الأَصْحَاحُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ – سفر أخبار الأيام الأول – القمص تادرس يعقوب ملطي

هذا الفصل هو جزء من كتاب: 13- تفسير سفر أخبار الأيام الأول – القمص تادرس يعقوب ملطي.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الأَصْحَاحُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ

إعداد المواد والرجال والدافع للعمل.

يليق بنا أن نقارن ما ورد هنا بما جاء في (1 مل 2: 1 - 9). لم يكن لائقًا بداود أن يقوم ببناء الهيكل وقد سفك دماءً، ولو كان من أجل العدالة! بينما اتَّسم سليمان، بالسلام لذلك عُهِدَ إليه هذا العمل.

سليمان ويشوع بن نون.

لم يكن داود أهلاً لبناء الهيكل، فترك هذا العمل لابنه سليمان، وقد أَعَدَّ له الكثير، ليس فقط شراء الأرض، وجمع مواد البناء، وحث القادة والشعب على العطاء، وتنظيم العبادة في الهيكل بعد بنائه الخ. بنفس الطريقة لم يكن موسى مُعَدًا للدخول بالشعب إلى أرض الموعد، وتوزيعها على الأسباط، فترك هذه المهمة لتلميذه يشوع بعد أن هيَّأ كل شيء لإتمام العمل.

1. سَلَّم موسى الشيخ العمل للشاب يشوع ليقود الشعب إلى أرض الموعد. وسَلَّم داود الشيخ سليمان الشاب ليبني بيتًا للرب (تث 31: 23؛ 1 أي 22: 6). قام الشيخان الاثنان موسى وداود بتسليم العمل للشابيْن في حضور الشعب.

2. قام الشيخان موسى وداود بتشجيع الشابين يشوع وسليمان، قائليْن: "تشدد وتشجّع!".

3. أعطي لكليهما روح الحكمة والفهم لإتمام العمل مع تأكيد أن الله معهما.

4. في كلا الحالتين كان العمل القيادي متكاملاً بين الشيخ والشاب في وحدة[294].

1. المكان الذي عُيِّن لبناء الهيكل 1.

2. إعداد الأعمال ومواد البناء 2 - 5.

3. التمتُّع بالوعد الإلهي 6 - 10.

4. نصائح لسليمان ورؤساء الشعب 11 - 19.

العدد 1

1. المكان الذي عُيِّن لبناء الهيكل

فَقَالَ دَاوُدُ: "هَذَا هُوَ بَيْتُ الرَّبِّ الإِلَهِ،.

وَهَذَا هُوَ مَذْبَحُ الْمُحْرَقَةِ لإِسْرَائِيلَ ". [1].

قال داود، بوحي من الله وبإعلانٍ منه، "هذا هو بيت الرب الإله!".

من اللائق أن يُترَك للربِّ نفسه اختيار المكان، لأن للرب الأرض وملؤها. وهذا هو المكان الذي اختاره، أرض يملكها رجل يبوسي! ربما كان ذلك نبوة سعيدة لدخول هيكل الإنجيل بين الأمم (انظر أع 15: 16 - 17).

لم يكن بعد قد بُنِي بيت الرب "الهيكل"، لكن وجود الذبيحة (المذبح) والعرش (تابوت العهد) يؤكد الحضرة الإلهية الحقيقية القائمة في وسط الشعب.

لقد أخطأ داود، وكان من نتائج توبته عن خطيته أنه اشترى أرض أُرنان الذي صار فيما بعد هيكل الرب. فحوَّل الله الشر إلى الصالح.

ما هي مشاعر الكهنة واللاويين والشعب عبر الأجيال حين كانوا يذهبون إلى الهيكل للعبادة؟ يذكرون خطية داود، فيضعون ثقتهم في الله وحده الذي بلا خطية.

في كل زيارة إلى الهيكل يليق بالمؤمن. كاهنًا كان أو من الشعب، أن يدرك أنه ليس إنسان بلا خطية. فهوذا داود التقي أخطأ، واحتاج إلى الذبيحة لكي يغفر له الله خطاياه.

أدرك داود أن البيدر (21: 28) سيكون موقع هيكل المستقبل ومذبح المُحرَقة، لذلك بدأ الإعداد لإقامة الهيكل بالرغم من علمه أن سليمان سيكون له هذا الامتياز الخاص ببناء الهيكل. كان المكان بيدرًا، وكنيسة الله الحي هي أرضه وبيدره (إش 21: 10). فالمسيح رفشه بيده ليُنَقِّي بيدره. هذا هو البيت لأنه هو المذبح، فالهيكل بُنِي لأجل المذبح، وقد وُجِدَت المذابح قبل أن توجد الهياكل.

أجاب الرب داود بنارٍ من السماء في بيدر أُرنان، فعلم داود أن ذلك المكان هو المكان المُعَيَّن من الرب ليكون بيته فيه.

الأعداد 2-5

2. إعداد الأعمال ومواد البناء

أَعدَّ داود الكثير قبل وفاته [5]. لم ُيعِد شيئًا ليوم وفاته، وإنما لبناء بيت الرب. لقد كرَّس حياته في سلسلة من المعارك، لا لامتداد المملكة، وإنما لجمع مواد لبناء بيت الرب. كان في المظهر من أعظم أبطال الحرب، وفي الداخل كان قلبه مشغولاً بالبناء.

وَأَمَرَ دَاوُدُ بِجَمْعِ الأَجْنَبِيِّينَ الَّذِينَ فِي أَرْضِ إِسْرَائِيلَ،.

وَأَقَامَ نَحَّاتِينَ لِنَحْتِ حِجَارَةٍ مُرَبَّعَةٍ لِبِنَاءِ بَيْتِ الله. [2].

بعد إعلان داود النبي عن قيام بيت الله، وبالرغم من عدم بنائه له، انشغل بالبيت الذي يبنيه سليمان فيما بعد.

أراد الكاتب أن يؤكد أن الإسرائيليين لم يخضعوا للسُخرَة حتى في جلب حجارة لبناء بيت الله.

الأجنبيون هم الكنعانيون الذين بقوا في الأرض والساكنون بين الإسرائيليين (1 مل 9: 20 - 21). إذ لم يستطع اليهود إبادتهم جعلوهم يقومون بممارسة بعض الأعمال، سخَّرهم داود وسليمان (2: أي 8: 7 - 9).

وكان الأجنبيين ماهرون في قطع الخشب وصناعة النحاس والحديد والحجارة وما أشبه ذلك، كأهل صور وصيدا. فجمعهم داود، أي عدَّهم تمهيدًا للعمل. وعدَّهم سليمان أيضًا، ووجدوا مئة وثلاثة وخمسين ألفًا وست مئة (2 أي 2: 17).

إذ يتنبأ هنا عن هيكل العهد الجديد الذي هو بيت الصلاة لكل الأمم (مر 11: 17)، نرى هنا داود يأمر بجمع الأجنبيين للمساهمة في إقامته [2]. إنهم بالحق يشتركون في بناء الهيكل الثاني (إش 60: 10). هنا نجد السرَّ الذي تحدث عنه الرسول بولس فيما بعد، وهو تطعيم الأمم في أصل شجرة إسرائيل (رو 9 - 11).

وَهَيَّأَ دَاوُدُ حَدِيدًا كَثِيرًا لِلْمَسَامِيرِ لِمَصَارِيعِ الأَبْوَابِ وَلِلْوُصَلِ،.

وَنُحَاسًا كَثِيرُا بِلاَ وَزْنٍ، [3].

بنى سليمان الهيكل، فسُمِّيَ هيكل سليمان، ولكنه هيكل داود أيضًا، لأن كثيرًا من العمل كان منه.

حديد ونحاس: كانت هذه المعادن ثمينة وقليلة الوجود في القديم بالنسبة إلى أيامنا. وكان داود قد أخذ كثيرًا من النحاس من الذين انتصر عليهم في حروبه (18: 7 - 8).

وَخَشَبَ أَرْزٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَدَدٌ،.

(لأَنَّ الصَّيْدُونِيِّينَ وَالصُّورِيِّينَ أَتُوا بِخَشَبِ أَرْزٍ كَثِيرٍ إِلَى دَاوُدَ). [4].

دُعِيَت الأمم المحيطة بأرض إسرائيل للمُشارَكة في هذا العمل العظيم. وقد قاموا به بفرحٍ عظيمٍ وغيرةٍ متَّقدةٍ وإرادةٍ صالحةٍ. وكان ذلك إشارة إلى قيام كنيسة العهد الجديد من الأمم والشعوب.

ويلاحظ في مواد البناء:

أ. الذهب والفضة والنحاس المُستخدَم في الهيكل جاء من غنائم الحروب التي انتصر فيها داود ولم يحتفظ بها لنفسه.

ب. كثير من مواد البناء قدَّمها الأمم لداود كهدايا وهِبَات، لم يدخل بها إلى مخازن قصره لحسابه، إنما حسب كل ما يُقَدَّم له هو لحساب الهيكل.

ج. كانت مواد البناء تتضمن مواد من حديد مثل المسامير والمصاريع، ومع ما يبدو من أن قيمتها وضيعة لكن لا غِنَى عنها، إذ هي نافعة، وبدونها لا يُكَمَّل البناء.

الصيدونيون والصوريون: في التواريخ القديمة أقوال كثيرة تُثْبِتُ أنهم اشتهروا في كل العالم بمهارتهم في الصناعات.

وَقَالَ دَاوُدُ: "إِنَّ سُلَيْمَانَ ابْنِي صَغِيرٌ وَغَضٌّ.

وَالْبَيْتُ الَّذِي يُبْنَى لِلرَّبِّ يَكُونُ عَظِيمًا جِدٍّا فِي الاِسْمِ وَالْمَجْد.

فِي جَمِيعِ الأَرَاضِي.

فَأَنَا أُهَيِّئُ لَهُ ".

فَهَيَّأَ دَاوُدُ كَثِيرًا قَبْلَ وَفَاتِهِ. [5].

كان اختيار القائد الذي يُدير عمل البناء هامًا، فكان داود يفكر في سليمان ابنه الشاب، ليُعِدَّه لهذا العمل من كل الجوانب، فقد كان هذا العمل عظيمًا جدًا له اسمه في العالم، وروعته الفائقة. وكان رمزًا لكنيسة المسيح التي تُعلِنُ عن حضور الله نفسه في وسط شعبه الحامل أيقونة خالقه.

اعترف داود أن سليمان ابنه صغير وغض، والبيت الذي يبنيه يكون عظيمًا جدًا في الاسم والمجد على مستوى العالم كله.

لا نعرف كم كان عمره، وبما أنه ملك أربعين سنة، وكان شيخًا حينما مات، نستنتج أنه كان قد بلغ عشرين سنة فما فوق حين ملك. قيل عن رحبعام (2 أي 13: 7) أنه كان فتى رقيق القلب وهو ابن إحدى وأربعين سنة. يقول يوسيفوس إن سليمان في ذلك الوقت كان في الرابعة عشرة، ويقول راشي Rashi إنه كان في الثانية عشر.

كما سَلَّم موسى تلميذه الذي يخلفه أن ينتصر على الأمم ويقسم أرض الموعد على الأسباط، هكذا أعطى داود ابنه سليمان الذي يخلفه أن يبني بيت الرب، وبنفس الروح أَعَدَّ بولس الرسول تلميذه تيموثاوس للعمل الكرازي في رسالته الوداعية (2 تي).

ما الذي دفع بداود أن يقوم بمثل هذه الإعدادات؟

أخذ أمريْن في اعتباره:

أ. إن سليمان كان صغيرًا وغضًا وليس من المُحتمَل أن يبدأ هذا العمل بنشاطٍ شديد، ولكن إن وجد المواد جاهزة، وأصعب جُزْء قد تمَّ، فهذا يُثِير فيه الهمة ويُشَجِّعه على هذا العمل في بداية مُلْكِه.

يليق بكبار السن والمختبرين ألا يستخفوا بالصغار والضعفاء، بل يمدُّوا لهم كل ما في الإمكان لمساعدتهم، ولكي يُسَهِّلوا لهم عمل الله على قدر الاستطاعة.

ب. يليق بالبيت أن يكون عظيمًا جدًا، جليًلا وفخمًا، قويًا وبهيًا، وكل ما فيه يكون أفضل ما يوجد من نوعه. وهذا لسببٍ وجيهٍ وهو أنه مُعَدُّ لشرف الله العظيم، رب الأرض كلها وهو مثل وإشارة للسيد المسيح الذي فيه كل الملء وكل الكنوز مخزونة. فالناس في ذاك الوقت كان يجب أن يتعلموا خلال طرق محسوسة، مثل عظمة البيت التي تُحِيط العابدين بالرهبة المقدسة والخشوع لله، ويدعون الغرباء لكي يروه كأعجوبة العالم ومن خلاله يتعرَّفون على الله الحقيقي. ولذلك فهو مُصَمَّم لكي يكون ذا صيتٍ ومجدٍ بين كل البلاد، وقد سبق داود أن أخبر بهذا التأثير الحسن من عظمته في المزمور "من هيكلك فوق أورشليم لك تقدم ملوك هدايا" (مز 68: 29).

ج. قيل: "فهيأ داود كثيرًا قبل وفاته". هذا يدل على كبر سنه وعجزه المتزايد الذي أشار إلى قرب وفاته، فأثار فيه الحماس في أواخر أيامه ليجتهد كثيرًا في الإعداد للبناء. فكل ما تمتد إليه أيدينا من العمل لأجل الله ولأجل أنفسنا ولأجل جيلنا يجب أن نعمله بكل قوتنا قبل وفاتنا، لأنه بعد الوفاة ليس هناك وسيلة ولا فرصة للعمل، "لأنه ليس في الموت ذكرك. في الهاوية من يحمدك" (مز 6: 5).

الأعداد 6-10

3. التَمَتُّع بالوعد الإلهي

وَدَعَا سُلَيْمَانَ ابْنَهُ،.

وَأَوْصَاهُ أَنْ يَبْنِيَ بَيْتًا لِلرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ. [6].

في (2 صم 24) بعد الحديث عن الوباء، قيل إن داود شاخ ومات. وهنا في أخبار الأيام بعد هذه القصة بدا كأن قصة داود وارتباطه بالهيكل المُزمع بناؤه في عهد ابنه، قد شغلت بقية السفر.

بالرغم من أن سليمان كان صغيرًا وغضًا، إلاَّ أنه كان قادرًا على استلام تعليمات أبيه الخاصة بالعمل الذي كان مُكلَّفًا به. عندما جاء داود إلى العرش كان أمامه أعمال كثيرة، ولكن سليمان أمامه شيء واحد وهو أن "يبني بيتًا للرب إله إسرائيل" [6].

وَقَالَ دَاوُدُ لِسُلَيْمَانَ:

"يَا ابْنِي، قَدْ كَانَ فِي قَلْبِي أَنْ أَبْنِيَ بَيْتًا لاِسْمِ الرَّبِّ إِلَهِي. [7].

بسرور قبِلَ داود من الله كلمة: "لا"، وإذ أخبره أن ابنه سيقوم بالعمل بذل كل جهده وكل إمكانياته بفرح ليُعِدَّ لابنه ما أمكن لتحقيق هذا العمل.

فَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ:

قَدْ سَفَكْتَ دَماً كَثِيراً، وَعَمِلْتَ حُرُوبًا عَظِيمَةً،.

فَلاَ تَبْنِي بَيْتاً لاِسْمِي،.

لأَنَّكَ سَفَكْتَ دِمَاءً كَثِيرَةً عَلَى الأَرْضِ أَمَامِي. [8].

داود يخبره لماذا لم يَقُمْ هو نفسه بالعمل، فقد كان في قلبه أن يعمله [7]، ولكن الله منعه، لأنه سفك دمًا كثيرًا [8]، وهذا هو الدم الذي سفكه في حروبه، فقد كان رجل حرب منذ حداثته، وقد سفَك هذا الدم بعدلٍ وشرفٍ في خدمة إله إسرائيل، ولكن هذا جعله غير لائق لهذه الخدمة، أو بالحري أقل لياقة من آخر لم يُدْعَ لعمل دموي.

بالرغم من أن داود خاض هذه الحروب دون إرادته ولم يكن المعتدي، فإن الله اعتبره رجل دماء، فالله ضد الحروب ويُرِيد السلام وابنه يسوع المسيح هو ملك السلام الذي يأتي بالسلام إلى الأرض. الله لم يسمحْ لداود ببناء الهيكل لأنه رجل حرب، والله أعطى هذا السبب لتنحية داود عن هذا العمل، مُظهِرًا كم ثمينة هي حياة البشر لديه، وأنه يريد مثًلا له أن: الذي سيبني هيكل الإنجيل ليس بإفناء حياة البشر بل بخلاصهم (لو 9: 56).

كان العمل المطلوب من داود أن يحارب الحروب اللازمة لتثبيت المملكة، كما أن العمل الذي دعا الرب سليمان إليه هو بناء الهيكل.

الحرب حتى وإن كان لها ما يُبَرِّرها أحيانًا وتكون ضرورية، إلا أنها لا تليق بعبادة الله المقدسة. لقد طلب الرسول أن يُقَدِّمَ المؤمنون الصلاة بأيادٍ مقدسة بلا غضبٍ (1 تي 2: 8).

الدم في الكتاب المقدس أمر مقدس، من يسفكه بغضب كما في الحرب، يحسب أنه أمر غير أخلاقي، فهو غير لائق بعبادة الله الطاهرة، لهذا تمنع قوانين الكنيسة أن يستخدم الكاهن الضرب.

لماذا لم يُسمَحْ لداود ببناء الهيكل؟

  • لأنه كان رجل الدم – ليست الإشارة هنا – كما يظن البعض - إلى حروبه، وإنما إلى جريمة [قتل أوريّا] "– لم يُسمَحْ له ببناء هيكل الرب[295].

القديس جيروم.

لوحدة الكنيسة أولويتها، فما اشتهاه موسى أن يَعْبُرَ بالشعب إلى أرض الموعد، حقَّقه الله له على يديّ تلميذه يشوع، وقد سُرَّ الأول أن يُسَلِّم القيادة في يديّ تلميذه. وما اشتهاه داود حققه له الرب على يديّ ابنه سليمان الخ.

  • غرس بنشاطٍ في كرم بيت الله، وبلغ الزمن ليستريح فيه العامل المُرهَق من تعبه.

ولما علم الماهر في المعرفة بأن أجَلَه قد حلَّ، أراد أن يُظهِرَ حبه للرب بوضوح.

رأى أن الموت أتى ليحلّ هيكل جسده، فأراد أن يبني هيكلاً مُقدَّسًا للرب إلهه.

رأى النبي أن نسيج جسده كاد أن يتهرأ، فأراد أن يبني قدس الأقداس لضابط أقاصي الأرض.

ولما أظهر فكرة تشييد هيكل، تكلم ربُّه معه بالروح، قائلاً:

"يا ابن يسى، لا تبنِ لي هيكلاً من الحجارة، لأن قلب الأبرار وحده يقدر أن يسعني لأُكرَّم فيه (2 صم 7: 5؛ إش 66: 1؛ أع 7: 46 - 50).

لا تسعني السماء والأرض بحدودهما، لأن قلب الأبرار فقط وليس آخر يمكن أن يحويني.

أنا أُكرَّم وأُقدَّس في النفس الطاهرة، ولا يقدر أن يسعني بناء بأيادي الناس.

السماء التي هي عرشي لا تسعني في حضنها، والأرض وحدها هي موطئ قدميّ (1 أي 28: 2؛ مز 99: 5).

قستُ سماء العلى بشبري مثل عارف الكل، وكِلت بحفنتي تراب الأرض مثل الكلي السلطان (إش 40: 12).

أنت لا تشيِّد لي هيكلاً لمجدي حيث أُكرَّم، لأن أصابعك سفكتْ دم الناس كثيرًا (1 أي 22: 8؛ 28: 3).

ابنك يبني لي بيتًا لأسكن فيه وأتقدَّس فيه، ولو حسن لدي أكون معه كما كنتُ أيضًا معك (2 صم 7: 12 - 13؛ 1 مل 5: 19؛ 1 مل 6) "[296].

القديس مار يعقوب السروجي.

هُوَذَا يُولَدُ لَكَ ابْنٌ يَكُونُ صَاحِبَ رَاحَةٍ،.

وَأُرِيحُهُ مِنْ جَمِيعِ أَعْدَائِهِ حَوَالَيْهِ،.

لأَنَّ اسْمَهُ يَكُونُ سُلَيْمَانَ.

فَأَجْعَلُ سَلاَمًا وَسَكِينَةً فِي إِسْرَائِيلَ فِي أَيَّامِهِ. [9].

لأنه سيكون صاحب راحة وأريحه ليعمله، ولذلك فإنه لا يُوَجِّه وقته أو ماله أو فكره بعيدًا عن هذا العمل، وسيكون له راحة من أعدائه حواليه، أيّ لا يجرؤ أحد منهم أن يُهَدِّدَه أو يستفزه أو يغزوه. وسيكون له سلام وسكينة في إسرائيل، ولذلك يستطيع أن يبني البيت. نلاحظ أنه حينما يعطي الرب راحة يتوقَّع عمًلا.

ارتبط الهيكل بسليمان، لأن اسمه ذاته يوحي بالسلام؛ اسمه مشتق من "سلام"، إذ لم يكن رجل حرب كأبيه.

قال الله إن سليمان سيكون رجل سلام وراحة، لأنه سيُعطِي إسرائيل سلامًا في زمانه، ولكننا نعلم أن السلام لم يكن مستديمًا، ولكن هناك من وقف أمام شعب إسرائيل عندما رفضه قادة الدين، وقال: "تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم (مت 11: 28). ففعل ما لم يتمكَّن سليمان فعله، وهو حفيد أحفاد داود، وهو الذي يستطيع أن يُنعم بالسلام والراحة والهدوء للنفس البشرية.

لا يريد الله أن يحرم داود من نوال شهوة قلبه، بناء بيت الرب، لكنه وهبها له في ابنه سليمان. فمن جانب يُسَرُّ الأب حين يشعر ما لم يُوهَب له شخصيًا قُدِّم لابنه. نجاح الابن هو سرّ سعادة وبهجة لأبيه. من جانب آخر مع سمو حياة داود حتى شهد له الرب أنه حسب قلبه الإلهي، غير أن بيت الرب مصدر السلام له يُبنَى بأيدي سافكة للدماء، حتى وإن كانت ليست ظلمًا. بيت الرب يُشِير إلى برِّ المسيح واهب السلام.

هُوَ يَبْنِي بَيْتًا لاِسْمِي،.

وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْناً، وَأَنَا لَهُ أَبًا،.

وَأُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مُلْكِهِ عَلَى إِسْرَائِيلَ إِلَى الأَبَدِ. [10].

اختصه الله بهذا العمل، ودعاه بأن يكون الرجل الذي يقوم به: هوذا يولد لك ابن، ويُدعَى سليمان، وهو يبني بيتًا لاسمي [9 - 10]). وليس هناك قوة تدفعنا لخدمة الله أكبر من أن نعلم أننا مُعَيَّنين لها من قِبَل الله.

وعد الله أنه يُثَبِّت مملكته. دع ذلك يُشَجِّعه، ودعه يبني بيت الله، والله سيبني عرشه. دع نعمة مواعيد الله أن تكون حافزًا لنا لخدمته.

"وأثبِّت كُرسي مُلكه على إسرائيل إلى الأبد"، فكما رأينا فإن الرب يسوع المسيح هو الذي وفَّى هذا الوعد نهائيًا.

الأعداد 11-19

4. نصائح لسليمان ورؤساء الشعب

الآنَ يَا ابْنِي لِيَكُنِ الرَّبُّ مَعَكَ.

فَتُفْلِحَ وَتَبْنِيَ بَيْتَ الرَّبِّ إِلَهِكَ كَمَا تَكَلَّمَ عَنْكَ. [11].

إِنَّمَا يُعْطِيكَ الرَّبُّ فِطْنَةً وَفَهْمًا.

وَيُوصِيكَ بِإِسْرَائِيلَ لِحِفْظِ شَرِيعَةِ الرَّبِّ إِلَهِكَ. [12].

طلب داود من الرب أن يكون مع سليمان، ويهبه الحكمة والفهم، كما حثَّ سليمان أن يكون مُطِيعًا لناموس الرب.

طلب داود لابنه سليمان "إنما يعطيك الرب فطنة وفهمًا" [12]. لكن مع ما ناله سليمان من حكمة أغوته النساء الوثنيات فانحرف، بهذا أعلن الرب عن حاجتنا إلى حكمة الله نفسه، ربنا يسوع يَحِلُّ فينا ويُقِيم منَّا مسكنًا مُقَدَّسًا له.

يُصَلِّي داود له: "يعطيك الرب فطنة وفهمًا ويوصيك بإسرائيل"، فمهما وُكِّلَ إلينا من عمل إذا رأينا أن الله أوكل إلينا ودعانا له، فلنا رجاء أن يُعطِينا الحكمة لتنفيذه، وربما كانت عيني سليمان على صلاة أبيه هذه لما قَدَّم الصلاة عن نفسه: "يا رب أعطني قلبًا ذا فهم وحكمة" ويختم داود: "قم واعمل وليكن الرب معك"، فالرجاء في وجود الرب لا يجب أن يتسبَّب في توانينا، فإن كان الرب معنا فيجب أن نقوم ونعمل وبذلك يكون لنا الثقة أنه سيكون معنا، فيجب أن نُتَمِّم خلاصنا والله سيعمل فينا وبنا.

وداود أخبر سليمان أنه لا يجب أن يبخل في بناء هذا الهيكل، فهو لا يحتاج أن ينجز العمل بأسرع الطرق أو أسهلها أو أرخصها، لأنه سوف لا يكون عجز في المواد، وداود قال إنه في أيام تعبه ومذلته، الأيام التي كان يحاول بناء المملكة بالشعب، فإنه هيَّأ العمل لجمع المواد لهيكل الله، والله نظر إلى ذلك وما في قلب داود، ولذلك دعاه رجلاً حسب قلب الله نفسه، فالله يشدد على القيم الروحية فوق كل شيء.

حِينَئِذٍ تُفْلِحُ إِذَا تَحَفَّظْتَ لِعَمَلِ الْفَرَائِضِ وَالأَحْكَامِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا الرَّبُّ مُوسَى لأَجْلِ إِسْرَائِيلَ.

تَشَدَّدْ وَتَشَجَّعْ.

لاَ تَخَفْ وَلاَ تَرْتَعِبْ. [13].

كما قال الرب ليشوع (يش 1: 7)، وهذه الوصية البسيطة هي لكل إنسانٍ، فنجاح الإنسان اليوم في كل أعماله يتوقَّف على حفظه وصايا الرب.

أوصاه أن يحفظ وصايا الرب ويلاحظ واجبه في كل شيءٍ، فيجب عليه ألاَّ يفتكر أنه ببناء الهيكل يشتري ترخيصًا للخطية، بل بالعكس فإن مثل هذا الفكر غير مقبول ولا يُقبَلْ إذا هو لم يحتفظ لعمل الفرائض والأحكام التي أمر بها الرب موسى، فهو سيكون ملكًا على إسرائيل، ولكن يجب أن يتذكَّر دائمًا أنه أحد رعايا إله إسرائيل.

حضَّ داود ابنه على إتباع طرق الله ووصاياه، ربما لأنه اكتشف فيه ضعفًا، وكذلك بثشبع ربما اكتشفت بعض ضعفات سليمان، ومنها ضعفه تجاه النساء، ونحن هنا نقرأ نصائح داود، أما من يرغب قراءة نصائح أُم سليمان فليرجع إلى الأصحاح الأخير من سفر الأمثال.

وهو يُشَجِّعه أن يعمل هذا العمل العظيم ويُقْبِلَ عليه "تشدد وتشجع"، فبالرغم من أنه عمل مُتَّسع، فلا يجب أن يقع تحت تعبير البنَّاء الأحمق، الذي ابتدأ ولم يستطع أن يكمل إنه عمل الله وسوف يتم "لا تخف ولا ترتعب". في عملنا الروحي كما في حربنا الروحية نحتاج إلى الشجاعة والتصميم.

هَئَنَذَا فِي مَذَلَّتِي هَيَّأْتُ لِبَيْتِ الرَّبِّ ذَهَبًا مِئَةَ أَلْفِ وَزْنَةٍ،.

وَفِضَّةً مِلْيُونَ وَزْنَةٍ،.

وَنُحَاسُا وَحَدِيدًا بِلاَ وَزْنٍ لأَنَّهُ كَثِيرٌ.

وَقَدْ هَيَّأْتُ خَشَبًا وَحِجَارَةً فَتَزِيدُ عَلَيْهَا. [14].

يشير قوله: "في مذلتي" إلى المشقَّات التي احتملها في أول ملكه في حروبه، أو التي احتملها في آخر ملكه في زمان فتنة أبشالوم، أو إلى ضعفه الجسدي في زمان شيخوخته. وعلى رغم هذه الموانع هيَّأ كنوزًا وافرة لأجل الهيكل.

مع محاولة السفر تجاهل أخطاء داود ومتاعبه وآلامه لكي يبث روح الفرح في حياة القادمين من السبي ليختبروا عربون الحياة الأبدية، غير أنه في هذا النص الذي يبدو فريدًا في السفر، يؤكد جهاده بالنعمة الإلهية العاملة فيه.

سلَّمه حسابًا عن الإعدادت الشاسعة التي عملها لأجل هذا المبنى [14]، ليس بروح الكبرياء والمجد الباطل، ولكن كتشجيع لسليمان لينغمس في العمل مسرورًا حيث أن أساسًا ثابتًا قد أُعِدَّ له. الثروة هنا تُذكَر مئة ألف وزنة من الذهب ومليون وزنة من الفضة، وتدل على مجموع غير معقول حتى أن بعض الشرَّاح إما يعتقدون بخطأ في النقل أو يظنون أن الوزنة هي مجرد طبق أو قطعة. ذُكِرَ في عدد 16 من الأصحاح أن الذهب والفضة والنحاس والحديد ليس لها عدد، وداود يذكر هنا كل الأشياء التي قدَّسها (18: 11) لبيت الرب أيّ التي ليست للبناء فقط، بل وأيضًا للخزانة، وبجمعها معًا ربما تَقْرُب إلى ما هو مذكور هنا، فالمئات والألوف هي أعداد كثيرًا ما نذكرها إشارة إلى الكثرة ولا نعنيها حرفيًا.

نلاحظ هنا أن داود كان مُشَجِّعًا لابنه. وهو يَعْلَمُ أنه يحتاج التشجيع! لأنه تربَّى في بيت النساء ولم يكن شخصًا مناضًلا، فسليمان جنى الفائدة من حُكْمِ داود، فيمكن أن يُقَال حقًا عنه ما ذكره الرب يسوع "أناس تعبوا وآخرون دخلوا على تعبهم" (يو 4: 38)، فسليمان دخل على تعب آخر وهو داود أبوه.

يحثه أن لا يتراخى في الإعدادات التي هيَّأها هو، بل يزيد عليها، فهؤلاء الذين يدخلون على أتعاب الآخرين ويستخدمون فضائلهم يجب أيضًا أن يُدخِلوا بعض التحسينات.

وَعِنْدَكَ كَثِيرُونَ مِنْ عَامِلِي الشُّغْلِ:

نَحَّاتِينَ وَبَنَّائِينَ وَنَجَّارِينَ وَكُلُّ حَكِيمٍ فِي كُلِّ عَمَلٍ. [15].

الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالنُّحَاسُ وَالْحَدِيدُ لَيْسَ لَهَا عَدَدٌ.

قُمْ وَاعْمَلْ،.

وَلْيَكُنِ الرَّبُّ مَعَكَ ". [16].

أخبر داود ابنه سليمان عن المتاعب التي لاقاها لإعداد المواد والعاملون لبناء الهيكل، وقَدَّم له نصيحة: "قم واعمل وليكن الرب معك" [16].

كانت وصية داود لابنه ألا يفتح الباب ليتسلل روح الفشل أو الإحباط إليه. انه في حاجة دائمة أن يُدرِكَ معية الله له. فيقوم للعمل بنشاط بلا توقف. "قم واعمل وليكن الرب معك" [16].

وَأَمَرَ دَاوُدُ جَمِيعَ رُؤَسَاءِ إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسَاعِدُوا سُلَيْمَانَ ابْنَهُ: [17].

هنا يدعو داود قادة إسرائيل ليساعدوا سليمان في العمل العظيم الذي أمامه، فكل منهم يجب أن يمدَّ يدَّ المساعدة لتتميم العمل. فالجالسون على العرش لا يستطيعون تنفيذ العمل الصالح الذي يسعون إليه ما لم يتعاون معهم المحيطون بالعرش، لذلك أوصى داود القادة لينصحوا سليمان ويحثوه ويُسَهِّلوا العمل له على قدر استطاعتهم بتعزيزه كل من ناحيته.

مهما نال سليمان من فهم وفطنة وحكمة، وإمكانيات مادية، وقُدرَات ومواهب، يحتاج إلى الآخرين. لذلك "أمر داود جميع رؤساء إسرائيل أن يساعدوا سليمان ابنه"، مع تأكيد أن العامل هو الله نفسه: "أليس الرب إلهكم معكم؟!" [18].

لقد ركَّز سفرا الأخبار على العمل الجماعي بروح الشركة في الرب!

يوجد فرق شاسع بين الروح التي كان يفكر به داود في الأصحاح السابق بالمقارنة ببداية الأصحاح الحالي، فهناك كان يُحصِي الشعب بسبب كبرياء قلبه، وأما هنا فبتواضع قلبه يقوم بخدمة الله. هناك الفساد كان سائدًا ولكن هنا أخذت النعمة اليد العالية.

"أَلَيْسَ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ مَعَكُمْ،.

وَقَدْ أَرَاحَكُمْ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ،.

لأَنَّهُ دَفَعَ لِيَدِي سُكَّانَ الأَرْضِ،.

فَخَضَعَتِ الأَرْضُ أَمَامَ الرَّبِّ وَأَمَامَ شَعْبِهِ؟ [18].

دفع القادة إلى تَذَكُّر عمل الله معهم، شاكرين إياه على الأشياء العظيمة التي عملها لهم، فقد أعطاهم نصرة وراحة وأرضًا جيدة كميراث [18]. فكلما تَذَكَّرنا عمل الله معنا يزداد شكرنا له، فنجتهد أكثر لخدمته.

بالنظر إلى معاملاته معنا في الماضي، ندرك الآتي:

1. إنه لم يفارقنا، بل هو في رفقتا في رحلة حياتنا.

2. يعمل دومًا لراحتنا في كل جوانب حياتنا.

3. يشتاق أن نعيش أصحاب سلطان، نحيا بروح القوةٍ.

4. وهبنا أرض الميعاد لا في هذا العالم، بل في السماويات.

  • هكذا يكون البار كمن في مخدعه (أي في راحة) أينما وُجِدَ، وتُظهِر الخليقة كلها الخضوع له (تك 1: 26) [297].

العلامة أوريجينوس.

  • أخضعتَ للإنسان كل شيء تحت قدميه، حتى يمكنه أن يَتَكرَّس بكليته لك. لهذا لم تُقِمْ عليه سيدًا سواك، إنما أقمته هو سيدًا على خليقتك! [298].

القديس أغسطينوس.

فَالآنَ اجْعَلُوا قُلُوبَكُمْ وَأَنْفُسَكُمْ لِطَلَبِ الرَّبِّ إِلَهِكُمْ،.

وَقُومُوا وَابْنُوا مَقْدِسَ الرَّبِّ الإِلَهِ،.

لِيُؤْتَى بِتَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ وَبِآنِيَةِ قُدْسِ الله،.

إِلَى الْبَيْتِ الَّذِي يُبْنَى لاِسْمِ الرَّبِّ ". [19].

يدعونا الملك داود للمشاركة الفعلية لبناء هيكل الرب في قلوبنا:

1. اتَّسم داود بتشجيع الكل للعمل بقوةٍ في غير رخاوةٍ. ألحَّ عليهم بالواجبات التي يجب أن يغاروا لها في هذا الأمر، فسألهم أن يُكَرِّسوا قلوبهم ونفوسهم لطلب الرب والعمل. كأنه يقول لهم: "ضعوا سعادتكم في إرضائه، ووَجِّهوا عيونكم تجاه مجده، اطلبوه كمصدر ونهاية نفعكم الرئيسي، واعملوا كل هذا من قلوبكم وأنفسكم. اجعلوا البرَّ اختياركم وشاغلكم، وبذلك لن تتذمروا من الآلام أو النفقات لتعزيز بناء مَقْدِس الرب".

يا ليت القلب ينشغل بإخلاص لله، كذلك الجسد بكل أعضائه وطاقاته، والممتلكات والرغبات، فيستخدم المؤمن كل كيانه بسرورٍ لخدمة الله.

والآن لنسأل أنفسنا كمسيحيين وكنسيين إن كنا جادين في إتمام رسالتنا، أم نقف مُتفرِّجين لا نعمل شيئًا. يجب علينا أن نفطن ونوخز أنفسنا لنصحو، وننتصب ونحيا مُتحرِّكين نحو ربِّنا يسوع المسيح، ونقول له: "نود أن نعيش معك".

2. هذا ويليق أن يتعاون الكل معًا بروح الحب والوحدة، لذلك يُوَجِّه حديثه بصيغة الجمع: "اجعلوا، قوموا، ابنوا".

3. بناء قدس الأقداس يُشِير إلى إقامة عرش القدوس القدير في أعماقنا. هكذا يليق بنا ونحن نصلي المزمور 132 في صلاة النوم أن نذكر أننا ونحن نيام، نحسب قلوبنا وأفكارنا مقدسًا لله، فنتغنَّى مع المرتل: "لا أعطي لعينيّ نعاسًا، ولا لأجفاني نعاسًا حتى أجد مقامًا للرب، مسكنًا لعزيز (لقدير) يعقوب" (مز 132: 4).

4. حثَّ داود النبي قادة إسرائيل على التعاون مع سليمان. أوضح داود الملك أن بناء هيكل الرب يَتمُّ بالقلب أولاَ وبعد ذلك باليد: "فالآن اجعلوا قلوبكم وأنفسكم لطلب الرب إلهكم وقوموا وابنوا مقدس الرب الإله..." [19].

5. يدعونا داود النبي أن نحمل روح القيامة، فيقول: "قوموا"، فنعمل بواهب القيامة، واهب الغلبة حتى على الموت. يوصينا المُرَتِّل: "قوموا، وابنوا مقدس الرب الإله".

من وحي 1 أي 22.

ماذا أُقَدِّم للجيل الجديد؟

  • تهللت نفس داود عندما أدرك أن ابنه يعمل ما لا يستطيع هو أن يعمله.

كما تهلل قلب موسى الذي سَلَّمَ العمل لتلميذه يشوع.

ماذا قَدَّمَ الشيخان للجيل الجديد؟

إنك كما كنت معهما تكون مع يشوع وسليمان.

طلبا لهما منك روح الحكمة والفهم مع الشجاعة.

أعدَّا ما استطاعا تقديمه لكي ينجحا في رسالتهما.

هَبْ لي أن تتهلل نفسي بالجيل الجديد.

ما نعجز نحن عن عمله يقوم به أبناؤنا.

لسنا نطلب أن يكونوا مثلنا، بل أفضل منَّا.

  • كم تشتهي نفسي أن أحمل الجيل الجديد،.

وأُقَدِّمه لك ليكونوا أكثر منَّا قداسة وبرًّا وحكمة؟

نشتهي أن يبنوا بيتك المُقَدَّس في قلوب الكثيرين بروحك القدوس.

أثق في نعمتك بانطلاقنا إليك،.

لن نكف عن الصلاة من أجلهم.

نرى خطَّتك تتحقق في حياتهم،.

فنُقَدِّم لك ذبيحة الشكر والتسبيح.

  • هَبْ لهم حياة مملوءة سلامًا وفرحًا،.

لا ليستريحوا فيتهاونوا في عملك،.

بل بك يستريحون، فيزدادون نشاطًا وغيرةً.

فلا يستكينوا في قبور الكسل والتراخي.

يل يعملون لحساب ملكوتك بكل قلوبهم،.

ونفوسهم كما بكل طاقاتهم الروحية والجسدية.

لتُعْلِنْ مجدك وبهاءك وقداستك فيهم،.

ليُمجِّدوا اسمك كل أيام حياتهم!


[294] Céline Mangan: 1 - 2 Chronicles, Ezra, Nehemiah, Delware 1982, p. 56.

[295] Against Jovinianus, 1: 24.

[296] ميمر 11 على الزانيتين (راجع الأب بول بيجان، ترجمة دكتور سوني بهنام).Stephen A. Kaufman: Jacob of Sarug's Homily on the Judgment of Solomon, Gorgias, 2008.

[297] In Josh. Homily 4: 1.

[298] مناجاة 19، 20.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

اَلأَصْحَاحُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ - سفر أخبار الأيام الأول - القمص تادرس يعقوب ملطي

اَلأَصْحَاحُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ - سفر أخبار الأيام الأول - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفاسير أخبار الأيام الأول الأصحاح 22
تفاسير أخبار الأيام الأول الأصحاح 22