الأصحاح الثامن – سفر أيوب – مارمرقس مصر الجديدة

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر أيوب – كهنة و خدام كنيسة مارمرقس مصر الجديدة.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الأَصْحَاحُ الثَّامِنُ

بلدد يقرر عقاب الأشرار.

1 فَأَجَابَ بِلْدَدُ الشُّوحِيُّ وَقَالَ: 2 «إِلَى مَتَى تَقُولُ هذَا، وَتَكُونُ أَقْوَالُ فِيكَ رِيحًا شَدِيدَةً؟ 3 هَلِ اللهُ يُعَوِّجُ الْقَضَاءَ، أَوِ الْقَدِيرُ يَعْكِسُ الْحَقَّ؟ 4 إِذْ أَخْطَأَ إِلَيْهِ بَنُوكَ، دَفَعَهُمْ إِلَى يَدِ مَعْصِيَتِهِمْ. 5 فَإِنْ بَكَّرْتَ أَنْتَ إِلَى اللهِ وَتَضَرَّعْتَ إِلَى الْقَدِيرِ، 6 إِنْ كُنْتَ أَنْتَ زَكِيًّا مُسْتَقِيمًا، فَإِنَّهُ الآنَ يَتَنَبَّهُ لَكَ وَيُسْلِمُ مَسْكَنَ بِرِّكَ. 7 وَإِنْ تَكُنْ أُولاَكَ صَغِيرَةً فَآخِرَتُكَ تَكْثُرُ جِدًّا.

الأعداد 1-2

ع1 - 2:

:

فيك: فمك.

بعدما رد أيوب على أليفاز لم يتكلم أليفاز؛ ليدافع عن آرائه ولكنه صمت وترك صديقه بلدد يتكلم؛ لأن الثلاثة أصدقاء اتفقوا فيما بينهم على إدانة أيوب، أي أن كلام بلدد هو امتداد لكلام أليفاز لتوبيخ أيوب، وإن كان بلدد أكثر قسوة في توبيخه. ودون أن يعلم الثلاثة أصدقاء أصبحوا وسيلة في يد الشيطان لدفع أيوب إلى اليأس، ولكن الله حماه منهم وأظهر بره في النهاية.

تظهر قسوة بلدد في بداية كلامه أن يصف كلام أيوب بريح شديدة، أي أنه يتكلم بقوة ولكن بلا نفع وكلامه يذهب كالريح، فهو يتهم أيوب بالسفاهة وعدم التعقل وعدم الحكمة.

العدد 3

ع3:

أعلن بلدد أن الله عادل ولا يعوج الحق. وهذا أمر متفق عليه لم يعارضه أيوب، ولكنه بكلامه هذا يقصد توبيخ أيوب أن الله عادل بضربه هذه الضربات؛ لأنه شرير. وهذا أيضًا يؤكد قسوة بلدد.

العدد 4

ع4:

تتعاظم قسوة بلدد في تقرير أن كثرة الضيقات التي حلت بأيوب تؤكد شره العظيم، مع أن هذه ليست قاعدة روحية، فقد تكون كثرة الضيقات لتزكية المؤمن، كما في حالة إبراهيم وأيوب. وأصعب هذه التجارب هي موت أولاده، فبقسوة يذكره بلدد بها، بل يضيف من عنده أن أولاده ماتوا بسبب شرهم. وواضح من الكلام أن بلدد لا يقدم تعزية لأيوب، بل على العكس يحاول تحطيم نفسيته، بالإضافة إلى أن كلامه خطأ. فلم يكن معروفًا عن أولاد أيوب أنهم أشرار، بل على العكس كان أيوب يقدم ذبائح عنهم، لعل أحدهم يكون قد أخطأ سهوًا، أو دون قصد (أي 1: 5).

الأعداد 5-7

ع5 - 7:

:

زكيا: بارًا.

استمر بلدد في اندفاعه موبخًا أيوب تحت ستار إعلانه حقائق روحية، فقال لأيوب إن غيرت حياتك وأسرعت للصلاة باكرًا وتركت عنك شرك، فإن الله يباركك ويغير مسكنك الشرير، ويجعله مسكن بر، فتعيش حياة نقية، وتكون كل مقتنياتك التي تقتنيها هي بالحق وليس بالظلم والشر كما كنت سابقًا، وتكون حياتك الباقية على الأرض مباركة ومملوءة رخاءً.

وهنا اتهام باطل لأيوب بأنه لا يصلى، مع أنه ذكر عنه بأنه كان يبكر إلى الله (أي 1: 5)، فهو رجل صلاة كما يظهر من السفر كله. واتهام أيضًا لأيوب بأنه اقتنى غناه من الظلم والشر، وليس هناك دليل على هذا. وكذلك قدم حقيقة إيمانية خاطئة، بأن من يصلى إلى الله يعطيه الله بركات مادية. وهذا غير صحيح فقد يعطيه، أولا يعطيه، ولكن الأهم أن يعطيه بركات روحية.

إن النصيحة التي يقدمها بلدد لأيوب تبدو في ظاهرها أنه يعطيه رجاء بأنه إن رجع إلى الله وتاب سينال بركة. ولكن للأسف كان يشعر بلدد أن أيوب شرير ولن يرجع إلى الله وسيهلك مثل أولاده الأشرار.

والخلاصة أن بلدد لم يتعاطف مع أيوب، بل على العكس كان قاسيًا في توبيخه، وتكلم كأنه يدافع عن الله وهو يقصد توبيخ أيوب. ولم يكن مختبرًا لله في حياته، بل تكلم كلامًا نظريًا عن الله مثل الشياطين، أما أيوب فكان مختبرًا لله في حياته ويسعى للتعمق في معرفة الله.

† لا تندفع في الحكم على الآخرين ولا تتبنى آراء نظرية ولكن تكلم بما اختبرته؛ ليكون كلامك من القلب إلى القلب؛ حتى لا يغضب عليك الله.

(2) حتمية خراب الأشرار (.

8 «اِسْأَلِ الْقُرُونَ الأُولَى وَتَأَكَّدْ مَبَاحِثَ آبَائِهِمْ، 9 لأَنَّنَا نَحْنُ مِنْ أَمْسٍ وَلاَ نَعْلَمُ، لأَنَّ أَيَّامَنَا عَلَى الأَرْضِ ظِلٌّ. 10 فَهَلاَّ يُعْلِمُونَكَ؟ يَقُولُونَ لَكَ، وَمِنْ قُلُوبِهِمْ يُخْرِجُونَ أَقْوَالًا قَائِلِينَ: 11 هَلْ يَنْمُي الْبَرْدِيُّ فِي غَيْرِ الْغَمِقَةِ، أَوْ تَنْبُتُ الْحَلْفَاءُ بِلاَ مَاءٍ؟ 12 وَهُوَ بَعْدُ فِي نَضَارَتِهِ لَمْ يُقْطَعْ، يَيْبَسُ قَبْلَ كُلِّ الْعُشْبِ. 13 هكَذَا سُبُلُ كُلِّ النَّاسِينَ اللهَ، وَرَجَاءُ الْفَاجِرِ يَخِيبُ، 14 فَيَنْقَطِعُ اعْتِمَادُهُ، وَمُتَّكَلُهُ بَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ! 15 يَسْتَنِدُ إِلَى بَيْتِهِ فَلاَ يَثْبُتُ. يَتَمَسَّكُ بِهِ فَلاَ يَقُومُ. 16 هُوَ رَطْبٌ تُجَاهَ الشَّمْسِ وَعَلَى جَنَّتِهِ تَنْبُتُ خَرَاعِيبُبهُ. 17 وَأُصُولُهُ مُشْتَبِكَةٌ فِي الرُّجْمَةِ، فَتَرَى مَحَلَّ الْحِجَارَةِ. 18 إِنِ اقْتَلَعَهُ مِنْ مَكَانِهِ، يَجْحَدُهُ قَائِلًا: مَا رَأَيْتُكَ! 19 هذَا هُوَ فَرَحُ طَرِيقِهِ، وَمِنَ التُّرَابِ يَنْبُتُ آخَرُ.

الأعداد 8-10

ع8 - 10:

0::

يعتمد بلدد في كلامه هنا على الخبرات السابقة والحقائق المستقرة منذ القدم؛ لأنه وجد أن أيوب غير مقتنع بكلامه وكلام أليفاز. فقال له إن كنا نحن من الأمس، أي ولدنا من مدة قصيرة، وحياتنا كالظل تعبر سريعًا، وبالتالي معلوماتنا ضئيلة، فاسأل الأقدمين، الذين استقرت عندهم الحقائق. ابحث بنفسك لتعرف منهم الحقيقة، فسيخبرونك بها بوضوح وذلك عن طريق الأمثال والحقائق المتناقلة من الآباء للأبناء.

ولكن كلام الأقدمين لم يكن هو كلام بلدد، بل هو ظن أن ما يقوله هو الحقائق المستقرة، بأن الضيقات هي عقاب للأشرار؛ فهل كان موت هابيل عقابًا لشره؟! فالفكرة سليمة وهي الرجوع للأقدمين وهذا ما تعمله الكنيسة في تمسكها بتعاليم الآباء والتقليد المقدس. ولكن من يعلم تعاليم خاطئة وينادى بأنها تعليم الآباء، فإنه يخطئ مثل بلدد.

الأعداد 11-13

ع11 - 13:

:

البردى: نبات ذو أوراق عريضة وسميكة ينمو في مستنقعات النيل، وكان يستخدمه قدماء المصريين في الكتابة عليه وعمل القوارب.

الحلفاء: نبات ينمو في مستنقعات النيل وفى وادي حلفا جنوب مصر وكان قدماء المصريين يصنعون منه الحبال.

الغمقة: مستنقع مياه عميقة في قاعها طين.

نضارته: حيويته وخضرته.

قدم بلدد أمثلة عملية من الطبيعة دليلًا على كلامه، وهي نباتات البردى والحلفا التي تنمو في مستنقعات النيل وتكبر سريعًا ولكنها سرعان ما تذبل وذلك لأن جذورها سطحية، هكذا أيضًا الإنسان المرائى، الذي يتناسى الله ويبتعد عن أحكامه، ويعيش في الشر ويتمادى فيه، أي يكون فاجرًا، هذا وإن كان ينجح في مدة قصيرة، ولكنه يفقد ما حققه سريعًا. ويقصد بلدد بكل هذا أيوب، الذي كان غنيًا وعظيمًا ولكن عن رياء، فهو بعيد عن الله وفاجر؛ لذا أتت عليه كل هذه الضيقات. وهذا طبعًا خطأ؛ لأن أيوب يتقى الله بالحقيقة. فبلدد هو المرائى الذي يتكلم عن حقائق لم يختبرها، وبالتالي يخطئ في تطبيقها على أيوب. أما أيوب فيقرر الله في الأصحاحين الأول والثانى أنه يتقى الله وكامل ولم ينس الله، وبالطبع ليس متماديًا في الشر، ولم يكن فاجرًا في أي يوم من الأيام.

الأعداد 14-15

ع14 - 15:

:

اتهم بلدد أيوب بأنه اعتمد على غناه ومركزه، وهذا يشبه خيوط العنكبوت التي تزول بسهولة ولا يعتمد عليها.

والحقيقة أن أيوب اعتمد على الله ولم يتكل أبدًا على غناه ومركزه. فكل اتهاماته باطلة، وهجوم بلا داع وضد كل ما هو متوقع، أي تعاطفه كصديق مع صديقه المتألم.

الأعداد 16-19

ع16 - 19:

:

جنته: حديقته.

خراعيبه: أغصانه.

رحمة: كومة من الحجارة.

يجحده: ينكره وينكر علاقته به.

ويثبت بلدد كلامه بدليل ثالث؛ وهو الشجرة الخضراء التي تنمو في حديقة إنسان وأوراقها خضراء (رطب) وتتمتع بأشعة الشمس، وتمتد أغصانها، فتبدو كأنها سور يحمى هذا الإنسان، ولكن جذورها متشابكة تحت كومة حجارة، فهي جذور سطحية غير متأصلة في الأرض، إذ أنها محاطة بالحجارة. فهذه الشجرة تبدو قوية ومملوءة حياة وتنمو من بين الحجارة القوية ولكنها ضعيفة جدًا يسهل اقتلاعها. ويعبر بلدد عن هذا بأن مكانها يجحدها، وكأنه لم يعرف وجودها فيه قبلًا وينمو بدلًا منها من التراب نبات جديد.

هكذا أيضًا المرائى له منظر القوة، ولكنه ضعيف جدًا وسرعان ما يهلك. ويقصد أيضًا بهذا المرائى أيوب، الذي لا يكون له نسل يعلن اسمه على الأرض، أي أن أيوب المرائى لن يكون له فرح ورجاؤه باطل وسيهلك.

† اهتم بعمق علاقتك مع الله وتطبيق وصاياه ولا تنشغل بمظهرك الخارجي، فهو سريع الزوال. والعمق أيضًا يعطيك راحة واستقرار وتلذذ بعشرة الله.

(3) مكافأة الأبرار وعقاب الأشرار (.

20 «هُوَذَا اللهُ لاَ يَرْفُضُ الْكَامِلَ، وَلاَ يَأْخُذُ بِيَدِ فَاعِلِي الشَّرِّ. 21 عِنْدَمَا يَمْلأُ فَاكَ ضِحْكًا، وَشَفَتَيْكَ هُتَافًا، 22 يَلْبِسُ مُبْغِضُوكَ خَزْيًا، أَمَّا خَيْمَةُ الأَشْرَارِ فَلاَ تَكُونُ».

الأعداد 20-22

ع20 - 22:

:

في نهاية حديث بلدد يعلن أن الله يساند الكامل ولا يرفضه، بل يفرح قلبه ويملأ فمه تهليلًا وتسبيحًا على الأرض، ثم في الحياة الأبدية، فالله يرضى عنه في الأرض ويمجده في السماء.

من ناحية أخرى الله لا يساند الأشرار ولا يأخذ بيدهم؛ لأنهم تركوه وتركوا الاستناد على ذراعه، ولذا فإنهم يخزون في حياتهم على الأرض، بل ويتعرضون للهلاك في الأرض، ثم في الحياة الأخرى.

ويقصد بلدد أن أيوب شرير، ولذا حلت به هذه التجارب المخزية وهلك بيته بسبب شره، بسقوط البيت على أولاده، وانطراحه على الأرض خارج بيته.

مع أن الله شهد بكمال أيوب وحتى لو أخطأ الكامل، فالله يسامحه ما دام يرجع إليه بالتوبة. فأيوب محبوب من الله، وفى نفس الوقت الله غاضب على أصدقائه لاتهاماتهم الباطلة.

† اشكر الله الذي يقبلك مهما سقطت ما دمت تسير في طريق الكمال، أي أن هدفك هو الحياة الأبدية. واسرع إلى التوبة والاعتراف؛ لتستعيد بنوتك وتواصل طريقك نحو الكمال.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح التاسع - سفر أيوب - مارمرقس مصر الجديدة

الأصحاح السابع - سفر أيوب - مارمرقس مصر الجديدة

تفاسير سفر أيوب الأصحاح 8
تفاسير سفر أيوب الأصحاح 8