الأصحاح الأول – سفر إرميا – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر إرميا – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

مقدمة سفر إرميا

الممالك العظمى فى التاريخ.

تاريخ مملكة إسرائيل.

ضياع مملكة إسرائيل على يد أشور يمثل كسر الإناء الخزفى (إر19). وتجديد يهوذا يمثله مثل الفخارى (أر18).

فترة ما قبل السبى بالتفصيل (فترة ظهور إرمياء النبى).

  1. ظلت مصر متسلطة حتى هزيمتها سنة 606 ق. م فى معركة كركميش على يد بابل وبدأ تسلط بابل.
  2. إنتهت مملكة يهوذا سنة 586 وسقطت نهائياً ودمر الهيكل وأحرقت أورشليم وسقط سورها.
  3. حدث السبى على 4 مراحل. وكان السبى الأول أيام يهوياقيم والسبى الثانى قُتِلَ فيه يهوياقيم والسبى الثالث أُسِرَ فيه يكنيا إلى بابل والسبى الرابع إنتهت به المملكة ايام صدقيا وكلهم بواسطة بابل.

ملخص لتاريخ ملوك فترة ما قبل السبى.

  1. يوشيا: - كان ملكاً قديساً ورث الحكم من أبيه منسى الملك أشر ملوك يهوذا الذى نشر العبادة الوثنية فى يهوذا، ومع أنه تاب فى أواخر أيامه إلا أن هذه العبادة كانت قد إنتشرت كالنار فى كل المملكة. وجاء يوشيا فأزال مظاهر العبادة الوثنية ولكنه غالباً لم يستطع أن يزيل ما فى القلوب. بدأ فى أيامه ضعف مملكة أشور فإستقلت مصر من قبضتها سنة 650 ق. م. على يد بسماتيك وفى أيامه ملك نبوبلاسر سنة 625 ق. م. على بابل وأخرب نينوى عاصمة أشور سنة 612 ق. م ولأنه كان هناك تحالف مصر وأشور فحاول نخو ملك مصر مساعدة أشور ضد بابل، ولكن تصدى يوشيا ملك يهوذا لنخو ملك مصر وحاربه، ربما لأنه فضل إنتصار بابل ولكن كان هذا خطأ منه فالمعركة لم تكن ضده. وهزم نخو ملك مصر يوشيا وقتله سنة 608 ق. م. وكان ليوشيا إصلاحات دينية كثيرة وأعاد للهيكل هيبته وأصلحه وإحتفل بالأعياد خصوصاً بعد العثور على نسخة من كتاب الشريعة وقراءتها. بدأ إرمياء خدمته فى السنة الثالثة عشرة لحكمه. وهاجم إرمياء الإصلاح الظاهرى فالملك يأمر بالإصلاح ولكن الفساد داخل القلوب. وكان إرمياء يطلب القلب التائب ولا يقتنع بالمظاهر. ولذلك هاجم إتكالهم على وجود الهيكل وسطهم بينما أبقوا على الخطية فى داخلهم. والدليل على صدق إرمياء فى ذلك أنه بعد موت يوشيا جاء ملوك فاسدون للحكم ووجدوا قلوباً مستعدة.
  2. يهوأحاز: - إبن يوشيا وكان شريراً وكان إسمه قبلاً شلوم وعزله نخو وأسره ومات فى مصر.
  3. يهوياقيم: - هو أخو يهوأحاز وكان إسمه إلياقيم وملكه نخو بدلاً من أخيه وكان شريراً أيضاً وحدث فى عهده إرتداد للوثنية وهو أرهق الشعب بالضرائب ليدفع الجزية لمصر. وفى سنة 605 ق. م. هُزِمَ فرعون أمام نبوخذ نصر فى معركة كركميش وجاء لأورشليم وإستولى على جزء من آنية بيت الرب وسبا بعض سكانها ومنهم دانيال والثلاثة فتية (وكان هذا هو السبى الأول). ودفع هذا الملك الجزية لبابل 3 سنين ثم عصى وتمرد وحذره إرمياء وأرسل لهُ نبواته بأنه يجب عليه الخضوع لبابل فأمسك بالدرج المكتوب به النبوات ومزقه بالمبراة وألقاه فى النار إلى أن تحول لرماد. وصعد عليه نبوخذ نصر وأسره ومات فى الطريق كنبوة إرمياء (وكان هذا السبى الثانى).
  4. يهوياكين: - إبن يهوياقيم وإسمه كان يكنيا أو كنياهو وكان شريراً وحاصر نبوخذ نصر أورشليم فى أيامه فإستسلم وسباه لبابل (السبى الثالث) وملك متانيا عم يكنيا مكانه بإسم صدقيا، وقد عاش يكنيا 37 سنة فى بابل ثم رفع الملك البابلى وجهه.
  5. صدقيا: - كان شريراً وإنتشرت أيامه العبادات الوثنية وتمرد بعد 8 سنوات من ملكه على نبوخذ نصر وكان ذلك بتشجيع من الأنبياء الكذبة، ولم يقبل أن يستمع لمشورة إرمياء. فجاء نبوخذ نصر فى السنة التاسعة لملكه وحاصر أورشليم 18 شهراً. وفى آخر فترة الحصار نقب البابليون السور وهرب صدقيا ولكن أدركه الكلدانيون (البابليون) وقتلوا أولاده أمام عينيه ثم فقأوا عينيه (وكان هذا هو السبى الرابع). ولم يبق بعد هذا السبى فى يهوذا سوى مساكين الأرض. وبنهاية ملك صدقيا إنتهى كرسى داود وسقطت المملكة.
  6. جدليا بن أخيقام: - أقامه الكلدانيون على الشعب المتبقى وحكم لعدة شهور ثم أغتيل بيد إسمعيل فى مؤامرة. وهرب إسمعيل بعد ذلك. فخاف الشعب المتبقى من إنتقام نبوخذ نصر منهم لأن بعض البابليون ماتوا فى هذه المؤامرة، وصمموا على الهرب إلى مصر طلباً لحمايتها. وكان هذا ضد رأى إرمياء بعد أن سأل الله. ولكنهم لم يستمعوا لنبوته بهلاكهم فى مصر بل أجبروا إرمياء النبى على الذهاب معهم إلى مصر. حيث إنتهت حياته فيها بالإستشهاد رجماً بالحجارة على يد الشعب اليهودى الذى لجأ لمصر (وهذا بحسب التقليد).

شخصية وخدمة إرمياء النبى.

  1. إختاره الله فى سن صغيرة ولذلك قال "جيد للرجل أن يحمل النير فى شبابه". وكان النير بالنسبة له خدمته وإضطهاده من الجميع وأحزانه على ما سوف يحدث لشعبه (مرا27: 3).
  2. إستمرت خدمته حوالى 41 سنة فى مملكة يهوذا قبل سقوطها وبعد سقوطها. ثم إستمرت خدمته ونبواته فى مصر لمدة يصعب تحديدها. وكان كاهناً من عائلة كهنوتية من بلدة عناثوث.
  3. فى مقارنة مع إشعياء نجد هناك فارقاً، فأسلوب إرمياء أعنف وتهديداته أكثر والسبب زيادة فساد الشعب، فحينما تزداد الخطية يجب أن يكون التوبيخ أعنف. وكانت إنذاراته تتلخص فى أنه إن لم يقدموا توبة عن خطاياهم فسيسلمهم الله ليد نبوخذ نصر، والله دائماً ينذر قبل أن يضرب ولذلك لنلاحظ قول الله الذى تكرر كثيراً فى هذا السفر "أنذرتكم مبكراً" لذلك يعتبر هذا السفر سفر إنذار مبكر. وكان الإنذار بالخراب بكلمات واضحة.
  4. حينما إزداد عناد الشعب والملك تغيرت اللهجة إلى أن الإستسلام واجب لملك بابل. فقد كان حكم الله قد صدر. ومن مراحم الله انه حتى بعد أن قضى عليهم بهذا، يرشدهم لأحسن وسيلة حتى تكون الخسائر أقل ما يمكن. فبالتأكيد كان إستسلامهم للسبى افضل من حريق وخراب دولتهم وهيكلهم وكل شىء. ولكن إتهموا النبى بأنه خائن ومتواطىء مع ملك بابل، لأنه كان يتنبأ بإنتصاره ولكن هذا مردود عليه بالأتى: -.
  5. هو نفسه تنبأ بخراب بابل عدة مرات، بل هناك إصحاحين كاملين عن هذا (51، 50) فلو كان عميلاً لملك بابل لما تجرأ على ذكر هذا الخراب الرهيب ضد بابل.
  6. تنبأ برجوع الشعب من السبى (14: 16 + 21: 31 + 6: 32).
  7. بل هو حدد فترة السبى بـ70 سنة يعقبه خراب بابل (12: 25 + 10: 29).
  8. كان مفهوم النبى عن السبى انه علاج للخطية المتفشية وبالذات الوثنية ويشرح هذا بوضوح فى إصحاحى 19، 18 ففى إصحاح (18) الفخارى يعيد تشكيل الإناء الذى فسد وفى إصحاح (19) إذا وصل الفساد إلى الحد الذى لا يُرجى منه صلاح يكسر الفخارى الإناء وهذا ما حدث مع إسرائيل. وكان هذا العلاج ناجحاً جداً فلم ترجع إسرائيل أبداً لعبادة الأوثان بعد عودتها من السبى.
  9. كان نبياً مُعذَّباً مضطهداً من شعبه ومن الكهنه ورؤسائهم ومن الملوك بل ومن عائلته. وهو عاش وتنبأ فى أيام ما قبل خراب أورشليم بيد بابل كما عاش المسيح أيام ما قبل خراب أورشليم بيد الرومان. وكانت أخلاقيات الشعب فى الحالتين متشابهة وعلى درجة كبيرة من الإنحطاط، فكما إضطهدوا الرب يسوع (شعباً وكهنة وملوكاً) هكذا كان الحال مع إرمياء فالخطاة لا يحتملوا الأبرار، ولا الشيطان يحتمل أولاد الله ولذلك جاء عليهم الغضب لنهايته (1تس16، 15: 2). وإنتهت حياته رجماً بيد اليهود وحين جاء الإسكندر الأكبر لمصر أخذ عظامه المدفونة بإهمال وحملها للإسكندرية ودفنها هناك.
  10. كان نبياً باكياً وسمى بالنبى الباكى لبكائه على خطايا شعبه ومصيرهم الذى أعلنه الله له، وسمى كذلك بسبب كتابته للمراثى. ولذلك ظن بعض معاصرى المسيح أنه إرمياء لأنه كان باكياً أيضاً وكان رجل أحزان مختبر الألم (مت14: 16).
  11. نبوات إرمياء غير مرتبة زمنياً ويمتزج فيها التهديدات بالمراحم الإلهية للتائبين.
  12. وعود الخلاص من السبى تشير بوضوح للخلاص بواسطة المسيح.
  13. فى نبوة باروخ (الأسفار القانونية الثانية) توجد عظة من إرمياء للمسبيين يدعوهم لعدم عبادة الأوثان وبطل ذلك وغباء عباد الأوثان (باروخ 6) وفى أسفار المكابيين (2مك4: 2) نرى أن إرمياء خبأ تابوت العهد ومذبح البخور فى كهف بعد خراب الهيكل.
  14. عانى كثيراً إرمياء النبى من الأنبياء الكذبة الذين يعطون للشعب وعوداً كاذبة بالسلام، بينما كان النبى إرمياء ينذرهم بالخراب بسبب الخطية. ولكن هكذا الناس فى كل جيل يميلون لسماع الكلام الناعم المعسول عوضاً عن الحقيقة. وكان النبى لا يرى وسيلة للسلام سوى التوبة وإصلاح الداخل. "سلام سلام ولا سلام لأنكم أشرار" (14، 13: 6).
  15. بالمقاييس البشرية كان إرمياء فى خدمته فاشلاً فلا نرى أن احداً تاب بسببه ولكن كان هو صوت الله الذى بسببه سيدين الله هذا الشعب غليظ الرقبة فهم قد سمعوا ورفضوا.
  16. كان النبى يتعب كثيراً من إضطهاده وتعذيبه وإستمر صراخه (طوال العشرون إصحاحاً الأوائل) ولكن أعقب هذا الصراخ سلام فهو كان صراخاً لله وليس شكوى للناس فالله قادر أن يسمع ويحل المشكلة ويعطى عزاء ولكن البشر غير قادرين على ذلك.
  17. بالنسبة لموقف النبى من التحالفات مع الدول المحيطة فكان رأيه عدم الإعتماد عليهم (مصر مثلاً) وأن يكون إتكال الشعب على الله فقط. ولأن رأيه خالف أراء الرؤساء إضطهدوه.
  18. معنى إسمه فى العبرية الرب يؤسس (أرم = يرمم) وهذا هو موضوع النبوة، فالله أرسله "لتقلع وتهدم وتهلك وتنقض وتبنى وتغرس" (1: 10). فأورشليم فسدت ورأى الله أن وسيلة الإصلاح أن يهدمها ويبنيها من جديد. وكان هذا ما شرحه الله فى موضوع الفخارى (ص18). والله بهذا يشرح أيضا كيفية الخليقة الجديدة بالفداء والمعمودية (وهى موت وقيامة مع المسيح كخليقة جديدة). وإرمياء لم يهدم ولم يبنى أورشليم جديدة بل هو تنبأ بهذا، وما تنبأ به حدث. ولاحظ أن تنبأ إشارة لكلمة قالها إرمياء، والخليقة الجديدة ستكون بكلمة الله المسيح. ونفس الفكرة شرحها الله فى كيفية خلق خليقة جديدة فى (حز37)، فحزقيال حين تنبأ على العظام الميتة صارت إنسانا كاملا وراجع شرح (حز37). راجع نقطة 21.
  19. وهو من عناثوث التى فى أرض بنيامين (4 ميل شمال شرق أورشليم) ووجه الله لهُ الدعوة قائلاً "قبلما صورتك فى البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك، قد جعلتك نبياً للشعوب" وقد مسَّ الرب فمه ليعده للخدمة دون أن يذكر شيئاً عن تطهره كما ذُكرَ عن إشعياء (إش 6) ربما لأن سنه كان صغيراً كما يقول القديس جيروم وقد واجه ظلم شديد من كل طوائف شعبه ولم يصنع شيئاً سوى البكاء والصلاة فشابه المسيح "ظُلِمَ اما هو فتذلل" وقد عاصره من الأنبياء صفنيا فى يهوذا ودانيال وحزقيال فى بابل (صف 1: 1).
  20. بعد إكتشاف سفر الشريعة الذى يشدد على أن العبادة تكون فى أورشليم أخذ إرمياء يبشر بهذا فحدث عداء بينه وبين الكهنه الذين كانوا يمارسون طقوسهم بعيداً عن أورشليم وهاج عليه أهله فى عناثوث لأنه خالفهم وكشف أخطاءهم فحاولوا قتله.
  21. ظهور إرمياء بعد موته: - يُذكر هذا فى (2مك12: 15 - 16) أنه ظهر فى جلال وبهاء مع أونيا الحبر الأعظم فى حلم ليهوذا قبل حربه مع نيكانور وتحدث أونيا مع يهوذا المكابى يعرفه بإرمياء. فقال هذا محب الإخوة المكثر من الصلوات لأجل الشعب والمدينة المقدسة، إرمياء نبى الله. ثم مد إرمياء يمينه وأعطى يهوذا سيفاً من ذهب وقال خذ هذا السيف المقدس هبة من عند الله تحطم به أعداؤك. وفعلاً فقد إنتصر يهوذا المكابى فى تلك الحرب وقتل نيكانور مع 35000 من جنده.
  22. إرمياء وباروخ: - باروخ بن نيريا هو الذى صاغ كلمات السفر حسب ما أملاه له إرمياء وغالباً فهو الذى أضاف الأحداث التاريخية وتاريخ إرمياء الشخصى وباروخ هو أيضاً نبى وله نبوة بإسمه فى الأسفار القانونية الثانية ويجىء موضع نبوته بعد مراثى إرمياء. وتشمل رسالة من إرمياء للمسبيين.
  23. فى مقارنة بين إرمياء ويونان النبيين نجد فرقاً يشير لمحبة إرمياء الفائضة فنجد إرمياء ينوح على ما سبق وأنبأ به من خراب وما كان أبهج إرمياء لو حدث وثبت خطأ كل نبواته أو أنها لم تتم ونجا الشعب بالرغم من أن تنفيذ النبوات يثبت صدق إرساليته.
  24. مصر فى سفر إرمياء: - أثناء حصار بابل لأورشليم أتى فرعون حفرع أو هفرع لمعونة صدقيا المحاصر فرفع نبوخذ نصر الحصار إلى حين يرد على هفرع (إر5: 37) ولكن كان هذا لمدة أيام. وفى النهاية قُتل هفرع بيد شريكه فى الحكم أحمس الثانى وفقاً لنبوة إرمياء (3: 44) وفى أثناء حكم أحمس الثانى 570 - 526 ق. م. تقدم نبوخذ نصر زاحفاً كما تنبأ إرمياء (10: 43 - 13)، (13: 46 - 26) والمدن المصرية المذكورة فى السفر هى نو = (25: 46) وتسمى أمون نو أو أمون وهى طيبة والآن الأقصر. وكانت عاصمة مصر ومركز عبادة الإله أمون. وبيت شمس (13: 43) = وهى أون أو هليوبوليس أى مدينة الشمس مركز عبادة الإله رع. وهى بجانب المطرية. وتحفنحيس (7: 43 - 9) = وإتخذها اليهود اللاجئين مسكناً لهم وهى الآن تل دفنة على بعد 16 كم من القنطرة ناحية غرب. وفتروس = إستوطن بها بعض اليهود وهى فى الجنوب (15، 2، 1: 42). ونوف = هى ممفيس = ميت رهينة جنوب القاهرة عند هرم سقارة. ومجدل = إسم فى اللغات السامية بمعنى حصن وهى مدينة شمال مصر على حدودها تجاه فلسطين والعبارة "من مجدل إلى أسوان" تشير للأرض المصرية كلها من الشمال إلى الجنوب.

ونلاحظ أنه بعد سقوط أشور سنة 612 ق. م على يد بابل حاولت مصر أن تتسيد على المنطقة كبديل لأشور، فخرج جيش مصر مستغلاً ضعف أشور بعد سقوطها خصوصاً وأن بابل ما زالت مملكة وليدة. ولكن يوشيا أخطأ فى حساباته وخرج ليحارب نخو ملك مصر، فهزم نخو يوشيا وقتله، ولكن بابل هزمت مصر بعد ذلك فى معركة كركميش، فعاد فرعون أدراجه إلى مصر. ولكن ملوك مصر لم يكفوا عن المحاولات، وكانوا يحرضون ملوك المنطقة ومنهم ملك يهوذا، على أن يتمردوا على ملك بابل، وكانوا يشجعون ملوك يهوذا أن يقيموا حلفاً مع مصر به يقاومون حكم بابل. إذاً لقد حاولت مصر أن تتزعم حلفاً فى المنطقة ضد بابل. ولكن كان رأى إرمياء أنه لا يوافق على هذا الحلف، بينما أن الأنبياء الكذبة فى أورشليم شجعوا ملوك يهوذا على ذلك، وهذا مما حمل الجميع ملوكاً وكهنه، وأنبياء كذبة، بل والشعب، على الوقوف ضد إرمياء وإضطهاده. وكانت دعوة إرمياء لصدقيا آخر ملوك يهوذا لأن يلتزم بتعهداته وحلفه (أقسامه) لنبوخذ نصر ملك بابل بأن يظل خاضعاً لهُ، ولكن صدقيا كان أضعف من أن يقف فى وجه التيار المؤيد للتحالف مع مصر ضد بابل. وكان أن خيانة صدقيا ونقضه لحلفه الذى حلف به أمام نبوخذ نصر، قد أغضبت الله جداً، إذ إعتبر الله أن القسم بإسمه والرجوع عن ذلك هو إهانة له (حزقيال13: 17 - 16) وقطعاً فلقد وجهوا تهمة لإرمياء هى أنه ضد الوطن ومصلحته، وأنه خائن لشعبه ووطنه.

إن مصر فى وثنيتها وكبريائها كانت ترمز لكبرياء العالم، وبخيراتها ونيلها وقوتها ترمز لخيرات هذا العالم وقوته الزمنية. وكان إرمياء فى تحذيراته بعدم الإلتجاء لمصر، بل الإلتجاء لله بتوبة حقيقية هو نداء الكتاب المقدس دائماً لمن هم فى شدة، ان لا يحاول إصلاح حاله بالإعتماد على قوة بشرية، بل ان يصلح من حاله، وقلبه، وحينئذ يصلح الله له كل ما وقع فيه من مشاكل. وأن نحتمى بالله وليس بالأموال والوساطات... ألخ.

  1. معنى إسم النبى وموضوع النبوة.

معنى إسم إرمياء = الرب يؤسس. فالله يهدد بأن بابل ستخرب يهوذا وأورشليم وتضرب الشعب، لا لأن الله يريد أن ينتقم، بل لأن الله يريد أن يعيد تأسيس شعبه من جديد بعد أن فسد. وهذا معنى مثال الفخارى الذى أراه الله للنبى إرمياء (إصحاح 18) وهذه كانت أول كلمات الله لإرمياء (إر10: 1) وقد وكلتك اليوم على الشعوب لتقلع وتهدم وتهلك وتنقض وتبنى وتغرس وهذا هو معنى إعادة التأسيس كما حدث فى الطوفان أيضاً... هلاك الميئوس من إصلاحهم (مثل إبريق الفخارى إر 19) وإعطاء حياة جديدة لمن يوجد فيه رجاء فالله لا يقصف حتى القصبة المرضوضة. راجع نقطة 14.

وهناك من فسر إسم النبى هكذا "الرب يرمى" وبهذا المعنى، فالله قرر أن يرمى شعبه فى يد بابل ليؤدب شعبه، وبعد أن ينتهى التأديب، يرمى الله عصا التأديب هذه أى بابل (وهذا هو موضوع إصحاح إر51). فبعد أن تؤدى العصا دورها، يرميها الله. وهذه هى طريقة الله دائماً، فكما ألقى الله أو رمى شعبه فى يد بابل ليتأدب هذا الشعب، أسلم الله الخليقة للباطل (رو20: 8) حتى تتأدب. وبعد أن تنتهى عملية التاديب يُلقى الله هذه العصا (أى إبليس) فى البحيرة المتقدة بالنار (رؤ10: 20). لقد ظن اليهود أن نبوات إرمياء ضدهم بأنهم سيقعوا فى يد ملك بابل هى خيانة للأمة بينما أن الله كان يعد العدة وسيستخدم ملك بابل فى إعادة تأسيس يهوذا روحياً، وهذا نفس الأسلوب الذى إتبعه بولس الرسول فى تأديب زانى كورنثوس "يُسَلم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد لكى تخلص الروح فى يوم الرب يسوع" (1كو5: 5). وتهمة الخيانة الوطنية وجهت للرب يسوع نفسه، وأنه بتعاليمه سيجعل الرومان يأتون على دولة اليهود (يو47: 11). بينما أن المسيح أتى ليعيد تأسيس البشرية وتجديدها، وما زال أسلوب المسيح فى إعادة تأسيس الكنيسة هو موت وحياة، وهذا يتم بالمعمودية (رو2: 6 - 8) وهذه تساوى تماماً (إر10: 1). وهذه أيضاً تساوى مثل الفخارى. وما زال المسيح يسمح بأن نقع فى يد إبليس لنتطهر ونتأدب بالتجارب. وهذا ما حدث مع أيوب ومع بولس (2كو7: 12) لذلك يفرح المؤمن بالتجارب (يع2: 1) فمن تألم فى الجسد كُفَّ عن الخطية (1بط1: 4) وكلما كان الجسد الخارجى يفنى بالتجارب والألام يتجدد الداخلى يوماً فيوم (2كو16: 4).

  1. إرمياء والمسيح.
  2. كان إرمياء يعيش وسط حالة من الإنحطاط الفظيع على كل المستويات، وهكذا كان المسيح. وكما تنبأ إرمياء عن خراب أورشليم هكذا فعل المسيح. قارن (إر16، 15: 1) مع (مت38: 23) وكما كان إرمياء نبياً باكياً، هكذ حزن المسيح على أورشليم وما سيحدث لها (لو41: 9 - 44) + (لو28: 23 - 31).
  3. كان إرمياء نبياً مرفوضاً من شعبه (18: 11 - 21) ومن إخوته (13: 14 - 16 + 10: 28 - 17) هم ضربوه ووضعوه فى مقطرة وهددوه بالقتل (21: 20 + 8: 26 + 26: 36) هم سجنوه وإتهموه بالخيانة الوطنية (3، 2: 32 + 11: 37 - 15) ووضعوه فى جب ليموت (6: 38) وقيدوه بسلاسل (1: 40). إرمياء كان مرفوضاً من الجميع ملوكاً وكهنة وشعب وأنبياء كذبة، وهكذا كان المسيح الذى قيل عنه "إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله (يو11: 1) والشعب صرخ قائلاً أصلبه أصلبه، دمه علينا وعلى أولادنا. وإخوته لم يقبلوه (مر21: 3) + (يو5: 7) ولقد ضُرِب السيد وصُلب ودفنوه. فاليهود أبغضوا إرمياء وهكذا المسيح، فمن يحيا فى الظلمة يبغض النور، الخاطىء لا يريد أن يوبخه أحد، (يو20: 3 + 7: 7).
  4. تنبأ إرمياء عن العهد الجديد، بل هو الذى أطلق هذا الإسم (31: 31 - 34) وتنبأ عن المسيح (3: 23 - 6) فأسماه غصناً وأنه يملك بعدل ويخلص ويعطى شعبه سلاماً وأنه برنا. وأنه سيعيد للبشر ميراثهم (8: 23). ويسمى المسيح داود ملكهم الذى يقيمه الرب لهم (9: 30) وأن المسيح يساق للذبح كخروف (19: 11) وعن ألام المسيح وأحزانه التى صار إرمياء فيها رمزاً للمسيح (إر9: 23) ومرة أخرى يتنبأ عن ميلاد المسيح بالجسد ويسميه غصناً (15: 33)، وأن هذا كان بحسب وعود الله ونبوات الأنبياء (14: 33) وأن المسيح هو الذى سيخلص شعبه (16: 33) وهو الذى يبررهم (16: 33) ويتنبأ عن الكهنوت المسيحى (18: 33). ولاحظ أن فى قول إرمياء الرب برنا (6: 23 + 16: 33) نبوة عن لاهوت المسيح. ويتنبأ إرمياء عن قتل أطفال بيت لحم (15: 31) + (مت18، 16: 2). وفى (17، 15: 15) نرى إرمياء رمزاً للمسيح فى إحتماله للعار، وفى إحتماله للأحزان. وفى مثل الخزاف (إر18) نرى عمل المسيح فى إعادة تشكيل الخليقة لتصير فى المسيح خليقة جديدة (2كو17: 5).
  5. إرمياء فى إحتماله للألام كان حاملاً للصليب، وكل من يحمل الصليب يتمجد، فالصليب مجد (يو39: 7)، ومن يحتمل الصليب يكون شريكاً للمسيح فى صليبه وبالتالى فى مجده (رو17: 8). ولنرى هذا عملياً، فلقد قال الله لإرمياء يوم إختاره وكلفه بعمله النبوى "ها قد جعلت كلامى فى فمك" (أر9: 1). وبعد أن ذاق إرمياء الألام التى تحملها لأجل الله نسمع قول الله له "مثل فمى تكون" وهذه درجة أعلى وأمجد (أر19: 15).

فى (إر1: 1 - 3) يحدد النبى مدة نبوته، ولكن هذا التاريخ المدون هنا سجله النبى غالباً وهو فى أورشليم بعد أن سقطت فى يد نبوخذ نصر ملك بابل وأحرقها، وتم ما تنبأ عنه إرمياء النبى، لكن النبى إستمر فى نبواته حتى بعد أن أخذوه معهم عنوة إلى مصر. ولقد إستمر إرمياء فى نبواته حوالى 50 عاماً، وذلك بإضافة مدة تقديرية قضاها فى مصر قبل أن يرجموه هناك، فالمدة المسجلة التى قضاها فى أورشليم هى 41 سنة.

الإصحاح الأول

الأعداد 1-3

الأيات (1 - 3): -

"1كَلاَمُ إِرْمِيَا بْنِ حَلْقِيَّا مِنَ الْكَهَنَةِ الَّذِينَ فِي عَنَاثُوثَ فِي أَرْضِ بَنْيَامِينَ، 2الَّذِي كَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيْهِ فِي أَيَّامِ يُوشِيَّا بْنِ آمُونَ مَلِكِ يَهُوذَا، فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ عَشْرَةَ مِنْ مُلْكِهِ. 3 وَكَانَتْ فِي أَيَّامِ يَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، إِلَى تَمَامِ السَّنَةِ الْحَادِيَةِ عَشْرَةَ لِصِدْقِيَّا بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، إِلَى سَبْيِ أُورُشَلِيمَ فِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ.".

فيها تقديم السفر وزمن النبوة وخدمة إرمياء. وقد بدأ خدمته أيام يوشيا وكان قصد الله أن يساعد يوشيا فى إزالة العبادة الوثنية. وكانت كلمة الرب إليه = وهذا تفويض لهُ بالنبوة ورؤيا بالأشياء التى سوف يتنبأ عنها. وكان من المفروض حين يوجد ملك مثل يوشيا قديس ونبى مثل إرمياء النبى العظيم أن يقدم هذا الشعب توبة، ولكن للأسف فهم إستمروا فى وثنيتهم، ولذلك كانت نهايتهم الخراب. ولنلاحظ فترة خدمة النبى أنها حوالى 40 عاماً قبل السبى وهذا هو الإثم الذى حمله حزقيال على جانبه الأيمن لمدة 40 يوما (حز4)، فمما ضاعف من خطية يهوذا وجود ملك ونبى عظماء مثل هؤلاء. ومع أن النبى إستمر فى نبواته بعد التاريخ المدون هنا إلا أنه حدد هذا التاريخ لأن نبوته كانت تختص بالسبى. وبالسبى تحقق ما تنبأ عنه.

الأعداد 4-5

الأيات (4 - 5): -

"4فَكَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيَّ قَائِلاً: 5«قَبْلَمَا صَوَّرْتُكَ فِي الْبَطْنِ عَرَفْتُكَ، وَقَبْلَمَا خَرَجْتَ مِنَ الرَّحِمِ قَدَّسْتُكَ. جَعَلْتُكَ نَبِيًّا لِلشُّعُوبِ».".

الله هو الذى يختار الراعى لشعبه. وهو الذى يعلم من البطن من يصلح لهذا العمل فيختاره. والله هنا يشجعه بهذه الكلمات أنه هو الذى إختارهُ وعينه نبياً للشعوب = من هم الشعوب الذين أرسله الله إليهم:

  1. لأنه مُرْسَلْ أساساً لليهود فكأن الله إعتبرهم مثل الشعوب الباقية لوثنيتهم فأسماهم شعوب.
  2. ولأن إرمياء تنبأ أيضاً ضد الشعوب أى الأمم.
  3. ولأن نبوة إرمياء موجهة للآن لكل شعب فى كل العالم.

وكما إختار الله إرمياء من بطن أمه هكذا إختار بولس (غل 15: 1) فالله الخالق العظيم يعرف كيف يستفيد من كل واحد من خليقته وبما أعطاه لهم من مواهب (أف2: 10).

قدستك = خصصتك.

العدد 6

آية (6): -

"6فَقُلْتُ: «آهِ، يَا سَيِّدُ الرَّبُّ، إِنِّي لاَ أَعْرِفُ أَنْ أَتَكَلَّمَ لأَنِّي وَلَدٌ».".

هنا إعتذار متواضع من إرمياء. فهو يشعر أنه صغير. وهو ليس تواضع مصطنع.

العدد 7

آية (7): -

"7فَقَالَ الرَّبُّ لِي: «لاَ تَقُلْ إِنِّي وَلَدٌ، لأَنَّكَ إِلَى كُلِّ مَنْ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِ تَذْهَبُ وَتَتَكَلَّمُ بِكُلِّ مَا آمُرُكَ بِهِ.".

الله هنا يشجعه أنه وراءه ويسنده فعليه أن لا يخاف. فإحساسنا بعدم إستحقاقنا للخدمة لا يجب أن يجعلنا ننسحب منها حين يدعونا الله. ويحسب لإرمياء أنه بعد تشجيع الله ووعده لم يُصِّر على الإعتذار مثل موسى الذى غضب الله منه بسبب إصراره على الإعتذار. والله سبق وإختار صموئيل وهو صغير. فالله يعطى معرفة للعقل وكلمة عند إفتتاح الفم (1كو13: 2 + حز3).

العدد 8

آية (8): -

"8لاَ تَخَفْ مِنْ وُجُوهِهِمْ، لأَنِّي أَنَا مَعَكَ لأُنْقِذَكَ، يَقُولُ الرَّبُّ».".

وعد الله هنا ليس أن يزيل المشقات والمتاعب من أمامه، فالله لا يعفى خدامه من الضيقات بل يسندهم فيها ويحميهم وهذا ما يشجع خدام الله (أع10، 9: 18)، (حز9: 3).

العدد 9

آية (9): -

"9 وَمَدَّ الرَّبُّ يَدَهُ وَلَمَسَ فَمِي، وَقَالَ الرَّبُّ لِي: «هَا قَدْ جَعَلْتُ كَلاَمِي فِي فَمِكَ.".

جمرة إشعياء كان فيها تطهير أما لمس الرب لفم إرمياء تشير للتأهيل والإعداد. فعليه أن لا يعترض بأنه لا يعرف أن يتكلم فالله هو الذى يُسْمِعَه ويُعلِّمَه ما يتكلم به (مت19: 10).

العدد 10

آية (10): -

"10اُنْظُرْ! قَدْ وَكَّلْتُكَ هذَا الْيَوْمَ عَلَى الشُّعُوبِ وَعَلَى الْمَمَالِكِ، لِتَقْلَعَ وَتَهْدِمَ وَتُهْلِكَ وَتَنْقُضَ وَتَبْنِيَ وَتَغْرِسَ».".

هنا الله يعطيه سلطاناً فهو كمن يحكم ليس بالسيف ولكن بالكلمة. وكلتك = إذن هو وكيل لله وفى مقابل الكرامة هناك المسئولية. لتقلع وتهدم = نبواته بالدينونة والخراب هى إنذار بأن الخاطىء سيُقلَع، وتبنى وتغرس = نبواته بالرجوع من السبى هى وعد بأن التائب سيزرع من جديد ويبنى من جديد فى أرضه. ولكى يبنى من جديد يلزم أن ينقض القديم حتى الأساس. والله أراد أورشليم جديدة فنقض القديمة. والمعمودية هى موت ثم قيامة (رو6).

وهكذا الله يُحوِّل الولد الصغير بنعمته لجبار، فالله هو الذى يعمل.

الأعداد 11-12

الأيات (11 - 12): -

"11ثُمَّ صَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيَّ قَائِلاً: «مَاذَا أَنْتَ رَاءٍ يَا إِرْمِيَا؟ » فَقُلْتُ: «أَنَا رَاءٍ قَضِيبَ لَوْزٍ». 12فَقَالَ الرَّبُّ لِي: «أَحْسَنْتَ الرُّؤْيَةَ، لأَنِّي أَنَا سَاهِرٌ عَلَى كَلِمَتِي لأُجْرِيَهَا».".

الله فى بدء تعامله مع إرمياء أراه رؤى تشير لخراب أورشليم حتى تنطبع فى قلبه طوال فترة خدمته. ونرى هذا فى هذه الرؤيا، قضيب اللوز والتى تليها، القدر. فالله يعلن أن الشعب نما للخراب وأن الخراب يُسْرِعْ حثيثاً تجاههم. وشجرة اللوز تزهر فى يناير مبكراً جداً قبل كل الأشجار وتعطى ثمارها فى مارس لذلك يسميها العبرانيون HASTY TREE أى الشجرة المتعجلة. وهنا تلاعب بالألفاظ فأيضاً الله متعجل = ساهر على كلمته ليجريها، أى قراره بخراب أورشليم. فكلمة قضيب اللوز (شاقد) بالعبرية هى نفسها كلمة ساهر تقريباً (شوقد). والقضيب هو قضيب التأديب ضد أورشليم. ولأن الخطية ملأت أورشليم فالله يتعجل خرابها. وقال الله لإرمياء أحسنت لأنه عرف أنها شجرة لوز وهى لم تثمر بعد وهذا لا يعرفه إلا خبير. وكان أيضاً خراب أورشليم لم يظهر أى دليل لهُ ولكن أى خبير روحى يستطيع أن يراه فإذا زادت الخطية وتفشت فمن المؤكد أن وراء هذا خراب قريب، راجع تفسير دا9: 27.

الأعداد 13-16

الأيات (13 - 16): -

"13ثُمَّ صَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيَّ ثَانِيَةً قَائِلاً: «مَاذَا أَنْتَ رَاءٍ؟ » فَقُلْتُ: «إِنِّي رَاءٍ قِدْرًا مَنْفُوخَةً، وَوَجْهُهَا مِنْ جِهَةِ الشِّمَالِ». 14فَقَالَ الرَّبُّ لِي: «مِنَ الشِّمَالِ يَنْفَتِحُ الشَّرُّ عَلَى كُلِّ سُكَّانِ الأَرْضِ. 15لأَنِّي هأَنَذَا دَاعٍ كُلَّ عَشَائِرِ مَمَالِكِ الشِّمَالِ، يَقُولُ الرَّبُّ، فَيَأْتُونَ وَيَضَعُونَ كُلُّ وَاحِدٍ كُرْسِيَّهُ فِي مَدْخَلِ أَبْوَابِ أُورُشَلِيمَ، وَعَلَى كُلِّ أَسْوَارِهَا حَوَالَيْهَا، وَعَلَى كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا. 16 وَأُقِيمُ دَعْوَايَ عَلَى كُلِّ شَرِّهِمْ، لأَنَّهُمْ تَرَكُونِي وَبَخَّرُوا لآلِهَةٍ أُخْرَى، وَسَجَدُوا لأَعْمَالِ أَيْدِيهِمْ.".

تشير رؤيا القدر، لقدر موضوع على فرن.

مشتعل يتم تغذيته بالوقود والنار من ناحية.

الشمال. والقدر تشير لأورشليم التى ستغلى.

حالاً حين يشتعل الفرن وإشتعال الفرن يشير.

لهجوم بابل الذى سيأتى من جهة الشمال.

وجيش بابل كان مكوناً من العشائر.

والشعوب التى وحَّدها نبوخذ نصر تحت.

قيادته = هأنذا داعٍ كل عشائر. ويشير هذا.

لجيش بابل. وجيش بابل يستخدمه الله هنا كوسيلة تأديب. وهذا إنذار لهم لعلهم يتوبون عن وثنيتهم. والعقوبة تشير لإستيلاء الجيش البابلى على أسوار وأبواب أورشليم والمعنى أن من يستسلم للشيطان وإغراءاته سيسيطر الشيطان عليه ويحيطه ويستعبده.

قدر منفوخة = تترجم قدراً تغلى فى إضطراب. ووجهها جهة الشمال = أى مكان دخول النار.

الأيات (17 - 19): - "17«أَمَّا أَنْتَ فَنَطِّقْ حَقْوَيْكَ وَقُمْ وَكَلِّمْهُمْ بِكُلِّ مَا آمُرُكَ بِهِ. لاَ تَرْتَعْ مِنْ وُجُوهِهِمْ لِئَلاَّ أُرِيعَكَ أَمَامَهُمْ. 18هأَنَذَا قَدْ جَعَلْتُكَ الْيَوْمَ مَدِينَةً حَصِينَةً وَعَمُودَ حَدِيدٍ وَأَسْوَارَ نُحَاسٍ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ، لِمُلُوكِ يَهُوذَا وَلِرُؤَسَائِهَا وَلِكَهَنَتِهَا وَلِشَعْبِ الأَرْضِ. 19فَيُحَارِبُونَكَ وَلاَ يَقْدِرُونَ عَلَيْكَ، لأَنِّي أَنَا مَعَكَ، يَقُولُ الرَّبُّ، لأُنْقِذَكَ».".

نطق حقويك = إستعد لهذه الخدمة وآمن بأن الله سيسندك ولا تهتم بشىء آخر، أى إنزع عنك كل إهتمام وإنشغال دنيوى وإنشغل بهذه الخدمة. وعليك أن تبلغ الكلام الذى أضعه فى فمك كما هو = كلمهم بكل ما آمرك مهما كان من شدته ضد الشعب ولا ترتاع من وجوههم = فكلمة الله يجب أن تصل بامانة لهذا الشعب، وعليه أن لا يخاف منهم، فهم لن يقبلوا كلمة الله وسيخيفونه ولكن عليه أن يؤمن بأن الله يسنده، وإذا آمن بهذا يكون لهُ سلام وسيشعر بهذا السلام يملأ قلبه، أما لو خاف منهم وإرتعد فهذا معناه عدم ثقة فى الله فينزع الله سلامه منه = لئلا أريعك أمامهم = فالله هو الذى يعطى السلام ويعطى أيضاً الجسارة والقوة. فماذا يحدث لو أن النبى بعد أن تكلم بكلمة الله خاف من نتائجها وشكَ فى حماية الله له؟ سيحرم من السلام والقوة فيرتاع بالأكثر. إذاً الإيمان هو أفضل حماية للإنسان ضد شر الأشرار ومكائدهم. وأنظر لوعد الله لهُ فى آية (19) فهو سيجعله محصناً ضد شرور الجميع، فقط عليه أن يؤمن. ولكن هذا لا يعنى أنه لن يكون هناك حروب ضده (20) فيحاربونك ولا يقدرون عليك لأنى معك.

ملاحظات.

نرى فى آية 5 أن الله قد إختار إرمياء لعمله النبوى وهو ما زال فى بطن أمه. وهكذا إختار بولس لرسوليته وهو ما زال فى بطن أمه، وإختار يعقوب دون عيسو وهما ما زالا فى البطن (غل15: 1) + (رو11: 9) فما معنى هذا؟ راجع (رو29: 8) "سبق فعرفهم" فالله يعرف ماذا سيكون عليه الشخص، وذلك وهو ما زال فى بطن أمه. ويقول بولس الرسول عن أولاد الله "أن الله سبق وخلقهم لأعمال صالحة أعدها لكى يسلكوا فيها" (أف10: 2). إذاً فالله خلقنا وفق خطة معينة، ولكل منا فى حياته خطة، والله قدَّس أولاده أى هو خصصهم وكرسهم لهُ، لينفذوا خطته التى وضعها كما قال لإرمياء "قدستك" ونحن نخرج من المعمودية والميرون مُقَدَّسين لله. بل أن الله يعطى لكل منا مواهب تعينه على تنفيذ هذه الخطة (وهى الوزنات) (1بط10: 4).

خلاصة الإصحاح.

فسد الإنسان بالخطية وإنساق لإبليس، فإستعبده إبليس وكان الله يتعجل خلاص الإنسان (شجرة اللوز المتعجلة). فالمعنى المباشر لرؤيا شجرة اللوز، هو أن الله يتعجل خراب أورشليم بسبب خطاياها، ولكن "الله لا يُسَّر بموت الخاطىء مثل أن يرجع ويحيا" (حزقيال23: 18). والمعنى الغير مباشر أن الله يُهلك أورشليم لكى يجددها، ويعيد تأسيسها. وهذا ما سيفعله المسيح ويكون إرمياء هنا رمزاً للمسيح. لذلك يقول الله لإرمياء أنه سيكون نبياً للشعوب والمسيح جاء لكل الشعوب اليهود والأمم. وحينما جاء ملء الزمان = (أزهرت الشجرة) جاء المسيح لينقض ويهدم (بالموت) ثم يغرس ويبنى (بالقيامة) وهذا كان بالمعمودية وبها تموت الطبيعة القديمة وتقوم فينا طبيعة جديدة = (هوذا الكل صار جديداً 2كو5: 17).

وإرمياء سينقض ويهدم وذلك بنبواته (كلمته) بهلاك أورشليم، والله بكلمته المسيح الذى بموته وبالمعمودية يموت الإنسان العتيق، ويقلع المسيح بهذا ما زرعه الشيطان من زوان. وإرمياء يغرس ويبنى، والمسيح سيبنى بالقيامة وبالمعمودية الإنسان الجديد كخليقة جديدة. والله بهذا يتعجل = (شجرة اللوز) أن يعيد الخلقة ويعطى حياة للبشر. ولهذا سمعنا عن إرمياء كرمز للمسيح أنه سيكون مدينة حصينة = تحتضن الناس وعمود حديد يبنى عليه هيكل الرب وأسوار نحاس يحتمى وراءها الكثيرين... وهذه صفات المسيح حقيقية.

أما رؤيا القدر فهى التجارب التى يسمح بها الله للتأديب وتنقية شعبه، وهذا نراه فى قصة زانى كورنثوس الذى أسلمه بولس الرسول للشيطان ليهلك الجسد (بالأمراض مثلا) فتخلص الروح فى يوم الرب (1كو5).

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الثاني - سفر إرميا - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير سفر إرميا الأصحاح 1
تفاسير سفر إرميا الأصحاح 1