الأصحاح الرابع – سفر إشعياء – القمص تادرس يعقوب ملطي

هذا الفصل هو جزء من كتاب: 27- تفسير سفر إشعياء – القمص تادرس يعقوب ملطي.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الأصحاح الرابع

غصن الرب هو العلاج.

في الأصحاحات السابقة قدم لنا الوحي الإلهي صورة مؤلمة لما بلغه الإنسان من فساد وانحلال بسبب الخطية حيث فقد الإنسان جماله وكرامته وأكله وشربه وزينته حتى حياته ذاتها، وصار العلاج الوحيد هو مجيء السيد المسيح "غصن الرب" يرد للإنسان جمال طبيعته وبشبعه لا بتقديم خيرات معينة بل بتقديم "نفسه" سرّ حياة وفرح وشبع.

1. الحاجة إلى المخلص [1].

2. غصن الرب [2].

3. البقية المقدسة [3 - 4].

4. حلول المسيح في وسط كنيسته [5].

5. كنيسة المسيح مظلة وملجأ [6].

العدد 1

1. الحاجة إلى المخلص:

"فتمسك سبع نساء برجل واحد في ذلك اليوم قائلات: نأكل خبزنا ونلبس ثيابنا، ليُدع فقط اسمك علينا، انزع عارنا" [1].

هؤلاء النساء السبع هم جميع الأمم من بينهم اليهود، فقد شعر الكل بفراغ شديد يجتاح الأعماق بسبب فساد الطبيعة البشرية. تجتمع هذه الأمم كعروس تطلب عريسها، تُريد اسمه لينزع عار فسادها، حينئذ تأكل خبزها وتلبس ثيابها. مسيحها أهم من كل احتياجاتها، فيه تجد كل الشبع والستر من العُري والحماية من كل عار.

هذا من الجانب الرمزي الروحي، أما من الجانب الحرفي فقد تنبأ إشعياء النبي عما كان سيحل بيهوذا حيث يتعرض لحروب طاحنة خلالها يُقتل عدد كبير من الرجال، فتشتاق كل إمرأة أن تجد لها رجلاً تحتمي تحت إسمه مهما كلفها الأمر. فهي مستعدة أن تُشاركها فيه ست نساء أخريات وهذا أمر لا تطيقه السيدة بطبيعتها؛ بل وتطلب من رجلها ألا يستلزم بشيء إنما تأكل وتشرب من تعبها هي الأمر الذي يُخالف الطبيعة نفسها... هذا كله لأنها تُريد أن تنجب منه فينزع عنها عارها (تك 30: 23، 1 صم 1: 11).

العدد 2

2. غصن الرب:

الآن، إن كانت البشرية بكل شعوبها (سبع نساء) اكتشفت حاجتها إلى المخلص، فها هو النبي يبشرها بمجيئه قائلاً: "في ذلك اليوم يكون غصن الرب بهاءً ومجدًا وثمر الأرض فخرًا وزينة للناجيّن من إسرائيل" [2].

يُقصد بـ "ذلك اليوم" ملء الزمان (غل 4: 4) الذي فيه تجسد ابن الله الوحيد الجنس، الذي دُعى "غصن الرب"، أو "الغصن" (إر 23: 5، 33: 15؛ زك 3: 8؛ 6: 12). هو غصن الرب وغصن برّ لداود، إذ هو المولود قبل كل الدهور أزليًا من ذات جوهر الآب وبتجسده وُلد من نسل داود.

بدخوله إلى العالم أعلن البهاء الإلهي والمجد الفائق على المؤمنين الغرباء البسطاء كما على المخلصين من اليهود. وكما قال سمعان الشيخ "نور إعلان للأمم ومجدًا لشعبك إسرائيل".

نبت هذا الغصن بتجسده، فحلّ في وسطنا ليعكس البهاء الإلهي على طبيعتنا، فيقول لكنيسته: "خرج لكِ أسم في الأمم لجمالك، لأنه كان كاملاً ببهائي الذي جعلته عليكِ بقول السيد الرب" (حز 16: 14).

كلمة "غصن" تُعادل أيضًا "ناصرة"، لذا يقول الإنجيلي: "لكي يتم ما قيل بالأنبياء أنه يُدعى ناصريًا" (مت 2: 23).

الأعداد 3-4

3. البقية المقدسة:

من الذي يتمتع بغصن الرب؟

"الذي يبقى في صهيون والذي يُترك في أورشليم" [3]. هؤلاء هم القلة التي قبلت الإيمان بالسيد المسيح من جماعة اليهود، بقوا في صهيون الروحية، في الكنيسة أورشليم الجديدة.

من الجانب الحرفي تُشير إلى البقية الباقية من السبي، أما من الجانب الروحي فهي القلة المقدسة، القطيع الصغير الذي لا يغادر قلبه صهيون ولا تفارق روحه أورشليم العليا. هذه البقية تحدث عنها كثير من الأنبياء (زك 13: 9)، وجُدت في كل عصر، ففي أيام إيليا النبي أعلن الرب أن له سبعة آلاف رجل لم يحنو ركبة لبعل بعد، وفي أثناء السبي وُجد دانيال ومعه الثلاثة فتية ضمن القلة المقدسة، وأيضًا استير ومردخاي، وبعد السبي نسمع أيضًا عن هذه القلة المقدسة (ملا 3: 6؛ 4: 2)، والسيد المسيح نفسه يتحدث عن القطيع الصغير الذي سّر الآب أن يعطيه الملكوت (لو 12).

في اختصار، كل نفس مخلصة ترفع قلبها إلى أورشليم العليا ترى الكنيسة المقدسة في الرب فتفرح وتسر من أجلها.

ارتبط قلب إشعياء بأورشليم عاصمة بلده ومدينة الله التي تضم هيكله المقدس، وقد دخل في مرارة من أجل ما حلّ بها من فساد. الآن إذ يعلن عن مجيء "غصن الرب" يرى أورشليم جديدة يسكنها قديسون في الرب القدوس، وينعمون بالحياة الأبدية. يقول: "يُسمى قدوسًا كل من كتب للحياة في أورشليم" [3].

الكنيسة - أيقونة السماء - هي عربون أورشليم العليا التي لا يدخلها شيء دنس أو نجس ولا كل من يصنع كذبًا، إنما يدخلها من غسل ثيابه وبيّضها في دم الحمل (رؤ 7: 14).

كأعضاء في الكنيسة المقدسة - أورشليم الجديدة - تمتعنا بمسحة روح الله القدوس، لنُتمم الوصية الإنجيلية: "نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم قديسين في كل سيرة" (1 بط 1: 15).

من الذي يُقدس حياتنا؟ الرب نفسه إذ يقول النبي: "إذ غسل الرب قذر بنت صهيون ونقى دم أورشليم من وسطها بروح القضاء وروح الإحراق" [4]. أنه غسل أدناسنا في مياه المعمودية في استحقاقات دمه، ولا يزال يغسل كل ضعفاتنا بدمه الذي جرى من جنبه الطعون ممتزجًا بماء. إن كانت أيدينا قد تلطخت بالدم خلال خطايانا فانه يُقدم دمه كفارة عنا ليُقيمنا كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن بل مقدسة في كل شيء.

هذا الغسل أو التطهير يتحقق "بروح القضاء وروح الإحراق"؛ أما روح القضاء فتحقق برفعه على الصليب حاملاً ثمن خطايانا في جسده، متممًا العدل الإلهي من جهتنا فيه. وأما روح الإحراق، فيعني ما سبق فأعلنته الشريعة في سفر اللاويين عن "المحرقة" حيث تُحرق الذبيحة تمامًا إشارة إلى الحب الكامل... فذبيحة المسيح التي باسمنا هي "المحرقة" التي قُدمت علامة حبنا الكامل فيه نحو الآب. وربما قصد بروح الإحراق أيضًا الروح القدس الناري الذي حلَّ على الكنيسة لتقديسها وغسل كل عضو فيها.

  • في آخر الأيام عندما جاء ملء زمان الحرية قام الكلمة بغسل قذر بنت صهيون بنفسه، إذ غسل بيديه أقدام التلاميذ (يو 13: 5) [103].

القديس إيرينيؤس.

  • الحميم (بالمعمودية) الروحي الممتاز ينزع فساد النفس.

القديس إكليمنضس السكندري[104].

يُعلق القديس إكليمنضس السكندري على القول "نقَّى دم أورشليم" بالقول: [هنا دم الجريمة وقتل الأنبياء[105]]، فمن جحد المسيح إنما اشترك مع آبائه في قتل الأنبياء أما من قبله فقد تنقى في أعماقه وتقدس.

العدد 5

4. حلول المسيح وسط كنيسته:

تغتسل الكنيسة بروح القضاء وروح الإحراق أي خلال ذبيحة المحرقة الفريدة التي قدمها السيد المسيح وبعمل روح القدوس في مياه المعمودية فتطلب حلول عريسها الذبيح في وسطها، يستر عليها نهارًا كسحابة تظللهم ويقودها ليلاً كعمود دخان وعمود نار يضيئ لها الطريق. هكذا تعود الكنيسة بذاكرتها إلى خيمة الاجتماع في وسط البرية حيث كان الله يجتمع فيها مع شعبه، لكنها خيمة جديدة على مستوى مغاير لخيمة العهد القديم، وذلك منجهة:

أ. "على كل مكان" [5]، لم تعد الحضرة الإلهية أو الحلول الإلهي قاصرًا على خيمة أو على هيكل إنما يحل في كنيسته الممتدة في كل مكان، في المشارق والمغارب؛ يسكن في قلوب الكهنة واشعب، أبوابه مفتوحة لكل الشعوب والأمم أينما وُجدوا.

ب. "وعلى محفلها": يُشير هذا التعبير على عمل الله في الكنيسة كمحفل واحد، أو جماعة واحدة، يتمتع كل عضو فيها بعطية الحلول الإلهي لا كفرد منعزل وإنما كعضو حيَّ في الجماعة يرتبط مع بقية الأعضاء خلال المسيح رأس؛ له علاقته الشخصية مع الله التي تزيده اتحادًا مع اخوته.

ج. "يخلق... سحابة ودخانًا ولمعان نار ملتهبة"؛ يكون السيد المسيح هو سرّ حماية كنيسته واستنارتها.

د. بقوله: "لأن على كل مجد غطاء" يعني أن مجد ابنة الملك من داخل (مز 45)، مخفي فيها. من الخارج تُشارك مسيحها آلامه وصلبه وموته وقبره فيُقال عنها ما قيل عن عريسها: "لا صورة له ولا جمال فنظر إليه، ولا منظر فنشتهيه" (إش 53: 2)؛ وفي الداخل تُشاركه مجد قيامته.

النفس التي تدرك قيمة مجد مسيحها الداخلي وبهجة ملكوته فيها تغطيه لأنه ثمين... فقد اعتدنا أن نخفي ما هو ثمين ونحافظ عليه أما ما هو بلا قيمة فلا يحتاج إلى غطاء أو حفظ. الكنيسة في انشغالها بمسيحها الممجد تقول: "بين ثدييَّ يبيت" (نش 1: 13)... تُريده في أعماقها، مخفي في قلبها!

العدد 6

5. كنيسة المسيح مظلة وملجأ:

يحل الرب في كنيسته فيُقيم منها مظلة تقي النفوس المتألمة الجريحة من حر النهار، وتضمها من السيول والأمطار (إش 4: 6).

يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن هذه المظلة هي سحابة القديسين العظيمة (عب 12: 1) قائلاً: [بإن تذكار القديسين يُقيم النفس التي تثقلت بالويلات ويردها، فيكون كسحابة تحفظها من أشعة (الشمس) الساخنة جدًا والمحرقة[106]].


[103] Adv. Haer. 4: 22: 1.

[104] Paed. 3: 9.

[105] Ibid.

[106] In Heb. Hom. 28: 3.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الخامس - سفر إشعياء - القمص تادرس يعقوب ملطي

الأصحاح الثالث - سفر إشعياء - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفاسير سفر إشعياء الأصحاح 4
تفاسير سفر إشعياء الأصحاح 4