لمحات من تاريخ إيبارشية الفرما – الأستاذ بيشوي فخري

كارت التعريف بالمقال

البيانات التفاصيل
إسم الكاتب الأستاذ بيشوي فخري
التصنيفات قسم التاريخ, موضوعات تاريخية
آخر تحديث 8 أكتوبر 2022


لمحات من تاريخ إيبارشية الفرما

(أحدى محطات رحلة العائلة المقدسة بمصر)

إلى مصر جاءت العائلة المقدسة في حدثٍ فريد، وجمعت المصادر التاريخية على أن دخول العائلة المقدسة كان من منطقة الفـرمــا ومنها إلى وجه بحري وهذا طبقًا لأقدم الميامر المقدسة التي أوردت أخبار العائلة المقدسة في مصر:

ميمر البابا ثاؤفيلس (34 - 412م)، الذي وضعه أثناء زيارته لدير المحرق. ويذكر المخطوط 48 بدير المحرق (تاريخ مجئ السيد المسيح والعائلة المقدسة):

"قدوم العائلة المقدسة إلى الفرما..." (مخطوط 48 بدير المحرق، ص 193ظ).

"مدينة الفرما وكان أهلها يعبدون صنم من نحاس على صورة رجل..." (مخطوط 48 بدير المحرق، 193ظ).

"ولما أكمل يوسف صلاته وأذ ملاك الرب نزل من السماء.. حتى أتوا إلى ديار مصر وقت الصبح وتركهم الملاك عند باب مدينة الفرما برفق وهدوء. فلما أشرقت الشمس دخلوا إلى المدينة واستراحوا ذلك اليوم وكان ذلك اليوم الثالث والعشرين من بشنس.." (مخطوط 48 بدير المحرق، 221ظ).

وميمر أنبا قرياقوس أسقف البهنسا، الذي عاش في النصف الثاني من القرن السابع الميلادي، هذا الأب الأسقف كتب ميمران عن العائلة المقدسة.

وميمر الأنبا زخارياس أسقف سخا (توفي بين عامي 723: 730م) وهو الأغنى بذكر المحطات التي مرت بها العائلة المقدسة وهو ما أكدته الدراسات الحديثة.

وبدأ الأحتفال بالفرما كأحدى محطات رحلة العائلة المقدسة في القرن التاسع.

ومن المصادر التاريخية خبر أورده "بلاديوس Palladius" عن زيارته لمصر (388 - 366م)، ومشاهدته لأهم الآثار التي تركتها زيارة العائلة المقدسة، وسّجل تأريخه لتلك الزيارة عرضًا في إطار حديثه عن مشاهير النساك المصريين.

نشأت الفرما كأسقفية في القرون الأولى للمسيحية وكانت من أقدم أيبارشيات الكرازة المرقسية وكانت تحتوي على العديد من الأديرة والكنائس، وذلك لقربها من فلسطين والمنطقة الرهبانية في غزة التي أسسها هيلاريون منذ عام 310م، ولعب الرهبان من تلاميذه دورًا بالغًا في نشر المسيحية بين البدو وتعليمهم، خاصة عندما أرتقي أحد هؤلاء الرهبان الأسقفية وسمى باسم الأسقف موسى، والذي أنتشرت بواسطته المسيحية انتشارًا واسعًا بين جماعة البدو.

وقد ساهمت أسقفية الفرما في نشاط واسع في أعمال المجامع المسكونية والمحلية خلال القرنيين الرابع والخامس الميلادي، وهذا يُعطي إشارة إلى بلوغ هذه الأسقفية لدرجة سامية خلال القرون من الرابع حتى السابع. ومن هذه الأنشطة:

- كان أسقف الفرما "كالينكوس Καλλίνικος"، أحد الأساقفة الذين تحّزبوا مع ميليتوس أسقف أسيوط المخلوع وأنشقوا عن الكنيسة، وقام البابا أثناسيوس برسامة أسقف آخر على الفرما بدلاً من الأسقف "كالينكوس"، باسم "الأنبا مرقس Μάρκος".

- شارك "دوريثيؤس Δωρόθεος" الأسقف في أعمال مجمع نيقية سنة 325م.

- وفي مجمع صور عام334م حضر الأنبا مرقس أسقف الفرما هذا المجمع الذي أُدين فيه البابا أثناسيوس وتقرر نفيه.

- وفي سنة 343م عقد مجمع سرديكا وحضر فيه "كالينيك Καλλίνικ"، أسقف الفرما.

- شاركت أسقفية الفرما عن طريق أسقفها "بانكراتيوس Παγκρεατίνη"، في أعمال مجموع سلوكي سنة 359م.

- وكان ضمن الأساقفة الذين قاموا بمهاجمة البابا ثاؤفيلس لتعاطفهم مع الأخوة الطوال، سبعة أساقفة مصريين وثلاثة ليبين منهم: "شيربمون" أسقف الفرما.

- حضر "يوسابيوس Εὐσέβιος" أسقف الفرما - المعاصر للقديس إيسيذوروس - مجمع أفسس الأول 431م، ضمن أربعين أسقف مصري ذهبوا مع البابا كيرلس الأول.

- ونلاحظ عدم اشتراك أسقفية الفرما في أعمال مجمع أفسس الثاني449م، أو في مجمع خلقيدونية 451م، كذلك لم نعثر على اسم أسقف الفرما أثناء الأضطرابات التي حدثت بعد مجمع خلقيدونية451م.

- وُجد في الفرما في منتصف القرن السادس أسقف خلقيدوني باسم "جورج Γεώργιος" مرسوم بطريقة غير شرعية بيد "زويلوس Ζωίλος" (538 - 551م)، صاحب المعتقد المخالف لكنيسة الإسكندرية التابع لها الفرما.

- وفي عام 606م تقريبًا كتب "جورج القبرصي"، تصنيف جمع فيه وصف للعالم الروماني به جزء خاص بمصر، ورد فيه قائمة بالإيبارشيات التي وجد المؤلف معلومات مستوفاة عنها والتي وصلت إلى 94 إيبارشية منها مقاطعة Augusta Minca A، وجاءت بيلوزيوم في المقدمة بإعتبارها عاصمة المقاطعة.

- وأشتهر في تاريخ الكنيسة القبطية عامة والفرما خاصة أبيماخيوس الفرمي الأسقف وقد ولد هذا الأسقف حوالي عام 650م، أُختير أسقفًا على الفرما في عهد الأنبا ميخائيل الأول البابا 46 (744 – 768 م).

- ونجد اسم أسقف الفرما "الأنبا مرقس" ضمن الوفد الذي أرسله البابا مرقص الثاني (790 - 830م) إلى البطريرك الأنطاكي قرياقس الثامن والأربعون (793 - 817م) مع الأنبا مرقس أسقف تنيس والشماس جرجه من الأسكندرية، حاملين رسالة السنوديقا ، إلى بطريرك أنطاكية، وقد أختارهم البابا مرقس لإجادتهم اللغة اليونانية حتى ذاك الوقت.

- وفي خلال القرنين الثامن والتاسع وردت إشارة إلى أن أسقفية الفرما كانت قائمة في تلك الفترة، وذكر "برنهارد Bernhard" إثناء زيارته لها سنة 870م، وجود الكثير من المسيحيين هناك وكنيسة السيدة العذراء.

- وفي القرن التاسع الميلادي يذكر الرحالة إبيفانيوس Ἐπιφανὴς، أن العائلة المقدسة توقفت في الفرما ولذلك بنيت كنيسة تذكارًا لهذه المناسبة.

- في القرن الحادي عشر سجّل دير أبو مقار أن أحد رهبان هذا الدير يدعى "يؤنس" سيم أسقفًا على الفرما في عهد البابا شنودة الثاني (1032 - 1046).

- ولم يأت أى ذكر لهذ الأسقفية فيما بعد، إذ لم تدون في قائمة الأسقفيات التي دّونها الرحالة بيكوك سنة 1743م. كما لم تدون في قوائم الأسقفيات لفانسليب Vansleb سنة 1672 - 1673م، أو سيكارد Sicard سنة 1714م، لأنه المدينة كانت قد دُمرت وهجرها السكان. وعلى مدى التاريخ القبطي الذي كانت فيه الفرما مدينة عامرة كانت تُقدم نماذج من النساك والشهداء المسيحيين ومنهم: أبيماخوس الشهيد، أبيرؤه وأتوم الشهيدان، الشهيد إيسيذوروس وصديقه الشهيد سنا.

ويقف القديس إيسيذوروس الفرمي فخر للمدينة التي قدمت للكنيسة شهداء ورهبان، وكان لها صوت صارخ للحق والإيمان السليم له نشاط واضح في بيلوزيوم، التي أرتبط اسمه وحياته بها؛ كما كان له علاقات قوية مع أشهر شخصيات عصره، وكان له تأثير فكري كبير عليهم من خلال الرسائل التي أرسلها لهم، والتي تفوح منها رائحة العلم والحكمة في التوجيه السليم. كان القديس إيسيذوروس هو كاهن ومعلم الفرما وبمثابة المرجع لتصحيح وتقويم الأخطاء في المدينة فكان بحياته الصامتة أبلغ عظة وبجراءته المعهودة يصرخ بصوت الحق في وجه الفاسدين من القادة الكنسيين أو السياسيين، ورغم ذلك كان يتمتع بأحترام الكل إذ وجدوا فيه ضمير الفرما الحى والناطق باسمها.

وعلى المستوى المعماري والأثري، على أرض الفرما توجد أكبر كاتدرائية أثرية في مصر يرجه تاريخ بنائها إلى (324 - 337م).

مرة أخرى تحتفظ الفرما بتميز معماري وأنفراد في كنائسها، إذ تمتلك التخطيط الدائري لكنيستها، والذي لا يوجد نظيره في مصر كلها.

تم أكتشاف الكنيسة الجنوبية في الفرما عام 2002م بنفس طراز - تخطيط رباعي الحنيات. ويُقدّر زمن بناء كنيسة الفرما الشرقية، وذلك من خلال الأسقف إفسيفيوس الذي تولى أسقفية الفرما حوالى عام 415م.

وتتميز الفرما أيضًا بشكل المعمودية النادر وجوده (شكل صليب متساوي لإضلاع).

(المرجع: بيشوي فخري اسطفانوس (2021)، القديس إيسيذوروس الفرمي وآثارة في منطقة بيلوزيوم، رسالة ماجستير غير منشورة، معهد البحوث والدراسات القبطية / كلية الآداب جامعة الأسكندرية).