اَلأَصْحَاحُ الأَرْبَعُونَ – سفر أيوب – مارمرقس مصر الجديدة

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر أيوب – كهنة و خدام كنيسة مارمرقس مصر الجديدة.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

اَلأَصْحَاحُ الأَرْبَعُونَ

اتضاع أيوب وقوة الله.

الأعداد 1-2

ع1 - 2:

:

المحاج: هو من يحاجج، أي يناقش.

أعطى الله فرصة لأيوب في الأصحاحات الأولى من هذا السفر أن يتكلم، فسقط أيوب في معاتبة الله ولومه واتهامه بالظلم. واحتمله الله؛ متعاطفًا معه؛ لأنه في ضيقة شديدة سمح بها الله له؛ ليعالج البر الذاتي الذي في داخله. ولكن الله يحب أيوب جدًا. فيوجه الكلام له هنا ويقول له هل الله يخاصم الإنسان الذي يوبخه ويقصد أيوب؟ بالطبع لا لأن الله أب حنون وطويل الأناة، يحتمل أولاده، حتى لو سقطوا في التذمر، أو عاتبوا الله.

ويسأل الله أيضًا: هل يجاوب الله من يتكبر ويحاججه؟ بالطبع لا؛ لأن الله إن تكلم فكلامه قوى وغضبه شديد، فيظهر خطأ أيوب الشنيع في كلامه مع الله بهذه الطريقة.

والله هنا يتكلم بمحبة ولطف، ولكن في عتاب أبوى. ونلاحظ أن الله لم يقل هذه الكلمات في بداية كلامه مع أيوب عندما هبت العاصفة (أي 38: 1) لأنه يعرف أن أيوب لن يحتمل عتاب الله، وحتى الآن عندما عاتبه أجاب أيوب باتضاع شديد.

الأعداد 3-5

ع3 - 5:

:

أمام عظمة الله وقدرته، ومحبته في نفس الوقت خجل أيوب من نفسه وانسحق أمام الله، متخلصًا من البر الذاتي الذي كان يعانى منه، فقال لله ها أنا حقير، وفى الأصل العبري تعنى كلمة "حقير" "تافه وبلا وزن"، وبالتالي لا أستطيع أن أجيبك يا الله على أي شيء. وقال أيضًا لقد أخطأت قديمًا في حواراتى مع أصدقائى الثلاثة وتكلمت مرة، أو مرتين (أي 23: 3؛ 31: 37). وكان كلامى خطأ؛ لأنه بكبرياء. أما الآن أمام عظمتك يا الله التي تظهر في رعايتك لكل خلائقك، ومحبتك لى أخجل وأصمت؛ لأتعلم منك.

إن أيوب في كلامه مع أصدقائه الثلاثة كان يناقش نقاشًا حادًا؛ لأنهم كانوا يتكلمون بفلسفة، أما الله فكلامه قوى؛ لأنه قادر ويفعل، ويرعى بالفعل خلائقه، فصمت أيوب عن الجدل؛ لأنه أمام حقائق تظهر فيها قوة الله ومحبته.

إن أيوب مازال مريضًا ومطروحًا على الأرض، فقيرًا بعد فقدان كل أملاكه، لكن ظهور الله له بقوته ولطفه شفى أتعابه النفسية، ووهبه سلامًا داخليًا، وأكسبه الاتضاع أمام اتضاع الله القوى الذي نزل ليكلمه ويقنعه.

† ليتنا نتعلم من حوار الله مع أيوب أن نصمت أمام عظمته، ونتأمل أعماله وحبه؛ لتهدأ نفوسنا ونتخلص من كل كبرياء واضطراب، ونكتشف حقيقة الأمور، وهي محبة الله في كل تدابيره في حياتنا، فنطمئن ونسبحه.

6 فَأَجَابَ الرَّبُّ أَيُّوبَ مِنَ الْعَاصِفَةِ فَقَالَ: 7 «الآنَ شُدَّ حَقْوَيْكَ كَرَجُل. أَسْأَلُكَ فَتُعْلِمُنِي. 8 لَعَلَّكَ تُنَاقِضُ حُكْمِي، تَسْتَذْنِبُنِي لِكَيْ تَتَبَرَّرَ أَنْتَ؟ 9 هَلْ لَكَ ذِرَاعٌ كَمَا للهِ، وَبِصَوْتٍ مِثْلِ صَوْتِهِ تُرْعِدُ؟ 10 تَزَيَّنِ الآنَ بِالْجَلاَلِ وَالْعِزِّ، وَالْبَسِ الْمَجْدَ وَالْبَهَاءَ. 11 فَرِّقْ فَيْضَ غَضَبِكَ، وَانْظُرْ كُلَّ مُتَعَظِّمٍ وَاخْفِضْهُ. 12 اُنْظُرْ إِلَى كُلِّ مُتَعَظِّمٍ وَذَلِّلْهُ، وَدُسِ الأَشْرَارَ فِي مَكَانِهِمِ. 13 اطْمِرْهُمْ فِي التُّرَابِ مَعًا، وَاحْبِسْ وُجُوهَهُمْ فِي الظَّلاَمِ. 14 فَأَنَا أَيْضًا أَحْمَدُكَ لأَنَّ يَمِينَكَ تُخَلِّصُكَ.

الأعداد 6-7

ع6 - 7:

:

حقويك: الحقوين هما أعلى عظمتى الفخذتين.

رغم أن أيوب قد بدأ التوبة وأعلن أنه حقير، ولكن يبدو أنه كان محتاجًا إلى استكمال توبته، وتنقية قلبه تمامًا من البر الذاتي. فنطق الشفتين حسن، ولكن يلزم تنقية القلب تمامًا؛ لذا هبت عاصفة؛ لتظهر قوة الله، ثم تكلم الله من العاصفة. وهنا تكلم الله بشدة مع أيوب، فقال له شد حقويك، أي استعد وقف أمامي لكيما تواجهنى بكل ما عندك من قوة، بل استهزأ الله به وقال له عندما تقف أمامي سأسألك؛ لأتعلم منك. وهذا ما قاله الله؛ ليزيل أى آثار للبر الذاتي داخل قلب أيوب، وحتى يملأ قلبه بالمخافة، ويكمل اتضاعه.

العدد 8

ع8:

عندما قام أصدقاء أيوب عليه، واتهموه اتهامات باطلة، دافع أيوب عن نفسه، وفى دفاعه تطاول، فاتهم الله بالظلم، وطالب الله أن يواجهه لكيما يثبت أيوب بره. فأصدقاء أيوب كانوا مخطئين في حق أيوب، ولكن لم يكن من الصواب أن يتطاول أيوب على الله. فهنا يوبخه الله، ويقول له: عندما تقف أمامي تكلم لعلك تستطيع أن تظهر أن أحكامى خاطئة؛ حتى تبرر نفسك! وبالطبع لن يستطيع أيوب أن يمسك خطأ على الله. فهذا الكلام دعوة من الله لأيوب؛ حتى يكمل توبته عن كل ما قاله، وليتحرر من البر الذاتي طوال حياته. ويظهر هنا الفرق بين أيوب الذي برر ذاته، وبين داود المتضع، الذي قال لله "لكى تتبرر في أقوالك وتغلب إذا حوكمت" (مز51: 4). وكذلك دانيال المتضع الذي قال "لك يا سيد البر أما لنا فخزى الوجوه" (دا9: 7).

العدد 9

ع9:

يواصل الله توبيخه لأيوب، فيسأله هل لك ذراع مثل الله، أي ذراع قوية قادرة على كل شيء؟ بالطبع لا؛ لأنك إنسان محدود، وبالتالي كيف تقف أمام الله ندًا له، وتوجه إليه الاتهامات. ومن ناحية أخرى فالله بقوته الغير محدودة يخضع جميع المخلوقات، أما أنت فإنسان محدود وضعيف.

ويسأله أيضًا: هل لك صوت يرعب مثل الله؟ بالطبع لا؛ لأن أيوب كان في خوف أمام صوت الله الذي في العاصفة، بالإضافة إلى أن كلام الله كان مقنعًا، فخضع له أيوب وتاب.

العدد 10

ع10:

إن الإنسان عندما يلبس ملابس عظيمة وثمينة، يظهر بمظهر الجلال والقوة، فيهابه الناس؛ لذا يسأل الله أيوب ويقول له: إلبس أفضل الملابس التي تعطيك بهاء وعظمة؛ لنرى من سيرتعب منك؟ أو هل تستطيع بهذا أن تخضع العالم وكل المخلوقات لك؟ بالطبع لا؛ كل هذا يقصد به الله إظهار ضعف أيوب أمام نفسه، فيتوب، ولا يفكر أن يتطاول على الله بكبرياء في أي وقت.

الأعداد 11-14

ع11 - 14:

:

اطمرهم: ادفنهم وغطيهم.

ثم يسخر الله من أيوب، فيقول له أظهر غضبك الشديد حتى توقف كل متكبر عن كبريائه، بل تُذَلِّلَـهُ ليرجع عن شره. وعاقبه إما بالحبس في السجن، أو تبتلعه الأرض فيهلك، كما فعلت مع قورح وداثان وأبيرام الذين ابتلعتهم الأرض (عد16: 32)، أو كما حدث مع عخان بن كرمى وعائلته الذين رجمهم يشوع فماتوا وتغطوا بالحجارة (يش7: 25). وإن استطعت فاحبسهم ليس في ظلام السجن، بل في الظلام الأبدي، أي الجحيم.

إن استطعت أن تفعل هذا، فأقر أمامك بقوتك التي لا تقاوم، وأمجدك لأن يدك قوية لا يقاومها أحد، وتستحق الحمد والبركة.

† تأمل عظمة الله في خلائقه؛ لتتضع أمامه وتسبحه في كل حين. وعندما تتضع أمامه تستطيع أيضًا ان تتضع أمام أولاده البشر، فتنال بركات الله ومعونته.

15 «هُوَذَا بَهِيمُوثُ الَّذِي صَنَعْتُهُ مَعَكَ يَأْكُلُ الْعُشْبَ مِثْلَ الْبَقَرِ. 16 هَا هِيَ قُوَّتُهُ فِي مَتْنَيْهِ، وَشِدَّتُهُ فِي عَضَلِ بَطْنِهِ. 17 يَخْفِضُ ذَنَبَهُ كَأَرْزَةٍ. عُرُوقُ فَخِذَيْهِ مَضْفُورَةٌ. 18 عِظَامُهُ أَنَابِيبُ نُحَاسٍ، جِرْمُهَا حَدِيدٌ مَمْطُولٌ. 19 هُوَ أَوَّلُ أَعْمَالِ اللهِ. الَّذِي صَنَعَهُ أَعْطَاهُ سَيْفَهُ. 20 لأَنَّ الْجِبَالَ تُخْرِجُ لَهُ مَرْعًى، وَجَمِيعَ وُحُوشِ الْبَرِّ تَلْعَبُ هُنَاكَ. 21 تَحْتَ السِّدْرَاتِ يَضْطَجعُ فِي سِتْرِ الْقَصَبِ وَالْغَمِقَةِ. 22 تُظَلِّلُهُ السِّدْرَاتُ بِظِلِّهَا. يُحِيطُ بِهِ صَفْصَافُ السَّوَاقِي. 23 هُوَذَا النَّهْرُ يَفِيضُ فَلاَ يَفِرُّ هُوَ. يَطْمَئِنُّ وَلَوِ انْدَفَقَ الأُرْدُنُّ فِي فَمِهِ. 24 هَلْ يُؤْخَذُ مِنْ أَمَامِهِ؟ هَلْ يُثْقَبُ أَنْفُهُ بِخِزَامَةٍ؟

العدد 15

ع15:

:

لكيما يظهر الله قوته لأيوب؛ حتى يشعر أيوب بضعفه، فيتضع تمامًا، حدثه الله هنا عن أحد مخلوقاته، وهو بهيموث. هذا الحيوان انقرض، والمعلومات التي نعرفها عنه أنه حيوان ضخم، يصل طوله إلى حوالي خمسة أمتار وارتفاعه حوالي مترين. وهو يشبه فرس النهر الذي يطلق عليه "سيد قشطة" ولكنه أكبر منه. وكلمة "بهيموث" كلمة عبرية تعنى بهيمة.

هذا الحيوان يعيش في الماء ويخرج إلى الأرض، فهو حيوان برمائى، ويأكل العشب، مثل البقر وباقى الماشية.

فالله يقول لأيوب أنا الذي صنعت بهيموث معك، أي أنك واحد من المخلوقات التي خلقتها أنا، وهناك من المخلوقات ما هو أقوى منك بكثير، مثل بهيموث، فلماذا تتكبر؟

العدد 16

ع16:

متنيه: حقويه، أي عظام الفخذ.

وهو حيوان قوى، وقوته تظهر في متنيه وبطنه، فعضلاتها قوية جدًا.

العدد 17

ع17:

ذنبه: ذيله.

ذيل هذا الحيوان قوى جدًا يشبه شجرة الأرز، التي تنمو في لبنان وتتميز بقوة أخشابها. وعندما يحرك هذا الحيوان ذنبه ويخفضه إلى الأرض، فكأنه يحرك شجرة أرز قوية، ويخفضها إلى الأرض، فتكسر كل ما تصطدم به.

وعروق هذا الحيوان قوية ومضفورة، فالضفيرة أقوى من الحبل المنفرد، وبالتالي إذا داس هذا الحيوان إنسانًا، أو حيوانًا آخر يسحقه بقدميه.

العدد 18

ع18:

جرمها: يشمل بدنها وأقدامها، أي جسمها.

ممطول: هو الحديد إذا تم طرقه وهو ساخن لكي يطول.

إن جسم هذا الحيوان وعضلاته قوية جدًا كأنها مصنوعة من النحاس والحديد.

العدد 19

ع19:

إن هذا الحيوان هو من أول الحيوانات التي خلقها الله عندما خلق الحيوانات في اليوم السادس. وهو قوى جدًا؛ لذا يمثل قوة الله، أي سيفه.

العدد 20

ع20:

إنه يأكل الأعشاب التي تنمو على الجبال، فهو يأكل هذه الأعشاب من الأرض ومن على الجبال. وفى نفس الوقت ينزل إلى الماء؛ ليبرد جسمه الضخم، فهو حيوان برمائى يستطيع السباحة ويستطيع المشى على الأرض. وهذا يبين خطورته وقوته. ولأنه يأكل العشب لا تخاف منه الحيوانات، بل تلعب حوله مطمئنة.

الأعداد 21-22

ع21 - 22:

:

السدرات: شجر ينبت على مجارى المياه.

الغمقة: المستنقع.

الصفصاف: أشجار تنمو في الأرض الرطبة، أي بجوار المياه، وظلها كثيف، ويزرعها الفلاحون بجوار السواقى.

هذا الحيوان الضخم يستريح تحت أشجار السدرة والصفصاف؛ لأن ظلها كبير، أو يرقد بجوار القصب، الذي ينمو متجاورًا بكثافة، فيكون له ظل كبير. ويرقد أيضًا ويستريح في المستنقعات؛ ليرطب جسده الضخم.

العدد 23

ع23:

اندفق: جرى بسرعة.

إذا زادت مياه النهر وجرت بسرعة فلا ينزعج بهيموث ولا يهرب، بل يظل في مكانه بالنهر؛ لأنه أقوى من سرعة جريان المياه. ولكنه على العكس يشرب من ماء النهر بفرح؛ حتى يظن الإنسان الذي ينظره كأنه سيشرب كل مياه النهر.

العدد 24

ع24:

خزامة: حلقة معدنية توضع في أنف الحيوان، مثل البقر، بعد ثقب أنفه؛ إعلانًا عن تبعية وملكية هذا الحيوان لصاحبه.

الخلاصة يقولها الله لأيوب أنه لا يمكن لإنسان أن يأخذ، أو يخطف شيئًا من أمام بهيموث؛ لأنه سيخاف أن يسحقه.

ثم يسخر الله من أيوب في سؤال يسأله له، فيقول هل تستطيع يا أيوب أن تخضع بهيموث لك وتضع خزامة في أنفه؟

إن بهيموث يرمز للشهوات الشريرة التي يثيرها الشيطان على الإنسان، فيصبح الإنسان كالبهائم، ويتعلق بالأرض، ويأكل عشبها، ويجلس في البحر، الذي يرمز للعالم بحجمه الضخم، وقوته الكبيرة، ولكن الله خالق الأشياء يسيطر عليه، ويستطيع أن يجعل الإنسان منتصرًا على كل شهوة. فالله هنا يعلم أيوب ولا يوبخه، أي يحذره من الشهوات العالمية؛ ليبتعد عنها.

† احترس من الشهوات الشريرة مهما كانت قوية، ومنتشرة، ويسقط فيها الكثيرون. إنتبه لئلا تنحط للتراب إن خضعت للشهوات، وثق أن الله قادر أن يحررك منها مهما سيطرت عليك.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

اَلأَصْحَاحُ الْحَادِي وَالأَرْبَعُونَ - سفر أيوب - مارمرقس مصر الجديدة

اَلأَصْحَاحُ التَّاسِعُ وَالثَّلاَثُونَ - سفر أيوب - مارمرقس مصر الجديدة

تفاسير سفر أيوب الأصحاح 40
تفاسير سفر أيوب الأصحاح 40