الكتاب المقدس

الكتاب المقدس

1 - لماذا الكتاب المقدس؟

فى بدء الخليقة لم يكن آدم وحواء فى حاجة إلى كلمات مكتوبة وهما فى جنة عدن قبل السقوط، لأنهما كانا يلتقيان مع الرب وجهاً لوجه، وكانت نعمة الله عاملة فيهما. كانا صديقين له. حتماً كانا دائماً يسبحانه بفرح وتهليل. وكانا كالسمائيين وهم يسبحون الله ويمجدونه. كانا فى حالة شبع داخلى، يتطلعان إلى الطبيعة بجمالها ويدركان أن كل المخلوقات تسبح الله، كل واحد بلغته فى سلام عجيب. لكن العصيان عزلهما عن مصدر الحياة، صارا فى رعب. سقط الإنسان فى الخطية فاظلم عقله وضميره (رو1: 21)، وصار عاجزاً عن أن يسترد علاقته مع خالقه كما كانت قبل السقوط. لم يكن ممكناً لله محب البشر ألا يُصلح من شأن الإنسان الذى خلقه على صورته ومثاله.

تشهد الطبيعة التى خلقها القدير عن قدرته كما عن رعايته الفائقة. "ما أعظم أعمالك يارب! كلها بحكمة صنعت. ملآنة الأرض من غناك" (مز104 (103): 24). هذا وقد وهب الخالق الإنسان ناموساً طبيعياً فى قلوبهم، "شاهد أيضاً ضميرهم وأفكارهم فيما بينها مشتكية أو محتجة، فى اليوم الذى فيه يدين الله سرائر الناس حسب إنجيلي بيسوع المسيح" (رو2: 15 - 16).

بجانب الطبيعة التي تشهد للإنسان عن الخالق، والناموس الطبيعى فى داخل الإنسان، أعلن الله عن خطته للخلاص، بتقديم المسيا نفسه ذبيحة وكفارة عن العالم كله:

أولاً: اختار الله عبر التاريخ أناساً يشتاقون إلى خلاص البشر، وأعلن لهم بالروح نبوات تكشف عن سرّ الخلاص، وتجسد الكلمة وحلوله بيننا وتقديم نفسه ذبيحة وهو رئيس الكهنة السماوي وآلامه وصلبه وموته ودفنه ونزوله إلى الجحيم وتحرير المؤمنين الذين رقدوا، وصعوده إلى السماء ومجيئه الثانى حيث تنحل السماء والأرض ونتمتع بأورشليم العليا أمنا.

ثانياً: هذه الإعلانات جاءت خلال رؤى وأحلام وأحاديث الله معهم.

ثالثاً: قدم الله لشعبه أحداثاً تاريخية واقعية تحمل رموزاً للعمل الإلهي الخلاصي. وذلك كما قال السيد المسيح: "وكما رفع موسى الحية فى البرية، هكذا ينبغى أن يُرفع ابن الإنسان لكى لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 14 - 15).

احتاج الإنسان العاصى والجاحد خالقه أن يعلن له الله عن وجوده الإلهى وحبه له، والتعرف على خطته وقدرته على إصلاح أمره بوسيلة أو بأخرى، سواء بالإعلان الإلهى عن طريق الخليقة الشاهدة لذلك أو بطريقة فائقة كالوحى الإلهى.

صارا بنو البشر فى حاجة إلى الإعلان الإلهى يكشف لهم عن طريق خلاصهم. لهذا يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [كانت نعمة الله كافية أن تعمل فى قلوبنا ككتاب حىّ نقرأه، لكننا إذ لم نتجاوب مع نعمته التزم من أجل محبته أن يقدم كلمته مكتوبة]. [يا له من شر عظيم قد أصابنا! فإنه إذ كان ينبغى علينا أن نعيش بنقاوة هكذا فلا نحتاج إلى كلمات مكتوبة، إنما نخضع قلوبنا للروح ككتب! أما وقد فقدنا هذه الكرامة صرنا فى حاجة إلى هذه الكتب[75]1].

كان الله يُعد البشر لقبول الإنجيل كأخبار مفرحة بخصوص نزول كلمة الله متجسداً ويقدم لهم الخلاص المجانى. هذا ما يصف لنا القديس يوحنا الذهبى الفم، قائلاً:

[نعم، لأنه عفو عن العقوبة، وغفران للخطايا، وتبرير وتقدّيس وخلاص (1كو1: 30)، وتبنّى، وميراث السماوات، ودخول فى علاقة مع ابن الله الذي جاء ليعلن (ذلك) للكل: للأعداء والصالبين وللجالسين فى الظلمة. أى شئ يعادل مثل هذه الأخبار المفرحة؟! فقد صار الله على الأرض، وصار الإنسان فى السماء، واختلط الكل معاً.

اختلطت الملائكة مع صفوف البشر، وصار البشر فى صحبة الملائكة والقوات العلوية الأخرى.

هوذا الإنسان يرى الحرب الطويلة قد انتهت، وتحققت المصالحة بين الله وطبيعتنا. صار إبليس فى خزى، وهربت الشياطين، وباد الموت، وانفتح الفردوس، وزالت اللعنة، ونُزعت الخطيّة من الطريق.

زال الخطأ وعاد الحق وبذرت كلمة التقوى فى الموضع وترعرعت، وأقيم نظام السمائيين (العلويين) على الأرض، ودخلت هذه القوات معنا فى معاملات آمنة، وصارت الملائكة تردد على الأرض باستمرار، وفاض الرجاء فى الأمور العتيدة بغزارة[76]2].

2 - لماذا الحاجة إلى دراسة الكتاب المقدس بعمق؟

يقول السيد المسيح: فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية، وهى التى تشهد لي "(يو5: 39). كأنه يقول لهم:" لا يكفي أنكم تفتخرون باقتنائكم الكتب، وأنكم تقرأونها، إنما يلزم أن تفتشوا فيها باجتهاد لتتمتعوا بخلاصكم وحياتكم الأبدية، فإن جميعها تدور حول مجيئي إليكم ". يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن العبارة هنا تشير إلى الذين يبحثون عن المعادن النفيسة فى بطن الأرض، يحفرون المناجم ويبحثون باهتمام عن المعدن النفيس حتى يجدوه.

يرى القديس يوحنا الذهبى الفم حتى قوائم الأسماء الواردة فى الكتاب لها معناها العميق[77]1، وقد كرس عظتين لشرح التحيات الواردة فى الأصحاح السادس عشر من الرسالة إلى رومية ليُعلن أن كنوز الحكمة مخفية فى كل كلمة نطق بها الروح[78]2. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم:

[أرسل المسيح لليهود الكتب، ليس للقراءة العادية لها، لكنه أرسلهم ليبحثوها بحثاً بليغاً متصفحاً، لأنه لم يقل اقرأوا الكتب بل قال: "فتشوا الكتب". لهذا يأمرهم أن يتعمقوا فيها، لأن الأقوال التى قيلت عنه تحتاج إلى إهتمام كبير ليمكنهم أن يجدوا الفوائد الموضوعة في أعماقها].

[يوجد ضعف فى الاستماع وذلك كالمعدة الضعيفة التى لا تتقبل كل الأطعمة الدسمة العسرة الهضم. هكذا النفس أيضاً متى كانت متعجرفة ثائرة ومتوترة الأعصاب ومستهترة، فإنها لا تقدر أن تتقبل كلمة الروح. اسمع قول الرسول: "هذا الكلام صعب من يقدر أن يسمعه؟!" (يو6: 60)، لكن متى كانت النفس قوية وصحيحة يكون كل شئ بالنسبة لها سهلاً وخفيفاً ويصير كل شئ بالنسبة لها فى أكثر سمو ونشاط، فترتفع محلقة فى الأعالى[79]3].

[ليتنا إذن لا نصغي بعدم مبالاة، فإنه حتى فى تمحيص التراب المعدنى، عندما يلقونه فى الفرن، لا يأخذون قطع الذهب الضخمة فحسب، وإنما يجمعون حتى الأجزاء الصغيرة بكل عناية. هكذا نحن نشبه أناساً يصهرون ذهباً مستخرجاً من المناجم الرسولية، لا بإلقائه فى الفرن، بل بإيداعه فى أذهان نفوسكم. لا بإشعال نار أرضية، بل بالتهاب الروح! لنجمع الأجزاء الصغيرة بجدية. فإن اللاَلئ أيضاً لها سوقها الخاص، لا حسب حجمها، بل حسب جمال طبيعتها[80]4].

3 - هل يُنقش الكتاب المقدس فى القلب النقى ويُحفظ فيه؟

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [حقاً يليق بنا لا أن نطلب معونة الكلمة المكتوبة فحسب، وإنما أن نظهر حياتنا نقية هكذا، فتكون لنا نعمة الروح عوض الكتب بالنسبة لنفوسنا. فكما كُتب بالحبر فى الكتب هكذا تُسجل بالروح فى قلوبنا[81]5]. [لم تُعط لنا الأسفار المقدسة لنسجلها فى كتب، بل لكى نحفرها فى قلوبنا... لست أقول هذا لأصدكم عن امتلاك الكتب المقدسة، بل على العكس إنى أحبذها، وأطلب فى تصميم أن تقتنوا الكتب المقدسة. ولكنني أرجو وأتعشم أن تنتقل الحروف والمعانى من هذه الكتب إلى أفهامكم وعقولكم، حتى تتطهر العقول والأفهام عندما تتلقى هذه الكتب وتدرك معانيها السامية. لأنه أن كان لا يجرؤ الشيطان أن يقترب إلى منزل يوجد فيه الإنجيل، فبالأولى لا يجرؤ أي روح شرير أو طبيعة خاطئة أن تلمس أو تدخل نفساً تحمل معها مثل هذه المشاعر والأحاسيس التي تحتويها الكتب. لذلك يجب عليكم أن تحفظوا كلام الله فى قلوبكم على الدوام، ويكون على لسانكم باستمرار. فإن كان الكلام القبيح يدنس ويدعو الشيطان، فمن الجلى أن القراءات الروحية تقدس وتأتى إلى النفس بنعمة الروح القدس. الكتب المقدسة هى سحر إلهى شاف، لذلك وجب علينا أن نعالج أرواحنا بهذا الدواء النابع منها[82]1].

4 - ما هى نظرة المؤمن للكتاب المقدس؟

يعشق المؤمن الكتاب المقدس المُوحى به بالروح القدس، إذ يُدرك أنه صوت الله محبوبة، الذى يقدم له الحق الإلهى، والحياة الأبدية، فيسمو إذ يدخل مع الله فى حوار ممُتع خفى، ويبقى قلبه يناجيه بلا توقف. هذا لا يتعارض مع إيماننا أن الرب خالق العقل. يقدس العقل ويسمو به، فيتمتع المؤمن بالحق الإلهى ويُسرّ به ويفكر فيه، بكونه كلمة الحياة.

هذا وتشعر الكنيسة أنها تلتزم بالمحافظة على ما أعلنه الله لمن اختارهم للكتابة سواء فى العهد القديم أو العهد الجديد، ولا يجوز لها أن تخالفه في شيء. وليس من حق الكنيسة أو أى عضو فيها أن يغير فى نصوص الكتاب المقدسة. وأى قرار كنسى يصير شرعياً إن اعتمد على الكتاب المقدس.

يقول القديس باسيليوس الكبير: [ما هى علامة المسيحى؟ الإيمان العامل بالمحبة (غل5: 6). وما هي علامة الإيمان؟ الاقتناع الأكيد بان الكلمات الموحى بها هى حق لا تهتز بسبب أية عملية للتفكير العقلانى (الجاف)، ولا بالتذرع بفروض طبيعية، ولا بمظاهر تقوى باطلة. وما هى علامة النفس المخلصة؟ أن تكون فى هذه النزعات فى قبول كامل لسلطان كلمات (الكتب المقدس)، دون مخاطرة برفض أى شئ أو إضافة أية زيادات. فإنه إن كان كل ما هو ليس من الإيمان هو خطية كما يقول الرسول (رو14: 23)، وأن الإيمان يأتي من السمع، والسمع بواسطة كلمة الله (رو10: 17)، وكل ما هو خارج الكتاب المقدس (أى مضاد له) ليس من الإيمان وهو خطية[83]2].

أما عن دور الكتاب المقدس فى حياتنا، يحدثنا القديس إكليمنضس السكندرى عنه كمصدر تعليم وتدريب فى حياة الإنسان، راعياً كان أو من الشعب، قائلاً: [حقاً مقدسة هى هذه الكتب التى تقدس وتؤله... ليس إنسان هكذا يتأثر بنصائح أى قديس من القديسين كما يتأثر بكلمات الرب نفسه محب البشر. لأن هذا هو عمله، بل عمله الوحيد، خلاص الإنسان، لهذا يحثهم على الخلاص ويفرح، قائلاً: "ملكوت السماوات داخلكم" (لو17: 21)... فالإيمان يقودك فيه، والخبرة تعلمك، والكتاب المقدس يدربك[84]1].

ويقول القديس باسيليوس الكبير: [دراسة الأسفار الموحى بها هى الطريق الرئيسي للتعرف على التزامنا. فإننا نجد فيه التعليم بخصوص السلوك، وأيضاً حياة الطوباويين مُسجلة كتابة بكونهم يتنسمون صور الحياة التقية، فنقتدى بأعمالهم الصالحة[85]2]. ويقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [بعبارات صغيرة يزرع (الكتاب) الحكمة الإلهية فى كل من يكون مهتماً، وفى دفعات كثيرة عبارة واحدة تقدم للذين يقبلونها يمكن أن تكون مصدراً لمؤنة رحلة الحياة كلها[86]3].

يحدثنا القديس يوحنا الذهبى الفم عن قوة كلمة الله فى حياة المؤمن، قائلاً:

[أعطى الكتاب المقدس بهذا الهدف أن يكون إنسان الله كاملاً به، بدونه لن يمكن أن يكون كاملاً. يقول (الرسول): لديك الكتب المقدسة عوضاً عنى. إن أردت أن تتعلم شيئاً فتعلمه منها. هذا كتبه لتيموثاوس المملوء من الروح، فكم بالأكثر يكون بالنسبة لنا! [87]4] [بذرة الإنجيل هى أصغر البذور، لأن التلاميذ كانوا أكثر حياء من غيرهم، لكنهم يحملون فيهم قوة عظيمة، فانتشرت كرازتهم فى العالم كله[88]5]. [أخبرنى إذن كيف فقد الجزء الأكبر من البذار؟ إنها لم تفقد بسبب الباذر، إنما بسبب الأراضى التى لم تقبلها، أى النفوس التى لم تنصت لها]. [كلمة واحدة من الكتب الإلهية هى أكثر فاعلية من النار! إنها تلين قسوة النفس، وتهيئها لكل عمل صالح[89]6].

[معرفة الكتب المقدسة تقوى الروح، وتنقى الضمير وتنزع الشهوات الطاغية، وتُعمق الفضيلة، وتتسامى بالعقل، وتعطى قدرة لمواجهة المفاجآت غير المنتظرة، وتحمى من ضربات الشيطان، وتنقلنا إلى السماء عينها، وتحرر الإنسان من الجسد، وتهبه أجنحة للطيران[90]7].

[سواء خلص الإنسان أم هلك فإن الإنجيل يبقى فى قوته. النور حتى وإن أعمى أحداً فهو نور. والعسل وإن كان مراً بالنسبة للمرضى لا يزال حلواً. هكذا الإنجيل له رائحة ذكية للكل حتى إن هلك الذين لم يؤمنوا به[91]8]. [إن ضاع إنسان لا يلوم إلا نفسه. فالطيب الملطف يُقال أنه يخنق الخنازير. النور يعمى الضعفاء. ففى طبيعة الأمور الصالحة ليس فقط أن تُصلح من يلتصق بها، بل وتحطم المقاوم لها، هكذا تعمل قوتها[92]1].

5 - ما هى نظرة آباء الكنيسة للكتاب المقدس؟

أ - الكتاب المقدس سراج منير: يقول القديس كيرلس الكبير: [كلمة الله هو موضوع إيماننا، وهو النور. فالسراج هو الإيمان، إذ كان هو النور الحقيقى الذى يضئ لكل إنسان آتياً إلى العالم (يو1: 9) [93]1].

يقول العلامة أوريجينوس: [كان النور بالحق مخفياً ومحتجباً فى ناموس موسى، لكن لما جاء يسوع أشرق، إذ رُفع البرق، وأعلنت فى الحال وبالحق البركات التى قُدم ظلها فى الحرف[94]1].

يقول القديس أغسطينوس: [لا يوجد عائق عن نوال أحكام الله، إلا عدم الرغبة فيها... فإن نورها واضح ومشرق].

يقول القديس مار يعقوب السروجى: [ربنا، كلمتك كلها نور لمن يحبها، بها أستنير، لأتكلم فى العالم عن خيرك (مزمور 119: 105). ربنا، أنت نهار عظيم لمن يسير فيك، بنورك اتحرك لأسير بدون عثرات. العالم مظلم، وأنت نيّر يا ابن الله، بنورك ومعك أسير إلى أبيك[95]2].

ب - الكتاب المقدس فردوس النفس وطعامها الحلو: يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [نعم، بالحرى القراءة فى الأسفار الإلهية ليست روضة فحسب، بل هى فردوس. فإن الزهور ليس فيها رائحة فقط، وإنما أيضاً ثمار قادرة أن تُنعش النفس[96]3].

يقول القديس أغسطينوس: [الآن تعليم الحكمة المُعلن يشبه العسل، وكالشهد الذى يضغط عليه من الأسرار الغامضة كما يفعل بخلايا الشمع بفم المُعلم كمن يمضغه، فيكون حلواً فى فم القلب لا الفم الجسدى]. ويقول ماراسحق أسقف نينوى: [أحياناً يكون لعبارات كتابية عذوبة متزايدة فى الفم (مز119: 103) كما يكرر المرء عبارة بسيطة فى الصلاة عدة مرات دون أن يشبع منها، وينتقل منها إلى عبارة أخرى[97]3].

يقول القديس جيروم: [أى شئ مبهج أكثر من تلك البهجة التى نجدها فيه؟ ّ! أى طعام، أى عسل أحلى من تعلم خطة حكمة الله، والدخول إلى مقدسه، والتأمل فى فكر الخالق، وترديد كلمات ربكم التى وإن كانت تسخر بها حكمة هذا العالم، لكنها فى الحقيقة مملوءة حكمة روحية؟! لتكن ثروة الآخرين إن أرادوا وشربهم فى كؤوس مطعمة بالجواهر، ولبسهم الحرير، ويستدفئوا بمديح الناس كما لو كانوا عاجزين عن اقتناء غناهم فى كل أنواع الملذات. أما بهجتنا نحن فهى فى التأمل فى ناموس الرب نهاراً وليلاً، وقرع بابه عندما لا يكون مفتوحاً، واستلام خبز الثالوث، وسير الله امامنا على أمواج العالم[98]1].

ج - الكتاب المقدس وليمة العريس: يقول القديس مار يعقوب السروجى: [كل حوادث العالم ينهيها الموت، هلم واسمع منا خبراً منه تنبع الحياة... عروس النور دعتنا اليوم لنتنعّم معها، لقد ذبحت الختن وها هى توزعه على المائدة (الروحية).

د - الكتاب المقدس ميناء الحياة: يقول العلامة أوريجينوس: [لست أتوهم ولا أطلب أن تحينى حسب سلوكى (برّى الذاتى)، وإنما حسب أحكامك، بمعنى آخر أحينى بالطريقة التى تريدنى أن أحيا بها، فإننى أريد أنا أيضاً أن أحيا].

يقول القديس ماريعقوب السروجى: [الأسفار الإلهية هى موانى الحياة، اصعدوا أيها المتميزون من الأمواج، واستريحوا في الموانى... هوذا الكنوز مطمورة فى أسفار اللاهوت، ومن يريد، يأخذ الغنى غير المحدود[99]2].

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [من المفيد جداً قراءة الكتاب المقدس، فإنها تجعل النفس حكيمة، وتوجّه الروح نحو السماء، وتحرّك الإنسان نحو الشكر، وتهلك الرغبة فى الأمور الأرضية، وتدع أذهاننا تتمعن باستمرار فى العالم الآخر[100]3]. [لا يمكن لمن أنعم عليه بفاعلية كلام الله أن يبقى هكذا فى هذا الانحطاط الحاضر، بل بالأحرى يطلب له جناحين ينطلق بهما حالاً إلى الأرض العلوية مكتشفاً نور الصالحات غير المحدودة[101]4].

[ألا ترون أنه ليس بدون سبب يتحدث هذا الإنجيلي (يوحنا) إلينا من السماء؟ انظروا كيف أنه منذ البادية يسحب نفوسنا ويهبها أجنحة ويصعد بأذهان سامعيه معه. إذ يصعد بها إلى ما هو أعلى من كل المحسوسات، أعلى من الأرض والسماء، ويمسك بيدها ويقودها فوق الملائكة أنفسهم، فوق الشاروبيم والسيرافيم، فوق العروش والرؤساء والسلاطين، وفى اختصار يقودها إلى رحلة فوق كل المخلوقات[102]1].

ﮪ - الكتاب المقدس طبيب النفس ودوائها: صار البشر فى العالم لا كمن هم فى دار محكمة يترقبون الموت الأبدى، إنما فى مستشفى يحتاجون إلى أدوية وعلاج ألا وهى أسفار الكتاب المقدس، يُقدمها الطبيب الإلهي المُهتم بخلاصنا. بالكتاب المقدس نتحدّى الشر والفساد والموت الأبدي، وبروح الرجاء نترقب يوم مجئ الرب بكونه عريسنا السماوى.

يقول القديس باسيليوس: [إنك ستجدين أدوية كثيرة ضد الشرّ فى الكتاب المقدس، تجدين علاجاً للخلاص من الخراب والعودة إلى الصحة. أسرار الموت والقيامة، عبارات العقوبة الأبدية، تعاليم التوبة ومغفرة الخطايا (باستحقاق دم المسيح)، تلك الصور التى لا حصر لها للحديث (عن الأدوية)، مثل الدرهم المفقود، والخروف الضال، والابن الذى أضاع كل ماله على الزوانى، الذى كان ضالاً ووُجد، ميتاً فعاش. ليتنا لا نستخدم هذه الأدويّة التى لأجل مرضنا (لكى تكون شاهداً علينا)، بل لكى تشفى نفوسنا[103]2].

كما يقول: [حياة النفس هى الكتب الإلهية، ومن يحيا فها فحياته أسمى من الطبيعة... الكتب هى أطباء النفس المريضة، وعباراتها موضوعة كالعقاقير الجيدة[104]3].

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [لأننا رائحة المسيح الزكية لله في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون "(2كو2: 15). يقول سواء فى الذين يخلصون أو الذين يهلكون يستمر الإنجيل فى عمله اللائق، وكما أن النور وإن كان يحسب عمى بالنسبة للضعيف لكنه يبقى نوراً... والعسل فى فم المرضى مُر لكنه فى طبعه حلو، هكذا للإنجيل رائحته الزكيّة حتى وان كان البعض يهلك بسبب عدم إيمانهم به، لأنه ليس هو السبب فى هلاكهم إنما ضلالهم هو السبب... بالمخلص يسقط ويقوم كثيرون لكنه يبقى هو المخلّص حتى وإن هلك ربوات... فهو لا يزال مستمراً فى تقديم الشفاء[105]4].

و - الكتاب المقدس اللؤلؤة الخفية: يقول القديس جيروم: [كل كلمة من الكتاب المقدس لها رمزها الخاص. هذه الكلمات البسيطة يتأملها الأشخاص فى كل جيل وهى تُغلف معنى سرياً كاملآ... "ولكن لنا هذا الكنز فى أوان خزفية" (2كو4: 7). لنا كنز إلهي من المعانى فى كلمات عادية جداً[106]1]. يقول القديس ماريعقوب السروجي: [أسفار (الكتاب المقدس) محيط تجد فيه الدرة الخفية. فعلى المفسر أن يغطس في الماء ليستخرجها. يغطس العقل فى الأسفار، ويستخرج الدرة، ويريها للتجار.].

ز - الكتاب المقدس مُرشِد للإنسان: يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [من المفيد جداً قراءة الكتاب المقدس، فإنها تجعل النفس حكيمة، وتوجّه الروح نحو السماء... وتدع أذهاننا تتمعن باستمرار فى العالم الآخر[107]2].

ح - الكتاب المقدس يستأصل شجرة الشر: جاءت الكلمات الإلهيّة المكتوبة كعلاج لضعفنا البشرى. يقول الذهبى الفم: [تعليمك ممتلئ عيون نور من كل جانب، وهو يُنقى طريق العالم من العثرات[108]3].

ويقول مار يعقوب السروجى: [امسك سيف الروح الذى هو كلمة الحياة، وحطم ضربات العدو والقها عنك. أحط نفسك برمح الكاروب النارى. إنها حراسة يقظة، أى كمال كل الوصايا[109]4]. ويقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [لقد سمعتم الصوت الرسولى. إنه بوق من السماء (رؤ1: 10)، وقيثارة روحية. فكما أن البوق يعطى صوتاً مرعباً ينبه إلى قيام حرب، فإنه من جانب يفزع العدو، ومن الجانب الآخر يثير حماس النفوس الواهنة، ويملأها جسارة عظيمة، ويجعل أولئك الذين ينصتون إليه ضد إبليس لا يُقهرون. مرة أخرى فإنه كقيثارة يهدئ النفوس الأسيرة بإيقاع عذب، ويزيل عنها قلق الأفكار الفاسدة[110]5].

ط – بالكتاب المقدس يتكلم الروح فينا: يقول مار يعقوب السروجى: [بكلمتك روحك يتكلم فىّ، لأنه ليس لى قدرة الكلام عنك[111]6].

6 - كيف يدعونا الكتاب المقدس نحن وجميع الأمم للهتاف والتسبيح؟

يدعو الكتاب المقدس جميع الأمم للهتاف والتسبيح (مز47: 1؛ 98: 4)، لعل كل الأرض تتحوّل إلى سماء متهللة بالرب. هذه الدعوة موجهة على وجه الخصوص لمستقيمى القلوب (مز32: 11؛ 33: 1)، كما هو موجهة لكل مؤمن كعطية شخصية (مز9: 2). يشعر المؤمن أن كل الأمور تسير على ما يرام، ليس عندما يتمتع بصحة جيدة أو ينال نجاحاً فى عمل ما، إنما عندما يدرك أنه اقتنى الله مصدر الشبع والحكمة والفرح والتهليل. فيصرخ قلبه فى كل صباح قائلاً: "فلتعترف لك الشعوب يا الله، فلتعترف لك الشعوب كلها، لتفرح الأمم وتبتهج" (مز66 Lxx).

يقول القديس باسيليوس الكبير: [ "اهتفوا أيها الصديقون بالرب، بالمستقيمين يليق التسبيح" (مز33: 1). كثيراً ما نسمع عن صرخات الهتاف فى الكتاب المقدس، التي تعبّر عن حالة النفس السعيدة جداً، والمملوءة فرحاً. ليس لأن كل شئ يسير على ما يرام، وليس لأجل صحة جسدية، ولا لأن الحقول أتت بالثمار من كل نوع، بل لأنكم اقتنيتم الرب. فهو الجميل، الطيب والحكيم! ألا يكفيكم هذا الفرح الذى ملأكم به؟ يجب إذن أن يبتهج الإنسان عندما يمتلئ بالفرح والتهليل، لأجل هذا الخير ويعمل لحفظه[112]1].

هذا ما تغَنى به المرتل قبل مجئ المخلص، قائلاً "وفى كل الأمم خلاصك" (مز67: 2)، وما ملأ قلب سمعان الشيخ بالفرح، حين حمله على ذراعيه، وسبحَّه قائلاً: "لأن عينى قد أبصرتا خلاصك، الذى أعددته قدام جميع الشعوب" (لو2: 30 - 31).

يقول القديس أغسطينوس: [اسمعوا العبارة التالية كيف يتحدث ليس فى جزئية: "يحمدك الشعوب كلها" (مز67: 3) لتسيروا فى الطريق معاً مع كل الأمم، سيروا فى الطريق معاً مع كل الشعوب، يا أبناء السلام، أبناء الكنيسة الواحدة الكاثوليكية (الجامعة). سيروا فى الطريق متطلعين، وأنتم تسيرون].

[الذين يخافون اللصوص يغنون (فى الطريق) فكم بالأكثر وأنتم فى أمان تغنون فى المسيح! هذا الطريق ليس فيه لصوص إلا إذا تركتم الطريق فإنكم تسقطون فى أيدى اللصوص].

يقول الأب أنسيمس الأورشليمي: [يدعو النبى كافة الناس إلى التوبة والاعتراف بإحسان الله. فقوله: "الشعوب كلها" (مز67: 5) يحتوى على نبوة أنه مزمع بكل مكان أن يُقرب لله ذبيحة التسبيح والصلاة، وليس عند اليهود وفى أورشليم فقط].

ونحن كمؤمنين يلزم أن تتهلل قلوبنا بالرب على الدوام. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: "لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى، وأنتم بكل حكمة معلمون ومنذرون بعضكم بعضاً بمزامير وتسابيح وأغاني روحية بنعمة، مترنمين في قلوبكم للرب" (كو3: 16)...

تأملوا مراعاة بولس لمشاعر الآخرين، فإذ يرى أن القراءة مجهدة، تثير الضجر إلى حد بعيد، فإنه لم يوجه أنظارهم إلى بالأسفار التاريخية بل إلى المزامير، حتى تبهجوا نفوسكم بالترنيم وبرقة تسلّون رفقاءكم، إذ يقول "بترانيم وأغانى روحية" لكن أولادكم الآن يتفوهون بأغانى ورقصات الشيطان، فالطهاة والخدم والموسيقيون، ليس منهم أحد يعرف أى مزمور، لكنه أمر يخجلون منه بل ويسخرون منه ويتهكمون عليه. وهنا مكمن كل الشرور...

عِلمه أن يرنم تلك المزامير المملوءة بحب الحكمة، إذ تخص العفة أو بالحرى ومثل كل شئ لا تجعله يصاحب الأشرار، ما إن يستهل قراءة الكتاب (سفر المزامير)...

وحينما يتعلم بواسطة المزامير، سيعرف الترانيم أيضاً، كشئ مقدس. لأن القوات العلوية تنشد الترانيم، وليس المزامير. إذ يقول الجامعة: "إن الترنيمة ليست حلوة فى فم الخاطئ".

فما هى ترنيمة العلويين؟ يعرفها المؤمن. ماذا يقول الشاروبيم فى العلاء؟ ماذا يقول الملائكة؟ "المجد لله فى الأعالى" لهذا بعد الأبصلمودية (المزامير) تأتي الترانيم، كشئ أكثر كمالاً...

حتى وإن كنتم في السوق، يمكن لكم أن تتماسكوا وترنموا لله دون أن يسمعكم أحد. لأن موسى أيضاً قد صلى هكذا، وسمعه الله إذ يقول له الله، ما لك تصرخ إلى "؟ (خر14: 15) مع أنه لم يقل شيئاً. بل صرخ بأفكاره، فلم يسمعه إلا الله وحده، إذ كان يصرخ بقلب منسحق. فليس محرماً أن يصلى الإنسان بقلبه حتى وهو سائر على قدميه، إذ يسكن (بفكره) العلاء[113]1].

7 - ما هى غاية الكتاب المقدس؟

إنه يدعونا للحياة السماوية بدون إلزام قهرى! يُقدس الله الحرية الإنسانية، فيكشف لنا عن طريق الحياة وطريق الموت، التمتع بالنور الإلهى أو الانحراف إلى ظلمة إبليس. إنه يترك كمال الحرية لاختيار أحد الطريقين، وفى نفس الوقت يعمل فينا لتكون لنا الإرادة المقدسة دون إلزام من جانبه.

يقول القديس باسيليوس الكبير: [يليق بالمسيحى أن يميل بأن يسلك بما يليق بدعوته السماوية، وأن تكون حياته ومحاوراته تليق بإنجيل المسيح[114]2].

8 - كيف نتمتع بأسرار الكتاب المقدس؟

أ - قراءة الكتاب المقدس بالمحبة: يقول ماريعقوب السروجى: [من يحب يجد الكثير من التعليم، لأن المحبة تفتح الباب لقبول الكلمة[115]3].

ب - قراءة الكتاب المقدس مع طلب نعمة الله: [تحرك النعمة طلب ذاك الذى يسأل، وتقترب النعمة عينها، فتتحد بعقل من يسأل، بالرغم من فقره ومسكنته، ليعطى له ما طُلب منها].

ج - التعرى عن محبة العالم التى تعمى النفس عن إدراك الحق: يقول مار يعقوب السروجى: [لو لم تعمى محبة العالم نفوسنا لئلا تنظر إلى غنى تدبير المسيح، لتبين لها بوضوح الكنوز العظيمة المطمورة فى أخبار أسفاره المقدسة... لو قامت النفس عارية بنقاوة طبيعتها، وهى غير لابسة المحبة الغريبة، لكان سهلاً عليها أن تنظر وترى وتفتش وتجد وتدرك وتنال كل ما تسأل، وتنفذ كل ما تشاء، وتتكلم وهى تفيد الأخرين].

د - قراءة الكتاب المقدس بتواضع: يقول ماريعقوب السروجى: [إن لم تغطس النفس تحت التراب بالتواضع، لا يظهر لها جمال الكتاب، لأن جماله موجود حيث يشاهد تواضعه].

ﮪ - قراءة الكتاب المقدس بروح التسبيح: يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [علّمه أن يُرّنم تلك المزامير المملوءة بحب الحكمة، إذ تخص العفة، أو بالحرى لا تجعله (المزامير) يصاحب الأشرار، ما أن يستهل قراءة الكتاب (سفر المزامير) [116]1].

9 - كيف يُقدم لنا الكتاب المقدس الرب الحنّان والعادل؟

يقدم لنا الكتاب المقدس الله الرحوم الحنان نحو البشرية، وفى محبته وحنوه لا يحابى أحداً، فهو عادل أيضاً، وفى عدله يفتح أبواب مراحمه أمام الجميع بدون محاباه. كمثال فاقت راعوث الأممية الكثير من اللواتى من شعب الله، وتمتعت المرأة الزانية خلال التوبة بما لم يتمتع به سمعان الفريسى.

يقول القديس باسيليوس الكبير: [يبرز الكتاب المقدس فى مواضع كثيرة برّ الله وحنانه، ويُعلمنا أن رحمة الله ليست بلا عدل، ولا العدل بلا رحمة. أيضاً يٌقرر الرب مقدار محبته ورحمته للأبرار حسب رأفاته، كما يذكر ضعفاتنا ويدينها بعدل، وبمحبته للبشر سيزنها بالتساوى ويُدافع عنا، لأن "إلهنا يرحم". ورحمة الرب تترفق بالمتواضعين الذين صاروا فى الآلام باختيارهم[117]2].

10 - لماذا قيل: كلمة الله دائمة إلى الأبد؟

يقول ماريعقوب السروجى: [كلمة الحياة لا زمان لها، لا تزول ولا تنحل، لأن كل الأزمان هى مُلكها. يتناثر العالم كالزهرة وقت قيظ الظهيرة الشديدة، وكلمة الحياة لؤلؤة لمن يسمعها. يا محب العالم ألق الزهرة التى لا تدوم، وهلم وعلّق فى أذنك اللؤلؤة التى لا تقدر بثمن[118]3].

11 - ما هو موضوع الكرازة؟

يقول ماريعقوب السروجى: [ساعدنى لأصير عاملاً بكلمتك بنشاط، وبها أنهى حسناً مسيرة حياتى، أموت أنام وأنعس على تعليمك ولن انفصل عنك أيها الرفيق الصالح حتى فى الموت[119]1].

12 - ما هو موقف الهراطقة من الكتاب المقدس؟

أولاً: لا يدخلون من الباب: يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [لاحظو سمات اللص، أولاً أنه لا يدخل علانية، ثانياً لا يدخل حسب الكتب المقدسة، فهذا لا يعنيه، "لا يدخل من الباب" (يو10: 1 - 6). هنا أيضاً يشير إلى الذين جاءوا قبلاً والذين سيأتون بعده، ضد المسيح والمسحاء الكذبة، يهوذا وتيداس (أع36: 5) وكل من على شاكلتهم.

فى قول السيد المسيح: "إن الذى لا يدخل من الباب"، المقصود بالباب هنا هو الكتب المقدسة، لأنها تدخل بنا إلى الله، وتفتح لنا المعرفة بإلهنا، وهى تحفظنا، ولا تترك الذئاب تدخل إلينا، لأنها بصورة باب، تغلق المدخل فى وجه ذوي البدع، وتصيرنا فى صيانة من خداعهم، ولا تهملنا حتى لا ننخدع. لأننا بالكتب نعرف الرعاة، والذين ليسوا برعاة، ولهذا قال السيد المسيح لليهود: "فتشوا الكتب، لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية، وهى التى تشهد لى" (يو5: 39). إنها تجلب موسى وتدعوه هو وكل الأنبياء شهوداً، إذ يقول "كل من يسمع الأنبياء يأتى إلى" وأيضاً: "لو صدقتم موسى تؤمنون بى"... حسناً يقول: "يتسلق (يصعد) وليس (يدخل)"، فإن التسلق هو من عمل السارق الذى يضع فى نيته أن يقفز فوق السور، يفعل ذلك وهو معرض للخطر[120]2.

ثانياً: إساءة استخدامهم للكتاب المقدس: تحدث القديس إكليمنضس السكندري عن إساءة الهراطقة فى استخدامهم للكتاب المقدس، فقال: [إن كان الذين يتبعون الهرطقات يتجاسرون ويحتمون فى الكتب النبوية، فإنهم فى المكان الأول لا يستخدمون الكتب المقدسة كلها ولا يقتبسون العبارات كاملة... إنما يختارون عبارات غامضة يحرفونها لخدمة آرائهم الخاصة، ويجمعون عبارات قليلة من هنا وهناك، غير مهتمين بالمعنى، إنما بمجرد استخدام للكلمات. فى أغلب اقتباساتهم تجدهم يهتمون بالألفاظ وحدها محرفين المعانى... فلا يستخدمون الاقتباسات التى يدللون بها فى طبيعتها الحقيقية[121]3].

[مع أنهم يتحدثون عن الله الواحد، ويسبحون بالترنيمات للمسيح، لكنهم يتكلمون بغير تدقيق، مخالفين الحق، إذ اكتشفوا إله آخر وقبلوا مسيحاً ليس حسب النبوات. هؤلاء تعاليمهم باطلة، تعارض الحق، وهم ضدنا[122]1].

[الكتب المقدسة بالنسبة للغنوسيين (الذين لهم معرفة حقيقية) هى حبلى، أما بالنسبة للهراطقة تبدو غير حبلى لأنهم لا يفهمونها[123]2].

[ليت الذي تقبل الإنجيل مرة، حتى في الساعة التى دخل فيها إلى معرفة الخلاص، ألا ينظر إلى الوراء كما فعلت امراة لوط، ولا يرتد إلى حياته الأولى المرتبطة بالحسيات أو الهرطقات[124]3.

ثالثاً: ينشغلون بالمباحثات الغبية المفسدة للوقت والهدف: يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [يلزمنا إلا ننشغل بالمباحثات، لأننا إذ نسأل لا يكون للإيمان موضع، إذ الإيمان يعطى للمباحثات هدوء. لكن لماذا يقول السيد: "اطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتح لكم" (مت7: 7)؟ وأيضاً "فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية" (يو5: 39)؟ الطلب يعنى الصلاة والرغبة الشديدة. فهو يأمر بتفتيش الكتب لا للدخول فى أتعاب المباحثات وإنما لإنهائها، بالتأكيد من معناها الحقيقى، فلا نبقى بعد فى مباحثات مستمرة وإنما نقطع فيها[125]4].

13 - لماذا يتعثر البعض فى العهد القديم؟

يكشف آباء الكنيسة عن أسباب عثرة البعض فى العهد القديم، وهى:

أ - الحاجة إلى مفتاح داود: يشعر القديس جيروم الحاجة إلى مفتاح داود ليفك الختوم ويتمتع بعجائب الكتاب المقدس، لهذا كان المرتل يطلب من الله، قائلاً: "افتح عن عينى لأتأمل عجائب من شريعتك" (مز119: 18).

يقول القديس جيروم: [نرى فى سفر الرؤيا كتاباً مختوماً بسبعة ختوم. إذا ما قدمته لشخص متعلم وقلت له: "إقرأ هذا"، يجيبك: "لا أستطيع، لأنه مختوم". كم من كثيرين اليوم يحسبون أنفسهم متعلمين، ومع هذا فالكتاب المقدس بالنسبة لهم كتاب مختوم. لن يستطيعوا فتحه بدون مساعدة ذاك الذى معه مفتاح داود، الذي يفتح ولا أحد يغلق، ويغلق ولا أحد يفتح! جاء فى سفر أعمال الرسل أنه كان يوجد خصى مقدس، عندما كان يقرأ في سفر إشعياء سأله فيلبس: "أتفهم ما تقرأ؟" أجابه: "كيف إن لم يرشدنى أحد؟" (أع8: 31)... ثم حدث أن أراه فيلبس يسوع الذى كان مختفياً وراء الحرف. يا له من معلم! ففي تلك الساعة عينها آمن الخصى واعتمد. صار أحد المؤمنين، بل وصار قديساً. لم يعد بعد تلميذاً بل صار معلماً. لقد وجد فى جرن الكنيسة فى البرية أكثر مما وجده حين كان فى الهيكل المكسى بالذهب. لا نفع لمحاولاتك أن تعلم ما لم تعرف... فسيكون حالك أسوأ بأنك تجهل جهلك[126]1].

ب - التشكيك فيه: يقول القديس باسيليوس الكبير: [لا نُهمل القراءة أبداً، خاصة العهد الجديد، لأن البعض يضرهم العهد القديم، ليس لأن المكتوب فيه ضار، إنما لأن أذهان الذين يضرون ضعيفة. أكل الخبز صحى، لكنه قد يضر مريضاً. هكذا كل الكتاب المقدس مُوحى به من الله ونافع، وليس فيه شئ غير طاهر، إلا بالنسبة للذى يظن أنه غير طاهر... "كل الأشياء تحل لى، لكن ليس كل الأشياء توافق" (1كو6: 12) [127]2].

ج - القراءة بدون حب: يقول القديس أغسطينوس [ينير الكتاب أعين النفس فاقرأه أيها العاقل، وامتلئ من حبه. فمن قراءة الأسفار المقدسة تشرق الشمس على العقول التي تتغذى منها بتمييز. لقد وضع الله الأسفار المقدسة فى العالم كسراج نور تضئ ظلمته. فالذي يحبّ نفسه يستنير بالقراءة، ويسير على هداها. اقترب من الكتاب بحب، وتأمل جماله. لن تستفيد بدون الحب، لأن الحب هو مدخل الفهم. يفرض الكتاب حبك، فإن كنت لا تحبه فلا تقرأه. إنه يكلمك، فإن ضجرت فى قراءته حرمك من إيماءاته. يجب أن تحبه وتفتحه وتقرأه وتتأمل جماله، وإلا فلا تقرأه، لأنك إن كنت لا تحبه لن تستفيد منه].

د - عدم التوبة: يقول القديس أغسطينوس [إن ارتكبت خطية، فإن خصمك هو كلمة الله... إنها عدو إرادتك إلى أن تصير الكلمة هى أمان خلاصك. يا له من عدو مخلص ومعين! [128]3].

ﮪ - السلوك فى الرب يهب المعرفة بهاءً:

يقول الأب هيسيخيوس الأورشليمى: [عندما تُحرث الأرض تنتج زهوراً وفواكه، وأما التأمل فى الشريعة فينتج فضائل. هذا هو السبب الذي لأجله يُطلب ممارسة الشريعة بغيرة (مز119: 40، 47، 48). لا بتغليفها بكلمات، بل بالعمل بها، ليس بمناقشة لغة الكلمات الإلهية بطريقة غير مجدية بل بالتصديق عليها بسلوكنا، وإقرارها فى أعمالنا. فكما أن المعرفة تجعل القراءة مجيدة، هكذا العمل يهب المعرفة بهاءً.

فما هو فائدة كرم لم تُغرس فيه كروم، ولا قلمت، ولا دُبر أمر العناقيد؟ أليس باطلاً يخرج فارس إلى مكان طلق فسيح وهو لم يدرب بعد خيله؟...

على أى الأحوال لم يسلك أيوب هكذا، وإنما من البداية سلح نفسه بالفضائل، ودربها على المعركة خلال التقوى. قدر ما وجد نفسه فى غنى ورخاء كان يقدم كل يوم عند قيامة ذبائح (أى1: 5). قبلما كان النور المنظور (الشمس) يشرق، كان يحيى النور غير المنظور. إذ يقفز من سريره، يجرى نحو واهب النور والتسبحة على شفتيه (مز127: 2)، يبدأ أنشطة اليوم بالاقتراب من خالق النهار... كم من المرات أغلق أيوب فم أليفاز الذى أراد أن يستعرض البلاغة!... كم من مرة أبطل تشامخ بلدد وازناً كلماته، هذا الجندى الحقيقى للبر! بل لاحظوا أن صوفر أيضاً نشر غلبته فى مقدمة أحاديثه! ليتنا نتفحص بإدراك كلماته].

14 - ماذا يقصد بالبرقع الموضوع على قلوب البعض؟

يقول الرسول بولس: "وليس كما كان موسى يضع برقعاً على وجهه لكى لا ينظر بنو إسرائيل إلى نهاية الزائل. بل أغلظت أذهانهم لأنه حتى اليوم ذلك البرقع نفسه عند قراءة العهد العتيق باق غير منكشف، الذى يبطل فى المسيح. لكن حتى اليوم حين يقرأ موسى البرقع موضوع على قلبهم. ولكن عندما يرجع إلى الرب يُرفع البرقع (2كو3: 13 - 16).

لم يتأهل شعب بنى إسرائيل إن يتطلعوا إلى بهاء وجه موسى، وهو مجد مؤقت زائل. وقد سمح الله لهم بذلك حتى يطلبوا ما هو أعظم: المجد الأبدى غير الزائل.

يعلق القديس باسيليوس الكبير على قول الرسول قائلاً:

[لماذا يقول هذا؟ [ان من يقطن فى المعنى الحرفى المجرد، ويشغل نفسه بحفظ الناموس، يكون كما لو أن قلبه قد تغلف بقبول الحرف اليهودى مثل برقع موضوع عليه. هذا يحدث له بسبب جهله بأن الحفظ الجسدى للناموس قد بطل بحضور المسيح، وذلك من أجل أن الرموز تتحول إلى حقائق للمستقبل...

ذاك الذى له القوة أن يتطلع إلى أعماق معنى الناموس، وبعد ذلك يعبر خلال غموض الحرف كما من خلال برقع لكى يصل إلى الأمور التى لا يُنطق بها يكون مثل موسى الذى ينزع البرقع عنها يتحدث مع الله. هذا يرجع عن الحرف إلى الروح.

هكذا ينطبق البرقع الذى على وجه موسى على غموض تعليم الناموس، وينطبق التأمل الروحى على الرجوع إلى الرب. مثل هذا... يصير بالأكثر مثل موسى الذى يتمجد وجهه بإعلان الله.

وكما أن الأشياء التى توضع بالقرب من الألوان البهية هى نفسها تحمل مسحة من البهاء المشرق حولها، هكذا ذاك الذى يركز نظره بثبات على الروح. فإنه يمجد الرب إلى حد ما يتجلى إلى سمو أعظم، ويستنير قلبه كما بنور ينسكب من الحق الذى للروح. هذا هو "التحول" إلى مجد الروح، ليس إلى درجة شحيحة أو باهتة أو غيرواضحة، وإنما كما نتوقع بالنسبة لذاك الذى يستنير بالروح[129]1].

ويقول القديس أغسطينوس: [الحقيقة بأن العهد القديم لجبل سيناء أنتج أبناء العبودية، الآن لا يهدف سوى للشهادة للعهد الجديد. وألا تكون كلمات الرسول غير صادقة: "حتى اليوم ذلك البرقع نفسه عند قراءة موسى يوضع على قلوبهم"، ولكن عندما يتوجه إنسان من العهد القديم إلى المسيح "يرفع البرقع". ما يحدث هو أن النسمات العميقة التى لأولئك الذين يحدثون تغيراً بالتحول من العهد القديم إلى الجديد، يبدأون فى التطلع إلى السعادة الروحية أكثر من الأرضية[130]2].

[كان حجاب الهيكل (مت27: 51) ليعنى ما قاله الرسول عن برقع العهد القديم، ففى المسيح قد أبطل[131]3].

[ليس العهد القديم هو الذى أبطل فى المسيح، بل البرقع الذي يحجب، حتى يفهم المسيح. بمعنى أنه يصير ظاهراً مكشوفاً، وبدون المسيح يكون مخفياً وغامضاً. يضيف نفس الرسول فى الحال: "عندما يرجع إلى الرب يُرفع البرقع" (2كو3: 16). لم يقل: "يزال الناموس او العهد القديم". الأمر ليس كذلك! بنعمة الرب ما كان مُغطى يُزال لعدم نفعه، يُزال الغطاء الذى يخفى الحق النافع. هذا ما يحدث للذين يطلبون بشغف وتقوى، وليس بكبرياء وشر، معنى الكتب المقدسة. بالنسبة لهم يُشرح لهم بوضوح نظام الأحداث وسبب الكلمات والتصرفات والتوافق بين العهدين القديم والجديد، فلا تبقى نقطة واحدة بدون اتفاق تام. مثل هذه الحقائق السرية بلغت خلال الرموز، عندما تحضر إلى النور. بتفسير الحقائق يُلزم الذين يرغبون فى النقد إلى التعلم[132]4].

إذ عكفوا على الحرف لا الروح، وأغمضوا أعينهم حتى لا يروا نور الإنجيل المُقدم لهم غلظت قلوبهم (أع14: 2) وامتلأوا غباوة. وكأن البرقع الذى يحجب بهاء وجه موسى عنهم لازال قائماً. صار لهم برقع الظلمة والجهالة على قلوبهم، الذى يمنع التطلع إلى مجد الإنجيل من الإشراق عليهم. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [ما حدث مرة فى حالة موسى يحدث باستمرار فى حالة الناموس. ما يُقال ليس اتهاماً للناموس، وليس له انعكاس على موسى الذى وضع برقعاً، وإنما هو اتهام ضد ضيق أفق المهتمّين بحرفية الناموس اليهودى. فإن للناموس مجده اللائق به، وإنما هم كانوا غير قادرين على معاينته. فلماذا نتعجب من أن اليهود لم يؤمنوا بالمسيح، إذ لم يؤمنوا حتى بالناموس؟ [133]1] كما يقول: [يوضع البرقع على قلوبهم... بسبب ذهن اليهود الثقيل الجسدانى... ألا تروا أنه لم يكن البرقع على وجه موسى بل على البصيرة اليهودية؟ حدث هذا ليس لكى يخفى مجد موسى، وإنما لكى لا يروه، لأنهم لم يجدوا طريقاً للرؤية. فالعيب هو فيهم، هذا لم يجعل موسى مجهولاً فى شئ ما[134]2].

يقول العلامة أوريجينوس: [إذ تقلب (العروس) صفحات الأنبياء كمثال، صفحة فصفحة، تجد المسيح نابعاً منها. الآن إذ زال البرقع الذى غطى هذه الصفحات تدركه يبرز ويظهر من الصفحات التى تقرأها، ويندفع منا فى إعلان واضح تماماً[135]3].

كما يقول العلامة أوريجينوس: [مادام الإنسان لا يصغى للمعنى الروحى، يُوضع برقع على قلبه. وبسبب هذا البرقع الذى هو الفهم المتبلد، يُقال إن الكتاب نفسه موضوع عليه برقع. هذا هو تفسير البرقع الذى يُقال إنه يغطى وجه موسى عندما يتحدث مع الشعب، بمعنى عندما يُقرأ الناموس علانية. أما إذا رجعنا إلى الرب، حيث يوجد كلمة الله، وحيث يُعلن الروح القدس المعرفة الروحية، يُرفع البرقع، ونستطيع أن ننظر مجد الرب فى الكتب المقدسة بوجه بلا برقع[136]4]. وأيضاً [إشراق مجئ المسيح بإنارة ناموس موسى ببهاء الحق يرفع البرقع الذى يُغطّى حرف الناموس ويُغلق عليه، وذلك لكل من يؤمن به ويخفى فى داخله هذه الأمور الصالحة[137]5].

[يلزمنا أن نستعطف الرب نفسه، الروح القدس نفسه، لكى يرفع كل سحابة وكل ظلمة تجعل رؤية قلوبنا غامضة قاسية بوصمات الخطايا، حتى نستطيع أن نرى معرفة ناموسه الروحية العجيبة[138]6].

[لنحذر لئلا ليس فقط "عندما يُقرأ موسى" بل وأيضاً عندما يُقرأ بولس يوضع برقع على قلوبنا. إذا ما سمعناه بإهمال، إن كنا لسنا غيورين للتعلم والفهم ليس فقط أسفار الناموس والأنبياء، بل وحتى الرسل والأناجيل تُعطى ببرقع عظيم.

إنى أخشى لئلا بالإهمال العظيم وبلادة القلب ليس فقط تُحجب الأسفار الإلهية بالنسبة لنا بل وتُختم، حتى إذا ما وُضع كتاب فى يدى إنسان لا يقدر أن يُقرأ وإذ يُطلب منه أن يقرأ يقول: لا أستطيع القراءة. وإذا وضع فى أيدى إنسان قادر على القراءة يقول: إنه مختوم.

لهذا فإننا نرى أنه يلزمنا ليس فقط أن تكون لنا غيرة لتعلم الأدب المقدس، بل ونصلى إلى الرب ونتوسل إليه نهاراً وليلاً لكى ما يأتى الحمل الذى من سبط يهوذا ويمسك بنفسه السفر المختوم ويفتحه. فإنه هو الذي يفتح الأسفار، ويُلهب قلوب تلاميذه، فيقولوا: "ألم يكن قلبنا ملتهباً فينا عندما فتح لنا الكتب المقدسة"؟ (كر16: 12 - 30) ليته الآن يرى أننا نتأهل ليفتح لنا ما أوحى به لرسوله، ويقول: "ولكن الرب هو روح، وحيث روح الرب فهناك حرية" [139]1].

كم يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [توجد فائدة لنزع برقع العروس: فعيونها أصبحت حرة بلا نقاب وتتمكن من النظر بدقة لترى محبوبها. ويشير نزع البرقع بلا شك إلى عمل الروح القدس حسب كلام الرسول: "ولكن عندما يرجع إلى الرب يُرفع. وأما الرب فهو الروح وحيث روح الرب هناك حرية" (2كو3: 16، 17) [140]2].

[ليس فى قدرة الإنسان أن يقتنى مثل هذه العطية، لكن تختفى النية الإلهية وراء جسم الكتاب المقدس، كما خلف برقع، فبعض الشرائع والقصص التاريخية تغطى التى يتأملها الذهن. لهذا يخبرنا الرسول أن الذين يتطلعون إلى جسم الكتاب المقدس ولهم برقع على قلوبهم غير قادرين أن ينظروا مجد الناموس الروحي، إذ هو مخفى وراء البرقع الموضوع على وجه واضع الناموس. لهذا يقول: "الحرف يقتل وأما الروح فيحيى" [141]3].

ويقول القديس أمبروسيوس: [هكذا يؤمر النبى من الرب أن يعبر إلى النهر (1مل17: 2) لكى يشرب من العهد الجديد ليس فقط بنهر بل "تجرى من بطنه أنهار مياه حية" (يو7: 38)، أنهار فهم، أنهار تأمل، أنهار روحية، هذه التى تجف فى زمن عدم الإيمان لئلا يشرب مدنسو المقدسات وغير المؤمنين. فى ذلك الموضع عرف الغربان ما لم يعرفه اليهود. أطعمة الغربان، ذاك الذي اضطهده الجنس الملوكى الشريف[142]4].

[بحق يقول بولس: "الحرف يقتل والروح يحيى" (2كو3: 6). فالحرف يختن جزءاً صغيراً من الجسم، إما الروح المُدرك فيحفظ ختان النفس والجسد بالكامل، فتُحفظ الطهارة، ويُحب التدبير، وتُنزع الأجزاء غفر الضرورية (إذ ليس شئ غير ضرورى مثل رذيلة الطمع وخطايا الشهوة، هذه التى لا تنتمى للطبيعة، إنما جاءت ثمرة للخطية). الختان الجسدانى هو رمز، ولكن الختان الروحى هو الحقيقة، الواحد يقطع عضواً والثانى ينزع الخطية[143]1].

يقول القديس أغسطينوس: [يا من تخافون الرب سبحوه، لتعبدوه لا كعبيد بل كأحرار. تعلموا أن تحبوا من تخافوه، فتستطيعون أن تسبحوا من تحبونه.

خاف رجال العهد القديم الله بسبب الحرف الذى يُرعب ويقتل ولم يكن لهم الروح الذى يحيى، فكانوا يجرون نحو الهيكل بالذبائح ويقدمون ضحايا دموية. كانوا يجهلون ما كان ظلاً خلالها، مع أنه كان رمزاً للدم القادم الذى به نخلص[144]2].

[يأمر الله بالعفة، وهو الذى يهب العفة. يأمر بالناموس، ويعطى الروح، لأن الناموس بدون النعمة يجعل الخطية تزداد (رو5: 20). والحرف بدون الروح يقتل. إنه يأمر لكى يعلمنا كيف نسأل عون النعمة حينما نحاول الطاعة لوصاياه وفى ضعفنا نسقط بقلق تحت الناموس. وأيضاً لكى يجعلنا شاكرين له من أجل عونه لنا، إن كنا نستطيع أن نحقق أى عمل صالح[145]3].

[إن نزعتم الروح كيف ينفع الناموس؟ تحدث مراوغة. لهذا يقول الكتاب: "الحرف يقتل". الناموس يأمر، وأنتم لا تطيعونه. توجد أمور ممنوعة، وأنتم تمارسونها. انظر فإن الحرف يقتل[146]4].

[ليرتبط الروح بالناموس، فإنكم إذ تستلمون الناموس وليس لديكم عون الروح لا تتممون ما جاء فى الناموس... ليكن لكم الروح، ليعينكم حتى تتممون ما تؤمرون به. متى كان الروح غائباً يقتلكم الحرف... لا تستطيعون أن تعتذروا بحجة الجهل مادمتم قد تسلمتم الناموس. الآن، إذ تعلمتم ما يجب أن تفعلوه ليس لكم أن تعتذروا بالجهل... لكن لماذا يقول الرسول: "الحرف يقتل والروح يحيى"؟ كيف يعطى الروح الحياة؟ لأنه يجعل الحرف يتحقق فلا يقتل. المقدّسون هم الذين يحققون ناموس الله حسب عطية الله. يمكن للناموس أن يأمر، لكنه لا يقدر أن يعين. الروح يُضاف كمعين، فتتم وصايا الله بفرح وبهجة. بلا شك كثيرون يلاحظون الناموس عن خوف، ولكن الذين يحفظونه خشية العقوبة يفضلون لو ان الذى يخافونه غير موجود. وعلى العكس، فإن الذين يحفظون الناموس بحبهم البر يفرحون ويحسبونه ليس غريباً عنهم[147]5].

15 - كيف يُرفع البرقع عنا؟

يرفع البرقع عن قلوبنا وأذهاننا بالرجوع إلى الرب بالصلاة الصادقة.

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [غاية البرقع ليس إخفاء موسى بل منع اليهود من رؤيته، إذ كانوا عاجزين ع نفعل هذا. لكننا عندما نرجع إلى الرب، فالبرقع يُرفع طبيعياً. عندما تحدث موسى مع اليهود كان وجهه مُغطى، ولكن عندما تحدّث مع الله رُفع البرقع، هكذا عندما نرجع إلى بالرب نرى مجد الناموس ووجه مُسلم الناموس غير مغطيين. ليس هذا فقط، فإننا نحن سنكون فى شاكلة موسى[148]1].

16 - ما هو منهج التفسير بمدرسة الإسكندرية؟ [149]2

يقول Dom. D. Rees: "كانت مدرسة الإسكندرية التعليمية (ديدسقاليون Didascalion) بلا شك أشهر معهد عقلى فى العالم المسيحى الأول، وكان اهتمامها منصباً على دراسة الكتاب المقدس، وقد ارتبط اسمها بالتفسير الكتابى... كان شغل هذه المدرسة التفسيريّة الأول هو اكتشاف المعنى الروحي فى كل موضع وراء السطور فى الكتاب[150]3".

استخدم القديس إكليمنضس الإسكندرى هذا النوع من التفسير، لكن تلميذه أوريجينوس هو الذي شكل نظامه ووضع قواعده وقام بنشره فى الشرق والغرب، حتى نُسب إليه. لقد بلغ أوريجينوس بالمدرسة إلى القمة فى هذا الشأن، فتأثرت بدوافعه وأفكاره، وإن كانت قد تحررت بعد ذلك من مبالغته فى التفسير الرمزى. كان لهذا المنهج أهميته إذ فتح باباً للاهوت المسيحي يربط ما بين الفلسفة والوحى، كما عالج الكثير من المشاكل الخاصة بتفسير العهد القديم، لكننا فى نفس الوقت لا نقدر أن نتجاهل أضرار المبالغة فى استخدامه، لهذا وجد هذا المنهج معارضة، كما نادى آباء المدرسة فيما بعد بالاعتدال فى استخدامه.

ويُعتبر القديس إكليمنضس (إقليمس) السكندرى أول (كاتب) لاهوتى مسيحى يستخدم التفسير الرمزى، معللاً استخدامه بطريقة عملية، فيقول إن الإنجيل أخفى بعض المعاني ليحثنا على البحث واكتشاف كلمات الخلاص المخفية عن أعين محتقريها. ويضيف تلميذه أوريجينوس بعض التبريرات الأخرى لاستخدام التفسير الرمزى.

17 - ما هو الفرق بين الرمزية والمثالية Allegory and Typology؟

استخدام الكتاب المقدس على الأقل ثلاثة أنواع من الرمزية:

1 - الرمزية الصورية Figurative allegory.

2 - الرمزية القصصية Narrative allegory.

3 - الرمزية المثالية Typological allegory.

أنشودة بولس الرسول عن المحبة فى (1كو13) وأيضاً الحكمة كما تظهر فى سفر الأمثال الإصحاح الثامن هما مثلان للرمزية الصورية.

أما فى بعض الأمثال كالسامرى الصالح (لو10: 30 - 35)، والابن الضال (لو15: 11 - 32)، فالرمزية هنا تُعتبر رمزية قصصية.

لكن السمة الإنجيلية الغالبة هى الرمزية المثالية، حيث تتناول طريقة تفسير العهد الجديد لأحداث وشخصيات العهد القديم بربط الواقع التاريخى والمعنى النبوى بمفهوم الأناجيل المسيحية والشريعة والتدبير المسيحى[151]1.

يرى بعض الدارسين أن "الرمزية" وسيلة تفسير الحقائق الأرضية بطريقة رمزية لتشير إلى حقائق سماوية، بينما المثالية "هى تفسير الحقيقة التاريخية كظل لحدث آخر، خاصة لشخص السيد المسيح وعمله[152]2. يقدم J. N. D. Kelly أساساً للتمييز بين الرمزية والمثالية، إذ قال:

[فى التفسير الرمزى يستخدم النص الكتابى كرمز لحقائق روحية بينما يلعب المعنى الحرفى أو التاريخى للنص دوراً صغيراً جداً إن لم يتجاهله تماماً. وهدف التفسير الرمزى هو استنباط المعنى الخفى أو اللاهوتى أو السرى لكل نص أو آية وحتى لكل كلمة...

أما التفسير المثالى "Typological exegesis" فيختلف عنه تماماً، لأنه يعمل على إيجاد التشابه بين العهدين، حيث نجد العهد القديم ينعكس فيه ما بالعهد الجديد، بمعنى أنه يصوّر أو يلقى الظلال مسبقاً على أحداث وشخصيات العهد الجديد. ويأخذ المفسّر فى هذا المجال التاريخ مأخذ الجدية، لأنه جزء هام للكشف عن خطة الله الخلاصية... [153]3].

يقول Jean Danielou أيضاً: "دراسة المثالية عند الآباء تقوم أساساً على الاستمرارية القائمة بين العهدين: القديم والجديد[154]4".

18 - ما هو موقف الآباء بعد أوريجينوس من الرمزية والمثالية؟

جاء اللاهوتيون الإسكندريون من بعد أوريجينوس ابتداء من القديس ديديموس الضرير وحتى القديس كيرلس الكبير متأثرين بالتفسير الرمزى بدرجات متفاوتة، ويمكن تطبيق هذا القول على الفلسطينيين (باستثناء أبيفانيوس) والآباء الكبادوك.

جاءت بعد ذلك مدرسة أنطاكية فى وقت لاحق وكان لها فكر مناهض للرمزية، وبالرغم من عدم رفضها الكلى للتفسير الرمزى إلا انها نادراً ما لجأت إليه، إذ تفضل التفسير التاريخى.

خلال تأثير اللاهوتيين الإسكندريين انتقل التقليد الرمزي إلى الغرب، كما يظهر بوضوح فى الكتابات التفسيرية، مثل كتابات القديس هيلارى والقديس أمبروسيوس.

أعظم المفسرين اللاتين، القديس جيروم، وإن كان قد تشكك من جهة التفسير الرمزى فى آخر أيامه، فقد قبل مراحل أوريجينوس الثلاث لتفسير الكتاب، معتقداً أن الاستعانة بالمعنى الروحى له أهميته بسبب استخدام التشبيهات لله anthropomorphism بكثرة فى الكتاب.

طبق القديس أغسطينوس الرمزية بحرية شديدة، مستمتعاً على وجه الخصوص بالرموز السريّة للأسماء والأرقام[155]1.

أسس القديس يوحنا كاسيان[156]2 الذى تبع القديس إكليمنضس السكندرى التقسيم الذى فيه يعيد التمييز بين المعانى الأربعة التالية:

1 - المعنى الحرفى.

2 - المعنى الرمزى (مطبقاً نصوص على المسيح والكنيسة المجاهدة).

3 - المعنى المثالى أو المعنى الأخلاقى (إدراك النفس وفضائلها).

4 - المعنى القياسى أو التمثيلى analogical (التطبيق النصوص على الحقائق السماوية) [157]3.

19 - ما هو تبرير القديس إكليمنضس استخدام للتفسير الرمزى؟

يعتقد القديس إكليمنضس بان الرمزية تحث المؤمنين على اكتشاف المعاني الخفية فى الكتاب المقدس. ويقول بعض الدارسين أن كتاب الكتاب المقدس استخدموا الرمز بوحى الروح القدس ليخففوا عن البسطاء التعاليم الفائقة المعرفة والتى هى فوق مستواهم الفكرى، وفى ذات الوقت يثيروا الفضول فى نفوس الناضجين روحياً وفكرياً. لذا فإيجاد المعنى العميق هو عملية تدريجية بها يقود الله النفوس التى اختارها ليكشف لها عن نفسهن وينقلها من العالم الحسي إلى الروحى، وبالتالي فإن الغنوسى (صاحب المعرفة) الحقيقى يتأمل فى أكثر النصوص الإنجيلية غموضاً، وينتقل من العالم الحاضر. محلقاً فى العالم الآخر.

20 - ما هو تبرير أوريجينوس استخدام للتفسير الرمزى؟

ناقش أوريجينوس مشكلتين بخصوص العهد القديم واجهتها الكنيسة الأولى:

1 - توقع اليهود تحقيق السيد المسيح لنبوات العهد القديم حرفياً، مثل كونه ملكهم الذى يملك على كل العالم. [158]1 يقول أوريجينوس: [يؤمن كل من اليهود والمسيحيين بأن الكتاب المقدس قد كُتب بواسطة الروح القدس، لكننا نختلف فى تفسير ما يحتويه. نحن لا نعيش كاليهود لأننا نؤمن بأن التفسير الحرفى للناموس لا يحمل معه روح الشريعة[159]2].

ويضيف أوريجينوس قائلاً: "إن كان الله والرب روحاً فلابد أن نسمع بطريقة روحية ما يقوله الروح لنا[160]3".

2 - رفض الغنوسيون العهد القديم لأنهم صُدموا فى بعض نصوصه التى تشير إلى غضب الله أو رجوعه أو ندمه. وكان سبب صدمتهم أنهم فسروها تفسيراً حرفياً وليس روحياً.

يقول أوريجينوس إن الإشارة الى التشبيهات البشرية له anthropomorphism مثل غضب الله لا يمكن فهمها حرفياً. "حينما تسمع عن غضب الله وسخطه لا تفهم ذلك بمعنى ممارسة الله لمشاعر الغضب والحنق". يستخدم الله اللغة البشرية ليهدف إلى تصحيح الأخطاء البشرية، كما يوجّه الأب البشرى طفله. "نحن أيضاً يكون لن اوجه عنيف الملامح حينما نوجه أطفالنا، ليس لأن هذه هى مشاعرنا الحقيقية، ولكن من أجل نزولنا إلى مستواهم، فإذا ما سمحنا لملامحنا الطيبة فى الظهور على وجوهنا نُفسد الطفل. الله لا يغضب فى الحقيقة، لكننا نختبر آثار غضبه حينما نقع فى تجربة بسبب شرنا، هذا هو التأديب الذى ندعوه" غضب الله[161]4 ".

بجانب مواجهته لليهود والغنوسيين يعتمد أوريجينوس على سبب ثالث لتبرير استخدام الرمزية وهو أن المعنى الروحى مقبول على أساس أن العهد القديم يقدم لنا شخص السيد المسيح مسبقاً، فيقول أوريجينوس: "كل ما هو المكتوب فى الناموس هو تشبيه أو تشخيص للسيد المسيح[162]5". وبالتالى فإن المعنى الروحى هو المعنى الذى يربط العهد القديم بالجديد، ويهدف إلى كشف العلاقة القائمة بينهما.

21 - كيف يشرح أوريجينوس التفسير الرمزى؟

1 - يشرح أوريجينوس الكاهن الذى يسلخ المحرقة فى (سفر اللاويين1: 6) "إنه ينزع النقاب الحرفى عن كلمة الله، ويكشف الأعضاء الداخلية التي هي عناصر الفهم الروحى[163]1".

2 - يعتبر أوريجينوس المعنى الروحى ليس صعباً فيقول: "ليس من الصعب الوصول إلى التفسير الروحى، لأن عروس الكلمة، أى النفس التى تقيم فى بيته الملوكى أو الكنيسة، تتعلم بواسطة كلمة الله الذى هو عريسها، فيكشف لها عن كل الكنوز المخزنة المخبأة فى قصر الملوكى وفى حجال الملك[164]2".

3 - يدرك أوريجينوس أن الإنسان مكوّن من جسد ونفس وروح، وبالتالى فإن تكوين الكتاب المقدس مؤسس بنفس النظام لخلاص الإنسان، أى المعنى الحرفى والمعنى الأخلاقى والمعنى الروحى.

4 - يجد أوريجينوس فى فلك نوح مثلاً يؤكد نظريته حيث يحوى بناؤه ثلاث طبقات (تك6: 16). "بهذا إذ نصعد إلى الطبقات المتنوعة حيث توجد المئونة نصل إلى نوح نفسه الذى معناه" الراحة "أو" البار "، أى المسيح يسوع".

أ - يشير القاع إلى الأساس، أى إلى المعنى الحرفى أو التاريخى للكتاب المقدس.

ب - الدور العلوى هو المعنى الروحي أو الباطني. فى عظاته عن سفر التكوين يقول: "الذين يعيشون بحسب ما يمليه الروح عليهم قادرون ليس فقط على التحكم فى ذواتهم بل وإرشاد الآخرين، هؤلاء عددهم قليل للغاية، يشيرون إلى العدد القليل الذى خلص مع نوح. كذلك ليسوع المسيح، نوح الحقيقى، خاصة قليلة مقربة إليه تشارك فى كلمته وفهم حكمته".

ج - أما الدور الوسط فهو يمثل المعنى الأخلاقى[165]3.

22 - ما هى نظريات القديس كيرلس السكندرى بخصوص تفسير الكتاب المقدس؟

نختم حديثنا عن الرمزية والمثالية فى مدرسة الإسكندرية بمقتطفات من دراسة Kerrgan عن نظريات القديس كيرلس السكندرى بخصوص تفسير الكتاب المقدس.

بالإشارة إلى نظريات القديس كيرلس يكتب Kerrgan.

[قد أدركنا ثلاث نتائج، بالرغم من كونها سلبية فى شكلها إلا أن محتواها إيجابى:

1 - من الخطأ الظن أن الناموس قد ألغى نهائياً حتى أن كل قوانينه ليس فيها أية قوة.

2 - من الخطأ أيضاً الظن بأن كل أعمال الناموس بلا فائدة، (ta anayxaia) فإنها إذا ما شُرحت تكون مفيدة.

3 - أخيراً من الخطأ القول بأنه لا يمكن استخدام الناموس لإثبات الحق[166]1].

يقول القديس كيرلس السكندرى: "يوجد غنى روحى عظيم محبوس فى الناموس الموسوى[167]2".

من الطبيعى أنه من أجل عدم دفن هذا الغنى يجب التوقف عن استعمال المعنى الحرفى. واضح أن القديس كيرلس لا يستطيع أن يتحدث كثيراً عن هذا الموضوع. "الناموس كامل وغير كامل فى نفس الوقت، فهو كامل إن أدركناه روحياً (لأنه يكلمنا عن سرّ المسيح)، لكنه أيضاً غير كامل إذا كان فكر الناس – الذين يقعون تحت إرشاده – لا ينطلق إلى ما وراء الحرف. فإن مادة الحرف هى نصف المعرفة فقط[168]3". يكرر القديس كيرلس مثل تلك الأفكار مرة ومرات[169]4. كثيراً ما يردد فى كتاباته قول القديس بولس الرسول: "الحرف يقتل ولكن الروح يحى" (2كو3: 6)، بل صار هذا القول شعاراً عالمياً فى ذلك الوقت. وهناك قول آخر: [الحرف يقتل، أى حرف الناموس الذى قصده الحكيم بولس. فالظل فى ذاته عديم النفع، أما بالنسبة لنا نحن الذين لهم فهم يصير ذا فائدة عظمى، لأنه يمكننا من استيعاب الأمور الخاصة بالمسيح. لذا أصبح كنوع من المطر الروحى الذى يروى الأرض بطريقة ما. حقيقة كان الناموس قديماً مراً وغير محتمل بالنسبة للقدامى، لكنه صار لنا مهذباً Paedagogos ومرشداً لأسرار المسيح، كى ما نُثمر فيه بنزع القشرة الخارجية للظل[170]5].


[75] 1 In Matt, hom. 2: 1.

[76] 2 In Matt. Hom 4: 1.

[77] 1 In illud, Vidi dom 2: 2.

[78] 2 In illud, Salutate hom 1: 1.

[79] 3 In Acts. Hom 55.

[80] 4 On Statues, homily 3: 1.

[81] 5 In Matt, Hom, 1: 1.

[82] 1 Morals, Rule 22: 80.

[83] 2 Morals, Rule 22: 80.

[84] 1 Exhortation to the Heathen.

[85] 2 Mike Aquilina: The Way of the Fathers, Indiana 2000, article 31.

[86] 3 Concerning the Statues, Homily!: 3.

[87] 4 In 2 Tim, hom 9.

[88] 5 In Matt. Hom 47.

[89] 6 In Matt. Hom 9: 2.

[90] 7 De Stud. Paes PG 485: 63.

[91] 8 In 2 Cor. Hom. 2: 5.

[92] 1 In 2 Cor, Hom. In 2 Cor. Hom. 3: 5.

[93] 1 In lus, 33: 11 - 36.

[94] 1 On Principitis 1: 4: 6 (Die griechischen christichen Schrifsteller, 302: 4).

[95] 2 الميمر 12 على ذاك الابن الذى بدد أمواله (راجع نص بول بيجان ترجمة الدكتور بهنام سونى)، الميمر السابع والثلاثون، على الابن الشاطر، مطبعة مصر بالفجالة تحت إشراف يوسف بك منقريوس.

[96] 3 On Statues, homily 2: 1.

[97] 3 Discourse 22.

[98] 1 Ep. 30.

[99] 2 الميمر 66 على شجرة معرفة الخير والشر وعلى الصدقات وعلى الفقر (راجع نص بول بيجان والدكتور الأب بهنام سونى).

[100] 3 د. عدنان طرابلسى: شرح إنجيل متى للقديس يوحنا الذهبى الفم، 1996، ص5.

[101] 4 In John hom 6: 1.

[102] 1 Homilies on St, John, Hom, 8: 2.

[103] 2 رسالة 46: رسالة إلى عذراء ساقطة.

[104] 3 Memre 113 0n Elijah the prophet & Naboth the Jezreelite (See Paul Bedjan & Dr. Behnam Sony).

[105] 4 In 2 Cor, hom 2: 5.

[106] 1 Homily 20 on Ps. 90 (91) (FC 160: 48).

[107] 2 د. عدنان طرابلس: شرح إنجيل متى للقديس يوحنا الذهبى الفم 1996 ص5.

[108] 3 القس أغسطينوس البراموسى: القديس يعقوب السروجى 1988 ص27.

[109] 4 الميمر 66 على شجرة معرفة الخير والشر وعلى الصدقات وعلى الفقر (راجع نص بول بيجان والدكتور الأب بهنام سونى).

[110] 5 On Statues, homily 1: 1.

[111] 6 القس أغسطينوس البراموسى: القديس يعقوب السروجى 1988 ص27.

[112] 1 Homily on Ps. 33 (32 Lxx).

[113] 1 Homilies on Col. , Hom. 9.

[114] 2 Letter 22 on the Perfection of the Life of Solitaries.

[115] 3 الميمر 6 على النجم الذى ظهر للمجوس وعلى قتل الأطفال (راجع نص بول بيجان والدكتور الأب بهنام سونى).

[116] 1 Homilies on Col. , Hom. 9.

[117] 2 تفسير المزامير: مزمور 116 (114، 115 السبعينية)، ترجمة الباحثة بولين تُدرى عن اليونانية القديمة.

[118] 3 الميمر 31 (راجع نص بول بيجان والدكتور الأب بهنام سونى).

[119] 1 الميمر 154 الرابع على سدوم (تك19).

[120] 2 Homilies on St. John, 2: 59.

[121] 3 Strom. 16: 7: 96.

[122] 1 Stromata 15: 6.

[123] 2 Stromata 16: 7.

[124] 3 Stromata 16: 7.

[125] 4 In I Tim, hom 1.

[126] 1 Letter, 5: 53. 7.

[127] 2 Letter 42 to Chilo, his disciple.

[128] 3 Sermon 3: 109 FC 94, p. 149.

[129] 1 On the Spirit 31 (52).

[130] 2 City of God 7: 17.

[131] 3 Letter to Honoratus, 10: 140.

[132] 4 The Usefulness of Belief 9: 3.

[133] 1 In 2 Cor. Hom. 3: 7.

[134] 2 In 2 Cor. Hom 7, PG 484: 61.

[135] 3 The Song of Song, Comm, Book 11: 3.

[136] 4 De. Principiis 1: 1: 2.

[137] 5 De Principiis 1: 1: 3.

[138] 6 In Levit. Hom 1.

[139] 1 In Exod. Hom. 12.

[140] 2 Commentary on Song of Songs, Homily 10.

[141] 3 Against Eunomius, 1: 7.

[142] 4 Letter, 78: 63 - 79.

[143] 1 Letter to Clementianus, 68.

[144] 2 Letter to Honoratus 19: 140.

[145] 3 Letter to Hilarius, 157.

[146] 4 Easter Season 3: 259.

[147] 5 Easter Season, 7: 251.

[148] 1 In 2 Cor. Hom. 4: 7.

[149] 2 المؤلف: آباء مدرسة الإسكندرية 1980.

[150] 3 Nelson: A New Catholic Commentary on the Holy Scripture, 1969, P. 15.

[151] 1 Cf. John MacQueen: Allegory, Methuen & Co, London, 1970, p. 18ff.

[152] 2 Everett Ferguson: Encyclopedia of Early Christianity, N. Y, 990, p. 23.

[153] 3 J. N. D. Kelly: Early Christians, Doctrines, 1978, p. 70 - 1.

[154] 4 Jean Danielou: From Shadows to Reality, Studies in the Biblical Typology of the Fathers, p. 69.

[155] 1 Cf. J. N. D. kelly: Early Christian Doctrines, 1978, p. 74 - 5.

[156] 2 Collat. 8: 14.

[157] 3 F. L. Cross: The Oxford Dictionary of the Christian Church, 1990, p. 37.

[158] 1 N. R. M. De Lange: Origen and the Jews: Studies in Jewish - Christian Relations in Third - Century Palestine, 1976, Cambridge, p. 82 - 3.

[159] 2 Contra Celsus 60: 5.

[160] 3 In Lev. Hom. 1: 1.

[161] 4 In Jer. Hom, 7: 18 - 10; Carl A Volz: Life and Practice in the Early Church, Minneapolis, 1990, p. 114.

[162] 5 In loh. Comm 26: 13.

[163] 1 Hom. Gen 6: 2.

[164] 2 Comm. On the Songs of Songs, book 13: 3 (ACW).

[165] 3 Hom. Gen 6: 2.

[166] 1 PG 140: 68A.

[167] 2 Comment on St. John, Pusey 386: 11, 4f.

[168] 3 Comment on Oseee, Pusey 85: 1,25ff.

[169] 4 PG 1429: 70 A.

[170] 5 Comment on Amos, Pusey 1,535,19ff.

No items found

التقليد المقدس

الإيمان العامل بالمحبة1

فهرس المحتويات
فهرس المحتويات

المحتويات