيَقْرَأُوا هذِهِ الْكِتَابَةَ وَيُعَرِّفُونِي بِتَفْسِيرِهَا، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُبَيِّنُوا تَفْسِيرَ الْكَلاَمِ. 16 وَأَنَا قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُفَسِّرَ تَفْسِيرًا وَتَحُلَّ عُقَدًا. فَإِنِ اسْتَطَعْتَ الآنَ أَنْ تَقْرَأَ الْكِتَابَةَ وَتُعَرِّفَنِي بِتَفْسِيرِهَا فَتُلَبَّسُ الأُرْجُوانَ وَقِلاَدَةً مِنْ ذَهَبٍ فِي عُنُقِكَ وَتَتَسَلَّطُ ثَالِثًا فِي الْمَمْلَكَةِ».

17فَأَجَابَ دَانِيآلُ وَقَالَ قُدَّامَ الْمَلِكِ: «لِتَكُنْ عَطَايَاكَ لِنَفْسِكَ وَهَبْ هِبَاتِكَ لِغَيْرِي. لكِنِّي أَقْرَأُ الْكِتَابَةَ لِلْمَلِكِ وَأُعَرِّفُهُ بِالتَّفْسِيرِ. 18أَنْتَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، فَاللهُ الْعَلِيُّ أَعْطَى أَبَاكَ نَبُوخَذْنَصَّرَ مَلَكُوتًا وَعَظَمَةً وَجَلاَلاً وَبَهَاءً. 19 وَلِلْعَظَمَةِ الَّتِي أَعْطَاهُ إِيَّاهَا كَانَتْ تَرْتَعِدُ وَتَفْزَعُ قُدَّامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. فَأَيًّا شَاءَ قَتَلَ، وَأَيًّا شَاءَ اسْتَحْيَا، وَأَيًّا شَاءَ رَفَعَ، وَأَيًّا شَاءَ وَضَعَ. 20فَلَمَّا ارْتَفَعَ قَلْبُهُ وَقَسَتْ رُوحُهُ تَجَبُّرًا، انْحَطَّ عَنْ كُرْسِيِّ مُلْكِهِ، وَنَزَعُوا عَنْهُ جَلاَلَهُ، 21 وَطُرِدَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، وَتَسَاوَى قَلْبُهُ بِالْحَيَوَانِ، وَكَانَتْ سُكْنَاهُ مَعَ الْحَمِيرِ الْوَحْشِيَّةِ، فَأَطْعَمُوهُ الْعُشْبَ كَالثِّيرَانِ، وَابْتَلَّ جِسْمُهُ بِنَدَى السَّمَاءِ، حَتَّى عَلِمَ أَنَّ اللهَ الْعَلِيَّ سُلْطَانٌ فِي مَمْلَكَةِ النَّاسِ، وَأَنَّهُ يُقِيمُ عَلَيْهَا مَنْ يَشَاءُ. 22 وَأَنْتَ يَا بَيْلْشَاصَّرُ ابْنَهُ لَمْ تَضَعْ قَلْبَكَ، مَعَ أَنَّكَ عَرَفْتَ كُلَّ هذَا، 23بَلْ تَعَظَّمْتَ عَلَى رَبِّ السَّمَاءِ، فَأَحْضَرُوا قُدَّامَكَ آنِيَةَ بَيْتِهِ، وَأَنْتَ وَعُظَمَاؤُكَ وَزَوْجَاتُكَ وَسَرَارِيكَ شَرِبْتُمْ بِهَا الْخَمْرَ، وَسَبَّحْتَ آلِهَةَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالنِّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَالْخَشَبِ وَالْحَجَرِ الَّتِي لاَ تُبْصِرُ وَلاَ تَسْمَعُ وَلاَ تَعْرِفُ. أَمَّا اللهُ الَّذِي بِيَدِهِ نَسَمَتُكَ، وَلَهُ كُلُّ طُرُقِكَ فَلَمْ تُمَجِّدْهُ. 24حِينَئِذٍ أُرْسِلَ مِنْ قِبَلِهِ طَرَفُ الْيَدِ، فَكُتِبَتْ هذِهِ الْكِتَابَةُ. 25 وَهذِهِ هِيَ الْكِتَابَةُ الَّتِي سُطِّرَتْ: مَنَا مَنَا تَقَيْلُ وَفَرْسِينُ. 26 وَهذَا تَفْسِيرُ الْكَلاَمِ: مَنَا، أَحْصَى اللهُ مَلَكُوتَكَ وَأَنْهَاهُ. 27تَقَيْلُ، وُزِنْتَ بِالْمَوَازِينِ فَوُجِدْتَ نَاقِصًا. 28فَرْسِ، قُسِمَتْ مَمْلَكَتُكَ وَأُعْطِيَتْ لِمَادِي وَفَارِسَ».

29حِينَئِذٍ أَمَرَ بَيْلْشَاصَّرُ أَنْ يُلْبِسُوا دَانِيآلَ الأَرْجُوانَ وَقِلاَدَةً مِنْ ذَهَبٍ فِي عُنُقِهِ، وَيُنَادُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ يَكُونُ مُتَسَلِّطًا ثَالِثًا فِي الْمَمْلَكَةِ. ".

غالباً الملكة هي نيتوكريس أرملة أبيل مرودخ التي ذكرها هيرودتس وقال عنها أنها كانت حكيمة جداً حكمة غير عادية وهي لم تحضر هذه الحفلة الصاخبة لسنها ومركزها. وهي تكلمت عن دانيال بمنتهى الاحترام في حدود ما تسمح به تقاليد بلادها. وقولها أبوك الملك. وتكرار كلمة أبوك كانت لتذكر هذا المغرور بأن الخير الذي فيه راجع لأبيه وليس لنفسه (الجد يطلق عليه أب). ونلاحظ تمسك دانيال بإسمه حتى أن الملكة استخدمت الإسمين (12). وواضح أن دانيال كان مازال من ضمن رجال القصر، ولكن لكل ملك بطانته فيبدو أنه كان مبعداً، ولكن الله يظهره الآن وفى هذه الليلة بالذات ليكون له دور في المملكة القادمة. وكان دانيال الآن يناهز التسعين عمراً. ولاحظ عجرفة الملك في سؤاله لدانيال أأنت هو دانيال. ولكي يُحقِّر من شأنه يقول من بنى سبى يهوذا. وكان رد دانيال على الملك جريئاً جداً وإحتقر عطاياه فهو يرى نهاية مملكته فكيف يفرح بعطاياه. والسؤال لنا هل نفرح نحن بعطايا هذا العالم الفاني، ولكنه على أي حال قام بواجبه دون أن ينتظر مكافآت. وبدأ دانيال يشرح للملك كيف تعامل الله مع أبيه. وهذا كان ضرورياً كمدخل لكلامه عن بيلشاصر. وشرح دانيال أن الله أعطى نبوخذ نصر مجداً لم يسبق أن أخذه ملك من قبل ولكنه حين نسب هذا المجد لنفسه سقط. وخطية بيلشاصر أكبر لأنه رأى ما حدث لجده ولم يتعظ وإن كان نبوخذ نصر قد أخذ آنية بيت الرب دون أن يعرف قداستها فإن بيلشاصر كان يعرف قداستها لذلك فخطيته أعظم. ونبوخذ نصر عرف الله وآمن به إلا أن بيلشاصر تحدى الله وسبح آلهة الذهب والفضة.. ولم يمجد الله الذي بيده كل طرقه (23). والله كان قد أعلن نفسه لأبيه من قبل.

بيده نسمتك = أي خلقك ويحافظ عليك ويقوتك ويعطيك الملك ويحكم عليك.

منا منا تقيل وفرسين.

هذه هي الكلمات التي كتبت على الحائط ففزع الملك فهو عرف أن فيها مصيره فالبابليون يعتقدون أن قرارات الآلهة ضدهم تسجل في السماء على ألواح المصير أو القدر. والكلمات التي كتبت كانت بالآرامية اللغة المكتوب بها هذا الجزء من السفر. وكانت الحروف مكتوبة بدون نقط فكان يمكن قراءتها بعدة طرق وهي:

  1. أنها أسماء عملات بالأرامية أو أسماء لأوزان فالأوزان كانت تحل محل العملات الآن. وعلى هذا تفهم هكذا. المنا = هو أكبر عملة. والشيكل = منا. وهناك نصف المنا ويسمى أوفارسين Upharsin وبهذا تقرأ الكلمات هكذا......

منا منا شيكل ونصف منا. والغريب الذي لابد وقد لاحظه دانيال أن التدرج ليس منتظماً فهو يبدأ بأكبر عملة ويليها أصغر عملة ثم عملة أكبر كأننا نقول (جنيه وقرش صاغ ونصف جنيه) مع ملاحظة أن الحرف "شا" في البابلية هو الحرف "ت" فى الآرامية فتكون شيكل = تقيل.

  1. الطريقة الثانية التي تعامل بها دانيال مع هذه الكلمات أنها ثلاثة أفعال آرامية هي:

مانو = حسبت Mumbered.

شكالو = وزنت.

باراسو = قسمت.

وفى هذا التفسير نجد حرف U قد تعامل معه دانيال على أنه حرف عطف = "و".

ورأى دانيال أن معنى إختفاء اليد التي كتبت وتكرار كلمة منا مرتين أن القرار نهائي لا رجعة فيه. وحسب الطريقة الثانية يكون المعنى حسبت حسبت ووزنت وقسمت.

حسب الرؤية الأولى = وجد دانيال هبوط مفاجئ فى العملات فالترتيب الطبيعي أن يقال مانا ثم أو فارسين ثم تقيل أى الأكبر فالأصغر فالصغير.

وهو فهم هذا بأن الملك وزن فوجد ناقصاً أو أنه قد حدث له هبوط عند تقييمه.

وحسب الرؤية الثانية = فهو قسم كلمة Upharsin إلي U + Pharsin و "U" هي حرف عطف بمعنى "و" ومعنى Pharsin تقسيم المملكة على مادي وفارس فهو فهم أن فارسين أي مضاعف كلمة فارس كما نقول (مصر ومَصْرَين) هو فهم هذا لأن معنى الكلمة يشير للتقسيم. وراجع آية (28) تجد أن دانيال نطقها فرس = قسمت بمعني أنه نطقها بالمفرد، كما نقول مصر بالمفرد ومصرين بالمثنى، ففهم من هذا أنها قسمت على شقى مملكة فارس وهما مادي وفارس والمعنى أن الله لم يحكم على هذا الملك إلا بعد أن وجده ناقصاً لشروره وآثامه وكبريائه. وهذه الكلمات تعنى لكل خاطئ أنه بالموازين الإلهية يستحق الموت والجحيم. فبالموت أيام الخاطئ تحصي وتنتهي، وقضاء الله بعد الموت سيُقَيِّم أعمال كل خاطئ. ولهذا أى لخطاياه سيسلم للجحيم.

وهنا نجد أن دانيال لم يعطى أي نصائح لبيلشاصر فهو وجد أن الأمر نهائي لا رجعة فيه، مع أنه كان قد أعطى نصيحة بالتوبة لنبوخذ نصر. ولم يرفض عطايا الملك وإعتبرها تكريماً لله الذي أعطاه هذه الحكمة وليس لشخصه.

ملاحظات: كان بيلشاصر شاباً صغيراً في القصر حين مات نبوخذ نصر أي أنه عاش أحداث جنون الملك وعرف السبب لذلك فدانيال قد ذكره بها وأصبحت مسئوليته أكبر. وقد سبق حبقوق وتنبأ بولع البابليين بالخمر (2: 5) وبأنهم بنوا مدينتهم بدماء السبايا (11: 2 - 13).

الأعداد 30-31

الآيات (30 - 31): -

"30فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ قُتِلَ بَيْلْشَاصَّرُ مَلِكُ الْكَلْدَانِيِّينَ، 31فَأَخَذَ الْمَمْلَكَةَ دَارِيُّوسُ الْمَادِيُّ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً.".

في هذه الليلة = أي الليلة التي فرح فيها الملك بالخمر وأخذ كورش فيها بابل بمفاجأة فالموت يأتي فجأة لمن قلوبهم في سكر لاهية عن حياتهم الأبدية. وكان هلاك بابل في ليلة لذة كما قال إشعياء (21: 4، 5) وتم تقسيم بابل وأخذها داريوس خال كورش فهم شركاء في الحرب والإنتصار والسيادة. وهذا كان تحقيقاً لكلام دانيال (6: 28) ووقت أن تولى داريوس كان عمره 62 سنه. وإذا علمنا أن السبي كانت مدته 70 سنة، وقد تم على مراحل آخرها كان قبل سقوط بابل بخمسين سنة، وفى هذه المرحلة الأخيرة تم تدمير أورشليم نهائياً وتدمير الهيكل. إذاً فعند تدمير أورشليم والهيكل وسبى الشعب الأخير إلى بابل كان عمر داريوس 12 سنه وكان الله يُعِّدَه ويُعِّد كورش في ذلك الوقت ليحرروا الشعب ويبنوا الهيكل بعد أن تنتهي فترة التأديب ويشفى الشعب من وثنيته، فالله يعطى مع التجربة المنفذ.

وكانت هذه الحادثة سبباً في حصول دانيال على مركزاً سامياً في مملكة فارس، فقطعاً سمع كورش وسمع داريوس الذي مَلَّكه كورش على بابل بنبوة دانيال في هذه الليلة وسمعوا بحكمته. وسمو مركز دانيال في مملكة فارس سنسمع عنه في الإصحاح التالي.

أسوار بابل كانت منيعة جداً لذلك ظن بيلشاصر أنه لا يمكن غزوها. وهكذا كان الشيطان يظن أنه في أمان، وكان الفداء بالصليب الذي كان فيه نهاية الشيطان، بعيداً تماماً عن فكر إبليس، كما كان تحويل نهر الفرات بعيداً تماماً عن فكر بيلشاصر.

وفى هذا يرمز بيلشاصر إلى الشيطان الذى ظن أن الله لن يعاقبه، فيبدو أن عقاب الشيطان كان مرتبطا بخلاص آدم وبنيه، وحيث أن الشيطان تصوَّر إستحالة وجود طريقة يخلص بها الإنسان لذلك فهو تصوَّر إستحالة عقابه. رجاء مراجعة تفسير الآيات (إر49: 15 – 22).

أما كورش فيرمز للمسيح الذى حرر الشعب من بابل وأعاد آنية بيت الرب للهيكل الذى أصدر أمرا ببنائه (عز1) فكان رمزا للمسيح بانى هيكل جسد الكنيسة.

No items found

الإصحاح السادس - سفر دانيال - القس أنطونيوس فكري

الإصحاح الرابع - سفر دانيال - القس أنطونيوس فكري

تفاسير سفر دانيال الأصحاح 5
تفاسير سفر دانيال الأصحاح 5