الأصحاح السابع عشر – عصا هرون – سفر العدد – القمص تادرس يعقوب ملطي

هذا الفصل هو جزء من كتاب: 04- تفسير سفر العدد – القمص تادرس يعقوب ملطي.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الأصحاح السابع عشر – عصا هرون

إذ تذمر الشعب على موسى وهرون بسبب ما حدث لقورح وجماعته مغتصبي هكذا، أراد الله أن يؤكد للشعب بطريقة ملموسة إختياره هرون رئيسًا للكهنة، فارزًا إياه عن الكهنوت المزيف.

١ – عصا لكل سبط ١ - ٧.

٢ – ثمرة اللوز ٨ - ٩.

٣ – عصا هرون والشهادة ١٠ - ١٣.

الأعداد 1-7

١ – عصا لكل سبط

أراد الله أن يؤكد للكل أن اختيار الكهنة أمر يخصه هو شخصيًا، وكما يقول الرسول بولس: "لا يأخذ أحد هذه الوظيفة بنفسه بل المدعو من الله كما هرون أيضًا" (عب٥: ٤). لقد أخذ موسى عصا من كل سبط لاوي فكتب عليها اسم رئيس السبط، وكأنها تمثل عصا الرئاسة أو الأبوة للسبط، أما عصا سبط لاوي فكتب عليها اسم هرون، وإذ قدمت العصي أمام تابوت الشهادة في الخيمة وجدوا في الغد أن عصا هرون قد أفرخت وازدهرت بل وأثمرت لوزًا. يلاحظ في هذا العمل العجيب:

أولاً: تشكيكات قورح وجماعته لم تهز هرون بل ثبتت عمله في عيني الله والناس، فإن التجارب تزيد الإنسان مجدًا، وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [كما في حالة هرون، لقد ثاروا ضده، فأكدوا عظمته، إذ لم يعد أمر سيامته موضع تساؤل بل موضع إعجاب[114]].

ثانيًا: أكد الله اهتمامه باختيار الكهنة بنفسه، وكما يقول القديس أمبروسيوس: [هكذا اختار الله بنفسه هرون كاهنًا حتى لا يكون للإرادة البشرية موضع بقل تقوم نعمة الله بالدور الأعظم في اختيار الكاهن. فلا يتقدم الإنسان من نفسه للكهنوت ولا بإلزام (من الناس) إنما يتقبله دعوة من السماء[115]]. هذا ما دفع الكنيسة أن تصلي في كل ليتورچية لله قائلة: "الذين يفصّلون كلمة الحق باستقامة أنعم بهم على كنيستك[116]". هو وحده العارف القلوب المستقيمة يختار من يصلح لخدمته. وحينما أعلن الله لموسى أن وقت نياحته قد حان كانت طلبته الأخيرة من شعبه: "ليوكل الرب إله أرواح جميع البشر رجلاً على الجماعة" (عد٢٧: ١٦). ولم يرد الشيخ النبي موسى صاحب الخبرة الطويلة في القيادة، والعارف بكل الرؤساء وذوي الاسم أن يختار، طالبًا من إله الأرواح العارف الأعماق الداخلية أن يختار حسب إرادته الإلهية.

ثالثًا: يرمز هرون الذي أفرخت عصاه إلى السيد المسيح رئيس الكهنة الأعظم، يقول العلامة أوريجينوس: [المسيح هو الكاهن الأعظم الحقيقي، وهو الوحيد الذي أفرخت عصاه التي هي الصليب، بل وازدهرت وأنتجت ثمارًا لكل المؤمنين[117]].

رابعًا: ترمز عصا هرون التي أفرخت إلى السيدة العذراء مريم التي أنجبت ابن الله المتجسد، إذ قدمت لنا ثمرًة الحياة، فهي كالعصا، لا تقدر في ذاتها أن تنجب، لكنها إذ دخلت في دائرة نعمة الله قدمت لنا ابن الله القدوس متجسدًا في أحشائها. لهذا تترنم الكنيسة في ثيئوتوكية الأحد قائلة:

"بالحقيقة أنت أعظم من عصا هرون،.

أنت ممتلئة نعمة،.

العصا رمز بتوليتها.

لقد حبلت بابن العلي – الكلمة ذاته – وولدته بغير زرع بشر! ".

بهذا صارت عصا هرون تشير إلى الكنيسة الجامعة والتي تمثل العذراء العضو الأمثل فيها، فقد صار المسيح ساكنًا فينا، حملنا كثمرة حياة في داخلنا نحن الذين كنا كعصي جافة بلا حياة. وما أقوله عن كل عضو في الكنيسة أقوله، بالأكثر عن الكاهن الذي يحمل ثمار إلهية في خدمته إن قبل العمل الكهنوتي من الله مستخدمًا الوسائط الإلهية في خدمته لا الطرق البشرية.

الأعداد 8-9

٢ – ثمرة اللوز

إذ تحولت العصا الجافة إلى غصن حتى يحمل أوراقًا وزهورًا وثمر لوز ظهر غنى نعمة الله الفائقة في كنيسته من جوانب كثير، نذكر منها:

أولاً: حملت شهادة مادية ملموسة عن سيامة هرون كاهنًا من السماء مباشرة. يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [كانت النتيجة أن عصا واحدة صارت شهادة للسيامة السماوية، إذ تميزت عن بقية العصي بمعجزة إلهية[118]].

ثانيًا: قدمت هذه العصا صورة رمزية حية عن حياة الخادم، إنه يصير كاللوز من الخارج له غلاف خشبي خشن لكنه في الداخل يحمل عذوبة الأبوة وحنان الرعاية، مقدمًا طعامًا روحيًا شهيًا لأولاده. يقول القديس أمبروسيوس[119] أن عصا هرون كانت من الخارج خشبة لكنها في الداخل حلوة. ويقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [من اللائق أن ندرك نوع الحياة التي تميز الكهنوت خلال الثمرة التي أنتجتها عصا هرون، أقصد بذلك الحياة المضبوطة الخشنة والجافة في المظهر، لكنها تحوي – بطريقة خفية وغير منظورة – في الداخل ما يمكن أكله. يصير ذلك ظاهرًا عندما تنضج الثمر وتكسر القشرة القاسية وينزع الغلاف الذي يشبه الخشب عن الطعام[120]].

ثالثًا: يرى العلامة أوريجينوس في ثمرة اللوز التي أنتجتها عصا هرون إشارة إلى تفسير كلمة الله التي يلتزم بها الكاهن. فاللوزة تحوي قشرة خارجية مرّة تجف وتسقط وهي على الشجرة، هذه القشرة تشير إلى التفسير الحرفي لكلمة الله، فإنه مرّ وغير مفيد، لهذا يليق أن نتركه لندخل إلى أعماق كلمة الله في الداخل ونتعرف أسرارها. وفي رأيه أن اليهود والهراطقة الغنوسيين تعثروا في السيد المسيح وفي العهد القديم لأنهم لم يتعدوا التفسير الحرفي لكلمة الله. يليق هذا الغلاف الصلب الذي نكسره لكي نأكل اللوزة وهو يمثل التفسير الأخلاقي أو السلوكي حيث فيه نمارس حياة الأمانة والأتعاب الجسدية من أصوامٍ ومطانيات... الخ، أما اللوزة الداخلية فتمثل التفسير الروحي أو الرمزي، الدخول إلى ما وراء الحروف لنلتقي بالسيد المسيح المأكل الحق، وسرّ حياتنا[121].

رابعًا: يرى القديس أمبروسيوس في هذه العصا صورة لعمل الله في المؤمنين في كنيسة العهد الجديد، إذ يقول: [في تابوت العهد أفرخت عصا هرون، فإنه يسهل على الله أن ينبت زهرة في الكنيسة المقدسة منا نحن الذين كالحزم[122]]. أما العلامة أوريجينوس[123] فيرى فيها صورة رمزية لدرجات المؤمنين الأربعة:

  1. العصا الجافة صارت غصنًا رطبًا أي حملت حياة، إشارة إلى الإعتراف بالسيد المسيح، فبالإيمان تنطلق نفوسنا من حالة الموت إلى الحياة.
  2. أنتجت العصا أوراقًا إشارة إلى الميلاد الجديد ونعمة الله بروحه القدوس الذي يقدم لنا إمكانية الحياة الجديدة في المسيح يسوع ربنا خلال المعمودية.
  3. قدمت زهورًا إشارة إلى حياة النمو الدائم بعد الميلاد الجديد في المعمودية.
  4. أعطت ثمار البرّ لا في حياته فقط وإنما أيضًا في حياة الآخرين، هذا هو اللوز، الذي هو ثمر الشهادة للسيد المسيح والعمل الكرازي.

ويرى العلامة أوريجينوس أن هذه الدرجات الأربع ظهرت في حديث القديس يوحنا الحبيب، إذ دعى المؤمنين هكذا: "أيها الأولاد... أيها الأحداث... أيها الشبان... أيها الآباء" (١يو٢).

الأعداد 10-13

٣ – عصا هرون والشهادة

وضع عها هرون أمام الشهادة باستمرار يذكر هرون وبنيه أن ما ناله من بركات للعمل الكهنوتي هو من الله، فلا يتكبروا. وأيضًا يذكر الشعب بذلك فلا يتذمروا. هذا بجانب ما حملته العصا من نبوة عن التجسد الإلهي من القديس مريم العذراء، الأمر الذي ينبغي أن يكون نصب أعين الكنيسة على الدوام.


[114] In Acts, hom 54.

[115] Epist. 63: 48.

[116] القداس الباسيلي القبطي.

[117] In Num, hom 9: 7.

[118] Life of Moses 2: 284.

[119] Epis. 41: 3.

[120] Life of Moses 2: 285.

[121] للتوسع في هذا الأمر راجع كتابنا: آباء مدرسة الاسكندرية، أوريجينوس (الكتاب المقدس)، طبعة ١٩٧٩.

[122] Conc. Virgins 1: 1.

[123] In Num. , hom 9: 7.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الثامن عشر – مسئولية الكهنة وحقوقهم - سفر العدد - القمص تادرس يعقوب ملطي

الأصحاح السادس عشر – اغتصاب الكهنوت - سفر العدد - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفاسير سفر العدد الأصحاح 17
تفاسير سفر العدد الأصحاح 17