الأصحاح الأول – تفسير رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

المقدمة

  • كاتب السفر هو يوحنا الحبيب تلميذ السيد المسيح ويسمى اللاهوتى لأن إنجيله كان هدفه إثبات لاهوت السيد المسيح (يو 31: 20). ولقد نشأ يوحنا فى بيت غنى، فلقد كان لهم عمال أجراء وهذا يدل على غناهم (مر 20: 1) ولقد وُلِدَ فى بيت صيدا (لو 10: 5) وتتلمذ ليوحنا المعمدان أولاً ثم تركه ليتبع يسوع بعد أن أشار المعمدان للمسيح وإقتنع يوحنا الحبيب بالمسيح كمعلم (يو 29: 1 – 34) + (يو 35: 1 - 39).
  • ويوحنا كان شاهداً على أحداث عظام قام بها السيد المسيح مثل إقامة إبنة يايرس والتجلى وصراع جثسيمانى وكان معه ايضا بطرس ويعقوب.
  • ولقد أعد الله يوحنا ليشهد له ضد الهراطقة الذين كثرت هرطقاتهم.
  • أسس كنائس آسيا بعد نياحة العذراء وكان بطريركاً على أفسس.
  • خرج من حمام عام لما وجد فيه كيرنثوس الهرطوقى وقال "خشيت إنهيار الحمام" وذلك لتوضيح خطورة الهرطقات.
  • كان يقضى بعض الوقت فى التسلية مثل العمل فى حديقة ويقول لا تترك القوس مشدوداً بإستمرار لئلا يرتخى.
  • تمتلىء كتاباته تعاليم عن المحبة وكذلك عظاته وكذلك خدمته فحينما إنحرف الشاب التائب الذى تتلمذ على يديه جرى وراءه وهو قد أصبح زعيم عصابة لصوص حتى أعاده، لذلك سمى بالحبيب.
  • عذبه الإمبراطور دومتيانوس فى نهاية أيامه، وألقاه فى زيت مغلى ولما فشل إذ كان الرب يشفيه نفاه إلى جزيرة بطمس. ودومتيانوس هذا كان قد أثار ضد المسيحية إضطهاداً شديداً جداً أشد من إضطهاد نيرون وكان هدفه إستئصال المسيحية. وكان يطلب من المسيحيين عبادة الإمبراطور.
  • عهد له الرب بأمه العذراء وهو عاش لأوائل القرن الثانى وهو الوحيد من التلاميذ الذى لم يستشهد.
  • عاش يوحنا لمدة 25 سنة بعد إستشهاد كل الرسل، وهو ذهب لأسيا الصغرى بعد إستشهاد الرسولين بطرس وبولس وقال عنه بولس أنه من الأعمدة (غل 9: 2).

مكان وزمان كتابة السفر:

كان ذلك حوالى سنة 95 م. فى نهاية حكم دومتيانوس، وكتب يوحنا السفر فى جزيرة بطمس التى نفاه إليها دومتيانوس وهى تبعد حوالى 25 ميلاً من شواطىء أسيا الصغرى (تركيا حالياً) وتدعى حالياً بتينو. وهى جزيرة قاحلة لا يسكنها غير المجرمين المنفيين حيث لا يمكنهم الهرب منها وقضى يوحنا فى بطمس سنة ونصف فعاد بعدها لرعاية كنيسة أفسس بعد إستشهاد أسقفها تيموثاوس.

لماذا ذكر يوحنا إسمه هنا:

يوحنا لم يذكر إسمه فى إنجيله وذكره هنا 5 مرات (9، 4، 1: 1) + (2: 21) + (8: 22) وهذا لأن يوحنا إنسان متواضع يخفى ذاته، ولا يحب أن يشير إلى نفسه بإسمه. فيوحنا كان أحد التلميذين اللذين سارا وراء يسوع بعد شهادة المعمدان (يو 35: 1) والتلميذ الآخر كان أندراوس، ولكننا نجد أن يوحنا لا يذكر إسمه. وكان يسمى نفسه التلميذ الذى كان يسوع يحبه (يو 26: 19) + (يو 20: 21). ولكن سفر الرؤيا لغموضه ونبواته، كان يلزم ذكر إسم من كتبه ليكون هناك ثقة فيمن كتبه وثقة فيما هو مكتوب فيه.

ماذا نجد فى هذا السفر:

1) يوحنا المتألم لأجل المسيح والمضطهد والمنفى فى هذا المكان القاسى يعزيه الله بهذه الرؤيا السماوية فشريك الصليب والألم شريك المجد (رو 17: 8).

2) هى رسالة للكنيسة المضطهدة والمتألمة، رسالة عزاء بهذه الرؤيا ودعوة من الله أن من يغلب سيكون شريكاً فى هذا المجد المعلن.

3) نرى بصورة متكررة أن الشيطان وراء كل هذه الآلام وهو مصدر كل إضطهاد للكنيسة، ولكننا نرى أيضاً أن المسيح هو ضابط الكل، الإله القدير الذى يرعى كنيسته، يحملها فى يديه، يجول وسط كنيسته ليرعاها، لا شىء يحدث إلا بسماح منه، هو إنتصر وغلب وبالتأكيد فإن كنيسته عروسه ستنتصر وتغلب. وإذا كان ما يحدث هو بسماح من عريس الكنيسة وهو المتحكم فيه فلماذا الخوف؟

4) نجد هنا نصرة الكنيسة التى قال عنها السيد المسيح أن أبواب الجحيم لن تقوى عليها، هى كنيسة مضطهدة على الأرض حاملة صليبها كعريسها، ولكنها ممجدة فى السماء، ونرى هنا ما أعده الله لها من مجد مذهل. ويمكننا أن نفهم لماذا يسمح المسيح بالألم لكنيسته ولأحبائه؟ السبب ببساطة أن بداخلنا حب وإنجذاب للخطية وللعالم بسبب أننا بالخطية ولدتنا أمهاتنا. والله وجد أن طريق الصليب هو الطريق الذى نكمل به، بل قيل عن المسيح نفسه أن "كمل رئيس خلاصنا بالألام" (عب10: 2) فإن كان المسيح قد كُمِّلَ بالألام أفلا يكون طريق كمالنا هو الصليب الذى به نصير تلاميذ له. ولماذا؟ نجد أن الألم دخل إلى العالم نتيجة للخطية "أنا إختطفت لى قضية الموت" وهذا الألم واقع على كل البشر، ولكن الله الذى يعلم أن الخطية سكنت فى جسد الإنسان (رو7: 17، 18) حَوَّلَ هذه الألام لمن يحبونه وسيلة تأديب "حَوَّلت لى العقوبة خلاصاً" (رو8: 28) "كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله" وهذا رأيناه مثلاً مع أيوب. لكن لنلاحظ ان المسيح تَكَمَّل بالألام ليشبهنا نحن البشر المتألمين فى كل شئ، أما نحن فنكمل بالألام لنشبه المسيح. راجع تفسير (عب2: 10).

5) إذا كان المسيح قد وجد أن الألم هو طريق الكمال وبالتالى هو طريق السماء والمجد، إذاً علينا أن نصبر... لذلك تتكرر كلمة الصبر فى هذا السفر (رؤ9: 1 + 19، 3: 2 + 10: 13).

6) نرى السموات مكان الفرح والتسبيح، فالسفر مملوء تسابيح للسمائيين. وهذه السماويات هى المكان المعد للكنيسة. ولكن أوصاف السماء أتت بصورة رمزية فلغة البشر محدودة لا تستطيع وتعجز عن أن تصف ما فى السماء.

7) نرى فى السفر الهزيمة الكاملة للشيطان وأتباعه فى البحيرة المتقدة بالنار، فيكون هذا دافعاً لنا لترك كل شر وشبه شر. ونرى مجد الغالبين وأفراحهم فيكون هذا دافعاً لنا للجهاد الروحى.

8) نرى هنا نصرة السيد المسيح المؤكدة على كل الأشرار والشياطين فنتمسك به كإله قدير، لقوته وقدرته، وكيف أنه قادر أن يخرج من الجافى حلاوة، ويكون هذا مصدراً لتعزياتنا كما تعزى يوحنا نفسه فى ضيقته ومنفاه بهذه الرؤيا.

طرق تفسير سفر الرؤيا.

هناك من يستعمل سفر الرؤيا ليستخرج منه مواعيد وأوقات لبعض الأحداث وهناك من يفسره حرفياً مثلما فعلت بعض الطوائف فقالوا إن عدد من يدخل السماء 144000 حرفياً على ان يكونوا من طائفتهم. وقال البعض أن المسيح سيأتى ليحكم على الأرض لمدة 1000 سنة يقيد فيها الشيطان وتسيل فيها الجبال خمراً ولبناً.

وهناك تفسير روحى يستفيد منه الجميع وهذا ما تتبعه كنيستنا وهذا التفسير يعتبر أن الشيطان قُيِّدَ فعلاً بعد الصليب، ولا يتمسك هذا التفسير بمملكة أرضية ولا يطلبها عملاً بقول السيد المسيح "مملكتى ليست من هذا العالم".

ومن هذا التفسير يُفهم ان الكنيسة تحيا الآن فى السماويات كما قال بولس الرسول (أف 6: 2) وان الكنيسة تحارب فى كل زمان ومكان فى السماويات التى تحيا فيها (أف 12: 6) ونحن فى السماويات لأن المسيح وسطنا دائماً (مت20: 28 + 20: 18) ومع أن الكنيسة تحارب فى كل حين، لكن لوجود المسيح فيها فالنصرة لها دائماً وفى النهاية تتمجد، أما حرب الشيطان بعد تقييده فهو لا يستطيع سوى ان يعرض دون أن يفرض ما لم نعطه نحن هذا السلطان. والمسيح أعطانا نحن عبيده سلطاناً أن ندوس عليه بعد أن سقط (لو 19، 18: 10) + (يو 31: 12) + (يو 11: 16).

وما يتصوره أصحاب فكرة الملك الألفى أن المسيح يملك على الأرض 1000 سنة هو فكر مرفوض. أما الملك الألفى فى نظر الكنيسة هو ما تحياه الكنيسة الآن حيث تمارس حياة الملكوت. إذ جعلنا ملوكاً أى نملك ذواتنا وشهواتنا "ها ملكوت الله فى داخلكم" (لو21: 17) "وكل مجد إبنة الملك من داخل" (مز 13: 45) "ونملك وعوداً بميراث سماوى".

الأسلوب الرمزى او الشفرى.

كان لابد من إستخدام هذا الأسلوب فهو يخبر المسيحيين بإنتصارهم على مضطهديهم، فكيف يقول هذا بوضوح والإمبراطورية الرومانية التى تضطهدهم فى عز مجدها. كيف يقول لهم أن الإمبراطورية الرومانية ستزول أو أنها ستتحول إلى المسيحية. بل إن غموض سفر الرؤيا يزيده جلالاً فلا تنكشف معانيه إلا فى الوقت الذى يريده الله، أما لو عرفت هذه الأسرار مبكراً فقد يفسدها إبليس.

مثال: - كان للسيد المسيح فى أقواله بعض العبارات غير المفهومة مثل "فمتى نظرتم رجسة الخراب التى قال عنها دانيال النبى قائمة فى المكان المقدس ليفهم القارىء فحينئذ ليهرب الذين فى اليهودية إلى الجبال..." (مت 15: 24 – 21) وظلت هذه العبارة غير مفهومة إلى أن حدث ما جعلها واضحة كالشمس، وهذه العبارة كانت السبب فى نجاة ألاف المسيحيين من آلام رهيبة.

فلقد أحاط تيطس القائد الرومانى بأورشليم مع جيشه وحاصرها مدة من الزمان حتى يأس وقرر أن يقوم بمحاولة أخيرة فى فجر أحد الأيام، على أنه إذا فشل فى إقتحام أسوار أورشليم المنيعة فإنه سينسحب مع جيشه تاركاً أورشليم، هذه المدينة الصغيرة التى لا تستحق تعطيل الجيش الرومانى العظيم. وفى الفجر تسلل بعض الجنود مستخدمين سلالم وصعدوا على أسوار أورشليم من ناحية الهيكل، فقد كان الهيكل ملاصقاً للسور، ودخل عشرات من الجنود الرومان فعلاً ووضعوا النسر الرومانى على الهيكل. ولكن اليهود تنبهوا وقتلوهم وفشلت المحاولة. وقرر تيطس الإنسحاب وإحتفل اليهود بهذا الإنتصار. ولكن حينما إستيقظ المسيحيون الذين كانوا بأورشليم صباحاً ووجدوا النسر الرومانى على الهيكل تذكروا كلام السيد المسيح، وفهموا أن النسر الرومانى المعلق على الهيكل هذا هو رجسة الخراب وأنه موجود الآن فى المكان المقدس، فهربوا فى لحظتها إلى الجبال. هرب كل المسيحيين الذين كانوا فى أورشليم إلى الجبال، بينما كان اليهود يحتفلون بإنتصارهم على الرومان. وبعد أن غادر تيطس أورشليم وعلى مسيرة ثلاث ساعات من أورشليم وجد نجدة آتية من روما بأوامر صريحة بهدم أورشليم، فعاد بعد 6 ساعات فقط من مغادرته أورشليم لمحاصرتها ثانية. وحاصرها حصاراً مريراً أكلت الأم فيه أولادها، ثم أسقط أورشليم وأحرقها وقتل حوالى 2,1 مليون يهودى وأحرق على صلبان 120 ألف آخرين وباع البقية عبيداً. من هنا نفهم لزوم غموض نبوات سفر الرؤيا. فهى لن تفهم تماماً إلا فى حينه وذلك لينقذ الله عبيده وما حدث أيام تيطس قد يحدث ثانية فنحن نعرف أن ضد المسيح سيجلس فى هيكل الله مظهراً نفسه أنه إله (2 تس 4: 2). وضد المسيح هذا سيثير حرباً ضد الكنيسة، وسيكون ضيق لم يكن مثله (دا 1: 12) ولكن الله سينجى شعبه بطريقة ما، لن نعرفها سوى فى حينه. ولكن سفر الرؤيا يكشف بعض من الخطة الآن بلغة شفرية إذ يقول "أن المرأة ستهرب إلى البرية وان الله سيعولها هناك" (رؤ 6: 12) ولكن متى وكيف نهرب، ربما تكون نفس العلامة التى وردت فى (مت 15: 24 - 21) أى رجسة الخراب القائمة فى المكان المقدس. ولكن إلى أين نذهب وكيف نتصرف؟ هذا هو ما نراه مكتوباً ولكن بأسلوب شفرى غامض لن نفهمه إلا فى حينه.

إن كل محاولة لفهم السفر فهماً حرفياً هى محاولة فاشلة، ولكن كما قيل فى سفر الرؤيا نفسه "طوبى لمن يحفظ أقوال هذا الكتاب ويقرأه ويسمعه" (رؤ 3: 1 + 9: 22) إذاً علينا أن نفهمه روحياً، أى محاولة فهمه بطريقة تجعلنا نقترب من الله فنتجنب ما يحذرنا منه وننفذ كل وصية فيه، ونخشى غضبه ونتشبه بالسمائيين فنسبح الله مثلهم، ونشعر بإقتراب الدينونة فنقدم توبة وهذه التوبة تفرح السمائيين، بل تجعلنا معهم ومن صفوفهم ونحفظ السفر بمعنى أن نتذكر كل ما قيل فيه حتى لو لم نفهمه تماماً، حتى نفهم الرسائل الشفرية التى فيه حينما يحين الوقت وننفذها فننجو.

تدريب.

ضع لوناً بقلم أخضر على كل آية معزية فى السفر لتدرك محبة الله لك وحفظه لك فى الضيقات مثل (17، 11، 7: 2 + 21، 12، 5: 3 + 6، 2: 6 + 15: 7 - 17 + 3: 7 + 4: 9).

وضع لوناً أحمر على الأيات التى تدل على دينونة الله وغضبه على الخطية لتتحاشاها.

* وسفر الرؤيا يعتبر السفر النبوى فى العهد الجديد.

* نرى فى السفر إنتصار نهائى للسيد المسيح على كل قوى الشر، لقد بدأ الإنتصار على الصليب، وها نحن نرى كمال الإنتصار. ونرى الشيطان ملقى فى البحيرة المتقدة بالنار هو وأتباعه. ونرى الكنيسة منتصرة مع عريسها فى عرس سماوى دائم.

* هذا السفر يبدأ بالكنيسة التى على الأرض (رسائل الكنائس السبع) وينتهى بالكنيسة فى السماء أى أورشليم السمائية وما بينهما حروب ضد الكنيسة وعريسها المسيح. ولكن لابد وستنتصر الكنيسة بالمسيح عريسها.

* هو سفر السباعيات (7 كنائس / 7 أبواق / 7 ختوم / 7 جامات / 7 تطويبات...).

بل حتى كلمات التسابيح سباعية. فرقم 7 هو رقم الكمال، وإذا كان هذا السفر يحدثنا عن أحداث النهاية، فهذا يعنى أن عمل الله دائما عمل كامل.

السفر مكتوب بطريقة رمزية وأمثلة على ذلك: -.

  1. ما معنى أن يُقَيَّد الشيطان بسلسلة، والشيطان روح (رؤ20: 3).
  2. ما معنى أن يكون قوس قزح لونه لون الزمرد الأخضر، ومعروف أم قوس قزح له سبعة ألوان (رؤ4: 1 - 3). فهل تقيد الأرواح بسلسلة.

هل عدد المخلصين محدد بـ 144000؟ وكيف يتفق هذا مع قوله فى نفس الإصحاح أن عدد المخلصين لا يمكن لأحد أن يَعُدَّه (رؤ7: 4: 9).

الإصحاح الأول

العدد 1

آية (1): -

"1إِعْلاَنُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَعْطَاهُ إِيَّاهُ اللهُ، لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَرِيبٍ، وَبَيَّنَهُ مُرْسِلاً بِيَدِ مَلاَكِهِ لِعَبْدِهِ يُوحَنَّا،".

إعلان REVELATION من REVEAL أى يكشف القناع أو شىء ينكشف للعيان أو يُباح به فيظهر ما كان خفياً، فهو كشف الأسرار الإلهية للبشر. ويسمى أيضاً الجليان من جعل الشىء جلى أى واضح. وكلمة إعلان باليونانية هى أبو كاليبسيس أى رفع الغطاء ومنها جاءت فى لغتنا العربية العامية ليلة أبوغالمسيس التى نطلقها على ليلة سبت النور إذ نقرأ فيها سفر الرؤيا كاملاً.

ويسمى سبت النور لأن المسيح أشرق بنوره على الجالسين فى الظلمة وظلال الموت ونقلهم من الجحيم إلى الفردوس فهو نزل إلى الجحيم من قِبَلْ الصليب (أى بعد أن مات على الصليب مباشرة) لينقل الذين رقدوا على رجاء، وكانوا قد أرضوا الرب بأعمالهم فى العهد القديم، ينقلهم من الجحيم إلى الفردوس (إش2: 9) + (مت16: 4) + (زك12، 11: 9) + (أف9، 8: 4) + (1بط19: 3). وأثناء قراءة سفر الرؤيا تضاء سبعة قناديل رمزاً للسبعة الكنائس (التى وجه الرب لها رسائل عن طريق يوحنا فى الإصحاحين (3، 2) وهى كنائس فى آسيا الصغرى والتى كان يوحنا يرعاها) وحيث أن رقم 7 هو رقم كامل فالمقصود أن السبعة قناديل هى رمز للكنيسة كلها التى صارت نوراً للعالم. ونحن نقرأ سفر الرؤيا ليلة سبت النور لأن المجد المعد للكنيسة قد إنكشف وصارت تنعم بالفردوس بعد صلب المسيح إذ فتح باب الفردوس للكنيسة. والكنيسة تجعلنا نحلق مع المسيح فى الفردوس الذى ذهب إليه فى هذه الليلة، والله يكشف عن أسراره لمن يحبهم، لذلك يكشفها ليوحنا الحبيب كما كشف لإبراهيم من قبل عن خراب ودمار سدوم وعمورة، ويعلن كذلك للكنيسة التى أحبها وأحبته أسراره فى هذه الرؤيا.

إِعْلاَنُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الَّذِي أَعْطَاهُ إِيَّاهُ اللهُ = الرب يسوع هو الذى إقتبل هذا الإعلان كرأس للكنيسة. وإذ هو فكر الله الأزلى والحكمة الإلهية فهو يعرف كل شىء من ذاته. ولكن المقصود هنا أن الآب أعطى للإبن أن يكشف للكنيسة عن هذه الأسرار. ودائماً الآب يريد والإبن والروح القدس يحولان هذه الإرادة إلى فعل. فالآب يريد أن الجميع يخلصون والإبن نفذ هذا بتجسده وصليبه والروح القدس يعمل فى الكنيسة الآن ليثبتها فى المسيح. وهنا الآب أراد أن يعلن للكنيسة هذه الأسرار بالإبن (راجع تفسير الاصحاح الخامس من انجيل القديس يوحنا). والإبن نفذ إرادة الآب واعلن هذه الأسرار، وما كان هذا ممكناً لولا أن الكنيسة أصبحت مقبولة بسبب دم المسيح، وأن المسيح صار رأساً لها. وصار يوحنا بل صارت الكنيسة كلها فى المسيح، فنحن نعرف هذه الأسرار من خلال وجودنا وثباتنا فى المسيح يسوع.

يَسُوعَ = المخلص.

الْمَسِيحِ = أى الممسوح والمفرز والمخصص ليفدى الكنيسة ويكون كاهناً يقدِّم ذبيحة نفسه، ونبياً وملكاً عليها. والمسيح مُسِحَ بالروح القدس على هيئة حمامة (شىء كامل لأن الروح القدس حل على المسيح كاملاً). أما الأنبياء والملوك ورؤساء الكهنة فى العهد القديم، وكل فرد مؤمن فى الكنيسة الآن فهو يحصل بقدر ما يحتمل. لذلك حل الروح القدس على هيئة ألسنة نارية منقسمة على التلاميذ يوم الخمسين، أى ليس حلولاً كاملاً. وفى العهد القديم كانوا يمسحون بدهن المسحة ليتمكنوا من القيام بأعمالهم (كأنبياء وملوك ورؤساء كهنة فقط).

فحين يقول أن الله أعطى ليسوع المسيح فهذا بحسب ناسوته وكرأس للكنيسة لكى يعلنه لها، والمسيح أعطاه ليوحنا ليعطيه يوحنا للكنيسة التى هى جسد المسيح.

عَبِيدَهُ = المسيح يقول لا أسميكم عبيداً لكنى قد سميتكم أحباء (يو15: 15) ولكننا نحن نتلذذ بأن نستعبد انفسنا لله، فالعبودية لله تحرر، بل إن حتى إخوة المسيح بالجسد مثل يعقوب ويهوذا لم يسموا أنفسهم إخوة المسيح بل سموا أنفسهم عبيداً له (يع1: 1) + (يه1) + (رو1: 1) لقد صرنا أسرى محبة المسيح، تذوب إرادتنا فى إرادته، ونطيعه حتى الموت.

مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ =.

  1. مقاصد الله حتمية.
  2. الله يرى المستقبل حاضراً أمامه كأنه الآن.

مُرْسِلاً بِيَدِ مَلاَكِهِ = فالملائكة هم خدام الإعلانات منذ العهد القديم ولهم دور محورى فى الإعلانات.

التدرج فى الخدمة والإعلانات: - المسيح هو الله، ولكنه يتكلم عنه هنا كوسيط بين الله والناس، ليس الإبن الازلى فقط بل الإبن المتجسد الوسيط، الإبن هو أقنوم المعرفة والحكمة وكل ما هو للآب هو للإبن. وقيل عن الإبن أنه مخبأ فيه كل كنوز الحكمة. وقيل لا يعرف الآب إلا الإبن، فهو أقنوم المعرفة فى الثالوث القدوس، وفى (1 كو 24: 1) قيل عنه أنه حكمة الله. وهو بهذا يعرف كل الأشياء فالمعرفة هى للآب والإبن لكنها فى سلطان الآب وحده، يعلنها حين يريد، ويعلنها عن طريق الإبن للكنيسة كرأس للكنيسة. مثال: - الوزراء كلهم يعرفون الأسرار ولكن هناك وزير واحد له سلطة الإعلان، فالآب والإبن يعرفان ولكن الإرادة هى للآب. فالآب يريد والإبن ينفذ هذه الإرادة. وتشبيه آخر نقول أن العقل أعطى أن يظهر الفكر للناس. والمسيح حين أراد أن يظهر الفكر للناس (عن طريق يوحنا) أعطى الملاك، والملاك أعطى ليوحنا، ويوحنا أعلن للكنيسة. فالله يحب الترتيب. نقول هذا لمن يقولون لا داعى لأن يوجد كهنوت، فلنتصل بالله مباشرة ونرد على هذا، أولاً بالتدرج الذى رأيناه هنا وثانياً بمعجزة الخمس خبزات حيث أعطى المسيح لتلاميذه، والتلاميذ أعطوا الجموع.

ونرى أن الملاك صار مرافقاً ليوحنا خلال هذه الرؤيا، وهذا يشير للمحبة والصداقة التى صارت بين الملائكة والبشر (أف10: 1). ونلمس خلال السفر فرح الملائكة بالمجد المعد للبشر، وأن الملائكة صاروا ينذرون الأشرار، فهم يفرحون بخاطىء واحد يتوب. وكان الملاك يشرح ليوحنا ما يحتاج إليه من إيضاحات، فالملائكة أرواح خادمة (عب14: 1).

العدد 2

أية (2): -

"2الَّذِي شَهِدَ بِكَلِمَةِ اللهِ وَبِشَهَادَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِكُلِّ مَا رَآهُ.".

الَّذِي شَهِدَ = فيوحنا كان شاهداً ينقل ما رآه وسمعه من المسيح فى بطمس.

العدد 3

أية (3): -

"3طُوبَى لِلَّذِي يَقْرَأُ وَلِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ أَقْوَالَ النُّبُوَّةِ، وَيَحْفَظُونَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهَا، لأَنَّ الْوَقْتَ قَرِيبٌ.".

وَيَحْفَظُونَ =.

  1. ينفذون وصايا السفر.
  2. يتجنبون ما حذر منه السفر.
  3. يتعلمون التسابيح التى فى السفر وهى لغة السماء.
  4. يقرأونه كثيراً ليحفظونه ويحفظون كلماته.

ولاحظ فالله لم يطوب من يفهم أسرار سفر الرؤيا، وتوقيت كل حدث بل طوَّب من يحفظ ما جاء بالسفر.

فالسفر مكتوب بأسلوب نبوى، والنبوات لا يمكن فهمها إلا حينما تتم ومثال ذلك: -.

  1. من كان يستطيع ان يفهم أن العذراء تلد إبناً (إش 14: 7).
  2. من كان يستطيع أن يفهم أن هناك من يموت ويقوم بعد 3 أيام (هو 2، 1: 6).
  3. من كان يستطيع أن يفهم ان الله الأزلى سيولد فى بيت لحم (مى 2: 5).

إذاً المطلوب فهم السفر روحياً وحفظ ما جاء فيه، أما النبوات الغامضة فلن نفهمها إلا فى حينه، حين يريد الله أن يكشف القناع عن النبوة، حينئذ سنكتشف أمراً يوجهه لنا الله لننفذه.

وهناك دراسات تحدد يوم المجىء الثانى، وهناك من حدده بأنه فى سنة كذا أو يوم كذا.... ولا نستطيع أن نعلق على هذا إلا بأن هؤلاء يلزمهم أن يتعلموا التواضع، فإن كان السيد المسيح يقول أن هذه الساعة لا يعلمها أحد ولا الملائكة ولا الإبن إلا الآب (مر32: 13) فمن هذا الذى يستطيع أن يحدد هذا اليوم. وبعد ما قلناه سابقاً فما معنى أن المسيح لا يعلم هذه الساعة؟

  1. هو لا يريد أن يعلنها، فحين يقول لا أعرف فالمعنى لا أريد أن أعلن كما قال عن بعض الأشرار "لا أعرفكم" (مت 23: 7) بمعنى أنه يستنكر تصرفاتهم.
  2. الآب لا يريد أن يعلن، فهو لم يعط للإبن أن يعلن. وكتشبيه لذلك فاللسان لن يبوح بسر إلاّ لو سمح العقل بذلك، والعقل واللسان فى الإنسان الواحد.

فمن هذا الذى يستطيع أن يحدد الساعة التى لا يعلمها إبن الإنسان؟! أى الساعة التى لا يريد الآب إعلانها عن طريق الإبن رأس الكنيسة، وأيضا لا يريد الإبن إعلانها، فإرادة الآب والإبن والروح القدس واحدة، لكن الآب أقنوم الإرادة والإبن والروح القدس أقنومى التنفيذ.

ولكن السيد المسيح أعطى لكنيسته هذه العلامات للإستعداد والسهر دائماً (مر33: 13) إسهروا وصلوا وأيضاً فى (مر7: 13) يقول لا ترتاعوا فإذا كان الله يعلم وقد أخبرنا بما سيحدث قبل 2000 سنة فهو إذاً ضابط الكل الذى كل شىء بيده، ويعرف كيف يحفظ أولاده وسط هذه الضيقات ولكن علينا نحن أولاده أن نصبر كما قال فى (مر13: 13) ولكن الذى يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص. ونلخص ما سبق فالمسيح يكشف لنا كل هذا حتى:

  1. لا نرتاع،.
  2. نستعد ونسهر،.
  3. أن نصبر.

فالله سبق وأخبرنا أنه سيكون هناك ضيقات، ولكنه طلب الصبر فى الضيقة والسهر والصلاة، ومن يصبر ولا يتذمر يفتح الله عينيه على المجد المعد لمن يصبر ويعطيه الله تعزيات تسنده فى ضيقته فيزداد صبراً وإحتمالاً ومن ثم تنفتح عينيه بالأكثر ويزداد عزاؤه وهكذا.

طُوبَى لِلَّذِي يَقْرَأُ وَلِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ = يسمعون أى ينفذون ما يقرأون، ويصبروا على الضيقات التى تواجههم، هؤلاء يتعزون ويزداد إشتياقهم للسماء. الطوبى هى لكل من يخبىء كلام الله فى قلبه ويحيا بحسبه.

النُّبُوَّةِ = سفر الرؤيا هو السفر النبوى فى العهد الجديد.

العدد 4

آية (4): -

"4يُوحَنَّا، إِلَى السَّبْعِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي أَسِيَّا: نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ الْكَائِنِ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، وَمِنَ السَّبْعَةِ الأَرْوَاحِ الَّتِي أَمَامَ عَرْشِهِ،".

إِلَى السَّبْعِ الْكَنَائِسِ = ربما تشير للسبع كنائس التى خدمها يوحنا فى آسيا الصغرى والتى سترد أسماءها فى الإصحاحين (3، 2). ولكن لأن رقم 7 هو رقم كامل، فالكلام إذن موجه إلى كل الكنائس أو كل الكنيسة فى كل زمان ومكان. ولكن هنا فى الرسائل كلام يصلح لهذه الكنائس التى عرفت يوحنا كرسول عاش بينهم ولكن هذا الكلام يصلح للكنيسة عبر العصور.

نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ = النعمة هى إرسال الروح القدس ليحل على البشر بإستحقاقات دم المسيح، والنعمة هى أيضا عمل الروح القدس فى تجديدنا، وهو يعطى شفاء للنفس ويهبها سلام. لذلك فمن ثمار الروح القدس السلام (غل23، 22: 5) وفى آية (9) يقول يوحنا فى تواضعه "أخوكم وشريككم" ولكنه كرسول له أن يعطيهم السلام ولكن الذى يمنح السلام هو الله. لذلك نفهم أن الكاهن حين يقول "إيرينى باسى" أى السلام لكم فهو يعطى السلام ليس من نفسه بل من الله. فالكهنة أناس إستؤمنوا على بركات الله ليوصلوها للناس فالكهنوت حامل بركة.

الْكَائِنِ = الكائن الآن بذاته، غير معتمد على أحد فى كيانه بينما كيان الإنسان معتمد على الله.

الَّذِي كَانَ = الأزلى، أنا كائن منذ الأزل أى لابداية له.

الَّذِي يَأْتِي = الأبدى، الدائم للأبد، وسيأتى للدينونة وهذا شرح لكلمة يهوه.

وَمِنَ السَّبْعَةِ الأَرْوَاحِ = هناك رأيان أولهما أن السبعة الأرواح هم سبعة ملائكة للسبع الكنائس أو هم ميخائيل وغبريـال وروفائيل وسوريـال...

والرأى الثانى أن هذا وصف لعمل الروح القدس الكامل، فرقم 7 هو رقم كامل. فالروح القدس يعمل فى السبع الأسرار وهو الذى يعطى الثمار والمواهب، هو يعمل كل شىء للكنيسة، يقود ويبكت ويعلم ويذكر ويخبرنا بكل ما هو للمسيح. هو يملأ الكنيسة ويملأ كل مؤمن على حدة ليُثبِّت الكل فى المسيح (هذا طبعاً لمن يريد ويجاهد) والرأى الثانى هو المرجح فإسم المسيح جاء بعد السبعة الأرواح (آية5 تكمل هذه الآية فتقول ومن يسوع...) ولا يعقل أن إسم المسيح يأتى بعد الملائكة فى الترتيب.

الَّتِي أَمَامَ عَرْشِهِ = فى (زك14: 4) رأينا إبنا الزيت الواقفان عند سيد الأرض كلها، وكان هذا إشارة لإهتمام الله وإشتياقه لإرسال الإبن والروح القدس للأرض لإعداد الكنيسة كعروس للمسيح ورجوعها للأحضان الأبوية. والآن وقد أُرسِل الإبن لذلك وقد تمم عمله. نرى الروح القدس أمام العرش، بمعنى ان إهتمام الله الأول الآن هو عمل الروح القدس فى تجديد الخليقة لتصبح عروساً للمسيح لتعود للأحضان الإلهية الأبوية. أمام عرشه أى أمام عينيه. أنظاره أى إهتمامه موجه لهذا العمل ولقد ذكر الروح القدس قبل المسيح لأن الكلام سيكمل بعد ذلك عن المسيح.

العدد 5

آية (5): -

"5 وَمِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الشَّاهِدِ الأَمِينِ، الْبِكْرِ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ: الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ،".

الشَّاهِدِ الأَمِينِ = هو الذى كان فى حضن الآب وأتى ليخبرنا بكل شىء ويشهد للحق بأمانة (يو37: 18) وكل من يطيع وصاياه يخلص فهو الحق وكل ما يقوله هو الحق. وهو شهد لنا بمحبة الآب ببذله نفسه على الصليب. الْبِكْرِ مِنَ الأَمْوَاتِ = هو بكرنا (1كو23: 15) فكما قام المسيح سنقوم، فنحن نستمد قيامتنا منه والأدق فيه.

رَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ = هو ملك الجميع، ومعطى كل ذى سلطان سلطانه (رو2، 1: 13) وهو ملك على دوميتيانوس فلماذا الخوف منه أو من غيره.

العدد 6

آية (6): -

"6 وَجَعَلَنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً للهِ أَبِيهِ، لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ.".

جَعَلَنَا مُلُوكًا = الله أعطانا طبيعة جديدة متحررة من حتميات الإنسان العتيق وعبوديته المرة، فصرنا ملوك ذواتنا بنعمة المسيح ولا يسيطر علينا الجسد الذى أماته الرب على الصليب. (وبالمعمودية متنا معه والأدق فيه) ولا يسود علينا العالم الذى فضحه الرب وكشف زيفه ولا الشيطان الذى أسقطه الرب مثل البرق من السماء. فصرنا نسيطر على ذواتنا فلا تستعبدنا الخطية ولا يقتادنا الشيطان لنخالف إرادة الله ولا يستهوينا العالم فنحن نراه فانياً. ونحن صرنا ملوكاً لأننا أولاد ملك الملوك، والمسيح يملك علينا كملك الملوك. ونحن كأولاد الله سندين العالم (1 كو2: 6). ونحن نملك وعوداً بميراث سماوى فى عرش المسيح سنمتلكه فى الدهر الآتى. وَكَهَنَةً = هناك كهنوت عام يشترك فيه كل المسيحيين، وبهذا المفهوم فكل المسيحيين كهنة. والكاهن يقدم ذبائح، فما هى الذبائح التى يقدمها المؤمنين.

  1. ذبيحة التسبيح (عب 15: 13).
  2. ذبيحة فعل الخير (عب 16: 13).
  3. ذبيحة الإنسحاق (مز 17: 51).
  4. أجسادنا كذبيحة حية (رو 1: 12).
  5. الصلاة (مز 2: 141).

ولكن هناك كهنوت خاص يُسام فيه الأساقفة والكهنة لخدمة الأسرار. وهناك من فهم هذه الآية خطأ وإعتبر أن كل مؤمن هو كاهن بالمفهوم الخاص والعام وهذا خطأ.. فكيف يفهمون قوله ملوكاً إذاً بالمفهوم الخاص والعام. فالكتاب يطلب الخضوع للملوك (رو1: 13) + (1بط13: 2). هل نطبق الآية خطأ ونقول كلنا ملوك فلا نخضع للملوك والرؤساء، بلا شك فهذا الفهم متعارض مع الكتاب كما قلنا وما يثبت الكهنوت الخاص:

  1. (إش 21: 66) فيها يتكلم عن إيمان الأمم ويقول "وأتخذ منهم أيضاً كهنة ولاويين قال الرب" ولم يقل يكون الكل كهنة.
  2. (إش 19: 19) "يكون مذبح فى مصر" والمذبح يخدمه كهنة.
  3. حديث بولس الرسول عن الأساقفة والكهنة والشمامسة (أع 3: 13) + (2 تى6: 1) + (1 تى14: 4) + (1 تى22: 5) + (تى5: 1).
  4. نرى فى (رو16: 15) بولس مباشراً لإنجيل الله ككاهن.
  5. الكهنوت وظيفة يختار الله بنفسه من يشغلها ولا يأخذها أحد من نفسه (عب5: 4).
  6. سلطان الحل والربط ومسحة الزيت للمرض والمعمودية وحلول الروح القدس أعطى للرسل فقط وخلفاؤهم من رجال الكهنوت. والسيد المسيح أعطى هذا السلطان لتلاميذه عندما نفخ فيهم الروح القدس (يو23: 20).
  7. ثم صار فى الكنيسة بعد ذلك بوضع اليد والنفخة المقدسة من الأسقف للكاهن ومن الكاهن للمعمد وهكذا (مر13: 16) + (مت19: 28) + (مت19: 16) + (مت18: 18).
  8. قول بولس الرسول "لنا مذبح لا سلطان للذين يخدمون المسكن (أى هيكل اليهود) أن يأكلوا منه" (عب10: 13).
  9. وهذا واضح من تاريخ الكنيسة لمدة 1500 سنة، ولم يعترض أحد إلا مع بداية الكنيسة البروتستانتية فكانت ثورتهم على الكهنوت كثورة قورح.
  10. قال الله لموسى "وانتم تكونون لى مملكة كهنة وأمة مقدسة" (خر 19: 6) فهل سمح الله لكل شعب اسرائيل ان يكونوا كهنة.
  11. المشكلة ان هناك من يرفض الكهنوت لأنهم تصوروا انه مجرد رياسة وتسلط وهم لا يريدون لأحد ان يتسلط عليهم، ولكن هؤلاء لا بد ان يفهموا ان الكهنوت خدمة، والكاهن خادم للأسرار ولشعب الله. والمقصود عدم جعل الأمور فوضى إنما منظمة فإلهنا ليس اله تشويش (1كو 14: 33).
  12. بمقارنة (مت6: 14، 15) مع (يو20: 23) نفهم أنه حتى لا يوجد تناقض، يجب أن نفهم أن هناك كلام يوجه لطغمة معينة هم رجال الكهنوت الذين لهم سلطان الحل والربط للخطايا (يو20) وهذا لتدبير الكنيسة والسماح بالتناول وليس للأمور الشخصية. وكلام آخر يوجه لكل الناس بما فيهم الكهنة (مت6) وفيه لزوم غفران الخطايا لكل من أخطأ فى حقى حتى يغفر الله لى خطاياى.

العدد 7

آية (7): -

"7هُوَذَا يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ، وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ، وَالَّذِينَ طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ. نَعَمْ آمِينَ.".

هُوَذَا يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ = السحاب إشارة لمجد الله الذى يحل. هكذا كان السحاب مرافقاً دائماً لحلول مجد الله فى الخيمة والهيكل وذلك لأن الإنسان لا يحتمل مجد الله فكما أن الشمس لا يُحتمل حرها، والسحاب يلطف حرارتها هكذا مجد الله يخفيه السحاب حتى نحتمل نوره ومجده. عموماً فالأشرار لن يروا مجده، أما الأبرار فسيعاينون مجده ولكن بقدر ما يحتملون، إلا أن الله سيزيد من طاقة إحتمالهم ليتمتعوا بضياء مجده للأبد. وقوله هُوَذَا هى إشارة للإنتباه أن المسيح قد يأتى الآن أو فى أى لحظة وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ = سيظهر عياناً للكل وليس سراً.

وَالَّذِينَ طَعَنُوهُ وَيَنُوحُ عَلَيْهِ = سينظره الأشرار ولكنهم لن يتمتعوا بمجده بل سيرتعبون أمامه، وينوحون لسابق رفضهم له إذ كانوا بأعمالهم يصلبون إبن الله ثانية ويشهرونه (عب6: 6)، والمؤمنين ينوحون فرحاً بجراحاته التى كانت سبباً فى خلاصهم. أما الذين طعنوه بإنكارهم له وبخطاياهم وزناهم... الخ سينوحون لأنهم سيدركون خسارتهم الأبدية وأن الفرصة الممنوحة لهم قد إنتهت، ومن هيبة الجالس على العرش سيقولون للأرض إنفتحى وإبلعينا وللجبال غطينا من وجه الجالس على العرش (رؤ15: 6 - 17) وراجع (مت 30: 24).

نَعَمْ آمِينَ = عبارة مصادقة أوردها يوحنا بلفظين أحدهما عبرى والآخر يونانى، والمعنى أن دينونة الله هى لكل العالم.

العدد 8

آية (8): -

"8«أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبَدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ» يَقُولُ الرَّبُّ الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.".

أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ = إن كان هناك لغة نعرف بها السماويات ونعرف بها محبة الآب، فهذه اللغة هى المسيح يسوع نفسه، فالمسيح يسوع هو كلمة الله، هو ألف وياء هذه اللغة (ألفا)، (أوميجا) باليونانية أى أول ونهاية الحروف فى اللغة فالمسيح أتى ليعلن لنا عن محبة الآب، لذلك قال من رآنى فقد رآى الآب، المسيح أتى ليستعلن لنا الآب فنعرفه، فهو فى مجده لا يراه الانسان ويعيش. فهو حينما أقام الموتى أعلن أن الآب يريد لنا حياة أبدية ولا يريد لنا الموت، وحينما فتح أعين العميان أعلن لنا أن الآب يريد لنا البصيرة المفتوحة التى ترى وتعرف الآب نفسه وترى مجد السمائيات، وليست تلك التى ترى وتدرك الفانيات. وحينما علق على الصليب أعلن لنا محبة الآب غير المحدودة للبشر التى بها بذل إبنه عن الخطاة. إذاً كان المسيح هو اللغة، الألف والياء التى بها أعلن الله ذاته وأعلن عن إرادته وعن فكره، هو اللغة التى بها عرفنا الآب = "الله... كلمنا... فى إبنه" (عب1: 1، 2) + "من رآنى فقد رأى الآب" (يو14: 9). وحرف الألفا، وحرف الأوميجا نجدها رمزاً للسيد المسيح فى رسومات كثيرة فهما أول وآخر حروف الأبجدية اليونانية ويشيرا لأننا كنا لا يمكننا تصور محبة الآب ومداها إلا عندما رأينا المسيح على الصليب. وهل كان يمكننا أن نتصور تواضع الله إلا حينما رأينا المسيح يغسل أقدام تلاميذه ويقبل أن يُضرب من عبد رئيس الكهنة. وهل كان لنا أن يحل فينا الروح القدس الذى يعرفنا أسرار الله ما لم يتمم المسيح فداءه على الصليب (1كو9: 2 - 13) + (يو39: 7) ونحن لن نفهم ولن نرى مجد الله إلا بالمسيح الذى أتى من السماء ليحملنى فيه إلى السماء. إذاً المسيح هو الألف والياء وكل الحروف التى بينهما، بل كل ما تعبر عنه كل الكلمات فى تشكيلاتها جميعاً من أفعال ومعانٍ وأوصاف وتعبيرات خرجت وتخرج من الله لتعبر عن الله وتعلنه لنا وتعرفنا محبته ومشيئته.

الكنيسة كل جسد المسيح

كل أحداث العالم

كل شىء لمجد إسمه

هو الخالق

الْبَدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ = كل شىء قد بدأ فى الزمان بالمسيح، فالمسيح هو الكلمة عقل الله الذى به كان كل شىء (يو1: 1 - 3) وكل شىء راجع له ولمجد إسمه.

والمسيح هو محرك التاريخ، لا شىء يجوز من وراء ظهره، بل عبر مشيئته المقدسة. وهو رأس الكل أى خالق الكل وضابط الكل، لا يوجد شىء خارجاً عنه هو الذى يحتوى كل شىء ولا شىء يحويه = "غير المحوى". وهو تجسد ليجمع فيه كنيسته ويحتوى الكل فيه، هو جمع الكنيسة كلها فيه. هو البداية والنهاية فى الزمان والمكان. هو الخالق الذى خلق كل شىء لمجده أى لتمجده الخليقة وتعكس صورة مجده. ولما سقط الإنسان وفقد صورة المجد التى أرادها له الله، فهو تجسد ليحوى كل الكنيسة ويعيدها لصورة المجد كما أرادها الله منذ البدء. وقوله البداية = تعنى أنه بدأالخليقة فى الزمان لمجد الله، والنهاية أنه تجسد ليتمم الفداء ويعيد الصورة كما أرادها الله منذ البدء لتمجده الخليقة للأبد، وذلك إما بعودة الإنسان لصورة المجد فيظهر فيه مجد الله، أو بأن تظهر قداسة الله ومجده ورفضه للخطية فى عقوبة الأشرار.

الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ = لو أراد أن ينهى حكم دومتيانوس أو حتى حياته لأنهاها ولو أراد أن يوقف أى إضطهاد لأوقفه فوراً. والكلمة الأصلية "بانطوكراطور" أى ضابط الكل = لاشئ يحدث فى كل الخليقة إلا بسماح منه.

العدد 9

آية (9): -

"9أَنَا يُوحَنَّا أَخُوكُمْ وَشَرِيكُكُمْ فِي الضِّيقَةِ وَفِي مَلَكُوتِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَصَبْرِهِ. كُنْتُ فِي الْجَزِيرَةِ الَّتِي تُدْعَى بَطْمُسَ مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ، وَمِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.".

شَرِيكُكُمْ فِي الضِّيقَةِ... وَصَبْرِهِ = كلمة صبر تتكرر كثيراً فى هذا السفر. والمسيح يرسل رسائل ويوحنا يكتب لكنائس أسيا الصابرة على إضطهاد دومتيانوس. هنا نرى مثالاً حياً لإحتمال الضيقة والإضطهاد بصبر، بل نرى أن الله يكافىء يوحنا على إحتماله وصبره بأنه قد فتح عينيه على أسرار السماء. وهناك من يرفض أى ألم وأى ضيقة ويشكو ويتبرم ويتذمر. ولكن من يرفض الضيقة فهو يرفض معها أن يفتح الله عينيه على التعزيات وعلى أسرار محبته. لذلك قال القديس العظيم الأنبا بولا "من يهرب من الضيقة يهرب من الله" فنحن عن طريق الألم والصليب نشترك مع المسيح فى صليبه وبالتالى فى مجده (رو17: 8) ولنلاحظ أن أسلوب إبليس الذى يتبعه دائماً فى أثناء الضيقات هو أنه يُصور لنا أن الله تخلى عنا بسبب أنه تركنا فى الضيقة، بل هو فعل هذا حتى مع المسيح فى جوعه، إذ طلب منه أن يطلب من الآب أن يحول له الحجارة إلى خبز. وهكذا يطلب إبليس منى فى كل ضيقة أن أطلب من الله ان يحلها فوراً فإذا لم يستجب الله ويحل المشكلة يأتى التشكيك فى محبة الله. وكان رد المسيح على إبليس "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله" ولنتعلم من هذا الرد أن نجيب إبليس هكذا.... ليس بحل المشكلة فقط يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله. فمن يحتمل ضيقته بصبر واثقاً فى محبة الله وأن كل ما يسمح به هو للخير، يرى يد الله القوية فى خلال الضيقات، ومن يتقبلها بشكر ينمو إيمانه (كو2: 7) ويكون ذلك سبباً فى خلاصه وسبباً فى تعزيات كثيرة، وكلما كثرت التعزيات إزداد الإنسان صبراً على ضيقاته. مثل هذا الإنسان يضع الله بينه وبين الضيقة فيتعزى. ولكن هناك من يضع الضيقة بينه وبين الله فيخسر الله ويزداد إحساس هذا الانسان بالمرارة. ونلاحظ أن الصبر هو عطية من الله لمن يثق فيه. لقد عانى زكا من قصره. بل ربما كان قصره سبباً فى سخرية الناس منه، لكنه كان سبباً فى خلاصه والمولود أعمى عانى كثيراً ولكن تجربته الأليمة كانت سبباً فى أنه آمن بالسيد المسيح بعد ذلك وخلص.

ولنعلم أن هناك منهجان فى التعامل مع الله فى حياتنا: -.

  1. أن يشعر الإنسان أنه كإبن لله هو محاط بحب الله وتدليله، وحتى الآلام يحتملها لأنها من يد الله، مثل هذا الإنسان يعيش فى فرح وتنفتح عيناه على محبة الله أكثر وأكثر كل يوم، ويرى يد الله التى تعطيه البركات. وهذا الإنسان لا يتذمر ولا يشكو، فكيف يشكو من حَسِب الألم هبة من الله (فى29: 1). وهذا ما نراه هنا.. فلاحظ قول يوحنا.. كُنْتُ فِي الْجَزِيرَةِ الَّتِي تُدْعَى بَطْمُسَ = ولم يقل منفياً أو مطروداً من دومتيانوس فهذا قد عرفناه من التاريخ، فهو لا يشتكى ضيقته. لكن هذا لمن كان قلبه نقيا فانفتحت عينيه على محبة الله له، وهذا ما عبر عنه بولس الرسول "محبة المسيح تحصرنا" (2كو5: 14).
  2. هناك إنسان آخر يرى الضيقات كأنها كل شىء فى حياته فيشكو ويتذمر ولا يرى بركات الله فى حياته، بينما قد تكون هذه البركات واضحة للآخرين فيحيا حياة التذمر التى تؤدى إلى قسوة القلب، ومثل هذا تعمى عينيه فلا يعود يرى بركات الله ومحبة الله، بل قد يرى أن الله يتعمد الإساءة إليه. مشكلة مثل هذا الانسان أن قلبه ليس نقيا فلم يدرك الله ولا محبة الله "طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" (مت 5: 8).

وعموماً عمل الخدام هو إيضاح محبة الله لكل إنسان ولذلك يسمى بولس الرسول الخدمة أنها خدمة المصالحة مع الله.

وهنا نرى يوحنا فى ضيقته وفى منفاه بعد أن عذبه دومتيانوس بإلقائه فى الزيت المغلى أولاً ثم نفيه... فهل يقول يوحنا أن الله قد تخلى عنى أو أنه لا يحبنى، بل كان يوحنا فى صبره ذا عين مفتوحة على تعزيات السماء التى تصاحب كل من فى ضيقة، بل رأى هذه الرؤيا العجيبة، كما أن أيوب فى ضيقته رأى الرب، وحزقيال فى سبيه رأى الرب على عرشه، ويعقوب وهو هارب رأى السلم السمائى لذلك قال شَرِيكُكُمْ فِي الضِّيقَةِ وَفِي مَلَكُوتِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَا يُوحَنَّا أَخُوكُمْ = هكذا يخاطب الرسول وهو من الأعمدة أساقفة الكنائس بتواضع فهو وإن كان رسولاً للمسيح إلا أنه يشعر بالأخوة للجميع... = "أبانا الذى فى السموات".

العدد 10

آية (10): -

"10كُنْتُ فِي الرُّوحِ فِي يَوْمِ الرَّبِّ، وَسَمِعْتُ وَرَائِي صَوْتًا عَظِيمًا كَصَوْتِ بُوقٍ".

كُنْتُ فِي الرُّوحِ = إن شرط أن تنفتح عين الإنسان على رؤى الله هو أن يكون فى الروح. والبشر نوعان: -.

الإنسان الروحى أو من هو فى الروح وهذا يقوده الروح القدس، والإنسان الشهوانى الجسدانى أى من تقوده شهوات جسده، ومن هو فى الجسد يكون مستغرقاً فى شهواته وملذاته ويجتهد فى سبيل إشباعهما، تجذبه شهواته الجسدية للأرض، وكأنه بلا روح. (راجع تفسير 1كو6: 15 – 19).

أما من هو فى الروح فهو يقاوم شهوات جسده، بل يصلب أهواءه وشهواته (غل 24: 5) + (غل 20: 2). مثل هذا الإنسان يكون كأنه روح بلا جسد وهذه درجات فكلما إزداد الإنسان تقشفاً وزهداً إرتفع فى درجته الروحية ولذلك نجد فلسفة الكنيسة الأرثوذكسية هى زيادة أيام الأصوام لتعطى فرصة للإنسان ليكون فى الروح بصلاته مع صومه. لذلك قال السيد المسيح أن الشيطان لا يخرج إلا بالصلاة والصوم.

ونحن نعلم أن الروح يشتهى ضد الجسد والجسد يشتهى ضد الروح (غل 17: 5).

مثال: - المنطاد وهو بالون مملوء بالغاز الخفيف كالهيليوم ومعلق به مركبة تحمل ركاباً ويربطه بالأرض حبال ويوضع به أكياس رمل حتى لا يطير لأعلى. ثم حينما يريد القائد الطيران يلقى بأكياس الرمل ويفك الحبال فيرتفع لأعلى. وكلما تخلص القائد من أكياس الرمل يرتفع أكثر لأعلى وهذا المنطاد هو أنا، وكلما قطعت حبال الخطايا والشهوات التى تربطنى بالأرض أنطلق للسماويات وأكون فى الروح وأعبد الله بروحى (رو 9: 1).

وكلما تخلصت من أكياس الرمل (الأكل والشرب والملذات وأحمل الصليب بشكر) كلما كان لى فرصة للتعرف على مناظر السموات.... لماذا؟

لأنه كلما صار الإنسان فى الروح يسهل على الروح القدس أن يتعامل معه ويخطف روحه أو عقله وقد يغيب بحواسه الطبيعية عما حوله، ويرى أشياء تُعلَن له من الله (1كو9: 2 - 12) وهكذا حارب الأباء السواح الجسد، فكان لهم فرصة أن يصيروا فى الروح بتقشفهم الزائد. ورأوا مالا يراه البشر العاديين.

وهكذا كان يوحنا المتألم المنفى الذى يحيا فى جزيرة قاحلة يندر فيها الأكل والشرب فصار فى الروح إذ صار الجسد كأنه ميتاً.

والحياة فى الروح درجات نراها هنا فى سفر الرؤيا: -.

  1. درجة أقل..... قيل عنها كنت فى الروح وبهذه الدرجة إستطاع يوحنا أن يحصل على رسائل للكنائس السبع.
  2. درجة أعلى..... قيل عنها صرت فى الروح (2: 4) فيها أعطاه الله إمكانيات روحية أعلى ليرى المستقبل، بل ليرى عرش الله والسماء. وهذه الدرجات الروحية هى خروج عن رباطات الحواس الجسدانية التى تجذب الإنسان للأرض. وبهذه الدرجات الروحية رأى بولس السماء الثالثة وقال عن هذه الحالة "أفى الجسد لست أعلم أم خارج الجسد لست أعلم، الله يعلم" (2كو2: 12) هى حالة من السمو الروحى.

وكلما تخلى الإنسان المؤمن عن ملذات جسده يسهل تعامل الروح القدس مع روحه ويجذبه لدرجة روحية أعلى. بل أن الله يساعد أحباؤه ببعض الآلام (الصليب الموضوع علينا) حتى يفنى الإنسان الخارجى، حينئذ يتجدد الداخل يوماً فيوم (2كو 16: 4). ويصبح مثل هذا الإنسان فى الروح ويرى إعلانات، لذلك إعتبر بولس الرسول الألم هبة من الله (فى29: 1).

فِي يَوْمِ الرَّبِّ = أى يوم قيامة الرب يسوع فسُمِّى يوم الرب، وفيه بدأت الكنيسة تقدم فيه عبادتها الإفخارستية. فيوحنا مع أنه فى المنفى إلا أنه كان يتذكر الصلوات ويصلى فرأى هذه الرؤيا. إذاً يوم الرب هو يوم الأحد تذكار راحة الرب من إعداد الخليقة الجديدة بقيامته ليقيم كنيسته من موتها.

وَسَمِعْتُ وَرَائِي =.

  1. للتدرج: فيوحنا لن يحتمل رؤية المسيح فى مجده مرة واحدة.
  2. لأن الأمور التى سيتحدث عنها محجوبة عن الأعين البشرية.
  3. للإعداد، فصوت البوق سيثير الخشوع فى نفس يوحنا فيكون مستعداً أن يرى المسيح. وهذا حدث مع الشعب فى البرية ومع إيليا، فقد كان يسبق رؤية الله أو كلام الله معهم أصوات ورعود... لإثارة الخشوع فيكونوا مستعدين لرؤية الله.

كَصَوْتِ بُوقٍ = يوحنا يشبه الصوت الغريب الذى سمعه بصوت معروف هو صوت البوق. ولماذا كان الصوت يشبه البوق. فيوحنا يعلم أن البوق يستخدم فى:

  1. الإنذار بالحروب: - والسفر ملىء بأخبار حروب مستمرة ضد الكنيسة.
  2. الرحيل: - والسفر إنذار بأن رحلة الحياة قصيرة.
  3. الأعياد: - وهذا السفر يعلن عن أعظم عيد وهو حفل عشاء عرس الخروف حيث نجتمع مع عريسنا فى السماء (رؤ 9: 19).

حقاً كان يوحنا غائباً عن كنيسته فى يوم الأحد، يوم سر الإفخارستيا ولكنه كان بالروح شريكاً مع الكنيسة فى الصلاة وشريكاً مع السمائيين فى رؤياه.

العدد 11

آية (11): -

"11قَائِلاً: «أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ. الأَوَّلُ وَالآخِرُ. وَالَّذِي تَرَاهُ، اكْتُبْ فِي كِتَابٍ وَأَرْسِلْ إِلَى السَّبْعِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي أَسِيَّا: إِلَى أَفَسُسَ، وَإِلَى سِمِيرْنَا، وَإِلَى بَرْغَامُسَ، وَإِلَى ثَيَاتِيرَا، وَإِلَى سَارْدِسَ، وَإِلَى فِيلاَدَلْفِيَا، وَإِلَى لاَوُدِكِيَّةَ».".

الأَوَّلُ وَالآخِرُ = أى لم يبدأ قبله شىء وليس له نهاية، فهو الأزلى الأبدى الذى لا يحصره الزمن لأنه واجب الوجود (إش 6: 44 + 12: 48). هو يحوى كل الخليقة ولا يحويه شئ، هو غير المُحوَى. الإبن هو أول الخليقة أى مُبْدِأها = رأسها، هو خلقها وهو مدبرها. وتنازل ليصير عبداً بل ليضرب من عبد رئيس الكهنة. هو إحتضن الخليقة كلها من أولها لآخرها. الأول فليس قبله والآخر فليس بعده، وهو يحوى ويضبط كل شئ.

والكنائس التى أرسلت لها هذه الرسائل هى كنائس حقيقية فى أسيا الصغرى (تركيا) لكن تفهم الرسائل أنها مرسلة لكل الكنيسة عبر الزمان.

العدد 12

آية (12): -

"12فَالْتَفَتُّ لأَنْظُرَ الصَّوْتَ الَّذِي تَكَلَّمَ مَعِي. وَلَمَّا الْتَفَتُّ رَأَيْتُ سَبْعَ مَنَايِرَ مِنْ ذَهَبٍ،".

سَبْعَ مَنَايِرَ مِنْ ذَهَبٍ = هم السبع كنائس. وهم مناير لأن الكنيسة هى نور العالم. وهى من ذهب فالذهب رمز للسماويات التى تحياها الكنيسة فَالْتَفَتُّ لأَنْظُرَ الصَّوْتَ = أى أنظر مصدر الصوت.

العدد 13

آية (13): -

"13 وَفِي وَسْطِ السَّبْعِ الْمَنَايِرِ شِبْهُ ابْنِ إِنْسَانٍ، مُتَسَرْبِلاً بِثَوْبٍ إِلَى الرِّجْلَيْنِ، وَمُتَمَنْطِقًا عِنْدَ ثَدْيَيْهِ بِمِنْطَقَةٍ مِنْ ذَهَبٍ.".

من أروع ما يمكن أن نرى المسيح وسط كنيسته يرعاها ويقودها لبر الأمان وسط زوابع إضطهادات هذا العالم، كما كان فى السفينة وكان البحر هائجا، فلا يمكن ان تغرق السفينة.

شِبْهُ ابْنِ إِنْسَانٍ = كان المسيح له شكل إنسان ولكن بسبب المجد الذى صار فيه إذ جلس عن يمين الآب قيل عنه شبه إبن إنسان، ويوحنا تحير إذ أراد وصفه، فهو يشبه المسيح يسوع الذى سبق وعرفه حينما كان على الأرض ولكنه الآن له صورة مجد لم يراها من قبل فقال شبه إبن إنسان.

مُتَسَرْبِلاً بِثَوْبٍ إِلَى الرِّجْلَيْنِ = هذه ملابس الكهنة، لأن السيد المسيح هو رئيس كهنتنا الأبدى والذى يشفع فينا وسيظل كذلك إلى الأبد.

مُتَمَنْطِقًا عِنْدَ ثَدْيَيْهِ بِمِنْطَقَةٍ مِنْ ذَهَبٍ = المنطقة عند الثديين هى ملابس القضاة. ونلاحظ أن دانيال حين رأى السيد رآه متمنطقاً بمنطقة عند حقويه (دا 5: 10). وذلك لأن دانيال حين رآه كان ذلك فى العهد القديم قبل التجسد، ومن يتمنطق عند حقويه يكون فى وضع الإستعداد لعمل ما، فهو إذاً كان يستعد للتجسد. ولكن يوحنا حين رآه فى سفر الرؤيا رآه متمنطقاً عند ثدييه لأنه يستعد لعمله كديان (يو 22: 5). والذهب يشير للسماويات، فهو قاضٍ سماوى يدين بحسب قوانين السماء وليس كالبشر. المنائر ذهبية لأنها سماوية (أف6: 2 + 12: 6) فالذهب رمز للسمائيات فالذهب لا يتحد بشىء من الأرض كالماء والهواء، فلا يصدأ رمزا للسمائيات التى لا تفسد.

العدد 14

آية (14): -

"14 وَأَمَّا رَأْسُهُ وَشَعْرُهُ فَأَبْيَضَانِ كَالصُّوفِ الأَبْيَضِ كَالثَّلْجِ، وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ.".

وَأَمَّا رَأْسُهُ وَشَعْرُهُ فَأَبْيَضَانِ كَالصُّوفِ الأَبْيَضِ كَالثَّلْجِ وهذه لها تفسيران:

  1. الشعر الأبيض رمز الحكمة والأزلية فهو قديم الأيام (دا13: 7).
  2. الشعر يشير للكنيسة فهى شعر المسيح الملتصق برأسه. فالشعر عدده كثير جداً وملتصق بالرأس، وهو أبيض فالمسيح بررنا وغسلنا وبيضنا بدمه. تغسلنى فأبيض أكثر من الثلج (مز 7: 51) + (رؤ 14: 7) + (رؤ 5: 1) + (إش 18: 1).

عَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ = نرى فيها عريسنا الساهر الذى لا ينعس ولا ينام ولا يقدر أن يخطفنا أحد من يده. ويراها الأشرار حارقة لهم، فاحصة لأعماقهم الشريرة.

كيف يبدو المسيح لكل واحد: - راجع (رؤ 6، 5: 5) فالشيخ قال ليوحنا عن المسيح أنه الأسد الخارج من سبط يهوذا، وحينما نظر يوحنا إليه وجده خروف كأنه مذبوح. وهذا يشير لأن السيد المسيح هو أسد وخروف فى نفس الوقت. أسد فى قوته وإنتصاره على إبليس وخروف فى تقديم نفسه ذبيحة على الصليب. والمسيح يظهر لكل منا بحسب إحتياجه. فهناك من هو فى ضيقة محاط بأعداء أقوياء هذا يحتاج للمسيح كأسد ليحميه ويدافع عنه ولا ينفع مع هذا صورة المسيح الحمل الوديع. ولكن هناك من هو ساقط فى يأس من خطيته، وهذا يحتاج أن يرى المسيح كخروف أو كحمل قدم نفسه ذبيحة عنه ليرفع خطيته، مثل هذا لا تنفع معه صورة المسيح الأسد لأنها سترعبه. وهناك خاطىء مستهتر يحتاج أن يرى صورة المسيح الأسد المفترس فيخاف ويتوب فيخلص (هو14: 5). وبهذه الطريقة يمكننا أن نفهم لماذا إختلفت أو قُل تعددت صور المسيح التى يظهر بها لكل كنيسة من الكنائس السبع (إصحاحات 3، 2) فهو يظهر لكل كنيسة بحسب إحتياج الكنيسة وبحسب حالة كل كنيسة. بل إن صورة المسيح التى يظهر بها للخاطىء فترعبه هى هى نفسها التى يظهر بها للمؤمن فتكون له مصدر قوة وتعزية. فالشرطى فى الليل هو مصدر إطمئنان لفتاة ضعيفة تسير وحدها، وهو مصدر رُعب للص يجول ليسرق وينهب.

فحينما نرى المسيح وله عينان كلهيب نار نراها كمؤمنين فتكون لنا مصدر إطمئنان فهى تحرق خطايانا وشهواتنا، وكلما إحترقت خطايانا فى قلوبنا تزداد المحبة فى قلوبنا إلى أن تلتهب كما بنار. ولكن هذه النظرات النارية تخيف أعداء المسيح، يراها الأشرار فيرتعبون من نظرات الله الفاحصة المخيفة الغاضبة فيقولون للجبال أسقطى علينا (رؤ16: 6).

وحينما نسمع صوته كصوت مياه كثيرة نفهمها نحن المؤمنين أنها أصوات التسابيح التى ترددها الكنيسة فى كل مكان، وقد علمهم الروح القدس كيف يسبحون فرحين بكل لسان وكل لغة ومن كل مكان فى العالم. ويسمع الأشرار هذا الصوت فيجدون فيه صوت هدير مرعب كصوت رعد.

وحينما نسمع أن المسيح له سيف ماضٍ ذو حدين يخرج من فمه، فنرى فيه نحن المؤمنين حده الأول الذى يقطع خطاياى المميتة كما يقطع الجراح بمشرطه الورم الخبيث القاتل من جسم الإنسان ليعطيه حياة. ويكون هذا بكلمة الله التى هى سيف ذو حدين (عب12: 4) والحياة الجديدة تكون كولادة جديدة (1بط23: 1) وكان هذا بكلمة الله. فالحد الأول من السيف يبكت وينذر وينقى ومن يستجيب يحيا (يو25: 5) فيولد الإنسان من جديد وإن لم يستجب ويتوب تكون له كلمة الله هى الحد الثانى للسيف وهذا للدينونة (رؤ16: 2) + (يو29: 5 + 48: 12).

العدد 15

آية (15): -

"15 وَرِجْلاَهُ شِبْهُ النُّحَاسِ النَّقِيِّ، كَأَنَّهُمَا مَحْمِيَّتَانِ فِي أَتُونٍ. وَصَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ.".

رِجْلاَهُ شِبْهُ النُّحَاسِ = النحاس فى الكتاب المقدس يرمز للدينونة، والمسيح تجسد ليدين الخطية ويطأ إبليس بقوة. فالنحاس يشير لجسد المسيح الذى أتى به ليدين الخطية. كَأَنَّهُمَا مَحْمِيَّتَانِ بالنار = النار إشارة للاهوت فإلهنا نار آكلة (عب 12: 29) والنحاس المحمى بالنار إشارة لإتحاد اللاهوت بالناسوت. والقدمين يشيران للإمكانية التى يعطيها لنا الرب يسوع لندوس الحيات والعقارب وكل خطية وكل شهوة ردية.

صَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ = روح الله يشبه بالمياه (يو39، 38: 7) وحين يعمل فى كل الذين أتوا من المشارق والمغارب وآمنوا بالمسيح وصار التسبيح لغتهم يشبه هذا بصوت مياه كثيرة أى عمل كثير فى قلوب المؤمنين.

والمسيح لما كان على الأرض لم يسمع أحد فى الشوارع صوته (مت19: 12) ولكنه كديان سيكون صوته مرعباً.

العدد 16

آية (16): -

"16 وَمَعَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى سَبْعَةُ كَوَاكِبَ، وَسَيْفٌ مَاضٍ ذُو حَدَّيْنِ يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ، وَوَجْهُهُ كَالشَّمْسِ وَهِيَ تُضِيءُ فِي قُوَّتِهَا.".

مَعَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى سَبْعَةُ كَوَاكِبَ = هم الأساقفة وهم فى يده إشارة لحمايته لهم، هم وأفراد شعبهم. هنا يشبه المسيح نفسه بأم تحمل أطفالها لترعاهم.

واليد اليمنى إشارة لقوة حفظه لنا، فهو يحمى الأساقفة وكنائسهم بقوة. والأساقفة مشبهون بكواكب إذ هم نور للعالم يعكسون نور المسيح الذى هو كشمس، هو شمس البر (ملا 2: 4).

سَيْفٌ مَاضٍ ذُو حَدَّيْنِ = السيف ذى الحدين هو كلمة الله (عب 12: 4) لذلك نجده هنا يخرج من فمه.

وَوَجْهُهُ كَالشَّمْسِ = هذا تشبيه بشرى عن مجد وبهاء الإبن بعد أن جلس عن يمين أبيه وتمجد. والشمس تشير لأنها نور ونار مطهرة ودفء.

الأعداد 17-18

الآيات (17 - 18): -

"17فَلَمَّا رَأَيْتُهُ سَقَطْتُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ كَمَيِّتٍ، فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَيَّ قَائِلاً لِي: «لاَ تَخَفْ، أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، 18 وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتًا، وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ! آمِينَ. وَلِي مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ.".

لا يحتمل بشر مجد المسيح، وهذا حدث مع دانيال من قبل (دا10: 6، 8) ومع حزقيال (حز28: 1) ومع التلاميذ عند التجلى (مت6: 17). لكن دانيال رآه كمنظر البرق وهذا يظهر نوره لحظة ثم يختفى على قدر إحتمال العهد القديم، فدانيال ما زال فى العهد القديم قبل فداء المسيح، أما يوحنا فرآه كالشمس وهذه نورها مستمر.

فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَيَّ = والرب من محبته وضع يده اليمنى عليه ليعطيه قوة وليعطه طمأنينة، والتهدئة من الخوف والرعب وأقامه إذ سقط.

أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتًا = هذه الآية لا يستطيع أتباع شهود يهوه الرد عليها. فلو قلت لهم أن المسيح قيل عنه إله أو رب قالوا هذه تعنى سيد. ونحن نعترف به سيدا ولكنه ليس يهوه العظيم. ولكن هذه الآية تحرجهم جداً فلقب الأول والآخر قيل عن يهوه فى (إش6: 44) ولكن الحى وكنت ميتاً هذه لا تقال سوى عن المسيح. وبذلك عليهم أن يعترفوا أن المسيح يسوع هو يهوه العظيم الذى تجسد ومات وقام. وهو الديان لِه مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ = له سلطان على الهاوية = الجحيم يغلقه فى وجه أحبائه ويلقى فيه أعدائه. وهنا نرى الطبيعة الواحدة للسيد المسيح فهو الأول والآخر بلاهوته وهو الذى كان ميتاً وقام بناسوته. الحَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ = الحياة هى طبيعتى أما الموت فكان شىء عارض ولن يحدث ثانية. آمين = هذه بفم يوحنا تصديقا لما قاله الرب يسوع.

الأعداد 19-20

الآيات (19 - 20): -

"19فَاكْتُبْ مَا رَأَيْتَ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ، وَمَا هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ هذَا. 20سِرَّ السَّبْعَةِ الْكَوَاكِبِ الَّتِي رَأَيْتَ عَلَى يَمِينِي، وَالسَّبْعِ الْمَنَايِرِ الذَّهَبِيَّةِ: السَّبْعَةُ الْكَوَاكِبُ هِيَ مَلاَئِكَةُ السَّبْعِ الْكَنَائِسِ، وَالْمَنَايِرُ السَّبْعُ الَّتِي رَأَيْتَهَا هِيَ السَّبْعُ الْكَنَائِسِ».".

مَا رَأَيْتَ = المسيح وسط كنيسته حاملاً إياها كما تحمل الأم رضيعها وقارن مع (إش12: 66) + (يو12: 17) لتعرف محبة المسيح وحمايته لكنيسته. مَا هُوَ كَائِنٌ = أحوال الكنيسة (السبع الكنائس) لتعرف أخطائها وتتوب. مَا هُوَ عَتِيدٌ = أى ما سيحدث للكنيسة حتى المجىء الثانى.

مقدمة عن الإصحاحين الثانى والثالث:

الإصحاحين الثانى والثالث يشتملوا على رسائل للكنائس السبع.

طرق تفسير الرسائل:

تفسر الرسائل السبع للكنائس السبع بثلاث طرق: -.

  1. هى رسائل خاصة بهذه الكنائس تعالج مشاكل خاصة بهذه الكنائس.
  2. هى رسائل موجهة لكل كنيسة، فى كل زمان ومكان، أى لكل واحد منا وكل واحد يمكنه الإستفادة منها.
  3. هى رسائل تمثل مراحل تاريخية للكنيسة عموماً، وفيما يلى شرحاً لهذا.

معانى أسماء الكنائس وما تشير إليه.

  1. أفسس = المحبوبة: وهى تشير لفترة الكنيسة الأولى كنيسة الرسل الكارزة.
  2. سميرنا = المر: وهى تشير لفترة الألام والإضطهاد والإستشهاد.
  3. برغامس = التزاوج: (جامو ومنها Monogamy أى شريعة الزواج بواحدة) وهى تشير للفترة التى حدث فيها تزاوج بين الكنيسة والدولة وهذه بدأت بقسطنطين الملك. وفى هذه الفترة رأينا تدخل الأباطرة فى شئون الكنيسة بل رئاستهم للمجامع. ورأينا إعتماد الكنيسة على الأباطرة ولأن الكنيسة إتكأت على آخر غير المسيح بدأت تضعف.
  4. ثياتيرا = المسرح: وصلنا فى مرحلة برغامس إلى بداية ضعف الكنيسة وهنا تجد الحال أسوأ. فالشعب يحيا فى مظهرية دون تدين حقيقى أو محبة حقيقية لله. وإنتشرت البدع فمن لا يعرف الله يسعى وراء كل ما هو جديد، وهذا هو حال المسارح.
  5. ساردس = البقية: نتيجة ما سبق ضعفت المحبة، بل ترك الكثيرين المسيحية ولم يتبقى سوى قلة أى البقية.
  6. فيلادلفيا = محبة الإخوة: هذه مرحلة نرجو أن نصل إليها قريباً وفيها تتحد الكنائس، وتكون هذه الوحدة إستعداداً لأيام الضيقة العظيمة المنتظرة.
  7. لاودكية = حكم الشعب: والمعنى أن الكنيسة تنزل إلى مستوى الناس لترضى أهواءهم. فإذا لم يقبل الناس الأصوام تقول الكنيسة لا داعى للأصوام بل دخل الآن للكنيسة أحط ما فى الشعوب وأقامت بعض الكنائس أساقفة شواذ جنسياً.

لأن الناس يريدون هذا، وهذا معنى حكم الشعوب وهذه الفترة هى فترة الضيقة العظيمة، أو نهاية هذه الفترة هو الضيقة العظيمة (مت 31: 24) + (دا 1: 12) وفيها يظهر ضد المسيح.

الوعد للغالب

.

كيف ندرس كل رسالة:

كل كنيسة لها مشكلة والمسيح يظهر لهذه الكنيسة بشكل يتناسب مع مشكلتها. ويعطيها وعد لمن يغلب. وهذا الوعد يتناسب مع المشكلة، وهو أيضاً إمتداد للشكل الذى ظهر به المسيح للكنيسة. الشكل الذى يظهر به المسيح للكنيسة هو تعبير عن عطية أو قوة يعطيها المسيح لكنيسته تتناسب مع مشكلتها. والوعد الأخير لكل من يغلب هو ما سيحصل عليه الغالب فى السماء وهو إمتداد لما نراه فى شكل المسيح الذى ظهر به. فما نحصل عليه هنا هو عربون ما سنحصل عليه فى السماء.

مجـــد اللـــــه.

الأول والآخر.... الألف والياء.... البداية والنهاية.

هناك مفهوم عالمى للمجد: - وهذا يتمثل فيما يملكه الإنسان من أموال ومقتنيات وقصور وشهادات.... إلخ وقد عَبَّر الكتاب المقدس عن هذا المفهوم البشرى بأن جاءت كلمة المجد لأول مرة فى الكتاب المقدس على فم أولاد لابان حين قالوا "أخذ يعقوب كل ما كان لأبينا. ومما لأبينا صنع كل هذا المجد" (تك31: 1). فكان المجد فى نظرهم هو مجرد قطيع من الماعز. وما زال هذا هو المفهوم البشرى للمجد أى ماذا تملك من مال وقوة وسلطة... إلخ وهذا ما يحدد كم المجد الذى لك.

المفهوم الحقيقى الروحى للمجد: - يتضح هذا من قول الكتاب فى نهاية العهد القديم "وأنا يقول الرب أكون لها سور من نار من حولها وأكون مجدا فى وسطها" (زك2: 5). وبهذا نفهم أن كلمة المجد هى كلمة خاصة بالله فقط، وحيثما يوجد الله يوجد المجد. فالمجد هو طبيعة الله بل هو الله نفسه. ونحن لن ندرك هذا المجد إلا فى السماء حين نرى الله ونعرفه لأننا سنراه كما هو (1كو13: 12 + 1يو3: 2).

الله خلق كل شئ لمجد إسمه: -.

"السموات تحدث بمجد الله" (مز19: 1).

"فى البدء خلق الله السموات والأرض" (تك1: 1).

"بكل من دعى بإسمى ولمجدى خلقته وجبلته وصنعته" (إش43: 7).

"الكل به وله قد خلق" (كو1: 16).

نرى فى هذه الآيات أن الله فى أول آية فى الكتاب المقدس يعلن عن طبيعته وخيريته وأنه إله حي تخرج منه حياة ومخلوقات سمائية وملائكة، وخليقة عظيمة فى سمائها وأفلاكها، فى شمسها وقمرها، فى نظامها وترتيبها. فى خضوعها له كأنها كتيبة جند يحركها فتأتمر بأمره، فهو رب الجنود (ملائكة ونجوم وبشر). ونرى الأرض بكل ما فيها من جمال الخليقة (بحار وخضرة وزهور)، بل وما فيها من مخاوف (أعاصير وزلازل)، فندرك طبيعة الله المجيدة، ندرك قوته وسلطانه وعظمته ومحبته وجماله فمن يخلق هذا الجمال فهو أجمل بما لا يقاس ومن يتحكم فى هذه القوى الطبيعية فهو أقوى وأعظم بما لا يقاس. ونسمع فى الكتاب أن الجبال تهتف والأنهار تصفق والمعنى أنها فى جمال خلقتها تشهد لعظمة من خلقها. ونفهم إرادة الله فى أن يعطى الخليقة حياة وأنه لا يخلق موتا. إرادة الله أن ندرك ونفهم مجده ونعلنه بل ونعكسه، فالإنسان لأنه مخلوق على صورة الله فهو يعكس ويظهر مجد الله، فالسيد المسيح يقول "أنا هو نور العالم" ويقول لنا "أنتم نور العالم" (يو8: 12 + مت5: 14). وبهذا نمجده بأن نشهد له ونسبحه ونعلن مجده أى يظهر مجده فينا فهو يستحق، وهذا ما يعمله السمائيون "أنت مستحق أيها الرب أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة لأنك أنت خلقت كل الأشياء وهى بإرادتك كائنة وخلقت" (رؤ4: 11)، بل ليس فقط السمائيون بل كل الخليقة. لم يفشل فى تمجيد الله سوى الشيطان والإنسان.

وراجع الآيات (إش43: 1 – 21) لنرى الله يعلن عن محبته لشعبه إسرائيل (رمزا للكنيسة) وأنه سيخلصها من عبوديتها لبابل (رمزا لعبودية البشر للشيطان) وسيحطم كل العوائق التى تحول دون عودتهم (وللكنيسة كان هذا بالصليب) وسيجمع شعب إسرائيل من الشتات "أقول للشمال أعطِ وللجنوب لا تمنع. إيتِ ببنىَّ من بعيد وببناتى من أقاصى الأرض. بكل من دُعِىَ باسمى ولمجدى خلقته وجبلته وصنعته" (6، 7) (وكان كل هذا رمزا لدخول الأمم للإيمان بالمسيح). "هذا الشعب جبلته لنفسى. يحدث بتمجيدى" (آية 21). ومن يدرك عمل الله هذا يمجده ويشهد له "أنتم شهودى يقول الرب وأنا الله" (آية 12). فالشهادة لله الفادى والمخلص هى دعوة للآخرين ليعرفوا ويؤمنوا، وهذه هى إرادة الله "أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون" (1تى2: 4) ودخول الكثيرين للإيمان يمجد الله. وهذا ما قاله السيد "أنا مجدتك على الأرض" (يو17: 4) = بأن إستعلن لنا الآب وتمم الفداء فأعاد الإنسان لحضن الآب.

إذاً من يريد أن يمجد الله عليه أن يشهد لله سواء بفمه أو بحياته فى محبة للآخرين وفى حياة قد إنتصرت على الخطية بعمل النعمة، بالفرح وسط الضيقات والتسبيح والشهادة والشكر لله وسط التجارب، ويرى الناس صورة للمسيح فينا والفرح الذى فينا، ويسألوننا عن سبب الرجاء الذى فينا (1بط3: 15) فيؤمنوا به. لذلك نحن نور للعالم وسفراء كأن المسيح يعظ بنا (مت5: 14 + 2كو5: 20).

إذاً معنى أن الله خلق كل شئ لمجد إسمه، أنه يريد أن تدرك كل الخليقة مجده وتعرفه فتسبحه وتمجده، بل وتعكس مجده وتظهره. وهذا ما أدركته الملائكة حينما رأوا عمل الله فى الخليقة "أين كنت حين أسست الأرض.... عندما ترنمت كواكب الصبح معا وهتف جميع بنى الله" (أى38: 1 – 7).

من هذه الآيات من سفر أيوب نفهم معنى التسبيح: - فالتسبيح هو التعبير عن حالة الفرح بما رآه الملائكة من أعمال الله فى الخليقة. وهذا ما عمله الملائكة القديسون. وهذا أيضا عمل كل أبناء الله القديسون الذين تكون قلوبهم نقية وبالتالى تكون عيونهم مفتوحة، فيعاينون الله (مت5: 8) ومن يعاين الله ويعرف أعماله يسبحه ويمجده. فالتسبيح ليس هو فرض يجب أن نقوم به سواء الآن أو فى السماء، بل هو حالة من الفرح حين نعرف الله ونراه، والتعبير عن هذا الفرح هو ما يسمى التسبيح.

والعكس فمن هو مستعبد للخطية لن ترى عيناه مجد الله وعمله، وبالتالى لن يسبح، وهذا ما عبر عنه المرنم بقوله عن من سباهم البابليون من شعب الله إلى أرض العبودية بابل "على أنهار بابل.. بكينا.. علقنا أعوادنا. لأنه هناك سألنا الذين سبونا كلام ترنيمة.... كيف نرنم ترنيمة الرب فى أرض غريبة" (مز137: 1 – 4). ففى العبودية لا أفراح، وبالتالى لا تسبيح (السبى فى بابل رمز لسبى الخطية للإنسان).

الله خلقنا لنعاين مجده: - فنرى الله يتكلم مع آدم وحواء (تك1، 2) ولما أخطئا إختبئا (تك3: 8). وبسبب الخطية إحتجب الله عن الإنسان "حقا أنت إله محتجب يا إله إسرائيل" (إش45: 15) وما عاد الإنسان يرى مجد الله لئلا يموت، وما عاد الإنسان يظهر فيه صورة مجد الله ويعلنها. لنفهم لماذا لا نستطيع أن نرى مجد الله، نقول أن هذا يشبه أن الإنسان لا يستطيع أن يحدق فى نور الشمس لئلا يفقد نظره بسبب ضعف الجسد ونحن ضعف جسدنا بسبب الخطية، وهذا ما قاله الله لموسى النبى حين أراد أن يرى مجد الله "لا يرانى الإنسان ويعيش" (خر33: 20). ولكن فى النهاية أراه الله النذر اليسير بقدر إحتماله فلمع وجهه. وهذه القصة تظهر أن الله يوَّد لو رأى الناس مجده فيفرحون، ولكن هذا لا يمكن الآن ونحن فى هذا الجسد الذى سكنت فيه الخطية (رو7: 14 – 25) ولنفهم هذا لنرى مقدار الرعب الذى حدث لشعب إسرائيل حين رأوا النذر اليسير على قدر إحتمالهم، وشيوخ إسرائيل رأوا بقدر إستحقاقهم (خروج إصحاحات 24، 33، 34) (أما فى السماء فسنرى الله ونعاين مجده بل تتغير صورتنا إلى صورة جسد مجده (فى3: 21 + 1كو13: 12 + 1يو3: 2). ونرى أن هدف الله منذ البدء أن يوجد الإنسان فى مجد الله، ويظهر هذا من وعد المسيح لملاك كنيسة لاودكية أنه لو غلب يجلس معه فى عرشه (رؤ3: 21).

مجد الله هو الله نفسه لا نراه الآن ولكن هو فى وسطنا وفينا كأبناء لله، إذاً نحن فى مجد لكنه غير مستعلن. أما فى الأبدية فسوف يستعلن وينعكس علينا هذا المجد فيكون لنا أجساد ممجدة "المجد العتيد أن يستعلن فينا" (رو8: 18). أى يظهر فى أجسادنا صورة مجد الله وهذا ما أراده الله من البدء.

مما سبق نفهم أن الله خلق الإنسان ليوجد فى حضرة الله ومجد الله ويفرح بالله ويراه فى مجده ويعكس مجد الله ويظهره ويعلنه لكل الخليقة.

والله خلق الإنسان ليحيا حياة أبدية بلا موت: - فكان معروضا على آدم أن يأكل من شجرة الحياة، فالله قال له من جميع شجر الجنة تأكل، وشجرة الحياة كانت فى الجنة. لكنه حينما أكل من شجرة معرفة الخير والشر بحريته مات "أنا إختطفت لى قضية الموت" القداس الغريغورى.

والله خلق الإنسان ليفرح ويحيا فى مجد: - فقد أعد الله الأرض فى مليارات السنين لتكون جنة جميلة يعيش فيها الإنسان فى فرح (عَدْنْ كلمة عبرية تعنى فرح وبهجة). ولما فقدنا هذا الفرح بسبب الخطية أتى المسيح ليعيد لنا هذا الفرح وقال "الآن عندكم حزن ولكن أراكم فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو16: 22). ويعيد لنا الحياة "من آمن بى ولو مات فسيحيا" (يو11: 25)، ويعيد لنا المجد (يو17: 22).

والإنسان هو نفخة حياة من الله، حياة خرجت من الله لا لتنفصل عنه، بل تظل فى حضن الله، فالإنفصال عن الله هو إنفصال عن الحياة، فالله حياة. فلما أخطأ الإنسان إنفصل عن الله فمات الإنسان وخسر حياة الفرح وهذا معنى طرد الإنسان من الجنة. وحينما لم يعد الإنسان يرى الله ما عاد يعكس مجده.

لكن الخطية أضاعت كل هذا من الإنسان فهل يبطل قصد الله.

من المستحيل أن يفشل قصد الله فتجسد المسيح كلمة الله ليتمم قصد الله.

الآن نرى أن إرادة الله أن نعرفه ونراه ونعرف وصاياه وبلا خوف، ونرى مجده ونفرح به، ونظل غير منفصلين عنه، ولكن الخطية الساكنة فينا تمنعنا (رو7: 17). ورأينا مدى الرعب الذى شعر به بنى إسرائيل حين رأوا الله بقدر ما أمكن، فطلبوا من موسى ألاّ يروا الله ثانية فلا يموتوا، بل يصعد موسى وحده ويكلم الله وينقل لهم كلمات الله (تث18: 15 – 19) ونرى هنا وعد الله بإرسال إبنه يسوع المسيح الذى قال عنه هنا "نبى من وسط بنى إسرائيل من إخوتهم ويضع كلامه فى فمه".

ماذا تعنى كلمة خطية؟

الكلمة فى اليونانية تعنى من أخطأ فى إصابة الهدف فلم يحصل على مكافأة. وهذا ما قاله القديس بولس الرسول "الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله" (رو3: 23). والهدف الذى يجب أن نسعى إليه كأولاد الله هو كيف نرضى الله بأن نطيع وصاياه، ووصايا الله ليس هدفها سوى راحة وفرح الإنسان، فالله يحب الإنسان وخلقه ليفرح وهو فى مجد الله، وأعطاه الوصايا التى تؤدى لأن يفرح ويستمر حيا للأبد فى مجد الله ويعكس هذا المجد. ولو عرف الإنسان الله لأحبه ووثق فيه، ووثق أن وصاياه هى لصالحه فيطيعها. وكان الله يريد أن يكتشف الإنسان محبته ويبادله هذه المحبة، وتكون عطايا الله للإنسان هى علامة محبته له، وتكون طاعة الإنسان لله هى علامة محبة الإنسان لله. ولما أخطأ آدم الهدف (خطية آدم) خسر المجد وخسر كل بنى آدم هذا المجد. وكان فداء المسيح ليعيد آدم وبنيه لهذا المجد. ولكن ما زال الإنسان حرا فى أن يأكل من شجرة الحياة فيحيا للأبد فى المجد أو يرتد للخطية ويضيع منه هذا المجد.

والآن فإن من يضل عن الله سعيا وراء شهوات العالم لن يجد سوى الضلال والعدم فالعالم باطل كالسراب. أما من يطيع الله يثبت الله فيه فيكون فى مجد غير معلن (زك2: 5) ويستعلن هذا المجد فى الدهر الآتى (رو8: 18).

ماذا قدم المسيح لنا؟

الخطية فصلتنا وأبعدتنا عن الله فما عدنا نراه وما عدنا نعرفه ولا نعرف إرادته، وكان أن تجسد كلمة الله فرأينا فى المسيح صورة الآب نفسه = "هو بهاء مجده ورسم جوهره" (عب1: 3). "وهو صورة الله غير المنظور" (كو1: 15) لذلك قال السيد المسيح "الذى رآنى فقد رأى الآب" (يو14: 9) فالمسيح أعلن الآب "الله لم يره أحد قط، الإبن الوحيد الذى هو فى حضن الآب هو خَبَّرَ" (يو1: 18) = الألف والياء ولقد ظهر مجد الله فى المسيح فرأينا فيه مجد الآب.

والخطية فصلتنا عن الله. وتمرد الإنسان على الله ولم يعد الكل خاضعاً لله معلنا سيادة الله على كل الخليقة (عب2: 8). كان قصد الله أن يظهر محبته للإنسان بعطاياه وجنة الفرح التى هيأها له، وحين يكتشف الإنسان هذه المحبة يحب الله الذى أحبه، ويكون علامة حب الإنسان لله الخضوع لله وطاعته إذ يكتشف أن وصايا الله هى لصالحه، فمن أحبه كل هذا الحب لن يعطيه وصايا إلاّ ما يقوده ليفرح ويحيا حياة أبدية.

نحن كنا حياة خرجت من كلمة الله الذى هو فى حضن الآب = فالمسيح هو بداءة خليقة الله أى هو الذى بدأ الخليقة، خرجت منه الخليقة، وبه كان كل شئ (رؤ3: 14 + يو1: 3). وكانت إرادة الله وفرحته أن يعطى حياة للإنسان ويسعد الإنسان ويعلن محبته، ويعكس هذا الإنسان مجد الله كما تعكسه كل الخليقة، على أن يظل الإنسان فى إتصال مع الله بلا إنفصال عنه داخل دائرة الحب الإلهى حاضرا أمام مجده فيعكس مجده. فالإنسان كان أولا فى الإبن فالإنسان خرج من الإبن، ولأن الإبن كان فى حضن الآب كان الإنسان أولا فى حضن الآب، ويرى الإنسان مجد الله ويفرح به فيسبح كعلامة لفرحه كما تعمل الملائكة. ولما أخطأ الإنسان فقد كل هذا فأتى المسيح ليتحد بنا ويعيدنا إلى حضن الآب (تصمم الكنائس لتشرح هذا المفهوم). وعاد الوضع كما أراد الله، كنا حياة خرجت منه فأعادنا المسيح إلى حضن الآب = فهو البداية والنهاية بدأ الخليقة أو خرجت منه وأبدأها، ولما تمرد الإنسان تجسد المسيح ليعيده للآب ثانية ويثبت قصد الله الأزلى. ونكون فى نور أبدى فالله نور (رؤ22: 5). لذلك قال الآب عند معمودية المسيح "هذا هو إبنى الحبيب الذى به سررت" إذ أننا بالمعمودية نعود لله كأبناء لله. البداية = أن الحياة خرجت من إبن الله بهدف أن نعلن مجد الله. والنهاية = المسيح يعيدنا لدائرة الحب الإلهى والخضوع لله فنعود لما أراده الله منذ البدء ونعكس مجد الله، ونتبادل الحب مع الله بعد أن إنفتحت أعيننا وعرفناه إذ أعلنه المسيح لنا = الألف والياء. ولذلك يقول بولس الرسول أنه فى النهاية "يخضع الكل لله ويكون الله الكل فى الكل" (1كو15: 28) فهو سيجمع الكل فيه ويكون هذا الخضوع بالحب والثقة إذ عرفناه. ونحن لن نجد أنفسنا سوى فى الله.

أما الأشرار فلن يروا الله إذ قد رفضوه وهم على الأرض فسيبقون فى الظلمة الخارجية (مت25: 30). وسيتمجد الله فيهم أيضا بأن ينهى تمردهم وعصيانهم، ويعلن سلطانه عليهم.

الكل سيخضع لله إما عن حب وتمجد كل الخليقة الله، وهذا سيحدث مع القديسين الذين مجدوا الله على الأرض، وإما بالدينونة. لذلك نرى المسيح هنا يظهر مرتديا الثياب الكهنوتية = شبه إبن إنسان متسربلا بثوب إلى الرجلين فهو رئيس كهنة يشفع فى القديسين، لكن على صدره منطقة وهذه ملابس القضاة = ومتمنطقا عند ثدييه بمنطقة من ذهب فهو الديان للأشرار.

إذاً فى النهاية لا بد وأن يتمجد الله ويثبت القصد الإلهى، فالقديسون سيتمجد الله معهم بإعلان محبته وبالمجد المُعَّدْ لهم فالمسيح تجسد ليمجد جسده الإنسانى (ناسوته) وبالتالى يمجد جسدنا (يو17: 5 + 17: 22) وذلك بأن يعيدنا إلى الوجود فى حضرة الآب، فى حضن الآب وينعكس علينا مجد الله ونوره فيكون لنا الجسد الممجد والنورانى وهذا كان قصد الله من البداية وهذا يتضح من وعد المسيح لكنيسة لاودكية "من يغلب أعطيه أن يجلس معى فى عرشى" (رؤ3: 21) وبالمسيح ثبت قصد الله فى النهاية.

المسيح الأزلى الأبدى غير الزمنى = الأول والآخر هو أبدأ الحياة فى الزمان، فبه كان كل شئ وبه عادت الخليقة لله كما كان قصده منذ البدء = لذلك هو البداية والنهاية.

أما من رفض الله وهو على الأرض فسيتمجد الله أيضا فيه بإعلان قداسته وعدله فى عقوبته فى البحيرة المتقدة بالنار المعدة لإبليس وملائكته (مت25: 41 + رؤ20: 15).

كيف نمجد الله الآن: - "لكى يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذى فى السموات" (مت5: 16)، ويكون هذا بمعرفة الله وهذه المعرفة يعطيها الروح القدس الذى يعلمنا ويأخذ مما للمسيح ويخبرنا "(يو14: 26 + يو16: 14). وحينما نعرفه نحبه ونلتصق به. وبإلتصاقنا بالله فى عبادة مستمرة نثبت فى المسيح ونسلك فى محبته وتواضعه وخدمته للآخرين فنكون صورة للمسيح يراها الناس (غل4: 19) فيعرف الناس المسيح ويؤمنون به فيتمجد الله بإيمانهم.

من يغلب.

هذا التعبير يتكرر مع كل رسالة يوجهها رب المجد إلى كل كنيسة من الكنائس السبع. والمعنى أنه كما رأينا أن الله خلقنا لمجده أى لنراه ونحيا فى فرح فى مجده، نراه ونعكس مجده ونسبحه فهو يستحق هذا التسبيح، ويكون هذا التسبيح تعبيرا عن فرحتنا بالله وبعمله.

ولكن ونحن فى الجسد الآن نجد أنفسنا فى صراع بين الجسد والروح وراجع (غل5: 16 – 26). فإن ضلَّ الإنسان عن الهدف وهو الله وإلتفت إلى الخليقة دون الخالق ساعيا وراء شهوات الجسد الخاطئة، ينفصل عن الله، ويفقد وجوده فى دائرة الحب الإلهى والمجد الإلهى فيفقد صورة الله. ولذلك نجد الإنسان مخيرا بين الحق وهو الله وهو أيضا مجد الله، وبين العالم الباطل وملذاته التى ينشغل بها الإنسان عن الله فيفقد الإنسان رؤية الله ومعرفته. ونرى صورة لصراع الإنسان بين الحق مع الباطل فى رسالة لاودكية (رؤ3) فمن غلب ينال مكانا فى عرش المسيح أى فى مجده. وعرش المسيح حق ومجد أبدى. ولكن من ضل وإنجرف إلى محبة العالم فيصير شقى وبائس وفقير وأعمى وعريان ولا نصيب له فى المجد الأبدى. ولأن االمسيح هو عريس نفوسنا، والنفس هى عروس المسيح، لذلك فإن من يخطف النفس من يد المسيح يثير غيرة الله (يع4: 4 – 6) وتترجم كلمة غيرة هنا حسد فهما نفس الكلمة. ولذلك يعتبر الكتاب أن محبة العالم عداوة لله. والله خلق العالم لنستعمله لا ليصير هدفا لنا نسعى وراءه تاركين الله.

والمسيح أتى ليشهد للحق وليمجد الله ولأن العالم باطل صَلَبَ المسيح، والمسيح قَبِل الصليب ليأتى بأولاد الله الذين إنفصلوا عنه بسبب الخطية ويعيدهم لحضن الآب = "أنا مجدتك على الأرض" (يو17: 4). ولذلك فإن الصليب يعتبر مجدا فهو إختيار حر لله ورفض للعالم (يو7: 37 – 39). ونحن نفهم الآن أن قبولنا أى صليب هو مجد لله فنحن نقبل الصليب حبا فى الله، ورفض العالم والذات والثبات فى الله هو مجد لله. وهذا ما فعله الشهداء فإنتشر الإيمان إذ رأى الوثنيون هذا الحب لله وإنكار الذات حتى الموت. وما معنى أن المسيح مجَّد الآب؟ هذا يعنى أن المسيح أعلن الآب ومحبته للناس، وأعاد الإنسان لحضن الآب فثبت القصد الإلهى، وكون أن البشر يعودون لله فهذا يمجد الله.

ولنرى الآن كيف ظهر المسيح فى سفر الرؤيا ليعيد كل الخليقة كما أرادها الله منذ البدء؟

هو إبن الله الأزلى غير الزمنى الأول والآخر. هو البداية والنهاية = فى الزمان خرجت منه الخليقة كاملة وحسنة جدا (تك1: 31) كما أرادها الآب وبعد السقوط أعادها كما أرادها الآب. هو ابن الله الذى تجسد ليستعلن لنا الآب ويعلن لنا إرادته، هو كلمة الله = الألف والياء. وفى تجسده إتحد لاهوته بناسوته = رجلاه شبه النحاس النقى كأنهما محميتان فى أتون. والنحاس إعلانا عن أنه سيدين الخطية التى دخلت إلى العالم ويدكها. وليس هذا فقط بل يصل التطهير إلى مستوى حرق الخطية من داخل الإنسان فيتطهر ضميره "مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير.." (عب10: 22) = عيناه كلهيب نار فهو فاحص القلوب والكلى (رؤ2: 23). ويرسل لنا الروح القدس "روح الإحراق" ليحرق خطايا شعبه فيطهرهم (إش4: 4) = رأسه وشعره فأبيضان كالصوف الأبيض كالثلج..... رأسه = هو قدوس وبار بلا خطية يبكته أحد عليها، وشعره = برر شعبه بأن غسلهم وبيضهم بدمه (رؤ7: 9، 14) وكان هذا ما سبق ووعد به الله شعبه "إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج. إن كانت حمراء كالدودى تصير كالصوف" (إش1: 18). وصار رئيس كهنة وشفيعا لشعبه = شبه ابن إنسان متسربلا بثوب إلى الرجلين.

وأعلن الله كلمته فيه = سيف ماض ذو حدين يخرج من فمه. فهو يعلن إرادة الله بالحد الأول وهذه تنقى وتلد من جديد (يو15: 3 + 1بط1: 23)، ويدين بالحد الثانى (يو12: 48 + رؤ2: 16 + يو5: 22) فهو الديان = متمنطقا عند ثدييه بمنطقة من ذهب + له مفاتيح الهاوية والموت = فيعلن مجد الله وقداسته بدينونة الشر. وكنيسته المطهرة بدمه هذه صارت كنيسة مُسَبِّحَة كالسمائيين = صوته كصوت مياه كثيرة يقول هنا صوته فهو رأس لكنيسته. ووجهه كالشمس وهى تضئ فى قوتها = فهو قد تمجد بالجسد ليمجد كنيسته (يو17: 5، 22).

البداية والنهاية = قصد الله لابد وأن يثبت، خلق الله الإنسان ليفرح الله به ويفرح الإنسان بالله. وما حدث بسبب الخطية لا يتعدى لحيظة بالنسبة لأزلية الله وأبديته فهو الأول والآخر. وهذا المفهوم يشرحه الله هكذا فى سفر إشعياء "لحيظة تركتك وبمراحم عظيمة سأجمعك. بفيضان الغضب حجبت وجهى عنك لحظة وبإحسان أبدى أرحمك قال وليك الرب" (إش54: 7، 8).

مجد الله.... وراحة الإنسان.

متى يرتاح الإنسان ويفرح... ومتى يصيبه الحزن والإحباط؟ عادة يفرح الإنسان إذا ما تحققت رغباته، وبالعكس فهو يحزن إن لم تتحقق هذه الرغبات.

والإنسان أمامه هدفين: - 1) إما أن يطلب راحته. 2) وإما أن يطلب مجد الله.

والإنسان الغير ناضج روحيا عادة ما يطلب راحته غير مهتم بمجد الله. فنجد المرأة السامرية تطلب من المسيح الماء الذى من يشرب منه لا يعطش أبدا، حتى لا تأتى للبئر وتستقى من الماء كل يوم. واليهود بل والتلاميذ أرادوا أن يملك المسيح كملك أرضى بعد أن رأوا معجزة إشباع الجموع بخمس خبزات وسمكتين، ووجدوا أن هذا سيجعلهم يحيون فى راحة دون مجهود، بل سيكون لهم إمتيازات عالمية ومناصب عالية كتلاميذ للملك، بل إستمروا فى هذا الصراع حتى إلى ما قبل الصليب بساعات. ونجد السيد يلزمهم أن ينزلوا للبحر (مت14: 22) إذ وهو العالم بكل شئ كان يعلم بهياج البحر مساءً. وصعد هو إلى الجبل ليفهموا أنه سيتركهم ويصعد إلى السماء، إنما هم سيكملون عملهم على الأرض وسط هياج هذا العالم المضطرب كالبحر، ويأتيهم المسيح سائرا على الماء إعلانا لهم أنه هو المسيطر على كل الأمور. ويسير بطرس على الماء حينما كانت عينه مثبتة على المسيح ولكن حين نظر للبحر المضطرب الهائج غرق فى الماء، ويقول له المسيح لماذا شككت. من هذا نرى أن المسيح لم يعدنا براحة فى العالم، بل قال لنا أنه فى العالم سيكون لنا ضيق ولكن يطمئننا أنه غلب العالم وهذا = سيره على الماء وسط البحر الهائج. فمن ينتظر الراحة فى العالم لكى يفرح فمن المؤكد أنه لن يجد الفرح فى هذا العالم.

والبحر تثور أمواجه من هياج الهواء وهذا ما حدث لسفينة التلاميذ فكادت تغرق "وأما السفينة فكانت فى وسط البحر معذبة من الأمواج لأن الريح كانت مضادة" (مت14: 24). فإذا فهمنا أن هياج الريح يرمز لهياج الشيطان الذى قال عنه بولس الرسول أنه رئيس سلطان الهواء (أف2: 1). والشيطان الهائج يثير العالم (البحر) ضد الكنيسة وشعب الله (السفينة). لكن الكل خاضع لسلطان المسيح ضابط الكل، فالهواء والبحر بل وكل الخليقة تطيعه وتحت سلطانه (مت8: 27) + (مت8: 32) + "ولما دخلا السفينة سكنت الريح" (مت14: 32). من كل هذا علينا أن نفهم أنه حين تضطرب الأمور أمام أعيننا فعلينا أن لا نجزع بل نفهم أن الله يريد الأمور كما هى هكذا، فإنه لو أراد تغييرها لكان قد غيرها فهو قادر على هذا وله كل السلطان. ولنعلم أن الله لن يسمح بحدوث شئ إلا لو كان هذا الشئ لمجد إسمه. ومن المستحيل أن يحدث شئ والله لا يريد له أن يحدث. وكيف يحدث شئ لا يريده الله، والله هو ضابط الكل؟!

لذلك نجد أن الطريق الصحيح للفرح هو فى أن يكون هدفنا مجد المسيح وليس الراحة المادية فى هذا العالم. ولنعلم أن المسيح قد تمجد بالجسد لكى يتمجد الإنسان. ولذلك قيل أن الله جعله وارثا لكل شئ (عب1: 2) أى يرث المجد بجسده (يو17: 5) لكى نرث نحن معه هذا المجد (رو8: 17 + يو17: 5). هو غلب ليتمجد بجسده = يجلس مع الآب فى عرشه لنتمجد نحن معه ونجلس معه (مع المسيح) فى عرشه. فكل مجد للمسيح بجسده هو لحساب الإنسان الثابت فيه، لذلك يقول "إثبتوا فىَّ" (رؤ3: 21). المسيح يعلم أن العالم به ضيقات "فى العالم سيكون لكم ضيق" (يو16: 33)، ويعلم أن الضيقات ستسبب لنا حزن. ومن المستحيل أن نجد الفرح وسط هذه الضيقات والأحزان. لذلك يقول "الآن عندكم حزن... ولكنى سأراكم... فتفرح قلوبكم... ولا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو16: 22). وهذا هو طريق الفرح الوحيد، تعزيات تملأ القلب وسط أى ضيقة، ومهما كانت الضيقة لن تقدر أن تتغلب على التعزية الآتية من السماء. وهذه هى حياة النصرة فى المسيحية (الثلاثة فتية فى الآتون).

والمسيح ليس فى حاجة للإنسان ليمجده، بل حينما يبحث الإنسان عن مجد المسيح سيجد نفسه هو وقد تمجد. فالمسيح تمجد بجسده الإنسانى ليمجد الإنسان، فكلما يسعى الإنسان ليمجد المسيح يتمجد الإنسان ويفرح. ولنلاحظ أن الفرح والسلام اللذين يعطيهما المسيح يختلفان عن الفرح والسلام اللذين يعطيهما العالم.

  • سلام العالم معرض للإختفاء مع أول ألم أو تجربة تَلِّمْ بالإنسان. ولنتصور إنسانا إمتلك كل ما يشتهيه من كل شئ (مال وقصور... إلخ) ثم حدث زلزال مخيف فهل نتصور أن يستمر هذا السلام الذى أعطاه له العالم، أم أنه سيتلاشى فورا؟! والعكس نجد داود النبى يقول "إن نزل علىَّ جيش لا يخاف قلبى. إن قامت علىَّ حرب ففى ذلك أنا مطمئن" (مز27: 3)، ويقول أيضاً "لذلك لا نخشى ولو تزحزحت الأرض ولو إنقلبت الجبال إلى قلب البحار" (مز46: 2). لذلك يقول السيد المسيح ملك السلام "سلاما أترك لكم. سلامى أعطيكم، ليس كما يعطى العالم أعطيكم أنا" (يو14: 27).
  • الفرح العالمى أيضا لا يمكن أن يتغلب على ألام العالم، لكن الفرح الذى يعطيه المسيح قال عنه "ولا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو16: 22).
  • ولنفهم أن مجد الإنسان والكنيسة هو فى وجود الله وسطها (زك2: 5). ووعد السيد المسيح لنا هو "لأنه حيثما إجتمع إثنان أو ثلاثة بإسمى فهناك أكون فى وسطهم" (مت18: 20). لكن هذا يتطلب منا أن نسلك فى النور فلا شركة بين النور والظلمة (2كو6: 14).

وكيف نفرح والعالم حولنا مضطرب وبه أحداث مخيفة، فهل هذه الأمور تمجد الله؟!

يقول لنا القديس بولس الرسول "كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله" (رو8: 28). ولكن لا داعٍ أن نحاول فهم كل شئ ونُخْضِع الأحداث للمنطق البشرى، فنحن لن نفهم هنا كل ما يفعله الله ويسمح به، لكننا سنفهم فيما بعد (يو13: 7). ولنتأمل فى موقف الشعب وحيرتهم بل وحيرة موسى النبى أيضا وهم محصورين ما بين البحر الأحمر من أمامهم وجيش فرعون من خلفهم.... هل كان يتصوَّر أحد أن يخرج من هذا الموقف ما يمجد إسم الله؟!. فهناك كثير من الأحداث التى تقابلنا فى حياتنا ويعسر علينا تقبلها وأن نفرح بها إذ هى ضد راحتنا وضد منطقنا البشرى فنحزن.

والأغرب أن هناك من يتصوَّر ويخطط ويرسم طريق للأحداث وكيف يجب أن تسير الأمور ليتمجد الله، فإن حدث عكس ما يتصوره يحزن ويكتئب. فهل نخطط نحن لله أم علينا أن نتقبل نحن ما يدبره الله بحكمته؟!

إذاً طريق الفرح يتلخص فى أن نسعى وراء مجد المسيح، ونسلم الأمور له فهو العالم كيف يمجد إسمه. وإن ظهر أمامنا أن الأمور معقدة فهو القادر أن يخرج من الجافى حلاوة ليتمجد إسمه (قض14: 14). وإذا فهمنا أن كل ما يحدث بسماح منه مهما غلق علينا فهمه فلنفرح إذاً، وهذا ما عبَّر عنه يوسف حينما قال لإخوته "أنتم قصدتم لى شراً. أماّ الله فقصد به خيراً لكى يفعل كما اليوم. ليحيى شعبا كثيرا" (تك50: 20).

ببساطة لو وثقت أن الله لن يسمح سوى بما يمجد إسمه، وأن فى هذا أيضا كل الخير لك "فكل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله" (رو8: 28) على شرط أن تضع فى قلبك أن لاتثق فى نفسك وأفكارك وتصورك لحلول المشاكل، حينئذ سوف تفرح.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الثاني - تفسير رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير رؤيا يوحنا اللاهوتي الأصحاح 1
تفاسير رؤيا يوحنا اللاهوتي الأصحاح 1