الإصحاح الأول – سفر حكمة يشوع بن سيراخ – القس أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر حكمة يشوع بن سيراخ – كهنة و خدام كنيسة مارمرقس مصر الجديدة.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

تفسير سفر يشوع ابن سيراخ

أولا: تسميته.

ثانيًا: كاتبه.

ثالثًا: مكان كتابته.

رابعًا: زمن كتابته.

خامسًا: أغراضه.

سادسًا: سماته.

سابعًا: الحقائق الإيمانية في السفر.

ثامنًا: النبوات.

تاسعًا: الطقوس.

عاشرًا: قانونيته.

الحادى عشر: أقسامه.

مقدمة سفر يشوع بن سيراخ التي أضافها حفيده.

أولا: تسميته:

يسمى سفر حكمة يشوع بن سيراخ، أو في بعض المخطوطات "حكمة يشوع بن سيراخ بن ألعازر الأورشليمى، ويسمى أحيانًا بن سيراخ، أما القديس اكليمنضس السكندري عميد مدرسة الإسكندرية الأولى فأطلق عليه" المعلم ". والاسم اللاتينى للسفر هو اكليسيا وتعنى" الكنسى "، وقد ذاع هذا الاسم في القرن الثاني الميلادى أيام القديس كريانوس. ويعنى هذا الاسم السلطة الكنسية، حيث كان يستخدم لتعليم المقبلين على الإيمان وحديثى العماد.

ثانيًا: كاتبه:

هو يشوع بن سيراخ، واسمه بالكامل يشوع بن سيراخ بن ألعازار الأورشليمى. وكلمة يشوع معناها "يهوة يخلص"، أما سيراخ فمعناها "أسير".

هو من وجهاء وشرفاء أورشليم، وحكمائها، وكان غنيًا.

كان كثير الأسفار، فاكتسب خبرات كثيرة.

مرَّت به ضيقات متنوعة كما ذكر في (سي 51: 2 - 12).

تزوج من امرأة فاضلة، وأنجب بنينًا أحسن تربيتهم.

اهتم بدراسة وطلب الحكمة واشتاق لدراستها منذ صباه (سي 51: 18 - 20). ثم افتتح مدرسة لتعليم الحكمة (سي 51: 31)، كان يعلم فيها بنفسه، وذلك لتشجيع اليهود الذين شعروا بضعفهم أمام عظمة الفلسفة اليونانية، فعلم يشوع بسمو الحكمة الإلهية أكثر من أية حكمة أخرى في العالم، وفى نفس الوقت لم يقاوم الفلسفة اليونانية، بل اقتبس ما هو مناسب منها، ولا يتعارض مع شريعة الله.

أعجب بجماعة الحسيديين الذين تميزوا بالتقوى، والذين خرج منها جماعة "الفريسيين" ولكنه لم ينضم إليهم.

أحب الشعر منذ بداية شبابه حتى أطلق عليه بعض الدارسين "شاعر الشباب".

كان يجيد اللغات العبرية والآرامية واليونانية.

كان لطيفًا ومتواضعًا (سي 13: 16 - 18).

ترجم هذا السفر حفيد يشوع بن سيراخ، ويسمى أيضًا ابن سيراخ، وذلك بالإسكندرية؛ حتى يستطيع اليهود المقيمون هناك أن يقرأوا هذا السفر باللغة التي تعودوا عليها، وهي اللغة اليونانية. وكتب مقدمة لهذا السفر، ليست ضمن نص الكتاب المقدس الموجود بين أيدينا.

ثالثًا: مكان كتابته:

أورشليم.

رابعًا: زمن كتابته:

حوالي عام 180 ق. م. أما ترجمة السفر في الإسكندرية فقد تم حوالي عام 125 ق. م في زمن بطليموس السابع ملك مصر.

خامسًا: أغراضه:

أهمية الحكمة: إظهار أهمية الحكمة التي تؤثر على علاقة الإنسان بالله، ومن ناحية أخرى على علاقته بالآخرين.

مصدر الحكمة: إثبات أن مصدر الحكمة الحقيقية هو الله ووصاياه، وليست الحكمة البشرية التي ينادى بها فلاسفة العالم، وكانوا في ذلك الوقت هم اليونانيون، أي أن الحكمة الإلهية تعلو فوق الفلسفة اليونانية والتي تسمى الهيلينية، وبهذا يثبت اليهود في التمسك بإيمانهم، ويفهم اليونانيون عظمة وصايا الله وشرائعه.

السلوك العملى: يظهر السفر أهمية وصايا الله وشريعته، ويحولها إلى سلوك عملى في الحياة اليومية، أي أن وصايا الله هي مصدر السلوك المستقيم (سي 2 - 42) وهذا يشمل السفر كله تقريبًا، فهو يمزج المبادئ الأخلاقية السائدة في زمانه مع وصايا الله؛ ليقدم السلوك العملى لشعبه.

محبة الله ومخافته: يبين السفر العلاقة القوية بين الحكمة الحقيقية ومحبة الله، بل يظهر أن الحكمة هي محبة الله، ومن ناحية أخرى يظهر العلاقة بين الحكمة الحقيقية ومخافة الله، وكيف تؤدى إلى السلام والفرح (سي 1: 12).

الصلاة: يوضح السفر أهمية الصلاة في كل الأعمال والسلوكيات، ويدعو الأطباء للاعتماد على الصلاة في التشخيص والعلاج (سي 38: 1 - 15).

الخدمة: أظهر أهمية الخدمة، بل وضعها في بداية السفر. وبين أنها لابد أن تتم بصبر وتقوى وتوبة (سي 2: 1).

الخطية: تنتج الخطية من إساءة الإنسان لاستخدام حريته. والله الحنون يشفق على الخطاة الضعفاء، ويقدم لهم الشريعة علاجًا، فتجنبهم الخطية، وتحفظهم منها، وتقويهم للتغلب عليها بالصلاة والتوبة وتقدم لهم ومكافأة الأبرار وعقاب الخطية (سي 22: 27؛ 30: 4 - 6؛ 35: 23).

سادسًا: سماته:

سفر الأمثال: يشبه إلى حد كبير سفر الأمثال، فهو يتكلم عن الحكمة والسلوك العملى في كافة مجالات الحياة. ويبدو أيضًا أنه تأثر بسفر أيوب في صياغته. فنلاحظ التشابه في (سي 24) مع (أم8) ومع (أى28).

لكل الشعب: يقدم هذا السفر سلوكًا مستقيمًا لكل فئات الشعب كبار وصغار، أغنياء وفقراء.

عرض الموضوعات: يتحدث السفر عن موضوعات كثيرة، وكل موضوع يجمع أفكاره معًا، فيقدم إرشادًا متكاملًا في هذا الموضوع، مثل الصبر على الضيقات (سي 2: 1 - 18)، وطاعة الوالدين (سي 3: 1 - 16) والنميمة (سي 28: 15 - 30).

أسلوب العرض: يتكلم سيراخ عن الحكمة كشخص يتبعه الناس (سي 14: 22 - 27)، ويظهر أن الحكمة هي أول أعمال الله، وذلك ليجسد فكرة الحكمة، ويسهل على الناس أن يحبوها ويحيوا بها.

الشعر: كتب معظم السفر بالشعر، ولوحظ فيه الطباق الذي يميز الشعر العبري، والأجزاء القليلة المكتوبة نثرًا يظهر فيه التوازى.

المثل: يستخدم الكاتب المثل كمقدمة للموضوع، ثم يشرح هذا الموضوع بآيات كثيرة؛ ليوضح الموضوع للقارئ، كما في (سي 38: 32 - 39: 11).

سابعًا: الحقائق الإيمانية في السفر:

كثيرة جدًا ومن أهمها:

الله: يتكلم السفر عن صفات كثيرة في الله، فيعلن أنه أزلي (سي 36: 19)، خالق الكل (سي 43: 37)، وحكمته لا تستقصى (سي 18: 2 - 4)، يجازى الأبرار والأشرار (سي 33: 13)، ويعرف كل شيء (سي 42: 18 - 25)، رحوم وغافر للخطايا (سي 2: 13؛ 17: 28)؛ مخوف (سي 1: 8)، وعادل (سي 16: 22).

حرية الإنسان: الله خلق الإنسان حرًا (سي 15: 14 - 17) وهو بإرادته يختار إما الخطية أو السلوك بوصايا الله، وأن عاقبة الخطية الموت (سي 27: 3). والإنسان إذا التجأ إلى الله بالصلاة يعطيه معونة إلهية (سي 35: 21) والله يكافئ من يرفض الشر (سي 31: 10، 11). والإنسان بالتوبة يرفع عن نفسه عقوبة الخطية (سي 35: 3).

الخلاص: يبين السفر أهمية الأعمال الصالحة لنوال الخلاص (سي 14: 20، 21) ويبين أهمية حفظ الوصايا في الحصول على الخلاص (سي 35: 2).

إكرام الوالدين: يبين السفر أهمية إكرام الوالدين، والبركات الكثيرة التي ينالها الإنسان عندما يكرم والديه (سي 3: 1 - 16).

الصدقة: يظهر السفر أهمية الصدقة، وما تهبه لمن يصنعها (سي 3: 30 - 34)، ويبين ضرورة عدم تأجيلها (سي 29: 11).

ثامنًا: النبوات:

من أهم النبوات المذكورة في هذا السفر:

المسيا المنتظر: توجد إشارات إلى المسيا الذي ينتظره اليهود، فيتحدث عن رجوع إسرائيل وأورشليم إلى الله، وذلك من خلال الإيمان بمجئ المسيح (سي 36: 13 - 17)، مع ملاحظة أن السفر كتب بعد الرجوع من السبي، وهو يتكلم عن حدث سيأتى بعد هذا، وهو تجسد المسيح، فالرجاء هو في فداء المسيح.

مكافأة الأبرار وعقاب الأشرار: يعد الله في هذا السفر بمكافأة الأبرار، والحكم لشعبه، وإنقاذهم من الضيقات. ومن ناحية أخرى يعاقب الأشرار، ويحطم قواتهم، وسلطانهم (سي 35: 23 - 26).

الجحيم: هو مكان انتظار الأشرار، فهو نهاية لكل من يتمسك بالشر ويبتعد عن الوصايا (سي 21: 11).

تاسعًا: الطقوس:

في العهد القديم: يتكلم السفر عن الكهنوت وخدمته (سي 24: 15)، ومواد تستخدم في العبادة، مثل المر واللبان (سي 24). وتقرأ أجزاء منه في الأعياد مثل عيد الكفارة.

في العهد الجديد: نقرأ أجزاء من هذا السفر في الصوم الكبير، وأسبوع الآلام، وفى صلوات سيامة الرهبان.

عاشرًا: قانونيته:

الوحى: يعلن السفر أن الكاتب كتبه بوحى من الله وإرشاده وقيادته (سي 39: 8، 9).

اليهود: استخدم اليهود هذا السفر وقرأوا منه في أحد أعيادهم الهامة، وهو عيد الكفارة.

الترجمة السبعينية: هذا السفر موجود ضمن أسفار العهد القديم في الترجمة السبعينية، التي تمت في القرن الثاني قبل الميلاد.

العهد القديم: تتفق الآيات المذكورة في هذا السفر مع أسفار العهد القديم مثل (1 صم7: 9) مع (46: 19)، (1 صم12: 3) مع (سي 46: 22)، (إر1: 5، 10) مع (سي 49: 9).

العهد الجديد: اقتبس كثير من كتاب العهد الجديد من سفر يشوع بن سيراخ، ومن هذه الاقتباسات:

(مت5: 28) مع (سي 41: 27).

(مر11: 26) مع (سي 28: 2).

(لو12: 19، 20) مع (سي 11: 19، 20).

(يو4: 10) مع (سي 15: 3).

(رو2: 6) مع (سي 16: 13).

(2 كو6: 14 - 16) مع (سي 13: 20 - 23).

(1 تى2: 14) مع (سي 25: 33).

(يع 1: 2 - 4) مع (سي 2: 1 - 4).

(1 بط1: 24) مع (سي 14: 18، 19).

تعاليم الرسل: تذكر الديداكية. وهي تعاليم الآباء الرسل، أجزاء من سفر يشوع بن سيراخ، مثل (سي 4: 36)، مما يؤكد قانونية السفر.

المجامع: أعلن مجمع نيقية المسكونى الأول سنة 325 م أن سفر يشوع بن سيراخ ضمن أسفار الكتاب المقدس. وكذلك أقرت مجامع مكانية كثيرة قانونية هذا السفر، مثل مجمع هيبو (393 م) ومجمع قرطاجنة الأول والثانى (397 م، 419 م).

آباء الكنيسة: ذكر كثير من آباء الكنيسة هذا السفر في كتاباتهم، وأقروه كسفر من الأسفار القانونية. ومنهم إكليمنضس السكندري عميد مدرسة الإسكندرية (155 - 220 م)، وأثناسيوس الرسولى (296 - 373 م) في القرن الرابع، والقديسون أبيفانيوس ومار أفرام السريانى وباسيليوس الكبير، وغريغوريوس النزينزى، وأغسطينوس، وغريغوريوس النيصى، وكيرلس الأورشليمى، ويوحنا ذهبى الفم، بالإضافة للعلماء، مثل العلامة أوريجانوس (تنيح في 254 م) والعلامة ترتليان، الذي ولد في أواخر القرن الثاني الميلاى.

البروتستانت: الذين لا يعترفون بقانونية الأسفار السبع التي حذفوها، ومنها هذا السفر، ولكنهم يعلنون أهمية هذا السفر، وفائدة قراءته، مثل سمعان كلهون ويوحنا بنيان.

الحادى عشر: أقسامه:

الحكمة (سي 1).

السلوك العملى (سي 2 - 43).

تمجيد الآباء الأولين (سي 44 - 50).

الختام (سي 51) وهي تشمل الشكر والسعى نحو الكلمة واكتسابها.

ملحوظة:

يُرْمَز لهذا السفر بـ (سى).

كاتب السفر قلبه تحرك بمحبة الحكمة ودخل بها في السلوك العملى في الحياة، ولذا يصعب جدًا تقسيم السفر بدقة، ولكن سيجد القارئ محاولة لتقسيم كل إصحاح، ووضع عنوان عام، وعناوين جانبية داخل الأصحاح قدر الإمكان، وإن كانت المعانى متداخلة، لأن الكاتب تحركه مشاعره في محبة الحكمة، فيسبح في معانيها المختلفة.

هذا الكتاب يشرح النص الذي طبعته مكتبة المحبة، ومكتبة مارجرجس اسبورتنج، وهي النسخة المنتشرة بين أيدي الناس. وهي بخلاف النسخة المطولة والمختلفة في أرقام آياتها، ولكنها تحمل نفس المعانى.

مقدمة سفر يشوع بن سيراخ التي أضافها حفيده.

كتب هذه المقدمة حفيد يشوع بن سيراخ في الإسكندرية، كما ذكرنا في المقدمة، وهي ليست جزءًا من نص السفر، ولكنها مجرد تقديم من الحفيد.

كتب الحفيد هذه المقدمة باللغة اليونانية لليهود الساكنين في الإسكندرية، لأنهم يجيدون هذه اللغة أكثر من العبرية.

هذه المقدمة تحوى فكرة عن السفر، وبهذا نرى أن هذا هو السفر الوحيد في الكتاب المقدس الذي له مقدمة منفصلة عن النص، وهي ليست جزءًا من السفر.

أبرز الحفيد أن السفر بلغته العبرية له معانٍ لا يمكن أن تَصِل إلى كل أعماقها إذا تُرجم السفر إلى اليونانية، أو إلى أية لغة أخرى.

تبين المقدمة اعتزاز اليهود بشريعتهم وأنبيائهم، وكل أسفار العهد القديم، بكل ما تحمل من تعاليم وحكمة لا مثيل لها، ولا تصل إليها كل الفلسفة اليونانية.

تظهر المقدمة أهمية أصدقاء المعرفة ومحبي التعليم، والمقصود بهم الكتبة ومعلمي الناموس؛ لأنهم يهتمون بالتعلم والتعليم طوال حياتهم.

الأَصْحَاحُ الأَوَّلُ

بركات الحكمة.

1 كُلُّ حِكْمَةٍ فَهِيَ مِنَ الرَّبِّ وَلاَ تَزَالُ مَعَهُ إِلَى الأَبَدِ. 2 مَنْ يُحْصِي رَمْلَ الْبِحَارِ وَقِطَارَ الْمَطَرِ وَأَيَّامَ الدَّهْرِ؟ وَمَنْ يَمْسَحُ سَمْكَ السَّمَاءِ وَرُحْبَ الأَرْضِ وَالْغَمْرَ؟ 3 وَمَنْ يَسْتَقْصِي الْحِكْمَةَ الَّتِي هِيَ سَابِقَةُ كُلِّ شَيْءٍ؟ 4 قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ حِيزَتِ الْحِكْمَةُ وَمُنْذُ الأَزَلِ فَهْمُ الْفِطْنَةِ. 5 يَنْبُوعُ الْحِكْمَةِ كَلِمَةُ اللهِ فِي الْعُلَى وَمَسَالِكُهَا الْوَصَايَا الأَزَلِيَّةُ. 6 لِمَنِ انْكَشَفَ أَصْلُ الْحِكْمَةِ وَمَنْ عَلِمَ دَهَاءَهَا؟ 7 لِمَنْ تَجَلَّتْ مَعْرِفَةُ الْحِكْمَةِ وَمَنْ أَدْرَكَ كَثْرَةَ خُبْرَتِهَا؟ 8 وَاحِدٌ هُوَ حَكِيمٌ، عَظِيمُ الْمَهَابَةِ، جَالِسٌ عَلَى عَرْشِهِ. 9 الرَّبُّ هُوَ حَازَهَا وَرَآهَا وَأَحْصَاهَا، 10 وَأَفَاضَهَا عَلَى جَمِيعِ مَصْنُوعَاتِهِ، فَهِيَ مَعَ كُلِّ ذِي جَسَدٍ عَلَى حَسَبِ عَطِيَّتِهِ، وَقَدْ مَنَحَهَا لِمُحِبِّيهِ.

العدد 1

ع1:

الله هو المصدر الوحيد للحكمة الحقيقية، فكل حكمة نافعة للإنسان، وتعطيه سلامًا هى من الله. والحكمة مصدرها الله، فهي كائنة فيه، وتنبع منه، وتفيض على العالم كله، ويستفيد منها كل من يطلبها، ويحب الله.

ولا يستطيع أحد أن ينال الحكمة، ويعمل بها إلا إذا كان مؤمنًا بالله، ويحيا معه.

والحكمة هي الله، فهي صفة ذاتية فيه، هي الأقنوم الثاني الذي تجسد في ملء الزمان وفدانا على الصليب؛ هي المسيح إلهنا، فالحكمة هي شخص وليست مجرد صفة من صفات البشر.

وهذه الحكمة الحقيقية تختلف عن الحكمة الشريرة التي مصدرها الشيطان.

، وهي الخبث والمكر للوصول إلى الشر، ويصاحبها التوتر والانزعاج، وتؤذى من يلتجئ إليها.

العدد 2

ع2:

قطار: قطرات.

يمسح: يعرف ويلم بكل ما في الشئ.

سُمك: عمق.

رحب: اتساع.

الغمر: الماء الكثير كالبحار والمحيطات.

تحدثنا هذه الآية عن حكمة الله وعظمتها التي لا يمكن أن يوجد مثلها في العالم. فهي قادرة على أعمال تفوق عقل الإنسان، مثل:

إحصاء عدد ذرات رمل البحار.

قادرة أن تحصى عدد قطرات الأمطار في العالم كله في كل وقت.

تستطيع أن تعد وتحصى أيام الزمان منذ بدء الخليقة، وحتى نهاية العالم.

قادرة أن تعرف عمق السموات، فهي تفوق نظر وعقل الإنسان، وكل الأجهزة التي يحاول بها أن يعرف أعماق السموات، فكل ما عرفه الإنسان عن فلك السماء يعتبر محدودًا جدًا.

الحكمة أيضًا قادرة أن تعرف طول وعرض وعمق الأرض، وأيضًا قادرة أن تحصى إتساع البحار والأنهار والمحيطات، وأعماقها.

فكل شيء في العالم تستطيع حكمة الله أن تحتويه، وتحصيه؛ لأن الله هو خالق الكل ومدبره.

لذا فنحن نشعر أنه قدر اتساع الخلائق التي خلقها الله السابق ذكرها، كذلك تتسع مراحم الله على الإنسان، وهذا ما نعبر عنه في تسبحة الكنيسة في نهاية تسبحة يوم الأحد والإثنين والثلاثاء.

العدد 3

ع3:

يستقصى: يبحث ليعرف أصل الشئ.

إن كانت خلائق الله لا يستطيع الإنسان أن يعرف عنها كل شيء، أو يحصيها، فبالأولى لن يستطيع أن يعرف كل شيء عن حكمة الله، التي خلقت وتدبر الكون كله (يو1: 3).

والحكمة كانت قبل كل المخلوقات، فهي أزلية؛ لأنها في الله، والله أزلي قبل الزمان، وقبل كل خليقة، وهذا واضح في كلام القديس يوحنا في بداية إنجيله (يو1: 1).

العدد 4

ع4:

حيزت: من يحوزها، أي ينالها ويحصل عليها.

الفطنة: الذكاء والفهم.

إن الفطنة هي التي تعلم الإنسان السلوك العملى الناجح في الحياة، أي أن الله بروحه القدوس يرشد أولاده كيف يسلكون باستقامة في كل طرقهم.

العدد 5

ع5:

مصدر الحكمة في العالم كله هو الله، وبالتحديد الأقنوم الثاني في الله، وهي كلمة الله، التي في العلى، أي أسمى وأعلى من كل البشر وعقولهم، إذ هو خالقهم. وكل حكمة وكل فهم نجده في العالم هو من الله، فالله وحده هو الحكمة الحقيقية، ويعطيها لمحبيه (يو14: 23).

وتعبر الحكمة عن نفسها بطرق عملية؛ ليحيا بها الإنسان، وهي وصايا الله وشريعته، التي أعلنها الله للآباء قبل موسى، وكذلك للأنبياء، وكملت في العهد الجديد في كلام المسيح نفسه.

هذه الوصايا، وإن كانت قد أُعلنت في وقت معين للإنسان، ولكنها أزلية في فكر الله منذ الأزل، وأُعلنت في الوقت المناسب؛ لترشد الإنسان وتعيده إلى الحق الذي هو الله.

العدد 6

ع6:

دهاءها: ذكاءها.

يتساءل كاتب السفر ويقول: يا طالبى الحكمة ماذا تتخيلون عن مصدر الحكمة؟ وعن أعماقها وقدراتها؟

العدد 7

ع7:

تجلت: انكشفت.

ثم يضيف الكاتب مَن مِن البشر كشفت له الحكمة وعرف تميزها وما تحويه من خبرات وعظمة؟

العدد 8

ع8:

يؤكد ثانية أنه واحد، الذي هو مصدر الحكمة، وهو مهوب وعظيم جدًا، ويقصد بالطبع الله الجالس على عرش الحكمة، أي مصدر الحكمة في الكون كله. ويؤكد المسيح هذا المعنى بأن المسيح الابن الكلمة هو العارف بكل شيء، أي مصدر كل معرفة وحكمة (مت11: 27).

العدد 9

ع9:

الله وحده هو الذي اقتنى الحكمة، وهو وحده الذي رآها قبل أي كائن، وأيضًا أدرك كل ما فيها ورتبها، وأحصى كل تفاصيلها؛ لأن الحكمة هي أقنوم الابن، والله الآب يعرف نفسه، ويدرك كل ما فيه (يو5: 20، يو16: 15؛ يو17: 10). والآيات.

هي تكرار لما قاله أيوب بأسلوب آخر في (أى28: 12 - 23).

العدد 10

ع10:

هذه الحكمة الإلهية ظهرت في كل المخلوقات التي خلقها الله من جماد وحيوان ونبات، فهو خالق ومدبر كل ما في العالم، وتفاصيل مخلوقاته مازال الإنسان يحاول اكتشاف ما يستطيع اكتشافه منها. وهذه المخلوقات تعلن لمن يتأملها عظمة خالقها، كما يعلمنا بولس الرسول (رو1: 20).

وأيضًا تظهر نعمة الله في أنه أفاض من حكمته على البشر الذين خلق لهم عقولًا تدرك قدر ما تستطيع من هذه الحكمة، فهو بحب أبوى يفيض عليهم من حكمته، فيعرفوا الله قدر ما يستطيعون، وعلى حسب سعيهم نحو الله، والتصاقهم به.

† إن كان الله هو مصدر الحكمة، فليتك يا أخى تطلبها منه، فيفيض عليك، ويفهم عقلك، وتشعر روحك بما يريده الله. فتشبع بحكمته، وتفهم كيف تسلك بطمأنينة وراحة وفرح.

(2) الحكمة والمخافة (.

11 مَخَافَةُ الرَّبِّ مَجْدٌ وَفَخْرٌ وَسُرُورٌ وَإِكْلِيلُ ابْتِهَاجٍ. 12 مَخَافَةُ الرَّبِّ تَلَذُّ لِلْقَلْبِ، وَتُعْطِي السُّرُورَ وَالْفَرَحَ وَطُولَ الأَيَّامِ. 13 اَلْمُتَّقِي لِلرَّبِّ يَطِيبُ نَفْسًا فِي أَوَاخِرِهِ، وَيَنَالُ حُظْوَةً يَوْمَ مَوْتِهِ. 14 مَحَبَّةُ الرَّبِّ هِيَ الْحِكْمَةُ الْمَجِيدَةُ. 15 وَالَّذِينَ تَتَرَاءَى لَهُمْ يُحِبُّونَهَا عِنْدَ رُؤْيَتِهِمْ لَهَا وَتَأَمُّلِهِمْ لِعَظَائِمِهَا. 16 رَأْسُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ اللهِ. إِنَّهَا تَوَلَّدَتْ فِي الرَّحِمِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَجَعَلَتْ عُشَّهَا بَيْنَ النَّاسِ مَدَى الدَّهْرِ، وَسَتُسَلِّمُ نَفْسَهَا إِلَى ذُرِّيَّتِهِمْ. 17 مَخَافَةُ الرَّبِّ هِيَ عِبَادَتُهُ عَنْ مَعْرِفَةٍ. 18 اَلْعِبَادَةُ تَحْفَظُ الْقَلْبَ وَتُبَرِّرُهُ، وَتَمْنَحُ السُّرُورَ وَالْفَرَحَ. 19 اَلْمُتَّقِي لِلرَّبِّ يَطِيبُ نَفْسًا، وَيَنَالُ حُظْوَةً فِي يَوْمِ وَفَاتِهِ. 20 كَمَالُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ. إِنَّهَا تُسْكِرُ بِثِمَارِهَا. 21 تَمْلأُ كُلَّ بَيْتِهَا رَغَائِبَ، وَمَخَازِنَهَا غِلاَلًا. 22 إِكْلِيلُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ. إِنَّهَا تُنْشِئُ السَّلاَمَ وَالشِّفَاءَ وَالْعَافِيَةَ، 23 وَقَدْ رَأَتِ الْحِكْمَةَ وَأَحْصَتْهَا، وَكِلْتَاهُمَا عَطِيَّةٌ مِنَ اللهِ. 24 الْحِكْمَةُ تَسْكُبُ الْمَعْرِفَةَ وَعِلْمَ الْفِطْنَةِ، وَتُعْلِي مَجْدَ الَّذِينَ يَمْلِكُونَهَا. 25 أَصْلُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ، وَفُرُوعُهَا طُولُ الأَيَّامِ. 26 فِي ذَخَائِرِ الْحِكْمَةِ الْعَقْلُ وَالْعِبَادَةُ عَنْ مَعْرِفَةٍ، أَمَّا عِنْدَ الْخُطَاةِ فَالْحِكْمَةُ رِجْسٌ. 27 مَخَافَةُ الرَّبِّ تَنْفِي الْخَطِيئَةَ. 28 غَضَبُ الأَثِيمِ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَرَّرَ، لأَنَّ وِقْرَ غَضَبِهِ يُسْقِطُهُ. 29 اَلطَّوِيلُ الأَنَاةِ يَصْبِرُ إِلَى حِينٍ، ثُمَّ يُعَاوِدُهُ السُّرُورُ. 30 اَلْعَاقِلُ يَكْتُمُ كَلاَمَهُ إِلَى حِينٍ، وَشِفَاهُ الْمُؤْمِنِينَ تُثْنِي عَلَى عَقْلِهِ. 31 فِي ذَخَائِرِ الْحِكْمَةِ أَمْثَالُ الْمَعْرِفَةِ، 32 أَمَّا عِنْدَ الْخَاطِئِ فَعِبَادَةُ اللهِ رِجْسٌ. 33 يَا بُنَيَّ، إِنْ رَغِبْتَ فِي الْحِكْمَةِ، فَاحْفَظِ الْوَصَايَا، فَيَهَبَهَا لَكَ الرَّبُّ. 34 فَإِن الْحِكْمَةَ وَالتَّأْدِيبَ هُمَا مَخَافَةُ الرَّبِّ، وَالَّذِي يُرْضِيهِ 35 هُوَ: الإِيْمَانُ وَالْوَدَاعَةُ، فَيَغْمُرُ صَاحِبَهُمَا بِالْكُنُوزِ. 36 لاَ تُعَاصِ مَخَافَةَ الرَّبِّ، وَلاَ تَتَقَدَّمْ إِلَيْهِ بِقَلْبٍ وَقَلْبٍ. 37 لاَ تَكُنْ مُرَائِيًا فِي وُجُوهِ النَّاسِ، وَكُنْ مُحْتَرِسًا لِشَفَتَيْكَ. 38 لاَ تَتَرَفَّعْ لِئَلاَّ تَسْقُطَ؛ فَتَجْلُبَ عَلَى نَفْسِكَ الْهَوَانَ، 39 وَيَكْشِفَ الرَّبُّ خَفَايَاكَ، وَيَصْرَعَكَ فِي الْمَجْمَعِ، 40 لأَنَّكَ لَمْ تَتَوَجَّهْ إِلَى مَخَافَةِ الرَّبِّ، لكِنَّ قَلْبَكَ مَمْلُوءٌ مَكْرًا.

العدد 11

ع11:

يحدثنا الكاتب عن مخافة الرب، فيظهر لنا صفاتها العظيمة، ويذكر منها اثنتين في هذه الآية:

مجد وفخر: فالذى يخاف الله هو إنسان يؤمن به ويستند عليه ويسلك بنقاوة ويعاين الله. هل هناك ما هو أعظم من هذا؟!. والمجد هو سكنى الله وسط البشر وفى قلوبهم.

سرور وإكليل وابتهاج: المخافة تفرح القلب، وتجعله في سرور، وتجعل الإنسان يلبس على رأسه إكليل بهجة، فيظهر عليه الابتهاج، لأنه يحيا مع الله، وقريب جدًا منه، إذ تنقى بالمخافة من الشر، فاستحق أن يقترب من الله، ويفرح بين يديه، ويعمل فيه روح الله القدوس، فتظهر عليه ثمار الروح القدس التي منها الفرح (غل5: 22).

العدد 12

ع12:

يواصل الكاتب ذكر بركات مخافة الله فيقول:

تلذ للقلب: من يقترب إلى الله ويعاينه يصير في لذة لا يعبر عنها، فترتفع مشاعر قلبه إلى السماء، فيكون في سرور وفرح طوال أيام حياته. وهذه اللذة لذة روحية تفوق العقل، وهي أسمى من أية لذة مادية على الأرض.

العدد 13

ع13:

حظوة: مكانة عظيمة.

يضيف الكاتب أن المتقي الرب، أي الخائف الله يتمتع بما يلي:

يطيب نفسًا في أواخره: في أواخر حياة خائف الله يتمتع بالسلام والراحة، عكس ما يعانيه عموم الناس في نهاية حياتهم، إذ يصابون بالاكتئاب لضعف أجسادهم نفوسهم وإمكانياتهم. فيتميز خائف الله بالسلام والراحة؛ لأنه يحيا مع الله، ويتمتع بعشرته.

ينال حظوة يوم موته: بعد موت خائف الله، ينال مكانة عظيمة في السماء من الله الذي أحبه، وقربه إليه وهو على الأرض، ومتعه بعشرته، وهذه الحظوة هي استنارة روحية، فيرى الله بوضوح أكبر، ويتمتع بعشرته بما يفوق العقل.

الأعداد 14-16

ع14 - 16:

:

بركة جديدة يعلنها لنا كاتب السفر من بركات مخافة الله وهي:

رأس الحكمة مخافة الله: والحكمة هي القدرة على التمييز والفهم، والتصرف السليم في الوقت المناسب. والعجب الذي يعلنه أيضًا الكاتب، أن محبة الرب هي الحكمة المجيدة، وهذا معناه أن مخافة الله ومحبته لا يمكن أن ينفصلا عن بعضهما، فمن يحب الله يخافه، ومن يخاف الله يحبه، ومن يتأمل الحكمة تظهر له أعماقها، أي كلما تأمل فيها يزداد تعلقًا بها، وتزداد معرفته، فيكون في فرح عظيم.

يُفهم من (ع16) أن بداية الحكمة ورأسها هو مخافة الرب، فلا يمكن أن يتمتع إنسان بالحكمة إلا إذا كان يخاف الرب.

والحكمة وضعها الله وخلقها في الإنسان منذ ولادته، إذ وضعها الله في الضمير، وكذا العقل والعاطفة كلها تميل للتشبه بالله، هذا هو المخلوق النقى كما خلقه الله. وإذا اهتم الإنسان وطلب الحكمة ينمو في معرفتها، وتستمر معه طوال حياته، وينال بركات الله التي لا حصر لها، بل يورث الحكمة لأولاده الذين اهتم بتربيتهم، فيصيرون مثله طالبين، ومحبين للحكمة.

العدد 17

ع17:

يواصل الكاتب كلامه عن بركات مخافة الرب، فيقول:

عبادته عن معرفة: فالذى يخاف الله يعرف عظمته، ونقاوته، فيقف في خشوع أمامه، ويعبده، لأنه يعرف الله، وهذه العبادة تشمل كل طقوس ونظام العبادة، أي يتقرب إلى الله عمليًا ويتحدث معه ويعلن محبته وخضوعه لله بفرح، مثل الملائكة الذين يغطون وجوههم من بهاء مجده، وفى نفس الوقت يحبونه جدًا.

العدد 18

ع18:

إن كان الكاتب في الآية السابقة أظهر أن مخافة الرب، ينتج عنها العبادة بمعرفة، فهو في هذه الآية يوضح بركات هذه العبادة.

أ - تحفظ القلب:

هذه العبادة التي بفهم ومعرفة لله، تحفظ قلب الإنسان من الأفكار والمشاعر الردية، فيكون في نقاوة، ويستطيع أن يعاين الله، ويتمتع بعشرته.

ب - تبرره:

تجعل القلب بارًا، أى يميل إلى عمل الخير والصلاح، بعيدًا عن كل شر.

ج - تمنح السرور والفرح:

إذ يعاين القلب الله، ويتمتع بعشرته يكون في فرح وسرور لا يعبر عنهما. هذا الفرح الداخلي للقلب يظهر على الوجه، وفى التعاملات؛ حتى وإن كان الإنسان يمر بضيقات مثل الثلاث فتية الذين عاينوا الله في الأتون، ولم ينزعجوا من النار، بل كانوا في فرح عظيم.

العدد 19

ع19:

يؤكد الكاتب ما قاله في (ع13) عن بركات مخافة الله التي تعطى سلامًا للقلب، ومكافأة عظيمة في الحياة الأبدية.

العدد 20

ع20:

أعلن الكاتب في (ع16) أن رأس الحكمة مخافة الرب، ويكمل هنا في هذه الآية فيقول: أن كمال الحكمة هي مخافة الرب. فبداية الحكمة، والاستمرار فيها، وكمالها مرتبط بمخافة الرب، إذ أن الحكمة نابعة من مخافة الرب، ولا يمكن أن تنفصل عنها. فهذه الآية تؤكد أن الحكمة بركة من بركات مخافة الرب.

ويضيف في هذه الآية أن المخافة التي تمنح الحكمة لها بركة ثامنة وهي:

تُسكر بثمارها: أي أن الحكمة المصحوبة بالمخافة لها ثمار عظيمة، هي كل الفضائل والنجاح في الحياة مع الله والناس؛ والارتفاع عن كل الآلام والضيقات من كثرة التمتع بالوجود مع الله. واستخدام تشبيه السكر بالخمر هنا لتوضيح عدم الانزعاج من الضيقات رغم رؤيتها. ولما كان الخمر يرمز لحياة الفرح في الكتاب المقدس، فالمعنى هنا هو ما أبهج أن تمتزج الحكمة بمخافة الله (أم9: 10).

العدد 21

ع21:

رغائب: جمع رغبة والمقصود مشتهيات.

يضيف الكاتب بركة جديدة من بركات الحكمة والمخافة، وهي:

تملأ كل بيتها رغائب: إن الحكمة تعطى خيرات كثيرة لصاحبها؛ خيرات مادية في كل ما يشتهيه من ماديات، حتى يصير عنده كثيرًا، أي تعطيه بسخاء، وتملأ مخازنه من الغلال، وهي كل أنواع المحاصيل الزراعية مثل القمح... بالإضافة إلى أنها تعطيه مشتهياته من الروحيات، فتشبعه بالصلوات والتأملات، والفضائل المتنوعة، وهي أسمى من الماديات.

العدد 22

ع22:

يعلن الكاتب في هذه الآية أن إكليل الحكمة هو مخافة الرب، أي أن مخافة الرب هي إكليل الحكمة، وتاجها، فمجد الإنسان الحكيم وفخره هو مخافة الرب. فإن الحكيم يخاف الله، وعلى قدر نموه في مخافة الله تزداد حكمته مجدًا وعظمة. فالمخافة هي رأس وبدء الحكمة، وأصلها، وعندما تنمو الحكمة، وتصل إلى كمالها تزينها المخافة بتاج عظيم ومجد كبير، وهذا يؤكد، كما ذكرنا، تلازم وتلاصق المخافة والحكمة، فالمصدر الأساسى للحكمة هو المخافة، وفى نفس الوقت هو الكمال والتاج النهائى للحكمة.

ثم يضيف بركات جديدة للمخافة والحكمة:

تنشئ السلام: الذي يخاف الله، ويتمتع بالحكمة، يشعر أنه بين يدى الله، بل الله يسكن فيه، فيمتلئ قلبه سلامًا، ولا يضطرب مع تقلبات العالم؛ لأنه واثق من مساندة الله له، فيحيا في طمأنينة كل أيامه.

الشفاء والعافية: الشيطان يحارب الإنسان عمومًا وحتى الحكيم أيضًا، وقد يجرحه، ويسقطه في أية خطية، ولكن إذ يطلب الله يسرع إليه، لأنه يخاف الله ويسلك حسب طرقه، فلا ينسى الله تعبه وجهاده، فينقذه من حروب إبليس، ويشفيه من جراحاته، ويعطيه العافية من مرض الخطية، فيعود سليمًا بالتوبة، ويعاود حياته ونموه الروحي.

العدد 23

ع23:

رأت الحكمة كل ما في العالم وأحصته، أي رتبته كمًا وكيفًا. والحكمة هي الأقنوم الثاني في الله، أي أن الله رأى كل شيء في العالم وأحصاه. وهناك ترجمة أخرى تؤكد هذا، إذ تقول: "رآها الرب وأحصاها". فالحكمة تعرف كل شيء، وتستوعبه، وتفهم كل تفاصيله، ولذا فالحكيم يعرف كل شيء، ولا يصعب عليه أمر.

والحكمة والمخافة هما عطيتان من الله؛ كلتاهما عطية، أي أن المصدر الوحيد لهما هو الله. والله يعطى المخافة والحكمة لأولاده المؤمنين به الذين يطلبونه.

العدد 24

ع24:

يستكمل الكاتب كلامه عن بركات الحكمة فيقول:

تسكب المعرفة وعلم الفطنة: الحكمة تعلم طالبيها المعرفة بكل أنواعها، وتعطيهم أيضا علم الفطنة وهو الذكاء، فيستطيعوا أن يميزوا بين الخير والشر، الصالح وغير الصالح، ما يناسبهم، وما لا يليق بهم.

تُعلى مجد الذين يملكونها: الحكمة تعطى مكانة للحكماء، فيحترمهم الناس ويشعرون بعظمتهم، بل يلتجئون إليهم ليتعلموا منهم، ويستشيرونهم في أمور حياتهم.

العدد 25

ع25:

تُعلن هذه الآية أن أصل الحكمة مخافة الرب، فيشبه مخافة الرب بجذور الشجرة، أما الحكمة فهي الساق التي ترتفع فوق الأرض، ثم يخرج من هذه الساق فروع يسميها الكاتب "طول الأيام"، وبهذا يقدم لنا بركة جديدة من بركات الحكمة وهي:

طول الأيام: والمقصود بطول الأيام، ليس فقط كثرة السنين، ولكن كثرة الأيام المملوءة بالحكمة والإحساس بالله، والفضائل، وبالتالي السلام والفرح بالوجود مع الله.

العدد 26

ع26:

ذخائر: كنوز.

الخطأة: الخطاة.

رجس: دنس ونجاسة وشر.

تؤكد هذه الآية على بركة من بركات الحكمة، وهي العقل والعبادة عن معرفة، والمقصود بها فهم وإدراك الأعمال التي يعملها الإنسان، وخاصة عبادة الله. فيفهم الطقوس التي يتقرب بها لله. وبهذا يشعر مقدم العبادة براحة وفرح، وتزداد محبته ومخافته لله، فيثبت فيه، كما جاء في (ع17).

وعلى العكس، يشعر الخطاة بأن الحكمة شر ونجاسة؛ لأنهم تعودوا الشر، وأصبح الخير بالنسبة لهم شيئًا مرفوضًا، وفاشلًا، ومضرًا للإنسان، وقد يصفونه بالسذاجة وعدم الفهم، فيزدادون في شرهم وابتعادهم عن الله. مثل قايين الذي امتلأ قلبه بالشر، وأراد قتل أخيه، وعندما نبهه الله بكلام حكمة، رفض صوت الله، واستهان به، وقام وقتل أخيه. وكذا عيسو الذي استهان بالبكورية وبركاتها، وباعها بأكلة عدس، فخسر البركة، وندم على ضياعها. وفى العهد الجديد يعلن بولس الرسول أن "الصليب عند الهالكين جهالة، أما عندنا نحن المخلصين فهو قوة الله" (1 كو1: 18).

العدد 27

ع27:

بركة جديدة لمخافة الله تقدمها هذه الآية وهي:

تنفى الخطيئة: الذى يخاف الله، ويشعر بالوجود أمامه لا يستطيع أن يعمل الخطية، وبالتالي تنتفى الخطية من حياته، أي لا توجد وتبتعد عنه، وهكذا يعيش في نقاوة وبر، ويتمتع برؤية الله.

العدد 28

ع28:

وِقر: حمل، أو ثقل.

إن الإنسان الشرير الأثيم عندما يغضب فإن غضبه لا يرضى عنه الله، مهما حاول أن يبرر نفسه لا يتقبل الله تبريره ولا البشر أيضًا؛ لأن قلبه شرير، وكلامه وتصرفاته كذلك.

إن غضب الأثيم يكون في قلبه أولًا، وفى فكره وهو يلح عليه في داخله، فيصير ثقيلًا عليه جدًا، ثم يعبر عنه بكلام غضب، وتصرفات مزعجة، أي أن غضبه الداخلي يظهر في غضب خارجي، فيسقط في الغضب أمام كل الناس، ولا يلتمس أحد له العذر؛ سواء في كلامه، أو كل ما ينتج عن غضبه من أفعال شريرة. وقد يندم الأثيم على غضبه بعد مرور الوقت، ولكنه يكون قد ترك آثارًا سيئة كثيرة. وعمومًا الغضب شيء مرفوض، ويعلن العهد الجديد أن: "غضب الإنسان لا يصنع بر الله".

العدد 29

ع29:

يضيف الكاتب بركة جديدة من بركات المخافة والحكمة هي:

طول الأناة: إن كانت قد ظهرت خطورة الغضب في (ع28) فتظهر هذه الآية بركة طول الأناة التي تنتج من الحكمة، فطويل الأناة يصبر ولو قليلًا، أي لفترة؛ حتى ينتهى غضب من أمامه، أو تعبر المشكلة، وبهذا الانضباط يحمى نفسه من الغضب، على الأقل خارجيًا، حتى لو سقط في غضب داخلي، ولكن بتقدم الإنسان في الحكمة يكون هادئًا من الداخل والخارج. وبعد مرور الأزمة، أو المشكلة يتمتع طويل الأناة بالسرور داخليًا وخارجيًا. فحتى لو كان قد اضطرب في الداخل، يعود إليه السرور في قلبه، وأيضًا في تعامله مع الآخرين.

مما سبق نفهم أن الوضع الطبيعي لأولاد الله أن يكونوا في فرح وسرور كل حين، كما يوصينا بولس الرسول: "افرحوا كل حين" (1 تس5: 16). فإن هاجمهم الغضب يحاولون ضبط أنفسهم، ولو غضبوا في الداخل لا يظهر على كلامهم وتصرفاتهم، ثم إذ يرجعون إلى الله يستعيدون فرحهم وسرورهم.

العدد 30

ع30:

تُثنى على: تمدح.

تُظهر هذه الآية أن العاقل، أو الحكيم يكتم كلامه إلى حين، أي لا يسرع إلى الكلام، بل ينصت باهتمام، ولا يميل أن يكون أول المتكلمين، بل قد يكون آخرهم؛ ليسمع ويفهم ليكون كلامه بحكمة. وهذه الآية امتداد للآية السابقة لها، فالعاقل طويل الأناة، ليس فقط أمام الغضب، بل عمومًا لا يتسرع في كلامه، كما يعلمنا يعقوب الرسول ويوصينا: "ليكن كل إنسان مسرعًا في الاستماع مبطئًا في التكلم مبطئًا في الغضب.

وقد فهم الآباء القديسون هذا الأمر، فأعلنوا بوضوح أن من يسرع إلى الكلام، ويحاول إثبات رأيه بالجدل، فهو يعلن أن مخافة الله ليست في قلبه.

هذا الإنسان الحكيم الذي يكتم كلامه، ويؤجله إلى حين، أي إلى الوقت المناسب، يشعر المؤمنون الحاضرون والسامعون للحكيم أنه إنسان عاقل، ويمدحونه لأجل عقله وحكمته.

الأعداد 31-32

ع31 - 32:

:

تشبه هاتان الآيتان في شكلهما (ع26)، وإن كانتا تضيفان معانى جديدة.

يذكر الكاتب أنه في ذخائر الحكمة أمثال المعرفة، ومعنى هذا، أن الحكيم يستطيع أن يرى في أحداث الحياة قصص وأمثال تضيف إلى معرفته، كما يظهر في أمثلة المسيح، التي قالها للجموع (مت13)، وكلها من أحداث الحياة، ولكن تحوى معرفة روحية تضاف إلى سلوك الإنسان لتجعله حكيمًا. وكما استطاع ناثان أن يوضح لداود النبي من مثل في الحياة، مدى خطورة خطيته، ففهم داود وقدم توبة في الحال (2 صم12: 1 - 13).

العدد 33

ع33:

تظهر هذه الآية الطريق إلى اقتناء الحكمة، وتعلن بوضوح أنه حفظ الوصايا، فمن يحفظ وصايا الله ينال الحكمة. ومن هذا يفهم أن الله قد أعطى الوصايا للإنسان؛ حتى ينال الحكمة، وليس مجرد أوامر، وتحكمات من الله للإنسان، أو ليصطاد عليه أخطاء، ويعاقبه عليها، كما يدعى الملحدون والبعيدون عن الله، بل إن وصايا الله أغلى شيء منحه للبشر، إذ به ينالون الحكمة التي تقودهم في الطريق المستقيم، وتوصلهم إلى الملكوت؛ لينعموا بالسعادة على الأرض، ثم في السماء.

والذى يحفظ الوصايا ويهبه الله الحكمة، يستطيع بهذه الحكمة أن يزداد في حفظ الوصايا. والمقصود بحفظ الوصايا، ليس فقط معرفتها الذهنية، ولكن بالطبع تنفيذها والتمتع بالحياة فيها. وعندما يزداد نموًا في حفظ الوصايا، يهبه الله المزيد من الحكمة، فيزداد في حفظ الوصايا. وهكذا ينمو طوال حياته في معرفة الله والتمتع بحكمته والعمل بوصاياه؛ حتى يصل إلى السماء.

الأعداد 34-35

ع34 - 35:

:

حتى تعرف مخافة الرب وتقتنيها، يلزمك أن تكون حكيمًا وتقبل تأديب الله لك. وعلى قدر سعيك نحو الحكمة، وقبول التأديب تثبت في مخافة الرب، لأن الإنسان الحكيم يعرف الله وعظمته وقداسته، ويعرف أيضًا نفسه أنه خاطئ وضعيف، فيتضع أمام الله ويخافه، فينال معونة ورحمة من الله.

وكذلك من يقبل التأديب الإلهي، أي كل الضيقات التي تمر به، هو إنسان يؤمن بالله، ويتكل عليه، بل يسلم حياته له، فتستنير عيناه الروحية، ويعرف الله، ويخافه، بل يهبه الله حكمة أكبر، فينمو في مخافة الله. فالتأديب نعمة من الله، ومحبة منه، لينفى الإنسان من خطاياه، ويعطيه بركات روحية، من أهمها الحكمة والمخافة. ولذا يعلن العهد الجديد بوضوح أن التأديب محبة من الله (عب12: 6).

والذى يرضى الله هو الإيمان والوداعة. فمن يؤمن بالله، ويتضع أمامه ينال السكون الداخلي، وهذا يساعده على الاقتراب إلى الله، فينال الحكمة، ويقبل التأديب. وفى النهاية ينمو في مخافة الله.

إذا عاش الإنسان في مخافة الله، واقتنى الحكمة، وقبل التأديب وآمن بالله، وعاش في وداعة، فالله يغمره بعطايا لا حصر لها، هي كنوز الله من معرفة روحية، وأيضًا آية احتياجات مادية، فيعيش كملك على الأرض، متنعم بسكنى الله في داخله، بل يتذوق السماء وهو على الأرض.

الأعداد 36-37

ع36 - 37:

:

لا تعاص: لا تعصى، أي لا تخالف وترفض وتتمرد.

بقلب وقلب: لا تعرج بين الفرقتين، ولا تكن مرائيًا.

تحذر الآية هنا من معصية مخافة الرب. فلا ترفض وصاياه، أو تستهين بوجود الله، فتفقد كل شئ؛ لأن الله هو مصدر الحياة، والمخافة هي نبع الحب والعطاء والرحمة.

وتحذر الآية أيضًا من الرياء، سواء أمام الله، بأن تظهر بأنك ابنه وتحفظ وصاياه، ثم تعود لتعمل عكسها إرضاءً لرغباتك. ولا تكن أيضًا مرائيًا مع الناس، فتظهر محبتك لهم وأنت تخفى لهم شرًا، وقلبك ضدهم وليس معهم. فلاحظ إذن شفتيك لئلا تتكلم بكلام مختلف عما في قلبك، فتسقط في الرياء، لأن الرياء يفقدك مخافة الله وكل بركاته، ويجعلك في غيبوبة تبعدك عن الله، وتسير في طريق الشر؛ حتى لو كنت موجودًا بين المؤمنين.

الأعداد 38-40

ع38 - 40:

:

تحذر هذه الآيات من الكبرياء، التي هي أم لخطايا كثيرة؛ لأن المتكبر يعرض نفسه للذل والهوان، إذ أن الله يتخلى عنه، فيسقط في وسط الناس (المجمع)، وتظهر ضعفاته، ويأتى شره ومكره على رأسه؛ لأنه قد ترك الله، ونسى مخافته. فالكبرياء ومكر القلب في الداخل أخوان يسيران معًا، وهما ضد مخافة الله، وبهما ينحدر الإنسان إلى الهلاك.

وعبارة الله يصرعك في المجمع، تعنى أن الله عندما يتخلى عنك تنفضح خطاياك وسط الناس، وتسقط في نظر من حولك، كمن يصاب بالصرع، ويسقط على الأرض، هكذا يسقط الإنسان في الذل والهوان، ويفقد كل كرامته التي حاول الدفاع عنها بكبريائه، ولكن فوق الكل، فإنه قد فقد الله من قلبه، فيذل أمام الناس، ثم ينتظره الذل الدائم في العذاب الأبدي.

خلاصة الكلام، أن مخافة الله هي مصدر لكل البركات التي ذكرناها، ولها بركات أخرى لا حصر لها. ومن أهم بركات مخافة الرب: الحكمة المملوءة بركات كثيرة؛ حتى أن الحكمة والمخافة يتداخلان، ولهما نفس البركات، فكل إنسان محتاج لمخافة الله؛ ليخلص ويحيا إلى الأبد.

ذكرت مخافة الله أو الرب 11 مرة في هذا الأصحاح، فالكاتب قدم بحثًا كاملًا عن مخافة الرب، يشبع ويساعد كل إنسان على اقتناء هذه المخافة.

† إن كان التأديب هو طريق مخافة الله، فلا تتذمر على الضيقات التي تمر بك، بل تمسك بوصاياه واطلب معونته، وأسرع إلى التوبة، فتتنقى، ويعمل فيك الله بقوة، فتنال مخافته.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الإصحاح الثاني - سفر حكمة يشوع بن سيراخ - القس أنطونيوس فكري

تفاسير حكمة يشوع بن سيراخ الأصحاح 1
تفاسير حكمة يشوع بن سيراخ الأصحاح 1