الأَصْحَاحُ السَّادِسُ – رسالة بولس الرسول إلى غلاطية – مارمرقس مصر الجديدة

الأَصْحَاحُ السَّادِسُ

الإشفاق على الخطاة – العطاء للمعلمين.

(1) الإشفاق على الخطاة (ع1، 2):

1أَيُّهَا الإِخْوَةُ، إِنِ انْسَبَقَ إِنْسَانٌ فَأُخِذَ فِى زَلَّةٍ مَا، فَأَصْلِحُوا أَنْتُمُ الرُّوحَانِيِّينَ مِثْلَ هَذَا بِرُوحِ الْوَدَاعَةِ، نَاظِرًا إِلَى نَفْسِكَ، لِئَلاَّ تُجَرَّبَ أَنْتَ أَيْضًا. 2اِحْمِلُوا بَعْضُكُمْ أَثْقَالَ بَعْضٍ، وَهَكَذَا تَمِّمُوا نَامُوسَ الْمَسِيحِ.

العدد 1

ع1:

انسبق: أى غلبه الشيطان وأسقطه.

إنسان: ليبين الضعف البشرى.

زلة: أى انزلقت قدماه وسقط فى خطية.

بدأ بولس الرسول رسالته بالتوبيخ بقوله "أيها الأغبياء"، وينهيها باللطف "أيها الإخوة"، كيما يكسب الجميع للمسيح. فالمسيحية لم تضع فرائض وأحكام بل مبادئ تسمو بالمؤمنين إلى ما هو أعلى من القانون. فيجب عليهم كروحانيين إن وقع إنسان منهم فى زلة أن يصلحوه لا أن يحاكموه، أى يردوه عن خطئه بروح الوداعة واللطف والمحبة، هذه الوداعة الناتجة من القلب المتضع، فالمحبة واللطف أعظم دواء للساقطين. كما يحذر المعالج من أن يتكبر لئلا يسقط هو أيضاً لأننا لسنا أفضل ممن سقط.

العدد 2

ع2:

إحملوا بعضكم أثقال بعض: إحتمال تكرار خطايا الغير وإساءاتهم، وتوجيههم وافتقادهم والصلاة لأجلهم وتقديم كل وسائل المحبة لكسبهم.

لا تقف المحبة عند عدم إدانة الساقطين بل إلى حمل أثقالهم وسقطاتهم ومساعدتهم كما حمل المسيح عارنا. هذا هو ناموس المسيح أى وصاياه التى أوصانا بها بولس الرسول لنتممها.

 هل نحن بالوداعة والحب نقيم الساقطين أم نقسوا عليهم؟! لنتذكر خطايانا فنتحملهم ونشجعهم واثقين أن استمرار المحبة تلين أقصى القلوب الرافضة.

(2) ليمتحن كل واحد عمله (ع3 - 5):

3لأَنَّهُ، إِنْ ظَنَّ أَحَدٌ أَنَّهُ شَىْءٌ وَهُوَ لَيْسَ شَيْئًا، فَإِنَّهُ يَغُشُّ نَفْسَهُ. 4 وَلَكِنْ، لِيمْتَحِنْ كُلُّ وَاحِدٍ عَمَلَهُ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ الْفَخْرُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ فَقَطْ، لاَ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ. 5لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ سَيَحْمِلُ حِمْلَ نَفْسِهِ.

العدد 3

ع3:

أنه شئ: أى يتكبر وينسب أعماله وأمجاده لنفسه.

هو ليس شيئاً: باعتباره تراب ورماد ويسقط فى خطايا وكل قدراته هى نعمة من الله.

من يتكبر بأعماله التى يتممها أو أفكاره وكلامه، ناسياً أنه مخلوق من التراب وكل تميزه هو عمل نعمة الله فيه، فإنه يخدع نفسه إذ يتناسى خطاياه وضعفاته ويسرق مجد الله لنفسه.

العدد 4

ع4:

ليمتحن كل واحد عمله: يحاسب نفسه أمام الله ويعترف بخطاياه أمام الكاهن. يدعونا بولس الرسول إلى التوبة بدلاً من الكبرياء، فيكتشف الإنسان خطاياه ويتضع ويطلب معونة الله الذى يسامحه ويسنده؛ ويفتخر بنعمة الله التى تسنده ولا يتكبر على غيره عندما يقارن أعماله الحسنة بنقائص غيره لأن كل هذه الأعمال من الله وليست منه.

العدد 5

ع5:

فى النهاية يقرر بولس أن كل إنسان مسئول عن نفسه أمام الله وسيحاسب عن كل أعماله، فيهتم بتوبته ولا ينشغل بمقارنة نفسه بغيره أو التكبر عليه، فهذا لن ينفعه بل يسقطه فى خطايا تهلكه.

 إحرص على توبتك اليومية قبل أن تنام، فهى تنقيك من كل خطاياك وتجعلك متضعاً أمام الله فتنال مراحمه، ومتضعاً مع الناس فتكسبهم.

(3) ما زرعه الإنسان إياه يحصد أيضا (ع6 - 10):

6 وَلَكِنْ، لِيشَارِكِ الَّذِى يَتَعَلَّمُ الْكَلِمَةَ الْمُعَلِّمَ فِى جَمِيعِ الْخَيْرَاتِ. 7لاَ تَضِلُّوا! اللهُ لاَ يُشْمَخُ عَلَيْهِ. فَإِنَّ الَّذِى يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا. 8لأَنَّ مَنْ يَزْرَعُ لِجَسَدِهِ، فَمِنَ الْجَسَدِ يَحْصُدُ فَسَادًا، وَمَنْ يَزْرَعُ لِلرُّوحِ، فَمِنَ الرُّوحِ يَحْصُدُ حَيَاةً أَبَدِيَّةً. 9فَلاَ نَفْشَلْ فِى عَمَلِ الْخَيْرِ، لأَنَّنَا سَنَحْصُدُ فِى وَقْتِهِ إِنْ كُنَّا لاَ نَكِلُّ. 10فَإِذًا؛ حَسْبَمَا لَنَا فُرْصَةٌ، فَلْنَعْمَلِ الْخَيْرَ لِلْجَمِيعِ، وَلاَ سِيَّمَا لأَهْلِ الإِيمَانِ.

العدد 6

ع6:

يشارك: يقتسم الخيرات المادية بينه وبين معلمه فيعطيه جزءا منها ليسد احتياجاته.

أعلن المسيح أن "الفاعل مستحق أجرته" (لو10: 7) وبالتالى ينبغى على من يتعلم كلام الله أن يهتم باحتياجات معلمه المادية ويوفرها له. وهذه الشركة تثبت المحبة بين الإثنين وكذا التواضع، فكل منهما محتاج للآخر ويأخذ منه.

العدد 7

ع7:

لا تضلوا: لا تخطئوا وتتصرفوا بجهل.

لا يشمخ عليه: لا يستطيع أحد أن يتكبر على الله بإهمال وصاياه.

ينبه بولس الرسول الغلاطيين لأهمية السخاء فى العطاء، بل يحذرهم من إهمال وصايا الله بإكرام المعلمين وسد احتياجاتهم (لو10: 7). فما يقدمه الإنسان من محبة للمعلمين سيحصده سعادة فى السماء استنادا على القاعدة المعروفة عند المزارعين، أن من يزرع صنفا جيدا يحصد ثمارًا جيدة والعكس صحيح.

العدد 8

ع8:

يؤكد بولس المعنى المذكور فى الآية السابقة بأن من يرفض أن يعطى المعلمين احتياجاتهم المادية لأنه مشغول بشهواته الجسدية وأنانيته، فإنه لن ينال شيئاً فالجسد سيصير ترابا وكل الشهوات المادية ستزول بل ينتظره عذاب أبدى لأجل انهماكه فى شهواته. أما من يهتم بالعمل الروحى والعطاء فسيكافأ بأمجاد فى الحياة الأبدية.

العدد 9

ع9:

يشجعنا بولس الرسول على الإستمرار فى الاهتمام بسد احتياجات المعلمين وعمل كل خير ورحمة ونثابر على ذلك لأن النتيجة الكاملة ستظهر فى الحياة الأبدية. فالله فى الوقت المناسب سيباركنا جزئياً على الأرض لنستمر فى عمل الخير، وبالكامل فى السماء لنتمتع إلى الأبد.

العدد 10

ع10:

يعتبر بولس عمل الخير فرصة ينبغى أن ينتهزها الإنسان الروحى حتى يظهر محبته لله وللآخرين ويكنز له كنزًا فى السماء، ويعمل الخير مع كل إنسان وخاصة المؤمنين لأنه أكثر اتصالاً بهم ومسئول عنهم، فهم أعضاء معه فى جسد واحد هو الكنيسة، وقد يجد غير المؤمنين احتياجاتهم من آخرين. فمحبته وعطاؤه للكل ولكن يبدأ بالمؤمنين.

 إن عمل الخير بمساعدة الآخرين بركة لك قبل أن تكون للآخر. فلا ترد من يطلب منك شيئاً خاصة ولو كنت متأكدا من احتياجه؛ بل ليتك تسعى لتوفر احتياجات الآخرين، واهتم بالمقربين منك أى أهل بيتك وأقاربك وكل من تعاشرهم لأنك مسئول عنهم أمام الله ليس فقط فى الماديات بل بالأحرى فى الروحيات أى خلاص نفوسهم وارتباطهم بالكنيسة.

(4) الصليب والخليقة الجديدة (ع11 - 18):

11اُنْظُرُوا، مَا أَكْبَرَ الأَحْرُفَ الَّتِى كَتَبْتُهَا إِلَيْكُمْ بِيَدِى! 12جَمِيعُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعْمَلُوا مَنْظَرًا حَسَنًا فِى الْجَسَدِ، هَؤُلاَءِ يُلْزِمُونَكُمْ أَنْ تَخْتَتِنُوا، لِئَلاَّ يُضْطَهَدُوا لأَجْلِ صَلِيبِ الْمَسِيحِ فَقَطْ. 13لأَنَّ الَّذِينَ يَخْتَتِنُونَ هُمْ لاَ يَحْفَظُونَ النَّامُوسَ، بَلْ يُرِيدُونَ أَنْ تَخْتَتِنُوا أَنْتُمْ لِكَىْ يَفْتَخِرُوا فِى جَسَدِكُمْ. 14 وَأَمَّا مِنْ جِهَتِى، فَحَاشَا لِى أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِى بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِى، وَأَنَا لِلْعَالَمِ. 15لأَنَّهُ فِى الْمَسِيحِ يَسُوعَ لَيْسَ الْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئًا وَلاَ الْغُرْلَةُ، بَلِ الْخَلِيقَةُ الْجَدِيدَةُ. 16فَكُلُّ الَّذِينَ يَسْلُكُونَ بِحَسَبِ هَذَا الْقَانُونِ، عَلَيْهِمْ سَلاَمٌ وَرَحْمَةٌ، وَعَلَى إِسْرَائِيلِ اللهِ. 17فِى مَا بَعْدُ، لاَ يَجْلِبُ أَحَدٌ عَلَىَّ أَتْعَابًا، لأَنِّى حَامِلٌ فِى جَسَدِى سِمَاتِ الرَّبِّ يَسُوعَ.

18نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَ رُوحِكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، آمِينَ.

العدد 11

ع11:

اعتاد بولس الرسول أن يملى رسائله على أحد معاونيه ثم يكتب سلاما فى النهاية أو إمضاء لتأكيد أنه مرسل الرسالة. أما فى رسالة غلاطية فإنه كتب الرسالة كلها أو جزءا كبيرا منها بيده، فكتبها بأحرف كبيرة لضعف بصره. واهتمامه بهذه الرسالة يظهر تأكيده على معانيها وأهميتها ويطلب ممن أرسلها لهم أن يلتزموا بها.

العدد 12

ع12:

يتكلم بولس عن المعلمين الكذبة، وهم مسيحيون من أصل يهودى وينادون بضرورة الختان لنوال الخلاص. وبهذا يرضون اليهود لأنهم ضموا لليهودية أعضاء جدد حتى لا يضطهدونهم بسبب تنصرهم ويعتبرونهم مهتمين باليهودية إذ أنهم يحولون الأمم إليها بالختان. وهذا بالطبع خطأ كبير لأن الخلاص بالصليب ودم المسيح فقط وليس بالختان أو بأى شئ آخر.

العدد 13

ع13:

لم يلزم المعلمون الكذبة من يختتنون من المسيحيين، من أصل أممى، بأعمال الناموس، واكتفوا بالختان، فهذا معناه انضمام الأمم إلى اليهودية ليبعد بالتالى عن هؤلاء المعلمين غضب اليهود، إذ يُعتبر هؤلاء المعلمون مبشرين باليهودية وليسوا مسيحيين تاركين لليهودية. وهم يفتخرون بأنهم ختنوا أى ضموا كثيرين لليهودية.

العدد 14

ع14:

صُلِبَ العالم لى: إذ آمن بولس بالصليب، جعله هذا يموت عن الشهوات الجسدية وكل كبرياء وعظمة العالم فلم يعد يطلب شيئاً منها فقد صلبت بالنسبة له أى ماتت.

وأنا للعالم: ومن ناحية أخرى صار هو مصلوباً للعالم، أى مستعدا لاحتمال الآلام والموت من أجل المسيح فى تبشيره وخدمته للعالم ليجذب النفوس للإيمان.

يعلن بولس الرسول اختلافه عن المعلمين الكذبة وعدم سعيه نحو أى افتخار بماديات العالم أو آراء الناس ورضاهم، بل كمثال لنا يفتخر بالخلاص الذى ناله بالمسيح الفادى على الصليب.

العدد 15

ع15:

يعلن بولس أن الخلاص لا يحصل عليه ذوو الغرلة أى الأمم ولا المختتنون أى اليهود بل الخليقة الجديدة أى المولودون ثانية فى جرن المعمودية فينالون الطبيعة الجديدة التى يحيون بها مع الله.

العدد 16

ع16:

إسرائيل الله: المقصود الشعب المسيحى.

يؤكد بولس البركات الممنوحة لمن يحيا بهذا الفكر السليم، أى الإيمان بالمسيح المخلص ونوال المعمودية وعدم الإهتمام بالختان. وهذه البركات التى يعبر عنها بنعمة الله ورحمته تشمل كل المؤمنين من المسيحيين، إذ هم إسرائيل الجديد الذين آمنوا بالمسيا المنتظر المخلص.

العدد 17

ع17:

لا يجلب أحد على أتعابا: لا يستطيع أحد أن يشكك فى رسوليتى وتبعيتى للمسيح.

سمات الرب يسوع: آثار الجراحات والعذابات التى احتملها بولس من أجل المسيح.

ينهى بولس حديثه بنهى الغلاطيين عن المناقشة فى موضوع الختان والعودة لليهودية وتبعية المعلمين الكذبة فى تشكيكهم فى رسولية بولس وأمانته للمسيح، ويقدم الدليل على تبعيته للمسيح وهو آثار العذابات الظاهرة فى جسده والتى احتملها من أجل المسيح. فليس الأمر مجرد مناقشات وجدل ولكن المهم هو أن نحب المسيح الذى مات عنا، ونحتمل من أجله كل شئ.

العدد 18

ع18:

يختم بولس رسالته بطلب نعمة الله، الذى آمنوا به، لتشمل أرواحهم وتباركهم.

 إضبط شهواتك واحتمل الإهانات من أجل المسيح فتتمتع حينئذ ببركات الصليب فى حياتك من طمأنينة وقوة وفرح، بل تصير الآلام سبب بركة وفخر لأنها سبيلك للتمتع بنعم الله الوافرة.

No items found

تفاسير رسالة بولس الرسول إلى غلاطية - الأَصْحَاحُ السَّادِسُ
تفاسير رسالة بولس الرسول إلى غلاطية - الأَصْحَاحُ السَّادِسُ