اَلْمَزْمُورُ الْمِئَةُ وَالْعَاشِرُ – سفر المزامير – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر المزامير – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

المزمور المئة والعاشر (المئة والتاسع في الأجبية)

هذا المزمور إنجيلي بحت، قد يكون داود كتبه بعد إنتصاره على بعض الأعداء ومن ثم استتباب الأمن والسلام في مملكته، ولكن بروح النبوة، نطق الروح القدس على لسان داود فأخرج نبوة رائعة عن عمل المسيح العجيب، بل هذا المزمور كله عن المسيح الذي إنتظره الأباء ووعدهم الله به. واليهود دائماً إعتبروا هذا المزمور أنه عن المسيح المنتظر. ولذلك حيَّر المسيح الفريسيين في (مت41: 22 - 46)، فهم يعرفون أن المسيح سيكون ابن داود، والمسيح سألهم وكيف يكون إبن داود ويدعوه داود رباً، فتحيروا فهم يعلمون أن هذا المزمور يتكلم عن المسيح (مر35: 12 - 37 + لو41: 20 - 44).

والمزمور يتكلم عن إنتصار المسيح النهائي على أعدائه حينما يجلس عن يمين العظمة في الأعالي (أع34: 2 + 1كو25: 5 + عب13: 1 + عب13: 10). وقد يقول اليهود أن اليمين إشارة للقوة، وأن الله أقام من داود ملكاً وأعطاه قوة، ولكن كيف يُسَمَّى داود رباً. لذلك فهذا المزمور يتكلم عن المسيح وليس سواه. الذي صار الشيطان تحت قدميه (1كو24: 15 - 26).

هنا المزمور يتنبأ عن أن المسيح سيكون ملكاً وكاهناً (على رتبة ملكي صادق). (عب6: 5 + 17: 7، 21). ونفهم من هذا إنتهاء الكهنوت اليهودي ليبدأ الكهنوت المسيحي وتبطل الذبائح الدموية ليبدأ الكهنوت المسيحي وتقديم ذبيحة الإفخارستيا من خبز وخمر. وإنتهاء الكهنوت اليهودي أعلن عنه في شق حجاب الهيكل. ولكل هذه المفاهيم النبوية.

نصلي هذا المزمور في الساعة التاسعة، ففيه إنتصر المسيح على الشيطان نهائياً.

نرى في هذا المزمور المسيح متجسداً وفي هيئة متواضعة بالجسد، ونرى ملكه ونرى إمتداد كنيسته وهو يحكم فيها كملك وهو رئيس كهنتها. ونراه وقد صعد ليجلس عن يمين الآب.

العدد 1

آية (1): -

"1قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: «اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ».".

الفكر البشري لا يمكنه أن يعرف مساواة الآب للإبن إن لم يعلن الروح القدس لنا هذه الحقيقة. والسيد المسيح كشف هذا أن الروح القدس هو الذي أعلن ذلك لداود (مت43: 22). قَالَ = تشير لمسرة الآب بعمل الابن. الرَّبُّ لِرَبِّي = تشير لمساواة الآب للإبن، فالإبن سيجلس على نفس المستوى مع الآب. والإبن بلاهوته مُلكه أزلى أبدي. ولكننا هنا نفهم أن الكلام عن الناسوت، فبعد أن أكمل تدبير تجسده الخلاصي وقام وصعد للسموات جلس عن يمين العظمة (عب3: 1). وكلمة اليَمِينِ = تشير للقوة والكرامة والمجد الذي حصل عليهما المسيح بجسده. فالناسوت المتحد باللاهوت صار في كرامة فنسجد له بلاهوته غير المنفصل عن ناسوته. أما المسيح بلاهوته فمجده أزلي أبدي. راجع تفسير (يو 17: 5).

العدد 2

آية (2): -

"2يُرْسِلُ الرَّبُّ قَضِيبَ عِزِّكَ مِنْ صِهْيَوْنَ. تَسَلَّطْ فِي وَسَطِ أَعْدَائِكَ.".

قَضِيبَ عِزِّكَ مِنْ صِهْيَوْنَ. تَسَلَّطْ فِي وَسَطِ أَعْدَائِكَ = لقد ملك المسيح إبتداء من صهيون ثم تسلط على العالم، الذين كانوا أعداء فآمنوا وجعلوا المسيح ملكاً عليهم. والقَضِيبَ يشير للملك، يعني صولجان الملك. والملك المسيح ملك بعز بصليبه (قضيبه) وكان إنتشار ملكوت المسيح بالكرازة وسط الشعوب وليس بالقوة والسيف.

العدد 3

آية (3): -

"3شَعْبُكَ مُنْتَدَبٌ فِي يَوْمِ قُوَّتِكَ، فِي زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ مِنْ رَحِمِ الْفَجْرِ، لَكَ طَلُّ حَدَاثَتِكَ.".

شَعْبُكَ مُنْتَدَبٌ = شعب المسيح الملك سيكونون له شعباً، فهو اشتراهم بدمه وهم سيخدموه ويسبحوه ويكرسون أنفسهم له بإرادتهم الحرة واختيارهم = مُنْتَدَبٌ، فهم أحبوه لأنه أحبهم أولاً وأدركوا أنه صلب لأجل خلاصهم. وهم صاروا له جنوداً يحاربون مملكة الشيطان بقوة، وستظهر فيهم قوة المسيح = فِي يَوْمِ قُوَّتِكَ. وسيكون شعبه مقدساً في فضائل = زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ فالمسيح هو رأس لكنيسته المقدسة ويعطيها قوة ويزينها. وجاءت الآية فى السبعينية "معك الرياسة في يوم قوتك في بهاء القديسين". فهو رب الجنود، هو الذي غلب ويغلب فينا وهو الرئيس الذى يقود شعبه ويسندهم. مِنْ رَحِمِ الْفَجْر، ِ لَكَ طَلُّ حَدَاثَتِكَ = الفجر علامة إشراق نور الشمس، والمسيح هو شمس برنا. حين أشرق بنوره كان المؤمنين في بداية الكنيسة من الكثرة كأنهم الطل من السماء. هذه الكنيسة التي آمنت هي كنيسة قوية = حَدَاثَتِكَ أى كأنها في عنفوان الشباب، وهي سماوية فالطَلّ ينزل من السماء، وهى كنيسة تحارب بقوة، تحمل صليبها كما حمل رأسها صليبه في يوم قوته (يوم الصليب) يوم فتح أبواب الجحيم وأبواب الفردوس. وقوته ستظهر تماماً يوم الدينونة. والجزء الأخير من الآية تترجمه السبعينية "من البطن قبل كوكب الصبح ولدتك" = هنا يتكلم عن ميلاد المسيح الأزلي من الآب "نور من نور" وحينما ننسب لله أعضاء بشرية فيكون ذلك لشرح معنى ما. فاليد تشير لقوته وهكذا. والابن يولد من بطن الآب فهذا يعني مساواته له في الجوهر وهذه تساوى تماما قول المسيح، "الابن الوحيد الذى هو فى حضن الآب هو خَبَّر" (يو1: 18) وتمييزاً للإبن الوحيد عن الكنيسة التي تبناها الله. وقال أحد الأباء أن قوله من البطن يشير لولادته من العذراء بالجسد. وقوله قبل كوكب الصبح يشير لولادته أزلياً من الآب. والمعنى واحد فى السبعينية وترجمة بيروت، فكوكب الصبح يظهر قبل الفجر مباشرة، وهذا يناظر ترجمة بيروت مِنْ رَحِمِ الْفَجْرِ أى قبل ظهور الشمس فى الفجر. وقوله رحم يناظر القول ولدتك فى السبعينية.

العدد 4

آية (4): -

"4أَقْسَمَ الرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ: «أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ».".

لم يجتمع الملك والكهنوت عند اليهود أبداً (حدث هذا فقط لفترة بسيطة مع المكابيين ولكن المكابيين كانوا كهنة من سبط لاوى وأخذوا الملك فترة قليلة بعد أن هزموا ملوك اليونان. ولكن داود هو من وعده الله بالملك، أى سبط يهوذا كان هو سبط الملك)، فالملك من يهوذا والكهنوت من لاوي أما طقس ملكي صادق فيشير لملكي صادق الملك والكاهن، والمسيح هو الذي جمع كلا الوظيفتين. وأعطى لكنيسته الكهنوت على طقس ملكي صادق (ذبيحة الخبز والخمر) فملكي صادق كان رمزاً للمسيح. والله أقسم، أي ليظهر للبشر اهتمامه وجديته في أمر الخلاص (عب16: 6) فالقسم هو الطريقة التي يفهمها البشر لإظهار الجدية.

الأعداد 5-6

الآيات (5 - 6): -

"5الرَّبُّ عَنْ يَمِينِكَ يُحَطِّمُ فِي يَوْمِ رِجْزِهِ مُلُوكًا. 6يَدِينُ بَيْنَ الأُمَمِ. مَلأَ جُثَثًا أَرْضًا وَاسِعَةً. سَحَقَ رُؤُوسَهَا.".

قال في آية (1) أن الرب قال لربي إجلس عن يميني. وهنا يقول الرَّبُّ عَنْ يَمِينِكَ = لنفهم أن اليمين ليس مكان بل يشير للقوة والكرامة. وفي يوم الدينونة سيحطم كل القوات المقاومة (تمثال نبوخذ نصر تناثر فى الهواء كغبار). والمسيح بصليبه دان إبليس وجنوده في هذه المعركة، وإنتصاره كان كإنتصار ملك حَوَّلَ جيش أعدائه لجُثَثً. وهو قد تلوثت ثيابه من دم أعدائه (إش3: 63). وهذا ما سيتكرر في اليوم الأخير. وبالنسبة لفترة وجود المسيح بجسده علي الارض، فالقول الرَّبُّ عَنْ يَمِينِكَ = أن الله حفظ المسيح من كل محاولات قتله حتي حانت ساعة الصليب (يو 8: 59).

العدد 7

آية (7): -

"7مِنَ النَّهْرِ يَشْرَبُ فِي الطَّرِيقِ، لِذلِكَ يَرْفَعُ الرَّأْسَ.".

هنا نرى المسيح في أيام جسده وألامه، واحتياجه لأن يشرب من النهر كما حدث لداود حين عطش في معركته (1صم9: 30، 10 + 1أي17: 11). والمسيح عطش على الصليب وقال أنا عطشان. وشمشون عطش وأرسل له الله ماءً ليشرب (قض18: 15، 19) والمسيح حين صلي في بستان جثسيماني ليلة صلبه أرسل له الله ملاكاً ليقويه (لو43: 22) فنفسه كانت حزينة جداً حتى الموت (مر34: 14)، بل في ضعفه الجسدي جاع وعطش واضطربت نفسه وطلب أن يجيز الآب عنه هذه الكأس، وإحتاج لأن يأتي له ملاك ليقويه ويعزيه. فالمسيح كان كإنسان مشابها لنا فى كل شئ، وكل منا في ألامه يحتاج أن يشرب من نهر تعزيات الروح القدس لكي يرفع رأسه ولا تنحني نفسه فيه. لقد إختبر المسيح ألامنا وإذ تألم مجرباً يقدر أن يعين المجربين (عب18: 2). ولكن بعد إنتهاء تجربته رفع رأسه ووطأ أعداءه، إذ قام وداس الموت والشيطان.

تأمل فى أيات المزمور.

ومقارنة بين ترجمة بيروت والترجمة السبعينية.

آية1) بعد أن أتم المسيح عمل الفداء جلس عن يمين الآب أى صار له بجسده نفس مجد لاهوته. وكان هذا سبب مسرة للآب لأن هذا سيعيد للبشر المجد، ويعيدهم للأحضان الأبوية للآب. وحين يتمجد المسيح سيصير أعداءه تحت قدميه.

آية2) المسيح بصليبه (عصا القوة + قضيب عزك) القضيب هو صولجان ملك المسيح. وسيسود على شعبه بالمحبة، وسيبدأ هذا الملك من صهيون. ثم ساد المسيح على كل العالم الذى كان خاضعا للشيطان ومعاديا لله = تسود فى وسط أعدائك. بل عاشت الكنيسة فعلا ونمت وإمتدت وسط حروب شيطانية، وهذا ما قاله الرب لتلاميذه "ها أنا أرسلكم كغنم وسط ذئاب". ولم تفلح مع كنيسة المسيح كل القوى الشيطانية عبر التاريخ بل إمتدت وساد المسيح وسط هؤلاء. هؤلاء أعطاهم الآب للإبن "كانوا لك وأعطيتهم لى" (يو17: 6، 9) = (يرسل لك الرب + يرسل الرب قضيب عزك).

آية3) حين يرى الناس عمل المسيح يسلمون له حياتهم ويملكوه عليهم بحريتهم = (شعبك منتدب volunteers + معك الرئاسة) وهذه التبعية للمسيح تعطيهم بهاءً هو جمال القديسين (بهاء القديسن + فى زينة مقدسة). هم إنجذبوا عندما رأوا جمال المسيح وسيرته وأعماله وأقواله، وإنجذب غيرهم للمسيح حينما رأوا جمال زينة هؤلاء المؤمنين وسيرتهم ومحبتهم، فصاروا نورا للعالم فهم تحولوا ليكونوا صورة للمسيح نور العالم (غل4: 19 + يو8: 12 + مت5: 14). وما الذى جذب الجميع للمسيح؟ قوة الكلمة وعمل الروح القدس فيهم (فى يوم قوتك) فصليب المسيح لم يكن ضعفاً بل له قوة جذب جبارة هى محبته التى جعلت العالم ينجذب إليه. وسينجذب إليه الكثيرين ويكرسوا أنفسهم له. وسيكونوا كقطرات الندى التى تنهمر فى الفجر (من رحم الفجر، لك طل حداثتك) فكنيسة المسيح أى جسده بدأ فى النمو سريعا جدا منذ بداية الكنيسة = حداثة جسد الكنيسة أى شباب وبداية المسيحية. بل نقول أن جسد المسيح أى كنيسته بدأت فى التكوين منذ ولادة المسيح جسديا من العذراء، لذلك قال المرنم فى المزمور أن شعوب الأمم وُلِدت هناك فى صهيون (مز87).

(من البطن قبل كوكب الصبح ولدتك) سبعينية + (من رحم الفجر، لك طل حداثتك) بيروت.

المسيح شمس البر ومع ميلاده أشرق فجر الكنيسة وكانت قوية شابة = حداثتك، سماوية كالطل من السماء. ونمت سريعا كطل منهمر. فبحسب ترجمة بيروت نرى ميلاد المسيح شمس البر ومعه كنيسته القوية السمائية. وبحسب السبعينية التى تتكامل فى المعنى مع ترجمة بيروت، فالمسيح وُلِد جسديا من بطن العذراء لتولد معه الكنيسة جسده. والمسيح ابن الله مولود من الآب أزليا. فقوله من البطن إشارة للميلاد الجسدى من العذراء. وقوله ولدتك إشارة لميلاد الإبن الأزلى من الآب. فهو إبن الله المولود منه أزليا (ولدتك).

آية4) كيف يتم هذا الفداء؟ بأن المسيح رئيس كهنتنا يقدم نفسه ذبيحة ويكمل الصليب بالإفخارستيا (طقس ملكى صادق). فالصليب والإفخارستيا هما عمل واحد متكامل.

آيات5، 6) وبالصليب داس المسيح الشيطان وجنوده (يقضى بين الأمم ويملأهم جثثا) وكان ذلك حال وجوده على الأرض (يسحق رأس كثيرين على الأرض) وداس الموت بموته ودان الخطية (راجع تفسير رو8: 3). ولكن حاول اليهود قتله مرارا وحفظه الله حتى يتمم عمل الصليب (الرب عن يمينك). وكما قال بولس الرسول "أخضعت كل شيء تحت قدميه. لأنه إذ اخضع الكل له لم يترك شيئا غير خاضع له. على أننا الآن لسنا نرى الكل بعد مخضعا له" (عب2: 8). ولكن فى المجئ الثانى سيخضع له الكل إما فى حب أو بالقوة ليكونوا تحت قدميه (آية1 فى هذا المزمور).

آية7) كانت ألام ومعاناة المسيح على الأرض شديدة، وهى على نوعين: -.

أ) حروب من اليهود بتحريض من الشيطان.

ب) حروب شيطانية مباشرة كالتجربة على الجبل.

1) حارب اليهود المسيح من بداية خدمته، ووصلت الحروب لتدبير الصليب. وكانت ألام المسيح على الصليب وما قبل الصليب شديدة جدا، إذ كان له جسدا كاملا فلقد شابهنا فى كل شئ ما خلا الخطية وحدها، كما نقول فى قانون الإيمان "تجسد وتأنس، فكان يعطش ويجوع ويحتاج لأن يشرب وقال على الصليب" أنا عطشان "(من النهر يشرب فى الطريق + وفى الطريق يشرب الماء من الوادى). بل حتى تلاميذه نجدهم قد هربوا وتخلوا عنه يوم الصليب. وقوله يشرب إشارة لشدة الألام وإحتياجه كإنسان لما يهدئ من حرارة ومرارة هذه الآلام. ولقد" ظهر له ملاك من السماء ليقويه "وهو يصلى فى بستان جثسيمانى (لو22: 43). وإن كان الجبل يشير للسماء فى إرتفاعه وعلوه، فالوادى يشير للأرض التى نزل إليها الإبن متجسدا. وإنتصر كإنسان دون معونة من لاهوته (لذلك يرفع رأسه) وبنصرته كان خلاصنا.

2) وقد يعنى الشرب من الماء: - * الشرب المادى فعلا وإحتياجه له إذ يعطش ويتألم. * وقد يعنى إحتياجه لمساندة وتعزية كما حدث من الملاك فى جثسيمانى. * وقد يكون إشارة للروح القدس الذى حل عليه يوم المعمودية (نقطة3).

3) فإذا كان النهر يشير للروح القدس (يو7: 37 - 39) والطريق هو طريق الخلاص الذى بدأه المسيح بتجسده وحتى الصليب ثم القيامة والصعود، يكون معنى الشرب من النهر هو حلول الروح القدس على جسد المسيح. والروح يعطى قوة وعزاء (وهذا العزاء والمعونة لا تعنى مساندة اللاهوت للناسوت، بل هى معونة للمسيح بالجسد وهى لحسابنا نحن البشر. فكل من هو ثابت فى المسيح منا يحصل على تعزية مماثلة من الروح القدس عند ضيقته وتجربته). والروح القدس حل على المسيح يوم المعمودية، فالروح القدس هو الذى سيكمل عمل الخلاص مع الكنيسة جسد المسيح، ليثبتنا فى جسد المسيح ويعطينا نعمة وقوة ومعونة لنظل ثابتين.

4) ونلاحظ أن المسيح بعد 40 يوما من الصراع مع الشيطان، وقت التجربة على الجبل والتى إنتصر فيها المسيح كإنسان، إذ قيل "وكان هناك فى البرية أربعين يوما يجرب من الشيطان. وكان مع الوحوش" (مر1: 12). يقول القديس لوقا أنه "رجع بقوة الروح إلى الجليل" (لو4: 14). ونلاحظ أن التجربة على الجبل لم تكن مجرد 3 تجارب فقط إنما هذا ما سمح الله لنا بأن نعرفه، أما باقى التجارب وعلى مدى أربعين يوما مع وحوش الشياطين فهذه فوق مستوى إدراكنا لذلك لم يعلنها الله لنا. ويكفى أن نسمع عن حروب الشيطان مع عظماء القديسين كالأنبا أنطونيوس مثلا.

وألا يذكرنا هذا بالمزمور (مز42: 1، 2) "كما يشتاق الأيل الى جداول المياه هكذا تشتاق نفسي اليك يا الله. عطشت نفسي إلى الله إلى الإله الحي" وهذه مأخوذة مما يحدث مع الأيائل الحادة البصر، إذ تكتشف جحور الثعابين فتذهب إليها وتظل تصارعها وتنتصر عليها وتقتلها وتدوسها بأرجلها. وهذه المعركة تصيبها بالعطش فتجرى إلى مجارى المياه لترتوى فتتقوى.

وبهذا نرى أن المسيح قد واجه حربا شرسة، ليس من اليهود فقط، بل من وحوش الشياطين ولمدة 40 يوما. وهزمها وقيدها لذلك فهو حين قام بشفاء المجنون الأعمى والأخرس قال "أم كيف يستطيع أحد أن يدخل بيت القوي وينهب أمتعته إن لم يربط القوي أولا وحينئذ ينهب بيته؟" (مت12: 29). وأكمل الرب هزيمة الشيطان ووضعه تحت الأقدام بالصليب. وبعد المعركة مع هذه الوحوش رجع بقوة الروح.

كل هذا الصراع والإنتصار وقوة الروح كانوا للمسيح كإنسان فلا معنى أن نقول أن المسيح بلاهوته قد إنتصر على الشيطان. فلا مقارنة بين الله وخليقته من حيث القوة. ولكن كان هذا لحسابنا نحن البشر. فثباتنا فى المسيح وتسليم حياتنا له يعطينا أن نسير فى نفس الخط ـــــ نحارب الشياطين وننتصر وندوس عليها فنمتلئ من الروح القدس ـــــــ وهذا الإمتلاء من قوة الروح والإنتصار على حروب إبليس عبَّرَ عنه المزمور بقوله (من النهر يشرب فى الطريق، لذلك يرفع الرأس). بالنسبة للمسيح كإنسان إنتصر على الشيطان وعلى الموت وعلى الخطية. وبعد أن نكس رأسه على الصليب ومات قام من الأموات ليعطينا حياته الأبدية هذه التى قام بها من بين الأموات. وبالنسبة لنا أى لمن يقبل الثبات فى المسيح، فهذا يعطينا النصرة والإمتلاء من الروح والتعزية خلال التجارب والثبات فى الحياة الأبدية.

ملخص المفاهيم العقيدية فى الفداء بحسب المزمور.

  1. إبن الله الأزلى المساوى لأبيه يولد زمنيا، لتولد كنيسته، جسده، كنيسة قوية سماوية تنمو بسرعة. بل نمت وإمتدت وسط حروب الشيطان ضدها، إذ إستخدم أعوانه من الملوك والشعوب ليهدموا كنيسة المسيح ولم يفلحوا وساد المسيح.
  2. الروح القدس يحل على جسد المسيح فيمسحه ليقدسه (يخصصه) كذبيحة ستقدم على الصليب. ويعطى معونة لجسده لحساب الكنيسة التى هى جسد المسيح يؤسسها ويقويها ويعزيها وسط ضيقات وحروب إبليس، ويثبتها فى المسيح.
  3. المسيح يصير رئيس كهنة يقدم ذبيحة نفسه على الصليب، ويكتمل الصليب بسر الإفخارستيا. فصار كهنوت المسيح على طقس ملكى صادق. وهذه الذبيحة الإفخارستية مستمرة فى الكنيسة إلى الأبد.
  4. هذا الصليب الذى كان مظهرا للضعف يصير صولجان ملك المسيح على شعبه.
  5. الآب حفظ المسيح حتى لا يهلكه اليهود قبل الصليب.
  6. شعب المسيح الذين أدركوا فداء المسيح العجيب وضعوا أنفسهم بحريتهم تحت سلطان ملك المسيح عليهم، وملكوه على قلوبهم فى حب لمن أحبهم أولا.
  7. الآب هو الذى أعطى لإبنه المتجسد كل هؤلاء الذين آمنوا به، فوحدهم الإبن فى جسده. وبهذا الجسد يقدم الخضوع للآب (1كو15: 28).
  8. بعد أن أتم المسيح عمله الفدائى بالجسد صعد بجسده ليجلس عن يمين أبيه بجسده. أى صار لجسد المسيح نفس مجد لاهوته. وكان هذا سببا فى فرحة الآب بعمل الإبن إذ عاد أبناءه البشر إلى حضنه فى المجد.

بالصليب هزم المسيح الشيطان ووضعه تحت قدميه لحساب الكنيسة، فصار هناك سلطان للمؤمنين أن يدوسوا الحيات والعقارب. وفى المجئ الثانى سيكمل هذا الإنتصار ويخضع كل أعداء المسيح تحت قدميه وللأبد، ويلقون فى البحيرة المتقدة بالنار.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

اَلْمَزْمُورُ الْمِئَةُ وَالْحَادِي عَشَرَ - سفر المزامير - القمص أنطونيوس فكري

اَلْمَزْمُورُ الْمِئَةُ وَالتَّاسِعُ - سفر المزامير - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير سفر المزامير الأصحاح 110
تفاسير سفر المزامير الأصحاح 110