الإصحاح الثالث – سفر الجامعة – القس أنطونيوس فكري

الإصحاح الثالث

الأعداد 1-15

الآيات (1 - 15): -

"1لِكُلِّ شَيْءٍ زَمَانٌ، وَلِكُلِّ أَمْرٍ تَحْتَ السَّمَاوَاتِ وَقْتٌ: 2لِلْوِلاَدَةِ وَقْتٌ وَلِلْمَوْتِ وَقْتٌ. لِلْغَرْسِ وَقْتٌ وَلِقَلْعِ الْمَغْرُوسِ وَقْتٌ. 3لِلْقَتْلِ وَقْتٌ وَلِلشِّفَاءِ وَقْتٌ. لِلْهَدْمِ وَقْتٌ وَلِلْبِنَاءِ وَقْتٌ. 4لِلْبُكَاءِ وَقْتٌ وَلِلضَّحْكِ وَقْتٌ. لِلنَّوْحِ وَقْتٌ وَلِلرَّقْصِ وَقْتٌ. 5لِتَفْرِيقِ الْحِجَارَةِ وَقْتٌ وَلِجَمْعِ الْحِجَارَةِ وَقْتٌ. لِلْمُعَانَقَةِ وَقْتٌ وَلِلانْفِصَالِ عَنِ الْمُعَانَقَةِ وَقْتٌ. 6لِلْكَسْبِ وَقْتٌ وَلِلْخَسَارَةِ وَقْتٌ. لِلصِّيَانَةِ وَقْتٌ وَلِلطَّرْحِ وَقْتٌ. 7لِلتَّمْزِيقِ وَقْتٌ وَلِلتَّخْيِيطِ وَقْتٌ. لِلسُّكُوتِ وَقْتٌ وَلِلتَّكَلُّمِ وَقْتٌ. 8لِلْحُبِّ وَقْتٌ وَلِلْبُغْضَةِ وَقْتٌ. لِلْحَرْبِ وَقْتٌ وَلِلصُّلْحِ وَقْتٌ. 9فَأَيُّ مَنْفَعَةٍ لِمَنْ يَتْعَبُ مِمَّا يَتْعَبُ بِهِ؟ 10قَدْ رَأَيْتُ الشُّغْلَ الَّذِي أَعْطَاهُ اللهُ بَنِي الْبَشَرِ لِيَشْتَغِلُوا بِهِ. 11صَنَعَ الْكُلَّ حَسَنًا فِي وَقْتِهِ، وَأَيْضًا جَعَلَ الأَبَدِيَّةَ فِي قَلْبِهِمِ، الَّتِي بِلاَهَا لاَ يُدْرِكُ الإِنْسَانُ الْعَمَلَ الَّذِي يَعْمَلُهُ اللهُ مِنَ الْبِدَايَةِ إِلَى النِّهَايَةِ. 12عَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ خَيْرٌ، إِلاَّ أَنْ يَفْرَحُوا وَيَفْعَلُوا خَيْرًا فِي حَيَاتِهِمْ. 13 وَأَيْضًا أَنْ يَأْكُلَ كُلُّ إِنْسَانٍ وَيَشْرَبَ وَيَرَى خَيْرًا مِنْ كُلِّ تَعَبِهِ، فَهُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. 14قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ كُلَّ مَا يَعْمَلُهُ اللهُ أَنَّهُ يَكُونُ إِلَى الأَبَدِ. لاَ شَيْءَ يُزَادُ عَلَيْهِ، وَلاَ شَيْءَ يُنْقَصُ مِنْهُ، وَأَنَّ اللهَ عَمِلَهُ حَتَّى يَخَافُوا أَمَامَهُ. 15مَا كَانَ فَمِنَ الْقِدَمِ هُوَ، وَمَا يَكُونُ فَمِنَ الْقِدَمِ قَدْ كَانَ. وَاللهُ يَطْلُبُ مَا قَدْ مَضَى.".

طبع الإنسان هو الخوف من المستقبل والقلق. والإنسان متسرع، إذا واجه مشكلة يريد حلها فوراً، وإذا لم تحل فوراً يضطرب، الإنسان متعجل وهذا يسبب له هَمْ كثير وألام نفسية كثيرة. وسليمان هنا وهو يجول باحثاً عن طريق سعادة الإنسان يقدم نصيحة غالية لكل إنسان متعجل قلق. أنه لكل شئ زمانٌ لكل أمر تحت السموات وقت = أي لا شئ يحدث عرضاً في هذه الحياة فالكل محدد من الله. حياتنا بكل ظروفها وأوضاعها تسير حسب خطة منظمة معينة تحقق مقاصد الله في الوقت المناسب وعلينا أن نؤدي واجباتنا بأمانة، ولنثق أن خطة الله ضابط الكل هي خطة حكيمة وأنه أب حنون وضابط الكل وأن كل الأمور تعمل معاً للخير. وكل ما في حياتنا هو أنسب شئ للوقت الحاضر. بل أنه ليس في إمكاننا تغييره ولا تغيير إرادته. بل لو سارت الأمور الآن بحسب الخطط التى نضعها نحن لفسدت حياتنا، فمهما دارت عجلة الزمن بنا إلى فوق أو إلى تحت فنحن في يد إلهنا الحنون الذي خلق العالم لأجلنا. هنا دعوة للتسليم، تسليم حياتنا في يد الله الحنون بأن نقبل كل ما يسمح به. بل أنه إذا كان العالم نفسه متغيراً فكيف نضع ثقتنا فيه. فالشمس تأتي ثم تغيب وهكذا، فكيف نضع ثقتنا في أي شئ مادي، فهل يضمن المال وكثرته المستقبل، هل تضمن الصحة مستقبلنا، إن وُجِدَ خير فلوقت قصير، فماذا يفرحني لو امتلكت قصور وجنات والكل سيقلع. ونصيحة سليمان أن تكون عيوننا متجهة للأبدية (آية11) وَأَيْضًا جَعَلَ الأَبَدِيَّةَ فِي قَلْبِهِمِ. وبعد ذلك نلقي كل هم عليه فهو بحكمة سماوية يهتم بكل صغيرة وكبيرة في حياتنا حتى شعور رؤوسنا لا تفلت من رعايته. فقط لنحيا بروح الأمانة ونعمل بكل طاقاتنا ونحيا بفرح وسرور واثقين في الله مدبر حياتنا.

خطة الله فوق الزمن:

خطة الله للعالم غير خاضعة لمنطق بشري، لذلك فهي مصدر حيرة للإنسان دائماً، لأن خطة الله هي أزلية أبدية، خطة ممتدة من الأزل للأبد، والإنسان ظهر في فترة متناهية الصغر من الزمن وعاش منغمساً في الزمن ولكنه يريد أن يمتد ببصره إلى الأزل وإلى الأبد ليفهم وحينما يرى نفسه عاجزاً عن تخطي حاجز الزمن يتألَّم، بل ربما ظن أن خطة الله يشوبها التشويش. وسليمان يرى أن خطة الله ممتدة للأبدية = كل ما يعمله الله أنه يكون إلى الأبد (14) ويرى أن خطة الله أزلية = ما كان فمن القدم هو وما يكون فمن القدم قد كان. إذاً خطة الله هي خطة سرمدية (أزلية أبدية) ولذلك لن ندركها بعقولنا المحدودة. ولن نرى جمالها إلا بعد إنتهاء رسم الصورة كلها، فالبيت لا يظهر جماله إلا بعد الإنتهاء منه تماماً ولن يحدث ذلك لنا إلا في الأبدية. وعمل الله كامل = لا شئ يزاد عليه ولا شئ ينقص منه. فمشورات الله وحكمته وتدبيره كاملة ولا شئ فيها عديم الفائدة. حقاً العالم متغير ولكن الله وراء كل تغيير وكل حادثة وللخير. فلنفرح بما نحن فيه لأن الله أراده هكذا، ولنخضع لإرادته ونقبل حكمه بروح الشكر محاولين إرضائه، وبهذا وحده نجد راحتنا هنا بل يكون لنا راحة في أبديتنا وهناك مبادئ أساسية علينا أن نضعها نصب أعيننا.

  1. لكل شئ زمان، وليس شئ صالحاً بذاته، إنما حسب إستخدامنا له وبالقدر اللائق وفي الوقت اللائق به وبطريقة صالحة.
  2. كل شئ له فائدة جزئية ولكن إن أحسننا استخدام كل شئ كان له فائدة تامة.
  3. في حياتنا هنا لكل شئ زمان ولا شئ يبقي أبدياً. كل شئ متغير حتى تأتي الأبدية التي هي فوق الزمان وهناك الراحة الحقيقية ويضل من يظن أن الراحة الحقيقية هي هنا.
  4. لكل شئ زمان، يعجز الإنسان عن إدراك مقاصد الله وتدابيره الفائقة وتغييرها. فالله له خطة أزلية للكون يسير كل شئ بمقتضاها، ولها توقيتات لا تخطئ.
  5. الله الذي خلق الزمن وهو لا يخضع له، ومن أجل تدبير خلاصنا خضع بإرادته للزمن حينما أخذ طبيعتنا وقبل الموت في جسده عنا. خضع للزمن ليرفعنا فوق الزمن.
  6. الله كخالق محب للبشر صنع الكل حسناً في وقته (11). فلكل شئ وقت أما الله فله في قلوبنا كل الوقت. جعل الأبدية في قلبهم = أي جعل في قلوبنا الإشتياق للأبدية والاشتياق لمعرفته هو الأبدي، والإشتياق للحياة الأفضل في الأبدية. وحتى لو كان هنا فى حياتنا ما يؤلم فعزاءنا أن هناك أبدية كلها مجد وفرح، لذلك وضع الله الأبدية فى قلوبنا. وأيضا حتى لا نتعلق بالأرضيات فنحن واثقين أننا غرباء هنا.
  7. الآيات (12، 13) حياتنا من عمل وأكل وشرب هي عطية إلهية، وليس معنى إهتمامنا بالأبدية أن لا نعمل على الأرض أو نستهتر بحياتنا الزمنية، فكل متعة في الحياة إن كنا نعمل بأمانة شاكرين الله، نجد أن هذه المتعة تحمل بصمات حب الله الفائق، بل سنرى أن الظروف التي نحيا فيها هي أفضل ما تناسبنا كتهيئة للحياة الأبدية فنمارس حياتنا بروح التسبيح والفرح.
  8. لكل شئ زمان فالله أحب شعب العهد القديم وأحب شعبه في العهد الجديد، هو دائماً محب للبشر. ولكن البشر هم الذين يتغيروا من نحوه.
  9. في بعض أعمال الله نجد يده القوية التي تؤدب الأشرار = وأن الله عمله حتى يخافوا فالله يظهر قوته وعقوباته حتى نخاف ونعرف أن هناك إلهاً فوقنا له سلطان علينا وله وصايا، إذا إلتزمنا بها يكون لنا الخير هنا وفي الأبدية.
  10. الله يطلب ما قد مضى = فالله يذكر خطايانا الماضية التي لم نتب عنها ونعترف بها. فعلينا أن نفتش داخلنا. ومن يتوب عنها ويعترف بها يلقيها الله فى أعماق البحر أى ينساها لنا (مى7: 19). وهذه الآية لها معنى آخر "فيسوع المسيح هو هو أمس واليوم وإلى الأبد" ومعاملات الله وحكمته ورحمته ومحبته للبشر هي هي، فإذا رأينا الله يرحم أيوب بعد أن أدبه فلنقل في تجربتنا أن الله بالتأكيد سيرحمنا، وأن رأينا الله يعاقب شاول على خطيته فلنخف فهو سيؤدبنا على خطايانا إن لم نتب عنها. وهناك من يرى في هذه الآية علامة على قبول شعب إسرائيل في الإيمان مرة أخرى.
  11. لو آمن الإنسان بالأبدية وأن الله سيحاسبه يوماً فيخاف الله ويطلب الأبدية، يعمل بأمانة وبلا قلق وبتسليم لله الذي حكمته سرمدية وخطته سرمدية وكل عمله كامل لا ينقص، ومن يدرك هذا بقلبه ويسلم حياته لله القوى الذى هو أبوه المحب دون تذمر يدرك العمل الذي يعمله الله من البداية إلى النهاية. يكون مثل إبراهيم الذي قال عنه الله "هل أخفي عن عبدي إبراهيم ما أنا فاعله". أما من لا يضع فكرة الأبدية في قلبه ويقول مع من قال "نأكل ونشرب لأننا غداً نموت" لن يفهم عمل الله (11).
  12. ومن يفهم عمل الله لن يدخل في قلق وغم وحزن ويقول فأي منفعة لمن يتعب (9) فهو سيعلم أن الله أعطاه عملاً ليعمله (10) وهذا يتفق مع (أف10: 2). مثل هذا سيعمل بفرح.

ملحوظة: لفظة الأبدية = آية (11) ربما لم يفهمها سليمان كما نفهمها نحن الآن ولكن كان يعني بها أن خطة الله أبدية أي لقرون طويلة للمستقبل والمستقبل مظلم غير معلن لنا، بل هو سر فالكلمة الأصلية تحمل معاني عديدة مثل (سر / نسيان / يصير مظلماً).

للولادة وقت وللموت وقت = الله في محبته لنا وحسب خطته حدد موعد ولادتنا وأيضاً موعد رحيلنا من هذا العالم. والله أعطى لكل منا زمن محدد الهدف منه أن نتمم عمل خلقنا لنتممه ثم ننطلق للراحة، وخلال هذا الزمن يعمل الله على تنقيتنا لنليق بالسماء.

للغرس وقت ولقلع المغروس وقت = * هذا ينطبق على النبات وهناك أوقات معينة لكل زرع ولحصاد الزرع. * وينطبق على الأمم (إر10: 1) فالله يعطي لأمة ما سلطة وقوة زماناً معيناً ثم يقلعها، فالله أعطى لبابل سلطانا لتؤدب أورشليم وأمم أخرى، ثم أعطى الفرس قوة لإعادة اليهود إلى أورشليم وهكذا. * وينطبق على كل منا، فهناك وقت للتعليم، وهناك وقت ينضج فيه الشخص ويبدأ الله يرسله للخدمة فالله يزرع ويروى ليفرح بالثمر. * ونحن قُلِعنا من العالم وغُرِسنا كزيتونة في بيت الرب بالمعمودية، فلنتب حتى لا نُقلع من زيتونة الرب التى غرسنا فيها (رو22: 11).

للقتل وقت وللشفاء وقت = تفهم روحياً بقتل الإنسان العتيق وشفاء الإنسان الجديد في المعمودية (رو4: 6 - 6 + هو1: 6). وبالنسبة للحاكم فهناك وقت للشدة مع المجرم وهناك وقت للعفو. وهناك مجرم قد يحتاج للتأديب فقط ليشفى من إجرامه. وهكذا الله مع الخاطئ، فالله يؤدب ويعطى فرصا كثيرة للتوبة والشفاء، وإن لم يقبل الخاطئ وأصر على الفساد والإفساد، هنا ينهى الله حياته كما عمل مع أريوس (1كو11: 30 + رؤ2: 22، 23) ونلاحظ مراحم الله فهو يذكر القتل أولاً ثم الشفاء لأنه يجرح ثم يعصب. وبنفس المفهوم نفهم للهدم وقت وللبناء وقت وروحيا نهدم ما للإنسان العتيق فينا لنبنى الجديد.

للبكاء وقت وللضحك وقت. لِلنَّوْحِ وَقْتٌ وَلِلرَّقْصِ وَقْتٌ = ابتدأ بالبكاء والنوح لأن من يزرع بالدموع يحصد بالإبتهاج. ونحن على الأرض فالوقت وقت النوح والبكاء على خطايانا، والله يرى هذا النوح ويعطى التعزيات والفرح فى الوقت الذى يراه مناسبا (يو16: 2)، حتى لا يفقد التائب روح التقوى ويسقط فى الإنتفاخ. أما في السماء فسيمسح الله كل دمعة من عيوننا ونحيا في أفراح أبدية. الضحك والرقص يشيران للأفراح، وروحيا يشيران لتهليل النفس وكمال الأفراح الروحية سيكون فى السماء (رؤ4: 21).

لتفريق الحجارة وقت ولجمع الحجارة وقت = يشير تفريق الحجارة وتجميعها إلى هدم مبنى قديم وإحلاله بآخر جديد. وبالرجوع إلى (أف20: 2، 21 + 1بط5: 2) نفهم أننا الحجارة الحية في هيكل الله، وبذلك يصير تفريق الحجارة إشارة لهدم مبنى العهد القديم ليحل محله كنيسة العهد الجديد أي جسد المسيح، وقد هُدِمَ الهيكل فعلاً سنة 70 م وإنتهى بذلك الكهنوت اليهودي حتى الآن وتفرقت حجارة شعب اليهود لتجتمع حجارة شعب المسيح. بل حينما تنقض خيمتنا الأرضية (الموت بالجسد) فسيكون لنا بناء في السماء أبدي (2كو1: 5). وحينما تتجمع كل الحجارة الحية = يَكْمَلْ العبيد رفقاؤهم "(رؤ6: 11) أى يكتمل عدد المُخَلَّصين، يأتى المسيح فى مجيئه الثانى ليعلن هيكل الله السماوي (راجع رؤ12: 3) وينقلنا جميعا إلى المجد.

للمعانقة وقت وللإنفصال وقت = قد تشير لسفر الناس سعياً وراء أرزاقهم وما يحمله هذا من آلام الفراق الجسدي ثم العودة وما يصاحبها من أفراح. وهناك من رأي أن المعانقة فيها إشارة للزواج (1كو3: 7 - 5). فهناك وقت للزواج وهناك وقت للإنفصال، بل هناك من طلب البتولية والرهبنة وهذه يفضلها بولس الرسول عن الزواج ولكنها ليست لكل الناس. وفى تربية الأولاد هناك وقت للتدليل وإعلان الحب = المعانقة. وهناك وقت لإعلان الغضب = الإنفصال فى حالة الأخطاء الجسيمة.

للكسب وقت وللخسارة وقت = لا يوجد من يكسب كل الأوقات وعلينا أن نشكر الرب على كل حال. ولكن لنسمع ما قاله بولس الرسول "ما كان لى ربحا، فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة" (فى3: 7، 8). فما كان يحسبه مكسب، صار بالنسبة له خسارة بعد أن إكتشف المسيح. فبعد أن عرف المسيح صارت فريسيته وبره الذاتى خسارة، لأن كل ذلك كان حاجزا يبعده عن بر المسيح.

للصيانة وقت وللطرح وقت = هناك أشياء غالية نحتفظ بها ونصونها، ولكن يأتي وقت تكون تكلفة إصلاحها أكبر من قيمتها فنطرحها دون أن نصلحها. وجسدنا الذي نهتم به ونصونه بل نقوته ونربيه (أف29: 5) يأتي وقت ونسلمه للموت في فرح مثل وقت الاستشهاد. وهناك من يهتم بملذات دنيوية كثيرة ويراعيها، وعندما يكتشف الجوهرة كثيرة الثمن يبيع كل ما كان يصونه معتبرا إياه لآلئ ثمينة ويطرحه كشئ بلا قيمة.

للتمزيق وقت وللتخييط وقت = كان من علامات الحزن تمزيق الملابس (تك29: 37 + أي20: 1) والعكس ففي وقت الأفراح يخيطون ملابس جديدة، وهناك من يمزق عاداته الشريرة ليخيط له المسيح ملابس بر، هناك وقت يستر الله فيه على الخطية كما ستر على آدم وصنع له أقمصة من جلد، ولكن هناك وقت قد يسمح للإنسان أن تفضح خطيته حتى يرتدع ويكف عنها.

للسكوت وقت وللتكلم وقت = هناك وقت لو تكلمنا فيه يكون كطرح الدرر قدام الخنازير (أم23: 15 + أم11: 25 + إش4: 50). ويبدأ بالسكوت قبل الكلام فإنه علينا أن نصمت لنفكر قبل أن نتكلم. وهذه الآية تفسر ما قاله سليمان فى (أم26: 4، 5).

للحب وقت وللبغضة وقت = هناك وقت يجب أن يقدم الوالدين محبة لأبنائهم هم في حاجة إليها، وهناك وقت يجب أن يعاملوهم بالشدة حتى لا يفسدوا. بل أن الشهيدة دميانة كانت في حزنها وغضبها على أبيها عندما أنكر الإيمان، كان هذا أشبه بالبغضة لأبيها، بينما هى كانت محبة له جداً إذ ردته بغضبها للإيمان.

للحرب وقت وللصلح وقت = هذا يتضح تماماً من موقف بولس الرسول من نحو خاطئ كورنثوس (1كو5: 5 + 2كو6: 2) فأحياناً نحتاج للحزم الذي هو أشبه بالحرب. والكنيسة عليها أن تحتوى الخاطئ حتى يتوب، ولكن لو كان هذا الإحتواء سيتسبب فى فساد الآخرين فعلى الكنيسة عزل هذا الخاطئ "إعزلوا الخبيث من بينكم" (1كو5: 13). وفى حالات الهرطقة على الكنيسة أن تحارب أصحاب البدع والهرطقات.

الأعداد 16-17

الآيات (16 - 17): -

"16 وَأَيْضًا رَأَيْتُ تَحْتَ الشَّمْسِ: مَوْضِعَ الْحَقِّ هُنَاكَ الظُّلْمُ، وَمَوْضِعَ الْعَدْلِ هُنَاكَ الْجَوْرُ! 17فَقُلْتُ فِي قَلْبِي: «اللهُ يَدِينُ الصِّدِّيقَ وَالشِّرِّيرَ، لأَنَّ لِكُلِّ أَمْرٍ وَلِكُلِّ عَمَل وَقْتًا هُنَاكَ».".

لكل شئ زمان، والله الصالح قد صنع كل شئ حسناً أو جميلاً في وقته، وما حل بالعالم من فساد ليس هو من طبيعة العالم ذاته وإنما خلال ظلم الإنسان وجوره لأخيه الإنسان. وتفشي الظلم في العالم دليل على بطلان هذا العالم، بل من يفترض فيهم إقامة العدل هم أنفسهم يظلمون الآخرين. والإنسان يتصور أنه يمكن إقامة نظام عالمي يفرض به العدل على الناس ويمنع الظلم، هكذا أخطأ لينين فى روسيا وغيره وتمردوا على الله وظنوا أنهم سيقيمون نظاماً يحقق العدل لكل الناس هو النظام الشيوعى، فتحول حكمهم ونظامهم هذا إلى ظلم لكل الناس، فالحقيقة التي يجب الإعتراف بها أن الإنسان ساقط وخاطئ فكيف يقيم هذا الخاطئ العدل مهما حاول (1: 4).

ولكن ما يعطي راحة للنفس أن الله كضابط للكل وهو وحده العادل والعارف بواطن الأمور وفاحص القلوب والكلي، هو الذي يحكم التاريخ بأسلوب لا نفهمه، ولن نستوعبه فهو يعاقب الظالم ولكن بطول أناة، ربما نتصور معها بحكمتنا المحدودة أن الله أبطأ في عدله.. لكن لكل شئ وقت. بل الله فى عدله ومحبته قد يسمح بظلم يقع على برئ لينقيه من خطايا دفينة كما حدث مع أيوب.

وكيف يمكن أن نحكم على عدل الله وحكمته وكل أيام حياتنا هي بخار يظهر قليلاً ثم يضمحل، الوقت لن يسعفنا لتتبع كل أعمال الله في الخليقة. فأعمال الله هي وفق خطة ممتدة من الأزل وإلى الأبد، وهو يطلب ما قد مضى الذي لم نراه، وفي الوقت المناسب يحاسب عليه. موضع الحق هناك الظلم = حيثما من المفروض أن نجد العدل نجد الظلم. ولكننا نجد في (17) أن الجامعة يؤمن بقضاء الله العادل ولكن في الوقت المناسب. فإن كان الإنسان في فساده يظلم أخيه فهناك الله الذي لن يترك الظلم وسيحكم بالحق.

الأعداد 18-22

الآيات (18 - 22): -

"18قُلْتُ فِي قَلْبِي: «مِنْ جِهَةِ أُمُورِ بَنِي الْبَشَرِ، إِنَّ اللهَ يَمْتَحِنُهُمْ لِيُرِيَهُمْ أَنَّهُ كَمَا الْبَهِيمَةِ هكَذَا هُمْ». 19لأَنَّ مَا يَحْدُثُ لِبَنِي الْبَشَرِ يَحْدُثُ لِلْبَهِيمَةِ، وَحَادِثَةٌ وَاحِدَةٌ لَهُمْ. مَوْتُ هذَا كَمَوْتِ ذَاكَ، وَنَسَمَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْكُلِّ. فَلَيْسَ لِلإِنْسَانِ مَزِيَّةٌ عَلَى الْبَهِيمَةِ، لأَنَّ كِلَيْهِمَا بَاطِلٌ. 20يَذْهَبُ كِلاَهُمَا إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ. كَانَ كِلاَهُمَا مِنَ التُّرَابِ، وَإِلَى التُّرَابِ يَعُودُ كِلاَهُمَا. 21مَنْ يَعْلَمُ رُوحَ بَنِي الْبَشَرِ هَلْ هِيَ تَصْعَدُ إِلَى فَوْق؟ وَرُوحَ الْبَهِيمَةِ هَلْ هِيَ تَنْزِلُ إِلَى أَسْفَلَ، إِلَى الأَرْضِ؟ 22فَرَأَيْتُ أَنَّهُ لاَ شَيْءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَفْرَحَ الإِنْسَانُ بِأَعْمَالِهِ، لأَنَّ ذلِكَ نَصِيبَهُ. لأَنَّهُ مَنْ يَأْتِي بِهِ لِيَرَى مَا سَيَكُونُ بَعْدَهُ؟".

في (18) يتعجب سليمان من أن الإنسان المعرض للموت، مثله في هذا مثل البهيمة (هذا من جهة الجسد) فجسد كلاهما يرجع للتراب، مثل هذا الإنسان الذي يعلم أنه سيموت ويتعفن، يظلم أخيه. لقد وضع الله الموت أمام عيوننا لنعتبر = يمتحنهم ليريهم. ولكن للأسف فالإنسان لا يعتبر. وفي (19) نسمة واحدة للكل = هناك فرق بين الروح وهي نفخة الله للإنسان والنفس وهي حياة الإنسان ومثله في هذا مثل الحيوان وحينما يموت الإنسان أو الحيوان يموت الجسد والنفس. وبالنسبة للإنسان تبقى روحه وتذهب لله ولكن سليمان هنا عاد للتفكير بعقله البشري وحكمته البشرية فراح يقارن بين الإنسان والحيوان بحسب ما تراه العين البشرية فوجد المنظر واحد في الموت لكليهما فقال كليهما باطل أي فانٍ. بل وهو مغمض العينين الروحيتين الداخليتين تساءل في (21) من يعلم روح بني البشر هل هي تصعد إلى فوق = أي لله. وروح البهيمة هل هي تنزل إلى أسفل إلى الأرض = أي تموت النفس بموت البهيمة. هو لم يجد شئ منظور يراه بعينيه يشرح له ما يحدث بعد الموت سواء للإنسان أو الحيوان. ولكن حين قدَّم توبة وانفتحت عينيه الداخليتين بالإيمان وحينما توصَّل في نهاية السفر لأن يرى حقيقة ما يحدث قال "فيرجع التراب إلى الأرض والروح إلى الله الذي أعطاها" (7: 12). ولكنه في (21: 3) كان مازال يجول باحثاً عن الحقيقة بحكمته البشرية. وإذا كانت الروح ستصعد إلى فوق، إلى الله أبو الأرواح الذي خلقها فلنهتم بما فوق (كو3: 1 - 3). وفي (22) فلنفرح الآن بما أعطاه الله لنا ولا نفكر فى ماذا سيحدث بعد إنتقالنا، أو كما فكَّر سليمان فيمن يرثه، وإذا كان من يرثه سيضيع ثروته أو يزيدها. وعلينا أو نعمل بفرح ناظرين للسماء، طالبين مجد الله في كل ما نعمل، غير ناظرين لهذا العالم الفاني.

No items found

الإصحاح الرابع - سفر الجامعة - القس أنطونيوس فكري

الإصحاح الثاني - سفر الجامعة - القس أنطونيوس فكري

تفاسير سفر الجامعة الأصحاح 3
تفاسير سفر الجامعة الأصحاح 3