الأصحاح الثاني – تفسير رسالة بطرس الرسول الأولى – القمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الثاني

العدد 1

آية (1): -

"1فَاطْرَحُوا كُلَّ خُبْثٍ وَكُلَّ مَكْرٍ وَالرِّيَاءَ وَالْحَسَدَ وَكُلَّ مَذَمَّةٍ،".

فَاطْرَحُوا = حرف الفاء يدل على إرتباط هذه الأيات القادمة بما سبق، فالآيات السابقة حدثتنا عن الولادة الجديدة. وهنا يقول الرسول إطرحوا أى إلقوا جانبا كل خبث... لأن هذه لا تتفق مع الولادة الجديدة وكمولودين يلزمهم النمو وذلك يكون بالغذاء (وهذا موضوع آية 2). لكن نفهم أن النمو يحتاج.

  1. ناحية سلبية وهى ترك الشر وطرحه.
  2. ناحية إيجابية وهى التغذية على كلمة الله.

كُلَّ خُبْثٍ = عدم إخلاص. مَكْرٍ = دهاء وإحتيال. رِّيَاءَ = كيهوذا ذا القبلة الغاشة. والرياء هو أن يُظهر الإنسان غير ما يُبطن. حَسَدَ = طلب الفشل للإخوة كما حسد الشيطان آدم وحسد اليهود المسيح فصلبوه. المَذَمَّةٍ = يهين الإنسان أخاه علنا ولكن أيضا ذم إنسان فى الغيبة هو شئ مكروه.

العدد 2

آية (2): -

"2 وَكَأَطْفَال مَوْلُودِينَ الآنَ، اشْتَهُوا اللَّبَنَ الْعَقْلِيَّ الْعَدِيمَ الْغِشِّ لِكَيْ تَنْمُوا بِهِ،".

وَكَأَطْفَال مَوْلُودِينَ = بالولادة الثانية. ونحن فى هذا العالم كأطفال ننمو وننضج ولكن سيكون كمال نضجنا فى العالم الآخر. فنحن نجد بولس الرسول قد إعتبر نفسه طفلا بالمقارنة مع الحياة العتيدة حين ينضج فى الأبدية (1كو 11: 13).

وهذا يدفعنا للتواضع فمهما بلغت معارفنا فما نحن سوى أطفال، وعلينا أن لا نندهش إذا واجهتنا أسرار غامضة أو أحكام غير مفهومة لله، ولنكن مثل أطفال نعتمد على الله أبينا ونثق فيه، وهو يحبنا أكثر من أبوينا الجسديين، فهل يضع الله صفات فى أبائنا الجسديين مثل المحبة والعناية، وتكون هذه الصفات غير موجودة فيه. والطفل ينمو بالطعام الجسدى. أما المولود ثانية من الله فنموه ليس فى الجسد بل فى معرفة الله. ومعرفة الله حياة ابدية (يو 17: 3). والطريق لذلك هو كلمة الله المكتوبة فى الكتاب المقدس. ودراستها تضعنا امام صورة واضحة لكلمة الله ابن الله فنعرفه. وكلما ازددنا فى هذه الدراسة نزداد معرفة أي ثبات فى الحياة الابدية، وهذه تبدأ هنا على الارض، وعلامتها الفرح والسلام القلبى. وسر الفرح الداخلى هو سكنى الله وراحة الله في هذا القلب. فالله يرتاح فيمن يعرفه، لذلك يرتل داود فى (مز18: 10) ويقول "ركب على كروب وطار" ونرى فى (حز 1) المركبة الكاروبيمية حاملة عرش الله. وعرش الله ليس شيئا محدودا بل فى هذا اشارة لراحة الله لان الله يجد راحته فيمن يعرفه، والجلوس إشارة للراحة. ومن يرتاح الله عنده يأخذه الله لأعلى درجة فى السماويات. وهذا معنى طار التى قالها المرتل فى المزمور. أما لتصوير أن الكاروبيم يعرفون الله قيل أن الكاروب له ستة أعين. ونحن نعرف الله عن طريق الكتاب المقدس. ولذلك أعطت الكنيسة للأربعة أناجيل أشكال أوجه الكاروبيم الأربعة (راجع مقدمة الاناجيل).

اشْتَهُوا = من أخطر الأمراض التى تواجه الأطفال عدم الشهية أو فقدانها، وهذا دليل على وجود مرض داخلى، والعلاج = إطرحوا كل خبث.... آية 1 أى إطرحوا الشر اللاصق بكم فهو الذى يعطل الشهية لكلمة الله. ومما يزيد الشهية درس الكتاب المقدس وتذكر البركات الماضية، فنحن نشتهى الطعام ليس فقط لأننا جائعين بل إذ نتذكر الطعم الشهى الذى للطعام. ومن بدأ يتذوق الشبع بالكتاب كلمة الحياة يشتهى أن لايفارق الكتاب.

اللَّبَنَ الْعَقْلِيَّ = كلمة عقلى مشتقة من لوغوس أى الكلمة "لوجيكون".

فكلمة الله شبهت فى الإصحاح السابق بالزرع وهنا تشبه باللبن (عب12: 5) هى اللبن الذى يهبه الرب يسوع كلمة الله فى الكتاب المقدس لكنيسته. فكلمة الله غذاء محيى للنفوس (مت4: 4). ونضيف لكلمة الله تعاليم الآباء وصلوات الكنيسة التى أعطاها الروح القدس لهم. وكلمة الله المكتوبة بها نعرف المسيح يسوع اللوغوس.

العدد 3

آية (3): -

"3إِنْ كُنْتُمْ قَدْ ذُقْتُمْ أَنَّ الرَّبَّ صَالِحٌ.".

من يتذوق أن الرب صالح فى شركته وحياته معه، وشبع به يوما سيفطم عما فى الأرض "ذوقوا وأنظروا ما أطيب الرب" (مز 8: 34). والرسول يقول لهم إن كنتم قد ذقتم قبلا وشبعتم من الرب يسوع إشتهوا المزيد من اللبن العقلى لتنموا به، فالحياة المسيحية نمو، وكل يوم تزداد معرفتنا وخبراتنا وبالتالى محبتنا ومن ثم أفراحنا وهذا هو العمق.

العدد 4

آية (4): -

"4الَّذِي إِذْ تَأْتُونَ إِلَيْهِ، حَجَرًا حَيًّا مَرْفُوضًا مِنَ النَّاسِ، وَلكِنْ مُخْتَارٌ مِنَ اللهِ كَرِيمٌ،".

آية 4 يقول "إن كنتم قد ذقتم أن الرب صالح" أى تحلو معه العشرة، فحينما تأتون إليه ستكتشفون أنه حجر أى هو ليس صالح فقط بل يمكن أن نعتمد عليه كإله قوى فى ضيقاتنا، مع أننا نراه فى صورة ضعف مرفوض ومصلوب من اليهود.

حَجَرًا = ثابتا لا يتزعزع، يستند عليه المؤمن (مز 2: 40) فلا يخزى أما العالم فهو غادر خائن يعطى يوما ويحرم يوما ولا يمكن الإعتماد عليه.

إذاً الرسول هنا يدعوهم لأن يشتهوا معرفة الرب والدخول للعمق ليكتشفوا أن مسيحهم صخرة ثابتة فيشعروا بأمان. وهو حجرا حيا وهو قد قام من الأموات، وهو الله الحى منذ الأزل أما العالم فعلى العكس فهو باطل فانٍ زائل. مَرْفُوضًا مِنَ النَّاسِ = من اليهود الذين صلبوه. مُخْتَارٌ مِنَ اللهِ = ليُكمِل عمل الفداء. وكَرِيمٌ = فى ذاته وفى عيون أحبائه الذين عرفوه. والمسيح دعى مرارا فى العهد القديم حجرا وصخرة (مز 22: 118) + (مت 42: 21) + (أع11: 4) + (أش16: 28) بل هو الحجر والجبل فى نبوة دانيال (دا35، 34: 2) + (تك24: 49) + (تث4: 32) + (2صم3: 23) بل أن بولس رأى أن المسيح هو الصخرة (1كو4: 10).

العدد 5

آية (5): -

"5كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيِّينَ ­كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ­ بَيْتًا رُوحِيًّا، كَهَنُوتًا مُقَدَّسًا، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ.".

كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ­ بَيْتًا رُوحِيًّا = الغرض من الحجارة لا أن تبقى وحدها بل تتحد لتكون بيتا يسكنه الروح القدس (1كو 16: 3). والحجر الذى هو المسيح له خاصية عجيبة أنه يجذب نحوه الحجارة الميتة ليجعلها حجارة حية، بل تكون بيتا حيا كما تقاربت عظام حزقيال لتكون مخلوقا حيا (حز 37). المسيحى لايعيش كفرد منعزل بل المسيح أتى ليؤسس بيتاً كجسد واحد متكامل هو رأسه.

والحجارة حين تلامست مع حجر الزاوية الحى صارت حجارة حية كما لو تلامست قطع حديد مع مغنطيس. وهكذا كما هو كريم صارت هى أى الحجارة أى المؤمنين حجارة كريمة (آية 7) ونحن نُصقل هنا بالألم كما كانت حجارة الهيكل تصقل بعيدا عن الهيكل، هناك فى الجبل (1مل6: 7)، أما فى الهيكل رمز السماء فقيل فلم يسمع صوت معول ففى السماء يمسح الله كل دمعة.

وحينما شبه المؤمنين بأنهم هيكل من حجارة حية قال عنهم أنهم أيضا الكهنة الذين يخدمون فى هذا الهيكل ويقدمون ذبائح.

كَهَنُوتًا مُقَدَّسًا = هناك كهنوت عام يشترك فيه كل المؤمنين، وكهنوت خاص لخدمة أسرار الكنيسة. والرسول هنا إستعار لفظ كهنة وأعطاه للمؤمنين كما شبههم بالحجارة وبالبيت وهو شبههم بكهنة لأنهم يقدمون ذبائح: -.

  1. ذبح الأنا، أى ذبح الإرادة البشرية "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا..." (غل 20: 2).
  2. ذييحة الإتضاع والإنسحاق "الذبيحة لله روح منسحق" (مز 17، 16: 51).
  3. ذبيحة العطاء وفعل الخير (عب 16: 13).
  4. تقديم الجسد ذبيحة حية (رو12: 1) من أجلك نمات كل النهار (رو 26، 25: 8).
  5. ذبيحة الصلاة "ليكن رفع يدىَّ كذبيحة مسائية" (مز 2: 141).
  6. ذبيحة التسبيح (عب13: 15) وهذه ذبيحة السمائيين.
  7. ذبيحة فعل الخير والتوزيع (عب13: 16).

كل هذه هى ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح ولكن هناك كهنوت خاص لخدمة الأسرار، له كهنة مفروزون وضع بولس الرسول شروطهم (1تى 1: 3 - 7).

وهذا الكهنوت هو وظيفة لا يعطيها أحد لنفسه بل المختار من الله (عب 4: 5).

بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ = فلا نحن ولا ذبائحنا مقبولين أمام الله بدون يسوع المسيح.

العدد 6

آية (6): -

"6لِذلِكَ يُتَضَمَّنُ أَيْضًا فِي الْكِتَابِ: «هنَذَا أَضَعُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرَ زَاوِيَةٍ مُخْتَارًا كَرِيمًا، وَالَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لَنْ يُخْزَى».".

الرسول ما زال مستمرا فى تشبيهه، فالكنيسة أى المؤمنين هم هيكل الله، هم الحجارة الحية التى يتكون منها الهيكل، والمسيح هو حجر الزاوية الذى يجمع ويربط هذا الهيكل.

فِي الْكِتَابِ = (أش 16: 28) حَجَرَ زَاوِيَةٍ = ربط العهد القديم بالعهد الجديد وربط اليهود بالأمم، وهو حجر يمكننا أن نستند عليه وَالَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لَنْ يُخْزَى = لا فى هذا العالم ولا فى الأبدية. فِي صِهْيَوْنَ = فى الكنيسة حجر الزاوية هو يربط بين حائطين فى المبنى. ولاحظ أن المسيح على جبل التجلى جمع بين إيليا وموسى (عهد قديم) مع تلاميذه (عهد جديد).

العدد 7

آية (7): -

"7فَلَكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ تُؤْمِنُونَ الْكَرَامَةُ، وَأَمَّا لِلَّذِينَ لاَ يُطِيعُونَ، «فَالْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ، هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ».".

قيل أنه فى بناء هيكل سليمان جاءوا بحجر ضخم جدا فلم يجد البناؤون له نفعا فتركوه وأهملوه، ولما بحثوا عن حجر ليكون رأسا للزاوية لم يجدوا حجرا يصلح لذلك سوى هذا الحجر المرفوض ففرح به البناؤون وخرج هذا المثل "الحجر الذى رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية" ووضعه كاتب المزمور 118 كنبوة عن المسيح. وحجر الزاوية هذا أى المسيح هو حجر كريم آية 6. ومن يؤمنون به أى يُبْنَوْنَ عليه يكون لهم نفس الصفة أى الكرامة وعظم القيمة = لَكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ تُؤْمِنُونَ الْكَرَامَةُ.

العدد 8

آية (8): -

"8« وَحَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ. الَّذِينَ يَعْثُرُونَ غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْكَلِمَةِ، الأَمْرُ الَّذِي جُعِلُوا لَهُ».".

أما من يرفض المسيح ويتعثر به يهلك (إش 15، 14: 8) + (لو 34: 2).

الَّذِي جُعِلُوا لَهُ = الله لم يريد رفضهم بل هم رفضوا الله (مت 38، 37: 23).

وفى (إش15، 14: 8) الله بسابق معرفته يعلن ما سيحدث، والمسيح يعلن ما سيحدث (لو18، 17: 20) هم فى عدم طاعتهم تعثروا فيه.

العدد 9

آية (9): -

"9 وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ.".

جِنْسٌ مُخْتَارٌ = ليس كما فهمها اليهود أن الله يتعصب لجنسهم ودولتهم، بل كل من يؤمن بالمسيح فهو جنس مختار. وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ = هذه مقتبسة من (خر 6: 19) ولاحظ أن الآية فى سفر الخروج موجهة لليهود، ولم يكن كل اليهود كهنة ولكن المقصود أنه أنتم أيها الجنس المختار سيكون منكم كهنة لملك الملوك. شَعْبُ اقْتِنَاءٍ = تم شراؤه بثمن عظيم هو دم المسيح فإقتناه المسيح بهذا الثمن العظيم. لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ = بسلوككم أمام الناس، بأن تعكسوا جمال المسيح ونوره، فتكونوا نورا للعالم.

العدد 10

آية (10): -

"10الَّذِينَ قَبْلاً لَمْ تَكُونُوا شَعْبًا، وَأَمَّا الآنَ فَأَنْتُمْ شَعْبُ اللهِ. الَّذِينَ كُنْتُمْ غَيْرَ مَرْحُومِينَ، وَأَمَّا الآنَ فَمَرْحُومُونَ.".

هذه مأخوذة من (هوشع 23: 2) وفيها إشارة لقبول الأمم الذين لم يكونوا شعبا، وفيها إشارة لليهود = كُنْتُمْ غَيْرَ مَرْحُومِينَ.

والآن بعد كل ما أعطاه لنا الله من كرامة ورحمة ما المطلوب منا؟

العدد 11

آية (11): -

"11أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ كَغُرَبَاءَ وَنُزَلاَءَ، أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ الشَّهَوَاتِ الْجَسَدِيَّةِ الَّتِي تُحَارِبُ النَّفْسَ،".

أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ = لفظ محبة ليستميلهم للإنصات والتنفيذ.

كَغُرَبَاءَ وَنُزَلاَءَ = نحن غرباء وسائحون فى الأرض فى غير موطننا الأصلى ونزلاء أى ضيوف فى بيت غريب سواء فى جسدنا أو فى العالم، وما يساعدنا على صلب الأهواء والشهوات، هو إحساسنا بأننا غرباء ونزلاء. ومن يصلب أهواء وشهوات جسده غل 24: 5 تدب فيه حياة المسيح المنتصرة (غل 20: 2). ومما يساعد على صلب الأهواء والشهوات الصوم والصلاة. وعلى المؤمن لا أن يمتنع عن الخطايا نفسها بل عن مجرد التفكير فيها، على المؤمن أن لا يتحاور مع الشيطان ويفكر فى أى شهوة خاطئة، كما تحاورت حواء مع إبليس فسقطت.

العدد 12

آية (12): -

"12 وَأَنْ تَكُونَ سِيرَتُكُمْ بَيْنَ الأُمَمِ حَسَنَةً، لِكَيْ يَكُونُوا، فِي مَا يَفْتَرُونَ عَلَيْكُمْ كَفَاعِلِي شَرّ، يُمَجِّدُونَ اللهَ فِي يَوْمِ الافْتِقَادِ، مِنْ أَجْلِ أَعْمَالِكُمُ الْحَسَنَةِ الَّتِي يُلاَحِظُونَهَا".

حَسَنَةً = بلا لوم وفائضة بالفضيلة. فِي مَا يَفْتَرُونَ عَلَيْكُمْ = المسيحية فى كل عصر عرضة للإفتراء، وفى أيام الرومان فاض نهر تيبر وأضر أسوار روما فنسبوا ذلك إلى المسيحية وكانوا إذا لم يفض نهر النيل فى مصر كحده المعتاد نسبوا ذلك للمسيحيين، وهكذا لو حدث زلزال أو وباء كانوا يلقون المسيحيين للأسود. كَفَاعِلِي شَرّ = إذ يتهمون المسيحيين بأنهم فَاعِلِي شَرّ، يُمَجِّدُونَ اللهَ فِي يَوْمِ الافْتِقَادِ = يوم الإفتقاد هو يوم يفتح الله عيونهم لمعرفة الحق، يوم يُجتَذَبون لدائرة الحق، وتكونون أنتم بأعمالكم الحسنة التى لاحظوها سببا فى إجتذابهم للمسيح وسببا فى أنهم يمجدون الله بإيمانهم.

العدد 13

آية (13): -

"13فَاخْضَعُوا لِكُلِّ تَرْتِيبٍ بَشَرِيٍّ مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ. إِنْ كَانَ لِلْمَلِكِ فَكَمَنْ هُوَ فَوْقَ الْكُلِّ،".

بطرس هنا يشجب ثورة اليهود الغيورين الذين ينادون بأن الطاعة هى للحكام المعينين من قبل الله كملوك إسرائيل القدامى. فنادوا بالثورة على الحكام الرومان. ورأى بطرس أن الجالس على كرسى الحكم قد جاء بترتيب بشرى، ولكن سلطانه هو من الله، فالله هو الذى سمح بهذا. ونلاحظ أن بطرس كان يكتب هذا بينما نيرون هو الجالس على العرش. والمعنى علينا أن نطيع الحاكم أو الرئيس حتى وإن لم يكن عادلا فسلطانه هو من الله. وكلام بطرس هذا فيه رد على الفتنة التى أثارها اليهود ضد المسيحيين إذ قالوا أن المسيحيين يرفضون الخضوع للإمبراطور والولاة لكون يسوع ملكهم وتعليم بطرس هنا متفق مع ما قاله المسيح نفسه (مت21: 22) ومع تعليم بولس (رو1: 13 - 7) + (تى1: 3). المسيحية إذاً حب وخضوع وليس عصيان وكبرياء ولكن ما نرفضه من الحكام، هو إجبارنا على إنكار الإيمان بالمسيح.

العدد 14

آية (14): -

"14أَوْ لِلْوُلاَةِ فَكَمُرْسَلِينَ مِنْهُ لِلانْتِقَامِ مِنْ فَاعِلِي الشَّرِّ، وَلِلْمَدْحِ لِفَاعِلِي الْخَيْرِ.".

الْوُلاَةِ هم نواب الإمبراطور. لِلانْتِقَامِ مِنْ فَاعِلِي الشَّرِّ = والمقصود هو لا تفعلوا الشر فتعطوا الولاة سببا للإنتقام منكم. وإفعلوا الخير فتسدوا الأفواه المشتكية ظلما.

العدد 15

آية (15): -

"15لأَنَّ هكَذَا هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ: أَنْ تَفْعَلُوا الْخَيْرَ فَتُسَكِّتُوا جَهَالَةَ النَّاسِ الأَغْبِيَاءِ.".

أخلاق المسيحيين أخجلت الرومان، فكان المسيحى الذى يذهب لمصارعة العبيد لقتلهم يقطع من الكنيسة. وبينما كان الوثنيون يهجرون أقاربهم الذين أصيبوا بالطاعون كان المسيحيين يخدمونهم، وبينما كان الوثنيون يتركون الجرحى فى الشوارع وقت الحروب كان المسيحيون يسرعون لإسعافهم.

العدد 16

آية (16): -

"16كَأَحْرَارٍ، وَلَيْسَ كَالَّذِينَ الْحُرِّيَّةُ عِنْدَهُمْ سُتْرَةٌ لِلشَّرِّ، بَلْ كَعَبِيدِ اللهِ.".

الحرية ليست فى التمرد على الرئاسات وليست فى الفوضى وعصيان القوانين، بل الحرية الحقيقية هى فى عدم الإستعباد للملذات، هى فى التحكم فى الجسد، والقناعة بما يقسمه الله لنا. الْحُرِّيَّةُ عِنْدَهُمْ سُتْرَةٌ لِلشَّرِّ = هذه مثل من يزنى وتقول له هذا خطأ فيقول لك أنا حر، أو من يدخن ويقول أنا حر. الحرية الحقيقية هى الحرية الداخلية حيث لا يعيش المؤمن مستعبد لأى شهوة. كَعَبِيدِ اللهِ = العبودية لله تحرر، ونحن كعبيد لله علينا أن نشهد بأعمالنا لسيدنا. والعبد يحاسب عن أفعاله، فلنحذر من الإساءة لله بتصرفاتنا فنحن منسوبين له.

العدد 17

آية (17): -

"17أَكْرِمُوا الْجَمِيعَ. أَحِبُّوا الإِخْوَةَ. خَافُوا اللهَ. أَكْرِمُوا الْمَلِكَ.".

أَكْرِمُوا الْجَمِيعَ = لئلا يظن أحد أن دعوته لإكرام الملك والولاة هى دعوة لإكرام ذوى المناصب فقط، هنا يطلب إكرام الجميع حتى الفقراء والبسطاء علينا إكرام كل الخليقة التى مات المسيح لأجلها. أَحِبُّوا الإِخْوَةَ = المحبة هى سمة المسيحية، فلا مسيحية بدون محبة. خَافُوا اللهَ = خوف مقدس يرهب أن يغضب الله، وكلما ننمو يزداد هذا الخوف، وتزداد مهابة الله.

العدد 18

آية (18): -

"18أَيُّهَا الْخُدَّامُ، كُونُوا خَاضِعِينَ بِكُلِّ هَيْبَةٍ لِلسَّادَةِ، لَيْسَ لِلصَّالِحِينَ الْمُتَرَفِّقِينَ فَقَطْ، بَلْ لِلْعُنَفَاءِ أَيْضًا.".

كان عدد الخدام الذين آمنوا بالمسيحية كبيرا جدا، ولم تكن المسيحية يوما فيها تمرد على النظم الموجودة، وحتى لا يفهم الخدام والعبيد أن إيمانهم بالمسيح يعطيهم الحق فى التمرد على سادتهم دعا الرسل، الخدام، ليطيعوا سادتهم، بل أن المسيحية إكتسبت كثيرين من السادة الذين آمنوا بالمسيح عن طريق سيرة خدامهم الحسنة. وراجع الآيات الآتية:

(1 كو 26: 1) "ليس كثيرون شرفاء"، إذ كان الكثير من المؤمنين عبيدا + (أف5: 6 - 8) + (كو22: 3) + (1تى6: 1) ولنفهم أن أساس الخضوع للسادة هو الخوف من الله.

الأعداد 19-20

الآيات (19 - 20): -

"19لأَنَّ هذَا فَضْلٌ، إِنْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ أَجْلِ ضَمِيرٍ نَحْوَ اللهِ، يَحْتَمِلُ أَحْزَانًا مُتَأَلِّمًا بِالظُّلْمِ. 20لأَنَّهُ أَيُّ مَجْدٍ هُوَ إِنْ كُنْتُمْ تُلْطَمُونَ مُخْطِئِينَ فَتَصْبِرُونَ؟ بَلْ إِنْ كُنْتُمْ تَتَأَلَّمُونَ عَامِلِينَ الْخَيْرَ فَتَصْبِرُونَ، فَهذَا فَضْلٌ عِنْدَ اللهِ،".

تُلْطَمُونَ = كان اللطم هو القصاص العادى للخدام عند الرومان ويقصد الرسول أنه إن لطمنا من أجل خطأ إرتكبناه فما هو مجدنا.

أما من يلطم متألما من أجل عمل خير فليصبر فهذَا فَضْلٌ = أى أمر مقبول عند الله. مِنْ أَجْلِ ضَمِيرٍ نَحْوَ اللهِ = أى بسبب معرفته لله أى بسبب إيمانه بالمسيح. إن كنتم تتألمون عاملين الخير = أى لو إضطهدوكم بسبب إيمانكم بالمسيح.

العدد 21

آية (21): -

"21لأَنَّكُمْ لِهذَا دُعِيتُمْ. فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ لأَجْلِنَا، تَارِكًا لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِهِ.".

لأَنَّكُمْ لِهذَا دُعِيتُمْ = أيها المسيحيين لقد دعيتم لكى تتشبهوا بالمسيح، دعيتم لكى تحتملوا وتتألموا وتصبروا لا أن تتلذذوا بالعالم. ولتضعوا أمام أعينكم صورة المسيح مِثَالاً = نموذجا يقلد. وحرفيا جاءت كلمة مثالا بمعنى أحرف على دفتر يقلدها التلميذ.

العدد 22

آية (22): -

"22«الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ»،".

فلتتشبهوا بالمسيح الَّذِي وأن لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً تألم وإتهم كفاعل شر.

العدد 23

آية (23): -

"23الَّذِي إِذْ شُتِمَ لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضًا، وَإِذْ تَأَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ بَلْ كَانَ يُسَلِّمُ لِمَنْ يَقْضِي بِعَدْل.".

كان كنعجة صامتة أمام جازيها (أش 7: 53).

العدد 24

آية (24): -

"24الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ الْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ. الَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ.".

الَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ = لاحظ أن الرسول يكتب لعدد كبير من العبيد الذين يجلدهم سادتهم، وكأن الرسول يقول لهم أن المسيح شريكهم فى نفس الآلام. جَلْدَتِهِ = حبره بالعبرية أى الأثار المتخلفة عن الجلدات.

ولكن بطرس كشاهد على ألام المسيح يذكر ألام المسيح التى بسببها صار لنا الخلاص:

حمل هو نفسه خطايانا فى جسده على الخشبة. يذكر من ألام المسيج الجلد = جلدته.

ألام المسيح هذه كانت السبب فى شفائنا من أثار الخطية.

شفِيتُمْ = وبهذا يلخص معلمنا بطرس الخلاص فى أنه:

  1. هو غفران للخطايا = حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا.
  2. لا يعود للخطية تسلط علينا لكن علينا أن نموت عن الخطية = لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ الْخَطَايَا وهذا ما نسميه حياة الإماتة (رو 14: 6).
  3. نقدم أعضائنا آلات بر فتتقدس لله = فَنَحْيَا لِلْبِرِّ.
  4. وبهذا نشفى من كل أثار الخطية.

هذه الآية للمتألمين لها معنى أنه إن إشتركتم مع المسيح فى آلامه فكأنكم تموتون مع المسيح، ومن يموت مع المسيح لا يعود للخطية سلطان على جسده. وهذا نفهمه إذا فهمنا أن كل الأمور تعمل معا للخير، فالله إذا سمح لأحبائه من المؤمنين ببعض الآلام فهذا لكى يكملوا.

العدد 25

آية (25): -

"25لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ كَخِرَافٍ ضَالَّةٍ، لكِنَّكُمْ رَجَعْتُمُ الآنَ إِلَى رَاعِي نُفُوسِكُمْ وَأُسْقُفِهَا.".

كُنْتُمْ كَخِرَافٍ ضَالَّةٍ = (إش 6: 53). فالخطية فصلتنا عن الله لأنه لا شركة للنور مع الظلمة. لكنكم رجعتم = فالمسيح صالحنا مع الآب = "ولكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح واعطانا خدمة المصالحة" (2كو5: 18).

أُسْقُفِهَا = راعيها، عمل المسيح العجيب أنه تمم شفاءنا وأعادنا كشعب له بعد أن ضللنا ووقعنا فريسة فى يد الغريب.

No items found

الأصحاح الثالث - تفسير رسالة بطرس الرسول الأولى - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح الأول - تفسير رسالة بطرس الرسول الأولى - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير بطرس الرسول الأولى الأصحاح 2
تفاسير بطرس الرسول الأولى الأصحاح 2