أعياد الأقباط عند المقريزي – الأستاذ بيشوي فخري


أعياد الأقباط عند المقريزي

اسم "النصارى" الأقباط:

سموا نصارى، لأنهم ينتسبون إلى قرية الناصرة من جبل الجليل، بالجيم، ويعرف هذا الجبل بجبل كنعان، وهو الآن في زمننا من جملة معاملة صفد، والأصل في تسميتهم نصارى: أنّ عيسى ابن مريم عليه السلام لما ولدته أمّه مريم ابنة عمران ببيت لحم خارج مدينة بيت المقدس، ثم سارت به إلى أرض مصر وسكنتها زمانا، ثم عادت به إلى أرض بني إسرائيل قومها، نزلت قرية الناصرة، فنشأ عيسى بها وقيل له يسوع الناصريّ، فلما بعثه الله تعالى رسولا إلى بني إسرائيل، وكان من شأنه ما ستراه، إلى أن رفعه الله إليه، تفرّق الحواريون، وهم الذين آمنوا به، في أقطار الأرض يدعون الناس إلى دينه، فنسبوا إلى ما نسب إليه نبيهم عيسى ابن مريم، وقيل لهم الناصرية، ثم تلاعب العرب بهذه الكلمة وقالوا نصارى.

قال ابن سيده: ونصرى وناصرة ونصورية: قرية بالشام، والنصارى منسوبون إليها، هذا قول أهل اللغة، وهو ضعيف. إلّا أن نادر النسب يسيغه، وأما سيبويه فقال: أما النصارى فذهب الخليل إلى أنه جمع نصري ونصران، كما قالوا ندمان وندامى ولكنهم حذفوا إحدى اليائين كما حذفوا من أثقية وأبدلوا مكانها ألفا. قال: وأما الذي نوجهه نحن عليه فإنه جاء على نصران، لأنه قد تكلم به، فكأنك جمعت وقلت نصارى كما قلت ندامى، فهذا أقيس، والأوّل مذهب، وإنما كان أقيس لأنا لم نسمعهم قالوا نصرى، والتنصر الدخول في دين النصرانية، ونصره جعله كذلك، والأنصر الأقلف، وهو من ذلك، لأنّ النصارى قلف، وفي شرح الإنجيل أن معنى قرية ناصرة الجديدة، والنصرانية التجدّد، والنصرانيّ المجدّد، وقيل نسبوا إلى نصران، وهو من أبنية المبالغة، ومعناه أن هذا الدين في غير عصابة صاحبه، فهو دين من ينصره من أتباعه. وإذا تقرّر هذا فاعلم «أنّ المسيح روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم».

(عيسى) وأصل اسمه بالعبرانية التي هي لغة أمّه وآبائها إنما هو ياشوع، وسمته النصارى يسوع، وسماه الله تعالى وهو أصدق القائلين عيسى، ومعنى يسوع في اللغة السريانية المخلّص، قاله في شرح الإنجيل، ونعته بالمسيح، وهو الصدّيق، وقيل لأنه كان لا يمسح بيده صاحب عاهة إلّا برأ، وقيل لأنه كان يمسح رؤوس اليتامى.

من عادتهم وطقوسهم:

تنصير أولادهم: وعندهم لا بدّ من تنصير أولادهم، وذلك أنهم يغمسون المولود في ماء قد أغلي بالرياحين وألوان الطيب في إجانة جديدة، ويقرءون عليه من كتابهم، فيزعمون أنه حينئذ ينزل عليه روح القدس، ويسمون هذا الفعل المعمودية.

طهارتهم: طهارتهم إنما هي غسل الوجه واليدين فقط.

ختانهم: ولا يختتن منهم إلّا اليعقوبية.

صلواتهم وعبادتهم: ولهم سبع صلوات يستقبلون فيها المشرق. ويحجون إلى بيت المقدس، وزكاتهم العشر من أموالهم، وصيامهم خمسون يوما، فالثاني والأربعون منه عيد الشعانين، وهو اليوم الذي نزل فيه المسيح من الجبل ودخل بيت المقدس، وبعده بأربعة أيام عيد الفصح، وهو اليوم الذي خرج فيه موسى وقومه من مصر، وبعده بثلاثة أيام عيد القيامة، وهو اليوم الذي خرج فيه المسيح من القبر بزعمهم، وبعده بثمانية أيام عيد الجديد، وهو اليوم الذي ظهر فيه المسيح لتلامذته بعد خروجه من القبر، وبعده بثمانية وثلاثين يوما عيد السلاق، وهو اليوم الذي صعد فيه المسيح إلى السماء.

قوانينهم الأجتماعية والاخلاقية: والسكر عندهم حرام، ولا يحلّ لهم أكل اللحم ولا الجماع في الصوم، وكل ما يباع في السوق ولم تعفه أنفسهم يباح أكله، ولا يصحّ النكاح إلّا بحضور شماس وقس وعدول ومهر، ويحرّمون من النساء ما يحرّمه المسلمون، ولا يحلّ الجمع بين امرأتين، ولا التسرّي بالإماء إلّا أن يعتقن ويتزوّج بهنّ، وإذا خدم العبد سبع سنين عتق، ولا يحل طلاق المرأة إلّا أن تأتي بفاحشة مبينة فتطلق، ولا تحل للزوج أبدا، وحدّ المحصن إذا زنى الرجم، فإن زنى غير محصن وحملت منه المرأة تزوّج بها، ومن قتل عمدا قتل، ومن قتل خطأ يهرّب ولا يحل طلبه.

يذكر المقريزي أن للأقباط أربعة عشر عيدًا، يسمون منهم سبعة أعياد كبار وهم: (عيد البشارة - عيد الزيتونة - عيد الفصح - عيد الخمسين - عيد الميلاد - عيد الغطاس).

أما الأعياد الصغار: (عيد الختان - عيد الأربعين - خميس العهد - سبت النور - أحد الحدود - التجلي - عيد الصليب).

وإن كان العدد معمول به إلى الآن، إلا أن الأعياد ليست هى نفس الأعياد المستقرة عند الأقباط.

ويشير المقريزي إلى أعياد أخرى يطلق عليها (المواسم العادية).

ويضع المقريزي بضع معلومات عن كل عيد منها:

عيد البشارة: وهذا العيد تعمله نصار مصر، في اليوم التاسع والعشرين من شهر برمهات.

عيد الزيتونة: ومعناه التسبيح، ويكون في سابع أحد من صومهم. وهو موسم كبير بمصر تزين فيه كنائسهم، وكان من عادة نصار إخميم في يوم الزيتونة أن يخرج القسيس والشمامسة بالمجامر والمباخر والصلبان والأناجيلل والشموع، ويقفون عل باب القاضي، فيبخرون ويقرءون فصلاً من الإنجيل، ويمدحونه.

ويذكر المقريزي أنه في سنة 988م منع الحاكم بأمر الله تزيين الكنائس وقبض على عدد من الأقباط وأحرق عدة من صلبانهم عل باب الجامع العتيق.

عيد الفصح: في يوم 19 برمهات الموافق 15 نيسان للعبرانيين، وفي عشية يوم الأحد هذا، دخل المسيح على تلاميذه، وسلّم عليهم، وأكل معهم، وكلمهم وأوصاهم، وأمرهم بأمور قد تضمنها إنجيلهم، وهذا العيد عندهم بعد عيد الصلبوت بثلاثة أيام.

خميس الأربعين: ويعرف عند أهل الشام بالمسلاق، ويقال له أيضا: عيد الصعود، وهو الثاني والأربعون من الفطر، ويزعمون أنّ المسيح عليه السلام بعد أربعين يوما من قيامته خرج إلى بيت عينا، والتلاميذ معه، فرفع يديه وبارك عليهم، وصعد إلى السماء، وذلك عند إكماله ثلاثا وثلاثين سنة وثلاثة أشهر، فرجع التلامذة إلى أوراسليم يعني بيت المقدس، وقد وعدهم باشتهار أمرهم، وغير ذلك مما هو معروف عندهم، فهذا اعتقادهم في كيفية رفع المسيح، ومن أصدق من الله حديثا.

عيد الخميس: وهو العنصرة، ويعملونه بعد خمسين يوما من يوم القيام، وزعموا أن بعد عشرة أيام من الصعود وخمسين يوما من قيامة المسيح، اجتمع التلاميذ في علية صهيون، فتجلى لهم روح القدس في شبه ألسنة من نار، فامتلأوا من روح القدس، وتكلموا بجميع الألسن، وظهرت على أيديهم آيات كثيرة، فعاداهم اليهود، وحبسوهم فنجاهم الله منهم، وخرجوا من السجن، فساروا في الأرض متفرّقين يدعون الناس إلى دين المسيح.

عيد الميلاد: يزعمون أنه اليوم الذي ولد فيه المسيح، وهو يوم الاثنين فيحيون عشية ليلة الميلاد، وسنتهم فيه كثرة الوقود بالكنائس، وتزيينها، ويعملونه بمصر في التاسع والعشرين من كيهك، ولم يزل بديار مصر من المواسم المشهورة، فكان يفرّق فيه أيام الدولة الفاطمية على أرباب الرسوم من الأستاذين المحنكين، والأمراء المطوّقين، وسائر الموالي من الكتاب وغيرهم.

الغطاس: ويعمل بمصر في اليوم الحادي عشر من شهر طوبه، وأصله عند النصارى، أنّ يحيى بن زكرياء عليهما السلام المعروف عندهم بيوحنا المعمدانيّ: عمّد المسيح أي غسله في بحيرة الأردن، وعندما خرج المسيح عليه السلام من الماء، اتصل به روح القدس، فصار النصارى لذلك يغمسون أولادهم في الماء في هذا اليوم، وينزلون فيه بأجمعهم، ولا يكون ذلك إلا في شدّة البرد، ويسمونه يوم الغطاس، وكان له بمصر موسم عظيم إلى الغاية. وقال: في سنة إحدى وأربعمائة، وفي ثامن عشري جمادى الأولى، وهو عاشر طوبه منع النصارى من الغطاس، فلم يغطس أحد منهم في البحر، وقال: في حوادث سنة خمس عشرة وأربعمائة، وفي ليلة الأربعاء رابع ذي القعدة، كان غطاس النصارى، فجرى الرسم من الناس في شراء الفواكه والضأن وغيره، ونزل أمير المؤمنين الظاهر لإعزاز دين الله لقصر جدّه العزيز بالله في مصر، لنظر الغطاس، ومعه الحرم، ونودي أن لا يختلط المسلمون مع النصارى عند نزولهم في البحر في النيل، وضرب بدر الدولة الخادم الأسود متولي الشرطتين، خيمة عند الجسر، وجلس فيها وأمر أمير المؤمنين بأن توقد النار والمشاعل في الليل، وكان وقيدا كثيرا، وحضر الرهبان والقسوس بالصلبان والنيران، فقسسوا هناك طويلا إلى أن غطسوا، وقال ابن المأمون في تاريخه: من حوادث سنة سبع عشرة وخمسمائة، وذكر الغطاس، ففرّق أهل الدولة ما جرت به العادة لأهل الرسوم من الأترج والنارنج والليمون في المراكب، وأطنان القصب والبوري بحسب الرسوم المقرّرة بالديوان لكل واحد.

عيد الختان: يعمل في سادس شهر بؤونة، ويزعمون أنّ المسيح ختن في هذا اليوم، وهو الثامن من الميلاد، والقبط من دون النصارى تختن بخلاف غيرهم.

خميس العهد: ويعمل قبل الفصح بثلاثة أيام، وسنتهم فيه أن يملئوا إناء من ماء، ويزمزمون عليه، ثم يغسل للتبرّك به أرجل سائر النصارى، ويزعمون أنّ المسيح فعل هذا بتلامذته في مثل هذا اليوم كي يعلمهم التواضع، ثم أخذ عليهم العهد أن لا يتفرّقوا. يقولون: خميس العدس من أجل أنّ النصارى تطبخ فيه العدس المصفى، ويقول أهل الشام: خميس الأرز وخميس البيض، ويقول أهل الأندلس: خميس أبريل، وأبريل اسم شهر من شهورهم، وكان في الدولة الفاطمية تضرب في خميس العدس هذا خمسمائة دينار، فتعمل خراريب تفرّق في أهل الدولة برسوم مفردة كما ذكر في أخبار القصر من القاهرة عند ذكر دار الضرب من هذا الكتاب، وأدركنا خميس العدس هذا في القاهرة ومصر، وأعمالها من جملة المواسم العظيمة، فيباع في أسواق القاهرة من البيض المصبوغ عدّة ألوان ما يتجاوز حدّ الكثرة، فيقامر به العبيد والصبيان والغوغاء، وينتدب لذلك من جهة المحتسب من يردعهم في بعض الأحيان، ويهادي النصارى بعضهم بعضا، ويهدون إلى المسلمين أنواع السمك المنوّع مع العدس المصفى، والبيض، وقد بطل ذلك لما حلّ بالناس وبقيت منه بقية.

سبت النور: ويزعمون: أنّ النور يظهر على قبر المسيح بزعمهم في هذا اليوم بكنيسة القيامة من القدس، فتشعل مصابيح الكنيسة كلها، وقد وقف أهل الفصح، والتفتيش على أنّ هذا من جملة مخاريق النصارى، لصناعة يعملونها، وكان بمصر هذا اليوم من جملة المواسم، ويكون ثالث يوم من خميس العدس.

حدّ الحدود: وهو بعد الفصح بثمانية أيام فيعمل أوّل أحد بعد الفطر لأن الآحاد قبله مشغولة بالصوم، وفيه يجدّون الآلات والأثاث واللباس، ويأخذون في المعاملات، والأمور الدنيوية والمعاش.

عيد التجلي: يعمل في ثالث عشر شهر مسرى، يزعمون أن المسيح تجلى لتلاميذه بعد ما رفع، وتمنوا عليه أن يحضر لهم إيلياء، وموسى عليهما السلام، فأحضرهما إليهم بمصلى بيت المقدس، ثم صعد إلى السماء وتركهم.

عيد الصليب: ويعمل في اليوم السابع عشر من شهر توت، وهو من الأعياد المحدثة، وسببه ظهور الصليب بزعمهم على يد هيلانة أم قسطنطين، وله خبر طويل عندهم.

النيروز: هو أوّل السنة القبطية بمصر، وهو أوّل يوم من توت، وسنتهم فيه إشعال النيران، والتراش بالماء، وكان من مواسم لهم المصريين قديما وحديثا. قال ابن وهب: بردت النار في الليلة التي ألقي فيها إبراهيم، وفي صبيحتها على الأرض كلها، فلم ينتفع بها أحد في الدنيا تلك الليلة، وذلك الصباح، فمن أجل ذلك بات الناس على النار في تلك الليلة التي رمي فيها إبراهيم عليه السلام، ووثبوا عليها، وتبخروا بها، وسموا تلك الليلة: نيروزا، والنيروز في اللسان السرياني: العيد. وسئل ابن عباس عن النيروز لم اتخذوه عيدا، فقال: إنه أوّل السنة المستأنفة وآخر السنة المنقطعة، فكانوا يستحبون أن يقدموا فيه على ملوكهم بالطرف، والهدايا، فاتخذته الأعاجم سنّة.