الفصل الحادي عشر ألقاب المخلص وأسماؤه تشهد لأعمال حبه!

الفصل الحادي عشر

ألقاب المخلص وأسماؤه تشهد لأعمال حبه! [402]

1 - لماذا دُعي اسمه عجيباً (إش9: 7)

"يُدعى اسمه عجيباً"، لأنه فائق الإدراك؛ أعطي اسماً فوق كل اسم لكى تجثو باسمه كل ركبة ممن فى السماء، وممن على الأرض، ومن تحت الأرض (فى2: 9 - 11).

يقدم لنا الكتاب المقدس بعهديه ألقاباً وأسماء للسيد المسيح، بعضها رمزى، غايتها أن تكشف عن أعمال محبته للبشرية التى لا يُعبر عنها. مع كل لقبٍ تدخل النفس البشرية إلى أعماق جديدة، لتنعم بفيض حبه، يسندها فى رحلتها على الأرض حتى تعبر إلى الفردوس، وتلتقى معه على السحاب فى يوم الرب العظيم. فتراه مع جميع المؤمنين وقد عكس بهاء مجده على الإنسان ككل: نفسه وجسده وطاقاته. عندئذ يتعرف المؤمن على كمال حب الله الفائق ليعيش فيه أبدياً! يقول العلامة أوريجينوس: [يسوع هو كل شيء، كل الأسماء تناسبه. إنه كل شيء يعلنه[403].] ويقول القديس غريغوريوس النيسي: [إنني أدعوك هكذا لأن اسمك فوق كل اسم (فى2: 9). إنه لا يوصف، وغير مدرك بالعقل البشرى. يكشف اسمك عن صلاحك، وعلاقتى بك روحياً[404].].

لاسم السيد المسيح قوة وعذوبة وجاذبية خاصة، تسحب القلب والفكر والحواس والعواطف، فيشعر المؤمن بالشبع الحقيقى، ولا يشتهى معه شيئاً، بل يزداد كل كيانه جوعاً وعطشاً إليه. يقول القدِّيس أغسطينوس: [اسمك مُفضل ليس فقط لأجل عظمته، وإنما لأجل بهجته أيضاً... يقول: "ذوقوا وانظروا ما أحلى الرب!" (مز34: 8).].

بروح النبوة يقول ابن سيراخ: "تعالوا إليَّ أيها الراغبون فيَّ، واشبعوا من ثماري. فإن ذكري أحلى من العسل، وميراثي أعذب من شهد العسل. الذين يأكلونني سيجوعون أكثر، والذين يشربونني سيعطشون أكثر". (سي24: 19 - 21) من يأكل من السيد المسيح بكونه حكمة الله (1كو1: 24) ويشرب منه يزداد جوعه وعطشه إليه فى شوقٍ عظيمٍ. وفى نفس الوقت من يجوع إليه ويعطش يتمتع بالشبع به أبدياً. يقول القديس أغسطينوس: [لكنك لن تتوقَّف عن الحب، لأن ذاك الذى تراه هو كمن يربكك ليس بأى نوع من القلق، وإنما يُشبعك وأيضاً لا يُشبعك فى نفس الوقت. عندما أقول إنه يشبعك أخشى أن تكون كمن قد شبع ويود أن يرحل، كما من الغذاء أو العشاء. فماذا إذن أقول؟ لا يشبعك! مرة أخرى أخشى أن يبدو كمن لا يشبعك، فتبدو كمن فى احتياج، كمن هو فارغ، وهذا الفراغ يحتاج أن يمتلئ. إذن ماذا أقول سوى ما يمكن قوله، وإن كان بصعوبة يمكن التفكير فيه. إنه يشبعك ولا يشبعك أيضاً، إذ أجد الاثنين فى الكتاب المقدس. بينما يقول: "طوبى للجياع فإنهم يشبعون" (مت5: 6)، مرة أخرى يقول عن الحكمة: "الذين يشربون يعطشون مرة أخرى" (راجع سي24: 21) [405].].

2 - لماذا دُعي يسوع "المخلص"؟

أ - حمل الاسم قوة سرية فائقة كما اختبرها السبعون رسولاً، إذ رجعوا إلى يسوع، قائلين: "يا رب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك" (لو10: 17). وفى حديث السيد المسيح الختامى للأحد عشر قبل صعوده، قال: "وهذه الآيات تتبع المؤمنين: يخرجون الشياطين باسمي" (مر16: 17). وفى حديثه مع المرفوضين فى يوم الرب العظيم يقولون له: "يارب يارب، أليس باسمك تنبأنا، وباسمك أخرجنا شياطين، وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟! (مت7: 22) وكان الرسل يصنعون آيات وعجائب وأشفيه باسم يسوع. كما فى شفاء الأعرج (أع3: 6) وعند إخراج روح العرافة من جارية (أع16: 18). وجاء فى صلاة الرسل من أجل الخدمة والكرازة: لتُجر آيات وعجائب باسم فتاك القدوس يسوع" (أع4: 30). وإذا استدعوا اسم يسوع "امتلأ الجميع من الروح القدس" (أع4: 31).

ب. اسم يسوع هو موضوع الكرازة، فى السامرة كان فيلبس "يبشر بالأمور المختصة بملكوت الله وباسم يسوع المسيح اعتمدوا" (أع8: 12).

ج. جاءت تسابيح العهد الجديد تعلن مجد اسم يسوع (عب1: 4؛ فى2: 9 - 10؛ أع12: 40). سلم المسيح نفسه كفَّارة لحسابنا، حتى متى منحنا الخلود، يفدينا من الموت[406]. يقول العلامة أوريجينوس: [كلمة "يسوع" مجيدة وتستحق كل سجود وعبادة[407].].

3 - لماذا دُعي يسوع "المسيّا الملك المصلوب"؟

كلمة "مسيَا" تمثل العمود الفقرى للتقليد اليهودى، بل لا نبالغ إن قلنا إنها شغلت أذهان الروحيين قبل مجيء كلمة الله المتجسد فى العالم، ولا تزال تشغل أذهان الكثيرين منهم إلى يومنا هذا. كان شغل الشاغل لكل القادة اليهود متى رأوا فى إنسانٍ ما أنه فريد فى خدمته، هو التساؤل: أأنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟ "كتب دارس يهودى عن نظرة اليهود إلى المسيّا:" المسيّا اليهودى هو مخلص قوى فى القوة الجسمانية وفى الروح، هذا الذى سيجلب فى الأيام الأخيرة خلاصاً كاملاً للشعب اليهودى، اقتصادياً وروحياً، يصحب هذا سلام أبدي، وخير فائض مادي، وكمال أخلاقى لكل الجنس البشرى... إنه يخلص إسرائيل من السبي والعبودية، ويخلص العالم كله من الظلم والألم والحرب، وفوق هذا كله من الوثنية، ومن كل ما يمسها: خطية الإنسان ضد أخيه الإنسان، خاصة خطية أمة ضد أمة[408] ". أراد السيد المسيح أن يرفع فكر تلاميذه فوق الفكر المادي، فحين سألهم: من يقول الناس إنى أنا؟" أجابه سمعان بطرس: "أنت هو المسيح، ابن الله الحي" (مت16: 16؛ مر7: 29؛ لو9: 20). وفى حواره مع الفريسيين بخصوص رؤيتهم للمسيا، كانت إجابتهم له "ابن داود"، فأراد أن يسمو بأفكارهم لإدراك حقيقة المسيا، قائلاً لهم: "فكيف يدعوه داود بالروح رباً؟ قائلاً: قال الرب لربي اجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك موطئاً لقدمي. فإن كان داود يدعوه رباً، فكيف سيكون ابنه؟" (مت22: 41 - 46).

يقول المرتل: "كرسيك يا الله إلى دهر الدهور. قضيب الاستقامة هو قضيب ملكك. لأنك أحببت البرّ، وأبغضت الإثم. من أجل هذا مسحك الله إلهك بزيت البهجة أفضل من رفقائك. المرّ والميعة والسليخة من ثيابك" (مز45: 6 - 8). يتطلع المرتل إلى المسيّا الملك الغالب بصليبه، الذى يُقدم دمه الثمين كفارة عن خطايا العالم، ومهراً لعروسه الملكة السماوية، فيترنم قائلاً: "كرسيك يا الله إلى دهر الدهور". وقد وضعت الكنيسة القبطية لحنا ً مشهوراً يُدعى "بيك اثرونوس" أى "كرسيك" يستغرق حوالى ثلث ساعة تنطلق فيه النفس لتتأمل فى عرش الملك المصلوب. تترنم به فى أسبوع الآلام (الثلاثاء) كما فى الجمعة العظيمة قبل الدفن. إن أحداث الصلب والدفن فى عيني المؤمن ليست إلا إعلاناً عن عرش الملك الأبدي.

فى العهد القديم كان الأنبياء والكهنة والملوك يُمسحون بالدهن المقدس علامة حلول الروح عليهم لتكريس حياتهم للعمل المقدس. ولم يكن ممكناً فى العهد القديم أن يُمسح إنسان ما ملكاً وكاهناً فى نفس الوقت، لأن الكهنة من سبط لاوي بينما الملوك من سبط يهوذا، أما كلمة الله المتجسد المصلوب فيعمل لتقديس كل البشرية. فريد فى مسحته، لأنه وهو رب الكهنة والأنبياء والملوك وخالق الذبائح، قَبِل بإرادته ومسرته أن يصير الكاهن والنبى والملك والذبيح!

لقد مُسح السيد المسيح كحجر مرفوض وحده يصلح رأساً للزاوية (مز118: 22)، وكما يقول الرسول بطرس: "الذى إذ تأتون إليه حجراً حيَّاً مرفوضاً من الناس، ولكن مُختار من الله كريم، كونوا أنتم أيضاً مبنيين كحجارة حية بيتاً روحياً كهنوتاً مقدساً لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح" (1بط2: 4، 5). يقول الشهيد يوستين: [لأنه بالحق نال كل الملوك والأشخاص الممسوحين منه نصيبهم فى أسماء الملوك والمسحاء، كما تسلم من الآب الألقاب: "الملك والمسيح والكاهن والملاك" والألقاب الأخرى المماثلة التى يحملها أو قد حملها[409].].

يقول البابا أثناسيوس الرسولى: [حينما اغتسل الرب فى الأردن كإنسانٍ، كنّا نحن الذين نغتسل فيه وبواسطته. وحينما اقتبل الروح، كنّا نحن الذين صرنا مقتبلين للروح بواسطته. ولهذا السبب، فهو ليس كهرون أو داود أو الباقين، قد مُسح بالزيت هكذا، بل بطريقة مغايرة لجميع الذين هم شركاؤه، أى بزيت الابتهاج (مز45: 7 - 8)، الذى فُسّر أنه يعنى الروح قائلاً: "كيف مسحه الله بالروح القدس" [410].].

4 - لماذا دُعى يسوع "الرب يهوه"؟ [411]

جاءت كلمة "يهوه" (أى الكائن والحاضر وسط شعبه) فى الترجمة السبعينية Kyrios أو رب. المعنى العام للكلمة تعني مالك قوة وسلطان على أشخاصٍ أو أشياءٍ، وله حق التصرف فيهم أو فيها. وقد لُقب السيد المسيح رباً في رو10: 9؛ 1كو12: 3؛ في2: 11الخ. لخص القديس بطرس عمل القيامة وتمجيد يسوع بالكلمات: "فيعلم يقيناً جميع بيت إسرائيل أن الله جعل يسوع هذا الذى صلبتموه أنتم رباً ومسيحاً" (أع2: 36). ويقدم لنا الرسول بولس سلسلة من الأعمال التى للسيد المسيح تمس ربوبيته (رو14: 8 - 9؛ 1كو3: 5؛ 4: 19؛ 14: 37؛ 16: 7؛ 2كو4: 5؛ 8: 5؛ 10: 8؛ 20: 8).

بقوله: "أنا كائن" يعود بنا إلى لقبه قبل التجسد، حين سأله موسى النبى عن اسمه عندما رأى العليقة المتقدة ناراً. عرف موسى أن الذى يحدثه هو الله، فسأله عن اسمه، "فقال الله لموسى: أهيه الذى أهيه، وقال: هكذا قل لبني إسرائيل أهيه أرسلنى إليكم... إله آبائكم إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب أرسلنى إليكم" (خر3: 14 - 15). حملت إجابة الله لموسى شقين:

أولاً: "أن الله غير مُدرَك وفوق كل تسمية،" أهيه أى أنا هو ". التى قالها السيد عن نفسه عند القبض عليه" فلما قال لهم إنى أنا هو رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض "(يو18: 6).

ثانياً: أنه الله المنتسب للبشرية، مُنتسب لخاصته الأحباء "إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب".

ويرى القديس أغسطينوس ان هذه العبارة تعني أنه إذا قورنت كل الأمور الزمنية بالله تصير "باطلاً" [412] أو "لا شيء"، وأنها تعلن عن الله بكونه الوجود الأول والسامى غير المتغير[413].

5 - لماذا دُعي يسوع "كلمة الله"؟ [414]

كانت كلمة "لوغوس" معروفة لدى اليهود والأمم، عرَّفها هيرقليتس Heracllitus حوالى 500 ق. م بأنها العقل الجامع الذى يحكم العالم ويخترقه، وقد تبناه الرواقيون وأشاعوه. وفى اليهودية الهيلينية "اللوغوس" هو أقنوم مستقل، تطورت فكرته ليكون مصاحباً للحكمة (صوفياً) (الحكمة 9: 1 - 2؛ 18: 15). جاءت افتتاحية إنجيل يوحنا: "فى البدء كان الكلمة (اللوغوس)، والكلمة كان عند الله، كان الكلمة الله" (يو1: 1). جاءت هذه العبارة فى ثلاثة مقاطع موزونة موسيقياً فى اللغة العبرية، حيث يتكرر فى الثلاثة الاسم "الكلمة" والفعل "كان". هنا الفعل يدل على الكينونة الدائمة القائمة فى البدء لا على الزمن. غاية هذه الافتتاحية أن تقدم للقارئ شخص ربنا يسوع المسيح موضوع السفر، بكونه الكلمة الأزلي، العامل مع الآب فى الخليقة. بكونه الله نفسه، يعلن عن الآب، ويقدمه لنا كما يقدم نفسه لنا. إنه كلمة الله المتحدث معنا، والذى يقدم ذاته كلمة الله لكى نقتنيه سرّ حياة أبدية. إنه حياة الكل، ونور كل إنسانٍ. هذا الأزلي صار جسداً وعاش كإنسانٍ، رفضه خاصته اليهود بالرغم من شهادة القديس يوحنا المعمدان له. لكن وُجدت بقية أمينة قبلته، فصاروا أبناء الله، وأعضاء فى العائلة الإلهية.

حينما نسمع "كلمة الله"، يلزمنا ألا نقارنه بكلمة الإنسان المنطوق بها والتى تخرج من فمه ولا ترتبط بجوهرة أو كيانه البشري. يقول القديس أغناطيوس: [يوجد الله الواحد الذى أعلن عن نفسه بيسوع المسيح ابنه، الذى هو كلمته (اللوغوس)، ليس منطوقاً به بل جوهري. لأنه ليس صوتاً لأداة نطق، بل أقنوم مولود بالقوة الإلهية[415].] ويقول القديس أمبروسيوس: [يُدعى الكلمة والابن وقوة الله وحكمة الله. الكلمة لأنه بلا عيب، والقوة لأنه كامل، والابن لأنه مولود من الآب، والحكمة لأنه واحد مع الآب فى السرمدية، واحد فى اللاهوت. ليس أن الآب أقنوم واحد مع الابن. إذ يوجد تمايز واضح بين الآب والابن يأتى من الولادة، هكذا المسيح هو إله من إله، خالد من خالد، كامل من كامل[416].].

يقول القديس أغسطينوس: [كما أن كلمتى قد جُلبت إلى أجسامكم، ولم تفارق قلبى، هكذا الكلمة جاء إلى حواسنا ومع ذلك لم يفارق الآب. كانت الكلمة معى وجاءت فى صوت. كانت كلمة الله مع الآب، وجاءت فى جسدٍ. لكن هل أستطيع أن أفعل بصوتى ما يستطيع (ابن الله المتجسد) أن يفعله بجسده؟ فإنى لست سيداً على صوتى عندما يطير. أما هو فليس فقط سيداً لجسده ليولد ويعيش ويعمل، بل وأيضاً إذ مات أقامه ومجّده الآب، فهو المركبة الحاملة له والتى بها جاء إلينا[417].].

يقول العلامة أوريجينوس: [صار الكلمة إلى البشر الذين لم يستطيعوا قبلاً أن يتقبلوا رحلة ابن الله الذى هو الكلمة. من الجانب الآخر، لم يأتِ الكلمة لكى يصير عند الله كما لو لم يكن الكلمة قبلاً عند الله، وإنما لأنه هو مع الآب على الدوام؛ قيل: "والكلمة كان عند الله" (يو1: 1)، إذ لم يأت ليصير مع الله[418].] كما يقول: [من يساندنا؟ يسوع المسيح، قوة الله وحكمة الله (1كو1: 24). علاوة على هذا يؤازرنا، ليس ليوم أو ويومين، وإنما أبدياً[419].].

يقول القديس أثناسيوس الرسولى: [لم يصر كلمة الله من أجلنا بل بالحري نحن قد صرنا من أجله. وبه خُلقت كل الأشياء. وليس سبب ضعفنا نحن كان هو قوياً وصائراً من الآب وحده، لكى يخلقنا بواسطته كأداة! حاشا! فالأمر ليس كذلك، لأنه حتى لو لم يستحسن الله أن يخلق المخلوقات، فالكلمة مع ذلك كان عند الله وكان الآب فيه. وفى نفس الوقت كان من المستحيل أن تكون المخلوقات بغير الكلمة، لأنها قد صارت به؛ وهذا هو الصواب. وحيث أن الابن هو الكلمة ذاته حسب الطبيعة الخاصة بجوهر الله، وهو منه وهو فيه كما يقول هو نفسه، لذلك لم يكن ممكناً أن تصير المخلوقات إلا به. لأنه مثلما يضيء النور كل شيءٍ بأشعته وبدون إشعاعه ما كان شيء قد أضاء، هكذا أيضاً فإن الآب خلق كل الأشياء بالكلمة كما بواسطة يد، وبدونه لم يخلق شيئاً[420].] كما يقول: [حتى وإن لم يُخلق شئ ما فإنه كان كلمة الله موجوداً والله الكلمة. لكن الكلمة ما كان يمكن أن يصير إنساناً لو لم يكن للإنسان احتياج إلى ذلك[421].].

6 - لماذا دُعي يسوع "قوة الله وحكمة الله"؟ [422]

الذين قبلوا الدعوة الإلهية سواء كانوا يهوداً أو من الأمم صارت لهم نظرة واحدة نحو المسيح المصلوب. إنهم يرونه قوة الله، إذ يجدون قوة الخلاص العامل فى حياتهم. ويدركون حكمة الله، أى خطته الإلهية للغفران والتقديس وتمجيد الإنسان أبدياً فى الرب (1كو1: 24). يرون فى الصليب سرّ تمتع أعماقهم بالجمال الحقيقى، والسمو فى الفكر، وتحقيق الخلاص. يرونه مشرقاً على كل المسكونة ليأخذهم فى أحضانه. الكل مدعوون ليصيروا بالحق عروس المسيح العفيفة الواحدة، تحمل قوة الله وحكمته. إن كان اليهود يطلبون آية، فإن المسيح ذاته هو أعظم الآيات، صليبه الذى يبدو لليهود عثرة هو قوة الله للخلاص لمن يؤمن به. وإن كان اليونانيون يطلبون حكمة، فالمسيح هو حكمة الله (كو2: 3). يقول القديس إكليمنضس السكندرى: [تعليم المخلص فيه الكفاية دون أية مساندة إضافية، لأنه هو قوة الله وحكمة الله[423].] ويقول القديس غريغوريوس النيسي: [من يؤمن حقاً يتحد تماماً بذاك الذى فيه الحق واللاهوت والجوهر والحياة والحكمة، ويرى فيه كل هذه والتى ليست فيمن لا يؤمن. فإنه بدون ابن الله لا يكون لك وجود ولا اسم، ويصير القوي بلا قوة، والحكيم بلا حكمة. لأن المسيح هو "قوة الله وحكمة الله" (1كو1: 24)، فإن من يظن أنه يرى الله الواحد بلا قوة ولا حق ولا حكمة ولا حياة ولا نور حقيقي، إما أنه لا يرى شيئاً بالمرة، أو بالتأكيد يرى ما هو شر[424].] كما يقول: [عندما خلق الله كل الأشياء... لم يكن محتاجاً إلى أية مادة لكى يعمل، ولا إلى أدوات فى إقامة الخليقة، لأن قوة الله وحكمته لا تحتاج إلى عونٍ خارجي[425].].

7 - لماذا دُعي يسوع المشير؟

يقول إشعياء النبى: "لأنه يولد لنا ولد ونُعطى ابناً، وتكون الرئاسة على كتفه ويُدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبرّ من الآن وإلى الأبد، غيرة رب الجنود تصنع هذا" (إش9: 6 - 7). يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [دُعي ابن الله هكذا (رسول المشورة العظيمة) من أجل الأمور التى علمّها خاصة وأنه أعلن للبشر عن الآب، إذ يقول: "أظهرت اسمك للناس" (يو17: 6)... أعلن اسمه بالكلمات والأعمال[426].] كما يقول القديس إكليمنضس السكندرى: [ليست معرفة بدون إيمان، ولا إيمان بدون معرفة... الابن هو المعلم الحقيقى عن الآب؛ إننا نؤمن بالابن لكى نعرف الآب، الذى معه أيضاً الابن. مرة أخرى، لكى نعرف الآب يلزمنا أن نؤمن بالابن، إنه ابن الآب. معرفة الآب والابن، بطريقة الغنوسي الحقيقى، إنما هى بلوغ للحق بواسطة الحق... حقاً، قليلون هم الذين يؤمنون ويعرفون[427]] ويقول العلامة أوريجينوس: [أرسل الكلمة الإلهى كطبيبٍ للخطاة، وكمعلمٍ للأسرار الإلهية الذين هم أنقياء بلا خطية[428].].

8 - لماذا دُعي يسوع ملك الملوك؟

يربط البعض بين تعبيري "مسيا" و "ملك". فالمسيا فى العهد القديم هو الملك الأبدي البار الممسوح ليقيم خيمة داود الساقطة، تمتد مملكته إلى أقاصى الأرض، ناموسها الحق والعدل الإلهي، نقتبس هنا بعض نبوات عن شخصه العجيب كملكٍ سماوي ومملكته الفائقة:

"أقيم لداود غصن برّ، فيملك ملك وينجح ويُجري حقاً وعدلاً فى الأرض" (إر23: 5).

"كرسيك يا الله إلى دهر الدهور، قضيب استقامة قضيب ملكك. أحببت البرّ وأبغضت الإثم، من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك... جُعلت الملكة عن يمينك بذهب أوفير..." (مز45).

"اللهم أعطِ أحكامك للملك، وبّرك لابن الملك. يدين شعبك بالعدل ومساكنك بالحق.. يملك من البحر إلى البحر، ومن النهر إلى أقاصي الأرض" (مز72).

"كنت أرى فى رؤى الليل، وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام، فقّربوه قدامه، فأعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة سلطانه سلطان أبدى ما لن يزول، وملكوته لا ينقرض" (دا7: 13 - 14).

أدرك المجوس أن المولود ملك اليهود (مت2: 2). وجاءت البشارة للقديسة مريم بميلاده واضحة أن المولود يجلس ملكاً، وملكوته لن يزول: "هذا يكون عظيماً وابن العلي يُدعى، ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية" (لو1: 32 - 33).

قدم لنا الإنجيلى متى فى إنجيله السيد المسيح الملك، وجاء السفر يتكلم عن كل ما يخص الملك ومملكته. وأظهر العهد الجديد الكنيسة بكونها ملكوت الله. وعندما أحضره اليهود إلى بيلاطس اتهموه بأنه قال عن نفسه إنه المسيح الملك (لو23: 1 - 3). وعندما سأله بيلاطس: أفأنت إذاً ملك؟ لم ينكر السيد المسيح أنه ملك (يو18: 37). "أجابه يسوع: أنت تقول إنى ملك. لهذا قد وُلدت أنا، ولهذا قد أتيت إلى العالم".

مملكة السيد المسيح فريدة من جهة كشفها العملي للحب الإلهى:

1 - كملك الملوك ورب الأرباب، يقيم من شعبه ملكة تجلس عن يمينه (مز45: 13).

2 - كملكٍ محبٍ لنا سترنا فيه (كو3: 3)، لكيلا نكون طرفاً فى المعركة ضد إبليس.

3 - كملك سماوى يهبنا إمكانية رفع القلب فوق كل ما هو أرضي (رو8: 21).

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم [الذين كانوا يُمسحون فى العهد القديم إمّا كهنة أو أنبياء أو ملوك. أمّا نحن المسيحيّون، أصحاب العهد الجديد، فيلزم أن نُمسح لكى نصير ملوكاً متسلّطين على شهواتنا وكهنة ذابحين أجسادنا، ومقدّمين إيّاها ذبيحة حيّة مقدْسة مرضيّة عبادتنا العقلية (رو12: 1)، وأنبياء لإطلاعنا على أسرارٍ عظيمةٍ جداً وهامة للغاية]، ويقول العلاّمة أوريجينوس: [من يشرب الكأس التى شربها الرب يسوع سوف يجلس ويملك ويحكم إلى جانب ملك الملوك. هذا هو كأس الخلاص، من يأخذه يدعو باسم الرب. وكل من يدعو باسم الرب يخلُص (يؤ2: 32) [429].] وجاء فى ليتورجيّة القديس يعقوب: [ليحتفظ كل الجسد المائت بالصمت، وليقف فى خوفٍ ورعدةٍ، ولا يتأمّل فى أمرٍ أرضي فيه. لأن ملك الملوك ورب الأرباب، المسيح إلهنا، مقدّم ذبيحة، ويوهب طعاماً لمؤمنيه.] ويقول القديس مار يعقوب السروجي: [كيف يحلّ ملك الملوك ورب جميع الأرباب فى نفس مملوءة حمأة نتنة؟ اطرد من نفسك كل شر الأهواء الشريرة، حينئذ يحلّ عندك الملك وجيشه العظيم[430].].

9 - لماذا دُعي يسوع ابن الله وابن الإنسان؟

كان لقب ابن الإنسان محبباً لدى السيد المسيح، إذ أراد تأكيد تأنسه حباً فى البشرية، وعندما سأل: "ماذا يقول الناس إنى أنا ابن الإنسان" (يو12: 34؛ مت16: 13). كان قادة اليهود يدركون ما وراء تعبير "ابن الإنسان" فى دانيال. "كنت أرى فى رؤى الليل، وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسانٍ أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول، وملكوته ما لا ينقرض" (دا7: 13 - 14).

وعندما سٌئل: "إن كنت أنت المسيح، فقل لنا" (لو67: 22)، وأجاب أنه ابن الإنسان، قال الجميع: "فأنت ابن الله؟ فقال لهم: أنتم تقولون إنى أنا هو. فقالوا ما حاجتنا بعد إلى شهادة، لأننا نحن سمعنا من فمه" (لو22: 70 - 71؛ يو18: 7؛ مت27: 40، 43). يربط السيد المسيح بين اللقبين، فحين قال له نثنائيل: "يا معلم أنت ابن الله" (يو1: 49علق السيد بقوله: "الحق الحق أقول لكم من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان" (يو1: 51). يقول القديس هيبوليتس الرومانى: [هو رب الذين فى السماء لأنه كلمة الله المولود قبل الدهور؛ ورب الذين على الأرض لأنه أحصي بين الأموات كارزاً بالإنجيل لنفوس القديسين (1بط3: 19)، وقد غلب الموت بالموت[431].].

فيه صرنا أبناء الله: فى ابن الله الوحيد المحبوب نلنا التبنى، فصرنا أبناء، لنا حق شركة الميراث، لكن شتان ما بين الابن المحبوب وحيد الجنس، وبين الأبناء بالتبني. يقول القديس أغسطينوس: [أقام الآب شركاء فى الميراث مع ابنه الوحيد، لكنهم ليسوا مولودين مثله من جوهره، إنما تبناهم ليصيروا أهل بيته[432].] ويحثنا القديس غريغوريوس النيسي على الاشتياق للتشبه بالملائكة خلال عمل المسيح الخلاصي فينا، فيقول: [إننا نحيا مع المسيح نتيجة لصلبنا معه، ونتمجد أيضاً معه ونملك معه. أما نتيجة حضورنا فهى إننا نتغير من رتبة الطبيعة البشرية والكرامة الإنسانية إلى تلك التى للملائكة، وهكذا يقول دانيال "ألوف ألوف وقوف قدامه" (دا7: 10) [433].].

دعوته الآب "أبا": فى كل أحاديث السيد المسيح مع الآب، استخدم كلمة "أبا"، باستثناء حديثه على الصليب حيث أراد توجيه أنظارنا إلى المزمور 22 ليؤكد أن صلبه لم يأتِ مصادفة، بل تحقيقاً للنبوات. لقد صرخ ببدء المزمور الخاص بالصلب: "إلهي، إلهي، لماذا تركتني".

يقول J. A. Fitzmyer إن كلمة "أبا" فى ذلك الحين لا تعادل Daddy، إذ لم تكن لغة الطفل الصغير مع أبيه، بل لغة الابن الناضج الذى يتحدث بروح الوقار والالتزام مع أبيه[434].

إن كان الابن موضع سرور الآب، والواحد معه فى الجوهر، يدعوه "أبا"، فباتحادنا به كأعضاء فى جسده وهبنا – خلال المعمودية – البنوة للآب، فيحق لنا ما يقوله الرسول بولس: "إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف، بل أخذتم روح التبنى الذى به نصرخ: يا أبا، الآب" (رو8: 15). هكذا دخل بنا الابن الوحيد المتجسد إلى حضن الآب لنتحدث معه بلغة البنين الناضجين، الملتزمين بتحقيق إرادة أبيهم ببهجة ومسرة، منقادين بروح الله القدوس. يرى القديس أغسطينوس أن الرسول استخدم الكلمتين "أبا، الآب" (رو8: 15)، بالأولى ينادي أهل الختان الله بلغتهم (الآرامية)، وبالثانية ينادي أهل الغرلة الله أيضاً بلغتهم. وكأن السيد المسيح قد ضم اليهود مع الأمم ليتحدث الكل معاً بلغة البنين وبدالة لدى الآب، كل بلغته[435].

10 - لماذا دُعي يسوع آدم الجديد (الثانى)؟

يقدم لنا الرسول بولس شخص السيد المسيح بكونه آدم الجديد، الذى احتل مركز آدم الأول، لكى يقدم للبشرية ما فشل فى تقديمه أبوهم الأول، ويُصلح ما ورثوه عنه من فساد (1كو15: 21 - 22؛ 44 - 49). "من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع. فإنه حتى الناموس كانت الخطية فى العالم، على أن الخطية لا تُحسب، إذ لم يكن ناموس. لكن قد ملك الموت من آدم إلى موسى، وذلك على الذين لم يخطئوا على شبه تعدي آدم الذى هو مثال الآتي" (رو5: 12 - 14).

آدم الأول كرأس للبشرية حسب الجسد قدم لها الخطية ودخل بها إلى الموت. أما السيد المسيح، رأس البشرية حسب الروح، فقدم بنعمته الإلهية بالصليب والقيامة والصعود المصالحة مع الآب، واهباً إيانا برَّه الإلهي، ودخل بنا إلى الحياة الأبدية. لا نعجب إن كان الرسول بولس فى مواقف كثيرة يؤكد حقيقة ناسوت المسيح، فقد صار بالحق آدم الأخير، وخضع تماماً للآب فى طاعة كاملة حتى موت الصليب (في2: 8). بهذه الطاعة انسحبنا من نسبنا لآدم الأول الذى بعصيانه دخلت الخطية المفسدة، وانتسبنا لآدم الجديد الذى بطاعته نتمتع بالخلاص. لو لم يأخذ مسيحنا جسداً حقيقياً ونفساً بشرية ما كان يمكنه أن يطيع حتى الموت، وما كانت أعماله حقيقية، وبالتالى ما تحقق خلاصنا به.

يقول القديس أمبروسيوس: [فى آدم أنا سقطت، فى آدم طُردت من الفردوس، فى آدم أنا مت. كيف يردني الله ما لم يجدني فى آدم الجديد؟ فكما فى آدم أنا مجرم ومدين حتى الموت، هكذا فى المسيح أتبرر[436].] ويقول القديس إيرينيؤس: [لقد حتّم الله أن الإنسان الأول يحمل طبيعة حيوانية، على أساس أنه يخلص بالطبيعة الروحانية[437].] يقول القديس أغسطينوس: [كل البشر الذين مات المسيح لأجلهم، ماتوا فى خطية آدم الأول، والذين يعتمدون فى المسيح يموتون عن الخطية[438].] يقول القديس جيروم: [فى معصية آدم طُردنا جميعاً من الفردوس بالخطية (تك3: 23 - 24). يعلمنا الرسول أنه حتى نحن الذين جئنا مؤخراً سقط آدم فينا. لذلك فى المسيح، فى آدم السماوي، نؤمن أننا نحن الذين سقطنا من الفردوس بخطية آدم الأول رجعنا إليه ببرّ آدم الثانى[439].] يقول القديس كيرلس السكندري: [إنه دُعي آدم الأخير، لأنه آدم بحسب الجسد، وقد صار بداية ثانية للذين على الأرض ففيه عادت طبيعة الإنسان إلى حياة جديدة فى التقديس وعدم الفساد بالقيامة من الأموات، فإنه هكذا قد نقض الموت، إذ لم يحتمل الذى هو الحياة بطبعه أن يخضع جسده للفساد، فإن المسيح "لم يكن ممكناً أن يمسك منه" (أع2: 24) بحسب كلمات بطرس الإلهية. وهكذا انتقلت بركات هذه النصرة منه إلينا[440].].

أدم الجديد يهبنا الحياة الجديدة: يرى القديس يوحنا الذهبى الفم أن السيد المسيح بكونه الحياة، أو مصدر الحياة، لا يمكن إلا أن يكون أزلياً، وإلا فمن وهب الحياة إن كان هو نفسه غير موجود فى وقتِ ما؟ إنه يقول: [هو الحياة... التى بلا بداية ولا نهاية، فإنها بهذا تكون بالحقيقة الحياة كما يلزم. فإنه إن كان يوجد وقت ما لم تكن فيه الحياة، فكيف يمكنها ان تكون حياة للآخرين إن كانت هى نفسها غير موجودة؟! [441]] ويقول القديس أغسطينوس: [نصير بالحقيقة أحراراً عندما يدبر الله حياتنا، أى يشكلنا ويخلقنا لا ككائنات بشرية، فإن هذا قد صنعه بالفعل، بل يجعلنا شعباً صالحاً، الأمر الذى يفعله الآن بنعمته، حتى نصير خلائق جديدة فى المسيح يسوع. لهذا نقدم الصلاة: "قلباً نقياً، اخلقه فيّ يا الله" (مز51: 10).].

11 - لماذا دُعي يسوع حمل الله؟

هذا اللقب محبب للغاية للمؤمن على الأرض، كما فى السماء. فقد دعاه السابق الصابغ يوحنا "حمل الله" (يو1: 29، 36). وأيضاً القديس بطرس (1بط1: 19) وذُكر 28 مرة فى سفر الرؤيا. وكثيراً ما تستخدم الكنائس الرسولية هذا اللقب فى ليتورجياتها وعبادتها. بهذا اللقب نذكر أن خروف الفصح إنما كان إشارة إلى السيد المسيح الذى حقق عبورنا من العبودية إلى حرية مجد أولاد الله. يقول الرسول بولس: "لأن فصحنا أيضاً المسيح قد ذُبح لأجلنا" (1كو5: 7). يقول العلامة أوريجينوس: [أية عظمة لحمل الله الذى ذُبح لكي يرفع الخطية ليس عن قليلين بل عن كل العالم، الذى من أجله تألم؟ "لأنه إن أخطأ أحد، فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار، وهو كفارة لخطايانا، ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا العالم أيضاً" (1يو2: 1 - 2). إذ هو مخلص كل بشرٍ ولا سيما المؤمنين (1تى4: 10). إنه هو الذى محا الصك الذى كان علينا بدمه، ورفعه من الوسط، فلم يعد أثر للخطايا التى وُجدت بل مُحيت، مسمراً إياها على الصليب، هذا الذى إذ جرد الرئاسات والسلاطين أشهرهم جهاراً، ظافراً بهم فى الصليب (كو2: 14 - 15). هكذا تعلمنا أن نكون فرحين حينما نتألم فى العالم. نتعلم علة فرحنا، وهو أن العالم قد انهزم (يو16: 33). وبالتأكيد خضع لمن غلبه. لهذا كل الأمم تتحرر ممن سيطروا عليهم، وصاروا يخدمونه، إذ ينقذ الفقراء من الجبار وذلك بقوة آلامه، ويخلص المسكين الذى لا معين له (مز72: 4 - 5) [442].] كما يقول: [موت المسيح أبطل القوات المقاومة للجنس البشرى، وأباد بسلطانٍ لا يُوصف الحياة فى الخطية فى حياة كل مؤمنِ[443].].

12 - لماذا دُعي يسوع ذبيحة خطية؟ [444]

يقول الرسول: "لأنه جعل الذى لم يعرف خطية خطية لأجلنا، لنصير نحن برّ الله فيه" (2كو5: 21). الذى لم يعرف خطية صار ذبيحة خطية مُقدمة عنا. الكلمة العبرية hamartia الواردة هنا ترجمت فى السبعينية فى أسفار الخروج واللاويين والعدد "ذبيحة خطية Sin –offering".

إذ قبل مسيحنا أن يكون تقدمة خطية وضع كل البشرية أيديهم عليه ليحمل كل ثقل الخطايا. إذ احتل مسيحنا موضعنا حُسب كمن هو أعظم الخطاة، وهبنا أن نحتل موضعه، فنُحسب فى عيني الآب أبراراً، إذ نحمل برّ المسيح. يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [حدث أن صار مطيعاً، إذ أخذ ضعفاتنا وحمل أمراضنا، شافياً عصيان البشر بطاعته، حتى بجلداته يشفي جرحنا، وبموته يطرد الموت العام لكل البشر. فمن أجلنا صار مطيعاً، ومن أجلنا صار "خطية" و "لعنة" لأجل التدبير لحسابنا، وليس بحسب الطبيعة، إنما صار هكذا فى حبه للبشر[445].] ويقول القديس كيرلس الكبير: [بكونه باراً (أو بالحري هو البرّ إذ لا يعرف الخطية نهائياً) جعله الآب ذبيحة عن خطايا العالم (2كو5: 21) [446].] ويقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [دُعي الصليب "مجداً"... فكان من الضرورى تقديم الذبيحة عنا أولاً، حتى تُنزع العداوة التى فى جسدنا، فنصير أصدقاء الله، وعندئذ نتقبل العطية[447].].

13 - لماذا دُعي يسوع رئيس الكهنة السماوي؟

يقدم لنا القديس بولس فى رسالته إلى العبرانيين صورة حية للسيد المسيح كرئيس الكهنة على رتبة ملكي صادق، يدخل بنا إلى الأقداس السماوية، يشفع فينا بدمه، ويقدم حياته ذبيحة عنا. بدأ حديثه فى الأصحاح الخامس فى جوهر موضوع رسالته، ألا وهو "كهنوت السيد المسيح"، الذى هو ليس على رتبة هرون، بل على رتبة ملكي صادق إلى الأبد. بدأ الحديث عن هرون بكونه أول رئيس كهنة مدعو من الله مباشرة لهذا العمل، والمتفوق على جميع رؤساء الكهنة الذين خلفوه، لكنه يحتاج إلى تقديم ذبائح عن نفسه بسبب ضعفه، قبِلَ أن يقدمها عن الشعب، ليقدم لنا من هو أعظم منه بما لا يُقاس، ربنا يسوع الذى يدخل بنا إلى الأقداس السماوية، يشفع فينا على مستوى جديد وفريد.

عرض الرسول بولس سمات رئيس الكهنة وعمله ليكشف عن السمو الفائق للسيد المسيح متى قورن بهرون، وليوضح عمل السيد المسيح الكهنوتى بالنسبة لنا فى ظل العهد الجديد. نتمتع بالشركة معه، فننعم بالكهنوت العام، نبسط أيادينا فى الصلاة، فتُقبل ذبيحة شكر وتسبيح لدى الآب خلال ابنه الكاهن الأعظم. ونقدم العبادة ككهنة نطلب عن العالم كله، فنصلي الصلاة الربانية باسم الكنيسة كلها قائلين: "أبانا الذى فى السماوات".

الشرط الأول فى رئيس الكهنة أن يكون "ماخوذاً من الناس" (عب5: 1). فرئيس الكهنة يشفع فى بنى جنسه "البشر" يشعر بضعفاتهم ويعمل باسمهم. تحقق هذا فى السيد المسيح، إذ صار كواحدٍ منا ليس بغريبٍ عنا، حتى يقوم بدوره الكهنوتى عن الناس.

الشرط الثاني أن "يُقام لأجْل الناس فى ما لله، لكيْ يقدّم قرابين وذبائح عن الخطايا" (عب5: 1). صار الابن الوحيد الجنس ابن الإنسان يقدم حياته قرباناً وذبيحة حب لكى يطهرهم من الخطايا، مقدساً ضمائرهم ومجدداً نفوسهم الداخلية، ليصيروا لله أبيه. يدخل بهم إلى البنوة للآب خلال تقديسهم باتحادهم معه وثبوتهم فيه، الأمر الذى لن تقدر خليقة سماوية أو أرضية أن تحققه.

الشرط الثالث أن يكون مدعواً من الله. المسيح أيْضاً لمْ يمجَدْ نفْسه ليصير رئيس كهنةٍ، بل الذى قال له: أنْت ابني أنا الْيوْم ولدْتك. كما يقول أيْضاً فى موْضعٍ آخر: أنْت كاهنّ إلى الأبد على رتْبة ملْكي صادق "(عب5: 4 - 6). يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [عظيم هو الفارق! إنه هو الفدية والكاهن والذبيحة! فلو كان الأمر غير ذلك لصارت هناك حاجة إلى تقديم ذبائح كثيرة، وكان يُصلب مراراً كثيرة[448].].

14 - لماذا دُعي يسوع الشفيع الواحد؟

شفيع Paraclete أو Advocate. يقول العلامة أوريجينوس: [لقد دُعي مخلصنا أيضاً بالباراكليت وذلك فى رسالة يوحنا عندما قال "فلنا شفيع Paraclete (1يو2: 1)... وهذه الكلمة فى اليونانية تحمل معنيين: وسيط ومعزي. فالباراكليت تُفهم بمعنى شفيع يتوسط عند الآب بالنسبة لمخلصنا. وتفهم بمعنى المعزي بالنسبة للروح القدس إذ يهب تعزية للنفوس التى يعلن لها بوضوح المعرفة الروحية[449].] يرى القديس كيرلس الكبير فى الأصحاح 17 من إنجيل يوحنا صلاة رئيس الكهنة الشفيع السماوي عن البشرية.

يقول الرسول بولس: "لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس، الإنسان يسوع المسيح، الذى بذل نفسه فدية لأجل الجميع، الشهادة فى أوقاتها الخاصة" (1تى2: 5 - 6).

هنا قد يتساءل البعض: لماذا يؤكد "الإنسان" يسوع المسيح؟ نجيب على ذلك بالآتى:

1 - إنه فى نفس العبارة يدعوه "إله واحد"، فلا ينكر الرسول لاهوته.

2 - كتب ليقاوم بعض المبتدعين الذين خلطوا بين تعاليم غنوصية من الشرق الأقصى والتعاليم المسيحية، هؤلاء الذين نادوا بأنه يوجد وسطاء (أيونات) بين الكائن الأسمى Super Being والإنسان، إذ يتوسط أيون إلى أيون أسمى، والثانى إلى من هو أسمى منه حتى يبلغ الأخير إلى الكائن الأسمى. هنا يلغي الرسول فكرة الأيونات، فالسيد المسيح هو الإله الواحد، وفى نفس الوقت الوسيط الواحد بين الآب والإنسان.

3 - قامت فرق لها اتجاهات غنوصية تعتقد أن المادة ظلمة، وأن الكائن الأسمى لم يخلق العالم المادي ولا الجسد، كما تحرم الزواج الخ. لذلك ظنوا أن السيد المسيح لم يكن له جسد حقيقى، ولم يُصلب حقيقة، إنما جسده خيالي أو نازل من السماء الخ. لذلك أراد الرسول تأكيد تأنس الكلمة، صار بالحقيقة إنساناً كاملاً، وإلا ما كان يمكنه أن يحقق الخلاص للبشر.

يقول القديس أمبروسيوس: [إننى لا أفتخر لأني نافع أو لأن أحداً ما نافع لي، وإنما لأن المسيح هو شفيعي (محامي) أمام الآب، لأن دم المسيح سُفك من أجلي[450].] ويقول القدُيس أغسطينوس: [إن كان لديك قضية معروضة أمام قاضٍ ويلزمك أن تقيم محامياً، وقد قبل المحامي قضيتك، فإنه يشفع فى قضيتك قدر استطاعته. فإن سمعت قبل المرافعة أنه هو الذى يحكم، فكم يكون فرحك أنه يكون القاضي ذاك الذى هو محاميك[451].].

15 - لماذا دُعي يسوع رأس الجسد؟

يقدم لنا الرسول بولس هذا اللقب، لا ليؤكد سلطانه على الكنيسة، وإنما ليعلن حبه لها، فهو القائد البكر من الأموات. هو الرأس الذى ينعش الجسد ويهبه روح الوحدة معاً. "وهو رأس الجسد الكنيسة، الذى هو البداءة، بكر من الأموات، لكي يكون هو متقدماً فى كل شيءٍ" (كو1: 18). كرأس يضمنا فى جسم بشريته لنحمل برْه وقداسته: "فى جسم بشريته بالموت، ليحضركم قديسين وبلا لوم ولا شكوى أمامه" (كو1: 22). "بل صادقين فى المحبة، ننموا فى كل شيءٍ إلى ذاك الذى هو الرأس المسيح، الذى منه كل الجسد مركباً معاً، ومقترناً بمؤازرة كل مفصلٍ حسب عملٍ على قياس كل جزءٍ يحصل نمو الجسد لبنيانه فى المحبة" (أف4: 15 - 16). يقول القديس أغسطينوس: [إن كان هو الرأس، فإننا نحن الأعضاء، كنيسته الكلية التى تنتشر عبر العالم، أي جسده، الذى هو رأسه. ليس فقط المؤمنون الذين على الأرض الآن، والذين سبقونا والقادمون فيما بعد إلى نهاية الزمن، يتصلون الواحد والكل فى جسده، وهو رأس هذا الجسد، الذى صعد إلى السماء... يمكننا القول إن صوته هو صوتنا، وأيضاً صوتنا هو صوته. لنفهم أن المسيح يتكلم فينا[452].].

كجسدٍ له يقدم الرأس دمه المبذول لحساب جسده، أى ليس عن غرباء وأجنبيين، بل عن جسده الذى يعتز به وينسبه لنفسه. خلال هذا المفهوم العجيب للاتحاد مع المسيح لا نعجب من قول الرسول بولس: "يا أولادي الذين أتمخض بكم أيضاً إلى أن يتصور المسيح فيكم" (غل4: 19).

16 - لماذا دُعي يسوع الصديق العجيب؟

جاء حديثه الوداعي يكشف عن غاية تجسده والخلاص الذى يقدمه للبشرية، أن يقدم نفسه صديقاً قديراً وفريداً فى حبه. كشف عن ذلك صراحة، بقوله: "هذه هي وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم، ليس لأحدٍ حب أعظم من هذا: أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه. أنتم أحبائى إن فعلتم ما أوصيكم به. لا أعود أسميكم عبيداً، لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده، لكنى قد سميتكم أحباء، لأنى أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي" (يو15: 12 - 15). يهب أصدقاءه وزنات متباينة ومواهب مختلفة، ويهتم أن ينميها فيهم بروحه القدوس، فلا يشكلهم فى قالبٍ واحدٍ، إنما لكل منهم شخصيته وقدراته ودوره، وفى هذا كله يتجاوب مع كل أحدٍ كصديقٍ شخصي يقدِّر إمكانيته.

للتعرف على سمو صداقته نقدم أمثلة قليلة، لنرى كيف يقيم من مؤمنيه أصدقاء له:

أ - القديسة مريم: استجاب لطلبتها في عرس قانا الجليل، وحوّل الماء خمراً، وعلى الصليب فى وسط آلامه عن البشرية كلها، خصها باهتمام شخصي، فسلمها للقديس يوحنا الحبيب (يو19: 26).

ب - القديس يوحنا الحبيب: تركه يتكىء على صدره فى تأسيسه سّر الإفخارستيا، وقدم له أعظم هدية، إذ جعل من أمه أماً له.

ج - عند لقائه مع مريم ومرثا بعد موت أخيهما لعازر بأربعة أيام، لم يحتمل دموعهما، فقيل عنه "بكي يسوع" (يو11: 35)، مع أنه جاء ليقيمه من الأموات. إنه لا يحتمل دموع أحبائه.

د - عندما سلمه تلميذه بخيانة بشعة عاتبه بحنو: "أبقبلة تسلم ابن الإنسان؟" (لو22: 48) بهذا أعطاه فرصة ليرجع عما في قلبه.

ه - غالباً ما كان ينادي الإنسان باسمه كعلامة عن الرغبة فى صداقته له، كقوله: "يا زكا، أسرع وانزل" (لو19: 5) "يا سمعان بن يونا، أتحبني؟ (يو21: 15)،" شاول، شاول، لماذا تضطهدني؟ "(أع9: 4)." يا مريم، لا تلمسيني "(يو20: 17).

و - علامة الصداقة التى قدمها لكل البشرية هى أنه ونحن أعداء صولحنا بموته (رو5: 10)، مات عن البشرية كلها لكى يقيم إن أمكن الكل أصدقاء على مستوى أبدي.

يقول الأب مكسيموس أسقف تورين: [من يعرف أن المسيح فى صحبته، يخجل من أن يصنع شراً. على أى الأحوال المسيح هو معيننا فى الأمور الصالحة، وفى مواجهة الأمور الشريرة يكون مدافعاً عنا[453].] ويقول القديس أغسطينوس: [ليتنا أيها الأحباء لكى ما نصير أحباء الرب نعلم ما يعمله سيدنا. فإنه هو الذى جعلنا ليس فقط بشراً بل وأبراراً، ليس نحن الذين جعلنا أنفسنا هكذا[454].].

محب الخطاة والعشارين: فى لقاءاته الجماعية كما الفردية ما يشتهيه هو رد الخطاة إلى الحياة المقدسة. فى تجسده وأعماله الخلاصية، يبسط يديه ليسكب رحمته على كل بشرٍ. يرى القديس يوحنا الذهبي الفم وكثير من الآباء أن أعظم معجزة يصنعها ربنا يسوع أن يقيم من الخطاة قديسين، ومن البشر شبه ملائكة، ومن الأرض سماءً بهذا يفرح السمائيون. يقول القدِّيس أمبروسيوس: [لنعرف أن تجديدنا يبهج جمهور الملائكة، فنطلب شفاعتهم وعونهم ولا نغضبهم. لتكن مُفرحاً للملائكة، إذ يبتهجون برجوعك[455].].

وهبنا اللقاء والحوار معه: يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [ "حلّ بيننا" حتى نتمكن أن ندنو منه ونخاطبه، ونتصرف معه بمجاهرة كثيرة.].

17 - لماذا دُعي يسوع المعلم الصالح؟

مسيحنا واهب الصلاح، يحول ما يبدو لنا شراً إلى ما فيه خيرنا وصلاحنا. لنقتنيه فنقتنى الصلاح نفسه. يقول القدس أمبروسيوس: [عندما قال (الشاب الغني): "أيها المعلم الصالح" (مر10: 17)، قالها بمعنى الصلاح الجزئي لا المطلق مع أن صلاح الله مطلق وصلاح الإنسان جزئي، لذا أجابه الرب: لماذا تدعوني صالحاً، وأنت تنكر إني أنا الله؟ لماذا تدعونني صالحاً والله وحده هو الصالح؟ لم ينكر الرب أنه صالح، بل يشير إلى أنه هو الله... إن كان الآب صالحاً فذاك أيضاً صالح، لأن كل ما للآب فهو له (يو17: 10) [456].

18 - لماذا دُعي يسوع الراعي الصالح؟

تصرخ النفس البشرية قائلة: "أخبرني يا من تحبه نفسي أين ترعى؟ أين تربض عند الظهيرة؟ لماذا أكون كمقنَّعة عند قطعان أصحابك" (نش1: 7). يقول القديس غريغوريوس النيسي: [أين ترعى أيها الراعى الصالح، يا من تحمل القطيع كله على كتفيك؟ لأنك حملت خروفاً واحداً على كتفيك، ألا وهو طبيعتنا البشرية. أرني المراعى الخضراء. عرفني مياه الراحة (مز22: 2). قدني إلى العشب المشبع. ادعني باسمي (يو10: 16)، حتى اسمع صوتك، أنا خروفك، أعطنى حياة أبدية[457].] ويقول القدّيس إكليمنضس السكندرى: [أشبعنا نحن أولادك كغنمٍ. يا سيِّدنا، املأنا بصلاحك من مرعاك. يا معلم، أعطنا طعاماً على جبلك المقدس... معلمنا بالحقيقة صالح، يقول: "ما جئت لأُخدَم بل لأخدِم". يُقال عنه فى الإنجيل إنه حزين، إذ تعب من أجلنا، ووعد أن يعطينا حياته "فدية عن كثيرين". لأن المسيح وحده هو الراعى الصالح. إنه كريم، ويعطينا أعظم الهبات، وهى حياته نفسها. إنه عظيم الصلاح ومحب للبشر، إذ وهو الرب يشتهي أن يكون أخاً للإنسان. يا لصلاحه، فقد مات لأجلنا! [458]].

19 - لماذا دُعي يسوع البكر؟

يقول القديس يوحنا الذهبيّ الفم إن الرب بكرنا، لأنه قدم ذاته ذبيحة مقبولة بلا عيب، تسلمها الآب برضا، فصارت البشرية مقبولة فيه ومقدسة فيه. يمتاز البكر بأنه السابق للكل، وأفضل الكل، والمكرس لله، وبه يتقدس المحصول كله. من جهة الزمن لم يكن السيد المسيح هو أول القائمين من الأموات، فقد قام الميت الذى لمس عظام أليشع النبي، وأقام السيد المسيح الصبية ابنة يايرس وآخرين. لكن جميعهم قاموا ثم ماتوا. أما المخلص فقام بسلطانه. إنه السنبلة الأولى الناضجة التى يمسك بها الكاهن ويلوح إعلاناً عن أنها مكرسة لله، بها يتقدس كل الحصاد.

ويقول البابا أثناسيوس الرسولى: [لم يُلقّب بكراً كمساوٍ للمخلوقات، أو أولهم زمنياً، لأنه كيف يكون هذا وهو نفسه الوحيد الجنس بحق؟ لأنه بسبب تنازل الكلمة إلى المخلوقات، صار أخاً لكثيرين. وهو يعتبر وحيد الجنس قطعاً، إذ أنه وحيد وليس له إخوة آخرون، والبكر يُسمّى بكراً بسبب وجود إخوة آخرين... إن كان بكراً لا يكون وحيداً (1يو4: 9)، لأنه غير ممكنٍ أن يكون هو نفسه وحيداً وبكراً إلا إذا كان يشير إلى أمرين مختلفين. فهو الابن الوحيد بسبب الولادة من الآب، لكنه يٌسمّى بكراً بسبب التنازل للخليقة ومؤاخاته للكثيرين... فهو مرتبط بالخليقة التى أشار إليها بولس بقوله: "فيه خُلق الكل" (كو1: 16). فإن كانت كل الخليقة خُلقت بواسطته، فهو مختلف عن المخلوقات، ولا يكون مخلوقاً بل هو خالق المخلوقات[459].] يقول القديس كيرلس الكبير: [ذاق الموت فى جسده من أجل كل إنسان، هذا الذى يمكنه أن يحتمل الموت دون أن يفقد كونه الحياة. لهذا مع كونه قد قيل إنه تألم فى جسده إلا أنه لم يقبل الألم فى طبيعة لاهوته[460].] كما يقول: [حينما تدعوه الكتب الإلهية بالبكر، تضيف حالاً السبب الذى لأجله حمل هذا اللقب. فتقول: "البكر بين إخوة كثيرين" (رو8: 29). وأيضاً "البكر من الأموات" (كو1: 18). ففي المرّة الأولى دُعي بكراً بين إخوة كثيرين لأنه صار مثلنا فى كل شيءٍ ما عدا الخطية. وفى المرَة الثانية دُعي "البكر من الأموات"، لأنه هو الأول الذى أقام جسده إلى حالة عدم الفساد[461].] ويقول القديس أمبروسيوس: [كما أن بكر الموت كان فى آدم هكذا بكر القيامة هو فى المسيح[462].].

20 - لماذا دُعي يسوع الباب والبواب؟

يخاطب القدَيس أغسطينوس الآب، قائلاً: [إننا نقول إنه بالمسيح قد صار لنا باب الدخول إليك[463].] ويقول هرماس: [هذه الصخرة وهذا الباب هما ابن الله. قلت: كيف تكون الصخرة قديمة، والباب جديداً؟ قال لى: أنصت وافهم أيها الإنسان الجاهل. إن ابن الإنسان قديم عن كل الخليقة، وهو شريك الآب فى عمل الخلقة، فهو "أزلي". قلت: ولماذا الباب جديد يا سيِّدى؟ أجاب: لأنه "أُظْهِر في الأزمنة الأخيرة" (1بط1: 20)، لهذا صارت البوابة جديدة، حتى أن الذين يخلصون بها يدخلون ملكوت الله. قال: أترى كيف أن الحجارة التى دخلت خلال البوابة استخدمت فى بناء البرج (الكنيسة)، وأما التى لم تدخل، فألقيت مرة أخرى إلى موضعها خارجاً؟ قلت: إنني أرى ذلك يا سيِّدى. ثم أكمل قائلاً: هكذا لا يدخل أحد ملكوت الله ما لم يستلم اسم (المسيح) القدُّوس، لأنك متى رغبت... فى دخول مدينة مسوَّرة بسورٍ وليس لها إلاَّ باب واحد، فإنك لا تقدر الدخول بغيره... هكذا بنفس الكيفية لا يقدر إنسان أن يدخل ملكوت الله إلاَّ بواسطة اسم ابنه الحبيب[464].].

21 - لماذا دُعي يسوع الصخرة؟

لم تتوقف طلبات موسى من إلهه، إذ لم يطمع فى عطاياه فحسب، إنما سأله فى جرأة: "أرني وجهك" (خر33: 18). وكانت إجابة الرب له هكذا: "لا تقدر أن ترى وجهي، لأن الإنسان لا يراني ويعيش" (خر33: 20). أخيراً أجاب الرب موسى سؤاله بقوله: "هوذا عندي مكان، فتقف على الصخرة، ويكون متى اجتاز مجدي إني أضعك في نقرة من الصخرة، وأسترك بيدي حتى أجتاز، ثم أرفع يدي فتنظر ورائي، وأما وجهي فلا يُرى" (خر33: 21 - 22).

هذا الحديث كما يقول القديس أمبروسيوس يُشير[465] إلى التجسد الإلهىي، فقوله "هوذا عندى مكان"، كأنما يعني، لقد حققت طلبك بالقدر الذى تحتمله، فإنى أحملك إلى سرّ التجسد، فتقف على الصخرة، أى ترتكز على السيد المسيح (الصخرة الحقيقة). اما قوله تنظر ورائي فيشير إلى ملء الأزمنة حيث يجتاز الله على العالم معلناً حبه، فنرى الله خلال التجسد الإلهي، كمن هو فى سترة يد الله (المسيح) يرى مجد اللاهوت (فى نقرة من الصخرة)، فيقول مع الرسول يوحنا: "ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب" (يو1: 14). ويُعلّق القدّيس جيروم على عبارات السيد المسيح الخاصة بالبناء على الصخر أو على الرمل (مت7: 24 - 27)، قائلاً: [المطر الذى يعمل على هدم البيت بلا رحمة هو الشيطان، والأنهار تُشير هنا إلى أضداد المسيح، والرياح إلى قوات الشرّ الروحيّة التى فى الهواء، "فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشرّ الروحية فى السماويّات" (أف6: 12). هذه وقعت على ذلك البيت فلم يسقط، لأنه كان مؤسّساً على الصخرة. على هذه الصخرة (الإيمان بالسيد المسيح) أسّس الله كنيسته، ومنها استمدّ الرسول بطرس اسمه: "أنت بطرس وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي" (مت16: 18). على هذه الصخرة لا يوجد أثر للحيّة، لذا يقول النبي فى ثقة: "وأقام على صخرة رجليّ" (مز40: 2)، وفى موضع آخر يقول: "الصخور ملجأ للوبار" (مز104: 18). فالوبار يلجأ إلى الصخور بكونه خائفاً... (وموسى النبي إذ كان كالوبار صغيراً) قال له الرب بعد خروجه من أرض مصر: "إنى أضعك فى نقرة من الصخرة، واسترك بيدي حتى اجتاز، ثم أرفع يدي، فتنظر ورائي" (خر33: 22 - 23) [466].].

22 - لماذا دُعي يسوع نوراً وناراً؟

يقول القديس إكليمنضس السكندرى: [لو ان الشمس غير موجودة لحلّ الليل فى كل المسكونة، بالرغم من وجود الكواكب الأخرى فى السماء. هكذا لو نعرف اللوغوس، ونستضيء به، لما كنا أفضل من صغار الطير (الكتاكيت) التى تمتلئ سمنة فى الظلام لكى تُشوى بالنار (تؤكل).

لنقبل النور، فنقبل الله. لنقبل النور، ونصير تلاميذ الرب.

لقد وعد أباه هكذا: "أخبر باسمك إخوتي، فى وسط الجماعة أمجدك" (مز22: 22) [467].].

ويقول القديس مار يعقوب السروجي: [ربنا نور لمن يحبه، لكنه نار لمن يدنو منه ليستقصيه.].

ويقول القديس أغسطينوس: [هل الابن أقل لأنه قال إنه مُرسل؟ إننى أسمع عن الإرسال لا الانفصال... بين البشر الراسل أعظم من المُرسل. ليكن، لكن الشئون البشرية تخدع الإنسان، الإلهيات تطهره، لا تتطلع إلى الأمور البشرية التى فيها الراسل يظهر أعظم من المُرسل... ومع ذلك توجد حالات كثيرة فيه يُختار الأعظم لكى يرسله من هو أقل... ترسل الشمس شعاعاً، ولكنه لا ينفصل عنها... والسراج يفيض نوراً ولا ينفصل عنه. إننى أرى إرسالاً دون انفصال... الإنسان الذى يرسل آخر يبقى خلفه بينما يتقدم المُرسل. هل يذهب الراسل مع الذى أرسله؟ أما الآب الذى أرسل الابن لا ينفصل عن الابن... الآب الراسل لا ينفصل عن الابن المُرسل، لأن المرسل والراسل هما واحد[468].].

23 - لماذا دُعي يسوع السامري الصالح (لو10: 25 - 37)؟

إن كان الكاهن فى مثل السامري الصالح (لو10) يمثِّل الشريعة، واللاوي يمثِّل النبوَّات، فإنه لم يكن ممكناً للناموس أو الشريعة أو النبوَّات أن تضمد جراحاتنا الخفيَّة، وتردّنا إلى طبيعتنا التى خلقنا الله عليها، لكن "السامري الصالح" الذى يمثِّل السيّد المسيح وحده ينزل إلينا، ويحملنا فى جسده، مباركاً طبيعتنا فيه، مقدِّماً لنا كل شفاءٍ حقيقى يمس تجديد حياتنا. يقول العلامة أوريجينوس: [الكاهن كما أظن هو الناموس، واللاوى أيضاً يمثِّل الأنبياء، الاثنان ينظران إلى الجريح ويتركانه هناك. تركت العناية الإلهيَّة هذا الرجل بين حيّ وميِّت ليكون تحت اهتمام من هو أقوى من الناموس والأنبياء. إنه "السامرى" الذى اسمه يعنى "الحارس"، فإن حارس إسرائيل لا ينعس ولا ينام (مز121: 4). لكى يساعد هذا الرجل الذى بين حيّ وميِّت نزل السامرى إلى الطريق، لكنه لم ينزل من أورشليم إلى أريحا مثل الكاهن واللاوى... اليهود قالوا له: "إنك سامرى وبك شيطان" (يو8: 48)، وإذ أكَّد لهم أنه ليس به شيطان لم يرد يسوع أن ينكر أنه السامرى إذ هو الحارس[469].].

24 - لماذا دُعي يسوع صورة الله غير المنظور؟

يقول عنه الرسول: "الذى هو صورة الله غير المنظور" (كو1: 15). إن كانت الخطية قد حجبت عن الإنسان رؤية مجد الله، فقد جاء الكلمة المتجسّد، لا ليقدّم لنا أفكاراً عقلانية نظريّة عن المجد الإلهى، وإنما أزال بصليبه الخطية، فانشق الحجاب، وصار لنا حق رؤية الله خلال الصليب. لقد أشرق السيد المسيح بنوره الإلهى على شاول الطرسوسي وهو فى طريقه إلى دمشق، فأصيبت عيناه الجسديّتان بنوعٍ من العمى لعجزهما عن رؤية الله، بينما انفتحت بصيرته الداخليَّة، وتمتّع بالنور الحقيقى. هذه الخبرة تمتّع بها الرسل بطرس ويعقوب ويوحنّا على جبل طابور حيث تغيّرت هيئته قدّامهم، وأضاء وجهه، وصارت ثيابه كالنور (مت17: 1 - 5).

كلمة "صورة"، فى اليونانيَّة تعنى الإعلان الكامل المنظور للإله غير المنظور، وهو الذى يحمل طبيعة جوهره ورسم بهائه، وهذا هو ما قاله الرب عن نفسه: "من رآني فقد رأى الآب". يقول العلامة أوريجينوس: [لنتبصر أولاً وقبل كل شيءٍ ما هى الأشياء التى تُدعى صوراً فى الحديث البشري العادي. أحياناً يستخدم تعبير "صورة" على رسم أو نحت على مادة ما مثل الخشب أو الحجارة. احياناً يُقال عن الطفل إنه صورة الوالد (أو الوالدة) عندما يحمل شبهاً لملامح والده فى كل جانب... بخصوص ابن الله الذى نتحدث عنه الآن، فإن الصورة يمكن أن تقارن بالتوضيح الثانى هنا، فهو الصورة لله غير المنظور[470].] ويقول القديس غريغوريوس النزينزي: [إنه الصورة الواحدة معه فى ذات الجوهر. ولأنه هو من الآب وليس الآب منه، فإن هذه هى طبيعة الصورة، إنها من نتاج الأصل الذى تحمل اسمه. ولكن هنا يوجد ما هو أكثر من ذلك. ففي اللغة العادية الصورة هى ممثل ساكن لما هو متحرك، أما فى هذه الحالة فإنها صدور حي عن الكائن (الواحد) الحي مصدرها إلى درجة عالية أكثر من صدور شيث عن آدم (تك5: 3)، أو أى ابن عن أبيه[471].] ويقول القديس أمبروسيوس: [إذ هو نفسه صورة الله غير المنظور غير الفاسد، فليشرق عليكم كما فى مرآة الناموس. اعترف به فى الناموس حتى يمكنك أن تعرفه فى الإنجيل[472].] ويقول القديس جيروم: [بماذا يشبه وجه الله؟ صورته. بالتأكيد كقول الرسول بأنه صورة الآب فى ابنه (كو1: 15). بصورته يشرق علينا، بمعنى يشرق صورته، الابن، علينا لكى يشرق هو علينا لأن نور الآب هو نور الابن. من يرى الآب يرى أيضاً الابن، ومن يرى الابن يرى الآب. حيث لا يوجد اختلاف بين مجدٍ ومجدٍ، فإن المجد هو واحد بعينه[473].].

بهاء مجده ورسم جوهره: يشير تعبير "بهاء مجده" إلى الولادة الأزلية، فلا يمكن أن يقوم النور الأزلي بدون بهائه، فالابن هو النور من النور، أو البهاء الأزلي غير المنفصل عن النور، بل واحد معه. يقول البابا أثناسيوس الرسولي: [من ذا الذى تجرد من العقل حتى يشك فى أزلية الابن؟ لأنه من ذا الذى يرى نوراً بغير بهاء أو إشراق! [474]] ويقول: [إنه غير منفصل عن الاب كما أن البهاء غير منفصل عن النور[475].] ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [(دعوته) "رسم جوهره"... تشهد لشخصه أنه منتسب لذات جوهره[476].].

25 - لماذا دُعي يسوع اللؤلؤة الكثيرة الثمن؟

يقول السيد المسيح: "يشبه ملكوت السماوات إنساناً تاجراً يطلب لألئ حسنة. فلما وجد لؤلؤة واحدة كثيرة الثمن، مضى وباع كل ما كان له واشتراها" (مت13: 45 - 46). لا يستطيع أحد أن يقتني السيّد المسيح، اللؤلؤة الكثيرة الثمن، ما لم يبع كل ما له من القلب ليتمتع وحده فيه. طالب القدّيس جيروم فيوريا Furia ألا تقرأ الكتب غير النافعة، وإنما تبيعها جميعاً لتقتني "اللؤلؤة الكثيرة الثمن" خلال الكتاب المقدّس وكتابات الآباء، قائلاً: [بعد قراءة الكتب المقدّسة فلتقرئي كتب المتعلّمين المشهود لإيمانهم. يلزمك ألا تذهبي إلى الوحل، لتبحثي عن الذهب. لديكِ جواهر كثيرة، فلتشترى بها اللؤلؤة الواحدة[477].] حقاً يليق بالمؤمن أن يتخلّى عن الكتب الرخيصة تماماً، معطياً المجال لكلمة الله أن تُعلن المسيح متجلّياً فى حياته!

يقول العلّامة أوريجينوس: [أى شيءٍ تطلب؟ أجسر فأقول اللؤلؤة التى من أجلها يترك الإنسان كل ما يمتلك ويحسبه نفاية: "أحسب (كل الأشياء) نفاية لكى أربح المسيح" (فى3: 18)، قاصداً بكل الأشياء اللآلئ الصالحة، حتى أربح المسيح، اللؤلؤة الواحدة كثيرة الثمن. ثمين هو السراج للإنسان أثناء الظلمة، فهناك حاجة إليه حتى تُشرق الشمس! وعظيم هو مجد وجه موسى والأنبياء أيضاً، فهو كما أظن يمثّل رؤيا جميلة، خلالها دخلنا لكى نرى مجد المسيح، الذى يشهد عنه الآب قائلاً: "هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت" (مت3: 17). لكن "المُمجّد لم يمجَّد من هذا القبيل بسبب المجد الفائق" (2كو3: 10)؛ ونحن فى حاجة أولاً إلى المجد الذى يزول، حتى نبلغ المجد الفائق؛ وفى حاجة إلى المعرفة الجُزئيّة التى تزول، حين تأتى المعرفة الكاملة (1كو13: 9 - 10). إذاً كل نفسٍ تأتي أولاً إلى الطفولة، وتنمو حتى تبلغ كمال الزمان؛ تحتاج إلى معلّمين ومرشدين وأوصياء، وفى وجود هؤلاء تبدو أنها لا تختلف عن العبد مع أنها صاحبة الجميع (غل4: 1 - 2). إنها إذ تتحرّر من المعلّمين والمرشدين والأوصياء تبلغ سن الرشد، فتنعم باللؤلؤة كثيرة الثمن والكاملة، وببلوغها يزول ما هو جزئي، عندما يقدر الإنسان أن يبلغ إلى "فضل معرفة المسيح" (فى3: 8) بعد أن كانت تتدرّب على أشكال المعرفة هذه التى تفوقها معرفة المسيح[478].].

ويقول القدّيس جيروم: [ماذا نفهم باللآلئ الكثيرة والطرق الكثيرة، والدروب الكثيرة، لكى نقتني اللؤلؤة الواحدة والطريق الواحد والدرب الواحد؟ إبراهيم وإسحق ويعقوب، موسى ويشوع بن نون وإشعياء وإرميا وحزقيال والاثنا عشر نبياً، هؤلاء هم الدُروب، التى ندخلها أولاً لنصل إلى الأخيرة درب الأناجيل، فنجد هناك المسيح[479].].

26 - لماذا دُعي يسوع الكرمة الحقيقية (يو15: 1)؟

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [لم يذكر الكرمة هنا إلا لكى يعلم التلاميذ أنهم بدون قوة السيد المسيح لا يمكنهم أن يعملوا شيئاً، وأنهم فى هذا المثال يحتاجون أن يتحدوا به كاتحاد الغصن بالكرمة (يو15: 1).

27 - لماذا دُعي يسوع النبى؟

دُعي "النبى" وليس نبياً، عمله النبوى هو أن يهب شعبه روح النبوة (رؤ19: 10) أو الكشف عن الحياة المستقبلية فى السماء. كان عمل الأنبياء فى العهد القديم هو قيادة الشعب لقبول شخص المسيّا، القادر وحده أن يحملهم فيه ويقدسهم وينير بصيرتهم ليتعرفوا على الحب الإلهي الفائق. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [لم يقولوا ليوحنا: أنبي أنت؟ أى هل أنت واحد من الأنبياء؟ لكنهم سألوه قائلين: "النبي أنت؟" (يو1: 21) بإضافة أداة التعريف. بمعنى هل أنت النبي الذى سبق موسى فأخبر عنه (تث18: 15)؟ أنكر هذا المعنى، ولم ينكر انه نبي، لكنه أنكر أنه هو ذاك النبي.].

28 - لماذا دُعي يسوع الأمين؟

يقول القديس إكليمنضس السكندرى: [كون الله أميناً (1كو1: 9) معناه أنه يمكننا أن نثق فى إعلانه عن ذاته، كلمته تعلن عنه[480].].

29 - لماذا دُعي يسوع عريس النفوس؟

يقول الآب قيصريوس أسقف آرل: [نفوس كل الرجال والنساء تُعرف أنها عروس المسيح إن أرادوا حفظ العفة الجسدية وبتولية القلب. ليفهموا أن المسيح هو عريس نفوسهم لا أجسادهم[481].] كما يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [فى العالم تكون المرأة بتولاً حتى تتزوج، فتفقد بتوليتها. أما فى الكنيسة هؤلاء الذين كانوا أى شيء ما عدا بتوليين قبل تحولهم إلى المسيح يطلبون البتولية فيه[482].

30 - لماذا دُعي يسوع الحق؟

يقول القديس أمبروسيوس: [المسيح ليس فقط هو الله، بل بالحقيقة الله الحق، إله حق من إله حق، إذ هو نفسه الحق[483].].

31 - لماذا دُعي يسوع السلام والبرّ؟

يقول القديس أمبروسيوس: [لتظهروا أهلاً أن يكون المسيح فى وسطكم. لأنه حيث يوجد السلام يوجد المسيح، إذ المسيح هو السلام. وحيث يوجد البرّ يكون المسيح، لأن المسيح هو البرّ. ليكن فى وسطكم لتروه، لئلا يُقال لكم: "ولكن فى وسطكم قائم الذى لستم تعرفونه" (يو1: 26)... ليقف إذن فى وسطكم، لكي تنفتح لكم السماوات التى تعلن مجد الله (مز19: 1)، فتعلموا مشيئته، وتعملوا أعماله. من يرى يسوع تنفتح السماوات له، كما انفتحت لاستفانوس (أع7: 56) [484].].

32 - لماذا دُعي يسوع الألف والياء؟

السيد المسيح هو "الألف والياء" (رؤ1: 8، 11؛ 21: 6؛ 22: 13). وكما يقول العلامة أوريجينوس: [إنه لو وجدت لغة إلهية لقراءة السماويات، فإننا نجد الابن هو أول حروفها وآخرها... فبدونه لا ندرك شيئاً عن السماء، وبغيره لا يقدر الفم أن ينطق بالتسابيح السماوية[485].].

33 - لماذا دُعي يسوع البداية والنهاية، الأول والآخر؟

يقول العلامة أوريجينوس إن الابن الكلمة هو أول الخليقة أى رأسها ومدبرها، وإذ تنازل لم يصر الثانى أو الثالث أو الرابع بل احتل "الآخر"، إذ صار إنساناً ولم يصر واحداً من الطغمات السمائية. وبهذا احتضن الخليقة كلها من أولها إلى آخرها. هو "البداية والنهاية"، وكما يقول القديس أغسطينوس: [الابن هو البداية الذى فيه خلقت السماء والأرض، إذ قيل "فى البدء (البداية) خلق الله السماوات والأرض" (تك1: 1)، إذ "به كان كل شيء" (يو1: 3). كلها بحكمة (فى المسيح) صُنعت "(مز104: 24) [486].] ويقول القديس أمبروسيوس: [ليس لابن الله أية بداية ناظرين إلى أنه هو البداية، وليس له نهاية ذاك الذى هو" النهاية "[487].].

34 - لماذا دُعي يسوع الأسد؟

يقول القديس كيرلس الأورشليمى: [يُدعى أسداً، لا لكونه مفترساً للبشر، بل علامة ملكه وثباته والثقة فيه. لقد دُعي أسداً مقابل الأسد خصمنا الذى يزأر مفترساً المنخدعين منه... فبكونه الأسد القوى الخارج من سبط يهوذا ينقذ المؤمنين محطماً العدو[488].].

35 - لماذا دُعي يسوع الحجر؟

يقول الشهيد كبريانوس: [فى إشعياء قيل: "هأنذا أؤسس فى صهيون حجراً، حجر امتحان، حجر زاوية، كريماً أساساً مؤسساً، من آمن به لا يهرب" (راجع إش28: 16). وفى المزمور ال 117 "الحجر الذى رفضه البناءون قد صار رأساً للزاوية". وفى زكريا: "فهوذا الحجر الذى وضعته قدام يهوشع على حجر واحد سبع أعين" (زك3: 9). وفى سفر التثنية: "وتكتب على الحجارة جميع كلمات هذا الناموس نقشاً جيداً" (تث27: 8). وأيضاً فى يشوع بن نون: "وأخذ حجراً كبيراً، ونصبه هناك تحت البلوطة التى عند مقدس الرب. ثم قال يشوع لجميع الشعب: إن هذا الحجر يكون شاهداً علينا، لأنه قد سمع كل كلام الرب الذى كلمنا به، فيكون شاهداً عليكم لئلا تجحدوا إلهكم" (يشع24: 26 - 27)... إنه الحجر المذكور فى سفر التكوين الذي وضعه يعقوب تحت رأسه (تك13 - 28: 11)، إذ المسيح رأس الرجل، وإذ نام رأى سلماً بلغ إلى السموات حيث يوجد الرب والملائكة صاعدون ونازلون... إنه الحجر المذكور فى سفر الخروج، الذى جلس عليه موسى على قمة التل عندما كان يشوع بن نون يحارب عماليق (خر17: 12)، وبسرّ الحجر المقدس، وثبات جلوسه عليه انهزم عماليق بيشوع كما انهزم الشيطان بالمسيح. إنه الحجر العظيم الوارد فى سفر صموئيل الأول حيث وُضع تابوت العهد عندما أحضره الثور فى المركبة، إذ رده الغرباء. وأيضاً هو الحجر الوارد فى سفر صموئيل الأول الذى به ضرب داود رأس جليات وذبحه (1صم17: 49) إشارة إلى انهزام الشيطان وخدامه حيث تكون الجبهة فى الرأس غير مختومة (باسم المسيح)، ذلك الختم الذى يهب أماناً وحياة على الدوام. وهو الحجر الذى أقامه صموئيل عندما غلبوا الغرباء، (وقال: إلى هنا أعاننا الرب) ودعاه بحجر المعونة أى الحجر الذى يعين (1صم7: 12) [489].].

36 - لماذا دُعي يسوع لباس البرّ؟

يقول القدّيس أثناسيوس الرسولي: [ "البسوا الرب يسوع المسيح" (رو13: 14). نلبسه عندما نحب الفضيلة ونبغض الشرّ؛ عندما نُدرّب أنفسنا على العفّة ونميت شهوتنا، عندما نحب البرّ لا الإثم؛ عندما نكرم القناعة ويكون العقل راسخاً؛ عندما لا ننسى الفقير بل نفتح أبوابنا لجميع البشر، عندما نقبل تواضع الفكر وننبذ الكبرياء[490].].

37 - لماذا دُعي يسوع العبد المتألم؟

يقدم لنا إشعياء النبي تسابيح العبد المتألم، أى المسيح المصلوب (إش40 - 55).

38 - لماذا دُعي يسوع الديان؟

يقدم السيد المسيح نفسه بكونه الديان (يو5: 22)، يدين الأحياء والأموات (1بط4: 5)، لا ليرعبهم، وإنما ليطمئنهم. إنه يأتى ليدين الأشرار، ويقيم عشاء العرس حيث تتهلل الكنيسة دون مخاوفٍ من عدوٍ يقاومها (رؤ19: 9 - 16). يراه الأشرار وعيناه كلهيب نارٍ، يخرج من فمه سيف ماض، يرعاهم بعصا من حديد، أما أولاده فيرونه "ملك الملوك ورب الأرباب" الذى يحميهم ويمجدهم.

39 - ما هي صلاة اسم يسوع؟

مادمنا نتحدث عن أسماء وألقاب السيد المسيح يليق بنا أن نشير إلى فاعلية "صلاة يسوع" فى حياتنا. إذ يدرك المؤمن قوة اسم يسوع، يصرخ مع برتماوس الأعمى: "يا يسوع ابن داود ارحمني" (مر10: 47، لو18: 38).

لقد عرفها القديس مقاريوس الكبير والقديس مار أوغريس[491]. وُجدت هذه الصلاة فى سيرة الأب فليمون (قرن6 / 7). كما وُجدت فى كتابات القديسين برصنيوفيوس ويوحنا من غزة (بدء قرن 6)، ودوروثيؤس من غزة، والقديس يوحنا الدرجي.

قدمتها الكنيسة تدريباً روحياً لأبنائها مع إضافة جزء من صلاة العشار القارع صدره، القائل: "اللهم ارحمنى أنا الخاطئ" (لو18: 13).

قال أنبا أنطونيوس: [لا تتخلَّ عن اسم الرب يسوع، بل امسكه بعقلك، ورتّل به بلسانك وفى قلبك، وقُلْ: "يا ربي يسوع المسيح ارحمني، يا ربي يسوع المسيح أعنِّي." وقُلْ أيضاً: "أنا اسبحك يا ربي يسوع المسيح."].

وقال أنبا مقار الكبير: [كُنْ منتبهاً لاسم ربنا يسوع المسيح بقلبٍ نادمٍ، واجعله يتدفّق من شفتيك، واجعله ينعكس إليك، ولا تحفره حسب الظاهر فى ذهنك فقط، بل كُنْ متيقِّظاً عندما تطلبه قائلاً: "يا ربي يسوع المسيح ارحمني". وفى السكون سترى لاهوته يستريح فيك، وسيُبدِّد ظلمات الأوجاع التى فيك، وسيُنقِّى الإنسان الباطن مثل نقاوة آدم لما كان فى الفردوس، هذا الاسم المبارك الذى سماه القديس يوحنا الإنجيلي: "نور العالم" (يو8: 12)، الحلاوة التى لا يشبع منها احدّ و "خبز الحياة" الحقيقى (يو6: 35) ".].

كما قال أبّا إيفاجريوس: [ذهبتُ لمقابلة أنبا مقار بينما كانت تعصف بي الأفكار وأوجاع الجسد، وقلت له: "يا أبى، قُلْ لى كلمةّ أحيا بها".

فقال لى: "اربط حبل الشراع فى الوتد، وبواسطة نعمة ربنا يسوع المسيح ستعبر السفينة على الأمواج الشيطانية، فأمواج هذا البحر مخيِّبةّ للآمال والظلمة المدلهمة التى لهذا العالم الباطل".

فقلتُ له: "ما هى السفينة؟ وما هو الحبل؟ وما هو الوتد؟".

فقال لى: "القارب هو قلبك فاسهر عليه. والحبل هو ذهنك، فأربطه بربنا يسوع المسيح الذى هو الوتد الذى له السلطان على كل الأمواج الشيطانية التى تحارب القديسين. أليس من السهل أن نقول فى كل نفَسٍ نتنّسمه:" يا ربي يسوع المسيح ارحمني، أنا أباركك يا ربي يسوع المسيح أعنِّى ".

وبينما تقاوم السمكة أيضاً الموجه فستُمسَك دون أن تدري، ونحن أيضاً إذا كنا مثابرين على هذا الاسم المخلِّص الذى لربنا يسوع المسيح، فإنه سيمسك الشيطان من منخاريه ( "يثقَبُ أنفه بخزامةٍ" أي 40: 24) بسبب ما فعله بنا، ونحن الضعفاء سنعرف أنّ المعونة تأتينا من ربنا يسوع المسيح ".].

وقال أنبا يعقوب: "إننى ذهبتُ مرةً إلى البُهلُس عند أنبا إيسيذورس، فوجدته ينسخ، فجلستُ عنده ولاحظتُ أنه بين حينٍ وآخر يرفع عينيه إلى السماء وشفتاه تتحركان دون أن أسمع منه اى صوت، فقلتُ له:" ماذا تفعل يا أبى؟ "فقال لى:" أما تفعل أنت هكذا؟ "فقلت له:" لا يا أبى ". فقال لى:" إن كنتَ لا تفعل ذلك يا أبّا يعقوب، فما صرتَ بعد راهباً ولا ليومٍ واحدٍ ". وهذا هو ما كان يقوله:" ياربي يسوع المسيح أعني، ياربي يسوع المسيح ارحمني، أنا اسبحك يا ربي يسوع المسيح ".


[402] للكاتب الحب الإلهى، 2010، الكتاب الثانى، ص508 - 582.

[403] Commentarium in Joannem 1. PG 50: 14.

[404] Homilies on Song of Songs,2. ترجمة الدكتور جورج نوُار.

[405] On Ps 87 (86).

[406] On Perfection.

[407] Homilies on Luke, homily 2: 14.

[408] J. Klausner: The Messianic Idea in Israel, London 1956, p. 9 (cf. Michael O’Carroll: Verbum Caro 1992. Article; Messiah. Jesus the).

[409] Dia; with Tepho, 86.

[410] ترجمة مركز دراسات الآباء بالقاهرة Adv. Arian, 12: 1: 47.

[411] راجع تفسير خروج 3 فى سلسلة:: من تفسير وتأملات الآباء الأولين.

[412] St. Augustine: On Ps. 144.

[413] St. Augustine: City of God 2: 12; On Christian Doctrine 32: 1.

[414]

[415] Ep. ad. Magn. 1: 8.

[416] On the Christian Faith, Book 2: 1: 16.

[417] Semon on N. T. Lessons, 7: 69.

[418] Commentary on John, Book 8: 2.

[419] Commentary on 1 Cor. 2: 1: 52 - 54.

[420] St. Athanasius: Discourses Against Arians, Book 18: 2ترجمة مركز دراسات الآباء بالقاهرة. 31:

[421] St. Athanasius: Oration 22 contra Arianos, 56.

[422] راجع تفسير 1 كورنثوس1: 24 فى سلسلة: من تفسير وتأملات الآباء الأولين.

[423] Stromata 100: 1: 1.

[424] Against Eunomius 7: 2.

[425] Against Eunomius 4: 2.

[426] In John hom, 1: 81.

[427] Stromata 1: 5.

[428] Contra Celsus 67: 6.

[429] إلى الشهداء: فصل 4 (ترجمة موسى وهبه).

[430] ميمر 65 على الكبرياء (نص بول بيجان والدكتور بهنام سوني). لأجل يوم الأربعاء من الجمعة الثانية من الصوم المقدس، قبطى.

[431] Treatise on Christ and Antichrist, 26.

[432] Sar. on N. T. 9: 67.

[433] On Virginity, ch,24.

[434] Fitzmyer: Abba and Jesus’ Relationship to God. In “A cause de I’èvangile, Paris,1985,p. 57 - 81.

[435] Letter 56: 32.

[436] On the Death of His Brother Satyrus, 6: 2.

[437] Adv. Haer. , 22: 3: 3.

[438] Against Julian 21: 7.

[439] Homilies on the Psalms 66.

[440] المسيح واحد 1353، 75 PG.

[441] Homily 3: 4.

[442] Commentary on John, Book 285: 6 - 286.

[443] Commentary on John, Book 233: 1.

[444] راجع تفسير 2 كورنثوس 5: 21 فى سلسلة: من تفسير وتأملات الآباء الأولين.

[445] Against Eunomius, 11: 2.

[446] Letter 10: 41.

[447] Hom 51. PG 301: 59.

[448] In Hebr. hom 5: 16.

[449] Origen: De Principiis 7: 2: 4.

[450] On Jacob and the Happy Life 21: 6.

[451] Sermon 5: 213.

[452] Enarr. In Psalm 2: 62 PL 748: 36 f.

[453] Maximius of Turin: Sermons, 1: 73.

[454] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate, 2: 85.

[455] In Luc 1: 15 - 7.

[456] In Luc 18: 18 - 30.

[457] نشيد الأناشيد للقدّيس غريغوريوس النيسي، تعريب الدكتور جورج نوّار، عظة2.

[458] Paedagogus 9: 1.

[459] Adv. Arian 21: 2: 62. ترجمة مركز دراسات الآباء بالقاهرة.

[460] Letter 34: 55.

[461] Comm. on The Gospel of Saint Luke, Sermon 1 ترجمة: دكتور نصحي عبد الشهيد.

[462] On His Brother Satyrus. 91: 2.

[463] راجع المسيح في سرّ الإفخارستيا، 1973م، ص19 - 27.

[464] كتاب الراعي، ك3، رؤيا 12.

[465] St. Ambrose: On the Holy Spirit 5: 3.

[466] In Matt. 25: 7.

[467] Protrep. 113: 11: 3,4; 117: 11: 7, 4. ANFrs, Vol 2, P 203, 204.

[468] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate 17: 21.

[469] In Luc. Hom 5: 34.

[470] De principiis, 2: 1: 6.

[471] Theological Orations 20: 4.

[472] Letters, 20.

[473] Homily 6 on Psalm 66 (67) (FC 45: 48).

[474] Disc. Against Arians 4: 1.

[475] De sent. Dionysii 8.

[476] In loan. hom 2: 4.

[477] Ep 11: 54.

[478] In Matt. 9: 10.

[479] On Ps. Hom 23.

[480] Stromata 27: 2: 3.

[481] Sermons, 4: 155. On the Ten Virgins.

[482] Homilies on Cor. 1: 23.

[483] Of the Holy Spirit Book 17: 1: 108.

[484] Letters, 4: 63 - 5.

[485] A. N. Fathers Vol. 10. P. 314 / 6.

[486] City of God 11 b 32.

[487] Of the Christian Faith 108: 4.

[488] Lect, 3: 10.

[489] Three books of Testimonies against the Jews, 16: 2.

[490] Pasch. Ep. 3: 4.

[491] Michael O’carroll: Verbum Caro, Article: Jesus Prayer; K. Ware: A Dictionary of Christian Spirituality, London, 1983, p. 223f.

No items found

الفصل الثاني عشر الروح القدس والخلاص الإلهي

الفصل العاشر ربنا يسوع المسيح مخلص العالم أولاً: نبوات عن حياة السيد المسيح ثانياً: نبوات عن عمل السيد المسيح ثالثاً: نبوات عن ألوهية السيد المسيح

فهرس المحتويات
فهرس المحتويات

المحتويات