الأصحاح الثاني – سفر اللاويين – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر اللاويين – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح الثانى

تقدمه الدقيق.

السيد المسيح له المجد كان رائحة سرور لله الآب وأرضى الآب بطريقتين أساسيتين وهما.

  1. هو أرضى الآب بتقديم نفسه ذبيحة محرقة إشتعل بها الغضب الإلهى وإستوفت أجر العدل الإلهى حين تحولت إلى رماد، وإحترقت الخطية وصار الإنسان مقبولا أمام الله.
  2. وهو أرضى الآب كذلك بحياته الطاهرة الخالية من أى إثم وأى خطية فهو لم يوجد فى فمه غش وكان باراً قدوساً بلا خطية. المسيح كان الإنسان الكامل، وصرنا فيه كاملين فأعادنا المسيح إلى حضن الآب، لذلك قال الآب يوم معمودية المسيح "هذا هو إبنى الحبيب الذى به سررت". وحياة المسيح أعطاها لنا لنحيا بها أبديا، لذلك قال عن نفسه "أنا هو خبز الحياة" (يو6: 48 - 51). الخبز العادى نأكه لكن نموت، أما خبز الحياة نأكله فنحيا أبديا. وبهذا أرضى الآب إذ أعاد الحياة للإنسان.

وحياته الطاهرة رمزت لها تقدمة الدقيق. إذاً فهو أرضى الرب بحياته وبموته. بحياته يرمز لها بتقدمة الدقيق، وبموته يرمز لها بذبيحة المحرقة. والهدف المشترك بينهما هو إرضاء الله الآب. لذلك سميت تقدمة الدقيق أيضاً رائحة سرور للرب.

+ وتقدمة الدقيق لا تمثل الكفارة ولا الفداء فى شئ... لماذا؟ لأنها خالية من الدم فهى تمثل حياة المسيح الشخصية كخادم للرب ممسوح للخدمة ليستعلن لنا الآب، ويعلم شعبه الشرائع السامية، وكون أن الدقيق مسحوق فهذا يمثل ألامه وأحزانه التى إحتملها فى حياته. وهو شبه نفسه بحبة الحنطة التى إن لم تقع فى الأرض وتَمُت لا يكون لها ثمر. ولكننا هنا نحن لسنا أمام حبة حنطة إنما دقيق فهو مسحوق لأجل معاصينا. واللون الأبيض الذى للدقيق يشير لنقاوته. وأيضاً المسيح كدقيق هو خبز الحياة، الخبز الذى نزل من السماء "من يأكلنى يحيا بى". فتقدمة الدقيق تمثل تجسد المسيح وحياته فى الجسد. وملمس الدقيق الناعم يشير لحنان المسيح.

+ هذه التقدمة أخذت أشكالاً متعددة (دقيق - فطير – فريك) على أى الحالات كله خبز وكله حبة حنطة وكله دقيق أى الكل يرمز للحياة. فإن كانت ذبيحة المحرقة تشير لرضا الله وسروره، وذبيحة الخطية تشير لرفع الخطية عنا، فإن تقدمة الدقيق تشير لأن المسيح أعطانا حياته المقامة من الأموات لنحيا بها أبديا، فيقول القديس بولس الرسول "لى الحياة هى المسيح..." (فى1: 21).

+ صاحب هذه التقدمة وضع اللبان. واللبان هو أحد مركبات البخور (خر30: 34) واللبان يمثل الكهنوت فالمسيح كان رئيس كهنتنا، ويمثل أيضاً الصلاة "لتستقم صلاتى كالبخور قدامك"، وتمثل أيضاً الرائحة الزكية، فالمسيح كان يحترق من أجل الآخرين لكى يقدم رائحة سرور للرب. فالبخور يمثل شفاعة المسيح عنا، ورائحته الحلوة تشير لحياة المسيح الزكية فى طاعته وأقواله وأعماله وصفاته. وكان يقدم مع هذه التقدمة ملحاً ولا يقدم خمير. فالخمير يشير للخطية كما قال السيد لتلاميذه "تحرزوا من خمير الفريسيين" والسيد كانت حياته بلا خطية. فعدم وجود خمير يمثل الجانب السلبى فى حياته وهو أنه بلا خطية. ووجود الملح يمثل الجانب الإيجابى فهو يُصلِح حياة الناس، فالملح يحفظ الطعام من الفساد. وأيضا جسد المسيح فى القبر لم يرى فسادا، والحياة التى قام بها من الأموات حياة أبدية، فالمسيح لن يموت ثانية (مز16: 10 + رو6: 9). وهذه الحياة الأبدية هى ما أعطاها لنا الرب لنحيا بها أبديا.

ملتوتة بزيت وممسوحة بزيت.

هو تعبير مذهل ودقيق جداً يشرح العلاقة بين الإبن والروح القدس، فعبارة ملتوتة بزيت أى دقيق معجون بزيت، وهذه العجينة لا يمكن فصل الدقيق عن الزيت فيها. وهذا تعبير واضح عن العلاقة الأقنومية بين الإبن والروح القدس، فهم واحد من الناحية اللاهوتية. أما عبارة ممسوحة بزيت فتشير لمسح المسيح بالروح القدس، هذا من ناحية جسده، وهذا تم يوم العماد حين حل عليه الروح القدس وهذا بالطبع تم لحساب الكنيسة التى هى جسده. وكان الملوك والكهنة يمسحون وهو كان رئيس كهنتنا وهو ملك الملوك. والزيت رمز للروح القدس (1صم16: 13).

يشوى بنار.

هذه لا تشير لألام الصليب بل تشير لألام المسيح فى حياته. فكل حياته كانت ألام "رجل أوجاع ومختبر الحزن. محتقر ومخذول من الناس" (إش53: 3) ". لم يواجَه سوى بالإهانات والشتائم، فقالوا عنه مختل العقل وأكول وشريب خمر محب للعشارين والخطاة وكاسر للسبت وناقض للشريعة وأنه ضد قيصر وأنه ضال ومضل. وكم من مرة كانوا يطردونه ويحاولون قتله وكم من مرة تآمروا عليه ليسقطوه فى الخطأ، ومن ثم يشتكون عليه. ولم يقابل هو كل ذلك إلا بالحب والرحمة فكان رائحة سرور. بالإضافة إلى أن مقدم الذبيحة حين كان يرى تقدمته تحرق بالنار، يداخله إحساس بأن هذا الجزء الذى تأكله النار هو مقدم لله الذى له كل شئ، فهو صاحب كل شئ وهو الذى أعطى كل شئ فمنه وله كل شئ. وقد يرتقى مقدم الذبيحة بفكره ويتأمل فيها ويصل إلى ما وصل إليه بولس الرسول أن" الأطعمة للجوف والجوف للأطعمة والله سيبيد هذا وتلك "(1كو 6: 13). فيفهم أن الجسد زائل وعليه أن يهتم بأن يقدس نفسه لأبديته.

وهنا شرح ووصف لتقدمة الدقيق: منفصلة فهى قد تقدم منفصلة، وقد تقدم كمرافقة للذبائح الدموية (عد 15: 1 – 16). فإذا ما قدمت مرافقة للذبائح فتشير الذبيحة لغفران الخطية أما تقدمة الدقيق فتشير لشكر الله على إحساناته والحياة التى وهبها لنا، فلا حياة بدون خبز. اليهودى كان يقدم الدقيق ليشكر الله على نعمته وأن الله ينعم عليه بالرزق. أما بالنسبة لنا كمسيحيين فنشكر الله على غفران الخطية وعلى حياة المسيح الأبدية التى وهبنا إياها. الذبائح الدموية تشير لغفران الخطايا، أما الدقيق فيشير للحياة الأبدية التى وهبها لنا المسيح بفدائه، وهذا ما قاله القديس بولس الرسول "لأنه إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت إبنه (الذبائح الدموية) فبالأولى كثيرا ونحن مصالحون نخلص بحياته (الدقيق)" (رو5: 10).

هذه التقدمة يمكن أن يقدمها أفقر الناس وهى تبدأ بالدقيق الفاخر (دقيق الحنطة) المنخول، وفى هذه الحالة يكون أقل مقدار يمكن تقديمه هو عشر الإيفة وهذا = 29 ,2 لتر، وتنتهى بالفريك أو أرغفة الخبز وهذه يأكلها أفقر الفقراء. من عنده فرن يقدم خبزاً مخبوزاً، ومن ليس لديه فليقدم مما يأكل، طاجن دقيق بزيت. وهكذا فالله لا يهتم بقيمة التقدمة، بل بأن يقدم الإنسان تقدمته بقلبه شاكراً الله على ما أعطاه.

فى هذه التقدمة أيضاً إعترافاً من مقدمها بأنه يعتمد على الله فهو مصدر رزقه.

+ وكان الزيت الذى يستخدم من زيت الزيتون النقى وكان الزيت الموضوع على الدقيق من الأطعمة الشائعة عند اليهود. ووضع الزيت هو شكر لله على عطاياه فى الإثمار.

+ فى قصة يوسف فى أرض مصر بعد أن أنقذ الشعب من المجاعة جعلهم يتنازلون عن أرضهم وأملاكهم لفرعون، وفى هذا إشارة لعمل المسيح فهو قد إشترانا بدمه بعد أن أنقذ حياتنا فصرنا نحن وكل ما نملك ملكاً له. ومما أعطانا فإمتلكناه نقدم له. ولاحظ أن التقدمة إختيارية وهى تعنى أن "كل ما نملك بل ونحن أيضاً ملك لك، الكل منك ولك أو أننا نعطيك مما لك". وبحريتنا نستطيع أن لا نعطى، بل ونرفض أن نكون ملكاً لله أصلا. ولكن في هذه الحال يمتلكنا غيره ألا وهو عدو الخير. والله حين يملك علينا فهو يحررنا، أما عدو الخير حين يملك علينا يستعبدنا فنصرخ فى ذلنا لنا سادة سواك، كانت هذه صرخة إشعياء "إستولى علينا سادة سواك" (إش26: 13) وأى سادة غير الله يذلوننا.

+ فى (دا9: 27) "يبطل الذبيحة والتقدمة" والمقصود الذبائح الحيوانية الدموية وتقدمات الدقيق.

+ كانت خطية قايين أنه قدم من باكورات حقله دون تقدمة دموية كما فعل أخوه، ومعنى تقديم ذبيحة دموية أن الشخص يعترف بأنه يستحق الموت، ودم الذبيحة الذى يرمز لدم المسيح يطهره، أى إعترافه بالإحتياج لدم المسيح. ورفضت تقدمة قايين لأنه لم يعترف بأنه محتاج لدم المسيح وتصور أنه مقبول أمام الله بدون دم المسيح.

+ وهذه التقدمة تشير للمسيح وكنيسته فهو قدم نفسه كسر حياتها وموضوع شبعها. فيه صارت مقبولة أمام الله الآب. فعلينا نحن أن نقدم حياتنا الآن لمجد الله بحياة نقيه.

العدد 1

أية (1): -

"1« وَإِذَا قَرَّبَ أَحَدٌ قُرْبَانَ تَقْدِمَةٍ لِلرَّبِّ، يَكُونُ قُرْبَانُهُ مِنْ دَقِيق. وَيَسْكُبُ عَلَيْهَا زَيْتًا، وَيَجْعَلُ عَلَيْهَا لُبَانًا.".

وإذا قرب = وإذا = إذاً فهى إختيارية مثل المحرقة. قربان = هذه تعنى عطية أو منحة أو هدية أو هبة فالمسيح أعطانا حياته فينا هبة مجانية. من دقيق = فالمسيح خبز الحياة.

ويسكب عليها زيتاً = إشارة لمسحه بالروح القدس. والرب يسوع إسمه المسيح أى الممسوح بالروح القدس. وسكب الروح القدس على جسد المسيح هو سكبه على الكنيسه فالكنيسة هى جسده. ومعنى سكب الزيت على الدقيق نفهمه كالآتى... الدقيق يشير لحياة المسيح هذه التى وهبها لنا بعد قيامته لنحيا بها أبديا. والروح القدس هو الذى يوحدنا بالمسيح ويثبتنا فيه، فتثبت فينا حياة المسيح الأبدية (2كو1: 21، 22). وإن أخطأنا يبكتنا ويعيننا فنعود للثبات فى المسيح وتثبت فينا حياته. ولذلك نطلق على الروح القدس، الروح المحيى. وإنسكاب الروح على المسيح تم بعد المعمودية. وهذا ما كان مرموزاً له فى قصة نوح... فبعد أن نجا نوح بالفلك على مثال المعمودية (1بط3: 20، 21)، أتت له الحمامة (رمز الروح القدس) بغصن زيتون (الزيت) رمز المسحة المقدسة. والزيت يشير أيضا لقوة عمل الروح، فكل عمل المسيح كان بالروح القدس، فكانت خدمته قوية، وراجع (لو4: 1، 14، 18). لذلك أمر السيد المسيح تلاميذه أن لا يبدأوا الخدمة إلى أن يلبسوا قوة من الأعالى (لو24: 49). ونقول أن الروح القدس حلَّ على جسد المسيح لحسابنا أى ليعطينا أن نثبت فى المسيح ونحيا وتكون لنا قوة فالروح القدس هو "روح القوة" (2تى1: 7). راجع مزمور 133 لترى أن الروح إنسكب على الرأس، المسيح، أولا ثم على كنيسته.

ويجعل عليها لبان = اللبان يشير للصلاة ولشفاعة المسيح ولعمله الكهنوتى. وشفاعة المسيح هى التى جعلتنا مقبولين أمام الله فإنسكب علينا الروح القدس.

العدد 2

أية (2): -

"2 وَيَأْتِي بِهَا إِلَى بَنِي هَارُونَ الْكَهَنَةِ، وَيَقْبِضُ مِنْهَا مِلْءَ قَبْضَتِهِ مِنْ دَقِيقِهَا وَزَيْتِهَا مَعَ كُلِّ لُبَانِهَا، وَيُوقِدُ الْكَاهِنُ تَذْكَارَهَا عَلَى الْمَذْبَحِ، وَقُودَ رَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ.".

ملء قبضته.. ويوقد تذكارها = الله يتقبل هذا الجزء القليل. هذا هو نصيبه لأن نار المذبح تأكله. وهو تذكار للمقدم أن كل شئ لنا هو من الله وكل شئ لدينا هو من إحساناته. وهو يذكر للمقدم عطاياه ومحبته = تذكارها. "يقول أحد القديسين ليست عطية بلا زيادة إلا التى بلا شكر". ولاحظ أن ما يوضع على المذبح من هذه التقدمة يختلط بدم الذبائح المقدمة بلا إنقطاع وبذلك لا تُحرم التقدمة من فاعلية الدم المقدس لغفران الخطايا. مع كل لبانه = اللبان يشير للصلاة والعبادة، ونحن نقدم كل العبادة والمجد لله. القلب كله مرفوع لله لذلك فاللبان يقدم كله لله. وهناك معنى آخر أن كل ما نحصل عليه هو بشفاعة المسيح الكفارية لذلك نضع فى نهاية الصلاة الربانية "بالمسيح يسوع ربنا". رائحة سرور = الكنيسة ليس لديها ما يسر الآب سوى مسيحها القدوس.

ملء قبضته = راجع التفسير فى الآية (3).

العدد 3

أية (3): -

"3 وَالْبَاقِي مِنَ التَّقْدِمَةِ هُوَ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ، قُدْسُ أَقْدَاسٍ مِنْ وَقَائِدِ الرَّبِّ.".

قدس أقداس = فالكاهن يأخذ ملء قبضته ويضع على المذبح، هذا هو نصيب الله والباقى يأكله الكهنة فقط دون نسائهم. والمعنى الآن أن لا يأكل من جسد المسيح سوى من نال الكهنوت العمومى أى كل مُعمَّد. ولأنها قدس أقداس ينبغى الآن أن نتقدس حتى نأكل منها فمن يأكل بدون إستحقاق يصبح مجرماً فى جسد الرب ودمه (1كو11). وكان رئيس الكهنة له صفيحة على تاجه (عمامته) مكتوب عليها قدس للرب أى مكرس أو مخصص للرب. وهكذا نحن ينبغى أن يكون القلب كله للرب. وهناك أنصبة للكهنة يقال عنها قدس فقط وليس قدس أقداس. وهذه يأكل منها عائلات الكهنة، ولا يشترط أن تؤكل فى خيمة الإجتماع. وهذه كباكورات الزيت والخمر وأنصبتهم من ذبائح عيد الفصح وذبائح السلامة (لا23: 20 + عد6: 20).

وهنا فارق هام بين تقدمة الدقيق وذبيحة المحرقة: - فذبيحة المحرقة كانت تقدم كلها على مذبح تأكلها النار فهى كلها للرب. أما هنا فما يقدم لله على المذبح ملء قبضة والباقى للكهنة. والمعنى أن المسيح هنا قدم حياته لله (يرمز لها ملء القبضة) ولكنه أيضاً قدم نفسه للبشر لكى يكون لهم سر حياتهم. ولنلاحظ أن المسيح قدم ذاته تماماً لله ولنا، ولم يبخل بشئ. فهل نفعل مثله ويكون القلب كله لله وبكل الحب نخدم الآخرين. بهذا نصبح ذبائح حية.

+ والكنيسة التى ليس لديها شئ تقدمه للآب سوى مسيحها القدوس (ورمز ذلك قبضة الدقيق)، فتقدمه لتسر الآب. وبينما هى تقدم هذه الذبيحة الفريدة، إذ بها تتقبل المسيح حياتها قدس أقداس، تتناول جسده ودمه المبذولين كسر حياتها وشبعها الروحى (ورمز ذلك بقية الدقيق).

العدد 4

أية (4): -

"4« وَإِذَا قَرَّبْتَ قُرْبَانَ تَقْدِمَةٍ مَخْبُوزَةٍ فِي تَنُّورٍ، تَكُونُ أَقْرَاصًا مِنْ دَقِيق، فَطِيرًا مَلْتُوتَةً بِزَيْتٍ، وَرِقَاقًا فَطِيرًا مَدْهُونَةً بِزَيْتٍ.".

النوع الثانى هو الفطير سواء كان مخبوزاً فى فرن = تنور، على شكل أقراص ملتوته أى معجونة بالزيت، أو بكونه رقاقاً مدهوناً بالزيت. والعجن بالزيت يشير للوحدة الأقنومية بين المسيح والروح القدس. ومدهونة بزيت تشير لحلول الروح القدس على المسيح، ودخول الفرن إشارة لألام المسيح فى حياته.

الأعداد 5-6

الأيات (5 - 6): -

"5 وَإِنْ كَانَ قُرْبَانُكَ تَقْدِمَةً عَلَى الصَّاجِ، تَكُونُ مِنْ دَقِيق مَلْتُوتَةً بِزَيْتٍ، فَطِيرًا. 6تَفُتُّهَا فُتَاتًا وَتَسْكُبُ عَلَيْهَا زَيْتًا. إِنَّهَا تَقْدِمَةٌ.".

النوع الثالث هو أيضاً فطير مخبوز ومقدم فى هيئة قطع على صاج ومسكوب عليه زيت. وتفتها فتاتاً = هى الأكلة المعروفة بإسم الفتة وهى أكله مفضلة فى الشرق. مرة أخرى نجد هنا ما يشير للمسيح وأعضاء كنيسته، فكما كان فى ذبيحة المحرقة، أن الكاهن يرتب على المذبح قطع الذبيحة، ورأينا فى هذه الذبيحة المسيح (الرأس) مع أعضاء الكنيسة (أعضاء جسد الذبيحة) نجد هنا المسيح بين شعبه "كبكر بين إخوة كثيرين". وراجع (1كو10: 16، 17) "فإننا نحن الكثيرين خبز واحد جسد واحد...." وتسكب عليها زيتاً = هذا هو الروح القدس الذى يحل على شعب المسيح بعد دهنه بزيت الميرون.

العدد 7

أية (7): -

"7« وَإِنْ كَانَ قُرْبَانُكَ تَقْدِمَةً مِنْ طَاجِنٍ، فَمِنْ دَقِيق بِزَيْتٍ تَعْمَلُهُ.".

النوع الرابع تقدمة من طاجن دقيق بزيت تعمله = الطاجن هو إناء فخارى وهذا يشير للعذراء مريم "إذ لنا هذا الكنز فى أوانى خزفية" (2كو4: 7). فهى الإناء الذى تقدس ليتحقق فيها تَجسُّد كلمة الله الدقيق الفاخر، وهذا تم بالروح القدس "الروح القدس يحل عليك". وكلمة بزيت تعمله = بذلك تعنى أن الروح القدس هو الذى عمل أو جَسَّد أو كَوَّن جسد المسيح فى بطن العذراء. وهذه العطية لأنها عطية الفقراء فالكاهن يقدمها بنفسه ولنذكر فقر العذراء بالجسد وتقديمها محرقة طيور.

العدد 8

أية (8): -

"8فَتَأْتِي بِالتَّقْدِمَةِ الَّتِي تُصْطَنَعُ مِنْ هذِهِ إِلَى الرَّبِّ وَتُقَدِّمُهَا إِلَى الْكَاهِنِ، فَيَدْنُو بِهَا إِلَى الْمَذْبَحِ.".

تقدمها إلى الكاهن = فهى عطية الفقراء والرب يفرح بعطية الفقراء كما فرح بفلسى الأرملة.

الأعداد 9-10

الأيات (9 - 10): -

"9 وَيَأْخُذُ الْكَاهِنُ مِنَ التَّقْدِمَةِ تَذْكَارَهَا وَيُوقِدُ عَلَى الْمَذْبَحِ وَقُودَ رَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ. 10 وَالْبَاقِي مِنَ التَّقْدِمَةِ هُوَ لِهَارُونَ وَبَنِيهِ، قُدْسُ أَقْدَاسٍ مِنْ وَقَائِدِ الرَّبِّ.".

العدد 11

أية (11): -

"11«كُلُّ التَّقْدِمَاتِ الَّتِي تُقَرِّبُونَهَا لِلرَّبِّ لاَ تُصْطَنَعُ خَمِيرًا، لأَنَّ كُلَّ خَمِيرٍ، وَكُلَّ عَسَل لاَ تُوقِدُوا مِنْهُمَا وَقُودًا لِلرَّبِّ.".

لأن كل خمير وكل عسل لا توقدوا منها... لماذا؟ الخمير يشير للشر الذى يؤثر على الآخرين كما قال الرب "تحرزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين" و "خمير هيرودس" أى شره وريائه (مت16: 6 + مر8: 15). والمسيح كان بلا خطية. ولكننا نستعمل فى سر التناول خبزاً مختمراً لأن المسيح كان حاملاً خطايانا ولكن بعد دخول الفرن ماتت الخطية رمزا للمسيح الذى حمل خطايانا وأماتها بموته.

والعسل يرمز للملذات الزمنية هذه التى لم يراها المسيح فى حياته بل رفضها (تجربة الجبل)، بل كان مختبر الأحزان قال عنه الكتاب مراراً أنه بكى ولم يقل أبداً أنه ضحك. ونحن لن ننعم بالملذات الإلهية إلا لو تخلينا عن الملذات الزمنية. إذاً فالعسل يرمز للملذات ويرمز للشر المحبوب. والعسل عكس البخور (اللبان) فالنار تفسد العسل أما مع البخور فتخرج رائحة جميلة. فألام المسيح أو الشهداء التى يحتملونها من أجل الله الآب هى المر. والمر له رائحة ذكية.

العدد 12

أية (12): -

12قُرْبَانَ أَوَائِلَ تُقَرِّبُونَهُمَا لِلرَّبِّ. لكِنْ عَلَى الْمَذْبَحِ لاَ يَصْعَدَانِ لِرَائِحَةِ سَرُورٍ. ".

قربان أوائل تقربونها للرب. لكن على المذبح لا يصعدان = فكان الخمير والعسل يقدمان كباكورات للكاهن دون أن يقدم منهما للمذبح فهما فى حد ذاتهما لا عيب فيهما (لا23: 17 + 2أى31: 5). ولكن الخمير له إشارة أخرى فهو يشير لملكوت السموات وهذا واضح فى (مت13: 33) فالمسيح ترك خميرة من 11 تلميذا، لكنهم خمروا العالم فإمتد ملكوت المسيح فى العالم كله، أى إختمر عجين البشرية. ولاحظ فى هذا المثل أن الخمير وضع فى ثلاثة أكيال دقيق، ورقم 3 يشير للقيامة. لذلك لا يقدم الخمير على المذبح فبعد قيامة المسيح لا يعود يصلب ثانية ولا يتألم ثانية. بل ولا يقدم عسل أيضاً فبعد القيامة أفراح سماوية، ولا يوجد معنى لتقديم العسل على المذبح من هذه الناحية التى تشير لقيامة المسيح، وإمتداد ملكوت وأفراح السماويات، فلا نحتاج للملذات السمائية.

العدد 13

أية (13): -

"13 وَكُلُّ قُرْبَانٍ مِنْ تَقَادِمِكَ بِالْمِلْحِ تُمَلِّحُهُ، وَلاَ تُخْلِ تَقْدِمَتَكَ مِنْ مِلْحِ عَهْدِ إِلهِكَ. عَلَى جَمِيعِ قَرَابِينِكَ تُقَرِّبُ مِلْحًا.".

بالملح تملحه = الملح يستخدم لحفظ الطعام من الفساد. وأكل الخبز والملح رمز للعهد بين الله والناس فى الشرق. وكان أكل الملح رمز للعهد فهو ملح عهد (عز4: 14) وكان الملح فى الهيكل بصفة مستمرة بل كانت هناك حجرة إسمها حجرة الملح، وهى من عطايا الشعب. فالملح كان تقدمة عامة (عز7: 20 – 22). وكان مقدم الذبيحة أو التقدمة لا يأتى بالملح معه بل يؤخذ من الملح الذى فى الهيكل. وهذا يعنى أن تقدماتهم فى حد ذاتها فاسدة لولا الملح الذى فى الهيكل. ولذلك سمى هنا ملح عهد إلهك = والمعنى أن علينا أن نحفظ العهد مع الله دون فساد. وليكن كلامنا مصلحاً بملح (كو4: 6) أى غير فاسد وبوقار ورزانة ولمجد الله. ونحن ملح الأرض وإذا فسد الملح يلقى خارجاً. وأيضاً الملح مع هذه التقدمة كان يرمز إلى أن ناسوت المسيح لن يرى فساداً "لن تدع قدوسك يرى فساداً" (مز16: 10 + مر9: 49، 50).

الأعداد 14-16

الأيات (14 - 16): -

"14« وَإِنْ قَرَّبْتَ تَقْدِمَةَ بَاكُورَاتٍ لِلرَّبِّ، فَفَرِيكًا مَشْوِيًّا بِالنَّارِ. جَرِيشًا سَوِيقًا تُقَرِّبُ تَقْدِمَةَ بَاكُورَاتِكَ. 15 وَتَجْعَلُ عَلَيْهَا زَيْتًا وَتَضَعُ عَلَيْهَا لُبَانًا. إِنَّهَا تَقْدِمَةٌ. 16فَيُوقِدُ الْكَاهِنُ تَذْكَارَهَا مِنْ جَرِيشِهَا وَزَيْتِهَا مَعَ جَمِيعِ لُبَانِهَا وَقُودًا لِلرَّبِّ.".

النوع الخامس الباكورات من الفريك = والفريك هو سنابل قمح تم قطفها مبكراً وهى ما زالت خضراء، ثم تفرك هذه السنابل وتدش أى تضرب = دشيشاً سويقا = أى مدقوقة ومشوية. وكانت الباكورات تقدم حسب الناموس فى عيد الحصاد أو يوم الخمسين (خر 23: 16 + تث 16: 9). والكنيسة نالت الباكورات من الروح القدس يوم الخمسين يوم حل الروح القدس على التلاميذ (أع2: 4). كانت تقدمات وعطايا جديدة إذ كان كل شئ جديداً وإلتهب التلاميذ بالنار. والسنابل الخضراء هذه تشير للمسيح الذى شبه نفسه بالغصن الرطب (لو23: 31). وفرك السنابل وشيها يشير للألام التى واجهها المسيح فى حياته إلى درجة أنه قال "نفسى حزينه جداً حتى الموت" (مت26: 38). ولكن إن كان المسيح شبه نفسه بحبة الحنطة (يو12: 24)، فتكون السنبلة هى كنيسة المسيح وهى حية بمسيحها فيها، وهى ستواجه نفس الألام "فى العالم سيكون لكم ضيق"، هذا هو الفرك والشى بالنار وهذا بالنسبة للكنيسة. فما حدث للمسيح سيحدث للكنيسة. ولاحظ أن الفريك بعد أن يشوى بالنار (الألام التى عانى منها المسيح فى حياته) يطبخ بعد ذلك أى يعود للنار مرة أخرى (هذه هى ألام الصلب). وتجعل عليها زيتاً = هذا هو الروح القدس المنسكب على الكنيسة ليعزيها فى ضيقاتها.

ولو تتبعنا أنواع التقدمات فى هذا الإصحاح لرأينا قصة المسيح مع الكنيسة فهو حياتها.

  1. الدقيق = يشير للمسيح الطاهر النقى الذى تجسد وعاش حياة طاهرة وكان رجل أوجاع مسحوق.
  2. أقراص دقيق ملتوتة بزيت = تشير لأن المسيح المتجسد واحد مع الروح القدس بلاهوته.
  3. رقاق فطير مدهونة بزيت = تشير لأن الروح القدس حل على المسيح لحساب الكنيسة يوم العماد ليثبتنا فى المسيح وتثبت فينا حياته.
  4. الفتات = تشير للمسيح البكر بين إخوة كثيرين، والروح القدس حل على أعضاء جسد المسيح (الكنيسة).
  5. تقدمة من طاجن = تشير لتجسد المسيح من بطن العذراء بالروح القدس.
  6. الفريك = هى الكنيسة المتألمة مع مسيحها ولكنه هو سر حياتها، وهذه الأخيرة شرحها بولس الرسول تماماً فى قوله "الذى الآن أفرح فى ألامى لأجلكم وأكمل نقائص شدائد المسيح فى جسمى لأجل جسده الذى هو الكنيسة" (كو1: 24).

تأمل: - تقدمة الدقيق كانت تحتاج لإعداد فى المنزل حيث يُعَّد الدقيق أو يعجن. ويُعَّد فطير أو فتات أو طاجن... إلخ. ويأتى به من أعده إلى خيمة الإجتماع، ونتعلم من هذا أنه يجب أن تكون لنا علاقة خاصة مع المسيح فى مخدع الصلاة حتى يكون لتقدمتنا فى الكنيسة رائحة سرور. وهذا سؤال كثيرين لماذا لا أفرح بالقداس والإجابة لأنه لا يوجد علاقة فى مخدع الصلاة.

وكان الكهنة يأكلون نصيبهم فى مكان مقدس أى خيمة الإجتماع والمعنى أن معرفة المسيح التى نتغذى بها لن تتم إلا بإنعزالنا عن شرور هذا العالم أى بتقديم توبة أولاً.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الثالث - سفر اللاويين - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح الأول - سفر اللاويين - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير سفر اللاويين الأصحاح 2
تفاسير سفر اللاويين الأصحاح 2