اَلْمَزْمُورُ الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ – سفر المزامير – مارمرقس مصر الجديدة

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر المزامير – كهنة و خدام كنيسة مارمرقس مصر الجديدة.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

المزمور الْحَادِي والتسعون

ستر العلي.

"الساكن في ستر العلى في ظل القدير يبيت" ع1.

مقدمة:

1. كاتبه: من المزامير اليتيمة، أي التي لم يُذْكَر لها كاتب، ويظن البعض أن كاتبه هو داود، والبعض أنه موسى؛ لأنه وضع في الترتيب بعد المزمور التسعين الذي كتبه موسى النبي.

2. يتحدث هذا المزمور عن قوة الله وأبوته، ورعايته لأولاده؛ حتى أنهم لا يخشون الأشرار، لأن الله ينقذهم من أيديهم، فهو مزمور مطمئن لأولاد الله؛ لذا يردده الكثيرون طوال يومهم.

3. من المزامير المسيانية؛ لأنه يتحدث عن حياة المسيح في تجاربه وآلامه، بل أن الشيطان قد ذكر جزءً من هذا المزمور.

(مت4: 6) ولم يكمل الشيطان المزمور؛ لأن به نبوة عن سحق الشيطان بالصليب (ع13).

4. يذكر اسم الله بأربعة ألقاب؛ ليطمئن أولاده في هذا المزمور وهي (العلى - القدير - الله - الرب).

5. يوجد هذا المزمور في صلاة الساعة السادسة التي فيها اجتاز المسيح الآلام وحده، وسحق الشيطان بصليبه؛ لأن المسيح صلب في هذه الساعة.

العدد 1

ع1:

اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ الْعَلِيِّ، فِي ظِلِّ الْقَدِيرِ يَبِيتُ.

ستر: مخبأ.

يلقب كاتب المزمور الله بالعلى لأنه أعلى من كل قوى العالم، فالذى يلتجئ إلى ستره ويختبئ فيه لا يستطيع أحد أن يؤذيه. ويلقبه أيضًا بالقدير؛ لأنه قادر على كل شيء، ولا يستطيع أحد أن يقف أمامه.

أولاد الله يسكنون بين يدى الله، ويبيتون أيضًا في ظله، أي حمايته، فهم يستقرون مطمئنين ولا يضطربون من أية اضطرابات في العالم؛ أي يدومون في سلام في رعاية الله.

ستر العلى كما يقول القديس أثناسيوس هو وصايا الله، فمن يحفظها يحفظه الله من كل الأخطار.

العدد 2

ع2:

أَقُولُ لِلرَّبِّ: «مَلْجَإِي وَحِصْنِي. إِلهِي فَأَتَّكِلُ عَلَيْهِ».

لأجل كثرة الأعداء يهرب كاتب المزمور إلى الله الذي هو ملجأ وحصن له، فيجد حماية من كل الأعداء مهما كانت قوتهم.

لأجل ثقة كاتب المزمور في الله يتكل عليه، ولا يتكل على نفسه، أو على أية قوة أخرى في العالم. ولكيما يتكل على الله ينبغى أن يكون تائبًا ورافضًا لكل خطية، أي يسلك باستقامة، فيقبله الله ويحميه. كما أن القاتل في العهد القديم كان يلتجئ إلى الله ممثلًا في مدن الملجأ، بشرط أن يكون القتل عن دون عمد، أما إذا كان قاتلًا عن عمد فلا يقبله شيوخ مدينة الملجأ، وبالتالي فمن يستبيح الخطية ويتمسك بها فلا يقبله الله إذا حاول أن يحتمى به.

العدد 3

ع3:

لأَنَّهُ يُنَجِّيكَ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِ وَمِنَ الْوَبَإِ الْخَطِرِ.

الوبأ: هو المرض الذي ينتشر بسرعة ويصيب الناس بالعدوى.

الصياد هو الشيطان وفخاخه هي حيله وخداعه وأفكاره، وكل أعماله الشريرة التي يوقع فيها البشر، ولكن مهما كانت قوة الشيطان فهي لا شيء أمام قوة الله القادر أن ينجى أولاده من كل فخاخ الشياطين، ويكشف الفخاخ المخفية، ويعطى تمييزًا لأولاده، فيبتعدون عن كل شر.

الوبأ هو الخطية فهي تنتشر بسرعة بين الناس، فيسقط فيها الكثيرون، ولكن الله قادر أيضًا أن ينجى أولاده منها، سواء كانت هذه الخطية شهوات، أو هرطقات، أو شكوك، أو أي شيء يبعدنا عن الله.

العدد 4

ع4:

بِخَوَافِيهِ يُظَلِّلُكَ، وَتَحْتَ أَجْنِحَتِهِ تَحْتَمِي. تُرْسٌ وَمِجَنٌّ حَقُّهُ.

خوافيه: الريش الصغير الذي يوجد تحت أجنحة الطائر.

المجن: هو الترس الكبير، والترس هو قطعة خشبية لها عروة خلفية يضع فيها الجندى يده ويحرك الترس أمام رأسه وجسده؛ ليحميه من سهام العدو.

يشبه كاتب المزمور الله بطائر له أجنحة ذات ريش كبير، وتحته ريش صغير يظلل بها على صغاره؛ كما يفعل النسر، فالله يظلل على أولاده، فيحميهم من ضربات العدو الشيطان، ويصير لهم ملجأ وحصنًا، وبالتالي لا يعودون يخافون من الشيطان. وهذا ما أعلنه المسيح عندما شبه نفسه بالدجاجة التي تجمع فراخها وتظلل عليهم بجناحيها (لو13: 34) فتختفى الفراخ من وجه العدو ولا يخطفها.

يشبه الله أيضًا بالترس والمجن، الذي يحمى به الجندى نفسه، فحق الله، أي كل من يؤمن بالله يصير له هذا الإيمان ترس يحميه من أفكار الشيطان، وفخاخه.

الأعداد 5-6

ع5 - 6:

:

لاَ تَخْشَى مِنْ خَوْفِ اللَّيْلِ، وَلاَ مِنْ سَهْمٍ يَطِيرُ فِي النَّهَارِ، وَلاَ مِنْ وَبَإٍ يَسْلُكُ فِي الدُّجَى، وَلاَ مِنْ هَلاَكٍ يُفْسِدُ فِي الظَّهِيرَةِ.

الدجى: الظلام الدامس.

الذى يتكل على الله لا ينزعج من حروب الشيطان التي تأتى في الليل، وكل مخاوف هذا الوقت، والمقصود بالليل الحروب الخفية المستترة في الظلام، أما السهم الذي يطير في النهار فهي الحروب الظاهرة، حيث يظهر الشيطان، أو الأشرار، ويظهرون شرهم للإنسان البار؛ ليسيئوا إليه.

يضيف أيضًا في حروب الشيطان أنها تنتشر سريعًا في الدجى الذي يمثل الظلام والغموض؛ بالإضافة إلى حروب الشيطان وقت الظهيرة؛ حيث يهتم الإنسان بالطعام والراحة، فيهاجمه الشيطان ويهلكه لتراخيه، وعدم انتباهه، وهذا معناه أن حروب الشيطان مستمرة ليلًا ونهارًا، فينبغى الانتباه والاحتراس الدائم منها.

هاتان الآيتان تعلنان رعاية الله المستمرة لأولاده ليلًا ونهارًا، لتحميهم من كل حروب إبليس، مما يطمئنهم بل يشجعهم أن يقاوموا هذه الحروب، وينتصروا على الشيطان.

العدد 7

ع7:

يَسْقُطُ عَنْ جَانِبِكَ أَلْفٌ، وَرِبْوَاتٌ عَنْ يَمِينِكَ. إِلَيْكَ لاَ يَقْرُبُ.

ربوات: جمع ربوة وهي عشرة آلاف.

إذ يحمي الله أولاده المرتبطين به يساعدهم في جهادهم، فيضرب الشياطين التي تحاربهم؛ سواء من الجانب اليمين، أو الجانب الآخر وهو اليسار، فلا تستطيع الشياطين أن تقترب، أو تهزم أولاد الله.

جانب اليسار يشمل حروب السقوط في الخطايا المختلفة؛ حينما يكون الإنسان الروحي في فتور وضعف، ومعرض للسقوط. أما اليمين فيمثل حالة الإنسان الروحي المرتبط بالله في ممارسات روحية، ويظن أن حالته جيدة، مع أنه متهاون في أمور كثيرة، فهذا تحاربه شياطين أكثر يبلغ عددها عشرات الآلاف لمحاولة إسقاطه، فإن وجدته في حالة ضعف وتهاون يتجاوب مع حروب الشياطين، أما إذا كان متمسكًا بجهاده، فعشرات الآلاف من الحروب الشيطانية تكون بلا قيمة، ويحميه الله منها.

العدد 8

ع8:

إِنَّمَا بِعَيْنَيْكَ تَنْظُرُ وَتَرَى مُجَازَاةَ الأَشْرَارِ.

يشجع الله أولاده إذا قابلتهم ضيقات حتى يحتملوها؛ لأنه في النهاية سيعاقب الله الأشرار على كل خطاياهم، أما أولاده فيبررهم.

هذه الآية نبوة عما سيحدث في يوم الدينونة، فالمسيح في مجيئه الأول احتمل ظلمًا كثيرًا، وأولاده احتملوا أيضًا أتعابًا، واضطهادات حتى الموت، ولكن المسيح في مجيئه الثاني سيجازى كل الأشرار ويلقيهم في العذاب الأبدي.

† إن كنت تجاهد وتحتمل آلام الجهاد وضيقات من الأشرار، فلا تنزعج منها لأنها مؤقتة، كن واثقًا من البر الذي تسلك فيه، أما الشر فلن يثبت.

العدد 9

ع9:

لأَنَّكَ قُلْتَ: «أَنْتَ يَا رَبُّ مَلْجَإِي». جَعَلْتَ الْعَلِيَّ مَسْكَنَكَ،.

يخاطب كاتب المزمور البار، ويقول له أنك أعلنت أن الله ملجأك، ثم يستكمل كاتب المزمور كلامه، ويقول للبار أنك جعلت الله العلى مسكنًا لك. أي أن البار اختار الله ملجأ له، وبالتالي لا يستطيع أحد أن يؤذيه، بل استقر وسكن في الله العلى، الذي هو فوق الكل، ولا يستطيع أحد أن يصل إليه، فالبار في حماية كاملة.

هذه الآية تأكيد للمعنى الذي أعلنته (ع2).

العدد 10

ع10:

لاَ يُلاَقِيكَ شَرٌّ، وَلاَ تَدْنُو ضَرْبَةٌ مِنْ خَيْمَتِكَ.

يقدم كاتب المزمور وعودًا جديدة للبار وهي أنه لا يقابله شر في حياته؛ لأن الله لا يسمح له بشئ يؤذيه، ويحول الشر إلى خير؛ لأن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله (رو8: 28).

أيضًا وعدًا جديدًا يقدمه، وهو ألا يقترب من خيمة البار - أي مكان استقراره وسلامه - أية ضربة، فقد يسمح الله له بتجربة، أما الضربة فهي عقاب وأذى يصيب الإنسان، هذا لا يحدث مع البار، بل يحتفظ بسلامه حتى داخل الضيقات والتجارب. وذلك لإيمانه بالله الذي يظل ثابتًا. فأيوب البار تعرض لتجارب قاسية وليس لضربات، فتعلم واستفاد من تجاربه، وظل مع الله، أما فرعون فما أصابه سمى ضربات وليس تجارب؛ لأنها كانت عقابًا له، وإنذارًا بقرب هلاكه.

الأعداد 11-12

ع11 - 12:

:

لأَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ فِي كُلِّ طُرُقِكَ. عَلَى الأَيْدِي يَحْمِلُونَكَ لِئَلاَّ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ.

وعد جديد للبار؛ أن الله يرسل ملائكته ليحفظوه في كل طرقه؛ أي أن الملائكة تحرسه في كل خطوة، وهذا إعلان كتابى واضح عن الملاك الحارس الذي يرافق كل واحد من أولاد الله.

هذه الآية تظهر خدمة الملائكة للبشر (عب1: 14)، بل إنهم في حنانهم يحملون البار حتى لا يعثر بالاصطدام في أي حجر، أي لا تزعجه الضيقات، بل يرفعوه بأمر الله فوقها، وبهذا يرتفع قلبه إلى السماء، ويشعر بالله داخل التجربة أكثر من أي وقت آخر، ويتمتع بصحبة الملائكة.

حاول الشيطان استخدام هذه الآية في تجربة المسيح على الجبل، ولكن المسيح كشف خداعه ورفض الكبرياء التي يقصدها الشيطان. ويلاحظ أن الشيطان لم يكمل كلام المزمور (ع13) التي تقول "على الأسد والصل تطأ" لأنها تعلن أن المسيح سيدوس الشيطان الذي هو الأسد والصل (الثعبان).

العدد 13

ع13:

عَلَى الأَسَدِ وَالصِّلِّ تَطَأُ. الشِّبْلَ وَالثُّعْبَانَ تَدُوسُ.

الصل: نوع خبيث من الحيات.

الشبل: الأسد الصغير.

وعد آخر يعطى للبار، وهو أن يدوس، ويتسلط، وينتصر على الشيطان الذي يُرمز إليه بالأسد والشبل لقوته (1 بط5: 8)، ويُرمز إليه أيضًا بالحيات، أي الثعابين لمكرهم (لو10: 17 - 19).

السلطان الذي يعطيه الله لأولاده هو على كل خطية، ويعطيهم قوة أن يرفضوا الخطية، وإن سقطوا فيها يقومون برجاء، واثقين أنهم بالله أقوى من حروب الشياطين، ولا ينزعجون من مؤامرات الأشرار؛ لأن الله سيعبر بهم جميع الضيقات، ويوصلهم بسلام إلى الملكوت.

العدد 14

ع14:

«لأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِي أُنَجِّيهِ. أُرَفِّعُهُ لأَنَّهُ عَرَفَ اسْمِي.

يعد الله البار الذي يطيع وصاياه أن ينجيه من أية ضيقة، ويرفعه فوق التجربة؛ لأنه تعلق بالله؛ أي التصق به وأحبه جدًا. ولأنه عرف الله عن قرب، وأدرك أنه الإله الوحيد القادر أن يشبع كل احتياجاته، ولأنه عرف الإله العظيم السامى فوق كل الخلائق، فإذ عرفه البار يسمو إليه، فيرتفع عن الماديات.

هذا الوعد الإلهي هو للكنيسة كلها إذا تعلقت به وعرفت اسمه، فهو ينجيها ويسمو بها إلى الروحانية الحقيقية؛ حتى يصل بها الملكوت السماوى. فالله سيسمح بضيقات، ولكن بعد ذلك ينجيها منها.

الأعداد 15-16

ع15 - 16:

:

يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ، مَعَهُ أَنَا فِي الضِّيقْ، أُنْقِذُهُ وَأُمَجِّدُهُ. مِنْ طُولِ الأَيَّامِ أُشْبِعُهُ، وَأُرِيهِ خَلاَصِي».

البار الذي يطيع الله إذا التجأ إليه وصلى، الله يهتم جدًا بصلواته ودعائه، الذي يكون من قلبه لأنه في الضيقة، فيستجيب له، وينقذه من السقوط في الخطية، بل يختبر البار عشرة الله، ويتمتع به، وينال عربون الملكوت داخل الضيقة، فيفرح. وبهذا يمجده الله وسط الضيقة، كما فعل مع الثلاثة فتية في آتون النار.

بعد هذا يهب الله البار الذي احتمل الضيقة والتجأ إلى الله نعمة لا يفوقها أية نعمة، وهي أن يعطيه أيامًا طويلة بلا نهاية، وخلاصًا كاملًا، وذلك في الملكوت السماوى.

تنطبق هذه الآية على المسيح الذي وهو مصلوب صلى إلى الآب "إلهى إلهي لماذا تركتنى" (مت27: 46) فاستجاب له وأنقذه ومجده بالقيامة من الأموات؛ ثم صعد إلى السموات، وأعد مكانًا لكل أولاده المؤمنين به الذين يدعونه، ويستجيب لهم.

† الله ينتظر صلواتك عندما تحل بك أية ضيقة لينقذك منها، فيهبك سلامًا يفوق العقل، ثم يخرجك منها، ويكافئك مكافأة عظيمة في السموات لأجل احتمالك التجربة.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

اَلْمَزْمُورُ الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ - سفر المزامير - مارمرقس مصر الجديدة

اَلْمَزْمُورُ التِّسْعُونَ - سفر المزامير - مارمرقس مصر الجديدة

تفاسير سفر المزامير الأصحاح 91
تفاسير سفر المزامير الأصحاح 91