أسرار الكنيسة السبعة – الباب الثاني – القس أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: أسرار الكنيسة السبعة – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

ماذا الذى كان الشعب اليهودى ينتظره

كان اليهود غير الدارسين ينتظرون مسيا يعطيهم الحرية من الرومان ويعيد لهم الأرض، ومن هؤلاء كان الغيورين (معنى الإسم أنهم غيورين على أرض إسرائيل وفى غيرتهم على إسرائيل كرهوا الرومان). إذاً هؤلاء كانوا ينتظرون مسيا سياسى وعسكرى … أى ملك محارب. ولكن من يطلع على كتابات العهد القديم (التوراة والأنبياء) وأيضا كتابات الربيين اليهود مثل المشناة والترجوم والتلمود، لوجدنا أنهم كانوا ينتظرون تجديد إسرائيل وإستعادة مجدها عن طريق خروج جديد، تكرارا لما فعله موسى.

الخروج الجديد

إنتظروه حين يشرق فجر الخلاص. وحينئذ يكرر الله ما حدث أثناء فترة الخروج من مصر بإيجاز ( أى نفس الأحداث ولكن فى فترة قليلة ). فموسى أخرج الـ 12 سبط  وخلصهم من عبودية مصر، وأيامها كانت هناك الضربات العشر والفصح ثم التوهان فى البرية والعودة لأرض كنعان. وإنتهت هذه الأحداث على يد يشوع. وهكذا تكلم الأنبياء عن خروج جديد ويتلخص هذا الخروج الجديد فى :-

1) مجئ موسى جديد.

2) عمل عهد جديد.

3) بناء هيكل جديد.

4) رحلة إلى أرض جديدة.

وكان المسيح بأقواله وأعماله يقصد أنه هو الذى يحقق لليهود هذه الأمال فى نفسه، وأنه هو المسيح المنتظر. وهذا الخروج الجديد سيعطينا 3 مفاتيح أساسية لفهم لغز العشاء الأخير، وهذه المفاتيح هى :-

1) الفصح :- فالخروج الجديد يجب أن يصاحبه فصح جديد.

2) المن :- أعطاهم الله المن بعد الخروج ليعولهم خلال الرحلة. فماذا عن الخروج الجديد.

3) خبز الحضرة أو خبز الوجوه :- هذا كان نوعا من العبادة الأسبوعية فما هى العبادة الجديدة.

وصار علينا أن ندرس هذه الثلاثة الفصح والمن وخبز الحضرة لنفهم علاقتها بالخروج الجديد. ونكتشف سر الإفخارستيا وكيف كانت هذه الثلاثة (خروف الفصح والمن وخبز الوجوه) هى رموزاً له بل وتشرحه.

1) موسى الجديد

  • يفهم من الأنبياء أن هناك مخلص جديد يخلص شعب إسرائيل كما خلصهم موسى ثم يشوع. وأدخلوهم إلى أرض الميعاد التى تفيض لبنا وعسلا. وكان هذا بعد ضربات عشر وتقديم الفصح. ثم عبور البحر الأحمر. ولم يكن مثل موسى الذى عرف الله وجها لوجه

(تث34 : 10 ، 11) . ولكن ما الضرورة لمخلص جديد مثل موسى وهم فى أرضهم؟

  • هناك كارثتين كبيرتين حلوا بالشعب اليهودى بعد موسى

1) سبى أشور سنة 722 ق.م  وفيه تشتتت الأسباط العشر.

2) سبى بابل سنة 586 ق.م وفيه أُخِذَ سبط يهوذا وبنيامين إلى بابل. وكان هذا يبدو وكأن وعد الله بأن تكون لهم أرض الميعاد ميراثا قد إنكسر، وهذا ما جعلهم ينظرون لخلاص جديد على يد موسى الثانى، المخلص الجديد.

  • وكان موسى قد تنبأ عن تشتتهم نتيجة لتمردهم على الله ووصاياه ولهذا سيطردهم الله من الأرض (تث4 : 26 – 27) . ولكن موسى أوضح لهم أن الله سيرسل لهم نبيا آخر (تث18 : 18) . وقالوا أن هذا النبى هو موسى الجديد، وأن الله سيرسله فى وقت سيكونون فيه فى أشد الحاجة إليه لينقذهم من العبودية. ويقول أحد الربيين أنه كما حدث مع موسى المخلص الأول .. إذ أنه أخذ زوجته وأولاده ووضعهم على حمار (خر4 : 20) هكذا أيضا فإن المخلص الأخير سيكون متواضعا راكبا على حمار (زك9) . وكما أنزل موسى المن سينزل المسيح مناً من السماء (مز72 : 16) .
  • وكان دخول المسيح أورشليم فى هذا الموكب فيه تحقيق لتوقعات اليهود. وهكذا كانت أعمال المسيح تتوازى مع أعمال موسى الأول.

العهـــــــــد الجديــــــــــد

فى الخروج الأول عمل الله عهدا ربط بينه وبين شعبه . وكان العهد مختوم بالدم (دم ذبيحة حيوانية) وإنتهى هذا بمأدبة سماوية. والأنبياء تنبأوا بأن هذا سيتكرر، وأن العهد الجديد سيكون عهدا لا ينكسر. وبعد هذه المأدبة السماوية (خر24) أخذ الشعب تعليمات عن كيفية العبادة (تفاصيل خيمة الإجتماع وكيفية تقديم العبادة فيها). وهكذا كان طلب الله من موسى أن يقول لفرعون “إسرائيل إبنى البكر…إطلق ابنى ليعبدنى” (خر4 : 22 ، 23) + “نذبح للرب إلهنا” (خر3 : 18) . فالخروج إذاً لم يكن مجرد هروب من عبودية المصريين، بل كان أساسا للعبادة، أى لتحقيق علاقة مقدسة بين الله وشعبه بعهد.

  • لذلك قدم موسى ذبيحة حينما وصلوا إلى جبل سيناء.
  • وهذا العهد كان مختوما بالدم، فكان موسى يرش المذبح بالدم، والمذبح يمثل الله. ويرش الدم على الشعب. وبهذا إرتبط الله مع شعبه وإشتركوا فى دم الذبيحة، وهذا معنى عهد مختوم بالدم.
  • ولاحظ أن العهد لم ينتهى بتقديم ذبيحة بل بمأدبة سماوية(خر24)، رأى فيها شيوخ إسرائيل الله وأكلوا وشربوا أمامه. فمن منظور العهد صار إسرائيل شعبا لله وجعلهم كعائلته، فالعائلات تجتمع لتأكل. بل كان الله كأب يجمع أولاده ليأكلوا ويشربوا أمامه.
  • ولكن بعد كل هذا خان إسرائيل الله فى موضوع العجل الذهبى، بل دخلت العبادة الوثنية إلى إسرائيل بعد ذلك. فكسر إسرائيل العهد بذهابهم لآلهة أخرى وثنية ودخلوا معهم فى عهد.
  • ولكن الله لم ييأس من شعبه ووعدهم بعهد جديد (إر31). وكان هذا العهد الجديد مثل الأول أى للـ 12 سبط فيقول إرمياء… بيت إسرائيل (شتات العشرة أسباط) وبيت يهوذا. فهو جمع الأسباط الإثنى عشر فى العهد “ها ايام تاتي يقول الرب واقطع مع بيت اسرائيل ومع بيت يهوذا عهدا جديدا. ليس كالعهد الذي قطعته مع ابائهم يوم امسكتهم بيدهم لاخرجهم من ارض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب” (إر31 : 31 – 32).
  • ولو أن إرمياء لم يشر أن هذا العهد الجديد سينتهى بذبيحة ومأدبة، ولكن هذا ما أشار له الرب فى مأدبته للتلاميذ “هذا هو دمى الذى للعهد الجديد” ثم للكنيسة كلها “إصنعوا هذا لذكرى”. وبهذا جعل المسيح دمه هو ختم العهد الجديد الذى تنبأ به إرمياء النبى. وأقام بعد الذبيحة مأدبة لتلاميذه كما عمل الله مع شيوخ إسرائيل فى العهد الأول. ولكن كانت المأدبة من أكل جسده.
  • وكان الربيين يقولون “أن هذا العهد الجديد سيكون فى نهاية الأيام ومع بداية العالم الجديد”. وقالوا أيضا “أن هذا العالم الجديد لن يكون أكل وشرب، بل تَمَتُّع بإشراقة وجه الله (الحضور الإلهى) . ويكون الأكل والشرب فى مأدبة خاصة أمام الله”.
  • وهذا بالضبط ما يحدث فى الإفخارستيا نأكل ونشرب فى مأدبة سماوية أعدها المسيح لنا لكن من جسده ودمه. وهذه المأدبة كانت رمزا لها.

الهيــــــــكل الجديـــــــــد

يقول الأنبياء أن العبادة فى الخروج الثانى ستكون فى هيكل جديد أعظم من خيمة الإجتماع ومن الهيكل.

  • ففى أيام الأباء البطاركة كانوا يبنون مذابح أينما كانوا. ولكن بعد الخروج من مصر كانت العبادة فى خيمة الإجتماع. ورأى اليهود أن الخيمة هى مكان سكن الله على الأرض، وأن الله يحل فيها على هيئة سحابة مجد نازلة من السماء.
  • ثم كان الهيكل فى أورشليم للفخر والكبرياء اليهودى.
  • ثم جاء سبى بابل وفيه تم تدمير هيكل سليمان، وبعد 70 سنة حررهم كورش الفارسى وسمح لليهود ببناء هيكل جديد كان أقل فخامة من هيكل سليمان، ولكنه كان بلا تابوت عهد.
  • ولكن الأنبياء تكلموا عن هيكل جديد فى الأيام الأخيرة (حج2 : 6 – 9 + مى4 : 1 – 2 + إش56 : 6 – 7 +إش60 : 1 – 7 + حز40 – 48) . ويقول حزقيال أن الهيكل الجديد سيكون لليهود والأمم (حز37 : 24 – 28) .
  • وهذا الهيكل الجديد يفوق هيكل سليمان فى عظمته (حج2 : 6 – 9) .
  • تضمنت ملفات البحر الأسود أقوال الربيين عن هذا الهيكل الجديد وتفاصيله ووصفه. وهذه كانت قبل المسيح بفترة قليلة وأثناء فترة وجود المسيح بالجسد على الأرض.
  • وكانوا يصلون ليؤسس الله لهم هذا الهيكل الجديد، وقال بعض الربيين أن المسيا المنتظر هو الذى سيبنى الهيكل الجديد. وأن هذا المسيا موجود فى الشمال وحينما يقوم سيبنى الهيكل، وفهموا هذا من نبوة إشعياء (41 : 25) .
  • لهذا جدد هيرودس الملك وأبناءه الهيكل وجعلوه إحدى عجائب الدنيا، متصورين أنه سيكون الهيكل الجديد. ولكن كون أن الهيكل كان بدون تابوت عهد جعل اليهود يتطلعون لهيكل جديد.

الأرض الجديــدة المــوعودة

كما كان لإسرائيل أرض الميعاد بعد الخروج الأول، هكذا سيكون هناك أرض ميعاد جديدة بعد الخروج الثانى (إش60 : 21). وبالذات لأن الأسباط العشرة تشتتوا بعد سبى أشور فى كل الأرض، سنة 722 ق.م .

هذا الخروج الثانى كان موضوع شغل بال كل الأنبياء والأباء اليهود.

  • عاموس9 : 14 – 15 .. الله سيدخل شعبه لأرض لن ينتزعوا منها أبدا.
  • هوشع1 : 10 – 11 + 2 : 16 – 23 .. الله يزرع شعبه فى الأرض.
  • إرمياء3 : 15 – 19 الله سيعطى الأسباط الـ 12 أرض مفرحة كميراث.
  • نبوة ناثان النبى لداود “وعينت مكانا لشعبى إسرائيل وغرسته، فسكن فى مكانه”

(2صم7 : 10) وفيها أن الله سيحدد مكانا لشعبه إسرائيل. وهذا المكان ليس فى أرض كنعان، فهم كانوا وقت النبوة فى كنعان. كما أن النبوة جاءت فى الإنجليزية فى صيغة المستقبلmoreover I will appoint a place for my people  Israel”   .

  • حزقيال يشير لهذه الأرض أنها كجنة عدن (36 : 33 – 35). ويربط عودة إلأسباط الـ 12 بالقيامة من الأموات (حز37) . فهل كان حزقيال يتكلم عن أرض كنعان أم مكان أكبر.
  • إشعياء يتكلم فى إصحاحات (43 ، 49 ، 60) عن أورشليم جديدة كجزء من أرض جديدة وسماء جديدة. (إش64 : 17 – 18 + 65 : 18 ، 20 ، 22) .
  • فكانت رؤية الأنبياء أنه ستكون هناك أرض ميعاد جديدة وستكون أكبر من الحالية، من خلال خروج جديد من الحالة البائسة التى هم فيها (10 أسباط مشتتين بل واليهودية تحت حكم الرومان).
  • وقال معلمو اليهود أنه ستكون هناك أرض جديدة وستدوم إلى الأبد، بل رأى بعضهم أنها أعظم من أن تكون مجرد مكان على الأرض. وقال أحدهم عنها أنها ستكون فى العالم العلوى حيث عرش الله. وقالوا عنها أنها مملكة الله وسيسكنها كل اليهود الذين سيكونون أبرارا وسيرثون الأرض إلى الأبد.
  • وفى كتابات اليهود يعنى “ميراث الأرض” أن لهم نصيب فى العالم الجديد الآتى، الذى هو عصر الخلاص وعودة الأسباط الـ 12 (كتب المشناة والتلمود) . وهكذا رأى الربيين أن أرض الميعاد فى كنعان هى علامة على الخليقة الجديدة.

من كل هذا توقع بعض الربيين مجئ مسيا سياسى وعسكرى، وتوقع آخرين أنه سيكون ليس فقط  ملكا بل صانع معجزات ونبيا مثل موسى. وإنتظروا عمل عهد جديد أبدى ينتهى بمأدبة سماوية حيث يرى الأبرار الله ويعيدوا بالحضور الإلهى. ويكون هناك هيكل جديد حيث يعبدون الله للأبد. ويعود الله ويجمع كل الأسباط الـ 12 فى عالم جديد (إش43 : 18 – 19) . بل فهم البعض أن الله سيجمع الأمم مع اليهود فى عالم جديد. ويجدد الله الخليقة وسيكون كل شئ جديدا (رؤ21 : 5) .

يسوع والخروج الجديد

وفى أيام المسيح كان اليهود يتوقعون هذا الخروج الجديد. حتى أن بعض المغامرين إستغلوا هذا وقاموا بثورات ضد الحكم الرومانى. وكان من هؤلاء ثوداس ورجل آخر مصرى، وهؤلاء إدعوا النبوة وأنهم سيعملون كموسى ويشوع ويشقوا الأردن، ويهدموا أسوار أريحا (وهؤلاء أشار لهم غمالائيل أع5 : 33 – 39). والولاة الرومان قتلوا ثوداس وقتلوا 400 من تابعى المصرى أما هو فهرب. أما المسيح فقد عمل معجزات فعلا. ولذلك كان الكثير من أعمال المسيح وأقواله تشير لهذا الخروج الجديد وأنه موسى الجديد :-

  • صام المسيح فى بداية خدمته 40 يوما فى الصحراء كما عمل موسى.
  • أول معجزات المسيح تحويل الماء إلى خمر، وآخر أعماله تحويل الخمر إلى دمه. وأول معجزات موسى تحويل الماء إلى دم.
  • فى العشاء الأخير يردد ما قاله إرمياء “دمى الذى للعهد الجديد.. يسفك عنكم”.
  • حينما سأله تلاميذ المعمدان إن كان هو المسيح (مت11 : 4 ، 5 + لو4 : 18 ، 19) أشار للمعجزات فى (إش35 : 5 – 10) ومعنى هذا أن معجزاتى التى رأيتموها والتى أعملها تشير للخروج الجديد الذى تكلم عنه إشعياء. وأننى أنا المبشر بالخلاص.
  • أتى المسيح للتلاميذ سائرا على الماء الذى جمده كما عمل موسى (مت14 وراجع خروج 14 ومقدمات الأناجيل فى العلاقة بين أعمال المسيح والفكر اليهودى) . ولاحظ أن المسيح صنع معجزات كثيرة وآخرها إقامة لعازر قبل دخوله إلى أورشليم. ودخل أورشليم راكبا على حمار كما علمهم الربيين أن المسيا سيعمل هذا مثل موسى. وذلك كما كانوا يتوقعون أن يعمل المسيح، وكان كل هذا سر الإستقبال الرائع للمسيح يوم أحد الشعانين.
  • فى حادثة التجلى تكلم موسى وإيليا مع المسيح عن “خروجه المنتظر من أورشليم” (لو9 : 28 – 31). وكلمة خروج هنا تشير لمعنى*مغادرة كما خرج اليهود من مصر. ولكن الكلمة تشير أيضا للموت أى لمغادرة العالم. ولكن فى أيام المسيح كانت تشير لتطلعات اليهود للخروج الجديد. وبهذا نفهم أن موت المسيح بالجسد بعد أن أخرجوه من أورشليم حاملا صليبه ليصلبوه خارج أورشليم، كان هذا بدءا للخروج الجديد عن طريق المسيح موسى الجديد. ويكون الخروج بالمنظور المسيحى هو التحرر من عبودية الشيطان لنعبد الله، وتكون لنا علاقة بالله ونصير إبنه البكر الجديد، نصير فى المسيح أبكارا.

وبهذا كان المسيح يربط أقواله وأعماله بأقوال الأنبياء ومفاهيم وتقاليد الربيين اليهود عن المسيا المنتظر. وكأنه يقول لتابعيه… أنه هو موسى الجديد جاء ليبدأ الخروج الجديد ويحقق أمال الشعب فى مخلص جديد. بل وفى التجلى يقول الآب “هذا هو إبنى الحبيب الذى به سررت”  كما قال عن إسرائيل من قبل “إبنى البكر” . إذاً لم يكن المسيح فقط هو موسى الجديد بل هو إسرائيل الجديد الذى سيحقق الخروج الجديد فى نفسه بألامه وقيامته ليقود شعبه للأرض الجديدة والخليقة الجديدة.

والآن إن كان هناك خروج جديد فلابد من فصح جديد (عبور جديد)

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found