الأصحاح التاسع – تفسير رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح التاسع

الويلات الثلاث هى الأبواق الثلاث الأخيرة من السبعة الأبواق، وهى إنذارات بضربات شديدة فى نهاية الأيام لعل الناس يتوبون.

الويل الأول: - هو البوق الخامس = وهو عبارة عن حرب فكرية إلحادية تعذب الناس إذ يتركون الله فيصيرون بلا تعزية وسط ضيقات هذا العالم.

الويل الثانى: - هو البوق السادس = وهو عبارة عن حرب مادية تتقاتل فيها الجيوش والأمم، هنا نرى الشيطان يحرك قادة الدول فيتخذون قرارات خاطئة ينتج عنها حروب دموية مدمرة ويكون القتلى كثيرين جدا. (هلك فى الحرب العالمية الثانية 50 مليونا بالإضافة للدمار الشديد. وهذا كمثال) وينتهى البوق السادس بظهور الوحش (ضد المسيح) وخلال فترة تواجده تزداد الآلام بشدة وتزداد الحروب بصورة أشد.

الويل الثالث: - هو البوق السابع = وفيه يظهر الله للدينونة فيرتعب كل إنسان تبع الشيطان وإستغرق فى خطيته.

الأعداد 1-12

الآيات (1 - 12): -

"1ثُمَّ بَوَّقَ الْمَلاَكُ الْخَامِسُ، فَرَأَيْتُ كَوْكَبًا قَدْ سَقَطَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، وَأُعْطِيَ مِفْتَاحَ بِئْرِ الْهَاوِيَةِ. 2فَفَتَحَ بِئْرَ الْهَاوِيَةِ، فَصَعِدَ دُخَانٌ مِنَ الْبِئْرِ كَدُخَانِ أَتُونٍ عَظِيمٍ، فَأَظْلَمَتِ الشَّمْسُ وَالْجَوُّ مِنْ دُخَانِ الْبِئْرِ. 3 وَمِنَ الدُّخَانِ خَرَجَ جَرَادٌ عَلَى الأَرْضِ، فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا كَمَا لِعَقَارِبِ الأَرْضِ سُلْطَانٌ. 4 وَقِيلَ لَهُ أَنْ لاَ يَضُرَّ عُشْبَ الأَرْضِ، وَلاَ شَيْئًا أَخْضَرَ وَلاَ شَجَرَةً مَا، إِلاَّ النَّاسَ فَقَطِ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ خَتْمُ اللهِ عَلَى جِبَاهِهِمْ. 5 وَأُعْطِيَ أَنْ لاَ يَقْتُلَهُمْ بَلْ أَنْ يَتَعَذَّبُوا خَمْسَةَ أَشْهُرٍ. وَعَذَابُهُ كَعَذَابِ عَقْرَبٍ إِذَا لَدَغَ إِنْسَانًا. 6 وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ سَيَطْلُبُ النَّاسُ الْمَوْتَ وَلاَ يَجِدُونَهُ، وَيَرْغَبُونَ أَنْ يَمُوتُوا فَيَهْرُبُ الْمَوْتُ مِنْهُمْ. 7 وَشَكْلُ الْجَرَادِ شِبْهُ خَيْل مُهَيَّأَةٍ لِلْحَرْبِ، وَعَلَى رُؤُوسِهَا كَأَكَالِيلَ شِبْهِ الذَّهَبِ، وَوُجُوهُهَا كَوُجُوهِ النَّاسِ. 8 وَكَانَ لَهَا شَعْرٌ كَشَعْرِ النِّسَاءِ، وَكَانَتْ أَسْنَانُهَا كَأَسْنَانِ الأُسُودِ، 9 وَكَانَ لَهَا دُرُوعٌ كَدُرُوعٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَصَوْتُ أَجْنِحَتِهَا كَصَوْتِ مَرْكَبَاتِ خَيْل كَثِيرَةٍ تَجْرِي إِلَى قِتَال. 10 وَلَهَا أَذْنَابٌ شِبْهُ الْعَقَارِبِ، وَكَانَتْ فِي أَذْنَابِهَا حُمَاتٌ، وَسُلْطَانُهَا أَنْ تُؤْذِيَ النَّاسَ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ. 11 وَلَهَا مَلاَكُ الْهَاوِيَةِ مَلِكًا عَلَيْهَا، اسْمُهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ «أَبَدُّونَ»، وَلَهُ بِالْيُونَانِيَّةِ اسْمُ «أَبُولِّيُّونَ». 12الْوَيْلُ الْوَاحِدُ مَضَى هُوَذَا يَأْتِي وَيْلاَنِ أَيْضًا بَعْدَ هذَا.".

البوق الخامس (الويل الأول).

فَرَأَيْتُ كَوْكَبًا قَدْ سَقَطَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ = وهذا الكوكب إما أن يكون: -.

  1. رئيس دينى كبير وفى سقوطه يجذب معه الكثيرين.
  2. الشيطان، هذا الذى سقط من السماء وصار تحت الأرض "رأيت الشيطان ساقطا" (لو18: 10). وقد أعطى أن يجرب الساكنين على الأرض، ولكن الشيطان ليس حرا أن يجربنا كيفما يشاء، بل فى حدود يسمح بها الله (راجع قصة أيوب، فالله كان يحدد للشيطان الحدود التى يجرب بها أيوب).
  3. ملاك نزل من السماء، ليعطى سماح لإبليس أن يجرب الساكنين على الأرض فى الحدود التى يحددها الله. ولاحظ أن الشيطان كان محبوسا بعد الصليب والآن فالملاك، يطلق يده ويفك السلسلة التى تقيده فى حدود معينة.

وَأُعْطِيَ مِفْتَاحَ بِئْرِ الْهَاوِيَةِ = الهاوية فى نظر أناس العهد القديم هى حفرة بلا قرار يلقى فيها أعداء الرب. والمعنى، إما أن الملاك سمح لإبليس أن ينشر ضلالاته فى الحدود التى سمح بها الله. أو أن الله سمح للشيطان بهذا. إذاً المفتاح هو إطلاق حرية إبليس ليفعل فى الحدود المعينة.

فَصَعِدَ دُخَانٌ = هو أفكار الشياطين، هى حرب فكرية وقد تكون: -.

  1. أفكار إلحادية كالشيوعية والماركسية والوجودية وهذه تنكر وجود الله. وهذه سمح بها الله، فالناس تضخمت ذواتهم ودخلوا فى كبرياء. فسمح لهم الله بهذه الفلسفات التى تتكلم عن وجود الذات وإلغاء وجود الله.
  2. قد تكون أفكار دينية مشوهة كمن إعتبروا أن الإنجيل يحوى أساطير لم تحدث فعلا، بل كتبها موسى ليخيف الناس، أو أفكار دينية تنادى أن الدين هو مجرد سلوك أخلاقى وأداب إجتماعية، ولا داعى للإيمان بالله ولا للفداء، ولا حاجة لنا لذكر المعجزات ولا الصليب. ويقدمون المسيحية فى ألفاظ منمقة وعبارات ناعمة خلاصتها عزل الإله المحب عن شعبه، وما هذا إلا إلحاد مستتر. وإذا إختفت صورة الإله المحب عن عيوننا فإننا سنعانى بالتأكيد من آلام فظيعة، هذا هو الويل الأول. فمن دون الله لن يتحمل إنسان آلام هذا العالم. بمعزل عن الله قد يندفع الإنسان إلى الإنتحار، وهذا ما يريده إبليس تماما... ألم يأتوا للمسيح بإنسان، يدفعه الشيطان إلى إلقاء نفسه فى النار. وقال رب المجد عن الشيطان أنه كان قتالا للناس منذ البدء (يو44: 8).

إن عمل الروح القدس فى المؤمن هو التعزية (يو26: 15) "متى جاء الروح القدس المعزى"، ومن ثمار الروح "الصبر وطول الأناة والفرح والسلام".

لذلك فمن يعزل نفسه عن الله يحرم من هذه الثمار فيتألم ألما فظيعا مع كل مضايقة تأتيه من الخارج. وهكذا نرى الشيطان يعزل أولاد الله عن إلههم ثم يهاجمهم فلا يجدوا سندا لهم فى هذه الضيقات إذ سبق إبليس وعزلهم عن الله.

فَأَظْلَمَتِ الشَّمْسُ = لقد إنحجبت رؤية المسيح شمس البر عن هؤلاء الذين عزلوا أنفسهم بقبولهم لهذه الأفكار الشيطانية، وإنحجب عنهم نور المعرفة السماوية وسادهم حيرة وقلق. وذلك لأن الناس أحبوا الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة.

مِنَ الدُّخَانِ خَرَجَ جَرَادٌ = الجراد يتلف كل شىء، هو يعلن الحرب على كل شىء أخضر ويترك وراءه كل شىء خربا. وهذه الأفكار والمبادىء المضلة التى ستملأ الأرض فى تلك الأيام ستدمر حياة الناس (يؤ2: 2 - 4). البداية أن الإنسان أراد أن يشعر بنفسه مستقلا عن الله فى كبرياء وإعجاب بالذات، ولما أطلق الشيطان قدم للناس أفكار وفلسفات كلها إحساس وإعجاب بالذات مثل "إن كان هناك إله، فكيف أطيق أن لا أكون إلها" وهم عزلوا هذا الإله حتى لا يتحكم فيهم بحسب فكرهم فقالوا "لقد حكمنا على الله بالموت وأقمنا الكنائس قبورا له" و "أبانا الذى فى السموات إبق هناك".

وكل هذا لشعورهم أن الله يتحكم فيهم فقالوا "إن الله جالس فى برج عاجى ويتحكم فينا بوصاياه دون أن يشعر بإحتياجنا".

إذاً هم عزلوا الله عن حياتهم... فهل نالوا بهذا السلام؟!

قصة حوار.

تقابل إنسان مؤمن مع إنسانة غير مؤمنة، شيوعية، وكان ذلك فى موسكو خلال شهور الصيف، حيث كانت الحدائق آية فى الروعة والجمال.

وكانا فى حوارهما الدائم حول الله تكرر هذه الإنسانة الغير مؤمنة بالله، أنه لا يوجد إله، ولا توجد حياة بعد الموت. وكان إذا أكد المؤمن إيمانه بذلك تتهمه بالجنون وبأنه إنسان غير سوى وغير طبيعى، وأنه حين يموت سيفاجأ بأن كل ما تصوره على الأرض إنما كان وهما، فلن يجد إلها ولا مسيحا، بل ستكون نهايته فى بطن الدود. وكان يرد أنه إن لم أجد الله بعد موتى فلن أخسر شيئا، لكن ماذا عنك أنت، ماذا لو وجدت الله بعد موتك، حينئذ ستكون عقوبتك شديدة بسبب كل ما قلتيه عنه.

وفى يوم جلسا فى إحدى الحدائق وأخذ هو يعبر عن إنبهاره بهذا الجمال، فقالت هى وماذا ترى من جمال فى هذا.. أنا لا أرى فى هذه الحدائق سوى الموت، فبعد شهور يأتى الثلج ويموت كل شىء! فسألها سؤالا مفاجئا... إذ كان يعرف أن لها إبنة تحبها لدرجة العبادة. وكان سؤاله...

ماذا تفعلين لو ماتت إبنتك فصرخت بشكل هستيرى حتى لا يكرر السؤال، وبعد أن هدأت كرر السؤال وكررت الصراخ الهستيرى. وأمام إصراره قالت لو ماتت إبنتى سأنتحر، إذ لا أقوى على الحياة بدونها وكان رده... وهذا هو الفرق بينى وبينك... بينى أنا الإنسان المؤمن وبينك كإنسانة غير مؤمنة، فأنا بإيمانى أرى الحياة من خلال الموت، فإذا مات أحد أحبائى سأحزن ولكن ليس لدرجة الإنتحار، فعندى رجاء أننى سأراه ثانية فى السماء. وأما أنت فبسبب عدم إيمانك فأنت ترين الموت من خلال الحياة، لذلك فأنت لا تستطيعين أن تفرحى بجمال الطبيعة حولك، بل تتوقعين موتها، فأنت غير قادرة على أن تتمتعى بالحياة والجمال من حولك ولا بهذه الحدائق الجميلة والسبب أن فكرة الموت تعذبك وتسيطر عليك لأن إيمانك أنه لا حياة بعد الموت... لذلك تفكرين فى الإنتحار.

فمن هو الأسعد حالا يا ترى انا أم أنت. وبفرض أنه لا يوجد إله ولا حياة أخرى حقيقية، فمن هو الأسعد حالا. هل أعطاك عدم إيمانك حلا لمشاكلك، هل أعطاك السعادة... الواضح أنه زاد غمك وحزنك. وبعد هذا الحوار إمتنعت عن الحديث فى العقائد والدين.

فهؤلاء الملحدون حكموا على أنفسهم بالعدم، وهو فكر يعذب الإنسان، فمن لم يختبر المسيح يعيش فى عذاب هذه الأفكار، بل إن سارتر وألبير كامى كانوا يرددون أن هذا الوجود لا فائدة منه، وهذه الحياة لا تستحق سوى الإنتحار. ولعل حادثة الإنتحار الجماعى فى جويانا، إذ إنتحر 900 شخص دفعوا للإنتحار من قائد مجنون يسمى الأب جونز، هى تأكيد أن رفض المسيح، وعدم معرفة الله سببا حالة من الفراغ الروحى، وعدم الحصول على تعزية إلهية وبالتالى كان هذا الفراغ الروحى سببا فى ألام فظيعة تدفع للجنون. وهذا تأكيد لما قيل هنا أن النَّاسُ سَتطْلُبُ الْمَوْتَ وَلاَ تجِدُهُ.

إذاً البوق الخامس وهو الويل الأول، هو بداية إطلاق الشيطان، وستكون حربه ضد البشر حربا فكرية وضلالات تعزل الإنسان عن الله، ثم ينفرد إبليس بهذا الإنسان ليعذبه. ولن يجد هذا الإنسان راحة سوى فى رجوعه لله. وهذا ما دفع سارتر أبو الفلسفة الوجودية إلى أن يطلب كاهنا للإعتراف قبل أن يموت، وحينما سمعت صديقته سيمون دى بوفوار أنه طلب كاهنا قالت "لقد جن، إنه بهذا يهدم كل فلسفته التى بناها".

ولكنه كان صادقا مع نفسه فى نهاية حياته، وأعلن أنه لم يجد راحة إلا فى المسيح. وكان هذا عكس فيلسوف فرنسى آخر قبل سارتر بعشرات السنين ظل يحارب المسيح كل عمره، ولما دنت ساعته قال "أخيرا إنتصرت أيها الناصرى المصلوب".

كَمَا لِعَقَارِبِ = هى لذعات الآلام النفسية لمن شعر أنه بلا تعزية سماوية ولكن شكرا لله، فهذه الآلام لا تصيب المؤمنين ولا تضرهم. بسبب تعزيات الروح القدس لهم. ففى (رؤ1: 7 - 3) نجد أن الملائكة لم تترك الرياح تهب (هى هذه الضربات) قبل أن يتم ختم عبيد الله (والختم هو حلول الروح فينا) فهناك إذاً تعزيات لأولاد الله وسط ضيقات هذا العالم تجعلهم قادرين على الإحتمال. ولاحظ الرمز فى سفر الرؤيا فالجراد يأكل الخضرة، لكن هنا نجده يضر كل شىء إلا الخضرة سواء عشب أو شجرة. إذاً هو ليس جراد حقيقى بل هى أفكار فلسفية تدمر حياة الناس لكنها لا تصيب أولاد الله لأن الروح القدس يعلمهم كل شىء.. (يو26: 1) لذلك سيرفضوا هذه الأفكار. إذن الجراد ينتصر على من ليس لهم ختم الله على جباههم.

عُشْبَ الأَرْضِ = هم المؤمنين المبتدئين، فحتى هؤلاء يهتم الله بهم أولا. فهو لا يقصف قصبة مرضوضة ولا يطفىء فتيلة مدخنة.

وَلاَ شَيْئًا أَخْضَرَ = هم المتقدمين فى الإيمان نسبيا.

وَلاَ شَجَرَةً = هم أصحاب القامات العالية فى الإيمان، هم القديسون وكل هؤلاء لهم الروح القدس = خَتْمُ اللهِ عَلَى جِبَاهِهِمْ. وهو يعطيهم:

  1. تعليما صحيحا به يرفضون كل الأراء المضللة.
  2. تعزيات وسط الضيقات التى فى العالم.

إذاً هو سر ما فيهم من خضرة وحيوية، وأنهم لم يذبلوا وسط ضيقات هذا العالم. فالروح القدس هو الماء الذى يروى جذور هذه الأشجار والنباتات أى المؤمنين فلا يموتوا. وهو الندى المتساقط على أوراقها فلا تتأذى من حر الشمس (أى ضيق التجارب).

لاَ يَقْتُلَهُمْ بَلْ يَتَعَذَّبُوا = هذه الضربات لا تقتل بل تعذب النفس، فهى ليست حربا حقيقية بين جيوش وبأسلحة. بل هى ضيقات شديدة بلا تعزية كحر الشمس حين يقع على نبات بلا ماء يرطبه فيصفر ويذبل. وهذه الضربة ضربة البوق الخامس مختلفة عن ضربة البوق السادس الذى نرى فيه حروبا مميتة ودما يسيل وثلث الناس يموتون (لاحظ أن ضحايا الحرب العالمية الثانية 50 مليونا).

خَمْسَةَ أَشْهُرٍ = هى عمر الجراد، أى أن هذه الضربة لها زمن محدد وستنتهى بعده. وهذا ما رأيناه فى سقوط الشيوعية، وما ظهر لكل العالم عن فشل هذه النظرية، بل هى تركت دولها فى فقر لا مثيل له. وخَمْسَةَ أَشْهُرٍ هى 150 يوما كأيام الطوفان، الذى أعقبه حياة جديدة لأولاد الله. ونحن ننتظر حياة جديدة بعد نهاية هذا العالم.

كَعَذَابِ عَقْرَبٍ إِذَا لَدَغَ إِنْسَانًا = عذاب مستمر وأنين مستمر، وهذا ما نراه من إستمرار شكوى غير المؤمنين من كل شىء، إذ لا يجدون ما يعزيهم.

سَيَطْلُبُ النَّاسُ الْمَوْتَ وَلاَ يَجِدُونَهُ = هذا يحدث حينما تتبدد أمال الإنسان وأمانيه ويكون إنسانا بلا تعزية فيهرب الموت منه. وليس المعنى أنه لن يكون موت فى تلك الأيام، بل سيشتهى الناس الموت فى يأس من هذه الحياة من الغلاء والأمراض الفتاكة والإنفجار السكانى والظروف المناخية السيئة والظلم الإجتماعى وإنعدام فرص العمل والسكن.

ولاحظ فهؤلاء لا يؤمنون بأن هناك حياة أخرى بعد الموت، وهم مرعوبين من فكرة الموت. إذ هم بلا أمل فى الحياة، وبلا أمل فى حياة أخرى بعد الموت. وكيف يحتمل بشر كل هذا إن لم يكن له ختم الله على جبهتة؟ أى مملوء من الروح القدس الذى يعطى العزاء والصبر والإحتمال، بل ويعطى العين المفتوحة على المجد المعَّد فى السماء (1كو2: 9 - 12) وهذا يُعطى عزاء للمتألم. وهنا نرى أن الله لايسمح بموتهم لعلهم يتوبون ويرجعون كما رجع سارتر.

شِبْهُ خَيْل مُهَيَّأَةٍ لِلْحَرْبِ = كانت الخيل هى أداة الحرب فى تلك الأزمنة. ونحن أمام حرب يشنها الشيطان ضد الإنسان ليخربه عقليا وروحيا ونفسيا. ولاحظ العكس فأبناء الله ورأسهم المسيح يقودهم فى حرب ضد الشيطان ومملكته وأبواب الجحيم لن تقوى على هذه الحرب (مت 16: 18).

وَعَلَى رُؤُوسِهَا كَأَكَالِيلَ = لم يقل أكاليل بل كأكاليل، فهى توهم الناس بالنصرة، هى مخادعة تبدو فى صورة ملوك لها أكاليل ذهبية، تصنع لنفسها هالة من العظمة لتسيطر على عقول وقلوب البشر، وتُصَيِّر الإنسان عبدا لها، والناس ينخدعون كما إنخدع مئات الملايين بهذه الفلسفات وظنوا أن فيها الخلاص من الظلم الإجتماعى. "قال ماركس أن المقهورين والمظلومين قد إخترعوا فكرة الله حتى يسكنوا ألامهم الناشئة من الظلم الواقع عليهم. ولكن حين تُطَبَّق نظريتى الإقتصادية ستنتهى تماما فكرة وجود الله دون حاجة لمقاومة للكنيسة أو إضطهاد لها". ولكن كان هذا عكس ما فعلته الشيوعية إذ نُشِرَت النظرية بإضطهاد الكنيسة وقتل المسيحيين.

شَعْرٌ كَشَعْرِ النِّسَاءِ = شعر النساء علامة جمالهن، أى أن هذه الفلسفات لها منظر يبدو جميلا، ولها منظر الحنان فالفلسفات الإلحادية الماركسية إدعت أنها تتعاطف مع الفقراء وأنها تهتم بإزالة أوجاعهم والظلم الواقع عليهم. والوجودية ألَّهَت الإنسان.

أَسْنَانُهَا كَأَسْنَانِ الأُسُودِ = مع أن لها منظر جميل ومنظر فيه حنان لكنها تخفى فى باطنها وحشية، وهى مفترسة تجذب بنعومتها لكى تفترس:

  1. من رفض إتباع النظرية وإستمر فى إيمانه إضطهدوه وقتلوا الكثيرين.
  2. من سار وراءهم تركته نظريتهم الإلحادية محطما بلا رجاء فى حياة هنا أو فى الأبدية. فهم ينكرون وجود أبدية.

لَهَا دُرُوعٌ كَدُرُوعٍ مِنْ حَدِيدٍ = مرة ثانية لم يقل دروع بل كدروع، فهى ليست قوية بالفعل، بل تبدو هكذا [قيل عن دول الشيوعية أنها دول الستار الحديدى ثم إنهار كل شىء فجأة]. الحقيقة أن أولاد الله والكنيسة قادرون على الصمود أمامها، ورأيت بعينى، المسيحية فى روسيا والكتلة الشيوعية فى أقوى حالاتها وإضطهادها للمسيحيين أن المسيحية كانت فى حالة قوة وثبات، وكان ذلك فى بداية السبعينيات من القرن الماضى، أى فى قمة إزدهار الشيوعية، ومرت الأيام وإنتهت الشيوعية التى كان لها كدروع من حديد وإنتصرت المسيحية، "فهو خرج غالبا ولكى يغلب".

وَوُجُوهُهَا كَوُجُوهِ النَّاسِ = لها مظهر التعقل والحكمة، هى ضربة عقلانية، والناس الذين يستخدمهم إبليس يعملان على نشر هذه المبادىء على أنها أمل الإنسان فى نظام إجتماعى بلا ظلم، وعدل إجتماعى يسود الناس، حينما يستغنون عن وجود الله وسطهم. صَوْتُ أَجْنِحَتِهَا = لقد شنوا حربا على الكنيسة وعلى المؤمنين وحاولوا أن يغرقوا العالم كله بفلسفاتهم الشيطانية.

وَلَهَا أَذْنَابٌ كشِبْهُ الْعَقَارِبِ = إيذاؤها فى أذنابها، أى فى آخر الأمر من يسلك فى طريقها ويصدقه تكون آخرته الموت، أى يحيا فى عذاب كلدغة العقرب ثم ينتهى به الأمر للموت الأبدى.

لَهَا مَلاَكُ الْهَاوِيَةِ = هو الشيطان = مَلِكًا عَلَيْهَا = هم يأتمرون بأمره.

اسْمُهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وبِالْيُونَانِيَّةِ = هذه الفلسفات تسود على اليهود وعلى الأمم على السواء، فالشيطان يعمل بكل قوته ليهلك الجميع وكثير من هؤلاء الفلاسفة كانوا يهودا. أَبَدُّونَ وأَبُولِّيُّونَ = معناهما المهلك.

إذا الويل الأول هو حرب فكرية يطلق فيها الشيطان لكن فى حدود حرب فكرية ضد البشر. أما الويل الثانى فهو حروب فعلية يهلك فيها الملايين، وفيها يطلق الشيطان لإثارة الملوك والرؤساء وفى نهايتها ينطلق ضد المسيح وتقوم فى أيامه حروبا رهيبة. وسيكون ضد المسيح هذا تجسيما للشيطان نفسه.

الأعداد 13-21

الآيات (13 - 21): -

"13ثُمَّ بَوَّقَ الْمَلاَكُ السَّادِسُ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا وَاحِدًا مِنْ أَرْبَعَةِ قُرُونِ مَذْبَحِ الذَّهَبِ الَّذِي أَمَامَ اللهِ، 14قَائِلاً لِلْمَلاَكِ السَّادِسِ الَّذِي مَعَهُ الْبُوقُ: «فُكَّ الأَرْبَعَةَ الْمَلاَئِكَةَ الْمُقَيَّدِينَ عِنْدَ النَّهْرِ الْعَظِيمِ الْفُرَاتِ». 15فَانْفَكَّ الأَرْبَعَةُ الْمَلاَئِكَةُ الْمُعَدُّونَ لِلسَّاعَةِ وَالْيَوْمِ وَالشَّهْرِ وَالسَّنَةِ، لِكَيْ يَقْتُلُوا ثُلْثَ النَّاسِ. 16 وَعَدَدُ جُيُوشِ الْفُرْسَانِ مِئَتَا أَلْفِ أَلْفٍ وَأَنَا سَمِعْتُ عَدَدَهُمْ. 17 وَهكَذَا رَأَيْتُ الْخَيْلَ فِي الرُّؤْيَا وَالْجَالِسِينَ عَلَيْهَا، لَهُمْ دُرُوعٌ نَارِيَّةٌ وَأَسْمَانْجُونِيَّةٌ وَكِبْرِيتِيَّةٌ، وَرُؤُوسُ الْخَيْلِ كَرُؤُوسِ الأُسُودِ، وَمِنْ أَفْوَاهِهَا يَخْرُجُ نَارٌ وَدُخَانٌ وَكِبْرِيتٌ. 18مِنْ هذِهِ الثَّلاَثَةِ قُتِلَ ثُلْثُ النَّاسِ، مِنَ النَّارِ وَالدُّخَانِ وَالْكِبْرِيتِ الْخَارِجَةِ مِنْ أَفْوَاهِهَا، 19فَإِنَّ سُلْطَانَهَا هُوَ فِي أَفْوَاهِهَا وَفِي أَذْنَابِهَا، لأَنَّ أَذْنَابَهَا شِبْهُ الْحَيَّاتِ، وَلَهَا رُؤُوسٌ وَبِهَا تَضُرُّ. 20 وَأَمَّا بَقِيَّةُ النَّاسِ الَّذِينَ لَمْ يُقْتَلُوا بِهذِهِ الضَّرَبَاتِ، فَلَمْ يَتُوبُوا عَنْ أَعْمَالِ أَيْدِيهِمْ، حَتَّى لاَ يَسْجُدُوا لِلشَّيَاطِينِ وَأَصْنَامِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَجَرِ وَالْخَشَبِ الَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُبْصِرَ وَلاَ تَسْمَعَ وَلاَ تَمْشِيَ، 21 وَلاَ تَابُوا عَنْ قَتْلِهِمْ وَلاَ عَنْ سِحْرِهِمْ وَلاَ عَنْ زِنَاهُمْ وَلاَ عَنْ سَرِقَتِهِمْ.".

البوق السادس (الويل الثانى).

نرى هنا رقم 4 يتردد كثيرا (أَرْبَعَةِ قُرُونِ المَذْبَحِ + الأَرْبَعَةَ ْمَلاَئِكَةَ الْمُقَيَّدِينَ + الأَرْبَعَةُ ْمَلاَئِكَةُ الْمُعَدُّونَ لِلسَّاعَةِ) ورقم 4 يشير لكل العالم وللعمومية، فهى إذا حرب عالمية ستشمل كل العالم ولكنها بسماح من الله. فالله هو الذى يحرك الملائكة، والملائكة يسمحون بما يسمح به الله، مهم جدا أن نفهم أن الشيطان ليس حرا حرية مطلقة (راجع قصة ايوب أى12: 1 + 6: 2).

مَذْبَحِ الذَّهَبِ = إشارة للمسيح شفيعنا عند الآب. أَرْبَعَةِ قُرُونِ المَذْبَحِ = أى شفاعته قوية، فالقرن رمز القوة عند رعاة الأغنام. ورقم 4 هنا يشير إلى أن شفاعة المسيح تشمل كل العالم، أى كل من يؤمن به فى كل العالم.

فمع شدة الضربات إلا أننا نرى أن كل من يرجع ويتوب يجد الأحضان الإلهية مفتوحة له. ولكن لنلاحظ أيضا أن السيد المسيح الذى يشفع فى البشر هو نفسه الذى تصدر منه الأوامر بالضربات، فلقد رآه يوحنا متمنطقا عند ثدييه بمنطقة من ذهب، وهذه ملابس القضاه (رؤ13: 1) هو الديان (يو27: 5).

الَّذِي أَمَامَ اللهِ = فالمسيح هو شفيعنا والوسيط الوحيد كشفيع كفارى لنا لدى الآب.

النَّهْرِ الْعَظِيمِ الْفُرَاتِ = ربما يعنى هذا أن مركز الحرب العالمية هذه يكون فى أرض العراق أو تبدأ الحرب من عنده، أو حول نهر الفرات عموما، ولكن المعنى الروحى أن نهر الفرات كان يروى مملكة بابل. وبابل رمز الخطية والتمرد على الله فى الكتاب المقدس ويكون المعنى أن هذه الحرب بسبب الشر الذى فى العالم. ولنفهم أن هناك عريسين وعروستين فى الكتاب المقدس. العروس الأولى هى الكنيسة وعريسها هو المسيح. والثانية هى بابل مملكة الشر والتعدى على الله وعريسها هو الشيطان. الْمُعَدُّونَ لِلسَّاعَةِ وَالْيَوْمِ = إذا لا شىء يحدث بالصدفة، بل أن كل شىء معد من قبل الله ضابط الكل. فلماذا الخوف ونحن فى يد إله قدير يعلم كل شىء وقد أخبرنا منذ آلاف السنين عما سيحدث، وهو أيضا أبونا وجعلنا أولاده، إذاً هو قادر أن يحمينا بل هو يريد هذا.

يَقْتُلُ ثُلْثَ النَّاسِ = أى عدد عظيم سيهلك فى هذه الحرب. فالألات الحربية فى هذه الأيام صارت مهلكة. ويقتل الثلث، لعل الثلثين يستيقظوا ويتوبوا.

مِئَتَا أَلْفِ أَلْفٍ وَأَنَا سَمِعْتُ عَدَدَهُمْ = هى إذاً حرب عالمية يشترك فيها جيوش كثيرة. ولكن كون يوحنا يقول أنه سمع عددهم فلربما يكون هذا الرقم له معنى فى تلك الأيام. ولربما نسمع فى تلك الأيام فعلا أن عدد الجيوش المتحاربة هو 200 مليون جندى، وحينما نسمع هذا الرقم يكون هذا علامة على إقتراب ظهور ضد المسيح.

الْخَيْلَ فِي الرُّؤْيَا.... دُرُوعٌ نَارِيَّةٌ وَأَسْمَانْجُونِيَّةٌ وَكِبْرِيتِيَّةٌ = هذا تعبير عن آلات الحرب الرهيبة التى تطلق نيرانا مدمرة (المدافع) ولها دروع إسمانجونية. والإسمانجونى هو لون السماء. ولعل هذا تعبيرا عن الصواريخ والطائرات المدمرة والتى تلقى نيرانا = َكِبْرِيتِيَّةٌ ولكن كيف يعبر يوحنا عن هذه الآلات الحربية من 2000 سنة؟

هو إستخدم الألفاظ السائدة فى عصره، إذ كانت آلة الحرب وسلاح الحرب فى أيامه هى الخيل ومن فتكها شبهها برؤوس الأسود.

سُلْطَانَهَا هُوَ فِي أَفْوَاهِهَا = من فوهة المدفع تخرج النيران والكبريت المدمر.

وَفِي أَذْنَابِهَا = القنابل المدمرة فى بطن الطائرات لذلك شبه أذنابها بالحيات المهلكة.

وَلَهَا رُؤُوسٌ وَبِهَا تَضُرُّ = فالصواريخ الآن تحمل رؤوسا مدمرة (نووية وكيماوية وجرثومية) تضر وتقتل.

وهدف الله من هذه الضربات أن يتوب الناس، ولكن للأسف فهم لم يتوبوا، لذلك هم شابهوا فرعون وشعب المصريين الذين إذ اصابتهم الضربات لم يتوبوا ولم يطلقوا شعب إسرائيل. وهذا ما يسمى بعناد مصر أو خطية مصر "تدعى روحيا سدوم ومصر" (رؤ8: 11) أى أن خطيتهم فى ذلك الزمان هى نفس خطية مصر أى العناد مع الضربات وعدم تقديم توبة.

يَسْجُدُون لِلشَّيَاطِينِ = والآن نرى الكثيرين يتعبدون للمال والمادة، والملذات الشهوانية. فالشيوعيون يتعبدون للمادة والوجوديون يتعبدون للذات الإنسانية. وعموما فكثيرون يتعبدون للمال والجنس. وهذا هو الإلحاد المعاصر. لم يعد أحد يتعبد لأوثان، ولكن الشيطان وراء الصراع والتعبد للمال وتجارة الجنس فى كل العالم. بل هناك الآن عبادة للشيطان.

أصنام الذهب والفضة والنحاس والحجر والخشب = هذه العبارة هى عبارة تتكرر كثيرا فى العهد القديم، وتشير فعلا فى العهد القديم لعبادة الأوثان. فكانوا يصنعون أصنامهم من الحجر والخشب والنحاس وكانوا يجملونها ويزينونها بالفضة والذهب. أما الآن فلا يوجد من لا يزال يعبد أصناما من حجر وخشب. أما أصنام هذه الأيام فهى الذات والمال والقوة والشهوات الجنسية بل والشذوذ الجنسى الذى أصبح مطلبا عالمياَ بل علامة على إحترام حرية الإنسان. ولما تمادى البشر فى السعى وراء هذه الأصنام الجديدة سمح الله للشيطان أن يجربهم بأن يعطيهم كل ما منعهم الله عنه، ليدركوا بأنفسهم أن أصنامهم هذه ليس من ورائها إلاّ الخراب النفسى والمادى، فيدركوا حكمة الله فى تحريم هذه الأصنام، وأن الله لم يكن مُقيِّدا لحريتهم حينما منعها بل كان يرشدهم لطريق الفرح ولطريق السماء فى النهاية. ولنرى أمثلة على ذلك: -.

الصنم الأول: - الذات.

خلق الله الإنسان على صورته وأراد له أن يكون مخلوقا سعيدا يحيا فى فرح "جنة عَدْنْ" = المعنى عالم رائع الجمال يحيا فيه الإنسان فى فرح، ولكن من خلال الإتحاد بالله والثبات فيه وليس بالإنفصال عنه. ولكن منذ البداية إنساق آدم وحواء إلى غواية إبليس بأن يطلبا أن يكونا مثل الله! والسؤال لماذا يا آدم، ألم يخلقك الله على صورته فماذا تريد أكثر؟ هنا تكمن مشكلة الذات فآدم بل كل من يسقط فى هذه الخطية حتى الآن هو يريد أن يرتفع بالإنفصال عن الله وفى تنافس مع الله، ولسان حاله يقول "أنا وليس الله" وألم تكن هذه سقطة الشيطان نفسه (إش14: 13، 14). وقد أسقط فيها آدم "تكونان كالله" (تك3: 5) وستكون هى نفس خطية الوحش = ضد المسيح فى نهاية الأيام (2تس2: 4 + رؤ13: 4). وكما رأينا فهذه هى نفس خطية ونفس أفكار فلاسفة الإلحاد المعاصر.

الذين أنكروا أصلا وجود آلهة وقال أحدهم "كيف يكون هناك إله وأطيق أنا أن لا أكون إلها". ولذلك كان البوق الخامس أو الويل الأول، إذ قال الله دعهم يجربون ما أرادوه فى قلوبهم "ليعطك حسب قلبك ويتمم كل رأيك" (مز20: 4) وسمح للشيطان بأن يكون وراء هذه الفلسفات التى أنكرت وجود إله، أراد الإنسان أن يكون مثل الله بالإنفصال عن الله، فوصل به الغرور إلى إنكار وجود إله، وقالوا "أن وجود إله يلغى وجودى أنا، إذاً فلنحكم على الله بالموت لأوجد أنا". وماذا كانت النتيجة سوى العذاب النفسى والألام التى مثل لدغات العقارب. لقد كانوا بلا تعزيات فالله وحده مصدر هذه التعزيات. وحقا ماذا يفعل إنسان وحده دون مساندة إلهية أمام طوفان المشاكل والألام التى تواجه الإنسان، بل ماذا يفعل وكيف يقابل فكرة الموت التى هى فى نظرهم فناء.

الصنم الثانى: - القوة.

كانت إرادة الله السلام والمحبة، وأراد الإنسان أن يظهر قوته ويسيطر فأثار الحروب، وقال الله دعهم يجربون ويلات الحروب فكان الويل الثانى.

الصنم الثالث: - المال والجنس والشذوذ الجنسى.

أراد الله للإنسان أن يحيا فى طهارة وقداسة "إنى أنا الرب إلهكم فتتقدسون وتكونون قديسين لأنى أنا قدوس. ولا تنجسوا أنفسكم" (لا11: 44) + "لأن هذه هى إرادة الله قداستكم. أن تمتنعوا عن الزنا" (1تس4: 3). وماذا تكون مكافأة من يقدس نفسه مبتعدا عن خطايا النجاسة؟ يقول القديس بولس الرسول "إتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التى بدونها لن يرى أحد الرب" (عب12: 14). فالقداسة هى أن يتخصص ويتكرس الإنسان لله القدوس مبتعدا عن شهوات الجسد النجسة، ومثل هذا الإنسان يثبت فى الله ولا ينفصل عنه فيراه، فيختبر حياة الفرح والسلام التى أرادها الله للإنسان منذ البدء. أما من يسلك فى النجاسة فلا يمكن أن يظل ثابتا فى الله القدوس إذ "لا شركة بين النور والظلمة....." (2كو6: 14 – 18). ولكن ماذا طلب البشر. طلبوا الإستمتاع بشهوات الجسد، وظنوا أن الله حين يطلب منهم الإمتناع عما ينجس أجسادهم أن الله بهذا يقيد حرياتهم. وماذا طلب الإنسان أيضا؟ المال... وصار المال إله هذا الدهر. فماذا يفعل الله؟ سمح الله بالويل الثالث وهو ظهور ضد المسيح. وهذا صارت مملكته "تُدعى روحيا سدوم ومصر" (رؤ11: 8). وهذا يعنى أن الخطية السائدة فى هذه المملكة هى الشذوذ الجنسى وهى خطية سدوم، والعناد (رؤ9: 20، 21)، فمع إزدياد ضربات الله أصر البشر على الإستمرار فى خطاياهم، وكانت هذه خطية فرعون والمصريين.

ونرى الله لا ييأس من البشر بل يظل يؤدب حتى النهاية لعل أحدا يفهم ويتوب، فنسمع فى الإصحاح العاشر عن ألام أخرى أسماها الرعود، وهذه تصيب العالم كله الذى قبل ضد المسيح (10: 11). ولماذا قبل العالم ضد المسيح هذا؟ لأنه سهَّلَ لهم ما أرادوا وقَنَّنَه لهم، وصارت أمور الحياة سهلة لمن يتبعه (رؤ13: 17). ولكن أين الفرح والسلام؟ لقد خدع الشيطان البشر إذ صَوَّرَ لهم أن الملذات الحسية هى بديل للفرح الذى يعطيه الله وحده وليس له مصدر سوى الله (يو16: 22). وكانت آخر محاولات الله لتأديب الإنسان هى ضربات الجامات والعجيب أنهم كانوا يعضون ألسنتهم من الوجع بسبب هذه الجامات ولكنهم لم يتوبوا (رؤ16).

التى لا تستطيع أن تبصر = عجبا على من يتصور أن المال أو القوة البشرية أو أى خطية قادرة أن تسعده أو تخلصه من ضيقته.

وَلاَ عَنْ سِحْرِهِمْ = تشمل كل من يتعامل مع الأحجبة والتعاويذ وقارئى البخت وما يقال له الطالع وحظك اليوم، وقراءة الفنجان والكف.... الخ أو من يتعامل مع الأعمال أو من يفك الأعمال.

المؤمن لا يعرف حلا لمشاكله سوى اللجوء لله وللكنيسة التى وضع الله فيها سبعة أسرار محيية.

ونلاحظ أنه فى أيام ضد المسيح سيخدع هذا الشخص قلوب البسطاء بأعمال سحر عجيبة (راجع رؤ13) فينجذبون له. إذاً علينا من الآن أن نلتصق بالله وبالكنيسة ولا نصدق أى أعمال شيطانية بل لا نصدق ولا نجرى وراء الخوارق التى لم تعلن الكنيسة أنها معجزات حقيقية من قبل الله.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح العاشر - تفسير رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح الثامن - تفسير رؤيا القديس يوحنا اللاهوتي - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير رؤيا يوحنا اللاهوتي الأصحاح 9
تفاسير رؤيا يوحنا اللاهوتي الأصحاح 9