الأصحاح الأول – تفسير الرسالة إلى تيطس – القمص أنطونيوس فكري

المقدمة

  • كتب الرسالة بولس الرسول إلي تلميذه تيطس الأسقف المسئول عن جزيرة كريت.
  • تكشف الرسالة عن أن المسيحية ليست عقائد ذهنية ولا فلسفات جدلية بل هي حياة وروح يعيش بها الأسقف كما العلماني كل فى حدود عمله.
  • يشير فيها الرسول إلي لزوم التدقيق الشديد في إختيار رجال الكهنوت.

بها بعض التوجيهات الرعوية للأسقف في كيف يتعامل مع شعبه.

  • تيطس من إنطاكية الشام ويري البعض أنه إبن أخ والي جزيرة كريت وهو من أصل أممي ومن والدين أمميين (غل 2: 3) وآمن علي يدي بولس الرسول لذلك يدعوه إبنه الصريح (1: 4) وكان يباشر الكرازة تحت إشراف بولس الرسول، ولكن لا نعرف متى آمن أو كيف أو أين، لكنه حضر مع الرسول مجمع أورشليم (أع 15). وكان مع بولس في كريت ثم تركه بولس ليكمل الأعمال الناقصة وليقيم فيها أساقفة وكهنة وكان هذا بعد سجن بولس الأول. وكان تيطس مع بولس في سجنه الثاني ولكنه لم يبق معه حتى المحاكمة بل تركه وذهب إلى دلماطية لأجل الخدمة (2 تي 4: 10) ثم عاد إلي كريت وكرز في الجزائر المجاورة (من التقليد) وإنتقل وعمره 94 عاماً. ويجعله أهل البندقية كأحد الكارزين لهم.
  • إتسمت كريت بالفساد، هذا وقد قام فيها بعض المعلمين الزائفين الذين ينادون بخرافات يهودية، لذلك يشجع الرسول تلميذه تيطس لكي يقاومهم.
  • دخلت المسيحية إلي كريت مع بعض الذين آمنوا يوم الخمسين (أع 2: 11) ثم غالباً ذهب لهم بولس الرسول بعد سجنه الأول (تي 1: 5).
  • يري البعض أن الرسالة كتبت من أفسس، وآخرون أنها كتبت من نيكوبوليس، وذلك بعد سجن بولس الأول أي حوالي 63م أو سنة 64م.

الإصحاح الأول

الأعداد 1-2

الآيات (1 - 2): -

"1بُولُسُ، عَبْدُ اللهِ، وَرَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، لأَجْلِ إِيمَانِ مُخْتَارِي اللهِ وَمَعْرِفَةِ الْحَقِّ، الَّذِي هُوَ حَسَبُ التَّقْوَى، 2عَلَى رَجَاءِ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، الَّتِي وَعَدَ بِهَا اللهُ الْمُنَزَّهُ عَنِ الْكَذِبِ، قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّة.".

عَبْدُ اللهِ:

هو بحريته قبل العبودية لله، فالعبودية لله تحرر. وهو كخادم لله إستعبد نفسه لله لكي يصل بشعبه لحرية مجد أولاد الله. حمل نير الخدمة ليكون عبداً لله. وهو يكتب بهذا لتلميذه تيطس حتي لا تضيق نفسه من الفساد المنتشر في كريت، فعلي تيطس أن يعتبر نفسه عبداً كلفه سيده بخدمة شاقة هى الخدمة فى كريت فعليه أن يقوم بها.

لأَجْلِ إِيمَانِ مُخْتَارِي اللهِ:

فالله له هنا مختارين، عليهم كخدام لله أن يعملوا علي إجتذابهم وقوله مختارى الله يجعل الخادم لا يتكبر إذا نجح في إجتذاب أحد، لأن الله هو الذى إختاره وعمل معه. وما هو موضوع الكرازة.

وَمَعْرِفَةِ الْحَقِّ:

وهذه لا تعني نظريات فلسفية وعقائد مجردة بل الَّذِي هُوَ حَسَبُ التَّقْوَى: هي حياة يلمسها كل واحد في الخادم والمخدوم. فالمسيح أتى ليشهد للحق (يو18: 37). والحق نسبى عند البشر، وقد يخدع الشيطان إنسان، أو يخدع الإنسان قلبه "فالقلب أخدع من كل شئ وهو نجيس من يعرفه" (إر17: 9)، فيتصور لهذا الإنسان أن ما يفضله هو الحق. لكن من يحيا فى تقوى هو مملوء بالروح، والروح هو روح الحق، وهو يعطى إستنارة فيعرف من يحيا حسب التقوى أين هو الحق المطلق.

وغاية الكرازة = عَلَى رَجَاءِ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ: فالإيمان بدون رجاء يملأ النفس يأساً أما الرجاء فيعطى فرحاً وسط الآلام.

الْمُنَزَّهُ عَنِ الْكَذِبِ:

فيها إشارة لما سيأتي فيما بعد عن الكذب المنتشر فى كريت، والله وعد آدم بهذا الخلاص، بل الخلاص في فكر الله قبل الأزمنة الأزلية. والله يعد ويفعل ولا يكذب.

العدد 3

آية (3): -

"3 وَإِنَّمَا أَظْهَرَ كَلِمَتَهُ فِي أَوْقَاتِهَا الْخَاصَّةِ، بِالْكِرَازَةِ الَّتِي اؤْتُمِنْتُ أَنَا عَلَيْهَا، بِحَسَبِ أَمْرِ مُخَلِّصِنَا اللهِ:".

كَلِمَتَهُ: الكلمة هو الإبن يسوع.

أَظْهَر: تجسد = فِي أَوْقَاتِهَا الْخَاصَّةِ: حدث التجسد في ملء الزمان (غل 4: 4).

بِالْكِرَازَةِ: هذا هو موضوع كرازاتي.

العدد 4

آية (4): -

"4إِلَى تِيطُسَ، الابْنِ الصَّرِيحِ حَسَبَ الإِيمَانِ الْمُشْتَرَكِ: نِعْمَةٌ وَرَحْمَةٌ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ الآبِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مُخَلِّصِنَا.".

تِيطُسَ، الابْنِ:

فقد آمن علي يديه وله محبة خاصة في قلبه.

الإِيمَانِ الْمُشْتَرَكِ:

هو إيماني وإيمانك وإيمان الكنيسة كلها، الإيمان المسلم مرة للقديسين (يه 3) لا نستطيع أن نغير فيه شيئاً بل ندافع عنه.

الإبن الصريح my true son in our common faith أنت إبني فإيمانك هو مطابق لإيماني.

العدد 5

آية (5): -

"5مِنْ أَجْلِ هذَا تَرَكْتُكَ فِي كِرِيتَ لِكَيْ تُكَمِّلَ تَرْتِيبَ الأُمُورِ النَّاقِصَةِ، وَتُقِيمَ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ شُيُوخًا كَمَا أَوْصَيْتُكَ.".

الأُمُورِ النَّاقِصَةِ:

لا بد وأنه كانت هناك أمور تسلم شفاهة من الرسل إلى تلاميذهم، وهذا ما تسميه الكنيسة التقليد، فالكتاب المقدس لم يشرح لنا كيفية إقامة الكهنة من أساقفة وقسوس وشمامسة ولا الصلوات التي ترفع في كل سر ولا ترتيب الصلوات الجماعية.

وَتُقِيمَ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ شُيُوخًا:

المقصود قسوساً (أساقفة وقسوس).

الأعداد 6-9

الآيات (6 - 9): -

"6إِنْ كَانَ أَحَدٌ بِلاَ لَوْمٍ، بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، لَهُ أَوْلاَدٌ مُؤْمِنُونَ، لَيْسُوا فِي شِكَايَةِ الْخَلاَعَةِ وَلاَ مُتَمَرِّدِينَ. 7لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ كَوَكِيلِ اللهِ، غَيْرَ مُعْجِبٍ بِنَفْسِهِ، وَلاَ غَضُوبٍ، وَلاَ مُدْمِنِ الْخَمْرِ، وَلاَ ضَرَّابٍ، وَلاَ طَامِعٍ فِي الرِّبْحِ الْقَبِيحِ، 8بَلْ مُضِيفًا لِلْغُرَبَاءِ، مُحِبًّا لِلْخَيْرِ، مُتَعَقِّلاً، بَارًّا، وَرِعًا، ضَابِطًا لِنَفْسِهِ، 9مُلاَزِمًا لِلْكَلِمَةِ الصَّادِقَةِ الَّتِي بِحَسَبِ التَّعْلِيمِ، لِكَيْ يَكُونَ قَادِرًا أَنْ يَعِظَ بِالتَّعْلِيمِ الصَّحِيحِ وَيُوَبِّخَ الْمُنَاقِضِينَ.".

سبق شرح معظم هذه الصفات في رسالة (1تي).

بِلاَ لَوْمٍ:

بحياته السماوية التقوية، فمن إشتهر عنه الخطية سيعجز عن أن يعلم. ولا حظ أن الرسول لم يقل "بلا خطية" وإلا إستحال وجود من يستحق الأسقفية، لكن المطلوب أن لا تكون هناك تهمة موجهة له أو مشهور عنه إنحراف ما.

كَوَكِيلِ اللهِ:

الله وكَّله علي رعاية نفوس أولاده. وعلي الوكيل أن يمثل موكله (الله).

غَيْرَ مُعْجِبٍ بِنَفْسِهِ:

غير مستبد، يسمع الرأي الآخر وينفذ الأحسن.

وَلاَ مُدْمِنِ الْخَمْرِ:

لاحظ أنه لم يقل ولا شراب خمر حتي لا تصير وصية. وهو سمح لتيموثاوس أن يشرب خمراً قليلاً في أسقامه أي للضرورة.

وَلاَ طَامِعٍ فِي الرِّبْحِ الْقَبِيحِ:

إشتهر الكريتيون بمحبة الغني فخشي بولس أن يتسلل أحد هؤلاء لكرسي الأسقفية بقصد الربح القبيح.

مُتَعَقِّلاً:

غير متسرع في كلماته وتصرفاته، وقوراً، رزيناً في إرشاداته لا يضطرب حتي في المواقف التي تثير الغضب، ولا تصغر نفسه في المواقف التي تثير الحزن = ضَابِطًا لِنَفْسِهِ = ولا يرتعب مما يحدث من حوادث هائلة ولا يهزه الفرح.

مُلاَزِمًا لِلْكَلِمَةِ الصَّادِقَةِ الَّتِي بِحَسَبِ التَّعْلِيمِ:

أي بحسب ما تلقنه من تعليم وعقائد من الرسول بولس.

وَيُوَبِّخَ الْمُنَاقِضِينَ:

من لا يعرف أن يعلم ويرد على الهراطقة لا يصلح للمنصب، والسبب موجود في آية 10 أن هناك متمردين كثيرين يقاومون الإيمان.

العدد 10

آية (10): -

"10فَإِنَّهُ يُوجَدُ كَثِيرُونَ مُتَمَرِّدِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِالْبَاطِلِ، وَيَخْدَعُونَ الْعُقُولَ، وَلاَسِيَّمَا الَّذِينَ مِنَ الْخِتَانِ.".

مُتَمَرِّدِينَ: هم من الهراطقة وغالباً كان غالبيتهم من اليهود الذين يريدون الإرتداد للطقوس الناموسية.

العدد 11

آية (11): -

"11الَّذِينَ يَجِبُ سَدُّ أَفْوَاهِهِمْ، فَإِنَّهُمْ يَقْلِبُونَ بُيُوتًا بِجُمْلَتِهَا، مُعَلِّمِينَ مَا لاَ يَجِبُ، مِنْ أَجْلِ الرِّبْحِ الْقَبِيحِ.".

سَدُّ أَفْوَاهِهِمْ:

هذا عمل الأسقف أن يفحمهم بمنطقه فيسد أفواههم،.

يَقْلِبُونَ بُيُوتًا:

بكلماتهم الباطلة حطموا سلام البيوت وسببوا إنقسام الكنيسة. هدفهم الربح القبيح ليس الهدف هو مجد الله لكن الربح المادي أو اكتساب جماهير أكبر تؤيدهم، هدفهم حب الظهور وعمل أحزاب.

الأعداد 12-14

الآيات (12 - 14): -

"12قَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ نَبِيٌّ لَهُمْ خَاصٌّ: «الْكِرِيتِيُّونَ دَائِمًا كَذَّابُونَ. وُحُوشٌ رَدِيَّةٌ. بُطُونٌ بَطَّالَةٌ». 13هذِهِ الشَّهَادَةُ صَادِقَةٌ. فَلِهذَا السَّبَبِ وَبِّخْهُمْ بِصَرَامَةٍ لِكَيْ يَكُونُوا أَصِحَّاءَ فِي الإِيمَانِ، 14لاَ يُصْغُونَ إِلَى خُرَافَاتٍ يَهُودِيَّةٍ، وَوَصَايَا أُنَاسٍ مُرْتَدِّينَ عَنِ الْحَقِّ.".

إشتهر الكريتيون بالكذب. وحيث وجد الكذب أي عدم الحق تتسلل الرذائل واحدة فواحدة. غير أن الرسول لم يرد أن يصفهم بهذا من عندياته حتي لا يكرهونه فلا ينصتون له، بل إستند علي قول أحد شعرائهم يدعي أبيمينيدس الذي عاش في حوالي القرن السادس قبل الميلاد،.

وكان الشعراء في نظرهم في مرتبة الأنبياء = "وَهُوَ نَبِيٌّ لَهُمْ خَاصٌّ":

فكانوا يقولون أن ما يقوله الشعراء هو بالوحي وبمكاشفة ربانية. وقال أفلاطون أن الشعراء أبناء الآلهة.

والشاعر أبيمينيدس هو الذي أوصي بإقامة مذبح لإله مجهول كما فعلوا في أثينا وهذا الشاعر هو الذي قال مخاطبا الإله الأسمي "لقد صنعوا لله قبرا أيها القدوس الأعلى والكريتيون دائماً كذابون وحوش ردية بطون بطالة (إشارة لشدة نهمهم في الأكل واللذات واللهو) ولكنك لست ميتاً إلي الأبد أنت قائم وحي لأنه بك نحيا ونتحرك ونوجد". وعجيب أن يقول شاعر وثنى هذا الكلام مما يدل على أن الله كان يتعامل مع كل الشعوب، فالله لا يبقى نفسه بلا شاهد.

ولقد إقتبس بولس الرسول البيت الأخير في خطابه أمام الأريوس باغوس (أع17: 28).

وإقتبس البيت الثاني هنا "الْكِرِيتِيُّونَ دَائِمًا كَذَّابُونَ":

بل كان هناك مثل شعبي في كريت "تكرت مع الكريتي" أي إكذب مع الكاذب أو عليه. وكان عمل تيطس أن يغير طبع هؤلاء بتعليمهم المسيحية. ونلاحظ هنا أن بولس لم يخجل من إستعمال شعر أحد الشعراء لكى يكسب على كل حال قوم ولأجل البنيان، أي لأجل أن يتركوا الخرافات اليهودية ووصايا أناس مُرْتَدِّينَ عَنِ الْحَقِّ: من يهود وغيرهم الذين كانوا يضللون المؤمنين.

العدد 15

آية (15): -

"15كُلُّ شَيْءٍ طَاهِرٌ لِلطَّاهِرِينَ، وَأَمَّا لِلنَّجِسِينَ وَغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ شَيْءٌ طَاهِرًا، بَلْ قَدْ تَنَجَّسَ ذِهْنُهُمْ أَيْضًا وَضَمِيرُهُمْ.".

حيث يكون الإنسان طاهراً يكون كل شئ له طاهراً، كل خليقة الله له طاهرة. ونحن نصير طاهرين بالإيمان (أع 15: 9) ولكن غير الطاهرين فإن قلبهم يكون نجساً ويرون كل شئ نجسا، بحسب نظرة قلبهم كمن يلبس نظارة سوداء فسيري كل شئ به سواد، فهم اعتبروا اللحوم نجسة بل حتي الكلمات الطاهرة لها معاني نجسة عند البعض، والتصرفات الطاهرة تؤول عند البعض ممن قلوبهم نجسة إلي نجاسة.

العدد 16

آية (16): -

"16يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ اللهَ، وَلكِنَّهُمْ بِالأَعْمَالِ يُنْكِرُونَهُ، إِذْ هُمْ رَجِسُونَ غَيْرُ طَائِعِينَ، وَمِنْ جِهَةِ كُلِّ عَمَل صَالِحٍ مَرْفُوضُونَ.".

يحذر الرسول تلميذه تيطس من هؤلاء المضللين وهنا يضع شرطاً مهماً به نعرف المضللين، إذ نجد أنهم يعترفون بأنهم يعرفون الله ولكن معرفتهم معرفة نظرية عقلانية بلا خبرة حياة تقوية "وَلكِنَّهُمْ بِالأَعْمَالِ يُنْكِرُونَهُ". هم لهم غيرة التدين ومظهره ولكنهم بأعمالهم وأفكارهم الغريبة عن عمل الله وفكره يرفضون الله، فهم لو كان لهم إيمان بالله الديان فكيف يفعلون هذه الشرور. بهذا يصيرون رجسين لأنهم مناقضون لروح الله القدوس عاصين لفكره "وَمِنْ جِهَةِ كُلِّ عَمَل صَالِحٍ مَرْفُوضُونَ".

مَرْفُوضُونَ: مترجمة غير مؤهلين.

No items found

الأصحاح الثانى - تفسير الرسالة إلى تيطس - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير الرسالة إلى تيطس الأصحاح 1
تفاسير الرسالة إلى تيطس الأصحاح 1