الأَصْحَاحُ الرَّابِعُ عَشَرَ – إنجيل يوحنا – مارمرقس مصر الجديدة

هذا الفصل هو جزء من كتاب: انجيل يوحنا – كهنة و خدام كنيسة مارمرقس مصر الجديدة.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الأَصْحَاحُ الرَّابِعُ عَشَرَ

المسيح يُطَمْئِنُ تلاميذه ويعدهم بالروح القدس.

(1) المسيح يطمئن تلاميذه (ع 1 - 4):

1 - "لا تضطرب قلوبكم، أنتم تؤمنون بالله، فآمنوا بى. 2 - فى بيت أبى منازل كثيرة، وإلا فإنى كنت قد قلت لكم. أنا أمضى لأعد لكم مكانا. 3 - وإن مضيت وأعددت لكم مكانا، آتى أيضا وآخذكم إلىَّ، حتى حيث أكون أنا، تكونون أنتم أيضا. 4 - وتعلمون حيث أنا أذهب، وتعلمون الطريق.".

مقدمة:

يشمل هذا الأصحاح والأصحاحان 15، 16 الحديث الأخير للمسيح مع تلاميذه، وتناولت مواضيع عدة، أبرزها دور الروح القدس، وتشجيع التلاميذ على الفترات الصعبة المقبلة.

العدد 1

ع1:

"لا تضطرب": كان الحديث فى الأصحاح السابق مقلقا ومخيفا للتلاميذ، فهناك الخيانة والموت والإنكار، وبسبب كل هذا ساءت حالتهم النفسية.

ولهذا، بدأ المسيح فى تعزيتهم وتشجيعهم بكلام طيب لينزع عنهم الاضطراب، ويقدم لهم علاجا، وهو الإيمان به وبكل ما قاله، وألا يقل إيمانهم به عن إيمانهم بالله ذاته.

"أنتم تؤمنون بالله": يقدم السيد المسيح هنا أول علاج نافع للقلق والاضطراب، وهو مقدَّم لنا جميعا وليس للتلاميذ فقط، وهو الإيمان بالله، أى به، وبكل وعوده الصادقة التى وعدنا بها فى شخص تلاميذه.

الإيمان بالله، المدبّر القوىّ والمحبّ لأولاده، هو أول وأهم علاج للقلق؛ فليتنا نحتمى به فى وقت الضيقة والتجربة.

العدد 2

ع2:

يقـدم المسيح جانبا مشـرقا لتلاميذه، وهو أنه إن فارقهم إلى حين، فهذا من أجلهم - ومن أجلنا - ليعد مكانا فى السماء حيث المجد غير المنظور. وكلمتى "منازل كثيرة"، تعنى اتساع السـماء غير المتناهى، وتعنى أيضـا أن هنـاك منزلة تعلو عن أخرى، كما أشار القديس بولس فى (1كو 15: 41). فإن كان الله، فى حبه، قبل أبنائه المؤمنين فى ملكوته، فإنه أيضا، فى عدله، يكافئ كل إنسان بحسب تعبه وجهاده.

العدد 3

ع3:

فراقى عنكم ليس أبديا، بل سوف آتى أيضا - فى مجدى - وأضمكم إلىَّ، فتتمتعون بالوجود الدائم معى، الذى ليس بعده فراق، فأينما كنت تكونون أيضا معى.

وهذا الوعد جعل القديسين، فى كل الأجيال، لا يهتمون بهذه الحياة الأرضية، بل إن كل قلوبهم كانت معلقة على حضن المسيح، فلا يوجد شعور فى العالم كله يعادل هذا الشعور الروحى فى سعادته.

العدد 4

ع4:

"وتعلمون حيث أنا أذهب": المقصود به الذهاب إلى السماء، ولكن مرورا بطريق الصليب.

(2) أنا هو الطريق... أنا فى الآب (ع 5 - 14):

5 - قال له توما: "يا سيد، لسنا نعلم أين تذهب، فكيف نقدر أن نعرف الطريق؟" 6 - قال له يسوع: "أنا هو الطريق والحق والحياة، ليس أحد يأتى إلى الآب إلا بى. 7 - لوكنتم قد عرفتمونى، لعرفتم أبى أيضا. ومن الآن تعرفونه، وقد رأيتموه." 8 - قال له فيلبس: "يا سيد، أرنا الآب وكفانا." 9 - قال له يسوع: "أنا معكم زمانا، هذه مدته، ولم تعرفنى يا فيلبس؟! الذى رآنى، فقد رأى الآب. فكيف تقول أنت أرنا الآب؟! 10 - ألست تؤمن أنى أنا فى الآب والآب فىَّ؟ الكلام الذى أكلمكم به، لست أتكلم به من نفسى، لكن الآب الحال فىَّ هو يعمل الأعمال. 11 - صدقونى أنى فى الآب والآب فىَّ، وإلا فصدقونى لسبب الأعمال نفسها. 12 - الحق الحق أقول لكم، من يؤمن بى، فالأعمال التى أنا أعملها، يعملها هو أيضا، ويعمل أعظم منها، لأنى ماضٍ إلى أبى. 13 - ومهما سألتم باسمى، فذلك أفعله، ليتمجد الآب بالابن. 14 - إن سألتم شيئا باسمى، فإنى أفعله.

العدد 5

ع5:

كأن ما قاله السيد المسيح فى الأعداد السابقة لم يُشبع توما - التلميذ العقلانى - بل ربما زاده حيرة، فنجده فى حالة استفسار، فقد أقر بأنه لا يعرف المكان، وبالتالى، لا يعرف الطريق إليه، وقد قال سؤاله بصورة جمع فيها التلاميذ معه.

العدد 6

ع6:

كالعادة، يجيب السيد المسيح على سؤال زمنى ومكانى محدود بإجابة روحية عميقة، فهو الطريق لكل تائه فى غربة العالم متخبط فى خطاياه، وهو الحق، أى كل ما عداه وخارج الإيمان به هو باطل؟ وهو الحياة، فيتمتع به كل من يحيا معه على الأرض، ولا ينزعج من تقلبات العالم، حتى يصل إليه فى السماء، فهو الحياة الأبدية "وليس بأحد غيره الخلاص" (أع 4: 12).

ليتنا نتعلم من توما أن نسأل الله ومرشدينا فى الرب فى كل ما نجهل، فيكشف لنا الله ما هو أبعد وأعمق مما كانت ستصل إليه عقولنا.

الأعداد 7-9

ع7 - 9:

يربط المسيح هنا بين معرفة التلاميذ له ومعرفة الآب نفسه، فالاثنان واحد فى الجوهر، ورؤية الابن فى سـلطانه ومعجـزاته ووصيته، هى رؤية جوهـر الله ذاتـه. ولأن الكلام كان صعبا، لم يفهم فيلبس قصد المسيح، وخاصة كلمة "رأيتموه"، فطالب برؤية الآب بالعيان، إن كان هذا فى مقدور المسيح، ناسيا ما أعلنه المسيح سابقا: "أنا والآب واحد" (ص 10: 30)، فتأتى إجابة السيد المسيح معاتبة... أبعد كل هذه السنوات والمعجزات والأعمال والأمثال، لم تعرفنى بعد يا فيلبس؟! فـ "الذى رآنى، قد رأى الآب".

وتعتبر هذه الآية إعلانا مباشرا واضحا، يضاف لما سبقه من إعلانات، عن لاهوت المسيح، وقد حرص القديس يوحنا على ذكرها.

العدد 10

ع10:

يستكمل السيد المسيح حديثه مع فيلبس بسؤال، يدعوه فيه لمراجعة نفسه، فى مدى الإيمان به، بعد أن عاتبه فى (ع9)، ثم ينقل كلامه إلى باقى التلاميذ، معلنا بوضوح أنه فى الآب والآب فيه؛ والمسيح هنا يؤكد على مساواته بالآب، وأن كل الأعمال التى يعملها مصدرها الآب.

ولكى نقرّب لأذهاننا هذه الحقيقة، نقول أن العلاقة بين الآب والابن كعلاقة العقل بالفكر، فالفكر مصدره العقل، والعقل جوهره الفكر، فلا يوجد عقل بلا فكر ولا فكر بلا عقل.

العدد 11

ع11:

ما زال الكلام موجها للتلاميذ بوجوب الإيمان بأن المسيح هو الله، كما أن الآب هو الله، ولأن المسيح يعلم أن الإيمان الكامل للتلاميذ لم يأت زمنه بعد، يقدّم لهم دليلا على وحدانيته بالآب، وهو كَمُّ المعجزات والأعمال التى صنعها، ولا يستطيع أحد القيام بها سوى الله.

العدد 12

ع12:

وعد غالٍ وثمين ومشجع جدا للتلاميذ القديسين، ومن خلفهم كل من له إيمان صادق بالرب المسيح، فى أن يعمل أعمال المسيح ذاتها، ولكن من خلال المسيح نفسه، فليس لنا قوة فى ذاتنا، بل هى قوته الممنوحة لنا بالروح القدس (أع 1: 8).

"يعمل أعظم منها": من المحال أن يأتى المخلوق بأعمال أعظم من خالقه. ولكن، ما يقصده المسيح هنا، أن المعجزات الروحية مثل إشباع النفوس بكلام الله، أعظم من إشباعهم بالخبز والسمك، وإحياء النفوس الميتة فى خطاياها بالدعوة للتوبة، أفضل من إقامة الأموات جسديا.

ولهذا، لا تستهن أيها الحبيب بما يستطيع أن يفعله المسيح من خلالنا نحن كنيسته، إذ أودع بها كل قوته، ليس من أجل الافتخار، بل من أجل خلاص الآخرين، وتمجيد اسمه القدّوس.

الأعداد 13-14

ع13 - 14:

يقدم السيد المسيح هنا كرامة اسمه القدّوس، وفاعلية وشفاعة استخدام هذا الاسم فى إجابة كل سائليه بإيمان... وكلمة "مهما"، تعنى اتساع دائرة الطلب من التلاميذ المؤمنين، والقدرة غير المتناهية، لاستخدام اسم المسيح فى الاستجابة. وهو ما جعل كنيستنا، المرشَدة بالروح القدس، تستخدم اسم الرب فى كل صلواتها، فتختم الصلاة الربانية باسم المسيح يسوع ربنا، وتردد اسمه القدّوس فى كل تسابيحها وصلواتها.

(3) الوعد بالروح القدس (ع 15 - 26):

15 - إن كنتم تحبوننى، فاحفظوا وصاياى. 16 - وأنا أطلب من الآب، فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد. 17 - روح الحق، الذى لا يستطيع العالم أن يقبله، لأنه لا يراه ولا يعرفه، وأما أنتم فتعرفونه، لأنه ماكث معكم ويكون فيكم. 18 - لا أترككـم يتامـى، إنى آتى إليكـم. 19 - بعد قليل لا يرانى العالم أيضا، وأما أنتم فتروننى، إنى أنا حى فأنتم ستحيون. 20 - فى ذلك اليوم، تعلمون أنى أنا فى أبى، وأنتم فىَّ، وأنا فيكم. 21 - الذى عنده وصاياى ويحفظها، فهو الذى يحبنى، والذى يحبنى، يحبه أبى، وأنا أحبه وأُظْهِرُ له ذاتى. 22 - قال له يهوذا ليس الإسخريوطى: "يا سيد، ماذا حدث، حتى إنك مزمع أن تُظهر ذاتك لنا وليس للعالم؟" 23 - أجاب يسوع وقال له: "إن أحبنى أحد، يحفظ كلامى ويحبه أبى، وإليه نأتى، وعنده نصنع منزلا. 24 - الذى لا يحبنى، لا يحفظ كلامى، والكلام الذى تسمعونه ليس لى، بل للآب الذى أرسلنى. 25 - بهذا كلمتكم وأنا عندكم. 26 - وأما المعزى، الروح القدس، الذى سيرسله الآب باسمى، فهو يُعلّمكم كل شىء، ويُذكّركم بكل ما قلته لكم.".

العدد 15

ع15:

المحبة الحقيقية للمسيح ليست انفعالا عاطفيا، بل هى طاعة والتزام وعمل بوصاياه؛ فالطاعة الكاملة والإيمان، هما دليل الحب وبرهانه.

العدد 16

ع16:

"أطلب من الآب": أى بعد إتمام الفداء وصعودى، وكأن أقنوم الابن يسلم لأقنوم الروح القدس رعاية الكنيسة فى عهدها الجديد، الذى بدأه الابن بدمه.

"معزيا": فى اليونانية تعنى "معزيا ومعينا وشفيعا ومحاميا"، والترجمة العربية أفقدتها معانيها. وهذه المعانى توضح لمحة سريعة لعمل الروح القدس فى حياتنا، وفى الكنيسة عموما.

"يمكث معكم للأبد": أى أن الكلام ليس قاصرا على الكنيسة فى عصر الرسل فقط، ولكنه عامل فيها وفى حياة أبنائها إلى نهاية الأزمان... وهذه الآية من الآيات التى يتلاقى فيها الثالوث الأقدس: فالابن طالب، والآب مجيب، والروح القدس مرسَل، لأن الإرادة فى الجوهر الإلهى واحدة.

العدد 17

ع17:

"روح الحق": الله هو الحق المطلق. ولهذا، لا يستطع كل من لم يولد بالمعمودية من هذا الروح أن يقبله، فالعالم مادى حسى يغرق فى الباطل، لهذا فهو لا يقبل الله، الروح والحق، ولا يعرفه. أما من عرف الروح القدس وأسكنه قلبه، فهو الذى يتمتع بمعرفة الله الحقيقية.

"معكم... فيكم...": لم يعد الروح القدس يحيط فقط بأبناء الله، بل يسكن بداخلهم، وهى عطية أخذها كل واحد منا فى مسحة الميرون المقدس؛ وهذا ما يذكرنا به القديس بولس عندما يقول: "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذى فيكم" (1كو 6: 19).

الأعداد 18-19

ع18 - 19:

إذ دنت ساعة الفراق بالموت، أراد المسيح أن يطمئن تلاميذه، بعدم تركهم يتامى بعد موته، بل سوف يأتى إليهم ويروه، فى إشارة مباشرة لظهوره لتلاميذه طوال أربعين يوما بعد القيامة من جهة، ومن جهة أخرى، يتكلم عن إرسال الروح القدس ووجوده الدائم فيهم ومعهم، ممـا سـوف يستعلن فيهم شخص المسيـح دائما، من خـلال تذكيرهم بكل ما علّمهم، وبكل ما أوصاهم به. وبالتالى، لن يكونوا يتامى، طالما الروح القدس حال بداخلهم ومعهم.

العدد 20

ع20:

"فى ذلك اليوم": تحتمل معنيين: إما بعد إعلان قيامته، أو يوم حلول الروح القدس. وكلمة "تعلمون"، تأتى هنا بمعنى تتأكدون دون أى شك. فالبرغم من كثرة الإعلانات السابقة عن وحدانيته مع الآب، إلا أن الكلام كان مبهما وغير مفهوم. ولكن، سيأتى يوم التأكد التام واستكمال المعرفة الناقصة، إما بأحاديثه معهم خلال الـ40 يوما، بعد قيامته من بين الأموات، أو من خلال الروح القدس الذى يعلمهم أسرار لا ينطق بها.

العدد 21

ع21:

تزيد الآية هنا عما جاء فى (ع15) بأن هناك مكافأة إلهية، تتعلق وتتمتع بها قلوب أبناء الله المحبة له والعاملة بوصاياه، وهى إعلان الله لذاته فى حياتهم، حتى أنهم يتمتعون بوجوده وصداقته أكثر من غيرهم؛ فالله يحب البشر جميعا بدعوته لهم، أما من يعمل بوصاياه فله شأن آخر، إذ يرى الله كل يوم فى حياته.

الأعداد 22-24

ع22 - 24:

"يهوذا": هو تداوس أخو يعقوب بن حلفى، وكاتب رسالة يهوذا. لم يفهم قصد الرب هنا، إذ ظن أن المسيح سوف يُظهر نفسه للتلاميذ فقط، دون أن يراه الآخرون. وهذا ما جعله يسأل متعجبا... فأجابه المسيح ثانية بما سبق وقاله فى ارتباط حبنا لله بعملنا بوصاياه، وأضاف وأوضح بالأكثر مجازاة ذلك، فى أنه وأبوه سوف يكون لهما الحضور، والسكنى الدائمة بالروح القدس فى قلوب أبنائه العاملين بوصاياه، وهى عطية تفوق كل العطايا التى يتمناها الإنسان الروحى، فهى ليست استضافة لزيارة وقتية، بل هى إقامة وصحبة وصداقة ووجود دائم.

ألا يشجعنا هذا يا صديقى أن نترك أعذارنا وكسلنا جانبا، ونجتهد فى الخروج بوصية المسيح إلى مجال التنفيذ والجهاد فيها، حتى نتمتع برؤية يد الله تعمل فى حياتنا بقوة ملموسة ومدرَكة.

وينسب المسيح الكلام الذى قاله للآب، ليوضح السلطان الإلهى فى هذا الكلام، ويؤكد أيضا أنه الابن الوحيد الذى خَبَّرَ (ص 1: 18).

العدد 25

ع25:

أى كأنه يُودِعُ كلامه أمانة فى قلوبهم قبل انتقاله من العالم.

العدد 26

ع26:

العودة هنا لما بدأ وتكلم عنه السيد المسيح عن الروح القدس فى (ع16)، ويوضح دوره مع التلاميذ والكنيسة فى كل أجيالها... فهو يعلمنا ويرشدنا لطريق خلاصنا، وهو الذى يذكّرنا دائما ويُحْضِرُ لأذهاننا كل كلام وتعاليم المسيح الرب، بل ويحثنا أيضا على تنفيذها والحياة بها وسط العالم، ويعطينا القوة اللازمة لذلك.

(4) سلام المسيح (ع 27 - 31):

27 - "سلاما أترك لكم، سلامى أعطيكم، ليس كما يعطى العالم أعطيكم أنا، لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب. 28 - سمعتم أنى قلت لكم أنا أذهب، ثم آتى إليكم. لوكنتم تحبوننى، لكنتم تفرحون لأنى قلت أمضى إلى الآب، لأن أبى أعظم منى. 29 - وقلت لكم الآن قبل أن يكون، حتى متى كان تؤمنون. 30 - لا أتكلم أيضا معكم كثيرا، لأن رئيس هذا العالم يأتى، وليس له فىَّ شىء. 31 - ولكن، ليفهم العالم أنى أحب الآب، وكما أوصانى الآب هكذا أفعل. قوموا ننطلق من ههنا.".

العدد 27

ع27:

إن كان الحديث هنا موجها للتلاميذ، إلا أنه يتجاوزهم للكنيسة كلها فى كل زمان ومكان، فميراث الآباء لأبنائهم قد يكون مالا أو جاها، أما ميراث المسيح وعطيته، فهو سلام يفوق العقل ولا يفهمه العالم، فالعالم كله لا يستطيع أن يعطى بعضا من هذا السلام، ومنْح المسيح هذا السلام كهبة منه، هو إشارة واضحة للاهوته كما تنبأ عنه إشعياء: "ويدعى اسمه عجيبا، مشيرا، إلها قديرا، أبا أبديا رئيس السلام" (9: 6).

والنتيجة الطبيعية لهذا السلام، هى ثبات القلب وعدم خوفه مهما كانت الأهوال. ولعل أزهى برهان على ذلك، هو حالة آبائنا الشهداء فى وقت عذاباتهم، فقد كان سلامهم وهدوءهم محيرا وغير مفهوم للذين كانوا يعذبونهم.

العدد 28

ع28:

"لو كنتم تحبوننى...": أى المحبة الروحية وليست العاطفية، فالعاطفة تحزن للفراق، ولكن المحبة الروحية تتعداها، لأنها تفهم وتعى نتائج ما يحدث بعد فـراق المسيح للتلاميذ بالجسد، مثـل: إعداد المكان (ع2)، إرسال الروح القدس (ع16)، المتعة الدائمة مع الآب والابن سواء فى الأرض (ع23) أو السماء بعد ذلك (ع3). ولعلنا نشعر بهذا أيضا ونفهمه فى حياتنا عند انتقال أحد أحبائنا القديسين إلى السماء، فنحن نفتقده بالعاطفة الإنسانية، ولكن بالروح نفرح، إذ صار لنا شفيعا يطلب عنا أمام عرش النعمة، إلى أن نلقاه نحن هناك أيضا.

"أبى أعظم منى...": ليس فى الطبيعة، لأنهما متساويان فى الجوهر. ولكنه يتكلم عن مجد لاهوته المُخْفَى خلال رحلة الألم والصلب، بينما مجد الآب لا يُخْفَى، فصورة الابن المنظورة، خلال الأيام القادمة، خالية من كل عظمة بمفهوم البشر. وهنا، يقول القديس بولس عن المسيح: "أخلى نفسه آخذا صورة عبد" (فى 2: 7)، أى ترك إظهار مجده اللاهوتى، لكى يفدى البشر بجسده. ولما كانت هذه الآية من الآيات التى استخدمها الكثير من الهراطقة (المنشقين وأصحاب البدع) للإقلال من شأن مساواة الابن بالآب، فإليك أيها الحبيب ما قاله أيضا المسيح فى نفس الإنجيل، وفى هذا الشأن:

(1) "أبى يعمل حتى الآن وأنا أعمل" (ص 5: 17).

(2) "لكى يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب" (ص 5: 23).

(3) "أنا والآب واحد" (ص 10: 30).

(4) "الذى رآنى، فقد رأى الآب" (ع9).

(5) "أنا فى الآب والآب فىّ" (ع10).

(6) "كل ما هو لى فهو لك، وما هو لك فهو لى" (ص 17: 10).

(7) "أنت أيها الآب فىّ وأنا فيك" (ص17: 21).

العدد 29

ع29:

أى كل ما يتعلق بالآلام ورحلة الصليب والأوقات الصعبة، فمتى أتت إذن تتذكرون أننى تنبأت لكم بكل هذا، فلا يخور إيمانكم بل يثبت ويزداد.

أيها الحبيب، ما أحوجنا أن نتذكر وعود وأقوال السيد المسيح عن تعزياته، وعنايته بنا فى الأوقات الصعبة. فبقدر إيماننا وتمسكنا بوجوده، بقدر ما ننال من ثبات وسلام وسط الضيقات.

العدد 30

ع30:

"لا أتكلم أيضا معكم كثيرا": أى لم يتبق للتلاميذ مع المسيح سوى ساعات قليلة، وقد مضى زمن الكلام والتعليم، ولم يبق سوى زمن الفداء والصليب.

"رئيس هذا العالم": أى أنها الحرب الأخيرة المزمع أن يقوم بها الشيطان... من تهييج الكهنة والشعب، وإتمـام خيانة يهـوذا، وكل المحاكمات والمؤامـرات المصاحبة، وهذا ما أعلنه المسيح فى (لو 22: 53) "هذه ساعتكم وسلطان الظلمة".

"ليس له فىّ شىء": أى أن الشيطان، بكل قوته، ليس له سلطان أمام بر وعظمة وسلطان المسيح.

وأيضا يا أحبائى... نفس هذا السلطان أعطى لأبناء الله، فالشيطان يجيد المؤامرات ويسبب الكثير من الحروب الخارجية، ولكنه لا يستطيع الانتصار على أحد من أبناء الله، الذين لهم وحدهم السلطان أن يسحقوه، إن لم يستسلموا لأهوائهم ورغبات العالم الشريرة من حولهم.

العدد 31

ع31:

ترتبط هذه الآية بما قبلها، أى أنه بالرغم من أن رئيس هذا العالم ليس له فىّ شئ، ولكن، لأننى أحب الآب، فإننى أبذل نفسى كإرادته لخلاص العالم.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

تفاسير إنجيل يوحنا - الأَصْحَاحُ الرَّابِعُ عَشَرَ
تفاسير إنجيل يوحنا - الأَصْحَاحُ الرَّابِعُ عَشَرَ