التاريخ الكنسي لسقراتيس سكولاستيكوس عن الفترة 306 م – 439 م – الكتاب الثاني- ترجمة ايه سي زينوس – تعريب د.بولا ساويرس

هذا الفصل هو جزء من كتاب: التاريخ الكنسي لسقراتيس سكولاستيكوس عن الفترة 306 م – 439 م – ترجمة ايه سي زينوس – تعريب د.بولا ساويرس.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

[pt_view id=”aa2d703e20″ tag=”التاريخ الكنسي لسقراتيس سكولاستيكوس عن الفترة 306 م – 439 م – ترجمة ايه سي زينوس – تعريب د.بولا ساويرس” field=name]

 

الكتاب الثانى: الفصل الأول

(أسباب مراجعة سقراتيس لكتابيه الأول والثانى)

(2/1/1) لقد أخطأ روفينوس الذى كتب “التاريخ الكنسى” باللاتينية([1]) فى التسلسل الزمنى إذ افترض أن ما جرى ضد أثناسيوس قد حدث بعد وفاة الإمبراطور قنسطنطين([2]) كذلك كان يجهل نفيه إلى الغال، كما كان يجهل ظروفا عديدة أخرى. وقد كتبنا كتابينا([3]) فى التاريخ تبعا لروفينوس.

(2/1/2) ولكن فى كتابتنا للكتب من الثالث إلى السابع، جمعنا فيها بعض الحقائق من روفينوس، وبعضها من مؤلفين آخرين مختلفين، والبعض الثالث من روايات الافراد الذين مازالوا أحياء. ومع ذلك اطلعنا بإمعان وترو على رسائل أثناسيوس التى يصف فيها معاناته الخاصة وكيف أنه قد نُفِى بواسطة افتراءات حزب يوسيبيوس. وحكمتُ بأنه يمكن الوثوق بدرجة أكبر فى ذاك الذى تألم وفى أولئك الذين كانوا شهود لهذه الأحداث التى وصفوها، عن أولئك الذين اعتمدوا على الحدس والتخمين فأخطأوا لذلك. وعلاوة على ذلك، حصلتُ على رسائل عديدة لأشخاص رفيعى الشأن فى تلك الفترة واستعنتُ بها فى تعقب الحقيقة على قدر ما أمكن.

(2/1/3) وبناء على ذلك اضطررنا إلى مراجعة الكتابين الأول والثانى من هذا التاريخ، مستخدمين مع ذلك شهادة روفينوس عندما كان من الثابت عدم خطأه. ويتعين أيضا ملاحظة أنه فى طبعتنا السابقة لم يُدرَج لا نفى اريوس الذى صدر ضده، ولا رسائل الإمبراطور ولكن فقط رواية الوقائع ببساطة لكى لا يُتخَم التاريخ ويصير ثقيلا على القارىء بتفاصيل مملة.

(2/1/4) ولكن فى هذه الطبعة قد تم تعديل وتبديل من أجلك يا رجل الله المقدَّس ثيودور لكى لا تجهل ما قد كتبه الأمراء بكلامهم، وأيضا قرارات الاساقفة فى مجامعهم العديدة التى كانوا يبدلون فيها باستمرار اعتراف الايمان. وبناء عليه، كل ما قد وجدناه ضروريا ادرجناه فى هذه الطبعة.

وإذ قد تبنينا هذا المنهج فى الكتاب الأول فإننا سنتبع نفس الأمر فى الأجزاء التالية من تاريخنا، أقصد هذا الثانى الذى سنتناوله حالا.

الكتاب الثانى: الفصل الثانى

(يوسيبيوس اسقف نيقوميديا وحزبه يثير القلاقل فى الكنائس وهو يسعى لإدخال الهرطقة الأريوسية)

(2/2/1) وعقب وفاة الإمبراطور قنسطنطين، تخيل يوسيبيوس اسقف نيقوميديا، وثيوجنيس اسقف نيقية، أن الفرصة قد باتت مواتية. فإستخدما كل ما فى وسعهما لوأد عقيدة الهومووسيون homoousion ولإحلال الأريوسية محلها. ومع ذلك، يأسوا من تحقيق ذلك فى حالة عودة أثناسيوس إلى الأسكندرية. ولذلك من أجل ان يتمكنا من تحقيق أغراضهما، التمسا مساعدة ذلك الكاهن الذى أمكن بواسطته إرجاع اريوس قبل ذلك بقليل من منفاه. أما كيف تم ذلك، فهذا ما سنرويه.

(2/2/2) عندما سلَّم هذا الكاهن محل الحديث وصية الملك الراحل حسب طلبه، إلى ابنه قنسطانتيوس الذى وجد الاجراءات التى فيها حسب مبتغاه، إذ خُصِصت له الإمبراطورية الشرقية حسب وصية أبيه. عامل الكاهن بتقدير كبير وأنعم عليه، وأمر بتيسير اتصاله شخصيا به وبالقصر. وسرعان ما أعطته هذه الرخصة ألفة مع الامبراطورة وأيضا مع خصيانها. وكان هناك فى نفس الوقت خصيا من حرس المخدع الإمبراطورى اسمه يوسيبيوس. هذا أغواه الكاهن بالمفاهيم الاريوسية واستطاع اغواء باقى الخصيان بعده لتبنى نفس الآراء. ليس هذا فقط، بل أيضا صارت الإمبراطورة تحت تأثر الخصيان والكاهن مشايعة لآراء اريوس.

(2/2/3) وليس بعد ذلك بوقت طويل، قُدِّمت هذه الآراء للإمبراطور نفسه. وهكذا انتشرت تدريجيا فى أرجاء البلاط، وبين الضباط وأهل البيت الإمبراطورى والحرس، إلى أن انتشرت أخيرا بين جميع سكان المدينة. وناقش حرس المخادع هذه الآراء مع النساء. وفى كل أسرة صار كل واحد مجادلا منطيقيا. وعلاوة على ذلك، سرعان ما امتد هذا الأذى إلى المقاطعات والمدن الأخرى. فالجدل مثل شرارة زهيدة فى البداية، لكنه أثار فى الجماهير روح المنازعة. لأن كل مَن يستعلم عن الجلبة، يجد على الفور فرصة للجدل فيعزم على الفور المشاركة فى الصراع فى ذات اللحظة التى يستفسر فيها. ونتيجة للمشاجرات التى من هذا النوع اضطرب كل نظام، وامتد الهياج إلى مدن الشرق، بينما كان الذين فى ايلليريكم([4]) والأجزاء الغربية للإمبراطورية فى هدوء تام لأنهم لم يشاءوا إلغاء قرارات مجمع نيقية.

(2/2/4)  وإذ ازدادت هذه الأمور وانتقلت من سىء إلى أسوأ، اعتبر يوسيبيوس وحزبه هذا الشغب العام حظا مواتيا، لأنهم ظنوا أنهم سيكونون قادرين على تعيين أحد الأشخاص ممن يتبنون افكارهم اسقفا على الأسكندرية. ولكن عودة أثناسيوس فى ذلك الوقت قضت على أغراضهم، إذ قد أتى من مدينة تريف بالغال([5]) إلى هناك مسلحا برسالة من قنسطنطين اوغسطس الأصغر الذى حمل اسم والده إلى شعب الأسكندرية. وها هى نسخة من هذه الرسالة:

 

الكتاب الثانى: الفصل الثالث

(عودة أثناسيوس إلى الأسكندرية برسالة من قنسطنطين الصغير)

(2/3/1) “من قنسطنطين قيصر إلى اعضاء الكنيسة الجامعة بالأسكندرية. إننى متأكد أنه لا يمكن أن يغيب عن أذهانكم النقية معرفة أن أثناسيوس مفسر الناموس المبجَّل قد أُرسِل إلى الغال لبعض الوقت لئلا يلحقه ضرر لا يمكن اصلاحه من قِبل خصومه المتعطشين إلى دمه، والذين هددت وحشيتهم حياته المقدسة بإستمرار. ولتفادى ذلك أُنتشِل من بين فكى أولئك الرجال إلى مدينة تحت حكمى. وطوال إقامته فيها، كنا نوفر له بوفرة كل الضروريات، على الرغم من أن فضيلته المتميزة وثقته فى المعونة الإلهية قد خففت من ضغط القدر الصارم. ولما كان سيدنا أبى قنسطنطين أوغسطس، ذو الذكرى المباركة قد حال موته دون تحقيق غرضه بإعادة هذا الاسقف إلى كرسيه وإلى تقواكم الأكثر قداسة، فقد اعتبرتُ من المناسب وضع رغبته فى حيز التنفيذ، بعد أن ورثتُ منه هذه المهمة. أما كيفية التبجيل العظيم الذى لاقاه منا، فهذا ما سوف تعلمونه منه عندما يصل إليكم. ولا ينبغى لأى أحدٍ أن يندهش من الشرف الذى اسبغته عليه، إذ أننى قد تأثرت بالشعور اللائق بشخصية ممتازة كهذه، وبمعرفة مدى الود الذى تكنونه له. فلتحفظكم العناية الإلهية، أيها الإخوة الأحباء”.([6])

(2/3/2) وبناء على هذه الرسالة، جاء أثناسيوس إلى الأسكندرية واُستُقبِل بفرح عظيم من شعب المدينة.

(2/3/3) ومع ذلك إذ كان كثيرون يعتنقون الآراء الأريوسية، اجتمعوا معا وتآمروا ضده مما أثار الفتن المتكررة، ووفر ذريعة ليوسيبيوس لإتهامه لدى الإمبراطور([7]) بأنه قد استولى على كنيسة الأسكندرية على مسؤوليته الخاصة على الرغم من الحكم المضاد الصادر من المجلس العام للأساقفة. وفى الحقيقة، نجحوا للغاية فى الضغط على الإمبراطور بهذه التهم، لدرجة أنه صار ساخطا عليه، ونفاه من الأسكندرية. أما كيف حدث ذلك، فهذا ما سأشرحه فى الواقع فيما بعد.

الكتاب الثانى: الفصل الرابع

(موت يوسيبيوس بامفيليوس، اعتلاء اكاكيوس لكرسى ايبارشية قيصرية)

وفى ذلك الوقت توفى يوسيبيوس اسقف قيصرية فلسطين الملّقب بامفيليوس، وخلفه فى الاسقفية تلميذه اكاكيوس. وهذا قد نشر عدة كتب وذكر، ضمن آخرين، سيرة معلمه.

الكتاب الثانى: الفصل الخامس

 (موت قنسطنطين الصغير)

وليس بعد ذلك بوقت طويل، أن غزا قنسطنطين الصغير، أخو الإمبراطور قنسطانتيوس والذى حمل اسم أبيه تلك الأجزاء من الإمبراطورية التى تحت سيادة أخيه الأصغر قنسطانس ودخل فى صراع مع جيش أخيه، فقتلوه. وحدث ذلك فى فترة قنصلية آسيدينوس وبروكلس([8]).

الكتاب الثانى: الفصل السادس

( الكسندروس اسقف القسطنطينية يرشح على فراش الموت بولس أو مقدونيوس خليفة له)

(2/6/1) وفى حوالى نفس الوقت، ثار قلق فى القسطنطينية بالإضافة إلى ما قد سجلناه، بسبب ما يلى:

وفارق الكسندروس الذى كان يرأس كنائس هذه المدينة ويقاوم بشدة الأريوسية هذه الحياة بعد أن شغل الاسقفية لمدة ثلاثة وعشرين سنة، وكان عمره تسعة وثمانون سنة دون أن يرسم أحدا خلفا له([9]). ولكنه عهد إلى الأشخاص الملائمين أن يختاروا مَن يشاؤون من بين اثنين ذكرهما بالإسم. فإن كانوا يرغبون شخصا قادرا على التعليم ومتميزا بالتقوى فعليهم أن ينتخبوا بولس الذى كان قد رسمه قسا، وكان رجلا شابا فى العمر حقيقة، لكنه كان متقدما فى الفطنة والفهم. أما إن كانوا يُريدون شخصا ذا مظهر خارجى فقط للتقوى، ومكرَّم فعليهم بمقدونيوس([10]) الذى كان شماسا لأمد طويل بينهم، وكان كبيرا فى السن.

(2/6/2) ومن ثم ثار نزاع كبير بخصوص اختيار الاسقف، مما ازعج الكنيسة للغاية، إذ انقسم الناس منذ ذلك الحين إلى فريقين واحد يؤيد مفاهيم اريوس، بينما يُدافع الآخر عن مجمع نيقية، وهم أولئك الذين تمسكوا بعقيدة “مساوى فى الجوهر” دائما خلال حياة الكسندروس. أما الاريوسيون فكانوا فى عدم اتفاق فيما بينهم ودائمى الصراع فى الآراء.

(2/6/3) ولكن عقب وفاة هذا المدبر صار سبب النزاع محل شك، فالمدافعون عن الايمان الأرثوذكسي أصروا على رسامة بولس، بينما انضم كل الأريوسيين إلى انتخاب مقدونيوس. لذلك رُسِم بولس اسقفا فى الكنيسة التى تدعى إرينى([11]) التى تقع بالقرب من كنيسة صوفيا الكبرى، والذى بدا انتخابه متفقا بالأكثر مع رغبة الراحل .

الكتاب الثانى: الفصل السابع

(قنسطانتيوس يعزل بولس بعد تنصيبه، ويعيّن يوسيبيوس النيقوميدى اسقفا للقسطنطينية)

وليس بعد ذلك بوقت طويل، أن وصل الإمبراطور إلى القنسطنطينية فحنق بشدة من تكريس [بولس]، وعقد اجتماعا مع الاساقفة ذوى الآراء الأريوسية، وجرَّد بولس من رتبته. ونقل يوسيبيوس من كرسى نيقوميديا، وعيَّنه اسقفا على القسطنطينية.

وبعد أن قام الإمبراطور بذلك، توجه إلى انطاكية.

الكتاب الثانى: الفصل الثامن

(يوسيبيوس يعقد مجمعا فى انطاكية، ويضع قانونا “مطولا” للإيمان)

(2/8/1) ومع ذلك، لم يستطع يوسيبيوس أن يركن إلى الهدوء بأى حال من الأحوال، ولكن كما يقول القول السائر لم يدع حجرا إلا وقلَبه، من أجل تنفيذ الغرض الذى فى ذهنه.

(2/8/2) لذلك تسبب فى عقد مجمع فى انطاكية بسوريا تحت ستار تدشين الكنيسة التى كان والد اوغسطس قد بدأ بتشييدها، والتى أكملها ابنه قنسطانتيوس فى السنة العاشرة من وضع اساساتها. ولكن كان هدفه الحقيقى هو إزالة وإلغاء عقيدة الهومووسيوس.

(2/8/3) وكان حاضرا بهذا المجمع تسعون اسقفا من عدة مدن. ومع ذلك لم يحضر مكسيموس اسقف أورشليم الذى كان قد خلف مكاريوس، متذكرا أنه قد انخدع وأُغوِىَّ على التوقيع بعزل أثناسيوس. ولا حضر أيضا يوليوس اسقف روما العظيمة([12]) أو ارسل مندوبين عنه، على الرغم من أن القانون الكنسى يأمر بعدم صدور أية فرائض ضد رأى اسقف روما([13]).

(2/8/4) واجتمع هذا المجمع فى انطاكية فى حضور الإمبراطور قنسطانتيوس فى فترة قنصلية مارسيللوس وبروبينوس([14])، أى فى السنة الخامسة بعد وفاة قنسطنطين ابو الأوغسطس ([15]).

وكان على رأس كنيسة انطاكية فى تلك الفترة، بلاسيتوس([16]) المدعو فلاكيلوس، خليفة صفرونيوس. وكان حلف يوسيبيوس قد سبق وافترى على أثناسيوس أنه قد تصرف ضدا للقانون الذى كانوا قد أصدروه بإسترداده لسلطته الاسقفية بدون تصريح من المجلس العام للأساقفة، إذ لما عاد من المنفى استولى على مسؤوليته الخاصة على الكنيسة. وأنه بسببه قُتِل كثيرون نتيجة للجلبة التى حدثت عند دخوله هناك. وعلاوة على ذلك، قد ازدرى بالبعض وارسل آخرين إلى المحاكم. وإلى جانب ذلك، عرضوا ما قد اتخذوه ضد أثناسيوس فى صور.

الكتاب الثانى: الفصل التاسع

(يوسيبيوس الذى من اميسا)

(2/9/1) وبناء على دعاوى من هذا القبيل، اقترحوا اسقفا آخر لكرسى الأسكندرية، وكان يوسيبيوس الملقب الآميسى  Emisenusهو المرشح أولا. ويُخبرنا جورج اسقف لاودكية، الذى كان حاضرا فى هذه المناسبة عمن يكون هذا الشخص. فيقول فى الكتاب الذى ألفه عن حياته أن يوسيبيوس[هذا] ينحدر من عائلة نبيلة من اديسا فى بلاد ميسوبوتاميا([17]) وأنه درس منذ طفولته الأسفار المقدسة([18]) وأنه تعلَّم فيما بعد الأدب اليونانى على يد معلم كان يقيم فى اديسا وأخيرا نال شرح الكتاب المقدس على يد باتروفيلس ويوسيبيوس اللذين، ترأسا الأول على كنيسة قيصرية، والثانى على كنيسة سكيثوبوليس. ثم بعد ذلك عندما أقام فى انطاكية، وتصادف أن عُزِل يوستاثيوس بناء على اتهام كيروس اسقف بيرية بأنه يتشيع لآراء سابيليوس. إرتبط ثانية بيوفرونيوس خليفة يوستاثيوس وتجنب الاسقفية، ولجأ إلى الأسكندرية. وهناك كرَّس نفسه لتعلم الفلسفة. وعند عودته إلى انطاكية كوَّن صلة وثيقة مع بلاكيتوس([19]) خليفة يوفرونيوس. وأخيرا رُسِم اسقفا على الأسكندرية من قِبل يوسيبيوس([20]) اسقف القسطنطينية، ولكنه لم يذهب إلى هناك نتيجة لإرتباط شعب تلك المدينة بأثناسيوس، فأُرِسل لذلك إلى ايمسا([21])  Emisa.

(2/9/2) فلما أثار سكان ايمسا هياجا وشغبا نتيجة لتعيينه، إذ أُتُهِم على نطاق عام بدراسة أو ممارسة التنجيم، هرب وجاء إلى جورج بلاودكية الذى أعطانا تفاصيلَ تاريخية كثيرة عنه. وإذ أخذه جورج ثانية إلى انطاكية، فقد رأى إعادته إلى إميسا بواسطة بلاكيتوس ونارسيسس، ولكنه أُتُهِم فيما بعد بتشيعه للآراء السابيلية. ويصف لنا جورج بتحليل أكثر ظروف سيامته، ويضيف فى الختام أن الإمبراطور قد أخذه معه فى حملته ضد البربر، وأن معجزات قد تمت على يديه. وهذه المعلومات التى أوردها جورج بشأن يوسيبيوس من اميسا، هى التى أخذناها فى الاعتبار على نحو كاف هنا.

الكتاب الثانى: الفصل العاشر

(أساقفة المجمع يرسمون جريجورى بدلا منه للأسكندرية، ويغيّرون لغة قانون نيقية)

(2/10/1) وفى نفس الوقت إذ خشى يوسيبيوس([22]) الذهاب إلى الأسكندرية، عيَّن مجمع انطاكية جريجورى اسقفا لتلك الكنيسة. وبعد أن تم ذلك، غيَّروا فى قانون نيقية ليس كإدانة لأى شىء فيه، ولكن فى الحقيقة بتصميم على نقض وإبطال عقيدة المساواة فى الجوهر بواسطة المجامع المتكررة ونشر تفاسير متعددة للإيمان، وبالتدريج سيادة الآراء الأريوسية.

أما كيف تمت هذه الأمور فذلك ما سنتبينه خلال روايتنا. ولكن فيما يلى الرسالة التى نشروها بالنسبة للإيمان([23]).

“نحن لم نصر أتباعا لأريوس إذ كيف نُقَاد ونحن اساقفة من كاهن؟. ولا اعتنقنا أى ايمان آخر خلاف الذى نؤمن به منذ البداية. ولكن إذ فحصنا مفاهيمه حكمنا أنها صواب، ولم نتبناها نحن منه. وسوف تتعرفون أنتم على ذلك مما سندونه هنا.

فنحن قد تعلمنا منذ البداية أن هناك، إله واحد للكون، خالق وحافظ لكل شىء سواء تلك التى فى الفكر([24]) أو المدرَكة بالحواس. ونؤمن بإبن وحيد مولود من الله قبل كل الدهور، ومشارك مع الآب الذى ولده فى الوجود، والذى به أيضا صُنِع كل شىء ما يُرَى وما لا يُرى. وأنه تنازل فى الأيام الأخيرة، حسب مسرة الآب، ولبس جسدا من العذراء القديسة. وبعد أن أنجز بالكامل مشيئة أبيه فى أن يتألم ويقوم ثانية، صعد إلى السماوات وأُجلِس([25]) عن يمين الآب، وسيأتى ليدين الأحياء والأموات. ومستمرا ملكا وإلها إلى الأبد. ونحن [نؤمن] أيضا بالروح القدس. وإذا كان ذلك ضروريا، نضيف هذا، ونؤمن بقيامة الأجساد وحياة الدهر الآتى”.

وبعد أن كتبوا ذلك فى رسالتهم الأولى أرسلوها إلى اساقفة كل مدينة. ولكن بعد أن مكثوا لبعض الوقت فى انطاكية، كما لو كانوا يدينون الأولى نشروا رسالة أخرى بهذا الكلام.

(2/10/2) “طبقا للتقليد الانجيلى والرسولى، نؤمن بإله واحد، الآب الكلى القدرة، خالق وصانع الكون. وبرب واحد يسوع المسيح ابنه، المولود الوحيد، الذى به صُنِع كل شىء، مولود من الآب قبل كل الدهور، إله من إله، كل من كل، واحد من واحد، كامل من كامل، ملك من ملك، رب من رب، الكلمة الحى، الحكمة، الحياة، النور الحقيقى، طريق الحق، القيامة، الراعى، الباب، غير القابل للتغيّر والتبدل، صورة الله غير المتغير، الجوهر والقدرة، مجد ومشورة الآب، وُلِد قبل كل الخليقة، الذى كان مع الله منذ البدء([26]). وكان الكلمة الله، به صُنعت كل الأشياء، وفيه تدوم. الذى سيأتى فى الأيام الأخيرة من عُلاه. والذى وُلِد من العذراء طبقا للأسفار المقدسة، وصار انسانا وسيطا بين الله والبشر، رسول ايماننا، أمير الحياة، كما يقول “جئتُ لأصنع لا مشيئتى بل مشيئة الذى ارسلنى”([27]). الذى تألم من أجلنا، وقام ثانية من أجلنا فى اليوم الثالث، وصعد إلى السموات وأُجلِس([28]) عن يمين الآب. وسيأتى ثانية فى مجدٍ وقدرة ليدين الأحياء والأموات. وأيضا بالروح القدس المعطَى للمؤمنين تعزية وتقديسا وتطهيرا. وكما أمر ربنا يسوع المسيح تلاميذه “اذهبوا وعلموا جميع الأمم، وعمدوهم بإسم الآب والإبن والروح القدس”([29]) أى بإسم الآب الذى هو بالحقيقة آب، والإبن الذى هو بالحقية إبن والروح القدس الذى هو بالحقيقة روح قدس. وهذه العبارات لا تُؤخَذ هكذا ببساطة وعدم اكتراث بل هى تعبر بدقة عن طبيعة ومجد ورتبة كل من هذه الأسماء الثلاثة، فهناك ثلاثة أقانيم ولكنهم واحد. فلنتمسك بهذا الايمان فى حضرة الله والمسيح، ونحرم كل هرطقة وعقيدة باطلة. وإذا علَّم أى شخص خلاف التعليم الصحيح للأسفار المقدسَّة، زاعما أنه كان هناك وقت، أو دهر قبل أن يوجد ابن الله، فليكن ملعونا([30]). وكل مَن يقول أن ابن الله مخلوق مثل باقى المخلوقات فليكن ملعونا، أو أنه نسل مثل أى نسلِ ولا يتمسك بالتعاليم المذكورة عاليه، بحسب ما سلمته لنا الأسفار المقدسة الإلهية، أو إن علَّم أى شخص أو بشر بأى عقيدة أخرى خلاف ما قد استلمناه فليكن ملعونا. لأننا بالحقيقة نؤمن بثبات ونتبع كل ما قد سُلِّم لنا من الأسفار المقدسة بواسطة الانبياء والرسل”.

(2/10/3) هكذا كان شرح الايمان المنشور من قِبل هؤلاء المجتمعين فى انطاكية والذى وقَّع عليه أيضا جورج بوصفه اسقفا للأسكندرية، على الرغم من أنه لم يكن قد دخل بعد تلك المدينة. وإذ أنجز المجمع ذلك وشرح بعض القوانين الأخرى انفض.

(2/10/4) وفى تلك الأثناء حدث أن ثار اضطراب أيضا فى الشؤون العامة. إذ غزت الأمة التى تُدعَى أيضا الفرنك([31]) المقاطعات الرومانية فى الغال، وفى نفس الوقت هز زلزال شديد مدن الشرق وخاصة انطاكية التى استمرت تعانى من عواقبه لمدة سنة كاملة.

الكتاب الثانى: الفصل الحادى عشر

(جريجورى يتوجه إلى الأسكندرية بصحبة كتيبة حربية. هروب أثناسيوس)

(2/11/1) وعقب هذه الأمور، اصطحب سِريان Syrian القائد العسكرى، جريجورى إلى الأسكندرية بكتيبة من الجنود المدججين بالسلاح قوامها خمسة آلاف بالعدد، ومعهم المواطنون الذين كانوا يشايعون المفاهيم الاريوسية.

(2/11/2) ولكن من المناسب هنا أن أروِى كيف هرب أثناسيوس من أيدى أولئك الذين رغبوا فى القبض عليه بعد طرده من الكنيسة. لقد كان الوقت مساءَ، وكان الشعب حاضرا للعشية([32]) هناك، منتظرين بدء الخدمة([33])[الكنسية]. ووصل القائد، واصطف جنوده فى وضع الاستعداد للمعركة فى سائر جوانب الكنيسة. وإذ لاحظ أثناسيوس ما قد حدث، وضع فى نفسه أن يحُول دون مساس الشعب بأذى بأى شكل من الأشكال بسببه. وبناء على ذلك، أشار على  الدياكون أن يُعلِن بدء الصلاة([34]) وبعد ذلك أمر بتلاوة مزمور. وعندما بدأ ترتيل المزمور باللحن([35])، خرج الجميع من أحد ابواب الكنيسة. وبينما كان ذلك يتم ظلت القوات تراقب بلا حركة، وهرب أثناسيوس بهذه الوسيلة بلا أذى([36]) فى وسط أولئك الذين كانوا يرنمون المزمور، وأسرع على الفور إلى روما([37]).

(2/11/3) وساد جريجورى عندئذ على الكنيسة، ولكن شعب الأسكندرية إذ غضب من هذا الاجراء، أحرق كنيسة ديونيسيوس. ولنكتف بهذا بشأن هذا الموضوع.

(2/11/4) والآن إذ حقق يوسيبيوس غرضه هذا، أرسل وفدا إلى يوليوس اسقف روما راجيا منه أن يعترف بالإتهامات التى ضد أثناسيوس وآمرا إياه بالفحص القضائى لها فى حضوره.

 

الكتاب الثانى: الفصل الثانى عشر

(شعب القسطنطينية يعيد بولس إلى كرسيه عقب موت يوسيبيوس. الاريوسيون ينتخبون مقدونيوس)

(2/12/1) ولكن يوسيبيوس لم يعش ليعلم بقرار يوليوس بشأن أثناسيوس، لأنه مات عقب ذلك المجمع بوقت قصير. ومن ثم أحضر الشعب بولس ثانية إلى كنيسة القسطنطينية. ومع ذلك رسم الأريوسيون مقدونيوس فى نفس الوقت فى الكنيسة المكرسة بإسم بولس([38]). وأولئك الذين كانوا متحالفين سابقا مع يوسيبيوس( ذاك المهيج للسلام العام) اجتمعوا معا محاولين ممارسة سلطته. وهم ثيوجنيس اسقف نيقية، وماريس اسقف خلقيدون وثيودور اسقف هيراكليا فى تيراقيا، واورساكيوس اسقف سنجدونوم فى ميسيا العليا وفالنس فى موريسا ببانونيا العليا.

(2/12/2) وصحيح أن فالنس واورساكيوس قد غيَّرا رأيهما فيما بعد وقدَّما إقرارا مكتوبا منهما للأسقف يوليوس ووقعا على عقيدة المساواة فى الجوهر، وأُعيد قبولهما فى الشركة، ولكنهما فى ذلك الوقت كانا يؤيدان بحماس الخطأ الأريوسي، وكانا يثيران أشرس المعارك فى الكنيسة، وإحداها تلك الخاصة بمقدونيوس فى القسطنطينية. ونتيجة لتلك الحرب الضروس بين المسيحيين، والانقسامات المستمرة فى تلك المدينة، فقد الكثيرون حياتهم فى أعقاب هذه الحوادث.

الكتاب الثانى: الفصل الثالث عشر

 (قنسطانتيوس يطرد بولس ثانية من كنيسة القسطنطينية عقب مقتل هرموجينس الجنرال)

(2/13/1) وبلغت أخبار هذه الاجراءات إلى آذان الإمبراطور قنسطانتيوس الذى كان يقيم آنذاك فى انطاكية، ومن ثم أمر جنراله هرموجينس الذى كان قد أرسله إلى تيراقيا، أن يمر بالقسطنطينية فى طريقه ويطرد بولس من الكنيسة.

(2/13/2) وعندما وصل إلى القسطنطينية سادت الفوضى المدينة بأسرها وهو يحاول طرد الاساقفة، إذ ثار شغب فى الحال من الشعب الذى حاول الدفاع عن الاسقف. وعندما أصرَّ هرموجينس على طرد بولس بإستخدام القوة العسكرية، ازداد الشعب هياجا كما هى العادة فى هذه الأحوال وقاموا بهجوم يائس عليه، وأحرقوا منزله وجروه فى المدينة حتى مات أخيرا. وقد حدث ذلك خلال قنصلية([39]) الأوغسطوسيَن، أى خلال القنصلية الثالثة لقنسطانتيوس وقنسطانس، والتى أخضع فيها قنسطانس الفرنك([40]) وأجبرهم على عقد معاهدة سلام مع الرومان.

(2/13/3) وعندما علِم الإمبراطور قنسنتانتيوس بمقتل هرموجينس انطلق بجواده من انطاكية وحالما وصل القسطنطينية طرد بولس، ثم عاقب السكان بسحب حصتهم اليومية من الحبوب. والتى كانت أكثر من اربعين مكيال، وكان أباه قد وهبها للتوزيع عليهم([41])، لأنه قبل هذه الكارثة كان نحو ثمانين الف مكيال من الحنطة قد وصلت من الأسكندرية ووُزِعت على المواطنين.

(2/13/4) ومع ذلك، تردد فى التصديق على تعيين مقدونيوس فى اسقفية تلك المدينة، إذ تضايق منه ليس فقط لأنه رُسِم بدون موافقته، ولكن أيضا لأنه بسبب النزاع بينه وبين بولس حدث هذا الهياج الذى قُتِل فيه جنراله، وأشخاص آخرون كثيرون. ولكنه بعد أن أعطاه تصريحا بالخدمة فى الكنيسة التى رُسِم فيها، عاد إلى انطاكية.

الكتاب الثانى: الفصل الرابع عشر.

 (الاريوسيون يُبعِدون جريجورى من كرسى الأسكندرية، ويعينون جورج بدلا منه)

وفى حوالى نفس الوقت، عزل الاريوسيون جريجورى من كرسى الأسكندرية على اساس أنه غير شعبى، ولأنه فى نفس الوقت قد أحرق كنيسة([42])، ولم يُظهِر غيرة كافية فى تنمية مصالح حزبهم([43]). ولذلك عينوا جورج محله([44]) الذى كان مواطنا من كبادوكيا وحاز شهرة فى القدرة على الدفاع عن مفاهيمهم.

الكتاب الثانى: الفصل الخامس عشر

(أثناسيوس وبولس يتوجهان إلى روما ويحصلان على رسائل شركة من يوليوس)

(2/15/1) وفى نفس الوقت وصل أثناسيوس بعد رحلة طويلة إلى ايطاليا بالقسم الغربى للإمبراطورية الرومانية، الذى كان آنذاك تحت السلطة المنفردة لقنسطانس أصغر ابناء قنسطنطين، حيث كان قنسطنطين أخوه قد قُتِل من قِبل جنوده كما دونا سابقا.

(2/15/2) وفى نفس الوقت([45]) وصل أيضا بولس اسقف القسطنطينية إلى المدينة الإمبراطورية، واسكليباس اسقف غزة، ومارسيللوس اسقف مدينة انقيرا بغلاطية الصغرى، ولوقيوس([46]) اسقف ادريانوبل([47]). وهم متهمون بتهم عديدة ومطرودين من كنائس عديدة. ووضع كل منهم قضيته بين يدى يوليوس اسقف روما. وهو من جانبه، بما لكنيسة روما من امتياز خاص، أعادهم ثانية إلى الشرق محصنين بخطابات توصية. وفى نفس الوقت رد لكل منهم موضعه الخاص، وانتهر بحدة أولئك الذين بواسطتهم قد عُزِلوا.

(2/15/3) ورحل الاساقفة، اعتمادا على توقيع الاسقف يوليوس من روما، واستولوا على كنائسهم ثانية مسلمين الخطابات للأطراف الموجهة إليهم.

(2/15/4) وهؤلاء الأشخاص إذ أعتبروا أنفسهم قد عومِلوا بلا كرامة بواسطة توبيخ يوليوس، دعوا إلى مجمع فى انطاكية حيث اجتمعوا وحرروا الرد التالى تعبيرا عن مشاعر كل المجمع بالإجماع([48])، وقالوا أن احاطته بالقرارات التى يتخذونها بشأن طرد مَن يرغبون من كنائسهم، لا تدخل ضمن ولايته، وذكروه بأنهم لم يعترضوا عليه عندما طرد نوفاتس من الكنيسة.  هذه الأمور هى التى أرسلوها إلى يوليوس اسقف روما.

(2/15/5) ولكن عند دخول أثناسيوس الأسكندرية ثار شغب من قِبل أنصار جورج والأريوسيين، ونتيجة لذلك قُتِل من المؤكد كثيرون من الأشخاص.

(2/15/6) ولما كان الاريوسيون تواقين إلى إلقاء تبعة هذه الأمور كلها على أثناسيوس بأنه السبب، لذلك حرىُّ بنا أن نسجل بعض الملاحظات عن هذا الموضوع فالله ديان الكل هو وحده الذى يعلم سبب هذه الفوضى. ولكن لا يستطيع أىُّ أحدِ لديه أية خبرة أن يجهل حقيقة أن مثل هذه الحوادث المميتة هى فى معظمها متتاليات للحركات الفئوية للجماهير. لذلك من العبث للمفترين على أثناسيوس أن يَعْزوا أىَّ لومٍ إليه، وبصفة خاصة سابينوس([49]) اسقف الهرطقة المقدونية لأنه لو كان قد فكر فى عدد الأخطاء وحجمها التى عاناها هو وأولئك المتمسكين بعقيدة المساواة فى الجوهر من قِبل الأريوسين، أو فى الشكاوى العديدة التى قُدِّمت بشأن هذه الأمور فى المجامع بسبب أثناسيوس، أو بإختصار فيما فعله مقدونيوس نفسه رئيس الهرطقة فى سائر الكنائس، لكان عليه إما أن يصمت تماما، أو إن كان محصورا بالكلام، يتكلم كلاما أكثر قبولا بدلا من هذه التوبيخات.

ولكنه إذ تجاهل كل هذه الأمور، أساء عن عمد تأويل الحقائق، ولم يذكر، مع ذلك، أيا مما فعله مؤسس الهرطقة heresiarch([50])، رغبة منه فى اخفاء الفظاعات التى يعرف أنه مذنب فيها بكل السبل. بل وما هو أكثر غرابة أنه لم يذكر كلمة واحدة عن مساوىء الأريوسيين على الرغم من أنه بعيد عن مفاهيمهم، وعبر فى صمت على سيامة مقدونيوس الذى تبنى آرائه الهرطوقية. لأنه لو كان قد ذكرها لكان عليه أن يذكر أيضا كفره الذى ظهر بأكثر وضوح فى هذه المناسبة.

ولكن لنكتف بهذا، فى هذا الموضوع.

الكتاب الثانى: الفصل السادس عشر

(قنسطانتيوس يثبّت نفى بولس وينصِّب مقدونيوس)

(2/16/1) وعندما علِم قنسطانتيوس الذى كان يقيم ببلاطه فى انطاكية أن بولس قد استعاد السيطرة على عرشه الاسقفى ثانية، استشاط غضبا([51]) للغاية من ذلك. لذلك ارسل امرا كتابيا إلى فيليب البريتوريان([52]) الذى تتجاوز سلطاته حكام المقاطعات الأخرين والذى كان يُعتبر الرجل الثانى([53]) بعد الإمبراطور، ليطرد بولس من الكنيسة ثانية ويضع مقدونيوس محله.

(2/16/2) وخوفا من تمرد الشعب استخدم فيليب الحيلة للإيقاع بالأسقف، فأبقى على أمر الإمبراطور سرا، وذهب إلى حمَّام عام يُدعى زيوكسيبوس Zeuxippus ، وتحت ستار رعاية بعض الأمور العامة، ارسل إلى بولس بكل مظاهر الاحترام ملتمسا مقابلته هناك على أساس أن حضوره ضرورى. وحضر الاسقف ولما جاء طاعة لهذا الإستدعاء، أراه الحاكم على الفور أمر الإمبراطور. وخضع الاسقف بصبر للحكم بدون أىَّ صوت. ولكن لما كان فيليب يخشى شغب الجمهور، لأن عددا كبيرا كان قد تجمع حول المبنى ليرى ماذا سيحدث لأن شكهم ثار بسبب الأخبار السارية، أمر بفتح أحد أبواب الحمام الموصلة بالقصر الإمبراطورى، ونُقِل بولس من خلاله إلى ظهر سفينة كانت معدة لهذا الغرض، وهكذا أُرسِل إلى المنفى فى الحال. وأمره الحاكم بالتوجه إلى تسالونيكى، متروبولية بمقدونيا، حيث موطن أسلافه، وأمره بالإقامة فى تلك المدينة، وسمح له بزيارة المدن الأخرى فى ايلليركوم، ولكنه حظر عليه بحسم الانتقال إلى أى مكان داخل القسم الشرقى للإمبراطورية.

(2/16/3) وهكذا طُرِد بولس على النقيض من توقعه من الكنيسة ومن المدينة، ونُقِل على عجلٍ إلى المنفى مرة أخرى.

(2/16/4) وغادر فيليب الحاكم الإمبراطورى الحمَّام متوجها على الفور إلى الكنيسة وجلس معه فى ذات المركبة مقدونيوس ظاهرا لكل أحدٍ وحوله الحرس العسكرى بسيوف مسلولة. وارتعب الجمهور بالكلية من هذا المشهد. وهرع كلٌ من الاريوسيين واصحاب عقيدة الهومووسيوس إلى الكنيسة. وما أن اقترب مقدونيوس والبريتوريان من الكنيسة حتى حلَّ على الجمهور جنون هستيرى بل وحتى على الجنود أنفسهم، لأن الجماهير كانت غفيرة، ولم يكن هناك مجالا يسمح بمرور الحاكم ومقدونيوس، وحاول الجنود افساح الطريق بين الحشود بالقوة، ولكن لما كان المكان الذى احتشدوا فيه جعل ذلك مستحيلا، تخيل الجنود أن هناك مقاومة وأن الجماهير تعمدت الوقوف فى الممر، فبدأوا من ثم فى استخدام سيوفهم المسلولة فى قتل الواقفين فى طريقهم. وقد تأكد سقوط 3150 شخص فى هذه المذبحة فى هذه المناسبة، وسقطت الغالبية الغالبة منهم بسيوف الجنود، وقُتِل الباقى تحت الأقدام عند اندفاعهم اليائس للهرب من وحشيتهم، وبعد أن تحقق هذا الانجاز الباهر[!!]، أجلس البريفكت مقدونيوس على الكرسى الاسقفى.

(2/16/5) وجلس مقدونيوس بدون أى قانون كنسى، وكأنه ليس السبب فى هذه الكارثة بل كان بلا لوم تماما مما حدث. وهكذا إذن بواسطة مقتل الكثيرين فى الكنيسة حصل الاريوسيون والمقدونيون على السيادة على الكنائس.

(2/16/6) وفى حوالى نفس هذه الفترة، شيَّد الإمبراطور الكنيسة الكبرى التى تدعى صوفيا([54]) ملاصقة لتلك التى تُدعى إرينى، والتى كانت أصلا صغيرة الحجم، فوسَّعها والد الإمبراطور وزينها. وفى أيامنا الحالية([55]) تُشاهد الكنيستان داخل سياج واحد ولهما سقف واحد.

الكتاب الثانى: الفصل السابع عشر

(أثناسيوس يتوجه إلى روما ثانية تحت تهديد قنسطانتيوس )

(2/17/1) وفى هذا الوقت، وجهَّ الاريوسيون اتهاما آخر إلى أثناسيوس حيث اختلقوا هذا الزعم ضده. كان والد هذا الإمبراطور قد وهب منذ زمن بعيد حصة من الحنطة لكنيسة الأسكندرية لتوزيعها على المحتاجين هناك، فزعموا أن أثناسيوس قد باع هذه الحصة لحسابه الخاص. وإذ أصغى الإمبراطور لهذا الإغتياب الخبيث بثقة، هدَّد بعقاب أثناسيوس بالموت. وإذ علِم أثناسيوس بهذا الخبر، فرَّ وإختبأ.

(2/17/2) وعندما علِم اسقف روما بهذه المكيدة الجديدة من الاريوسيين ضد أثناسيوس، وتلقى أيضا رسالة يوسيبيوس([56]) الذى كان قد توفى آنذاك، دعا أثناسيوس المضطهَّد للمجىء إليه من مخبأه. ووصلت إليه أيضا رسالة الاساقفة الذين كانوا قد اجتمعوا قبل ذلك بوقت ما فى انطاكية، كما وصلته فى نفس الوقت رسائل أخرى من اساقفة مصر تؤكد له أن التهمة الموجهة ضد أثناسيوس هى محض افتراء تماما.

(2/17/3) وعندما استلم هذه الرسائل المتضادة، رد يوليوس أولا على رسالة الاساقفة الذين كتبوا إليه من انطاكية، محتجا على المشاعر الفظة التى أظهروها فى رسالتهم، ومتهما إياهم بمخالفة القوانين لأنهم لم يطلبوا إشرافه على المجمع([57])، فى حين أن القانون الكنسى يحظر سن أى قوانين مضادة لوجهة نظر اسقف روما. ثم انتقدهم بشدة لمحاولتهم تحريف الإيمان بالخيانة، بالإضافة إلى التدليس المتعمَّد فى اجراءاتهم السابقة فى مجمع صور. إذ أن فحص قضية ما حدث فى مريوط كان من ناحية محل تساؤل، وليس هذا فقط، بل ثبت بكل جلاء بطلان التهمة الخاصة بأرسينيوس. وهكذا كتب يوليوس بإسهاب هذه التعبيرات وأمثالها إلى الاساقفة الذين اجتمعوا فى انطاكية سابقا. وكان يتعين علينا أن ندرج هنا بإسهاب هذه الرسالة، وأيضا الرسائل إلى يوليوس لولا أن ذلك سيتعارض وأهدافنا.([58])

(2/17/3) ولكن سابينوس المدافع عن الهرطقة المقدونية، الذى سبق أن تكلمنا عنه لم يُدرِج رسائل يوليوس فى مجموعته عن الاعمال المجمعية، على الرغم من أنه لم يحذف تلك التى ارسلها اساقفة انطاكية إلى يوليوس. ومع ذلك، هذه هى عادته أن يُدرِج بعناية مثل تلك الرسائل التى لا تشير إلى الهومووسيون homoousion أو تلك التى ترفض تماما هذا المصطلح، بينما يعبر فى صمت مطبق على تلك المضادة. وهذا يكفى فى هذا الموضوع.

(2/17/4) وليس بعد ذلك بوقت طويل، وصل بولس تحت ستار قيامه برحلة من تسالونيكى إلى كورينث([59]) Corinth، إلى ايطاليا. وعندئذ التمس الاسقفان([60]) من امبراطور ذلك القسِم عرض القضايا المتعلقة بهما عليه.

الكتاب الثانى: الفصل الثامن عشر

(امبراطور الغرب يطلب من أخيه ارسال ثلاثة أشخاص لفحص مسألة عزل أثناسيوس )

(2/18/1) وعندما علم امبراطور الغرب([61]) بأمرهما تعاطف مع معاناتهما، وكتب إلى أخيه([62]) يطلب منه إرسال ثلاثة اساقفة ليشرحوا له سبب عزل أثناسيوس وبولس. وبناء على طلبه، توجه وفد للقيام بهذه المهمة، من ناركيوس الكليكى وثيودور من تيراقيا وماريس من خلقيدون ومارك السورى. وعند وصولهم رفضوا أى اتصال بأثناسيوس أو أصدقائه، وأخفوا قانون الإيمان الذى أذاعوه فى انطاكية، وقدموا للإمبراطور قانونا آخر للإيمان قد صاغوه بأنفسهم على النحو التالى:

“نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكل، خالق وصانع جميع الأشياء، الذى منه تستمد كل عشيرة اسمها فى السماء والأرض([63]). وبإبنه الوحيد ربنا يسوع المسيح المولود من الآب قبل كل الدهور، إله من إله، نور من نور، به كان كل شىء مما فى السماء وما على الأرض، ما يُرى وما لا يُرَى، الذى هو الكلمة والحكمة والقدرة والحياة، والنور الحقيقى. الذى فى الأيام الأخيرة، تأنس من أجلنا ووُلِد من العذراء القديسة، وصُلِب ومات ودُفِن وقام ثانية من الموت فى اليوم الثالث، وصعد إلى السموات وأُجلِس([64]) عن يمين الآب، وسيأتى فى نهاية الدهور، ليدين الأحياء والأموات، وليجازى كلَّ واحدٍ حسب أعماله. الذى ليس لملكه إنقضاء إلى دهر الدهور. لأنه سيجلس عن يمين الآب ليس فى هذا الدهر فقط بل وفى الدهر الآتى. وبالروح القدس المعزى الذى أرسله الرب حسب وعده إلى الرسل بعد صعوده إلى السموات ليعلمهم ويُذكرهم، والذى به أيضا تتقدس نفوس أولئك الذين يؤمنون به.

وأولئك الذين يزعمون أن الإبن قد وُجِد من لا شىء، أو من طبيعة أخرى وليس من الله، أو أن هناك وقت لم يكن فيه موجودا تعتبره الكنيسة الجامعة غريبا([65]).”

(2/18/2) وإذ سلَّموا هذا القانون إلى الإمبراطور، وعرضوه أيضا على آخرين كثيرين رحلوا دون مناقشة أى شىء آخر.

(2/18/3) وبينما كانت الاتصالات مقطوعة بين الكنائس الشرقية والغربية، برزت هرطقة أخرى فى مدينة سيرميَّم Sirmium بإيلليركون. لأن فوتينوس Photinus الذى كان يرأس كنائس تلك المنطقة، وهو مواطن من غلاطية الصغرى وتلميذ لمارسيللوس الذى كان قد عُزِل، قد تبنى آراء معلمه وأعلن أن المسيح ابن الله هو مجرد انسان. ومع ذلك سنتناول هذا الموضوع بتفصيل أكثر فى موضعه المناسب([66]).

الكتاب الثانى: الفصل التاسع عشر

(القانون المرسَل من اساقفة الشرق إلى اساقفة ايطاليا، المدعو “المطوَّل”)

(2/19/1) وبعد انقضاء حوالى ثلاث سنوات من الأحداث المذكورة عاليه، اجتمع الاساقفة الشرقيون مرة أخرى معا، وألفوا صيغة ايمان أخرى ارسلوها إلى ايطاليا بيد يودوكيوس([67]) Eudoxius الذى كان فى ذلك الوقت اسقفا على جرمانيكا، ومارتيروس ومقدونيوس الذى كان اسقف موبسستيا فى كيليكية. وقد كُتِبَت هذه الصيغة فى شكل مطول([68])، وتحتوى على إضافات كثيرة عن تلك التى سبقتها، وهى كما يلى:-

” نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكل، خالق وصانع جميع الأشياء. الذى تستمد منه كل عشيرة فى السماء وعلى الأرض اسمها. وبإبنه الوحيد يسوع المسيح ربنا المولود من الآب قبل كل الدهور، إله من إله، نور من نور، به كان كل شىء مما فى السماء وما على الأرض، ما يُرى وما لا يُرى. الذى هو الكلمة، والحكمة، والقدرة، والحياة، والنور الحقيقى. الذى تأنس من أجلنا ووُلِد من العذراء القديسة. والذى صُلِب ومات ودُفِن وقام ثانية فى اليوم الثالث وصعد إلى السموات وجلس عن يمين الآب، وسيأتى عند انقضاء الدهر ليدين الأحياء والأموات وليجازى كلَّ واحدٍ تبعا لأعماله الذى ليس لملكه انقضاء بل يدوم إلى لا نهاية، لأنه يجلس عن يمين الآب ليس فقط فى هذا الدهر بل أيضا فى ذلك الآتى. ونحن نؤمن أيضا بالروح القدس، المعزى، الذى أرسله الرب إلى رسله عقب صعوده إلى السماء، حسب وعده، ليعلمهم ويُذكرهم بكل شىء . وبه أيضا تتقدس نفوس أولئك الذين يؤمنون به بأمانة.

ولكن أولئك الذين يزعمون أن الإبن وُجِد من العدم أو من طبيعة أخرى خلاف التى لله، أو أنه كان هناك وقتُ لم يكن موجودا فيه، فإن الكنيسة الجامعة تعتبره غريبا([69]). وبالمثل تحرم الكنيسة الجامعة المقدَّسة أولئك الذين يقولون أيضا أن هناك ثلاثة آلهة أو أن المسيح ليس إلها قبل كل الدهور، أو أنه ليس المسيح أو ليس ابن الله. أو أن نفس الأقنوم هو آب وابن وروح قدس، أو أن الإبن لم يولد، أو أن الآب لم يلد الابن برغبته أو مشيئته. غير أنه ليس من الآمان التأكيد على أن الإبن كان له وجود من الأشياء التى لم تكن، حيث أن ذلك لم يُعلَن عنه فى أىٍ من الأسفار المقدسة الموحى بها. ولا تعلمنا أنه قد وُجِد من أى طبيعة سابقة الوجود إلى جانب الآب. ولكنه مولود بالحقيقة من الله وحده. لأن الكلمة الإلهى يُعلِّم أنه هناك واحد لم يولد هو الآب. ولكن هؤلاء غير المدعومين من الأسفار المقدسة قد زعموا بتهور أنه كان هناك وقت لم يكن فيه. ولا ينبغى تصور أى فكرة زمنية سابقة بل الله فقط الذى هو فوق الزمن قد ولده لأن الزمن والدهور وُجِد به.

ولكن ينبغى الوعى بأن الإبن ليس “بلا بداية” co-inoriginate كالآب([70])، وفى عدم الولادة. إذ هناك آبُ واحد غير مولود ولا بداية له، كما نعرف، وغير مدرك. وأن الإبن مولود قبل الدهور، ولكن ليس مثل الآب غير المولود ولكن له بداية بمعنى أن الآب ولده([71]) لأن الله رأس المسيح([72]).

والآن، رغم أننا طبقا للكتاب المقدس، نعترف بثلاثة أقانيم، آب وإبن وروح قدس، إلاَّ أننا لا نقول لهذا السبب ثلاثة آلهة إذ أننا نعرف أنه ليس هناك سوى إله واحد كامل فى ذاته، غير مولود، لا بداية له، غير مرئى، الله وآبٌ للوحيد، الذى وحده وجوده من ذاته، والذى وحده يهب الوجود لجميع الأشياء. وليس عندما نقول أن هناك إله واحد، الله الآب لربنا يسوع المسيح، الوحيد، ننكر لذلك أن المسيح إله قبل كل الدهور، مثلما يفعل أتباع بولس الساموساطى، إذ يقولون أنه قد تأله بعدما تجسد، وأنه بهذا كان بالطبيعة مجرد انسان. نحن نعلن أنه كان حقا خاضعا لأبيه الله ولكنه كان مع ذلك مولودا من الله، وهو بالطبيعة إله حقيقى وكامل، ولم يصر إلها بعدما كان انسانا. ولكنه من أجلنا صار انسانا وهو إله، ولم يكف عن أن يكون إلها. وأكثر من ذلك نحن نشجب ونحرم أولئك الذين ينعتونه باطلا بأنه كلمة الله ليس جوهريا، وأن وجوده فقط فى الآخر إما ككلمة منطوقة أو ككلمة معقولة فى الذهن. وأولئك الذين يرون أنه لم يكن مسيحا ولا ابن الله ولا وسيطا، ولا صورة الله قبل الدهور، بل صار مسيحا وابن الله منذ الوقت الذى أخذ فيه جسدا من العذراء قبل اربعمائة سنة مضت([73]). لأنهم يزعمون أن المسيح قد بدأ ملكه منذ ذلك الوقت، وأنه سيكون له نهاية عند نهاية كل الأشياء فى الدينونة. هؤلاء الأشخاص مثل اتباع مارسيللوس وفوتينوس والغلاطيين الذين تحت ذريعة تأسيس سيادته، يُنّحون جانبا، مثل اليهود، ربوبية المسيح ووجوده الأزلى ودوام ملكوته. ولكننا نعرفه ليس مجرد كلمة منطوقة أو كلمة معقولة، ولكن الله الحى، الكلمة الذاتى، وابن الله، والمسيح، والذى بوجوده مع الآب قبل كل الدهور خلق جميع الأشياء المرئية وغير المرئية. كلمة الآب الطبيعى، إله من إله لأنه هو الذى قال له الآب لنصنع الانسان على صورتنا ومثالنا، الذى فى شخصه ظهر للآباء، وأعطى الناموس، وتكلم بالأنبياء، وتأنس أخيرا، وأعلن الآب للجميع، ويحكم إلى ما لانهاية. ولم يحصل المسيح على أية كرامة جديدة، ولكننا نؤمن أنه كامل منذ البداية، وهو مثل الآب فى كل شىء. وأن الذين يقولون أن الآب والإبن والروح القدس هم نفس الاقنوم هم كفرة لأنهم يفترضون أن الثلاثة اسماء لأقنوم واحد. ونحن نرد عليهم بعدل من الكنيسة لأنهم يجعلون التجسد للآب غير المدرك وغير القابل للتألم، خاضعا للإدراك والمعاناة. وهؤلاء المعروفين لدى الرومان بمؤلمى الآب([74])Patropassians ، ولدينا بالسابليين لأننا نعرف أن الآب الذى أرسل، ظل فى طبيعته الملائمة لألوهيته الخاصة غير المتغيرة. ولكن المسيح الذى أُرسِل هو الذى أكمل تدبير التجسد. وبالمثل أولئك الذين يزعمون على العكس أن الإبن لم يولد بإرادة الآب ولا مسرته، أى ينسبون بذلك الضرورة غير الاختيارية للآب غير النابعة من الاختيار الحر، كما لو كان قد ولد الإبن عن ضرورة، فإننا نعتبرهم أكثر كفرا أو غرباء عن الحق لأنهم تجاسروا بنسبة هذه الأمور إليه مما لا يتفق مع مفهومنا العام عن الله، وفى الحقيقة ضدٌ للكتاب المقدس الموحى به. لأننا إذ نعرف أن الله معتمد على ذاته ورب نفسه فإننا نحافظ بتقوى على أنه بمسرته وبإختياره قد ولد الإبن([75]). وفيما نحن نؤمن بإجلال بكل ما قد قيل بشأنه “الرب قنانى منذ البدء بسبب أعماله”([76]) إلا أننا لا نفترض أنه كان مثل الخلائق أو المصنوعات، لأن هذا كفر وضد ايمان الكنيسة أن نقارن الخالق بالمخلوقات بواسطته أو أن نتصور أن له نفس نمط التوالد الذى للطبيعة المختلفة عن طبيعته بالكلية لأن الأسفار المقدسة تعلمنا أن الإبن الوحيد الجنس هو مولود بالحقيقة. وعندما نقول أن الإبن هو ابن فى ذاته ويحيا ويخضع للآب، لا نفصل بذلك الإبن عن الآب كما لو كنا نفترض أنهما منفصلان بزمن أو مكان بالمعنى المادى. لأننا نؤمن أنهما متحدان بلا وسيط أو فاصل وأنه لا يمكن انفصالهما عن بعض. فكل الآب فى الإبن، وكل الإبن فى حضن الآب أزليا. ولذلك إذ نؤمن هكذا بالثالوث التام الأقدس ونؤكد أن الرب هو إله والإبن أيضا إله فإننا لا نعترف بإثنين ولكن بواحد فى الجلالة والربوبية، وفى الملكوت المتحد. الآب يسود على كل الكون وعلى الإبن، والابن يسود على كل الأشياء، ما عدا الآب، التى صُنِعت بواسطته. ومن قِبل الآب أسبغ [الإبن] بوفرة الروح القدس والنعمة على القديسين. لأن الوحى المقدس يُعلمنا أنه بهذا تتمثل صفة السيادة التى يمارسها الإبن”.

(2/19/2) لقد اضطررنا منذ نشرنا إعلاننا السابق أن نقدم تفسيرا مسهبا للإيمان لا لكى نشبع فضولا باطلا، ولكن لكى نبرىء أنفسنا من أية شبهة غريبة بشأن ايماننا، قد توجد لدى مَن يجهلون مفاهيمنا الحقيقية([77]).  ولكى ما يكون سكان الغرب بالمثل على بينة من التحريفات الوقحة لحزب الهراطقة([78])، ويعرفون أيضا وجهة النظر الكنسية للأساقفة الشرقيين بشأن المسيح، المؤكدة بشهادات الأسفار المقدسة الموحى بها من الله لدى جميع العقول غير الضالة.

الكتاب الثانى: الفصل العشرون

( مجمع سارديكا)

(2/20/1) ولأن اساقفة الغرب لهم لغة أخرى، ولم يفهموا هذا الشرح، لذا لم يقبلوه قائلين أن قانون نيقية كافٍ([79])، وأنهم ليسوا على استعداد لمضيعة الوقت فى أى شىء يجاوزه.

(2/20/2) ولكن عندما كتب الإمبراطور ثانية مصرا على إعادة بولس وأثناسيوس إلى كراسيهما الخاصة بهما بلا جدوى نتيجة لغضب الشعب المستمر، طلب هذان الاسقفان عقد مجمع مسكونى آخر لكى ما تتم تسوية قضيتهما بالإضافة إلى مسائل إيمانية أخرى، لأنهما أوضحا أن عزلهما لم يتم إلا بسبب الرغبة فى تحريف الإيمان.

(2/20/3)  لذلك انعقد مجمع عام آخر فى سارديكا([80])، مدينة فى ايلليركوم بالسلطة المشتركة للإمبراطوريَن، فالأول أرسل خطابا يطلب ذلك والآخر الشرقى أبدى موافقته على ذلك. وكان أن عُقِد مجمع سارديكا، فى السنة الحادية عشر بعد موت والدهما، خلال قنصلية روفينوس ويوسيبيوس ([81]).

(2/20/4) وطبقا لتقرير أثناسيوس([82]) حضره نحو ثلاثمائة اسقف من الأجزاء الغربية للإمبراطورية، أما سابينوس فيقول أنه قد أتى سبعون فقط من الأجزاء الشرقية، كان من ضمنهم اسخاريوس من مريوط([83]) الذى كان قد سيم اسقفا لذلك المكان بواسطة أولئك الذين خلعوا أثناسيوس. أما الباقون فقد تذرع بعضهم بالمرض، وآخرون اشتكوا من قِصر مدة إخطارهم ملقين اللوم على يوليوس اسقف روما على الرغم من انقضاء مدة سنة ونصف([84]) منذ وقت انعقاد مجمعهم، وهى المدة التى قضاها أثناسيوس فى روما فى انتظار اجتماع المجمع.

(2/20/5) وعندما اجتمعوا أخيرا فى سارديكا، رفض المدبرون الشرقيون الدخول فى حوار أو مقابلة المدبرين الغربيين ما لم يطردوا أولا أثناسيوس وبولس من المجمع. ولكن بروتوجينس اسقف سارديكا، وهوسيوس اسقف مدينة قرطبة بأسبانيا لم يسمحا بأى حال من الأحوال بتغيبهما.

(2/20/6) فإنسحب الاساقفة الشرقيون على الفور وعادوا إلى فيليبوبوليس فى تراقيا، وعقدوا مجمعا منفصلا حرموا فيه صراحة مصطلح هومووسيوس([85])، وأدرجوا رأى أنوميون فى رسائلهم، وأرسلوها إلى سائر الأماكن.

(2/20/7) ومن ناحية أخرى، أدان الذين بقوا فى سارديكا فى المقام الأول أولئك الذين غادروا الإجتماع. وبعد ذلك جرَّدوا المدعين على أثناسيوس من رتبهم، ثم أكدوا قانون نيقية ورفضوا مصطلح انوميون([86])ἀνομοίου، وأقروا عقيدة المساواة فى الجوهر([87]) على وجه التحديد والتى أدرجوها أيضا فى رسائلهم الموجهة إلى سائر الكنائس.

(2/20/8) وقد اعتقد كلُ من الطرفين أنه تصرف بصواب. اساقفة الشرق بسبب أن اساقفة الغرب قد أيدوا أولئك الذين قد عزلوهم. والغربيون لأنهم كانوا هم انفسهم مدافعين عن قانون نيقية الذى دنسه الشرقيون، وأيضا لأن أولئك الذين عزلهم الاساقفة الشرقيون بدون فحص لقضاياهم قد إلتجأوا إليهم.

(2/20/9) ولذلك أعادوا بولس واثناسيوس إلى كراسيهما، وأيضا مارسيللوس اسقف انقيرا فى غلاطية الصغرى الذى قد عُزل قبل ذلك بمدة طويلة، كما دونا فى كتابنا السابق([88]). ففى الحقيقة، اجتهد فى ذلك الوقت فى تبرئة نفسه من شبهة التشيع لزلل بولس الساموساطى الناجم عن سوء فهم بعض العبارات فى كتابه، وبذل كل ما فى وسعه للحصول على نقض للحكم الصادر ضده. ومع ذلك يجب ملاحظة أن يوسيبيوس بامفيليوس قد كتب ثلاثة كتب بالكامل ضد مارسيللوس([89])، يقتبس فيها كلام المؤلف ذاته ليبرهن على أنه يشايع سابيليوس الليبى، ومفاهيم بولس الساموساطى وهى أن الرب مجرد إنسان.

الكتاب الثانى: الفصل الواحد والعشرين.

(دفاع سقراتيس عن يوسيبيوس بامفيليوس)

(2/21/1) ولكن لما كان البعض قد حاول أن يشوه حتى سمعة يوسيبيوس بامفيليوس نفسه بأنه متعاطف مع الآراء الأريوسية فى أعماله([90]) لذلك لن يكون من غير المناسب أن نورد هنا بعض الملاحظات بشأنه.

(2/21/2) فأولا كان يوسيبيوس حاضرا فى مجمع نيقية الذى عرَّف عقيدة هومووسيوس homoousion، ووافق على ما قد تم تحديده هناك. وفى كتابه الثالث من “حياة قنسطنطين”([91]) عبَّر عن نفسه بهذه الكلمات: “لقد حث الإمبراطور الجميع على الإجماع لدرجة أنه جعلهم يتحدون فى الحكم على تلك النقاط التى كانوا فيما سبق مختلفين عليها فيما بينهم. وبذلك تم الاتفاق تماما في نيقية على مسائل الإيمان”.

ولذلك لمَّا كان يوسيبيوس فى إشارته إلى مجمع نيقية، يقول أن جميع الإختلافات قد أُزيلَت، وأن الجميع قد انتبهوا جميعا إلى وحدة المفاهيم، فما هو الأساس إذن الذى على أساسه يكون افتراض أنه كان اريوسيا؟. والأريوسيون بكل تأكيد قد انخدعوا هم أيضا عندما افترضوا أنه متعاطف مع معتقداتهم الخاصة.

(2/21/3) ولكن ربما يقول شخص ما أنه يبدو فى أحاديثه أنه يتبنى آراء اريوس لأنه يقول فى كثير من الأحيان “بالمسيح”([92]). وهذا يتعين الرد عليه بأن الكتَّاب الكنسيون غالبا ما قد استخدموا هذا الأسلوب من التعبير وأساليب أخرى على غراره للتعبير عن “تدبير” ناسوت مخلصنا، وقبلهم جميعا الرسول([93]) نفسه قد استخدم مثل هذه التعبيرات ولم يُحسَب قط أنه معلمُ لعقيدة خاطئة. وعلاوة على ذلك، بقدر ما تجاسر اريوس نفسه على القول بأن الإبن مخلوق، شأنه فى ذلك شأن باقى المخلوقات الأخرى، يُلاحَظ ما يقوله يوسيبيوس فى هذا الصدد فى كتابه الأول “ضد مارسيللوس”([94])، “هو وحده وليس غيره الذى قد أُعلِن [عنه] أنه الإبن الوحيد المولود من الله. ومن ثم يمكن لأى شخص أن ينتقد بالعدل، أولئك الذين يؤكدون أنه مخلوق مصنوع من العدم مثل بقية المخلوقات. لأنه كيف يمكن أن يكون الإبن، وأن يُدعى ابن الله الوحيد، وهم يفترضون أنه من ذات طبيعة المخلوقات الأخرى؟… وإذا كان هو واحد من المخلوقات العديدة الأخرى، فإنه سيكون مثلها، مخلوق من العدم. ولكن الكتاب المقدس لا يعلمنا هذا”. ثم يضيف بعد ذلك بقليل، “كل من يُعرِّف الإبن بأنه مصنوع من أشياء ليس لها وجود، وأنه مخلوق من لا شىء له وجود مسبق، ينسى أنه بينما يعترف بإسم الإبن إنما يُنكِر عليه أن يكون ابنا بالحقيقة. لأن المصنوع من لا شىء لا يمكن أن يكون حقا ابنا لله، عن أى شىء آخر مما صُنِع، ولكن الابن الحقيقى لله، لما كان هو مولود من الآب فإنه يُدعى بصواب الإبن الوحيد، والمحبوب من الآب. ولهذا السبب أيضا هو نفسه إله لأنه ماذا يمكن أن يكون إبن الله سوى أن يكون مماثلا تماما لذلك الذى ولده؟. فالملك يبنى فى الواقع المدينة، ولكنه لا يلدُها، ويُقَال أنه ولد ابنا وليس شيَّد ابنا. الصانع أيضا يمكن أن يُقال عنه أنه فاطر([95])، ولكن ليس والداً لعمله. بينما يُمكن أن يُنعَت الإبن بأنه فاطر. هكذا أيضا الله إله الكون هو آب للإبن، ولكنه يُمكن نعته على نحو لائق بأنه فاطر وصانع العالم. وعلى الرغم من أنه قيل ذات مرة فى الكتاب المقدس([96]) “الرب قنانى فى بداية طريقه” بسبب أعماله، بيد أنه علينا التمعن فى استخدام هذه العبارة التى سأشرحها فيما بعد، وليس كما فعل مارسيللوس بإستخدامه لعبارة مفردة ليعرّض للخطر أهم عقيدة فى الكنيسة”.

(2/21/3) وهكذا نطق يوسيبيوس بامفيليوس بهذه التعبيرات وغيرها الكثير فى كتابه الأول “ضد مارسيللوس”، وفى كتابه الثالث([97]) يتحدث عن أى معنى لمصطلح “مخلوق” يجب اتخاذه، فيقول “وإذ قد تأسست هذه الأمور، فإن ذلك يتطلب منا الآن [شرح] معانى تلك الكلمات مثل التى سبقت وهى “الرب قنانى فى بداية طريقه”([98]) بسبب أعماله. لأنه على الرغم من أنه يقول “قد قنانى” فإن ذلك ليس كما لو قال أننى قد أتيتُ إلى الوجود من العدم، ولا أنه هو نفسه قد صُنِع من لا شىء مثل باقى المخلوقات كما يزعم الآخرون خطأ، ولكن بمعنى الوجود السابق والحياة السابقة قبل انشاء العالم كله وأنه معيَّن من الله أبيه لحكم الكون بأسره. فالكلمة “قنانى” مستخدمة هنا بمعنى عيننى أو أقامنى. صحيح أن بطرس استخدمها([99]) عن الحكام والولاة بين البشر عندما قال “اخضعوا لكل خليقة بشرية من أجل الرب، الملك لأن له السيادة، والحكام لأنهم مرسلين من قِبله”، وأيضا النبى عندما يقول “يا اسرائيل اعدد طريق الله، لأن ذاك الذى أوجد الرعد وخلق الروح وأعلن مسيحه بين البشر”([100]). لم يستعمل كلمة “خلق” بمعنى الصُنع من لا شىء. لأن الله لم يكن قد خلق الروح عندئذ، عندما أعلن مسيحه لسائر البشر حيث يقول الجامعة([101]) “لا جديد تحت الشمس”. ولكن الروح موجود وله وجود سابق، ولكنه أُرسِل فى ذلك الوقت الذى كان فيه الرسل مجتمعون معا، عندما أتى كمثل صوت رعد من السماء، كما من هبوب ريح عاصف، وامتلأوا جميعا من الروح القدس([102])، وأعلنوا بالتالى مسيح الله لسائر البشر، طبقا لما نطق به النبى([103]) “المُوجِد للرعد الذى يخلق الريح، ويُعلن مسيحه للبشر”. إن كلمة “يخلق” قد أُستُخدِمت هنا بدلا من “يُرسل”([104]) أو “يعين”. وكان الرعد يرمز إلى الكرازة بالانجيل. وأيضا يقول “قلبا نقيا اخلق فىَّ يالله”([105]) ليس لأنه كان بلا قلب، ولكنه كان يُصلى من أجل أن يكون له ذهن نقي. وهكذا يُقال أيضا أنه يخلق إثنين فى واحد([106]) بدلا من يوّحِد. أنظر أيضا هذه الفقرة وما إذا كانت من نفس النوع أم لا([107]) “البسوا الانسان الجديد المخلوق بحسب الله”. وهذه([108]) “لذلك إذا كان أى واحد فى المسيح، فهو خليقة جديدة”. وأية عبارات أخرى من نفس النوع يمكن أن يجدها المرء يتعين فهمها بعناية حسب الاسفار المقدسة الموحى بها من الله. لذلك لا ينبغى للمرء أن يندهش إذا ما وجد هذه العبارة “الرب خلقنى فى بداية طرقه”، فمصطلح “خلقنى” هنا مستخدم بأسلوب مجازى بدلا من عيننى أو أقامنى.

(2/21/4) وهكذا يستخدم يوسيبيوس فى عمله “ضد مارسيللوس” مثل هذه العبارات التى اقتبسناها بسبب أولئك الذين حاولوا تجريمه بهتانا. إنهم لا يقدرون أن يثبتوا أن يوسيبيوس يضع بداية لجوهر ابن الله، على الرغم من أنهم قد يجدونه يستخدم غالبا تعبيرات بتكييف معيَّن، لأنه كان معجبا ومُقلِّدا لأعمال اورجينوس التى يمكن لأولئك القادرين على إدراك اعماق كتابات اورجينوس أن يُدركوا أنه قد دوَّن فى كل مكان أن الإبن مولود من الآب.

لقد أوردتُ هذه الملاحظات بشكل عابر لكى ما أدحض أولئك الذين أساؤا فهم يوسيبيوس.

الكتاب الثانى: الفصل الثانى والعشرون

(مجمع سارديكا يرد بولس وأثناسيوس إلى كراسيهما. امبراطور الشرق يرفض قبولهما. امبراطور الغرب يهدد بالحرب)

(2/22/1) وعاد المجتمعون فى سارديكا إلى مدنهم الخاصة، وكذلك أولئك الذين شكلوا مجمعا منفصلا فى فيليبوبوليس بتراقيا، بعدما أصدروا ما رأوه ضروريا.

(2/22/2) ومنذ ذلك الوقت انفصلت الكنيسة الغربية عن الشرقية([109]), وكانت الجبال التى تدعى جبال سوسيس Soucis التى تفصل الايلليريين عن التيراقيين تشكل الحدود بينهما. فإلى هذه الجبال كانت هناك شركة بلا فارق، على الرغم من أن هناك ايمان مختلف، ولكن فيما وراء هذه الجبال لم تكن هناك أية شركة مع بعضها البعض. هكذا كانت حالة التردى فى الكنائس فى ذلك الوقت.

(2/22/3) وسرعان ما أبلغ امبراطور الغرب أخاه بما أُتُخِذ فى سارديكا، ورجاه أن يرد بولس وأثناسيوس إلى كراسيهما. ولكن لمَّا تأخر قنسطانتيوس فى تنفيذ هذا الأمر، كتب إليه امبراطور الغرب ثانية مخيِّرا إياه إما إعادة بولس وأثناسيوس إلى رتبتهما الأولى ورد كنائسهم اليهما، وإما إذا ما أخفق فى هذا يعتبره عدوا له ويتوقع فى الحال حربا.

(2/22/4) وكان الخطاب الذى أرسله إلى أخيه هكذا: “أثناسيوس وبولس هنا معى. واننى مقتنع تماما بعد الفحص أنهما مضطهدان من أجل التقوى. لذلك إن أردت أن تُعيدهما إلى كراسيهما وتُعاقِب أولئك الذين أضروهما بلا عدل، فإننى سأرسلهما إليك. ولكن إن رفضتَ عمل ذلك، فإننى بكل تأكيد سآتى بنفسى لأرجعهما إلى كراسيهما على الرغم من معارضتك”.

الكتاب الثانى: الفصل الثالث والعشرون

(خشية قنسطانتيوس من تهديد أخيه. يستدعى أثناسيوس ويرسله إلى الأسكندرية)

(2/23/1) وعندما استلم امبراطور الشرق هذه الرسالة صار فى حيرة، وارسل فى الحال إلى غالبية الاساقفة الشرقيين وأطلعهم بخيار أخيه الذى أرسله إليه، وسألهم عما ينبغى عمله فأجابوه أنه من الأفضل تسليم الكنائس لأثناسيوس عن الدخول فى حرب مدنية. وبناء عليه استدعى قنسطانتيوس، مدفوعا بالضرورة([110])، أثناسيوس واصدقائه إلى الحضور إليه.

(2/23/2) وفى نفس الوقت ارسل امبراطور الغرب بولس إلى القسطنطينية فى صحبة اسقفين ومراقبين آخرين معتبرين ومزودين برسائل منه، إلى جانب رسائل من المجمع.

(2/23/3) ولكن بينما كان أثناسيوس مازال مختبئا ومترددا فى الذهاب إليه، إذ خشى من خيانة المفترين الذين معه، دعاه إمبراطور الشرق ثانية وثالثة إلى الحضور إليه. وهذا ثابت من رسائله المترجمة من اللاتينية([111]) كما يلى:

“قنسطانتيوس المنتصر إلى أثناسيوس الاسقف. إن مراحمنا العطوفة([112]) لا يمكن أن تدعكم مضطربين لمدة أطول كما بأمواج البحر الصاخبة. إن تقوانا الراسخة لا يمكن أن تجهل أنكم قد طُرِدتم من وطنكم وصُودِرت ممتلكاتكم، وجلتم تائهين فى القفار الموحشة. وعلى الرغم من أننى أجَّلتُ مدة طويلة الاتصال بك لأطلعك بما فى ذهنى متوقعا حضورك إلينا، لبحث كيفية علاج مشاكلك، ولكن لما كان الخوف قد أعاقك عن تنفيذ رغباتك لذا نرسل لك هذا الخطاب لتطمينك لكى ما تسرع بلا خوف بالمجىء إلينا لتختبر بنفسك جودنا وتحصل على مبتغاك، ويُعاد تنصيبك فى موضعك المناسب. فلأجل هذا الغرض طلبتُ من سيدنا وأخى قنسطانس المنتصر اوغسطس أن يهبك الإذن بالمجىء، بهدف عودتك إلى بلدك بموافقة كلٍ منا. وهذا تأكيد منا”.

(2/23/4) (ورسالة أخرى)

” قنسطانتيوس المنتصر أوغسطس إلى الاسقف أثناسيوس. على الرغم من أننا قد أوضحنا لك فى خطاب سابق أن تثق تماما بالمجىء إلى بلاطنا حيث أننا مهتمون للغاية بإعادتك إلى مكانك اللائق. إلا أننا نرسل مرة أخرى هذا الخطاب لقدسك لنحثكم به على أن تُقِّل مركبة عامة، وتُسرِع إلينا بدون أى خوف أو عدم ثقة، لكى ما تنال ما تُريد”.

(2/23/5)  (رسالة ثالثة إلى أثناسيوس )

“قنسطانتيوس المنتصر أوغسطس إلى أثناسيوس الاسقف. بينما كنا نقيم فى اديسا حيث كان كهنتك حاضرين، كان من دواعى السرور لنا أن نرسل إليك واحدا منهم للتعجيل بحضورك إلى بلاطنا لكى ما تتوجه فى الحال إلى الأسكندرية عقب مثولكم فى حضرتنا. ولكن لما كان قد انقضى زمان معتبر منذ أن استلمتَ خطابنا، ولم تحضر إلى الآن. فإننا نذكرك لذلك بالإسراع بالحضور بنفسك إلينا لكى ما تكون قادرا على العودة إلى وطنك ونوال مبتغاك. ولأجل المزيد من تأكيدنا أرسلنا إليك آخيتاسAchetas  الشماس الذى يمكنك أن تعلم منه فكرنا نحوك، وتطمئن على أنك ستنال بُغيتك، أى تعرف استعدادنا لتسهيل الأمور محل اهتمامك.”

(2/23/6) وعندما استلم اثناسيوس هذه الرسائل فى اكويليا، حيث كان يقيم عقب مغادرته لسارديكا، أسرع فى الحال إلى روما إلى يوليوس الاسقف، وأراه هذه الرسائل التى أدت إلى فرح كبير فى الكنيسة الرومانية إذ بدت كما لو كان امبراطور الشرق قد اعترف أيضا بإيمانهم، فكتب يوليوس اسقف روما أيضا رسائل إلى كهنة الأسكندرية والعلمانيين بخصوص أثناسيوس كما يلى([113]):-

(2/23/7) [رسالة يوليوس إلى الأسكندريين]

” يوليوس الاسقف إلى الكهنة والشمامسة وكل الشعب القاطن بالاسكندرية. الاخوة الأحباء، سلام من الرب. أنا أيضا ابتهج معكم ايها الاخوة الأحباء لأنكم ترون أخيرا بأعينكم ثمار ايمانكم. وهذا حقيقى بالفعل فكل واحد يمكنه أن يُدرك بالنسبة إلى أخى وشريكى فى الخدمة أثناسيوس أن الله قد أعاده إليكم مرة أخرى، لنقاوة حياته وأيضا استجابة لصلواتكم. وهذا دليل على أن تضرعاتكم التى كنتم ترفعونها إلى الله بلا انقطاع كانت نقية، ومملوءة حبا، متذكرين الوعود الإلهية والمحبة المرتبطة بها التى تعلمتموها من أخى. لقد كنتم تعرفون بكل تأكيد وطبقا للإيمان الصحيح الذى فيكم، والذى [به] سبقتم فرأيتم أن اسقفكم لن ينفصل عنكم إلى الأبد. ذاك الذى كان حاضرا دائما فى قلوبكم كما لو كان حاضرا دوما [بالجسد]. لذلك ليس من الضرورى لى أن أوجه كلاما كثيرا لكم لأن ايمانكم قد سبق وفاق كل ما يمكننى أن أقوله، وصلواتكم العامة قد تمت بنعمة المسيح.

ولهذا ابتهجُ معكم، وأكرر أنكم قد حفظتم نفوسكم راسخين فى الايمان. واننى افرح بالمثل بأخى أثناسيوس لأنه بينما كان يعانى من المحن الكثيرة، لم ينس قط محبتكم واشتياقكم نحوه، لأنه على الرغم من أنه بدا وكأنه قد أُستُبِعد عنكم بشخصه إلى حين، إلاَّ أنه كان حاضرا دوما معكم بالروح. وعلاوة على ذلك، فإننى مقتنع أيها الأحباء أن كل تجربة قد عانى منها لم تكن بلا مجد، لأن ايمانكم وايمانه قد أُختُبِر بهذا، وصار جليا للجميع.

فلو لم تكن هذه الضيقات العديدة قد حدثت له، مَن كان سيُصدق أن لكم مثل هذا الحب والتقدير العظيم لهذا المدبر الجليل؟. أو أنه قد وُهِب بمثل هذه الفضائل المتميزة التى بسببها نال شهادة اعتراف من كل النواحى، وصار ممجدا فى الدهر الحالى، والدهر الآتى. وإذ قد عانى من تجارب كثيرة ومتنوعة برا وبحرا، وطأ على كل دسائس الهراطقة الاريوسيين. وعلى الرغم من أنه قد تعرض مرارا للمخاطر بالجسد، لكنه استهان بالموت. وإذ كان محميا من الله القدير ربنا يسوع المسيح، كان واثقا دوما أنه ليس فقط سينجو من فخاخ [المضادين] بل أيضا سيعود إليكم من أجل تعزيتكم.

إذن، عودته إليكم هى فى نفس الوقت أعظم انتصار لضميركم، لأن بها صار معروفا وممجدا إلى أقاصى الأرض كلها. فلقد تأكد استحقاقه بنقاوة حياته، وشدة عزيمته وثباته فى العقيدة السمائية. وكلها أمور قد تأكدت بمحبتكم وتوقيركم الراسخ. لذلك هو يعود إليكم اليوم أكثر تألقا عما كان يوم رحل عنكم. لأنه إذا كانت النار تمتحن المعادن النفيسة (اعنى الذهب والفضة) للتنقية، فماذا يمكن أن يُقال عن رجل عظيم كهذا يليق به كل تقدير. إذ بعدما تغلب على نيران الافتراءات والمخاطر الكثيرة يعود إليكم الآن، وهو مُبرأ ليس فقط منا، ولكن أيضا من كل المجمع. لذلك استقبلوا، أيها الإخوة الأحباء، اسقفكم أثناسيوس بالفرح والكرامة الإلهيين. مع أولئك الآخرين الذين رافقوه فى محنته. وابتهجوا أنكم قد نلتم موضوع صلواتكم، أنتم الذين عضدتم بالطعام والشراب، وبخطاباتكم المعضدة راعيكم الذى كان جائعا وعطشانا دوما، إن جاز القول، إلى رفاهيتكم الروحية. وفى الحقيقة، كنتم أنتم عزاءه فى البلاد الأجنبية، وكنتم تنعشونه دوما بعواطفكم المخلصة جدا، عندما كان يجتاز المكائد والاضطهاد.

أما من جهتى فإنه يفرحنى جدا مجرد تصور فرح كل واحد منكم عند عودته وتحيات الجماهير النقية والاحتفالات المجيدة لأولئك الذين يستقبلونه. وفى الحقيقة كم سيكون ذلك اليوم الذى سيعود فيه أخى إليكم مرة أخرى، عندما تنتهى ضيقات الماضى، وعندما توحد الاشتياقات إلى عودته بين القلوب بأحر تعبيرات الفرح. إن هذه المشاعر فى أسمى مراتبها ستمتد إلينا، إذ نعتبرها علامة على التعطف الإلهى علينا أن وهبنا فرصة التعرف على هذا الشخص المتميز جدا. لذا وجب علينا أن نختم رسالتنا هذه بالصلاة. ليحفظكم الله القادر على كل شىء، وابنه ربنا يسوع المسيح فى نعمته على الدوام. ويُكافأكم على ايمانكم الجدير بكل إعجاب الذى أظهرتموه بالنسبة لأسقفكم بشهادة جلية، ويهبكم تملك الأشياء التى لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر ما أعده الله للذين يحبونه([114]) بربنا يسوع المسيح الذى به المجد لله القدير إلى أبد الأبدين آمين. أدعو الله أن تتقووا أيها الإخوة الأحباء”.

(2/23/8) وإرتكانا على هذه الرسائل وصل أثناسيوس إلى الشرق، ولم يستقبله قنسطانتيوس فى ذلك الوقت بمشاعر البغضة، ومع ذلك سعى إلى المراوغة معه، بتحريض من الاريوسيين، وخاطبه بهذا الكلام “ها أنت قد أُعيد تثبيتك على كرسيك طبقا لمرسوم المجمع وموافقتنا. ولكن لما كان البعض من شعب الأسكندرية يرفضون الاشتراك معك، فإسمح لهم بكنيسة واحدة فى المدينة”.

(2/23/9) فأجاب أثناسيوس على هذا المطلب فى الحال “يا سيدى إن لكم سلطة الأمر والتنفيذ معا لأى شىء تريدون، ولذلك أنا أيضا أسألك معروفا”. فوعده الإمبراطور بتلبية طلبه، فأردف أثناسيوس على الفور، أنه يريد عمل نفس الشىء الذى طلبه الإمبراطور معه، أى أن تُعطَى كنيسة فى كل مدينة لأولئك الذين يرفضون الاشتراك مع الاريوسيين.

(2/23/10) وإذ أدرك الاريوسيون هدف أثناسيوس العدائى لمصالحهم قالوا أن هذا الأمر يجب أن يؤجل لوقت آخر. وتركوا للإمبراطور أن يتصرف كما يُريد.

(2/23/11) لذلك ردَّ أثناسيوس وبولس ومارسيللوس إلى كراسيهم، وأيضا اسكليباس اسقف غزة ولوقيوس اسقف ادريانوبل. لأن هؤلاء أيضا قبلهم مجمع سارديكا. اسكليباس لأنه قدَّم سجلات ظهر منها أن يوسيبيوس بامفيليوس بعد أن فحص قضيته بالاشتراك مع آخرين أعاده إلى رتبته السابقة. ولوقيوس لأن المدعين عليه قد هربوا([115]). وبناء عليه أُرسِل مرسوم الإمبراطور إلى مدنهم الخاصة بهم، حاثا الجمهور على استقبالهم بكل ترحيب.

(2/23/12) وفى الحقيقة ثار شغب فى أنقيرا عندما عُزِل باسيليوس وحلَّ مارسيللوس محله، الأمر الذى زوَّد أعداءه بفرصة الافتراء عليه. ولكن شعب غزة استقبلوا بإرادتهم اسكليباس، وافسح مقدونيوس المجال لبولس فى القسطنطينية لبعض الوقت، وعقد اجتماعات خاصة به على حدة فى كنيسة منفصلة فى تلك المدينة.

(2/23/13) وعلاوة على ذلك، كتب الإمبراطور نيابة عن أثناسيوس إلى الاساقفة والكهنة والعلمانيين لكى ما يستقبلوه بكل ترحاب. وأمر فى نفس الوقت، برسائل أخرى، بإلغاء كل ما صدر ضده من أحكام.

وكانت المكاتبات الخاصة بهذه الأمور كما يلى:

(2/23/14)  (رسالة قنسطانتيوس الخاصة بأثناسيوس)

“المنتصر قنسطانتيوس مكسيموس اوغسطس إلى الاساقفة والكهنة بالكنيسة الجامعة. إن الاسقف الموقر جدا أثناسيوس لم تهجره نعمة الله، لكنه على الرغم من تعرضه لتجربة حسب البشر، نال تزكية من عناية العالِم بكل شىء، تليق به. وعاد إلى الكنيسة التى ترأس عليها بالتصريح الإلهى (بمشيئة الله وقرارنا) وإلى بلده. لذلك من الملائم طبقا لذلك أن يحظى بكرمنا، ومن ثم كل ما صدر ضد أولئك الذين يشتركون معه يتم إلغائه. وأن تبطل كل شبهة ضده من الآن فصاعدا. وأن تُرَّد الكرامة للكهنة الذين كانوا معه سابقا كما كانت. وعلاوة على ذلك، نرى أن يُضاف ذلك إلى كرمنا نحوه، وهو أن تعى الكنيسة الجامعة أن تلك الحماية تمتد أيضا إلى جميع المشايعين له سواء أكانوا اساقفة أم كهنة وأن يكون الاتحاد معه دليلا كافيا على حسن نية كل أحد. لذلك أمرنا طبقا للعناية السابقة أن كل من له حكمة فى الاختيار والحكم بالنسبة للإشتراك معه، فليتمتع بهذا التسامح الذى وهبناه الآن طبقا لإرادة الله”.([116])

(2/23/15)  (رسالة أخرى إلى الأسكندرية )

” المنتصر قنسطانتيوس مكسيموس اوغسطس إلى شعب الكنيسة الجامعة بالاسكندرية. إذ نضع أمامنا كهدف نظامكم الجيد من كل النواحى، وإذ نعلم أنكم قد حُرِمتم من اسقفكم لأمد طويل، فإننا قد فكرنا أنه من العدل أن نُعيد إليكم اسقفكم أثناسيوس مرة أخرى. ذاك الرجل المعروف من الجميع بقداسة حياته وسلوكه واستقامته. فاستقبلوه بمودتكم المعتادة واللائقة وآزروه بمعونة صلواتكم إلى الله، مجتهدين فى سائر الأوقات على حفظ القوانين الكنسية والسلام والانسجام الأمر الذى سيكون مكرَّما لكم وشكرا لنا. لأنه من غير المعقول أن يثور بينكم أى شقاق أو تحزب أو كراهية لرخاء عصرنا. ونحن نثق أن مثل هذه الأمور السيئة ستزول بالكلية من بينكم ونحن نحثكم لذلك على المحافظة على تقواكم المعتادة بمساعدته كما قلنا سابقا، حتى متى عُرِف عزمكم هذا على نطاق عام تشتركون فى الصلاة معا، عندئذ يهرع حتى الوثنيون الذين ما زالوا عبيدا للعبادة الوثنية بجهل، إلى إلتماس معرفة ديانتنا المقدسة، أيها الاسكندريون الأحباء. ولذلك نحثكم مرة أخرى، أن تحرصوا على هذه الأمور. استقبلوا بترحاب اسقفكم كشخص معين لكم بإرادة الله ومرسوم منا، وعاملوه بكل وقار يليق به واشملوه بعواطف نفوسكم، لأن هذا يليق بكم ويتسق مع كرمنا. ولكن منعا لأى ميل نحو الشغب والعصيان من قِبل الاشخاص مثيرى الفتن أصدرنا تعليمات للقضاة بتطبيق القوانين بكل صرامة على كل من يُكتَشَف أنه مثير للفتن([117]). وبذلك، نشعر بتحقق الانسجام المطلوب بينكم، عندما تخضعون لترتيبنا، ولإرادة الله، وتتذكرون العقوبة التى ستوقع على المخل بالنظام، فإحرصوا على السلوك على نحو مقبول من أجل تكريم ديانتنا المقدسة، وتكريم اسقفكم بكل وقار. وهكذا تقدمون معه تضرعاتكم إلى الله ابو الكون عن أنفسكم وعن حكومة كل الجنس البشرى.”([118])

(2/23/16)  (الرسالة الخاصة بإلغاء المراسيم التى ضد أثناسيوس )

“المنتصر قنسطانتيوس مكسيموس اوغسطس إلى نستوريوس وأيضا إلى حكام اوجستامانيكا وتيبايس وليبيا بأن مسرتنا الآن، هى إلغاء أية مراسيم مجحفة تكون قد صدرت فى أى وقت سابق، وتحط من شأن أولئك الذين يشتركون مع أثناسيوس الاسقف تماما. وأن يتمتع كهنته مرة أخرى بنفس الامتيازات التى كانت ممنوحة لهم فيما سبق. ونحن نردف هذا الأمر بالطاعة التامة لأنه مادام أن الاسقف أثناسيوس قد أعيد ثانية إلى كنيسته، فلا بد أن يحظى كل من يشارك معه بنفس الامتيازات التى كانت لهم سابقا، ومثلما يتمتع الكنسيون الاخرون الآن، لكى ما يتم ترتيب الأمور على نحو سعيد، ويشتركون هم أيضا فى الرخاء العام.”

الكتاب الثانى: الفصل الرابع والعشرون

(أثناسيوس يمر بأورشليم فى طريق عودته إلى الأسكندرية. يشترك مع مكسيموس. يعقد مجمعا من الاساقفة فى تلك المدينة لتأكيد قانون نيقية)

(2/24/1) وإذ تحصن أثناسيوس برسائل كهذه، اجتاز سوريا وجاء إلى فلسطين. وعند وصوله إلى اورشليم أطلع مكسيموس الاسقف، على كل ما تم فى مجمع سارديكا، وايضا على تصديق قنسطانتيوس على قراراته. ومن ثم اقترح عقد مجمع من الاساقفة هناك. فأرسل مكسيموس([119]) بدون إبطاء لأساقفة سوريا وفلسطين، وعقدوا مجمعا، وردَّ أثناسيوس إلى الشركة وإلى كرامته السابقة. وبعد ذلك، أرسل المجمع رسالة إلى الأسكندريين([120]) وإلى كل اساقفة مصر وليبيا بما تحدد بشأن أثناسيوس.

(2/24/2) وبناء عليه هدد المقاومون لأثناسيوس، مكسيموس بشدة على اساس أنه قد ساعد فيما سبق فى عزل أثناسيوس، وغيَّر رأيه فجأة كما لو كان شيئا ما لم يحدث سابقا، وصوَّت لصالح استرداد أثناسيوس لرتبته وللشركة معه.

(2/24/3) وعندما تأكد اورساكيوس وفالنس اللذان كانا أشد الاريوسيين هياجا من هذه الأمور، أدانا غيرتهما السابقة وتوجها إلى روما حيث قدَّما استدراكا إلى يوليوس الاسقف، وصدَّقا على عقيدة المساواة فى الجوهر، وكتبا أيضا إلى أثناسيوس وعبَّرا عن استعدادهما  للاشتراك معه فى المستقبل. وهكذا خضع اورساكيوس وفالنس فى ذلك الوقت بصلاح أثناسيوس، واعترفا بالايمان الأرثوذكسي.

(2/24/4) ثم اجتاز أثناسيوس بيليزيوم([121]) فى طريقه إلى الأسكندرية. وكان يعظ سكان كل مدينة أن يحترسوا من الاريوسيين، وأن يقبلوا فقط أولئك المتمسكين بعقيدة المساواة فى الجوهر. وقام أيضا برسامات فى بعض الكنائس، الأمر الذى وفَّر فيما بعد أرضية أخرى لإتهامه بالرسامة فى ايبارشيات أخرى خلاف ايبارشيته([122]). وهكذا كان مجرى الأمور فى تلك الفترة بالنسبة لأثناسيوس.

الكتاب الثانى: الفصل الخامس والعشرون

( عن الطاغيتين ماجننتيوس وفترانيو)

(2/25/1) وفى حوالى هذا الوقت هز الدولة اضطراب غير عادى، من الرؤساء الرئيسيين، وهذا ما سنصفه بإختصار إذ أنه من الضرورى ألا نعبر عليه فى صمت. فقد ذكرنا فى كتابنا الأول([123]) أنه عقب وفاة المؤسس الأول للقسطنطينية، خلفه أبناؤه الثلاثة فى الإمبراطورية، ويجب أن ندون الآن أيضا أن قريبا لهم اسمه دالماتيوس يُدعى هكذا من أبيه، قد اشترك معهم فى السلطة الإمبراطورية. هذا الشخص بعد اشتراكه معهم فى السلطة لفترة قصيرة جدا، قتله الجنود([124])، دون أن يأمر قنسطانتيوس بذلك أو يمنعه. وبنفس الأسلوب أيضا قُتِل قنسطنطين الأصغر من الجنود عند غزوه لذلك القِسم من الإمبراطورية الخاص بأخيه وهو ما قد سجلناه سابقا([125]). وبعد موته نشبت الحرب الفارسية ضد الرومان التى لم يفز فيها قنسطانتيوس، إذ لما نشبت المعركة ليلا عند الحدود بين الطرفين، كان هناك إزعاج فى سائر الكنائس بسبب اثناسيوس ومصطلح هومووسيوس.

(2/25/2) وإذ جرت هذه الأمور على هذا النحو برز فى الأجزاء الغربية للإمبراطورية طاغية يُدعَى ماجننتيوس([126]) الذى قتل بغدر قنسطانس امبراطور القِسم الغربى من الإمبراطورية، والذى كان يقيم فى ذلك الوقت فى الغال. وإذ حدث ذلك اندلعت حرب أهلية ضروس، وأعلن ماجننتيوس نفسه سيدا لإيطاليا، وأخضع مصر وليبيا لسلطته واستولى أيضا على الغال. ولكن القوات العسكرية أقامت فى مدينة سيرميم بإيلليريكوم طاغية آخر اسمه فترانيو([127]) Vetranio، بينما عم هياج آخر مدينة روما ذاتها، إذ كان هناك ابن عم لقنسطنطين يُدعى نبوتيان  Nepotian كانت تدعمه مجموعة من المحاربين، أعلن هناك سيادته. ومع ذلك قُتِل أيضا من قِبل بعض ضباط ماجننتيوس الذى غزا المقاطعات الغربية ونشر الخراب فى كل مكان.

الكتاب الثانى: الفصل السادس والعشرون

(عزل بولس واثناسيوس ثانية من كراسيهما. مقتل الأول فى طريقه إلى المنفى. وهروب الثانى)

(2/26/1) وقد تزامنت هذه الأحداث الكارثية معا خلال فترة قصيرة من الزمن، إذ أنها قد حدثت فى السنة الرابعة بعد مجمع سارديكا وخلال قنصلية سرجيوس ونيجرنيان([128]). وعندما انتشرت هذه الظروف بدا أن حكم الإمبراطورية كلها قد آل إلى قنسطانتيوس وحده ومن ثم أُذيع فى الشرق بأنه الحاكم المطلق المفرد، فقام بحماس بالإستعدادات ضد الطغاة.

(2/26/2) وهنا وجد أعداء أثناسيوس الفرصة المواتية واختلقوا تهما أكثر وشاية ضده قبل وصوله إلى الأسكندرية مؤكدين للإمبراطور أنه قلب مصر وليبيا. وأنه قام بالسيامة خارج حدود ايبارشيته الخاصة، غير مبالٍ بالإتهامات الموجهة إليه.

(2/26/3) وفى نفس الوقت وصل أثناسيوس إلى الأسكندرية وجمع مجمعا من اساقفة مصر الذين صوتوا بالإجماع لصالح ما قد تحدد فى مجمع سارديكا ومجمع أورشليم من مكسيموس.

(2/26/4) ولكن الإمبراطور الذى كان يتبنى المفاهيم الاريوسية منذ وقت بعيد تراجع عن كل اجراءات التسامح التى اتخذها منذ وقت قليل. فأمر أولا بعزل بولس من اسقفية القسطنطينية وإرساله إلى المنفى، وفى الطريق خنقه([129]) أولئك الذين اقتادوه عند كوكوسس Cucusus بكبادوكيا([130]). وطُرِد مارسيللوس أيضا، وعاد باسيليوس لحكم كنيسة انقيرا، وقُيِّد لوقيوس بالسلاسل ومات فى السجن. ووصلت الاشاعات الخاصة بأثناسيوس إلى الإمبراطور، فأمر فى ثورة غضبه بإماتته أينما وُجِد وضم إليه، فى نفس الحكم بالإعدام، ثيودولوس وأوليمبيوس اللذين ترأسا كنائس فى تيراقيا.

(2/26/5) ولم يكن أثناسيوس جاهلا بنوايا الإمبراطور، فلما علِم بها فرَّ ثانية وهرب هكذا من تهديدات الإمبراطور واعتبر الاريوسيون فراره جريمة([131])، وبصفة خاصة نارسيسس Narcissus اسقف نيرونياسNeronias فى كيليكية، وجورج فى لاودكية وليونتيوس الذى كان يُشرف على كنيسة انطاكية. وهذا الأخير عندما كان قسا جُرّد من رتبته لأنه خصى نفسه([132]) لكى يُزيل عن نفسه كل شبهة المعاشرة الجنسية مع إمرأة تُدعى يوستوليوم التى قضى معها ردحا معتبرا من الزمن، وعاش معها بعد ذلك بإخلاص، على أساس أنه لن يكون هناك أى سبب للتخمين الشرير. ومع ذلك، نظرا للرغبة الحارة للإمبراطور قنسطانتيوس جُعِل اسقفا على كنيسة انطاكية([133]) بعد استيفن خليفة بلاسيتوس. وما اكثر هذا.

الكتاب الثانى: الفصل السابع والعشرون

(اعمال مقدونيوس ضد مخالفيه)

 

(2/27/1) وبعدما أُسـتبعِد بولس على النحو الذى وصفناه، صار مقدونيوس حاكم الكنائس فى القسطنطينية، وحظى بمكانة كبيرة لدى الإمبراطور. فشن حربا ضد المسيحيين لا تقل وحشية عن تلك التى كان الطغاة يشنونها. إذ أنه بعدما ساد على الكنائس سعى إلى فرض ما يريد أيا كان بالقانون. ومن ثم أُذيع مرسوم فى مدن عديدة، وعُيّنت قوات عسكرية لتنفيذ هذا المرسوم الإمبراطورى. وبالتالى طُرِد كل مَن يتمسك بعقيدة المساواة فى الجوهر ليس فقط من الكنائس بل أيضا من المدن. والآن، رضوا أولا بالطرد، ولكن عندما ازداد الشر لجأوا إلى ما هو أسوأ إذ أجبروهم على الاشتراك معهم غير مبالين بمثل هذه الانتهاكات للكنائس. لقد كان ظلمهم حقا بالكاد أقل مما كان يفرض على المسيحيين سابقا لعبادة الأصنام، إذ أنهم طبقوا كل أنواع التعذيب والاحتقار، ومصادرة الممتلكات. ونُفِىَّ كثيرون، ومات البعض تحت التعذيب وأُعدِم آخرون وهم مقادون إلى المنافى. وكانت هذه الأساليب الوحشية تمارس فى سائر أرجاء المدن الشرقية ولكن بصفة خاصة فى القسطنطينية. وهكذا ازداد الصراع الداخلى الذى كان زهيدا قبلا، وحشية بمجرد أن حاز مقدونيوس الاسقفية.

(2/27/2) أما سكان المدن اليونانية وايلليريكوم وكل الاطراف الغربية فكانوا مازالوا يتمتعون بالهدوء إذ كان هناك انسجام بين بعضهم بعضا واستمروا متمسكين بقانون مجمع نيقية.

الكتاب الثانى: الفصل الثامن والعشرون

(وصف أثناسيوس لظلم جورج الاريوسى للأسكندريين)

(2/28/1) أما عن الوحشية التى مارسها جورج فى الأسكندرية فى نفس الوقت، فهذا نعلمه من رواية أثناسيوس الذى كان شاهد عيان لهذه الأحداث وعانى منها أيضا، فى “دفاعه عن الهروب”([134]) وهو يتحدث عن هذه المعاملات معبرا هكذا عن نفسه:

(2/28/2)  “وعلاوة على ذلك، أتوا إلى الأسكندرية ملتمسين هلاكى. وفى هذا الصدد كانت اجراءاتهم أسوأ من ذى قبل، لأن الجنود أحاطوا بالكنيسة فجأة وأثاروا ضجة الحرب بدلا من صوت الصلاة.

وفيما بعد، أتى جورج من كبادوكيا فى فترة الصوم الكبير، فأضاف الشر الذى قد تعلمه. وعندما انقضى اسبوع الآلام، طُرِحت العذارى فى السجون، وقُيِّد الاساقفة بالسلاسل من قِبل القوات العسكرية، واقتحموا حتى دور الأرامل والأيتام ونهبوا المؤون. وكان المسيحيون يُغتَالون ليلا. وخُتِمَت البيوت([135])، وتعرض أقارب الكهنة للخطر من جراء ذلك. وكان انتهاك الحرمات مرعبا، ولكن ما تلى ذلك كان أكثر رعبا. ففى غضون اسبوع بعد البنطقستى المقدس، ذهب الشعب صائمين إلى المقابر للصلاة لأن جميعهم كانوا يرفضون الاشتراك مع جورج، وإذ علِم أشر الناس هذا بذلك، هيَّج ضدهم سباستيان، وهو ضابط من شيعة مانى. فزحف بالتالى على رأس كتائب مسلحة بسيوف مسلولة ورماح وأقواس للهجوم على الشعب على الرغم من أنه كان يوم الرب([136]). وإذ وجد قلة يصلون، حيث كانت غالبيتهم قد انصرفوا بسبب تأخر الوقت، قام بأعمال سخرة كما هو متوقع منه حيث أضرم نارا وقرَّب منها العذارى ليجبرهم على القول بالإيمان الأريوسى. ولكن عندما وجد ثباتا منهن وإزدراءً بالنار، عراهن وضربهن على وجوهن على نحو كان يمكن بالكاد أن التعرف عليهن بعد ذلك بمدة طويلة. وقبض أيضا على حوالى اربعين رجلا وجلدهم بأسلوب غير عادى، إذ مزق ظهورهم بجريد النخيل الذى لم يقطع شوكه بعد، لدرجة أن البعض اضطر إلى طلب المساعدة الجراحية المتكررة لكى يتم نزع الشوك من اللحم. ومات آخرون تحت التعذيب إذ لم يحتملوا الآلام. وتم نفى جميع الباقين ومعهم عذراء إلى الواحة الكبرى([137]). ولم يسلّموا أجساد الموتى لأقربائهم وأنكروا عليهم حق الدفن، وأخفوها حسبما تراءى لهم، حتى لا تظهر أثار جريمتهم. لقد فعلوا ذلك كمجانين لأنه بينما كان أصدقاء المنتقلين فرحين بسبب اعترافهم، كانوا ينوحون لأن اجسادهم لم تدفن([138]).

وترددت أخبار هذه الأعمال اللاإنسانية الظافرة فى الخارج بأكثر جلاء. إذ سرعان ما نُفِى من مصر الاساقفة الآتين: أمونيوس، ثيميوس، كايوس، فيلو، هرمس، بلينى، سينوسيوس، نيلامون، أغاثو، آناجامنوس، مارك، آمونيوس، مارك الآخر، دراكونتيوس، آدلفيوس، آثينادورس، والكهنة هيراكس، وديسقورس. وعاملوهم بقسوة لدرجة أن بعضهم قضى نحبه وهو فى طريق السفر، وآخرون فى مواضع نفيهم. وبهذه الطريقة تخلصوا من أكثر من ثلاثين اسقفا لأن اهتمام الاريوسيين كان مثل اهتمام آخاب، وهو القضاء على الحق كلما أمكن”.

هكذا كان كلام أثناسيوس بالنسبة للفظائع التى مارسها جورج فى الأسكندرية .

(2/28/3) وفى نفس الوقت قاد الإمبراطور جيشه إلى ايلليركوم إذ تطلبت الشؤون العامة الملحة حضوره. وبصفة خاصة إعلان الجنود لفترانيو امبراطورا. وعند وصوله إلى سيرميم عقد مؤتمرا مع فترانيو([139]) خلال هدنة حربية، فحدث أن غيَّر الجنود الذين اعلنوا فترانيو امبراطورا فيما سبق رأيهم وحيوا قنسطانتيوس كأوغسطس وسيد منفرد. وعند إعلانهم هذا أدرك فترانيو أنه قد هُجِر، فالقى بنفسه فى الحال تحت أقدام الإمبراطور. فنزع عنه قنسطانتيوس الثوب الارجوانى والتاج الإمبراطورى، وعامله بكل رأفة وأوصاه أن يقضى بقية حياته فى هدوء كرجل عادى ويراعى راحته فى عمره المتقدم عن مرتبة تجلب له الهم والقلق. وإذ انتهت أمور فترانيو بهذا الشكل، أمر الإمبراطور بتزويده بالمؤنة من الخزانة العامة. وفيما بعد، كتب فترانيو مرارًا إلى الإمبراطور خلال اقامته فى بروسا ببيثينية مؤكدا له أنه قد أسبغ عليه بركة أعظم بتحريره من القلق الذى لا ينفصل عن السلطة. مضيفا أنه هو نفسه لم يتصرف بحكمة عندما حرم نفسه من سعادة التقاعد التى وهبها له. لنكتف بذلك فى هذه النقطة.

(2/28/4) وبعد هذه الأمور، عين قنسطانتيوس قريبه جالوس Gallus قيصرا، وأعطاه اسمه وارسله إلى انطاكية بسوريا لحراسة الأجزاء الشرقية. وبينما كان جالوس يدخل هذه المدينة، ظهرت علامة المخلص فى الشرق([140]) إذ شوهِد فى السماء عمود على شكل صليب مما أدهش بدوره المشاهدين. وأرسل الإمبراطور جنرالاته الآخرين مع قوات معتبرة للتصدى لماجننتيوس. وبقى هو فى سيرميم منتظرا مجرى الأحداث.

الكتاب الثانى: الفصل التاسع والعشرون

 (عن فوتينوس رئيس الهراطقة)

(2/29/1) وخلال هذا الوقت جاهر فوتينوس([141]) الذى كان يترأس كنيسة تلك المدينة، علانية بصيغة الايمان التى كان قد ابتدعها. فلما ترتب على ذلك جلبة، وشغب أمر الإمبراطور بعقد مجمع فى سيرميم.

(2/29/2) فإجتمع هناك بالتالى من الاساقفة الشرقيين([142])، مارك من أرثوسا، وجورج الاسكندرى الذى عينه الاريوسيون محل جريجورى، وباسيل الذى ترأس على كنيسة أنقيرا بعد عزل مارسيللوس، وبانكراتيوس من بليزيوم وهاباتيان من هيراكليا. ومن الاساقفة الغربيين كان حاضرا فالنس من مورسا، والمكرَّم هوسيوس اسقف قرطبة بأسبانيا الذى حضر رغما عن إرادته. هؤلاء اجتمعوا فى سيرميم بعد قنصلية سرجيوس ونيجرنيان([143])، فى سنة لم يحتفل فيها القنصل بالتذكار المعتاد نتيجة لجلبة الحرب.

(2/29/3) فلما اجتمعوا ووجدوا أن فوتينوس قد أخذ بهرطقة سابيليوس الليبى وبولس الساموساطى، عزلوه على الفور. وهذا القرار كان فى ذلك الوقت، وأيضا فيما بعد، معتبرا على نطاق عام عادل ومحل تقدير. ولكن الذين استمروا هناك تصرفوا على نحوٍ لم يلق استحسانا عاما.

الكتاب الثانى: الفصل الثلاثون

(مرسوم مجمع سيرميم بحضور الإمبراطور قنسطانتيوس)

(2/30/1) فكما لو كانوا قد تراجعوا عن تحديداتهم الخاصة بالإيمان، نشروا صيغا أخرى جديدة، أعنى تلك التى ألفها مارك باليونانية. وأخرى باللاتينية لا تتفق مع بعضها البعض لا فى التعبيرات ولا فى المفاهيم، ولا مع تلك التى عرضها الأسقف أرثوسا. وسأدرج هنا إحدى هذه الصيغ اللاتينية إلى جانب تلك اليونانية المعدة بواسطة مارك، أما الأخرى التى تُلِيَت بعد ذلك فى سيرميم([144]) فسنوردها عندما نصف ما تم فى ارمينيم. ومع ذلك، ينبغى الوعى أن الصيغ اللاتينية قد تُرجمت إلى اليونانية.

(2/30/2) إن صيغة الايمان التى عرضها مارك كانت كما يلى([145]):

’نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكل، خالق وصانع جميع الأشياء. منه تسمَّت كل عشيرة فى السماء وعلى الأرض([146]). وبإبنه الوحيد ربنا يسوع المسيح، المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، به كان كل شىء ما يرى وما لا يرى مما فى السماء وما على الأرض الذى هو الكلمة والحكمة والنور الحقيقى والحياة. الذى تأنس فى الأيام الأخيرة من أجلنا ووُلِد من القديسة العذراء، وصُلب ومات ودفن وقام ثانية من الموت فى اليوم الثالث واستقبلته السماء. وجلس عن يمين الآب وسيأتى فى تمام الدهور ليدين الأحياء والأموات وليجازى كل واحد تبعا لأعماله. الذى ملكوته أبدى والى دهر الدهور لأنه سيجلس عن يمين الآب ليس فى هذا الدهر الحاضر فقط، ولكن فى الدهر الآتى. وأيضا [نؤمن] بالروح القدس المعزى الذى إذ وعد به رسله، أرسله لهم بعد صعوده إلى السماء ليعلمهم ويذكرهم بكل شىء. والذى به أيضا تتقدس نفوس أولئك الذين يؤمنون به بأمانة.

أما أولئك الذين يعتقدون أن الإبن كان من العدم، أو من طبيعة أخرى وليس من الله، أو أنه كان هناك وقت أو دهر لم يكن فيه، فإنهم يكونون غرباء عن الكنيسة الجامعة والمقدسة.

لذلك نقول مرة أخرى إذا قال أى شخص أن الآب والإبن إلهان فليكن أناثيما. وإذا قال أن المسيح إله وابن الله قبل كل الدهور ولكنه لا يُقر أنه خدم الآب فى تكوين جميع الأشياء فليكن محروما. إذا تجاسر أحدٌ وقال أن غير المولود أو جزء منه قد وُلِد من مريم، فليكن محروما. إن قال أحدٌ أن الإبن كان من مريم بحسب سبق المعرفة، وليس هو المولود من الآب قبل الدهور وأن جميع الأشياء لم توجد بواسطته فليكن اناثيما. إن زعم أحد أن طبيعة الله قد تمددت أو تعارضت فليكن أناثيما. إن قال أحد أن الطبيعة المتمددة لله كونت الإبن، أو نعت الإبن بأنه امتداد لطبيعته فليكن أناثيما. إن دعا أحد ابن الله بأنه الكلمة الداخلى أو الخارجى فليكن محروما. إن قال احد أن الإبن المولود من مريم هو انسان فقط، فليكن أناثيما. إن زعم أحد أنه قد وُلِد من مريم ليكون إنسانا وإلها فليكن أناثيما. إن مَن يفهم النص[القائل] “أنا الأول والأخر، وليس معى إله غيرى”([147])، الذى يتكلم عن هلاك الآلهة الزائفة والأصنام، كما يفهم اليهود، كما لو قد قيل عن خضوع إبن الله الوحيد قبل العصور، فليكن أناثيما. إذا ما تخيل أحد عندما يسمع “والكلمة صار جسدا”([148]) أن الكلمة قد تحول إلى جسد أو أنه قد خضع لأى تغير عندما لبس جسدا فليكن أناثيما. إذا قال أحدٌ عندما يسمع أنه قد صُلِب أن الوهيته قابلة للفساد أو التألم فليكن أناثيما. إن قال أحد أن الآب لم يقل للإبن “لنعمل الإنسان”([149]) ولكنه كان يُكلم نفسه فليكن اناثيما. إن قال أحد أنه لم يكن الإبن هو الذى صارع كإنسان يعقوب، ولكن الله غير المولود أو جزء منه فليكن اناثيما. إن فهم أحدٌ عبارة “أمطر الرب من الرب”([150]) ليس بالنسبة للآب والإبن ولكنه يقول أن الآب أمطر بمفرده فليكن اناثيما، لأن الإبن أمطر من الآب. إن سمع أى شخص “الله الآب، والله الإبن، وظن إلهان، فليكن اناثيما, لأننا لا نقول بأصليَنْ آب وإبن، وإنما [ندرك أنه] من الآب. لأنه لم ينزل بالجسد([151]) بدون إرادة أبيه، ولا هو أمطر من نفسه ولكن من الرب(أى من الآب) الذى له السلطان. ولا جلس عن يمين الآب من نفسه ولكن طاعة للآب القائل” اجلس عن يمينى “([152]) فليكن أناثيما . مَن يقول أن الآب والإبن والروح القدس اقنوم واحد، فليكن اناثيما. من يدعو الروح القدس الله غير المولود، فليكن اناثيما. كل من لا يقول أن المعزى، كما علَّمنا هو، هو خلاف الإبن الذى يقول سأطلب من الآب أن يرسل لكم المعزى([153])، فليكن اناثيما. كل من يزعم أن الروح القدس جزء من الآب والإبن فليكن اناثيما. كلُ مَن يزعم أن الآب والإبن والروح القدس ثلاثة آلهة، فليكن أناثيما. كل من يقول أن الإبن قد صُنِع كواحدٍ من المخلوقات بإرادة الله، فليكن اناثيما. مَن يقول أن الإبن قد ولِد بدون إرادة الآب فليكن اناثيما. لأن الآب لا يخضع لأى ضرورة طبيعية ليلد ابنا وهو لا يريد، ولكن حسب مسرته لأنه غير خاضع للزمن أو الأهواء. كل من يقول أن الإبن غير مولود ولا بداية له مشيرا إلى أن هناك اثنيَن بلا بداية، وبلا ولادة جاعلا بذلك إلهيَن، ليكن محروما. لأن الإبن رأس جميع الأشياء ورأس المسيح هو الله([154])، وبهذا نُرجع كل شىء بالمسيح إلى مصدر واحد بلا بداية.

وعلاوة على ذلك، لكى نعطى مفهوما دقيقا عن العقيدة المسيحية، فإننا نقول مرة أخرى كل مَن لا يعترف بالمسيح يسوع أنه ابن الله قبل كل الدهور وأنه خدم ([155])الآب فى خلق جميع الأشياء، ولكنه يزعم أنه دُعِى ابنٌ ومسيحٌ منذ الوقت الذى وُلِد فيه من مريم فقط. وأنه نال عندئذ بداية ألوهيته فليكن اناثيما، بوصفه ساموساطيا([156])“.

(2/30/3)  (شرح آخر باللاتينية بعد ترجمته إلى اليونانية([157]))

“لما بدا حسنا مناقشة سائر النقاط الخاصة بالإيمان، فقد تم فحصها بعناية فى سيرميم فى حضور فالنس واورساكيوس وجرمينس وآخرين. من الثابت أن هناك إله واحد، الآب القادر على كل شىء كما هو معلن فى سائر العالم. وإبنه الوحيد يسوع المسيح ربنا وإلهنا ومخلصنا المولود منه قبل سائر الدهور. ولكن لا يجب أن نقول أن هناك إلهان إذ أن الرب نفسه قد قال “إنى ذاهب إلى أبى وأبيكم، وإلهى وإلهكم”([158]). لذلك هو إله للجميع، كما علَّم بولس “هل هو إله لليهود فقط؟ كلا إنه للأمم أيضا. ناظرين أنه هناك إله واحد الذى يبرر الغرلة بالإيمان”([159]) وفى كل الأمور الأخرى هناك اتفاق دون أى إبهام.

ولكن لما كان فهم ما يُسمى طبيعة substantia باللاتينية و”اوسيا” ousia باليونانية قد أدى إلى بعض المتاعب للكثيرين جدا بخصوص فهم المقصود بكلمة هومووسيوس([160]) homoousion أو هومواوسيون([161])  homoiousionبدقة، فقد بدا من المرغوب فيه عدم ذكر أىٍ من هذه المصطلحات أو الوعظ بها فى الكنائس بسبب أنها لم ترد فى الأسفار المقدسة ولأنها فوق المعرفة والقدرة البشرية ولا يمكن لأحدٍ شرح ولادة الإبن التى كتب عنها “من يخبر فى جيلنا”([162]). فمن الجلى أن الآب وحده هو الذى يعرف كيف ولد الإبن، والإبن وحده هو الذى يعرف كيف وُلِد من الآب. ولكن أحدا ما لا يقدر أن يشك فى أن الآب أعظم فى المجد والكرامة والربوبية، وفى إسم الآب نفسه. فالإبن نفسه يشهد “الآب الذى ارسلنى أعظم منى”([163]) ولا يجهل أحد أن هذه هى العقيدة الجامعة([164])، أن هناك اقنومان آب وابن. وأن الآب أعظم، وأن الإبن خاضع للآب مع كل ما هو خاضع له. وأن الآب لا بداية له وغير مرئى وغير مائت وغير قابل للتألم. أما الإبن فمولود من الآب، إله من إله، نور من نور ولا يمكن لأحد أن يدرك ميلاده، كما قيل سابقا، سوى الآب وحده. وأن الإبن نفسه ربنا وإلهنا قد أخذ جسدا أى طبيعة بشرية كما بشَّر الملاك وكما علم الكتاب المقدس وخاصة الرسول الذى كان المعلم العظيم للأمم، أن المسيح اتخذ طبيعة بشرية من القديسة العذراء تألم بها. ولكن ملخص وتمام الإيمان هو أن [عقيدة] الثالوث يجب الحفاظ عليها دوما حسبما نقرأ فى الإنجيل “إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم بإسم الآب والإبن والروح القدس”([165]) وبهذا يكمل عدد الثالوث ويتم. فالروح القدس المعزى الذى ارسله الإبن حسب وعده لكى يقدس ويعلم الرسل وكل المؤمنين”.

(2/30/4) واجتهدوا لكى يقنعوا فوتينوس حتى بعد عزله ليصدّق على هذه الصيغة ويوقع علي هذه الأمور بوعد أن يردوه إلى اسقفيته إذا ما تراجع وحرم التعليم الذى اختلقه وتبنى رأيهم. ولكنه لم يقبل عرضهم، وتحداهم، من ناحية أخرى، لمناقشته([166]).

(2/30/5) وعندما حل اليوم المحدد من الإمبراطور اجتمع الاساقفة الذين كانوا حاضرين هناك وعدد ليس بقليل من السيناتورات الذين أشار الإمبراطور عليهم بحضور المناقشات. واختار الاساقفة باسيليوس الذى كان يترأس آنذاك كنيسة انقيرا للتصدى لفوتينوس، وسجل الكتبة الحاضرون بالإختزال خطابهما على التوالى. وكانت حدة المجادلات شديدة للغاية. ولكن فوتينوس صار أسوأ، وأُدين وقضى بقية حياته فى النفى.

وفى غضون ذلك ألف مقالات بسائر اللغات لأنه لم يكن ماهرا فى اللاتينية، ضد كل الهرطقات ولصالح رأيه الخاص. ولنكتف بذلك بخصوص فوتينوس.

(2/30/6) والآن، لم يرض الاساقفة الذين اجتمعوا فى سيرميم بصيغة الإيمان التى قدمت باللاتينية إذ تبين بعد نشرها لهم أنها تحتوى على متناقضات كثيرة. لذلك اجتهدوا فى سحبها ثانية من الكتبة. ولكن لما كان كثيرون قد أخفوها، أمر الإمبراطور بمرسوم بالبحث عن هذه النسخة مهددا بعقاب كل مَن يُكتشَف أنه يخفيها. ومع ذلك كان هذا الوعيد غير قادر فى الوصول إلى ما وقع بالفعل فى يد الكثيرين([167]). ولنكتف بذلك، بشأن هذه الأمور.

الكتاب الثانى: الفصل الواحد والثلاثين

 (عن هوسيوس اسقف قرطبة)

(2/31/1) لما كنا قد لاحظنا أن هوسيوس الاسبانى كان حاضرا بغير إرادته، فمن الضرورى أن ندون رواية مختصرة عنه. فقد استدعاه الإمبراطور نتيجة لإلحاح شديد من المجتمعين فى سيرميم، قبلما يُرسَل إلى المنفى بدسائس الاريوسيين بوقت قصير. إذ كانوا يأملون فى تصديقه على صيغتهم، إما بالإقناع وإما بالإجبار. لأنه إذا تم ذلك فإن ذلك سيعطى لمفاهيمهم سلطة كبيرة. ولذلك أُجبِر، كما قلتُ، على الحضور رغما عن إرادته على هذا الأساس. وعندما رفض التصديق جلدوه وعذبوه وهو شيخ. وأُجبِر بالقوة على التوقيع على صيغتهم للإيمان. هكذا كانت مجرى الأمور فى مجمع سيرميم.

(2/31/2) وظل الإمبراطور مقيما فى هذا المكان بعد هذه الأمور منتظرا نتيجة الحرب ضد ماجننتيوس.

الكتاب الثانى: الفصل الثانى والثلاثون

 (التغلب على الطاغية ماجننتيوس)

(2/32/1) وإذ جعل ماجننتيوس Magnentius نفسه فى ذلك الوقت سيدا على مدينة روما، قتل الكثيرين من أعضاء مجلس السينات وأيضا من الجمهور. ولكن بمجرد أن جمع قادة قنسطانتيوس جيشا من الرومان وزحفوا ضده، ترك روما واعتزل بالغال. وهناك وقعت معارك عديدة كان الفوز فيها لكل من الطرفين تارة وأخرى. وأخيرا هُزِم ما جننتيوس بالقرب من قلعة مورسا بالغال، حيث حوصر هناك بشدة. وفى هذا المكان حدثت هذه الواقعة الجديرة بالتسجيل.

(2/32/2) إذ أراد ماجننتيوس أن يسترد شجاعة جنوده الذين خارت عزيمتهم بهزيمتهم الأخيرة، وصعد فوق منصة لهذا الغرض، أرادوا أن يهللوا له بصيحات الإعجاب المعتاد تقديمها للأباطرة، ولكنهم على النقيض من مشاعرهم الآنية هتفوا جميعا لا بإسم ما جننتيوس ولكن بإسم قنسطانتيوس أوغسطس. وإذ اعتبر ما جننتيوس ذلك فألا سيئا بالنسبة له، انسحب فى الحال من القلعة وتوجه إلى الأطراف القصوى من الغال. فأسرع قادة قنسطانتيوس بمطاردته، ودارت معركة أخرى بالقرب من جبل سليقوس([168]) Seleucus، حيث تمت الغلبة النهائية علي ماجننتيوس، وهرب بمفرده إلى ليون، مدينة بالغال، تبعد مسافة سفر ثلاثة أيام من حصن مورسا. وعندما وصل ماجننتيوس إلى هذه المدينة قتل أولا أمه ثم أخيه أيضا، الذى كان قد جعله قيصرا، ثم إنتحر بعد ذلك بالوقوع على سيفه. وحدث ذلك فى اليوم الخامس عشر من أغسطس فى القنصلية السادسة لقنسطانتيوس، والثانية لقنسطانتيوس جالوس([169]). وليس بعد ذلك بوقت طويل، وضع أخو ماجننتيوس الذى يدعى داكنتيوس نهاية لحياته بأن شنق نفسه. وهكذا كانت نهاية مشروع ما جننتيوس.

(2/32/3) ولم تكن شؤون الإمبراطورية مستقرة تماما، إذ سرعان ما قام طاغية آخر بعد ذلك، كان اسمه سلفانوس، ولكن قادة قنسطانتيوس قضوا عليه سريعا عندما قام بالعصيان فى الغال.

الكتاب الثانى: الفصل الثالث والثلاثون

 (عن يهود ديوقيصرية فلسطين)

وفى نفس الفترة تقريبا ثار شغب آخر فى الشرق، إذ رفع اليهود القاطنون بديوقيصرية ([170]) بفلسطين السلاح ضد الرومان، وبدأوا فى تخريب المناطق المجاورة. ولكن جالوس الملقب أيضا قنسطانتيوس، الذى كان الإمبراطور قد جعله قيصرا وأرسله إلى الشرق([171])، أرسل جيشا ضدهم وقضى عليهم بالكامل، ثم أمر بعد ذلك بهدم مدينتهم ديوقيصرية إلى أساساتها.

الكتاب الثانى: الفصل الرابع والثلاثون

 (عن جالوس قيصر)

(2/34/1) وإذ أنجز جالوس هذه المهام، لم يحتمل نجاحه بإتضاع، فحاول على الفور القيام بأعمال ضد سلطة ذلك الذى جعله قيصرا، متطلعا إلى السلطة السيادية. ومع ذلك سرعان ما عرف قنسطانتيوس هدفه، إذ تجاسر وقتل على مسؤوليته الخاصة دومتيان الذى كان بريتوريان بريفكت الشرق، وماجنوس كاستور.

(2/34/2) وإذ عرف الإمبراطور قصده استشاط غضبا من هذا السلوك، واستدعى جالوس للحضور إليه، فتوجه إليه فى الحال وهو مرتعب. وعندما وصل إلى الأطراف الغربية، وبلغ جزيرة فلاتونا أمر قنسطانتيوس بقتله.

(2/34/3) وليس بعد ذلك بوقت طويل، عيَّن يوليانوس([172]) اخو جالوس قيصرا وأرسله ضد البربر فى الغال. وكان مقتل جالوس فى القنصلية السابعة([173]) لقنسطانتيوس، وكانت هى السنة الثالثة لجالوس. وعُيِّن يوليانوس قيصرا فى السادس من نوفمبر فى السنة التالية عندما كان آربشن Arbetion ولوليان قناصل([174])، اللذين سنتحدث عنهما فى الكتاب التالى([175]).

(2/34/4) وعندما ارتاح قنسطانتيوس هكذا من الإزعاجات التى شغلته، وجَّه اهتمامه ثانية إلى الأمور الكنسية، لذلك انتقل من سيرميم إلى المدينة الإمبراطورية، حيث دعا إلى مجمع من الاساقفة بعضهم من الشرق للإسراع بالإجتماع فى ايطاليا مع بعض الاساقفة الغربيين. وبينما كانت الاستعدادات تتم فى الشرق لهذا الغرض، توفى يوليوس اسقف روما بعد أن ترأس على كنيسة تلك المدينة لمدة خمس عشرة سنة، وخلفه فى الكرامة الاسقفية ليباريوس.

الكتاب الثانى: الفصل الخامس والثلاثون

 (اتيوس السورى معلم اونوميوس)

(2/35/1) وفى انطاكية بسوريا، برز رئيس هرطقة أخرى يُدعى اتيوس Aëtius الملقب Atheus، حيث وافق على تعليم اريوس وتبنى نفس آرائه، ولكنه انفصل عن الحزب الأريوسى لأنهم قبلوا اريوس فى الشركة. لأن أريوس، كما رويتُ آنفا([176]) بعد أن أضمر برأيه فى قلبه، صرَّح بغيره بشفتيه، ونافق بذلك ووقَّع على صيغة الإيمان الصادرة من مجمع نيقية لكى ما يخدع الإمبراطور. وعلى هذا الأساس انفصل اتيوس عن الاريوسيين.

(2/35/2) ومع ذلك كان، فى السابق، هرطوقيا، ومؤيدا غيورا للآراء الأريوسية. وبعدما تلقى تعليما هزيلا جدا فى الأسكندرية، رحل من هناك ووصل إلى انطاكية بسوريا التى كانت محل ميلاده، وسامه ليونتيوس الذى كان آنذاك اسقف المدينة، شماسا. وعندئذ أدهش المحاورين له بأحاديثه المتفردة، وكان يعتمد فيها على مصنفات ارسطو وهناك كتاب بهذا الإسم. وكان لا يدرك نطاق هذا العمل ولا حتى استنار بمعرفة أشخاص دارسين لدرجة أنه كان لا يعى بأنه يُقدِّم حججا زائفة يخدع بها نفسه لأن ارسطو قد ألف هذا العمل لتدريب أذهان تلاميذه الشباب، ولكى ما يُخزِى بحججه الخفية السوفِسطائيين الذين كانوا يسخرون من الفلسفة. ولهذا السبب فإن الأكاديميين المتشككين([177]) الذين شرحوا كتابات افلاطون وافلوطين، قد انتقدوا الحجج الواهية التى عرضها ارسطو فى هذا الكتاب. ولكن اتيوس الذى لم يتدرب قط على يد معلِّم أكاديمى، شارك فى سفسطة هذا الكتاب. ولهذا السبب لم يستطع أن يدرك كيف تكون هناك ولادة بلا بداية، ولا كيف يكون المولود أزلى مع الوالد. وفى الحقيقة كان اتيوس سطحى الإدراك، وغير ملم بالأسفار المقدسة ولذلك كان مغرما بشدة بالمماحكة الأمر الذى يمكن أن يقوم به أى بهلوان، حتى أنه لم يدرس أبدا بعناية الكتَّاب القدامى الذين فسروا الوحى المسيحى رافضا تماما كلمندس وأفريكانوس وأورجين، الرجال البارزين بعلمهم فى كل فروع الأدب والعلم.

(2/35/3) ولقد ألف رسائل للإمبراطور قنسطانتيوس ولبعض الأشخاص يعرض فيها آرائه السوفِسطائية الباطلة. ولهذا السبب لُقِّب أثيوس([178]Atheus ولكن على الرغم من أن مفاهيمه العقيدية تماثل تلك التى للأريوسيين، إلا أنها كانت مستترة وليس من السهل إدراكها، ونظرا لإرتباطه بالأريوسيين فقد صار هرطوقيا، ومع ذلك طُرِد من كنيستهم لأنه إنفصل عنهم. وفى الوقت الحالى يوجد بعض ممن تبنوا سابقا مفاهيمه وكانوا يُدعون آتيليين، ولكنهم اليوم يدعون أنوميين نسبة إلى انوميوس الذى كان تدرب على يد معلمه فى أسلوب تفكيره الهرطوقى وصار بعد ذلك رئيسا لتلك الشيعة. وسنتحدث عنه بتفصيل أكثر فى موضع آخر([179]).

الكتاب الثانى: الفصل السادس والثلاثون

 (عـن مجمع ميلان)

(2/36/1) والآن، التقى فى ذلك الوقت، الاساقفة فى ايطاليا. وفى الحقيقة، كان اساقفة الشرق قليلين جدا، إذ تعوق غالبيتهم عن المجىء إما بسبب سِقم الشيخوخة، وإما بسبب بعد المسافة. أما اساقفة الغرب فكانوا أكثر من ثلاثمائة([180]). واجتمعوا حسب أمر الإمبراطور فى ميلان.

(2/36/2) وعند افتتاح المجلس طلب الاساقفة الشرقيون من المجمع التصديق بالإجماع على حكم إدانة ضد أثناسيوس على أساس أنه يجب أن يُطرد تماما من الأسكندرية.

(2/36/3) ولكن بولينس اسقف تريف بالغال وديونيسيوس الذى كان سابقا اسقف متروبولية آلبا([181]) بإيطاليا، ويوسيبيوس من فيرسيليا مدينة بليجوريا فى ايطاليا، إذ أدركوا أن طلب الأساقفة الشرقيين التصديق على حكم الإدانة لأثناسيوس إنما يهدف إلى هدم الإيمان، نهضوا وصاحوا بصوت عالى “هذا المطلب يعكس مؤمراة خفية ضد مبادىء الحق المسيحى”، وأصروا على أن التهم الموجهة ضد أثناسيوس لا أساس لها، وأنها محض اختلاق من قِبل المدعين عليه كوسيلة لأجل إفساد الإيمان. وإذ أعلنوا هذا الإحتجاج بصخب أكثر، انفض مجلس الاساقفة عندئذ.

 الكتاب الثانى: الفصل السابع والثلاثون

(مجمع ارمينيم ومرسومه)

(2/37/1) وعندما علِم الإمبراطور بما حدث أرسل هؤلاء الأساقفة إلى المنفى([182]) وأمر بعقد مجمع مسكونى([183])، وذلك بإستدعاء كل أساقفة الشرق إلى الغرب على أمل أن يصلوا إلى اتفاق. ولكن عندما ظهر أن طول مسافة السفر يمثل عقبة شديدة، أشار بأن يتشكل المجمع من قسمين، فيجتمع الذين فى ميلان فى أرمينيم  Ariminumبإيطاليا؛ ومجمع اساقفة الشرق فى نيقوميديا ببيثينية. وكان هدف الإمبراطور من ذلك الوصول إلى وحدة الرأى ولكن النتيجة كانت على النقيض من توقعه. لأن أيا من المجمعين لم يكن متسقا مع ذاته، إذ انقسم كل منهما إلى فرق متضادة فالذين اجتمعوا فى ارمينيم لم يقدروا أن يتفقوا مع بعضهم بعضا. وحدث شقاق آخر بين الاساقفة الشرقيين الذين اجتمعوا فى سلوقية بإيسوريا. أما عن تفاصيل ما جرى فى كل منهما فسنذكرها خلال تدويننا لهذا التاريخ([184])، ولكننا سنورد هنا أولا بعض الملاحظات بشأن أودكسيوس Eudoxius.

(2/37/2) ففى حوالى ذلك الوقت كان ليونتيوس الذى رسم اتيوس الهرطوقى شماسا([185]) قد مات. ففكر اودكسيوس اسقف جرمانيكيا([186])، وهذه المدينة بسوريا، الذى كان آنذاك بروما، ألاَّ يُضيع الوقت، واستأذن الإمبراطور فى العودة فورا متذرعا بأن المدينة التى يرأسها فى حاجة إلى مشورته ورعايته. فمنحه الإمبراطور الإذن بالعودة فورا، دون أن يشك فى نواياه. وإذ كان أودكسيوس يعرف بعض قادة ضباط مخدع الإمبراطور كمساعدين له، هجر ايبارشيته الخاصة ونصَّب نفسه بالإحتيال، على كرسى انطاكية. وكانت رغبته الأولى أن يرد اتيوس، ومن ثم عقد مجمعا من الاساقفة بغرض إعادة قبول اتيوس فى رتبة الشموسية. ولكن ذلك لم يتم، إذ كانت الكراهية لإتيوس قد سادت أكثر من سعى اودكسيوس لصالحه.

(2/37/3) وعندما سمع الاساقفة فى ارمينيم رأى اساقفة الشرق أن يعبروا على موضوع أثناسيوس فى صمت، الأمر الذى أيده بحماس اورساكيوس وفالنس اللذان كانا يؤيدان سابقا مفاهيم اريوس لكنهما قدما تراجعا عن رأيهما، كما سبق أن دونتُ([187])، إلى أسقف روما وأذاعا جهرا تصديقا على عقيدة المساوة فى الجوهر. إذ أن هذين الرجلين كانا ينحازان دائما إلى الجانب السائد. وأبدى جرمانيوس واوكسنتيوس وديموفيلس وجايوس نفس الشىء بالنسبة لأثناسيوس. ولذلك عندما سعى البعض إلى اقتراح ما وآخرون إلى اقتراح آخر قال اورساكيوس وفالنس أن جميع الصيغ السابقة للإيمان يجب أن توضع جانبا، وتُعتمَد فقط الصيغة الأخيرة التى وُضِعت فى سيرميم. وطلبوا قراءة الورقة التى كانوا يمسكونها فى أياديهم، والتى كانت تحتوى على صيغة أخرى. أما تلك التى أُتُخِذت حقا فى مجمع سيرميم، فقد أخفوها كما ذكرنا سابقا إلى أن أعلنوها حاليا فى ارمنييم. وقد ترجمت من اللاتينية إلى اليونانية([188]). وهى كما يلى:

(2/37/4) “لقد شُرِح الإيمان الجامع فى سيرميّم، وبحضور سيدنا([189]) قنسطانتيوس فى قنصلية([190]) يوسيبيوس فلافيوس الشهير وهيباتيوس فى الثالث والعشرين من مايو.

نحن نؤمن بإله واحد فقط، الآب ضابط الكل، خالق وفاطر جميع الأشياء. وابن الله الوحيد، الذى قبل كل الدهور، وقبل كل بدايات وقبل كل الأزمنة المدركة، وقبل كل فكر مدرك. مولود بلا ألم. به كانت الدهور، وصُنِعت سائر الأشياء. الذى وُلِد من الآب، واحد من واحد، إله من إله، مثل([191]) الآب الذى ولده طبقا للأسفار المقدسة، الذى لا يعرف أى أحدٍ ولادته سوى الآب فقط الذى ولده. ونحن نعرف أن هذا الإبن الوحيد قد نزل من السماء حسب مسرة أبيه ليبيد الخطية، ووُلِد من العذراء مريم، وحاور تلاميذه، وأكمل كل تدبير حسب مشيئة أبيه. ثم صُلِب ونزل إلى طبقات الارض السفلية حيث أجرى تدبيرا هناك،(وارتعد من رؤيته حراس الجحيم([192]))، وقام فى اليوم الثالث، وتحدث ثانية مع تلاميذه. وبعد تمام أربعين يوما صعد إلى السموات، وجلس عن يمين الآب. وفى اليوم الأخير سيأتى فى مجد أبيه ليجازى كل واحد حسب أعماله. وايضا [نؤمن] بالروح القدس الذى وعد ابن الله الوحيد يسوع المسيح نفسه بأن يرسله إلى الجنس البشرى كمعزى طبقا للمكتوب. “أنا ذاهب إلى ابى وسأطلب منه أن يرسل لكم معزيا آخر، روح الحق، الذى سيأخذ مما لى ويعلمكم ويذكركم بكل ما قلته لكم”([193]). أما مصطلح “جوهر” substance الذى استخدمه آباؤنا من أجل تبسيط أكثر، فقد سبب عثرة للناس لأن الكتاب المقدس لم يذكره. لذا بدا من المرغوب فيه حذفه وعدم ذكره فى المستقبل عند الإشارة إلى الله ما دام أن الأسفار المقدسة لم تتحدث عن جوهر الآب والإبن([194]). ولكننا نقول أن الإبن مثل الآب فى كل شىء حسب تعليم الكتاب المقدس.”

(2/37/5) وعندما قُرِأت هذه العبارات نهض أولئك الذين كانوا غير راضين عنها وقالوا أننا لم نأت إلى هنا لأننا فى حاجة إلى صيغة ايمان لأننا نحفظ بدون نقض تلك التى استلمناها منذ البداية، ولكننا أتينا إلى هنا لكى نُخمِد أى ابتداع ينشأ. فإذا كان ما قد ورد لا يدخل أى ابتداع، فإحرموا جهرا الهرطقة الأريوسية، تماما مثل قانون الكنيسة القديم الذى شجب سائر الهرطقات كتجاديف لأنه من الثابت للعالم كله أن تعليم اريوس الكافر هو السبب فى اضطراب الكنيسة والمتاعب القائمة حتى الآن.

(2/37/6) ولم يقبل هذا الاقتراح كل من اورساكيوس وفالنس وجرمنيوس واوكينتيوس وديموفيلس وغايوس، وشقوا الكنيسة تماما. لأن هؤلاء الاساقفة ناصروا ما قد تُلِىَّ فى مجمع ارمينيم، بينما تمسك الآخرون بقانون نيقية، واستسخفوا أيضا ما قد قُرِأ. وخاصة أثناسيوس فى رسالة له([195]) ارسلها إلى اصدقائه، عبَّر فيها هكذا عن نفسه:

“ماذا كان يعوز الكنيسة الجامعة بالنسبة للعقيدة حتى يبحثوا الآن الإيمان!!. وعلاوة على ذلك، يحاولون شرح ما هو سابق لزمانهم. لقد فعل اورساكيوس وفالنس وجرمينيوس ما لم يُعمل  قط، ولا سُمِع عنه قط بين المسيحيين. إذ ألفوا قانون إيمان حسبما يريدون هم، وأرخوه بالقنصلية والشهر واليوم لزمنهم الحاضر لكى ما يبرهنوا للجميع أنه ليس هناك إيمان قديم، وإنما فقط ذلك الذى تأصل فى زمن الإمبراطور الحالى قنسطانتيوس([196]). وأكثر من ذلك، كتبوا كل شىء حسب وجهة نظرهم الهرطوقية، وتظاهروا بانهم يكتبون عن الرب، بينما كانوا يكتبون عن رب آخر لهم. حتى قنسطانتيوس الذى كان يؤيد كفرهم لدرجة أنه كان ينكر أبدية ابن الله كانوا ينعتونه بالإمبراطور الخالد. وهكذا برهنوا بتجديفهم أنهم أعداء للمسيح. ولكن ربما تسجيل النبى القديس للزمن يمنحهم سابقة لمشورتهم. ولكن، حتى لو اخذوا ذلك ذريعة فإنهم يظهرون بالأحرى جهلهم. إن نبوات هؤلاء القديسين تشير بالفعل إلى الأزمنة. فأشعياء وهوشع عاشا فى أيام عُزيا ويوثام وآحاز وحزقيا([197])، وارميا عاش فى زمن يوشيا([198]). وحزقيال ودانيال [عاشا] فى عهد كورش وداريوس، ونطق آخرون بنبواتهم فى ازمنة مختلفة، لكنهم لم يضعوا آنذاك أسس الدين إذ كانت موجودة قبلهم، وكانت هكذا دائما حتى قبل خلق العالم إذ أعدها الله لنا بالمسيح. ولم ينسبوا لأنفسهم بداية الإيمان لأنهم كانوا هم أنفسهم رجال إيمان قبلا، ولكنهم شرحوا أزمنة الوعد المعطى لهم. وكان الوعد يُشير إلى مجىء مخلصنا، وكل ما سبق وتنبأوا به من أحداث مستقبلية خاصة بإسرائيل والأمم، كانت لواحق فرعية. ومن ثم الفترات المذكورة لم تكن تشير إلى بداية ايمانهم كما قلتُ، ولكن إلى الأزمنة التى عاش فيها هؤلاء الانبياء وتنبأوا فيها بهذه النبوات. ولكن حكماء أيامنا هذه الذين لا يعرفون التواريخ ولا يتنبأون بالآتيات بعدما أُذيع الإيمان الجامعى المكتوب، أضافوا فى الحال اليوم والشهر والقنصلية، وكتبوا مثل الأنبياء القديسين تاريخ سجلاتهم واسهاماتهم الخاصة، وبذلك يسجلون تاريخ إيمانهم.

ويا ليتهم كتبوا بشأن إيمانهم هم فقط ماداموا قد ابتدأوا الإيمان الآن، ولم يتعهدوا بالكتابة عن “الإيمان الجامعى”. لأن الإيمان الجامعى كان منشورا ولم يكتبوه، هكذا اعتقد. إن عبارتهم هذه توضح جهلهم، بينما العبارات الواردة فى مستندهم تظهر نفس الهرطقة الاريوسية. وبكتابتهم بهذا الأسلوب قد أوضحوا متى بدأوا الإيمان ومنذ أى وقت أرادوا أن يُعرف إيمانهم ويُكرَز به. وهكذا بينما يتحدث لوقا الإنجيلى([199]) عن متى [بدأ الإيمان] فيقول وصدر اكتتاب. إنه يتكلم عن اكتتاب لم يوجد قبلا ولكنه جرى خلال الزمن، وحدث فى زمن مَن يكتبه، فإن هؤلاء الرجال بكتاباتهم [يقولون] أن الإيمان يُنشر الآن، وبذا يعلنون أن هرطقتهم ابتداع حديث، ولم تكن موجودة قبلا. ولكن عندما اطلقوا عليه لفظ “جامعى” فقد سقطوا، كما يبدو، فى فرضية شديدة الافراط للمونتانيين([200]) زاعمين كما فعلوا، أن الإيمان قد أُعلِن لنا أولا وبدأ معنا. وكما أن أولئك قد لُقِّبوا ماكسيملا([201]) ومونتان، هكذا هم أيضا عينوا قنسطانتيوس ربا لهم بدلا من المسيح. ولكن إذ كان الإيمان قد بدأ حسب قولهم، بالقنصلية الحالية، فماذا سيفعل الآباء والشهداء؟. علاوة على ذلك، ماذا سيفعلون هم أنفسهم وقد تعلموا المبادىء الدينية منهم وماتوا قبل هذه القنصلية، وبأية وسيلة سيمكنهم أن يعيدوهم إلى الحياة لكى ما يقتلعوا من اذهانهم ما قد تعلموه، ويغرسوا بدلا منه هذه المكتشفات الجديدة التى أذاعوها. ما أغباهم فى اختلاقهم لمثل هذه الإدعاءات غير المعقولة وغير الملائمة ويحملون معها صيتهم”.

(2/37/7) هكذا كتب أثناسيوس إلى اصدقائه. وسيُدرك القارىء لهذه الرسالة بإهتمام، كيف تناول أثناسيوس بعمق هذا الموضوع فى كل الرسالة، ولكننا قد أوردنا جزءًا فقط منها هنا بإختصار([202]).

(2/37/8) وعزل المجمع فالنس واورساكيوس واوكسنتيوس وجرمينيوس وغايس وديموفيلس بسبب رفضهم حرم التعليم الاريوسى. الذين لما تضايقوا للغاية من عزلهم اسرعوا إلى الإمبراطور مباشرة، حاملين معهم شرح الإيمان الذى قُرِأ فى المجمع. كما أطلع المجلس أيضا الإمبراطور بتحديداتهم بالرسالة التالية المترجمة من اللاتينية إلى اليونانية([203]) كما يلى:

(رسالة مجمع ارمينيم إلى الإمبراطور قنسطانتيوس )

“نحن نؤمن أنه بتعيين من الله، بالإضافة إلى أمر تقواكم، أن المراسيم التى صدرت قبلا قد أنجِزت. وبالتالى نحن اساقفة الغرب قد أتينا من مناطق عديدة إلى ارمينيم من أجل إعلان إيمان الكنيسة الجامعة، واستبعاد أولئك الذين لهم مفاهيم مناقضة له. وعند فحصنا الدقيق لسائر النقاط كان قرارنا التمسك بالإيمان القديم الذى أعلنه الأنبياء والأناجيل والرسل بربنا يسوع المسيح حارس امبراطوريتكم، وحامى شخصكم، ذلك الإيمان الذين حافظنا نحن أيضا عليه. وقد رأينا أيضا أنه سيكون من الكفر، ومن غير المبرر محاولة تشويه أى من هذه الأمور التى تم التصديق عليها بصواب وعدل من قِبل أولئك الذين جلسوا فى مجمع نيقية مع قنسطنطين، والد تقواكم ذا الذكرى المجيدة. لقد غُرِست عقيدتهم وآرائهم فى الأذهان وكُرِز بها فى مسامع الشعوب، وكانت معارِضة بشدة بل حتى قاتلة للهرطقة الاريوسية. وليس فقط هذه الهرطقة بل دحرت أيضا الهرطقات الأخرى. فهل يتعين لذلك إضافة أى شىءٍ إليها أو حذف أىَّ شىء من ذاك الذى تأسس آنذاك، إن ذلك أمر خطير لأنه إذا حدث شىء من هذا القبيل سيتجاسر الأعداء على فعل ما يشاءون([204]).

ولذلك عندما أُشتُبه فى اورساكيوس وفالنس بأنهما يتعاطفان مع الآراء الأريوسية، مُنِعا من الشركة. ولكنهما من أجل رغبتهما فى العودة قدما اعتذارا وإدعيا أنهما قد ندما على قصورهما كما هو مسجل فى عريضتهما المكتوبة، فنالا الصفح والحِل الكامل.

وكان زمن حدوث هذه الأمور عندما كان القنصل فى ميلان، وكان كهنة كنيسة روما حاضرين. وفى نفس الوقت([205]) إذ نعرف أن قنسطنطين الذى هو حتى بعد وفاته جدير بالذكر المكرَّم، قد شرح الإيمان كما يجب ولكن لما كان هناك أناس قد اعتمدوا وماتوا فى سلام بسببه كمكافأة، فإننا نعتبر أنه من غير اللائق ابتداع أى شىء بعده يتعارض مع العديدين من الشهداء والمعترفين القديسين الذين كانوا أيضا اصحاب هذه الاعترافات وثابروا فى ايمانهم على النظام القديم للكنيسة الجامعة. وقد أدام الله ايمانهم من سنوات إلى سنوات، حتى سنوات عهدكم بالمسيح يسوع ربنا الذى صارت النعمة به لكم لتقوية سلطانكم وحكمكم على قِسم من العالم.

ومع ذلك، هؤلاء الأشخاص البائسون والمفتونون قد تعرضوا للعزل مرة أخرى، وتجاسروا على إظهار أنفسهم كمروجين للتعاليم الباطلة، وسعوا حتى إلى تخريب دستور الكنيسة. لأنه عندما أمرتنا رسائل تقواكم، بالإجتماع لفحص الإيمان كشفوا عن نيتهم، وخلعوا رداء خداعهم، لأنهم حاولوا بحيلة ما عرض ابتداعاتهم. وتحالف معهما جرمانوس واوكسانتيوس([206]) وغايوس الذين سببوا فتنة وشقاق مستمر، وتجاوز تعليمهم المفرد كل كفر. ولما اكتشفوا أنه ليس لدينا نفس الفكر أو التدبير بالنسبة لوجهات نظرهم الباطلة، غيروا رأيهم خلال مجمعنا وقالوا تعبيرات أخرى للإيمان. وفى الحقيقة كان الوقت مقصّر لإقناعهم بزيف وجهات نظرهم. ولذلك من أجل ألا تستمر شؤون الكنيسة على ذات الحال، ومن أجل ألا تنشأ الاضطرابات والمتاعب باستمرار وتفسد كل الأمور، فقد بدا من الآمان الحفاظ على وجهات النظر التى سبق تحديدها بثبات وعدم تغييرها، وأن نفصل من الشركة معنا الاشخاص المذكور اسماؤهم عاليه. ولهذا السبب ارسلنا مندوبين عنا لرفع رأى المجلس لتقواكم، وقد أعطيناهم هذه المهمة فوق كل شىء وهى وجوب اعتماد الحق المستمد من القرارات القديمة والصحيحة. وسوف يبلغون قدسكم أن السلام لن يتحقق كما يقول فالنس واورساكوس عندما يتم الغاء نقطة ما من الصواب، لأنه كيف يكون هناك سلام مع مَن يدمرون السلام؟. بل ستسبب هذه الأمور بالأحرى فتنة وصراعا فى كنيسة روما أيضا، كما فى المدن الأخرى. لذلك نحن نرجو من رأفتكم النظر إلى مندوبينا بعين هادئة والتعطف عليهم بالإصغاء، وألا تسمحوا بتغيير أى شىء فتجلبون بذلك إهانة للراقدين. ولكن، تسمح لنا بالإستمرار فى هذه الأمور التى سبق تعريفها وتشريعها من أجدادنا الذين سلكوا كما ينبغى أن نقول بحكمة ودهاء بالروح القدس. لأن الابتداعات التى عرضوها حاليا تملأ المؤمنين بعدم الثقة، وغير المؤمنين بالقسوة([207]). ونلتمس منكم أن تأذنوا للأساقفة الذين أتوا من مناطق بعيدة المحتاجين إلى مساعدة بسبب سقِم الشيخوخة أو المرض أو ضغطة الفقر، بمساعدتهم للعودة بسهولة وسرعة إلى اوطانهم الخاصة حتى لا تظل الكنائس محرومة من اساقفتها. كما نلتمس منكم أيضا ألا يُحذف شىء أو يُضاف إلى مواد [ الإيمان] التى بقيت من زمن والدكم التقى حتى الآن، بل تبقى وتستمر. ولا تسمح لنا بالتعب والمعاناة لفترة أطول منفصلين عن ايبارشياتنا حتى ننعم بالسلام مع شعبنا ويكون لدينا الوقت للصلاة والشكر والتضرع من أجل سلامتكم واستمرار سلطانكم الذى يديمه الرب عليكم. إن مندوبينا يحملون توقيعات وتحيات الاساقفة. وهؤلاء [المندوبون] سيرشدون تقواكم من الكتاب المقدس الإلهى نفسه.”

(2/37/9) هكذا كتب المجمع إلى الإمبراطور وارسل مكاتباته بواسطة الاساقفة [ الذين انتدبهم]. ولكن اورساكيوس وفالنس كانا قد سبق وصولهما قبلهم، وبذلوا كل ما فى وسعهما للإفتراء على المجمع وعرضوا عليه شرح الإيمان الذى أحضراه معهما. ولما كان الإمبراطور متعاطفا قبلا مع الأريوسية، فقد صار ساخطا للغاية على المجمع، وأسبغ تكريما كبيرا لفالنس واورساكيوس وأصدقائهما.

(2/37/10) ومن ثم احتجز المندوبين المرسلين من المجمع لفترة معتبرة بدون الحصول على أى ردٍ. ثم رد الملك أخيرا من خلال أولئك الذين أتوا إليه على النحو التالى

“قنسطانتيوس فكتور المنتصر أوغسطس إلى كل الاساقفة المجتمعين فى ارمينيم. لما كان اهتمامنا الرئيسى موجه دوما نحو احترام الشريعة الإلهية والمبجلة كما يعلم قدسكم، إلا أننا لم نستطع مع ذلك السماح لمندوبيكم العشرين من الاساقفة بالمقابلة، نظرا لضرورة الحملة التى نقوم بإعدادها ضد البربر. ولما كانت الأمور الخاصة بالشريعة المقدسة تحتاج فى تناولها، كما تسلمون بذلك، إلى ذهن خالى من كل قلق لذلك أمرت هؤلاء الاساقفة بالإنتظار إلى حين عودتى من ادريانوبل، حتى متى تم تسوية كل الشؤون العامة، نكون قادرين على السماع والتمعن فيما يعرضونه. وفى نفس الوقت لا يبدو أمرا متعبا لكم أن تنتظروهم إلى أن يعودوا، حتى ما ينقلوا لكم ما عزمنا عليه وتكونوا مستعدين لتنفيذ المعايير التى فى صالح رفاهية الكنيسة الجامعة”.

(2/37/11) وعندما استلم الاساقفة هذا الخطاب، حرروا هذا الرد([208]):

“لقد استلمنا خطاب تقواكم يا سيدنا المحبوب من الله الذى تُعرّفنا فيه أن ضروريات شؤون الدولة قد عوقتكم عن استقبال مندوبينا وتأمرنا بإنتظار عودتهم إلى أن يعلم تقواكم منهم ما قد حددناه طبقا لتقليد أسلافنا. ولكننا نعتذر برسالتنا هذه عن الحيدان بأى شكل من الأشكال عن عزمنا الأول، وهذا هو ما قد عهدنا لمندوبينا أيضا بتقريره. لذلك نلتمس منكم بثبات الأمر بقراءة رسالتنا المتواضعة هذه وأن تتكرموا أيضا بالاصغاء لمندوبينا بما عهدنا به إليكم. إن وداعتكم بلا شك تدركون، كما نحن أيضا، عظم الحزن والأسى السائد بسبب حرمان كنائس كثيرة من اساقفتها فى أيامكم المباركة هذه. لذلك نرجو من تعطفاتكم، مرة ثانية، يا سيدنا المحبوب من الله، أن تأمر بعودتنا إلى كنائسنا إن كان ذلك يسر تقواكم قبل قسوة الشتاء، لكى ما نكون قادرين على رفع الصلوات، جنبا إلى جنب مع الشعب إلى الله القادر على كل شىء ، وربنا يسوع المسيح مخلصنا، الإبن الوحيد، من أجل رخاء عهدكم مثلما نفعل دائما، وحتى الآن فى صلواتنا”.

(2/37/12) وإذ انتظر الاساقفة معا بعد إرسالهم لهذه الرسالة لوقت ما ولم يرد الإمبراطور، عادوا إلى اوطانهم.

(2/37/13) وكان الإمبراطور قد عزم منذ زمن طويل على نشر الأريوسية فى سائر الكنائس، وكان مهتما بمنحها الأولوية، ومن ثم إدعى أن رحيلهم كان نوعا من الإزدراء، وصرَّح بأنهم عاملوه بإحتقار عندما فضوا المجمع ضدا لرغبته. ومن ثم أعطى لحزب اورساكيوس تصريحا بلا حدود لعمل ما يسرهم بالنسبة للكنائس([209]). وأمر بنشر صيغة الإيمان المضادة لما تقرر فى مجمع ارمينيم فى سائر كنائس ايطاليا وأن كل مَن لا يوقع عليها يُعزل من كرسيه، ويحل آخر محله([210]).

(2/37/14) فلما رفض ليبريوس([211]) اسقف روما التصديق على هذه الصيغة نُفِىّ، وعَيّن انصار اورساكيوس، فيلكس خلفا له([212]) الذى كان شماسا فى تلك الكنيسة ولكنه عندما تبنى الهرطقة الأريوسية رفعوه إلى الاسقفية. ويزعم البعض أنه لم يكن معتنقا لهذه الآراء ولكنه أُجبِر على السيامة اسقفا. وعقب ذلك طوحت الفتن والقلاقل سائر أجزاء الغرب. فالبعض عُزِل ونُفِى وحلَّ آخرون محلهم. وكانت هذه الأمور تتم بالعنف بسلطة المراسيم الإمبراطورية التى أُرسِلت أيضا إلى الأطراف الشرقية. وليس بعد ذلك بوقت طويل أُستُدعى ليبريوس وأعيد تنصيبه على كرسيه، لأن شعب روما أعلن العصيان وطردوا فيلكس من كنيستهم، وقبل الإمبراطور بدون رضائه ذلك.

(2/37/15) وغادر أنصار اورساكيوس ايطاليا([213])، ومروا خلال الاطراف الشرقية حتى وصلوا مدينة نيقية بتراقيا، فأقاموا هناك لبعض الوقت وعقدوا مجمعا آخر. وبعدما ترجموا صيغة الإيمان التى قُرِأت فى ارمينيم من اللاتينية إلى اليونانية، اعلنوها ونشروها بالصيغة التى ذكرناها عاليه، وأعطوها اسم مجمع عام وحاولوا بهذه الطريقة خداع الأكثر بساطة عن طريق تماثل الأسماء وأنها قانون نيقية بيثينية، وأنهم نقلوها إلى نيس بتيراس([214]). ولكن هذه الحيلة كانت قليلة الجدوى لأنها سرعان ما أُكتُشِفت، وصاروا موضوعا للسخرية.

ولنكتف الآن بما قيل عن الاجراءات التى حدثت فى الغرب، ولننتقل إلى رواية ما جرى فى الشرق فى نفس الوقت.

الكتاب الثانى: الفصل الثامن والثلاثون

(وحشية مقدونيوس والشغب الناجم بسببه)

(2/38/1) وبدأ اساقفة الحزب الأريوسي ينالون، بالمراسيم الإمبراطورية، تأكيدا أعظم.  فسعوا بأسلوب ما إلى عقد مجمع سنتحدث عنه لاحقا. ولكننى سأذكر الآن بعض سلوكياتهم السابقة لهذا المجمع.

(2/38/2) عندما طرد اكاكيوس وباتروفيلس مكسيموس اسقف اورشليم، واجلسا كيرلس على كرسيه. قلب مقدونيوس نظام الأمور فى المدن والمقاطعة المتاخمة للقسطنطينية، ورقى للرتب الكنسية مساعديه فى مكائده ضد الكنائس([215]). فرسم اليوسيدس اسقفا لسيزيكوس، وماراثونيوس اسقفا لنيقوميدية، والأخير كان قبلا شماسا مع مقدونيوس نفسه، وأظهر نشاطا كبيرا فى تأسيس الأديرة لكل من الرجال والنساء. ولكن يجب أن نذكر الآن بأى اسلوب خرَّب مقدونيوس الكنائس فى المدن والمناطق التى حول القسطنطينية.

(2/38/3) هذا الرجل، كما قلتُ سابقا([216])، بعدما استولى على الاسقفية مارس افتراءات لا تحصى على اولئك الذين رفضوا تبنى آرائه. وكانت اضطهاداته ليست محصورة على أولئك الذين كانوا اعضاء الكنيسة الجامعة فقط بل امتدت أيضا إلى النوفاتيين، حيث كان معروفا عنهم تمسكهم بعقيدة هومووسيوس، لذلك تعرضوا مع الآخرين لعذابات لا تُحتَمل، ولكن اسقفهم انجيلوس قد هرب. وقُبِض على أشخاص بارزين كثيرين بسبب تقواهم وعُذِّبوا لأنهم رفضوا الشركة معه. وبعد التعذيب كانوا يُجبَرون على الاشتراك فى السرائر المقدسة، وكانت تفتح افواههم بقطعة من الخشب بالقوة، وتُلقى فيها العناصر السرائرية. واعتبر أولئك الذين تعرضوا لذلك أنها عقوبة أكثر شدة عن سائر العقوبات الأخرى. علاوة على ذلك، قبضوا على النساء والأطفال وأجبروهم على [ العماد] وإن قاوم أى أحدٍ أو تكلم ضد ذلك، يُجلَد فى الحال، وبعد الجلد يُقيَّد بالسلاسل ويسجن، إلى جانب أعمال عنف أخرى.

(2/38/4) وسأروى هنا حالة أو اثنين، ليكوّن القارىء فكرة ما عن مدى القسوة والوحشية التى مارسها مقدونيوس وأولئك الذين كانوا آنذاك فى السلطة. فأولا ضغطوا فى صندوق ونشروا صدور أمهات كن غير راغبات للإشتراك معهم. وحرقوا نفس الأجزاء لسيدات أخريات، مرة بالحديد ومرة أخرى ببيض ساخن بشدة. هذا اللون من التعذيب الذى لم يكن معروفا حتى لدى الوثنيين، قد أُبتُكِر من قِبل الذين يزعمون أنهم مسيحيون.

(2/38/5) هذه الحقائق رواها لى كاهن مسن اسمه اوكزانون Auxanon من الكنيسة النوفاتية الذى تحدثتُ عنه فى الكتاب الأول([217])، وقال أيضا أنه قد تعرض هو نفسه لبعض الأعمال الوحشية من الأريوسيين قبل نواله الرتبة الكهنوتية، حيث أُلقِى فى السجن وجُلِد بجلدات كثيرة، مع الكسندروس وبافلوجونيون رفيقه فى الحياة الرهبانية. وأضاف أنه هو نفسه كان قادرا على تحمل هذه العذابات، ولكن الكسندروس مات فى السجن من أثر التعذيب. وهو مدفون الآن على يمين أولئك الذين يُبحرون إلى ميناء القسطنطينية الذى يُدعى سيراس، بالقرب من الانهار حيث هناك كنيسة للنوفاتيين تدعى على اسمه. وعلاوة على ذلك، دمر الاريوسيون بتحريض من مقدونيوس الكثير من الكنائس فى مدن عديدة، خلاف الكنيسة التى كانت للنوفاتيين فى القسطنطينية بالقرب من بيلارجوس.

(2/38/6) لماذا أذكر هذه الكنيسة على وجه الخصوص، ذلك سيتضح من خلال الظروف غير العادية المرتبطة بها كما هو مبرهن عليه من نفس القس المسن اوكزانون. فلقد خرب مقدونيوس بعنفه وبمرسوم الإمبراطور كنائس أولئك الذين يتمسكون بعقيدة المساواة فى الجوهر، وبلغ المرسوم والظلم إلى هذه الكنيسة، وكان أيضا المكلفون بتنفيذ هذه الاجراءات مستعدون دائما. ولا يسعنى سوى الإعجاب بالنوفاتيين فى هذه الظروف وأيضا بتعاطف بعض أولئك الذين طردهم الاريوسيون فى ذلك الوقت، ولكنهم الآن فى سلام فى كنائسهم.

لأنهم، عندما جاء مبعوثو أعدائهم لهدم كنيستهم على عجل، احتشد جمهور ضخم من النوفاتيين، وساعدهم عدد آخر ممن لهم نفس المفاهيم، واجتمعوا حول هذه الكنيسة ونقضوها، ونقلوا المواد إلى مكان آخر يقع خارج المدينة يُدعى سايس على مسافة ثلاثة عشر ward([218]) من القسطنطينية. وقد تم هذا النقل فى زمن قصير جدا بسبب الحماس غير العادى، للأشخاص العديدين المنشغلين به. فواحد حمل الأحجار، وآخر العروق وثالث بلاطات السقف. البعض يحمل شيئا ما، وآخرون شيئا آخر. حتى النساء والأطفال شاركوا فى العمل معتبرين إياه شرفا أعظم أن يُحسبوا حراسا أمناء لهذه الأمور المكرسة لله. وبهذه الطريقة نُقِلت كنيسة النوفاتيين فى ذلك الوقت إلى سايس. وبعد ذلك بزمن طويل عقب موت قنسطانتيوس، أمر الإمبراطور يوليانوس بعودتها إلى ذات مكانها السابق وسمح لهم بإعادة بنائها هناك([219]). ومن هذه الظروف، ومن تشييدها على نحو أحسن وزخرفتها، لم يكن بلا سبب أن يَدْعوها “انسطاسيا”. وكانت هذه الكنيسة قد اُستُردت، كما قلنا، فى زمن يوليانوس.

(2/38/7) ولكن فى ذلك الوقت كان [اتباع الكنيسة] الجامعة والنوفاتيون خاضعين معا للإضطهاد بالمثل. لأن الأولين كانوا يحظرون تقديم خدمات العبادة فى تلك الكنائس التى يجتمع فيها الاريوسيون، ولكنهم كانوا يترددون على [الكنائس] الثلاث([220]) الأخرى – لأن هذا هو عدد الكنائس التى كان النوفاتيون يمتلكونها فى المدينة – ويشتركون معهم فى الخدمة الإلهية. وفى الحقيقة، كان من الممكن أن يتحدوا لو لم يرفض النوفاتيون من منطلق مفاهيمهم القديمة. لكنهم مع ذلك كانوا يتبادلون الود والاحترام فى الأمور الأخرى، لدرجة أن كلا منهم كان مستعدا أن يضع حياته من أجل الآخر. وكان الطرفان إذن خاضعين للإضطهاد بلا تمييز، ليس فقط فى القسطنطينية بل أيضا فى المناطق والمدن الأخرى. ففى سيزيكوس مارس اليسيوس اسقف ذلك المكان نفس الأنواع ضد المسيحيين هناك، مثلما فعل مقدونيوس فى أماكن أخرى ضاغطا عليهم على نحو دفعهم إلى الفرار فى سائر الاتجاهات، [ومن بين أمور أخرى]([221]) دمَّر تماما كنيسة النوفاتيين فى سيزيكوس.

(2/38/8) ولكن مقدونيوس توج شره بالآتى: إذ سمع أن هناك عدد كبير من النوفاتيين فى بافلوجونيا، وبصفة خاصة فى مانتنيم Mantinium وأدرك أن عددا كبيرا مثل هذا لا يمكن إخراجهم من منازلهم بالاجراءات الكنسية فقط، استصدر تصريحا من الإمبراطور بإرسال اربع فرق من الجنود إلى بافلوجونيا لكى من خلال رعب الجنود يقبلون الأريوسية([222]).

(2/38/9) ولكن أولئك القاطنين فى مانتينيم لم يفكروا، من غيرتهم للديانة، فى التشتت. وسلحوا أنفسهم بالمناجل الطويلة والبلطات وأى نوع من السلاح فى متناول اليد، وخرجوا لملاقاة الفرق العسكرية. واندلعت معركة قُتِل فيها كثيرون، فى الحقيقة، من [أهل] بافلاجونيا، ولكن قُتِل كل الجنود تقريبا.

وقد علمتُ بهذه الأمور من فلاح من بافلاجونيا قال أنه كان حاضرا فى هذه المعركة، وصدق آخرون كثيرون على روايته.

(2/38/10)هكذا كان استغلال مقدونيوس للمسيحية: القتل، والمعارك، والحروب الأهلية، والمطابق. اجراءات لا تجعله شنيعا فى انواع الاضطهاد فقط، بل حتى لحزبه. وصار ممقوتا لدى الإمبراطور نفسه، بسبب هذه الاعمال، وبصفة خاصة بسبب الظرف الذى سأشير إليه الآن.

(2/38/11) لقد صارت الكنيسة التى تحتوى على تابوت الإمبراطور قنسطنطين آيلة للسقوط، واستولى الخوف على أولئك الذين يدخلونها أو الذين يقيمون بها لأغراض العبادة. لذلك فكر مقدونيوس فى نقل رفات الإمبراطور لئلا يُضار التابوت من أعمال الهدم. فلما علمت الجماهير بذلك سعوا إلى منعه، مصرين على عدم إزعاج عظام الإمبراطور حيث لا ينبغى نقب موضعها، ومع ذلك أكد آخرون أن نقلها لن يترتب عليه أى ضرر للمتوفى. وهكذا انقسم الجمهور إلى فريقين فى هذا الصدد مثل مسألة المساوة فى الجوهر، معتبرين مَن يخالف ذلك كفرا. وازدرى مقدونيوس بهذه الأضرار ونقل رفات الإمبراطور إلى كنيسة الشهيد اكاكيوس. فإندفع الجمهور إلى الكنيسة فى فريقين متعاديين، هاجم كل منهما الآخر بغضب شديد ونتج عن ذلك خسارة كبيرة فى الآرواح لدرجة أن ساحة الكنيسة قد تغطت بالدماء المتجمدة وامتلأ البئر الذى فيها أيضا بالدماء التى جرت فى الأروقة المتاخمة، بل وحتى إلى الشارع ذاته.

(2/38/12) وعندما علم الإمبراطور بهذا الحدث المشؤوم غضب بشدة من مقدونيوس بسبب هذه المذبحة التى جرت، ولأنه تجاسر على نقل عظام أبيه بدون مشورته. وترك يوليانوس القيصر ليعتنى بالقسم الغربى، وتوجه إلى الشرق.

(2/38/13) وعُزِل مقدونيوس بعد ذلك بوقت قصير وعانى من أشد العقوبات من جراء جرائمه الرديئة السمعة، على نحو ما سأرويه فيما بعد([223]).

الكتاب الثانى: الفصل التاسع والثلاثون

 (مجمع سلوقية فى ايسيوريا)

(2/39/1) ولكن يجب أن أروى الآن احداث مجمع آخر، أمر مرسوم الإمبراطور بعقده فى الشرق كمنافس لمجمع ارمينيم. وقد تحدد عقده أولا فى نيقوميديا ببيثينية، ولكن زلزالا كبيرا قد حدث دمر تقريبا المدينة، منع الاساقفة من الاجتماع هناك. وقد حدث ذلك فى قنصلية([224]) تاتيان وسيريلس فى اليوم الثامن وعشرين من اغسطس([225]). لذلك خططوا أن يجتمعوا فى مدينة نيقية المجاورة، ولكنهم عدلوا عن هذا المكان ثانية، حيث بدت طرسوس بكيليكية أكثر ملائمة. ولكنهم لم يستحسنوا هذا أيضا، واجتمعوا فى مدينة سلوقية([226]) التى تُلَّقب اسبيرا Aspera فى ايسيوريا([227]) Isauria. وقد تم ذلك فى نفس السنة [التى انعقد فيها مجمع ارمينيم]([228]) فى ظل قنصلية يوسيبيوس وهيباتيوس([229]) وكان عدد المجتمعين فيه نحو مائة وستون اسقفا. وحضر فى هذه المناسبة ليوناس وهو ضابط متميز، ملحق بالدار الإمبراطورى، الذى أمر مرسوم الإمبراطور بإجراء المناقشات الخاصة بالإيمان فى حضوره. وأيضا كان حاضرا لوريكيوس رئيس القواد لكتائب ايسوريا، لخدمة الاساقفة فيما يطلبون.

(2/39/2) لذلك اجتمع الاساقفة فى حضور هذين الشخصين فى السابع والعشرين من شهر سبتمير، وبدأوا المناقشة فى الحال على أساس السجلات العامة، وسجل الكتبة الحاضرون بالإختزال كل ما قاله كل طرفٍ. ومن يريد أن يعرف بالتفصيل الأحاديث العديدة يمكنه أن يجد تفصيلا غزيرا عنها فى مجموعة سابينوس.

(2/39/3) ولكننا سنورد فقط ملاحظات على الفصول الأكثر أهمية. فى اليوم الأول لإجتماعهم، أمر ليونانس أن يعرض كل منهم ما يراه ملائما، ولكن الحاضرين قالوا لا ينبغى مناقشة أية مسألة فى غياب المدبرين الذين لم يصلوا بعد لأن مقدونيوس اسقف القسطنطينية، وباسيليوس اسقف انقيرا وبعض الأشخاص الآخرين المتهمين بسبب سوء سلوكهم لم يظهروا بعد. فمقدونيوس خشى الحضور لذلك تذرع بالتوعك، وقال باتروفيلوس أن لديه متاعب فى عينيه وأنه يلزمه بسبب ذلك البقاء قى ضواحى سلوقية. وقدم الآخرون ذرائع مختلفة لتغيبهم. وعندما أعلن ليوناس أخيرا أن الموضوعات التى اجتمعوا للنظر فيها يجب أن تناقش فورا بغض النظر عن الغائبين، رد الاساقفة أنه لا يمكنهم مناقشة أية مسألة قبل فحص سيرة وسلوك الأطراف المتهمة، لأن كيرلس الأورشليمى ويوستاثيوس من سباستيا بأرمينيا وبعض الآخرين، قد أُتُهموا بسوء السلوك على أسس عديدة قبل ذلك بزمن طويل.

(2/39/4) وثار نزاع حاد بسبب هذا التأخر، فالبعض يُصّر على أنه ينبغى النظر أولا فى مثل هذه الاتهامات بينما يُنكِر آخرون أى شىء يسبق مسألة الإيمان. ولم تساهم أوامر الإمبراطور بالقليل فى هذا النزاع، حيث كانت خطاباته تحض تارة على هذه، وتارة أخرى على تلك كضرورة يلزم البدء بها. وعندما ثار الجدل بهذا الشأن، حدث شقاق وانقسم مجمع السلوقيين إلى فريقين: أحدهما بزعامة اكاكيوس [اسقف] قيصرية فلسطين، وجورج الأسكندري، وأورانيوس من صور، واودكسيوس الانطاكى، وكان يدعمهم حوالى واحد وثلاثين فقط من الاساقفة.

(2/39/5) والفريق الآخر المضاد كان أكثر عددا، فكان يضم جورج من لاودوكية بسوريا وصفرونيوس من بومبيوبوليس ببافلاجونيا، واليسيوس من سيزيكوس. وتحدد من الغالبية أن تُفحص أولا المسائل العقيدية وعارض جهرا حزب اكاكيوس قانون نيقية وارادوا إدخال آخر بدلا منه([230]). أما الفريق الثانى وكانوا الأكثر عددا فقد وافق على بنود قانون نيقية ولكنه انتقد فقط تبنى مصطلح هومووسيون. ومن ثم بدأوا مناقشة هذه النقطة، وقيل الكثير من كلٍ من الطرفين، إلى وقت متأخر مساءً. وعندئذ أصر سلفانوس الذى كان يرأس كنيسة طرسوس بأسلوب حاد على أنه ليس هناك أية حاجة لشرح جديد للإيمان وإنما واجبهم بالأحرى التصديق على ما نُشر فى انطاكية([231]) عند تكريس الكنيسة هناك.

(2/39/6) وبهذا التصريح انسحب اكاكيوس وانصاره من المجمع بينما قدم الآخرون القانون المؤلف فى انطاكية وقرأوه ثم انفضوا فى ذلك اليوم.

(2/39/7) وعندما اجتمعوا فى اليوم الثانى فى كنيسة سلوقيا، اغلقوا الأبواب، وقرأوا مرة أخرى نفس القانون وصدَّقوا عليه بتوقيعاتهم. وفى ذلك الوقت، وقع الشمامسة والقارؤن الحاضرون آنذاك نيابة عن الاساقفة الغائبين الذين ألموا به.

الكتاب الثانى: الفصل الاربعون

 (اكاكيوس يملى صيغة جديدة)

(2/40/1) وانتقد اكاكيوس وانصاره ما قد فعلوه لأنهم اغلقوا الأبواب كما قال، وقاموا بالتوقيع. معلنا أن سائر الاجراءات التى أُتخِذت سرا غير سارية أيا كانت. وقد أثار هذا الاعتراض لأنه كان مهتما بتقديم شرح آخر كان قد حرره هو، وسلمه بالفعل للحاكمين ليوناس ودريكيوس، وكان عازما الآن على اعتماده هو فقط بدلا من ذلك الذى وقعوا عليه، ومن ثم انشغل لليوم الثانى، بلا شىء سوى السعى من جانبه فى هذا الأمر.

(2/40/2) وفى اليوم الثالث، اجتهد ليوناس فى عقد لقاء ودى بين الطرفين، وكان مقدونيوس من القسطنطينية، وايضا باسيليوس من انقيرا، قد وصلا فى غضون ذلك. ولكن عندما وجد اكاكيوس أن هذين الطرفين قد وصلا إلى نفس الوضع رفض اللقاء قائلا أن الذين ليس فقط قد سبق عزلهم، بل أيضا محل اتهام، يجب أن يُستبعَدوا أولا من الاجتماع. وبعد نزاع طويل ساد هذا الرأى وخرج الذين محل اتهام من المجمع، ودخل حزب أكاكيوس محلهم.

(2/40/3) وعندئذ قال ليوناس أن وثيقة قد سُلّمت له من اكاكيوس، ودعاهم للإلتفات إليها ولكنه لم يقرر أنها مشروع قانون، وأنه كان يتعارض مع السابق فى بعض المواضع بخبث وفى مواضع اخرى بجلاء. وعندما صمت الحاضرون وهم يظنون أن المستند يشمل أمورا أخرى إلى جانب شرح الإيمان، قُرِأ القانون الآتى المؤلف من أكاكيوس بديباجته.

“لقد اجتمعنا أمس بناء على امر الإمبراطور فى مدينة سلوقية بإيسوريا، فى السابع والعشرين من سبتمبر وبذلنا كل ما فى وسعنا بكل اعتدال للمحافظة على سلام الكنيسة، ولتحديد المسائل العقائدية استنادا إلى السلطتين، النبوية والانجيلية، لكى لا نقدس شيئا فى اعتراف الإيمان الكنسى يتباين مع الأسفار المقدسة، حسبما أمر امبراطورنا المحبوب من الله جدا قنسطانتيوس. وحيث أن بعض الافراد فى المجمع قد سلكوا بغير عدل مع عديدين منا، مانعين البعض من التعبير عن مفاهيمهم، ومستبعدين للبعض من المجمع ضدا لإرادتهم. وفى نفس الوقت، سمحوا بدخول اشخاص معزولين أو مرسومين ضدا للقانون الكنسى الأمر الذى عرّض المجمع للشغب والفوضى، وكان ليوناس الأكثر شهرة ولوريكوس السامى، حاكم المقاطعة شاهدىّ عيان، لذلك لزم هذا الإعلان.

وهو أننا لا نرفض الإيمان الذى سبق التصديق عليه عند تكريس كنيسة انطاكية([232]) لأننا نوليه تفضيلنا إذ أن آباءنا الذين اجتمعوا هناك قد فحصوا سائر النقاط التى محل جدل، واتفقوا عليها. ولما كان مصطلح “هومووسيون”homoousion و”هوموأوسيون”  homoiousionقد سببا متاعب فى الزمن الماضى فى أذهان الكثيرين وما زال يقلقهم، وعلاوة على ذلك قد صِيغ حديثا مصطلح جديد من قِبل البعض الذين يُنعَتون بأنوميين anomoion للإبن مع الآب. فإننا نرفض المصطلحين الأولين بوصفهما تعبيرين لم يردا فى الأسفار المقدسة ونحرم الثالث تماما ونعتبر استخدام مثل هذا النعت غريبا عن الكنيسة. ونعترف حصريا بهوميون   homoion الإبن للآب طبقا لما أعلنه الرسول بشأنه من أنه صورة الله غير المنظور([233]). إذن:

“نحن نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكل، صانع السماء والأرض، ما يُرى وما لا يُرى. ونؤمن أيضا بإبنه ربنا يسوع المسيح المولود منه قبل كل الدهور بلا ألم، الله الكلمة، ابن الله الوحيد، النور، الحكمة، الحياة، الحق. به كانت سائر الأشياء التى فى السماء والتى على الأرض، المنظورة وغير المنظورة على السواء، ونؤمن أنه أخذ جسدا من العذراء القديسة مريم فى نهاية الدهور ليمحو به الخطية. وأنه صار انسانا وتألم من أجل خطايانا، وقام ثانية. وأُصعِد([234]) إلى السماء ليجلس عن يمين الآب، ومن هناك سيأتى ثانية فى مجد ليدين الأحياء والأموات. ونؤمن أيضا بالروح القدس الذى دعاه ربنا ومخلصنا بالمعزى والذى ارسله لتلاميذه بعد رحيله([235]) حسب وعده، والذى به يتقدس المؤمنون فى الكنيسة الذين يعتمدون بإسم الآب والإبن والروح القدس. وأولئك الذين يبشرون بأى شىء آخر ضد هذا القانون، نعتبرهم غرباء عن الكنيسة الجامعة”.

كان هذا اعلان الإيمان المقترح من اكاكيوس، والموقع عليه منه ومن كثيرين من انصاره والذين ذكرنا عددهم توا.

(2/40/4) وعندما قُرِأ وقف صفرونيوس اسقف بومبيوبوليس ببفلاجونيا، وأدلى بما يلى “إن نحن ظللنا نعبِّر يوما بعد يوم بآراء منفصلة، على أنها شرح للإيمان فإننا لن نصل أبدا إلى فهم دقيق للحق”.

(2/40/5) هذه كانت كلمات صفرونيوس، وأنا اعتقد بثبات أنه لو أن اسلاف هؤلاء المدبرين، وأيضا خلفاءهم بالمثل كان لهم مفهوما مماثلا بالإشارة إلى قانون ايمان نيقية لكانوا قد تجنبوا سائر المناقشات الجدلية، ولمَا كانت الكنائس قد طُوِّحت بهذه القلاقل العنيفة وغير المعقولة. ومع ذلك لندع لهؤلاء القادرين على فهم مثل هذه الأمور أن يحكموا هم.

(2/40/6) وفى ذلك الوقت بعدما قدَّم كل طرفٍ ملاحظاته الخاصة بصيغة العقيدة هذه، وأيضا بالنسبة للأشخاص المتهمين، انفض المجمع. واجتمعوا مرة أخرى، فى اليوم الرابع فى نفس المكان، واستمروا بنفس روح النزاع فى اجراءاتهم. فقام اكاكيوس عندئذ وقال ما يلى: لما كان قانون نيقية قد عُدِّل ليس مرة واحدة ولكن مرارا، فليس هناك ما يمنع من نشر آخر فى هذا الوقت. فرد عليه اليوسيوس اسقف سيزيكوس “إن المجمع لم يجتمع حاليا ليعلمنا بما نعرفه سابقا، ولا لكى يقبل قانون ايمان لم يعتمد قبلا، ولكن لكى ما نصدق على ايمان الآباء الذى لا يجب أن نحيد عنه سواء فى الحياة أو فى الممات”. وكان اليسيوس فى معارضته لآكاكيوس يقصد بإيمان “الآباء” أولئك الذين صاغوا قانون انطاكية.

(2/40/7) وبكل تأكيد كان يمكن الرد عليه بما يلى: هذا صواب يا اليسيوس، [ولكن] كيف تدعو أولئك الذين اجتمعوا فى انطاكية آباء، بينما لا تعترف بمن كانوا آباءً لهم؟. فإن الذين صاغوا قانون نيقية الذى تم الاعتراف فيه بهومووسيون، هم آباء على درجة سامية جدا من ناحية الاولوية فى الزمن وأيضا من ناحية أن أولئك الذين اجتمعوا فى انطاكية قد استلموا الخدمة الكهنوتية منهم. والآن ، إذا لم يعترف هؤلاء الذين اجتمعوا فى انطاكية بآبائهم، فإن الذين سيليهم سيرثون منهم قتل الوالدين. والى جانب ذلك، كيف تكون سيامتهم شرعية إذا كان ايمان الذين قد رسموهم غير صحيح وكفر؟. وإذا كان أولئك الذين سنوا قانون نيقية ليس بهم الروح القدس المسلم بوضوح بوضع اليد([236])، فإن أولئك المجتمعين فى انطاكية لن يكونوا قد قبلوا الكهنوت على نحو سليم، لأنه كيف يمكن أن ينالوه ممن ليس لهم سلطة أن يعطوه؟.

(2/40/8) مثل هذه الاعتراضات كان من الممكن توجيهها إلى اليسيوس ردا على اعتراضاته، ولكنهم انتقلوا إلى مسألة أخرى مرتبطة بما ورد فى الشرح المقدَّم من أكاكيوس وهى أن الإبن “مثل” الآب بالنسبة للإرادة فقط وليس فى الجوهر. ولكن الآخرين أصروا على أن “مثل” تشمل الارادة والجوهر. وانقضى اليوم كله فى مناقشة بدائل هذه النقطة.

(2/40/9) وعندما وجد اكاكيوس أنهم ناقضوه من ذات أعماله المنشورة والتى يؤكد فيها أن الإبن مثل الآب فى كل شىء. ولما سأله معارضوه، كيف تنكر الآن أن الإبن مثل الآب “فى الجوهر” ؟، اجاب أن أى مؤلف قديما أو حديثا لا يُحكَم عليه من كتاباته الخاصة([237]). ولما استمروا فى مناقشتهم لهذه المسألة إلى أبعد حد بمشاعر فظة وحجج ماكرة دون الوصول إلى وحدة فى الحكم، نهض ليوناس وفض المجمع. وكان ذلك ختام مجمع سلوقية.

(2/40/10) لأنه فى اليوم التالى لم يلتق بهم، إذ كان قد حُرّض على ذلك، وقال “لقد فوضنى الإمبراطور لحضور مجمع يسوده إجماع فى الرأى، ولكن لما كنتم غير قادرين على الوصول إلى فهم متبادل، فإننى لا أستطيع الحضور بعد. فإذهبوا لذلك إلى الكنيسة من فضلكم، وانهمكوا فى ثرثرة فارغة هناك”.

(2/40/11) وإذ اعتبر حزب اكاكيوس هذا القرار أنه فى صالحهم، رفضوا هم أيضا الإلتقاء بالآخرين. وتُرِك الفريق الآخر يجتمع بمفرده فى الكنيسة، وطلب حضور أولئك الذين يتبعون اكاكيوس لمناقشة موضوع كيرلس اسقف اورشليم إذ كان هذا المدبر سبق أن أُتُهِم منذ وقت طويل، ولم أستطع معرفة اسباب الاتهام، وعُزل. لأنه بسبب الخوف لم يظهر خلال سنتين بعد أن أُستُدعى لفحص التهم الموجهة إليه. ومع ذلك عندما عُزِل ارسل اخطارا مكتوبا إلى أولئك الذين أدانوه، أنه سيستأنف إلى قضاء أعلى، وقد صدَّق الإمبراطور قنسطانتيوس على هذا الإلتماس. وكان كيرلس، بهذا، أول اكليريكى، والوحيد حقا([238])، الذى تجرأ وكسر العادة الكنسية بطلبه الاستئناف حسب الاسلوب المعتاد فى المحاكم المدنية، وهو الآن حاضر فى سلوقية ومستعد للمحاكمة.

(2/40/12) وفى هذا الصدد دعا الاساقفة الآخرون حزب اكاكيوس لشغل مقاعدهم فى الاجتماع لكى ما يتم النطق بالحكم العام فى القضايا المعروضة، حيث ذكروا أيضا قضايا عديدة معروضة عليهم فى نفس الوقت لأشخاص لجأوا إلى حزب اكاكيوس لحماية أنفسهم. ولما استمر ذلك الفريق فى رفضه للحضور، بعد أن دُعِى مرارا، عزل المجمع اكاكيوس نفسه مع جورج الأسكندرى، واورانيوس الصورى، وثيودولوس من كارتابى بفريجية، وثيودوسيوس من فيلادلفيا فى ليديا وايفاجريوس من جزيرة ميتلين([239])، وليونتيوس من تراىبوليس بليديا، وأودكسيوس الذى كان سابقا اسقفا لجرمانيكا ولكنه فيما بعد أقام نفسه على اسقفية انطاكية بسوريا. كما عزلوا أيضا باتروفيلس لإمتناعه عن الحضور للرد على التهمة الموجهة ضده من الكاهن المدعو دوروثيوس. هؤلاء هم من عزلوهم. وأيضا حرموا استيروس، ويوسيبيوس وآباجاردس، وباسيليكوس، وفوتيوس، وفيدلس، ويوتيخس، وماجنوس، ويوستاثيوس، وحددوا أنه لا يتم إعادتهم إلى الشركة إلى أن يقدِّموا دفاعا يطهرهم تماما من كل الاتهامات المنسوبة اليهم.

(2/40/13) وبعد أن فرغوا من ذلك حرروا خطابات توضيحية وارسلوها إلى سائر الكنائس التى خلعوا اساقفتها. وعُيّن انيانوس عندئذ اسقفا لأنطاكية بدلا من اودكسيوس، ولكن الآكاكيين، سرعان ما قبضوا بعد ذلك عليه، وسلموه لليوناس حيث أرسله إلى المنفى. وعندما غضب الاساقفة الذين رسموه من ذلك، رفعوا احتجاجا ضد الفريق الاكاكى وليوناس ولوريكوس اعلنوا فيه صراحة اتهامهم بكسر قرارات المجمع، وعندما وجدوا أنه لا طائل من ذلك، توجهوا إلى القسطنطينية ليعرضوا الأمر كله على الإمبراطور.

الكتاب الثانى: الفصل الواحد والاربعين

(عودة الإمبراطور من الغرب. التصديق على قرار ارمينيم بعد إضافات عليه)

(2/41/1) وعاد الآن الإمبراطور من الغرب وعيَّن حاكما للقسطنطينية اسمه هونوراتس بعدما ألغى وظيفة بروكونسل([240]) proconsul. وكان حزب اكاكيوس كان قد وصل قبل الاساقفة، فإفتروا عليهم لدى الإمبراطور واقنعوه ألا يقبل قانون الايمان الذى قدموه. فتضايق الإمبراطور جدا لدرجة أنه عزم على صرفهم.

(2/41/2) ولذلك، نشر مرسوما يأمر فيه أن أمثال هؤلاء الذين سيشغلون وظائف عامة معينة،عليهم ألَّا يُعفُوا فيما بعد من القيام بالواجبات التى تُسنَد إليهم. لأن عديدين منهم كانوا معرضين للإستدعاء لشغل المصالح الرسمية([241]) المتعددة المرتبطة بكلٍ من ماجستريت المدينة، والفروع الخاصة بروساء وحكام المناطق([242]).

(2/41/3) وبينما كانت هذه الأمور تضغط هكذا على أنصار اكاكيوس، فقد بقيوا مع ذلك لفترة معقولة فى القسطنطينية، وعقدوا مجمعا آخر ودعوا اساقفة بيثينية نحو خمسين لهذه المناسبة، ومن بينهم ماريس اسقف خلقيدون، وهؤلاء أكدوا الصيغة الصادرة من ارمينيم التى ورد فيها اسماء القناصل([243]). لقد كان من الممكن اعتبار ذلك غير ضرورى، أن نكرر هنا ما دونوه، لولا أن هناك بعض الإضافات فيه. ولكن لأن ذلك قد حدث، فمن المرغوب فيه إذن أن ندونه فى شكله الجديد([244]).

“نؤمن بإله واحد، الآب القادر على كل شىء، الذى منه سائر الأشياء. وبإبن الله الوحيد المولود من الله قبل كل الدهور وقبل كل بداية. الذى به كان كل شىء، ما يُرى ومالا يُرى، الذى هو الإبن الوحيد المولود من الآب، إله من إله وحيد من وحيد، مثل الآب الذى ولده طبقا للكتاب المقدس، والذى لا يعرف أحد ولادته إلا الآب الذى ولده. ونحن نعرف أن هذا الإبن الوحيد لله قد أُرسِل من الآب ونزل من السماء كما هو مكتوب ليبيد الخطية والموت. وأنه قد وُلِد من الروح القدس ومن العذراء مريم حسب الجسد، كما هو مكتوب. وتحدث مع تلاميذه. وأنه بعد أن أكمل كل التدبير حسب مسرة أبيه، صُلِب ومات ودُفِن ونزل إلى طبقات الأرض السفلية، وعند رؤيته ارتعد الجحيم ذاته، وقام أيضا من الموت فى ثالث يوم، وتحدث ثانية مع التلاميذ، وبعد أن أكمل اربعين يوما صعد إلى السماء، وجلس عن يمين الآب، ومن هناك سيأتى ثانية فى اليوم الأخير، يوم القيامة، فى مجد أبيه، ليجازى كل واحد حسب اعماله. و[نؤمن] أيضا بالروح القدس الذى قد وعد به، هو نفسه الإبن الوحيد لله المسيح ربنا وإلهنا، أن يرسله للبشر كمعزى حسبما هو مكتوب([245])، روح الحق الذى ارسله بعد استقبال السماء له. ولما كان مصطلح “اوسيا” الذى استخدمه الآباء بمعنى بسيط جدا وفطن، لكنه غير مفهوم من الناس قد سبب عثرة، فقد رأينا أنه من الملائم رفضه حيث لم يرد فى الكتابات المقدسة، وألا يُذكر فى المستقبل حيث أن الأسفار المقدسة لم تذكر “جوهر” الآب والإبن. ولا ينبغى حتى تسمية جوهر الآب والإبن والروح القدس. ولكننا نؤكد أن الإبن “مثل” الآب([246]) بنفس الأسلوب الذى يعلنه الكتاب المقدس ويعلّم به. لذلك نحرم كل الهرطقات التى أدينت بالفعل، أو تلك التى ستُثار والتى تتعارض مع هذا الشرح للإيمان”([247]).

(2/41/4) وقد تمت هذه الأمور فى ذلك الوقت فى القسطنطينية، والآن بعد أن اجهدنا انفسنا خلال هذا التيه من الأشكال العديدة للإيمان، دعنا نحصى عددها. فبعد تلك الصيغة التى صدرت فى نيقية، أُقتُرحِت صيغتان أخريان فى انطاكية([248]) خلال تكريس الكنيسة هناك. وقُدِّمت ثالثة للإمبرطور اثناء إقامته بالغال من ناركيسوس والذين رافقوه([249]). وأرسل اودكسيوس رابعة إلى ايطاليا([250]). ونُشرِت ثلاث صيغ فى سيرميم واحدة منها بها أسماء القناصل وقُرِأت فى ارمينيم([251]). وألف حزب اكاكيوس ثامنة فى سلوقية([252]). وهذه الأخيرة هى صيغة القسطنطينية وهى تشتمل على عبارات تحذيرية بخصوص علاقة الجوهر بالله. وقد وافق على هذه الصيغة اولفاس اسقف القوط على الرغم من أنه كان سابقا مشايعا لصيغة نيقية، لأنه كان تلميذا لثيوفيلس اسقف القوط الذى كان حاضرا فى مجمع نيقية، ووقع على ما قد تحدد هناك. ولنكتف بهذا بشأن هذه الموضوعات.

الكتاب الثانى: الفصل الثانى والأربعون

(عزل مقدونيوس وحلول اودكسيوس محله)

(2/42/1) واهتم اكاكيوس واودكسيوس وأولئك الذين كانوا فى القسطنطينية للغاية هم أيضا، بعزل بعض الأشخاص المعارضين لهم. وقد رأينا أن أيا من الفريقين لم يقم بالعزل على اساس اعتبارات دينية، ولكن بناء على دوافع أخرى، لأنه على الرغم من عدم اتفاقهم فى مسائل العقيدة إلاَّ أن حيثيات العزل لم تكن لأخطاء فى العقيدة. لذلك اغتنم حزب اكاكيوس غضب الإمبراطور ضد الآخرين، وخاصة ضد مقدونيوس الذى كان مستعدا لصب جام غضبه عليه.

(2/42/2) فخلعوا أولا مقدونيوس لأنه تسبب أولا فى المذبحة، ولأنه قد سمح ثانية لدياكون متهم بالزنا([253]) بالاشتراك فى التناول. ثم خلعوا إليوسيوس اسقف سيزيكوس لأنه عمَّد شخصا يُدعى هيراكليوس من هرقلس بصور كان معروفا عنه أنه يمارس السحر([254])، ثم أنعم عليه بالدياكونية. وصدرت أحكام مماثلة ضد باسيليوس أو باسيلاس كما يُدعى أيضا، الذى سيم أسقفا على انقيرا بدلا من مارسيللوس. وكانت علل هذه الإدانة له هو أنه قد سجن بلا عدل شخصا ما وقيَّده بالسلاسل([255]) وعذبه. ووشى بآخرين، وأزعج كنائس افريقيا برسائله. وعُزِل أيضا دراكنتيوس لأنه ترك كنيسة الغلاطيين، وانتقل إلى كنيسة برغامس. وبالإضافة إلى ذلك، عزلوا نيوناس اسقف سلوقية المدينة التى انعقد فيها المجمع، لمزاعم متنوعة. وصفرونيوس [اسقف] بومبيوبوليس فى بافلاجونيا وألبيدوس فى ساتالا بمقدونية. وكيرلس الاورشليمى، وأشخاص عديدين آخرين.

الكتاب الثانى: الفصل الثالث والأربعون

(عن يوستاثيوس اسقف سابسطيايا)

(2/43/1) ولكن يوستاثيوس اسقف سابسطياا بأرمينيا لم يُسمَح له حتى بالدفاع عن نفسه، لأنه كان قد عُزِل منذ فترة طويلة من قِبل اولاليوس Eulalius ابيه الذى كان اسقف قيصرية كبادوكية بسبب ارتدائه لملابس غير لائقة بالخدمة الكهنوتية. وتجدر الاشارة إلى أن مليتيوس قد عيَّن خلفا له، وسنتحدث عنه لاحقا. وقد حُكِم على يوستاثيوس فى الحقيقة فى مجمع فرعى إلتأم لهذا الغرض فى غنغرا ببافلاجونيا.

(2/43/2) وبعد عزله من مجمع قيصرية قام بأعمال كثيرة كريهة حسب القوانين الكنسية. إذ أنه منع الزواج([256]) وأمر بالامتناع عن اللحوم([257]) بل حتى فصل كثيرين عن زوجاتهم، وأقنع الذين لا يستحسنون حضور الاجتماعات الكنسية بالتناول فى البيوت. وتحت زعم التقوى فصل أيضا الخدم عن سادتهم. وارتدى هو نفسه رداء فيلسوف، وأغوى تابعيه بإرتداء رداء غير عادى، وأشار بقص شعر النساء. وسمح بإهمال الأصوام المفروضة([258]) لكنه أوصى بصوم الآحاد!!. وبإختصار حظر إقامة صلوات فى منازل المتزوجين. وأعلن اعتبار البركات التى يعطيها الكاهن المتزوج شرعيا وهو علمانى، ومستمر فى الحياة مع زوجته([259])، بل حتى التناول منه، أمرا نجسا[!!], يلزم الاحتراس منه. ومن أجل هذا التعليم وأمور أخرى كثيرة من ذات النوع انعقد مجمع، كما قلنا فى غنغرا([260]) ببافلاجونيا وخلعه، وحرم أرائه. وقد حدث ذلك فيما بعد.

(2/43/3) ولكن مقدونيوس عندما طُرد من كرسى القسطنطينية، تم ترقية أودكيوس الذى كان يتصرف على كرسى انطاكية كتالى فى الاهمية إلى الاسقفية الشاغرة، وكرَّسه الآكاكيون الذين لم يكترثوا فى هذه الحالة بأن هذا يتناقض مع أجراءاتهم السابقة إذ أنهم قد خلعوا دراكونتيوس بسبب انتقاله من غلاطية إلى برغامس، وأن ذلك عمل ضد مبادئهم وقراراتهم الخاصة بكل وضوح، فى رسامة اودكسيوس الذى قام بتغيير ثانى. وعقب ذلك ارسلوا شرح الإيمان فى صيغته المعدلة والمصححة إلى ارمينيم، آمرين بنفى كل من لا يوقع عليه بموجب مرسوم الإمبراطور. وأخطروا أيضا المدبرين فى الشرق للإتفاق معهم فى الرأى كل ما عملوه، وبصفة خاصة باتروفيلس اسقف سكيثوبوليس الذى توجه مباشرة إلى مدينته عقب مغادرته لسلوقية.

(2/43/4) وعندما شغل اودكسيوس وظيفة اسقف المدينة الإمبراطورية، وكانت الكنيسة العظيمة صوفيا قد كُرِّست فى ذلك الوقت([261])، فى القنصلية العاشرة([262]) لقنسطانتيوس، والقنصلية الثالثة لجوليان قيصر، فى الخامس عشر من فبراير. وخلال شغل اودكسيوس لهذا الكرسى، حدث أن نطق بهذه العبارة التى ما زالت سارية فى كل مكان “الآب كافر، أما الإبن فتقى”. وعندما صُدِم الناس من هذا التعبير وبدأوا يثورون، قال لهم “لا تغضبوا بسبب ما قلته، فالآب كافر لأنه لا يعبد أحدا، أما الإبن فتقى لأنه يعبد الآب”. وعندما قال اودكسيوس هذا هدأ الشعب وضجوا بالضحك فى الكنيسة. وصار قوله نكتة حتى فى يومنا هذا. وهكذا كان رؤساء الهراطقة يختلقون مثل هذه العبارات الخبيثة، ويشقون بواسطتها الكنيسة([263]). وهكذا انتهى مجمع القسطنطينية.

الكتاب الثانى: الفصل الرابع والأربعون

(عن مليتيوس اسقف انطاكية)

(2/44/1) حان الآن وقت الحديث عن مليتيوس([264]) الذى صار اسقفا لسباسطيا بأرمينيا بعد خلع يوستاثيوس، وانتقل من مدينة بيرية بسوريا. ولما حضر مجمع سلوقية وقَّع على صيغة الايمان المقدمة من اكاكيوس وعاد على الفور إلى بيرية. فلما انعقد مجمع فى القسطنطينية، وجد شعب انطاكية أن اودكسيوس، لأنه مأسور بعظمة كرسى القسطنطينية قد ازدرى بكنيستهم، أرسلوا إلى مليتيوس وعرضوا عليه اسقفية كنيسة انطاكية. فتجنب فى البداية كل المسائل العقيدية وحصر نفسه فى الموضوعات الأخلاقية، ولكنه شرح لاحقا لجمهوره قانون الايمان النيقاوى، وأكد على عقيدة الهومووسيون.

(2/44/2) فلما أُخطِر الإمبراطور بذلك أمر بنفيه، وجعل اوزيوس الذى كان قد نُفِى مع اريوس سابقا، اسقفا لأنطاكية بدلا منه. ومع ذلك، أولئك الذين التصقوا بميليتيوس انفصلوا عن الاريوسيين، وعقدوا اجتماعاتهم بمفردهم. غير أن الذين كانوا يتمسكون أصلا بعقيدة هومووسيون، لم يشتركوا معهم لأن مليتيوس كان مرسوما بيد الاريوسيين، وأنصاره معمَّدين بواسطتهم. وهكذا انقسمت كنيسة انطاكية حتى بالنسبة لأولئك الذين لهم نفس الآراء بالنسبة للإيمان السليم.

(2/44/3) وفى نفس الوقت إذ كان الإمبراطور يعلم أن الفارسيين يستعدون لحملة أخرى ضد الرومان، توجه بسرعة إلى انطاكية.

الكتاب الثانى: الفصل الخامس والأربعون

 (عن هرطقة مقدونيوس )

(2/45/1) عندما طُرِد مقدونيوس، تضايق لإدانته([265]). وصار قلقا وربط نفسه بالأحزاب الأخرى المضادة لأكاكيوس وحزبه فى سلوقية. وأرسل وفدا إلى صفرونيوس، وايلوسيوس ليشجعهم على قبول صيغة الايمان التى أُذيعت أولا فى انطاكية، وتم التصديق عليها فيما بعد فى سلوقية. واقترح أن يعطيها اسما مزيفا([266]) هو صيغة هوموأوسيون([267]). وبهذه الوسيلة جمع عددا أكبر من المشايعين، والذين ما زالوا يُدعَون “مقدونيين” نسبة إليه. وعلى الرغم من أن الأكاكيين لم يستخدموا هذا المصطلح فى مجمع سلوقية سابقا إلا أنهم استعملوه بصفة محددة منذ تلك الفترة. ومع ذلك هناك من يقول أن هذا المصطلح لم ينشأ من مقدونيوس، ولكنه كان بالأحرى من ابتداع ماراثونيوس الذى كان قبل ذلك بقليل مشرفا على كنيسة نيقوميديا. والذى دُعِىَّ أتباعه لهذا السبب ماراثونيين. وإلى هذا الحزب انتمى يوستاثيوس الذى، كما قلنا، قد عُزِل للأسباب التى دوناها سابقا من كنيسة سباسطيا.

(2/45/2) ولكن عندما بدأ مقدونيوس ينكر لاهوت الروح القدس فى الثالوث([268])، قال يوستاثيوس إننى لا أسلم بأن الروح القدس هو الله، ولا أتجاسر على القول أنه مخلوق. ولهذا السبب دعَى أولئك الذين يتمسكون بعقيدة “هومووسيون” للإبن، هذه الهرطقة “بنيوماتوماخى”([269]) Pneumatomachi . أما كيف صار هؤلاء المقدونيون عديدين فى هيللسبونت، فذلك ما سأدونه فى موضعه المناسب.

(2/45/3) وصار الاكاكيون فى نفس الوقت قلقين من انعقاد مجمع آخر فى انطاكية من جراء تغيير رأيهم السابق من جهة أن الإبن “مثل” الآب فى كل شىء. لذلك اجتمع عدد قليل منهم فى القنصلية التالية([270]) التى لطوروس وفلورنتيوس فى انطاكية بسوريا، حيث كان الإمبراطور يقيم هناك فى ذلك الوقت، وكان اوزيوس اسقفا لها. وأُعيد النقاش بالنسبة لبعض النقاط التى كانوا قد حددوها سابقا، والتى أعلنوا خلالها حذف مصطلح “هومووسيون” من صيغة الإيمان التى نُشرِت من كل من ارمينيم والقسطنطينية، ولم يعودوا يخفون أن الإبن “ليس مثل” الآب، بل أعلنوا جهرا أنه ليس فقط فى الجوهر بل وفى المشيئة، زاعمين بجسارة، مثلما فعل اريوس من قبل، أنه مصنوع من العدم. وصدَّق على هذا الرأى أولئك الذين كانوا يتبنون هرطقة اتيوس فى تلك المدينة، والذين نُعِتوا لهذا السبب بالإضافة إلى استحسانهم العام للأريوسية بلقب انوميين Ανόμοιοι ([271]) و”اوكسونتانيين “‘Exucontians([272]) من قِبل المتمسكين فى انطاكية بعقيدة “هومووسيون” الذين لم يكونوا فى هذا الوقت منقسمين بسبب مليتيوس، كما أشرتُ سابقا.

(2/45/4) وعندما سئلوا كيف تقولون أن الإبن ليس مثل الآب، وأنه اتخذ وجوده من العدم. بعدما اعترفتم بأنه “إله من إله” فى صيغة الايمان السابقة؟ اجتهدوا فى إلغاء هذا الإعتراض بعبارات زائفة خبيثة قائلين أنه إله من إله بنفس المعنى الذى لكلام الرسول([273]) أن كل الأشياء من الله” ([274]) وبناء عليه “الإبن” هو من الله بإعتباره “أحد هذه الأشياء” وأنه لهذا السبب أُضيفت كلمات الكتاب المقدس فى مسودة قانون الايمان. وكان مؤلف هذه السفسطة جورج اسقف لاودكية الذى كان غير ماهر فى هذه العبارات، وجاهل بالأسلوب الذى سبق أن شرح به اورجينوس تعبيرات الرسول هذه، والذى درس الأمر بعمق.

ولكن إذا ما وضعنا هذه السفسطة جانبا. فإنهم لم يكونوا بقادرين على تحمل التوبيخ والإزدراء الذى جلبوه لأنفسهم، ورجعوا ثانية إلى صيغة الإيمان التى وضعوها سابقا فى القسطنطينية. وهكذا انسحب كل منهم إلى بلدته.

(2/45/5) وعاد جورج إلى الأسكندرية ليمارس سلطته على الكنائس هناك، وظل أثناسيوس مختفيا. واضطهد أولئك الذين عارضوا رأيه، وسلك بمنتهى الوحشية والقسوة، فإكتسب مقت الشعب للغاية. ووضع فى أورشليم آرينوس محل كيرلس على الكنيسة. كذلك يتعين الإشارة إلى أن هيركليوس قد رُسِم اسقفا هناك بعده، ومن بعده هيلارى. وأخيرا عاد كيرلس مع ذلك إلى أورشليم، ومارس مرة أخرى رئاسته على الكنيسة هناك.

وفى حوالى نفس الفترة، ظهرت هرطقة أخرى، نشأت من الظرف التالى:

الكتاب الثانى: الفصل السادس والأربعون

(عن هرطقة الأبولينارية)

(2/46/1) كان فى لاودكية بسوريا شخصان، رجل وأبوه، يُدعوان بنفس الإسم “ابوليناريوس. وكان الرجل قارئا([275]) والأب قسا بتلك الكنيسة. وكلاهما تعلما الأدب اليونانى. كان الرجل خطيبا، وأبوه نحويا ومواطنا من الاسكندرية كان قد درس أولا فى بيريتس([276]) لكنه انتقل فيما بعد إلى لاودكية حيث تزوج هناك، وولد ابوليناريوس. وكانا معاصرين لإبيفانيوس السوفسطائى، وعلى علاقة وثيقة به.

(2/46/2) ولكن إذ خشى ثيودوتس اسقف لاودكية من هذه العلاقة لئلا تحولهما إلى الوثنية ويتركان مبادئهما، منع اتصالهما به. ومع ذلك، لم يصغيا إلى حظره، واستمرت ألفتهما مع ابيفانيوس. واجتهد جورج أيضا خليفة ثيودوتوس، فى منعهما من مصاحبة ابيفانيوس لكنه لم يكن قادرا بأى نحو على إقناعهما فى هذا الصدد، فحرمهما.

(2/46/3) واعتبر ابوليناريوس الصغير هذا الإجراء عملا ظالما شديدا. وإرتكانا إلى سفسطته البلاغية أنشأ هرطقة([277]) جديدة دُعيت بإسم مبتدعها، وما زال لها مؤيدون كثيرون.

ومع ذلك يؤكد البعض أنها لم تنشأ للسبب المذكور عاليه المنسوب إلى جورج، ولكن بسبب ما رأوه فيه من عدم ثبات وعدم استقرار فى إعترافه بالإيمان. فهو أحيانا يقول أن الإبن مثل الآب بحسب ما تحدد فى مجمع سلوقيا، وأحيانا أخرى يشايع الآراء الاريوسية. ولذلك، اتخذوا من هذه الذريعة حججا لإنفصالهم عنه. ولكن لما لم يتبع أحد مثالهما، ادخلا شكلا جديدا للعقيدة. وأكدا فى البداية وزعما أنه فى تدبير التجسد، اتخذ الله الكلمة جسما بشريا بلا نفس. ثم فيما بعد، كما لو كانا قد غيَّرا رأيهما، تراجعا وسلَّما بأنه أخذ نفسا فى الحقيقة، ولكن بلا عقل، إذ كان الله الكلمة نفسه هو العقل. فأولئك الذين اتبعوه وحملوا اسمه فى هذا اليوم يؤكدون أن هذه هى النقطة الوحيدة التى تميزهم، وهى أنهم يعترفون بالمساواة فى الجوهر للأقانيم الثلاثة. ولكننا سنتحدث عن هذين الشخصين بتفصيل أكثر فى موضعه المناسب([278]).

الكتاب الثانى: الفصل السابع والأربعون

( نجاح يوليانوس. موت قنسطانتيوس)

(2/47/1) وبينما كان الإمبراطور قنسطانتيوس مستمرا فى إقامته فى انطاكية، إلتحم يوليانوس قيصر بجيش جرار مع البرابرة فى الغال، وحصل على النصر عليهم. وصار مشهورا للغاية بين الجيش، واُعلِن امبراطورا من قِبَلهم. وعندما علِم الإمبراطور قنسطانتيوس بذلك، تألم للغاية.

(2/47/2) ولذلك، اعتمد على يد اوزيوس([279])، وأعدَّ فى الحال حملة ضد يوليانوس. وعند وصوله إلى حدود كبادوكيا وكيليكية، أدى الصراع الذهنى المفرط إلى إصابته بداء السكتة الذى أنهى حياته فى موبسكرين Mopsucrene، فى قنصلية تورس وفلورنتيوس فى الثالث من نوفمبر. وكان ذلك فى السنة الأولى من الأولمبياد الـ 285([280]).

وقد عاش قنسطانتيوس خمسة واربعين سنة، حكم منها ثمانية وثلاثين سنة، منها ثلاثة عشر سنة بالإشتراك مع أبيه فى الإمبراطورية، وخمسة وعشرين سنة بمفرده بعد وفاة أبيه. وقد دونا فى هذا الكتاب تاريخ هذه الفترة الأخيرة.

[1] – يقول زينوس (هـ261) أن عمل روفينوس التاريخى [يقصد الكتابين العاشر والحادى عشر. أنظر ترجمته للمعرب، نشر مطرانية جنوب سيناء] ليس دقيقا تماما، لأنه كتبه من الذاكرة أساسا تلبية لرغبة خروماتيوس اسقف أكويليا، وهو يبدأ من بدعة أريوس وينتهى بثيودوسيوس الكبير. وقد ترجم هذا العمل من اللاتينية إلى اليونانية. جلاسيوس وكيرلس الأورشليمى. وعن معرفة سقراتيس باللاتينية قارن 23:2، 30، 37 هنا.

[2] – الأول أو الكبير.

[3] – يقصد الأول والثانى من عمله هذا.

[4]Illyricum  هى حاليا اقليم البلقان وهى تمتد من نهر درن فى شمال البانيا الحالية إلى ايستريا(كراوتيا الحالية) فى الغرب، وإلى نهر سافا فى البوسنة الحالية فى الشمال.

[5] – يقول زينوس(فى هامشه 263) هناك تباين فى الآراء بشأن السنة التى عاد فيها [البابا] اثناسيوس [الرسولى] من مدينة تريف بالغال. إذ يرى بارونيوس وآخرون أن عودته حدثت فى سنة 338م، أى فى السنة التالية لموت قنسطنطين. ولكن فالسيوس يرى أن اثناسيوس قد عاد فى السنة السابقة، ويستدل على ذلك من كلام اثناسيوس(فى كتابه “ضد الاريوسيين، 61) وعنوان الرسالة التى ارسلها قنسطنطين الاصغر إلى كنيسة الاسكندرية.

[6] – سقراتيس ينقل هنا عن أعمال البابا أثناسيوس، أنظر الرسائل المتبادلة بينه وبين الاطراف الأخرى فى كتاب “القديس أثناسيوس الرسولى” للأب متى المسكين، مرجع سابق الذكر.

[7] – الشرقى، قنسطانتيوس.

[8] – أى سنة 340م.

[9] – يرى زينوس أن سقراتيس قد أخطأ هنا فى تأريخ وفاة الكسندروس القسطنطيني بـ 340م، على أساس أن المجمع الذى إنعقد لفحص التهم الموجهة إلى أثناسيوس فى سنة 339م، كان يوسيبيوس النيقوميدى يشغل كرسى القسطنطينية كما نرى فى ك7:2. ومن ثم لابد أن يكون الكسندروس القسطنطينى قد تُوفى قبل سنة 339م. [ وبالبحث تبين لى أن الآراء منقسمة على نحو متساوى تقريبا بشأن تاريخ وفاته بين 337م و340م. المعرب].

[10] – هذا الشخص صاحب الهرطقة ضد الروح القدس فيما بعد كما سنرى.

[11] – يُلفِت زينوس نظرنا (فى هامشه 266) إلى أن الكنيسة قد دُعِيَّت بهذا الاسم ليس لأن هناك قديس أو شخصية بارزة بهذا الاسم، ولكن بنفس الطريقة التى دُعِيَّت بها كنيسة صوفيا. [ “آجيا صوفيا” باليونانية تعنى “الحكمة المقدسة”، وليس كما يتبادر للذهن “القديسة صوفية”!!. وبالتالى كنيسة “ايرنى” تعنى كنيسة “السلام” وليست كنيسة بإسم قديسة ما تُدعى إرينى. المعرب].

[12] – تمييزا لها عن “روما الجديدة” أى القسطنطينية.

[13] – لا أعلم كيف قال سقراتيس أن هذا “قانون كنسى”، فهو واضح أنه ترتيب سياسى محض. ويتفق معنا فى هذا الرأى الارشمندريت جراسموس مسرة (وهو من اليونانيين الخلقيدونيين) حيث يقول: أن ترتيب أولوية الكراسى الرسولية، لم تتم اطلاقا على اساس دينى أو كتابى فى البداية، وإنما على أساس الوضع السياسى للعواصم آنذاك، والذى بدأ به قنسطنطين. وهذا صحيح تماما فى نظرى عندما جعل روما الايطالية أولا ثم دعا مدينته الجديدة القسطنطينية “روما الجديدة”. ولكن فى فترات لاحقة بدأ اساقفة روما فى محاولة إسباغ أساس كتابى لهذا الوضع السياسى المحض. إن رأى الارشمندريت هذا وهو، دعنى أقول “من داخل المعسكر الخلقيدونى”، يوضح بجلاء أنه لا “رئاسة بطرس” المزعومة ولا أى أساس دينى آخر هو الذى حكم أولوية كنيسة “روما عاصمة الامبراطورية الرومانية” على سائر الكنائس الرسولية الأخرى التى كانت فى مدن ولايات “خاضعة” للتاج الرومانى، إذ كيف لأقليم مستعمَر أن يتقدم على الاقليم الغازى المستعمِر. ومن ثم كيف لأثناسيوس أن يتصدى ايمانيا لرأى حاشية الحاكم!!. وكيف يمكن للأسكندرية أو انطاكية أو أورشليم أن يكون لها دور فعال، رغم أنها كنائس رسولية، فى حضور أى مدعى كهنوت من معية الحاكم. وعلى الرغم من أن هذه الهالة السياسية قد زالت منذ قرون، وتحررت المستعمرات، وسقطت روما القديمة و”روما الجديدة” [القسطنطينية] تحت أقدام من كانوا يُسمونهم “البربر”!!، إلا أن بعض الأقلام الغربية ما زالت تعيش فى الماضى الاستعمارى السحيق. ويعلق زينوس أيضا على عبارة “قانون كنسى يمنع..” قائلا فى(هامشه 268) (من الثابت أن كلمة ‘قانون’ الواردة هنا، مستخدمة بالمعنى العام الواسع. إذ لا يوجد أي مرسوم ينص على موافقة أسقف روما لقرارات المجالس قبل أن يسنوها، وإلاّ تُعتبر غير سارية. وربما يكون سقراتيس قد فهم هذا على نحو ما من عادة أو عُرف غير مكتوب. على أي حال هذا رأى منفرد تماما خاص بسقراتيس. إلا إذا افترضنا أنه من المفترض وجود مثل هذا السُنة في مكان ما، كما ينطوي عليه كلامه هذا). بل يُلاحظ أيضا ومن عرضه هو، أن سائر المجامع المسكونية الجامعة، وهى الثلاث الأولى المنعقدة خلال القرن الرابع الميلادى، موضع حديثه كانت جميعا بدعوة من الآباطرة وبتصريح منه. حتى أن اساقفة مجمع غير مسكونى نُفيوا لأنهم انصرفوا بدون إذنه.

[14] – أى سنة 341م.

[15] – أى قنسطنطين الكبير. وعلى أساس أن وفاته كانت سنة 337م كما ذكرنا سابقا، تكون سنة انعقاد هذا المجمع هى 342م. بينما يرجع الاب متى المسكين تاريخ انعاقده إلى سنة 344م.

[16] – أو بلاكيتوس.

[17] – Mesopotamia أى بلاد الرافدين، أو ما بين النهرين، هي منطقة جغرافية تاريخية تقع في جنوب غرب آسيا. وتشمل حالياً العراق، وأجزاء منسوريا وتركيا، ما بين نهري دجلة والفرات.

[18] – من سوزمينوس، ك6:3 [قيد الطبع] يتضح لنا أن تعليم الكتاب المقدس للأطفال فى إديسا، كان أمرا مألوفا ومن ثم كانوا يستظهرون فقرات كثيرة عن ظهر قلب.

[19] –  أو فلاسيتوس.

[20] – النيقوميدى الاريوسى.

[21] – Emisa هو الاسم اليونانى القديم للمدينة التى تُعرف حاليا بحمص فى غرب سوريا الحالية.

[22] – اسقف اميسا.

[23] – أنظر “المجامع” لأثناسيوس، 22، 23.

[24] – أى المعقولة بالفكر.

[25] – لاحظ على سبيل المثال لا الحصر، هذه الكلمة لدى الأريوسيين ومدى خبثها الذى لا ينتبه إليه الشخص البسيط، حيث هناك فارق لاهوتى رهيب بين هذه العبارة وبين الكلمة الأرثوذكسية “جلس”. ذلك أن is seated he تختلف جذريا عن He sat على الصعيد العقيدى النيقاوى. أنظر عب3:1، عب 12:10.

[26] – يو1:1.

[27] – يو38:6.

[28] – انظر هامشنا 261 هنا.

[29] – مت 19:28.

[30] – لاحظ ذر الرماد فى العيون ليحاولوا ابعاد الاريوسية عنهم.

[31] – “الفرنك”، شعوب جرمانية غزت الإمبراطورية الرومانية الغربية فى ق4/5م. وهى تقطن حاليا شمال فرنسا، وبلجيكا، وغرب ألمانيا. أنظر الموسوعة البريطانية.

[32] – لاحظ صلاة عشية.

[33] – συνάξεως  حرفيا “الاجتماع congregation   من  συνάγω ولكن فيما بعد صارت تُطلَق على أى خِدمة تُعقَد فى الكنيسة. (زينوس، هـ 276).

[34] – نلاحظ هنا الدور الطقسى للشماس وهو تنبيه الشعب إلى بدء الصلاة، أو القيام من الجلوس، أو الالتفات نحو المشرق أو الترنيم …الخ.

[35] – أيضا نلاحظ هنا تلاوة المزامير باللحن، فى كنائس الأسكندرية خلاف الأديرة.

[36]  – مرة أخرى، نلاحظ هنا أن البابا أثناسيوس لم يكن له كبابا ولا حتى ككاهن لباس معين مميز عن الشعب، وإلا كان قد ظهر بالطبع وسط الحشود. ولا كانت صورته مألوفة للجميع.

[37] – هكذا ترد هذه الرواية أيضا لدى سوزمينوس فى ك7:3. ولكن زينوس يرى اعتمادا على فالسيوس أن كلاهما أخطآ حيث أن يوسيبيوس النيقوميدى أرسل مندوبيه قبل مجمع انطاكية حسبما يظهر من كلام أثناسيوس فى دفاعه ضد الأريوسيين،21.

[38] – مار بولس الرسول.

[39] – أى سنة 342م. وقد وردت بالفعل إشارة إلى اغتيال هرموجينس فى الكتابات القديمة. (أنظر هامش زينوس رقم 279).

[40] – من التاريخ المدنى العام نعلم أن قنسطانس هذا حقق بالفعل انتصارا على الفرنك فى حوالى سنة 341/342م.

[41] – بالنسبة لمنحة الحبوب أو الخبز التى كانت تتم فى عهد قنسطنطين وفيما بعد فى عهد ثيودوسيوس، أنظر “قوانين ثيودوسيوس”، 14 و16.

[42]  – يقول زينوس أنها كنيسة ديونيسيوس.

[43] – أى خاب أملهم فيه، فى نشر الاريوسية.

[44] – يقول زينوس، هنا أيضا خطأ من سقراتيس، وتكرر لدى سوزمينوس(7:3)أيضا. ولكن ثيودوريت(4:2) صححه دون ذكر أسماء أسلافه. هذا الخطأ يتمثل فى أن جورج قد استمر فى موضعه الى أن عزله مجمع سارديكا وحرمه.

[45] – يُلاحظ زينوس هنا، أن يوليوس [اسقف روما]، فى رسالته إلى الاساقفة الشرقيين(4:1، 5) يذكر أثناسيوس ومارسيللوس اسقف انقيرا السابق، على أنهما معه فى ذلك الوقت، بينما لا يشير إلى بولس. الأمر الذى نستدل منه على خطأ عبارة سقراتيس هنا (وفى نفس الوقت وصل بولس..)، وإلا كان قد أشار إليه. أما سوزمينوس(15:3) فكالعادة، نسخ خطأ سقراتيس هنا. ويرى المعرب هنا أن عبارة سقراتيس كمؤرخ لحقب ربما يقصد بها فترة وليس لحظة معينة يسبقها ويتلوها ويطابقها هذا الحدث أو ذاك مثلما نقول وحدث فى عهد عبد الناصر أن شيَّدوا السد العالى فحدث العدوان الثلاثى على مصر. هنا المنظور حقبة أو عهد وليس سنة أو يوم أو شهر. ويدعم هذا الرأى استخدامه هو وسوزمينوس طوال عملهما عبارة ( وفى ذلك الوقت) رغم أن الأحداث المذكورة قد تكون سابقة بمدة طويلة للحدث الذى يتناوله فى ذات الفصل. كما يؤيد هذه النظرة رواية سقراتيس نفسه فى(2/17/4) بعده. أنظر المقدمة للمعرب.

[46] – لوقيوس، أو لوكيوس وأيضا لوكاس هى عدة أشكال للإسم لوقا.

[47] – هى مدينة ادرنة حاليا بإقليم تيراقيا فى غرب شمال تركيا الحالية.

[48] – يقول زينوس نقلا عن( Neander, Hist. of the Christ. Church, Vol. II. p. 171, 172) أنه من الواضح من هذه الفقرة أنه لم يكن هناك فى ذلك الوقت اعتراف بأى امتياز معين أو حق خاص لأسقف روما. وأن لجوء اساقفة الشرق آنذاك أثناء العواصف التى طوحت بالكنيسة الشرقية، مع تمتع الكنيسة الغربية بسلام نسبى، إنما كان اختياريا وليس بصفته قاضيا شرعيا. وأقول، أن هذا هو بالفعل ما كان الى مجمع خلقيدون عندما أثار اسقف روما هذه المسألة وبدأ فى تقنينها كنسيا انطلاقا من الوضع السياسى للعواصم آنذاك. انظر جراسموس مسرة، مرجع سابق.

[49] – صاحب “مجموعة أعمال المجامع” السابق ذكره فى ك8:1 هنا.

[50] – عن كلمة يونانية تعنى على وجه الحصر صاحب أى بدعة ومؤسس لأى شيعة غير أرثوذكسية العقيدة والتعليم.

[51] – هذه لا شك ابرز أثار تحالف الكنيسة مع الدولة منذ قنسطنطين الأول، فعلى الرغم من أنه قد أراحها من الاضطهاد الوثنى، إلا أنه قد أسس بذلك تدخل النظام السياسى فى النظام الكنسى وخضوع الأخير لأهواء الحاكم، مما جرَّ على الكنيسة والمسيحية كلها ما هو أشر من الاضطهاد الوثنى. فضلا عن اللواحق السياسية العامة للدولة التى جرت تاريخيا عقب ذلك، ولا مجال لعرضها هنا.

[52] – Prætorian Prefect يميل البعض إلى ترجمتها بالمحافظ، ولكنها كما أشرتُ فى هامش سابق بالكتاب الأول كانت درجة سياسية إدارية فى النظام البيزنطى تجاوز سلطات المحافظ الحالية، كما هو واضح من الجملة التالية بالمتن. ومن شرح قواميس اللغة للكلمة اللاتينية praefectus نجد أنه من الممكن ترجمتها بكلمة “مُقدِّم”.

[53] – يشرح لنا زينوس الكلمة اليونانية الواردة هنا بأنها لا تعنى الثانى فى الرتبة فقط، ولكن الأول فى السلطة بعد الامبراطور، أى “ذراعه اليمنى”.

[54] – والتى حولها العثمانيون بعد غزوهم للقسطنطينية إلى جامع، ثم حاليا متحف.

[55] – أى أيام سقراتيس.

[56] – النيقوميدى.

[57] – يقول زينوس(هـ 289) أن عرض سقراتيس هنا (وسوزومينوس فى ك3:10) يختلف عن محتوى رسالة يوليوس الواردة لدى أثناسيوس فى “ضد الأريوسيين”، ف 20. فيوليوس يشكو هناك من تجاهل دعوته لهم بحضور مجمع فى روما، دون أن يشير بتاتا إلى أى قانون مثل ذلك الذى يشير إليه سقراتيس عاليه. [ويقول المعرب أن سقراتيس بوصفه محاميا، كان غير دقيق فى هذه العبارة فأين هذا القانون ومتى (قبل خلقيدون) ولو كان قد قال “ضداً للعرف” لجاز قبولها حيث كانت روما آنذاك العاصمة السياسية الأولى، وبالتالى تؤثر على العالم الرومانى].

[58] – هذه الرسائل محفوظة فى مجموعة رسائل البابا أثناسيوس الرسولى، ويمكن الرجوع إليها فى كتاب الأب متى المسكين، “القديس أثناسيوس الرسولى”، سابق الذكر.

[59] – كورنث، وأيضا كورنثوس. مدينة يونانية تقع فى وسط جنوب اليونان الحالى.

[60] – يقصد بولس وأثناسيوس.

[61] – اى قنسطنطين الصغير أو الثانى، أنظر: ك38:1.

[62] – قنسطانتيوس.

[63] – أنظر أف 15:3.

[64] – لاحظ هنا الفكر الاريوسى المستتر فى هذه الكلمة، فأُجلِس، والتى تختلف جذريا عن “جلس”، على الصعيد العقيدى النيقاوى. أنظر عب3:1، عب 12:10

[65] – غريبا عن ايمان الكنيسة الجامعة الرسولية.

[66] – أنظر الفصل 59 بعده.

[67] – أو أودوكيوس.

[68] – دعى هذا “القانون” باليونانية μακρόστιχος نسبة الى طوله، ويؤرخ هيفيليه تاريخه بعد مجمع سارديكا. أنظر: Hefele, History of the Church Councils, Vol. II. p. 85, 89, and 180

[69] – هنا ينتهى القانون الأول الذى تبنوه فى مجمع انطاكيا كما رأينا فى الفصل السابق. وما بعد ذلك هو الإضافة التى تتسم بها الصيغة المطولة هذه.

[70] – لاحظ كيف تدس هذه الصيغة المفهوم الاريوسى الوقح بأسلوب ملتو.

[71] – تعبيرات تؤدى بصورة أو بأخرى إلى الفكر الاريوسى.

[72] – 1كو3:11، أنظر التفسير الأرثوذكسى لهذه الآية، فى كتب التفسير الأرثوذكسية.

[73] – هذه اشارة الى هرطقة تكلم عنها الاساقفة الشرقيون فى مجمع سارديكا، نادى بها شخص يُدعى مارسيللوس من غلاطية ذهب الى المسيح سيملك فقط لمدة 400 سنة ثم ينتهى ملكه!!. أنظر (2/20/7) بعده.

[74] – أنظر،   Tertull. Adv. Prax. i. and ii.; Epiph. Hær. LVII

[75] – ما أجمل التسبحة اليومية بالكنيسة القبطية التى تحوى عصارة اللاهوت والعقائد الارثوذكسية غير الخلقيدونية فى ترانيم ومدائح يومية. أنظر هنا على سبيل المثال لا الحصر هذه الفقرة من ثيوتوكية الثلاثاء “لأنه بإرادته ومسرة أبيه، والروح القدس أتى وخلصنا”. مت36:11.

[76] – قارن ام 22:8 ط/بيروت. “الرب قنانى أول طريقه، من قبل اعماله منذ القدم”. وفى الترجمة اليسوعية “الرَّبُّ خَلَقَني أُولى طرقِه قَبلَ أَعمالِه مُنذُ البَدْء”. ونحن نعرف أن الآباء الأولين كانوا يقتبسون شواهدهم من العهد القديم من السبعينية. هذا ويرِد نفس الشاهد فى الطبعة الانجليزية نقلا عن العبرية هكذا The Lord possessed me in the beginning of his way, before his works of old

[77] – يكاد المريب أن يقول خذونى، ففى الحقيقة كان هذا الإسهاب لغوًا باطلاً وتشويشًا متعمدًا لإخفاء المفاهيم الاريوسية الواردة فى ثناياه عن عقول البسطاء وما أكثرهم، حتى بين الاساقفة. أما “العقول غير الضالة” فلا ينطلى عليها هذا اللغو. ولو كانوا يُريدون فعلا تبرئة أنفسهم، فلماذا لم يقدموا قانون نيقية وهم موقعين عليه، لأساقفة الغرب شهادة على حسن ايمانهم؟. ولماذا استبعدوا أثناسيوس وبولس؟.

[78] – الأريوسيون يعتبرون “الأرثوذكس” هم الهراطقة!!. وهكذا من جيل إلى جيل، تعتبر كل فئة الأخر هو “الكافر والمبتدِع والهرطوقى”.

[79] – وهو بالفعل كذلك، وأكثر وضوحا وتركيزا، ولذلك يُسَّمى “دستور الايمان” لأنه بلا إطناب ممل، أو إيجاز مخل.

[80] – صوفيا عاصمة بلغاريا الان. عن مجمع سارديكا، أنظر سوزمينوس 11:3، ثيودوريت 7:2. فى هذه السلسلة قيد الطبع.

[81] – يضع سقراتيس مجمع سارديكا بعد موت قنسطنطين الكبير بإحدى عشر سنة أى سنة 348، بينما يرى آخرون ومنهم الأب متى المسكين أنه كان سنة 343م. أما زينوس(هـ 306) فيحددها بسنة 347م.

[82] – حسب تقرير البابا اثناسيوس، كان عدد الحاضرين فى مجمع سارديكا، مع أوائك الذين وقعوا بعد ذلك على الرسالة المجمعية المرسَلة إليهم، وأولئك الذين كتبوا نيابة عنه قبل المجمع من فريجيا واسيا وإيسوريا.. كانوا فى مجموعهم 340 أسقفا.(أنظر، “ضد الاريوسيين”، ف 50. ولكن فى رسالته إلى المتوحدين، ف 15، يذكر أن عدد الذين تقابلوا فى سارديكا كانوا حوالى مائة وسبعون، لا أكثر

[83] – أنظر ك 27:1 هنا.

[84] – هذا يُظهِر لنا طبيعة الاتصالات آنذاك، وطبيعة الانتقال وكيف كان السفر يستغرق شهورا وسنين.

[85] – وهكذا سقط القناع عن الوجوه الغادرة وانكشف الخبث الدفين فى الإعلان المطول الذى قدموه لأساقفة الغرب لتبرئة ساحتهم كما قالوا من أية شبهة!!.

[86] – المقصود بـ anomoion جماعة الرافضين “لوحدة الجوهر”(هوموسيوس) او “للتشابه” فى الجوهر. أى الذين يأخذون “بعدم المثل unlike”. أنظر ص 263،264 من “القديس اثناسيوس..”، السابق الذكر.

[87] – doctrine of consubstantiality

[88] – أنظر ك 36:1 هنا.

[89] – يقول زينوس (فى هامشه 311)، أنه وصلنا بالفعل عملان ليوسيبيوس ضد مارسيللوس، يقول فى أحدهما أنه كتبهما تلبية لرغبة الأساقفة الذين حرموه. ولكن زينوس يتشكك فى أن يكون سقراتيس قد اطلع على هذه الأعمال!!!.

[90] – واضح إذن أن هذه الشبهة كانت منذ ذلك الحين وليست فى عصرنا الحالى.

[91] – فى 13:3.

[92] – يقول زينوس أن يوسيبيوس[القيصرى] كان معتادا أن يختم عظاته بالقول “المجد لغير المولود بإبنه الوحيد”.

[93] – 1كو1، أف 9:3.

[94]  أنظر:  De Eccl. Theol.I. 8, 9, and 10

[95] – أى مُنشِىء أو باعث. من الفعل “فَطَرَ” أى أوجد.

[96] – أم 22:8.

[97] – أنظر:   De Eccl. Theol.III. 2

[98] – أنظر تفسير الآباء الأرثوذكس لهذه الآية فى كتاب تفسير سفر الأمثال للقمص تادرس يعقوب ملطى.

[99] – 1بط 13:2 نص الآية هو “اخضعوا لكل ترتيب بشرى من أجل الرب”. وواضح أن يوسيبيوس هنا ترجم الكلمة اليونانية “تريب بشرى” بخليقة بشرية. وعلى أية حال جيد أن نعرف طريقة تفكيره وفهمه للنص. ويعلق صاحب النيافة الحبر الجليل والضليع فى اليونانية الأنبا ابيفانيوس اسقف دير الانبا مقاره بمصر، أن الكلمة اليونانية المترجمة هنا بترتيب، تعنى فعلا خليقة، ومن ثم لم تكن قراءة ليوسيبيوس القيصرى. وله كل الشكر على التوضيح الثاقب.

[100] – أنظر عا 12:4, 13. سبعينية.

[101] –  جا9:1.

[102] – أع 2:2، 4.

[103] – قارن، عا 13:4.

[104] – حرفيا “يُنزِل”.

[105] – مز 10:51سبعينية.

[106] – اف 15:2.

[107] – اف 24:4.

[108] – 2كو17:5.

[109] – فى هذا الإنفصال كانت الكنيسة الغربية على حق، إذ كانت تدافع عن عقيدة نيقية ضد مؤيدى الأريوسية وغيرهم من الهراطقة. ولكن فى الانقسام الثانى بين الكنيسة الشرقية الخلقيدونية(اى اليونانية/ البيزنطية) وبين روما الخلقيدونية أيضا، كان الطرف الشرقى على صواب إذ أدت النزعة السياسية التى انطلقت من مجمع خلقيدونية، الى قيام روما بإضافة ما تشاء على صيغة الإيمان النيقى/ القسطنطينى. فرفضت القسطنطينية ذلك وحدث الشقاق الكبير الذى لم يزل حتى اليوم.

[110] – حسنا أن قال سقراتيس “مدفوعا بالضرورة” لأن قنسطانتيوس بكل تأكيد لم يكتب هذه الرسالة من منطلق ايمانى راسخ، ولا من براءة برىء ولا دفاعا عن مظلوم ولكن تحت وطأة وضع سياسى أجبره على ذلك.

[111]  سقراتيس ينقل هذه الرسائل هنا من اعمال أثناسيوس. أنظر، “ضد الاريوسيين”، 51.

[112] – كذا. يا لها من مراحم، ومن عطف!!

[113] – اثناسيوس، “ضد الأريوسيين”، ف52.

[114] – 1كو9:2ٍ.

[115] – أولئك الذين فضحتهم المرأة العاهرة التى حاولوا أن يُدخلوها عليه ليلا.

[116] – اثناسيوس، ضد الاريوسيين، ف54.

[117] – الأمر الذى لم يتحقق سواء قبل ذلك أم بعد ذلك، إذ ظل مثيرو الفتن يكيدون ضد أثناسيوس كما سنرى، اعتمادا على المحاباة المطلقة لهم من قِبله.

[118] – اثناسيوس، “ضد الاريوسيين”، ف 55.

[119] – نعلم من قوانين نيقية (أنظر روفينوس، “ت.ك.”، 10/6/8) أن كرسى أورشليم، رغم احتفاظه بالكرامة الخاصة له، كان كهنوتيا يخضع لإشراف كرسى قيصرية فلسطين، ومن ثم كان لا يجوز لأسقف أورشليم أن يدعو إلى مجمع بدون تصريح من مطران فلسطين. ولكن من الواضح هنا أن هذه العادة أو القانون لم تكن قد استتبت بعد، كما لاحظ زينوس(فى هـ 336).

[120] – قارن/ اثناسيوس، “ضد الاريوسيين”، ف 57.

[121] – التى هى الآن قرية بالوظة شرق القناة بالقرب من ساحل البحر المتوسط.

[122] – قارن، “قوانين الرسل”، 35.” لا يتجرأ أيما أسقف على السيامة خارج حدوده، فى مدن ومواضع غير خاضعة له”.  ويظن زينوس أن هذا الإتهام يعنى أنه لم تكن كل مصر تحت إشراف أسقف الأسكندرية، وإلا ما كانت هذه التهمة قد أُثيرَت ضد أثناسيوس. وكون أن هذه السيامات قد أُجرِيَّت فى مصر فهذا ثابت من ذِكر بيليزيوم التى اجتازها أثناسيوس.  وهو يظن ذلك على أساس أن عبارة سقراتيس “ارضية للإتهام” قد وردت بعد زيارته لبيلزيزم.  ولكننى أرى أن عبارة ( وقام ايضا برسامات فى بعض الكنائس) إنما هى تعاقب أفكار وليس تعاقب أحداث. فإذا ما وضعنا نقطة توقف بعد زيارته لبيلزيوم لا يكون للعبارة التالية علاقة بهذه البلدة. فكما سبق أن قلت سقراتيس راوى وليس، دعنا نقول، محقق شرطة أو قاضى تحقيق، يهتم بماذا قبل ماذا وماذا بعد ماذا. ومن ناحية أخرى كانت بيلزيوم، بل ورنكورورا (أى العريش الآن) ضمن جداول الايبارشيات التابعة للأسكندرية (أنظر جدول ايبارشيات القطر المصرى، فى كتاب صالح نخلة، تاريخ البابا اثناسيوس”). المعرب.

[123] – 38:1 هنا.

[124] – نفس الرواية ذكرها زوسيموس، 40:2. [ زوسيموس باليونانية، ويعرف ايضا فى اللاتينية بإسم “زوسيموس هيستوريكوس، أي “زوسيموس المؤرخ”، وهو مؤرخ بيزنطي عاش في القسطنطينية في عهد الإمبراطور البيزنطي أناستاسيوس الأول(491 -518). ووفقا لفوتيوس، كان كونتا comes، وشغل وظيفة  “محامى” عن الخزانة الإمبراطورية. وقد كتب تاريخا باليونانية دعاه “التاريخ الجديد”، في ستة كتب  تغطى الفترة 270 – 404م. المعرب. وتاريخه هذا قيد الإعداد إن شاء الرب وعشتُ].

[125]– أنظر: ك 5:2 هنا.

[126] – كان ماجننتيوس حاكما لمقاطعات Rhœtia واغتال قنسطانس. قارن زوسيموس 43:2. [ كانت Rhœtia تشمل كل المقاطعات الواقعة بين الألب والدانوب حاليا. المعرب].

[127] – تناول زوسيموس كل هذه الأمور بالتدقيق فى 43:2-48.

[128] – أى فى سنة 350م.

[129] – تعتبره الكنيسة القبطية “قديسا” و”شهيدا”، وتحتفل بتذكار شهادته فى الخامس من شهر بابه.

[130] – هذا يؤكد ما قد ذكرناه من أن عفوه لم يكن عن توبة خالصة منه، أو رجوع إلى الحق، أو اهتداء إلى العقيدة السليمة، ولكنه كان تكتيكا سياسيا محضا لتجنب الحرب مع أخيه آنذاك. وحتى فى هذا لم يكن احتراما لمشاعر الإخوة بل كان خوفا من الدخول فى الحرب وهو يعلم جيدا مدى التهلهل الشديد فى الجبهة الداخلية. وعندما جعلته الظروف، أو قد دبَّر هو لها، الحاكم المستبد، سقط القناع عن وجهه الحقيقى فإنكشف غدره.

[131] – ولذلك كتب أثناسيوس مقالته “دفاع عن هروبه”.

[132] – قارن قوانين الرسل، 22 و 23. وكذا قانون نيقية رقم6 فى روفينوس، 10/6/3 [نشر مطرانية جنوب سيناء].

[133] – سقراتيس فى قوله هنا “ومع ذلك” إنما يُشير إلى قوانين الكنيسة التى تمنع سيامة مَن خصى نفسه.

[134] – ف6.

[135] – وهو ما يُعرف حتى اليوم “بالختم بالشمع الأحمر”، وكان الشمع مستخدما أيضا فى ذلك الوقت. غير أن الختم آنذاك كان يتضمن مصادرة ممتلكات صاحب البيت. وهنا ليس سدادا لدين (مثلما نقرأ فى “هس. مونا.”) ولكن عقابا للإيمان بمذهب غير “مذهب الملك”!!.

[136] – أى يوم الأحد.

[137] – بصحراء مصر. وهى المعروفة الآن بواحة الخارجة التى تقع غرب نهر النيل.

[138] – بالطبع كان موقف هؤلاء الأشرار ليس فقط طمس معالم جرائمهم، ولكن الرغبة الشديدة فى عدم إعتبارهم شهداء مكرَّمين فى كنيستهم، وتكريم رفاتهم. وبذلك تكون ذكرى خالدة ضدهم.

[139] – قارن، سوزمينوس 4:4. حيث يدعوه Οὐετερανίων. وأيضا يذكره زوسيموس(44:2).

[140] – مثل الظهور المذكور فى 1:1.

[141] – تلميذ مارسيللوس. أنظر 18:2 هنا.

[142] – يقول زينوس(هـ 355) أن “الاساقفة الشرقيين” المذكورين هنا لم يشتركوا – طبقا لفالسيوس – فى هذا المجمع، ولكن فى مجمع آخر انعقد فى نفس المكان، بعد ذلك بتسع سنوات بناء على مشورة يوسيبيوس[ النيقوميدى] وهيباتيوس.

[143] – أى فى سنة 351م. انظر أيضا، سوزمينوس 6:4.

[144] – كانت هناك ثلاثة مجامع انعقدت فى سيرميم: واحد فى سنة 351م، كما قد أشير إليه فى فصل 29. وثانى فى سنة 357م، الذى ألف فيه بوتاميوس وآخر تجديفهما. والثالث فى سنة 359م. وفى هذا الأخير حُرِّرت صيغة إيمان قُرِأت فى مجمع أرمينيم. وقد خلط سقراتيس [فى رأى زينوس] بين هذه المجامع الثلاث.

[145] – عن اثناسيوس، “المجامع”، 27.

[146] – اف15:3.

[147] – اش 6:44.

[148] – يو14:1.

[149] – تك26:1.

[150] – هنا قد يبدو لنا، بالمقارنة أن هناتشويه جلىُ لنص الآية فى سفر التكوين(24:19) وهى كما يلى “فأَمطَرَ الرَّبُّ على سَدومَ وعَمورةَ كِبْريتًا ونارًا مِنَ السَّمَوات”. ولا نعرف من أين جلبوا هذه العبارة عاليه.

[151] – يقول زينوس(هـ365) أن أثناسيوس قرأ هذه الكلمة ἐπὶ Σόδομα وليس εἰς σῶμα . فإذا كانت هذه هى القراءة الصحيحة، فإنه يجب أن نترجم هذه العبارة (نزل إلى سدوم..إلخ).

[152] – مز 1:109 سبعينية.

[153] – يو 16:14، 26.

[154] – 1كو 3:11.

[155] – لاحظ هذا التعبير الأريوسى. فضلا عن التمويه فى الاطناب والتكرار للهروب من المصطلحات الارثوذكسية.

[156] – واضح إذن الفارق الدقيق بين “دستور ايمان نيقية” وبين هذا اللغو الذى يمكن أن يكون عظة عامة للموعوظين وليس “قانون ايمان” للمؤمنين بصفة عامة، وللأساقفة بصفة خاصة. وحق على أمثال هؤلاء ما قاله ذاك الأسقف فى مجمع سارديكا لم نأت لنتعلم مبادىء الايمان من جديد.

[157] – اثناسيوس، “المجامع”، 28. ويقول زينوس أن هيلارى(فى المجامع) يدعو هذا القانون “بتجاديف بوتاميوس وهوسيوس[ بالطبع ليس اسقف قرطبة. م].

[158] – يو17:20.

[159] – رو29:3، 30.

[160] –  Of the same substance.

[161] –    Of similar substance

[162] – أش 5:53.

[163] – يو28:14.

[164] – أى “الكنيسة الجامعة”.

[165] – مت 19:28.

[166] – يقول فالسيوس: أن ابيفانيوس يروى أن فوتينوس بعدما أُدين وخُلِع فى مجمع سيرميم، ذهب إلى قنسطانتيوس وطلب أن يُحاكم عن إيمانه أمام قضاة معينين منه. وأن قنستانتيوس قد كلَّف باسيليوس اسقف انقرا بقيادة المناقشة مع فوتينوس، وأن يعاونه تسالسيوس، وداتيانوس، وسيرليس، وطوروس. (أنظر هـ 379 زينوس).

[167] – واضح أن هذا المرسوم لم يفلح فى القضاء عليها، بدليل عثور سقراتيس على نسخة منها وترجمتها.

[168] – [من التاريخ المدنى العام نعلم أن المعركة النهائية التى إضطر ماجننتيوس إلى الانتحار(فى 10 أغسطس سنة 353. أنظر: Eutropius, Historiae Romanae Breviarium X.12 )  بعدها وقعت جنوب بلاد الغال عند   Mons Seleucusالتى هى حاليا مونتسيلون  بإقليم الألب العليا بجنوب شرق فرنسا.  المعرب].

[169] – أى حوالى سنة 353م حسب زينوس.

[170] – هى قرية صفورية بالقرب من الناصرة بدولة اسرائيل السياسية اليوم.

[171] – أنظر ك 28:2.

[172] – يوليانوس هذا هو الامبراطور المرتد الجاحد الذى خلف قنسطانتيوس وسيرد تاريخه فى الكتاب الثالث. ويُلفظ أيضا بلفظ يوليان.

[173] – أى سنة 354.

[174] – سنة 355م.

[175] – ك 1:3.

[176] – ك26:1.

[177] – Ephectic academicians”” مدرسة فلسفية من المدارس اليونانية سادت فى القرن الرابع الميلادى اتسمت “بالأحكام المعلقة”، وتُلَّقب أيضا skeptic . وهى ما تقابل عندنا مذهب “اللا أدريين”. المعرب.

[178] – أى ملحد.

[179] – أنظر 7:4 هنا.

[180] – أنظر أيضا سوزمينوس 9:4.  ويقول زينوس(فى هـ389) أن فالسيوس يخمن أن يكون نص سقراتيس وأيضا سوزمينوس فاسد هنا، وأنه يجب أن نقرأ ثلاثين بدلا من ثلاثمائة.  فالعدد الأصغر يتفق بالضبط مع القائمة الواردة فى رسالة هذا المجمع الى يوسيبيوس [اسقف] فيرسللى. ففى هذه القائمة ورد ذكر ثلاثين اسقفا وافقوا على إدانة اثناسيوس ومارسيللوس وفوتينوس. قارن Baronius, Annal. year 355

[181] – ولأن سوزمينوس ينقل بعض الأجزاء عن سقراتيس، لذلك اتفق معه هنا أيضا(أنظر 9:4). ولكن اثناسيوس، كما يقول زينوس(هـ 390)، فى رسالته إلى .ad Solitar ، ومن بعده بارونيوس وفاليسيوس، يذكر ميلان وليس آلبا، متروبولية ايطاليا. وديونيسيوس اسقف ميلان وليس آلبا.

[182] – يا لعدالة التقاضى، وحق الدفاع، فى نظر السلطة؟!! أى سلطة فى كل زمان ومكان.

[183] – يطلب قنسطانتيوس عقد مجمع “مسكونى” شكلي، ولكنه فى الواقع مجلس “حزبى” أو “فصيلى” لسن ما يريده هو. وهكذا هى السياسة دوما فى ظل الحكم الفردى.

[184] – ف 39 بعده.

[185] – أنظر أحداث ذلك بتفصيل أكثر فى ثيودريت، 19:2 (قيد الطبع، بهذه السلسلة. للمعرب).

[186] –  Germanicia أو جرمانيسيا حسب لفظ آخرون. هى حاليا مدينة(قهرمان مراس) بتركيا الحالية. ولاحظ مدى الامتداد الجغرافى الذى كانت تشغله سوريا قديما. وهى نفس المدينة التى وُلِد بها نسطور الهرطوقى سنة 381م. وقد سقطت أمام الغزو العربى سنة 638م.

[187] – 2/37/8.

[188] – يلاحظ زينوس هنا(هـ394) أن أثناسيوس فى “المجامع”، ف8. لا يذكر أن هذه الصيغة مترجمة من اللاتينية، كما كان يفعل بالنسبة للمستندات اللاتينية التى يذكرها باليونانية. ومن هنا كان تخمين فالسيوس أن هذه الصيغة قد حررها مرقس الذى من أريثوسا باليونانية وقدمها لمجمع سيرميم الثالث سنة 359م، ولكنها قُرِأت فى أرمينييم كما هو مذكور هنا(قارن ف 30). غير أن الأمر لم يُحسَم تماما بشأن اللغة الأصلية لهذه الصيغة كما يقول زينوس.

[189] – هكذا وردت بالفعل our lord Constantius  فى نص سقراتيس. وكان ذلك أحد ألقاب التفخيم لدى القدماء “لإشباع المجد الباطل” لدى قنستانتيوس، كما يعلق زينوس(هـ 395). وقد وردت مثل هذه النعوت أيضا فى كتابات للبابا اثناسيوس “التقى جدا، المنتصر، الأوغسطس الخالد..إلخ”

[190] – سنة 359م.

[191] – تعبير غير ارثوذكسى.

[192] – أى، 17:38 سبعينية.

[193] – يو16:14، 14:16.

[194] – راجع  الشواهد الكتابية على قانون الإيمان فى الخولاجى الكبير بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية غير الخلقيدونية.

[195] – “المجامع، ف 8.

[196] – كان الإحتكام الى العاديات كإختبار للحق، أمر شائع جدا لدى الآباء الأولين. أنظر مثلا يوسيبيوس القيصرى فى تناوله للأسفار المقدسة للعهد الجديد، “ت.ك.”، 3:3، 24، 25.

[197] – اش 2:1، هو 1:1.

[198] – أر2:1.

[199] – لو 1:2.

[200] – نسبة إلى مونتانوس، وهى هرطقة ظهرت فى القرن الثانى الميلادى، وهو فريجى نادى بأن الروح القدس ساكن فيه هو، وأن هذا الروح جعله أداة لإرشاد الناس إلى الطريق المسيحى. أنظر ترتليان( ( “Adversus Praxean” c.1. والعجيب أن مقولة أن التاريخ يكرر نفسه، يبدو أنها صحيحة بالنسبة لهذا الرجل، إذ صادفتُ أثناء تواجدى بكينيا فى أواخر سبعينات القرن الميلادى العشرين، رجلا دعا نفسه “الروح القدس” وكوَّن بالفعل بعض الأتباع له من البسطاء.

[201] – ماكسيملا هذه، كان مونتانوس زعيم الهرطقة المعروفة بإسمه، قد عينها نبية له.

[202] – من يُريد أن يطلع على هذه الرسالة والرسائل الأخرى لقداسة البابا اثناسيوس الرسولى، يمكنه أن يجد بعضها بكتاب القديس أثناسيوس الرسولى للأب متى المسكين, كما أن معظمها موجود بمجموعة NPNF.

[203] – يُنبهنا زينوس (فى هـ 404) أنه تقيد هنا بالترجمة التى أوردها سقراتيس باليونانية، ولكن هناك فروقات كثيرة  هامة بينها وبين الأصل اللاتينى الذى تبناه فالسيوس فى هذا الموضع ومن بعده المترجمون الانجليز، مما يدل – فى رأيه- على وجود مسودتان بالفعل. ولذا قدم الفقرات الموازية فى اللاتينية فى بعض المواضع وأشار الى الإضافة أو الحذف من قبل سقراتيس، كما سنرى فى الهوامش اللاحقة.

[204] – الأصل اللاتينى هنا يحتوى على الفقرة التالية، التى لم يوردها سقراتيس هذه الأمور، بعد أن فُحصت بدقة، وحُرِّر قانون الايمان فى حضور قسطنطين، الذي بعد أن اعتمد، استراح فى الله وهو مؤمن به[ به هنا فى الانجليزية(it) أى تعود إلى قانون الايمان وليس إلى الله. المعرب] [ولذا] نحن نعتبره رجسا، أي انتهاك في هذا الشأن، أو أي محاولة لإبطال سلطة الكثيرين من القديسين، والمعترفين، وخلفاء الشهداء، الذين ساعدوا في ذلك المجمع، وحافظوا بأنفسهم على عدم نقض كل قرارات الكتَّاب القدماء للكنيسة الجامعة. والذين ظل حتى هذه الأوقات التي استلم فيها تقواكم من الله الآب، بالمسيح  يسوع إلهنا وربنا، قوة حكم العالم”. (زينوس، هـ 405)

[205] – النص اللاتينى يحذف هذه الفقرة إلى “على قِسم من العالم.”(زينوس، هـ 406).

[206] – النص اللاتينى يحذف إسم اوكسنتيوس. (زينوس، هـ 407).

[207] – بدلا من هذه الجملة الأخيرة، يرِد بالنص اللاتينى ما يلى(عن زينوس، هـ 408): verum etiam infideles ad credulitatem vetantur accedere.’

[208] – قارن، ثيودريت 20:2.

[209] – وهكذا يستطيع رجل السياسة، فى كل زمان ومكان وخاصة فى أنظمة الحكم الشمولى المفرد، أن يُلبِس الطرف الآخر أيا كان، الخطأ كل الخطأ وأن يُظهِر نفسه فى ثوب ملائكى ورجل العدالة الأوحد الذى لا نظير له من قبل ولا من بعد.

[210] – وهكذا صارت الكنائس والإيمان ذاته فى ذلك الوقت مجرد أداة من أدوات الحكم السياسى، وانتقل هذا الإرث الرومانى إلى أنظمة الحكم المختلفة والعديدة فى الأزمنة التالية على اختلاف أديانها ومذاهبها بالنسبة للجهة الدينية.

[211] – قارن ثيودريت، 16:2.

[212] – مما يؤكد أن أولوية الكراسى الرسولية لم تتأسس على أساس كرازى ولا أولوية الرسل المزعومة، وإنما على أساس سياسى مدنى محض، أنه عندما صارت العاصمة الفعلية للامبراطورية، وليست التاريخية، فى الشرق، فرض الحاكم الشرقى بالتالى( وهو هنا قنسطانتيوس) إرادته على كرسى “روما التاريخية” ذاته، كما نرى هنا، وعزل اسقفه.

[213] – ولأن السياسة لا أخلاق لها، وكان الامبراطور يمثل فعلا غازيا شرقيا للقسم الغربى، فإن التاريخ أعاد نفسه بعد ذلك بعدة قرون، فى زمن الحملات التى دُعيت “بالصليبية” نظرا لإرتداء الجنود بزات عليها شكل الصليب، حيث قامت إحدى هذه الحملات بأعمال عسكرية وتخريبية ليس فقط لمدينة القسطنطينية ولكن أيضا لكنائسها.

[214] – أو تيراقية، أو تيراكيا.

[215] – لاحظ فاليسيوس من هذه الإشارة، أن كرسى القسطنطينية كان قد بدأ منذ ذلك الحين وقبل مجمع القسطنطينية يسود على سائر أرجاء هللسبونت، وبيثينيا. وهى نفس النتيجة التى تأكدت أيضا من ممارسات اودكسيوس اسقف القسطنطينية عندما رسم اونوميوس اسقفا  لسيزيكوس. وقد تضافر سببان لإحراز هذه السلطة. أولهما تأسيس المدينة كعاصمة للإمبراطورية الرومانية من قِبل قنسطنطين. والثانى، نقل يوسيبيوس النيقوميدى إليها والذى كان أكثر الأساقفة تطرفا وعنفا فى سبيل بسط نفوذ كرسيه حسبما يرى زينوس (فى هـ412).

[216] – أنظر، ف 16 عاليه.

[217] – أنظر 13:1.

[218] – مقياس للمسافة ذكره المترجم دون أن يوضح لنا المقصود به.

[219] – بالطبع فعل ذلك ليس من باب احترام حقوق الإنسان، ولا تقديرا لإيمانهم أو عقيدتهم، ولكن من باب التكتيك السياسى البحت، تحت ستار “سماحة” الحاكم!!، لضرب الطوائف والشيع المسيحية بعضها ببعض. أى بقصد تخريب المسيحية من الداخل، ثم دخول هذه الشيعة أو تلك إلى “الدين السمح”!! الذى للحاكم، إما بالترغيب، وإما بالترهيب، على نحو ما سنرى فى الكتاب الثالث لسقراتيس.

[220] – يقول زينوس(هـ 415) وفقا لفالسيوس يبدو أنه أمر لا يصدق أن يقوم أتباع الكنيسة الجامعة بعمل ما قاله سقراتيس. “لأنه لا يوجد شيء أكثر تعارضا مع التهذب الكنسي مثل الاشتراك مع الهراطقة سواء في السرائر أو في الصلاة”. ومن ثم “من المحتمل أن سقراتيس قد خضع لِما فرضه عليه اوكسانو Auxano العجوز، الذي طبق على كل [اتباع الكنيسة] الجامعة، ربما ما كان يُعمَل مِن قلة من المسيحيين الذين كانوا أقل حيطة”. ولكن موقف سقراتيس الخاص نحو النوفاتيين يُظهِر أن الفرق بينهم وبين [أتباع الكنيسة] الجامعة، لم يكن يُنظر إليه بصفة عامة على أنه شِقاق مطلق يمنع من الاشتراك معهم حتى في مثل هذه الأوقات من المحاكمات الموصوفة هنا، والتي بكل تأكيد قرَّبت  الطرفين بالفعل إلى بعضهم بعضا، النوفاتيون وأتباع الكنيسة الجامعة.

[221] – قوس وإضافة المترجم الانجليزى.

[222] – ونفس الفكر تردد أيضا لدى أحد الكتًّاب فى أواخر القرن العشرين، حيث تكلم عن “هيبة الدين ورعب غير المؤمنين به، عندما يرون السلطة العسكرية والبوليسية وكافة أنواع القهر الإجتماعى والقانونى والإقتصادى والسياسى والثقافى، على نحو يشعرون فيه بالدونية، فيدخلون فى دين الله أفواجا بإرادتهم!!”.

[223] – انظر ف42 بعده.

[224] – فى سنة 358م.

[225] – يذكر لنا سوزمينوس فى (16:4)، أنه فى هذه الكارثة هلك اسقف نيقوميديا آنذاك، ودُمرت كنيسة المدينة الفخمة. وكيف أن الوثنيين قد فسروا ذلك بأنه من جراء غضب آلهتهم.

[226] – Τραχεῖα,  يقول زينوس أنها دُعِيَّت كذلك [ فى اليونانية] بسبب  انحدار الجبال التى حولها. وكانت سلوقية عاصمة إيسوريا

[227] – يكتبها البعض أيضا ايشوريا، وهى غير بلا  آشور الكتابية. وهى تشمل الآن حى بوزكير والمناطق المحيطة بها فى محافظة قونية بتركيا الحالية، وقلب جبال طوروس. المعرب.

[228] – يقول الآب متى المسكين أن عقد مجمعىَّ ارمينم وسلوقية كان الهدف منهما (الإقرار والموافقة على قوانين مجمع سيرميم) (ص270، المرجع السابق) ولكن النتيجة كانت عكس المرغوب فيه. فمجمع ارمينيم عارض بشدة قوانين وقرارات سيرميم وتمسك بقانون ايمان نيقية. ومجمع سلوكية عارض قوانين سيرميم وتمسك بقرارات مجمع التدشين وكلاهما انعقدا سنة 359م (ص 271 المرجع السابق).

[229] – أى فى سنة 359م.

[230] – قارن، اثناسيوس، “المجامع”، 12.

[231] – أنظر ف 8 و 10 آنفا.

[232] – يشير أثناسيوس بوضوح، (فى المجامع،29). إلى هذا الجزء من صيغتهم بوصفه التصريح الوحيد الصادر منهم.

[233] – 1كو15:1.

[234] – تعبير غير ارثوذكسى.

[235] – هكذا حرفيا، وعلى الرغم من اكاكيسوس يقول أنه لا يريد شيئا لم يُذكر فى الكتاب المقدس إلا أنه يستخدم عبارات تتعارض تماما حتى مع حرفية النص الوارد فى الكتاب المقدس. وهنا على سبيل المثال لا الحصر، قال “بعد رحيله” والكتاب يقول “وأنا إن ارتفعت” أى صعدتُ. وإذا كان يريد أن يقول “بعد رحيله” كان عليه أن يقول “بعد رحيله عنا بالجسد” ولكن هذا هو دأب الهراطقة فى كل زمان ومكان، إخفاء بدعهم وراء التظاهر بالتمسك بظاهر النص ليخدعوا البسطاء.

[236] – أنظر عن عقيدة الكنيسة القديمة فى حلول الروح القدس فى السيامة على المرسوم: ذهبى الفم ، عظات على سفر الأعمال، 9 و27. وعظة  على تيموثاوس الأولى والثانية.

[237] – أمر عجيب حقا. إذن على ماذا يكون الحكم.

[238] – “الوحيد حقا”، هو كذلك بالفعل حيث حظر مجمع القسطنطينية الأول فى سنة 381م، على سائر رتب الإكليروس الإلتجاء الى المحاكم المدنية مع فرض عقوبات على من يفعل ذلك. أنظر قانون رقم 6 من قوانين هذا المجع.

[239] – هذا خلاف ايفجاريوس البونطى الراهب الشهير بنتريا، من ناحية. ومن ناحية أخرى نلاحظ هنا أن سقراتيس يقول الذى “من جزيرة ميتلين” فقوله من “جزيرة” حدد بالصواب موقع وصحة الكلمة “ميتلين” لأن هذه بالفعل إحدى الجزر التابعة لدولة اليونان الحالية، والاسم أيضا صحيح ويختلف عن”ميليتين” الواقعة فى زمام أرمينيا الحالية.

[240] – عن الفرق بين “بروكاونسل” و”بريفكت” والمهام المختلفة لكل منهما، أنظر: سميث، قاموس العاديات الرومانية واليونانية. وتردد إُشارة سقراتيس هنا الى أن قنسطانتيوس كان أول من عيَّن “بريفكت” للقسطنطينية، ما ورد فى قول اثناسيوس عن  دوناتس أنه “بروكاونسل اوربا” مع القسطنطينية كمدينة رئيسية.

[241] – حظر فيما بعد مجمع خلقيدون المنعقد سنة 451م، فى مادته السابعة، إلى حد الحرم، كل مَن يجمع بين الوظيفة الاكليريكية وبين الشؤون السياسية والدنيوية.

[242] – يقول زينوس(فى هـ 429) أن الكلمة المستخدمة هنا τάξεις  تفيد فئات معينة من الرسميين الذين كانوا يُعيَّنون لفترة معينة من الزمن كوكلاء لرؤساء وحكَّام المقاطعات. راجع، Justin. Cod. 12,tit. 52–59.

[243] – انظر ف 37.

[244] – أنظر، أثناسيوس، “المجامع”، 30.

[245] – يو26:15.

[246] – هذا هو الفارق الرئيسى بين كل الصيغ الأريوسية وبين صيغة نيقية.

[247] – لاحظ هنا أن اتباع الأريوسية يعتبرون اعضاء مجمع نيقية هراطقة.!! ولا تعليق.

[248] – أنظر ف 10 هنا.

[249] – انظر ف 18 هنا.

[250] – ف 19 هنا.

[251] – ف 30 و 37.

[252] – ف 41.

[253] – أنظر قوانين الرسل، 25.

[254] – أنظر ترتليان، de Idol. IX.  [Post evangelium nusquam invenies aut sophistas, aut Chaldæos, aut Incantatores, aut    Bingham,  Eccl. Antiq. XVI. 5., Also,  See                Conjectores, aut magos, nisi plane punitos.  (عن زينوس، 439).    [ =  أى (   بعد الإنجيل، لا مكان للسفسطائيين، أو الكلدانيين، أو السحرة، أو المشعوذين ، أو المنجمين، إلا [ويُعامل] بقسوة شديدة. انظر أيضا:  Bingham, Eccles. No. 16. 5    المعرب].

[255] – هل كان لدى الاكليروس آنذاك سجونا خاصة بهم، خارج النظام المدنى؟!!.

[256] – قارن، يوسيبيوس “ت.ك.”، 29 بالنسبة للأشكال المبكرة لهذه الهرطقة ضد الزواج فى الكنيسة المسيحية. والتى سبق وأن أشار إليها بولس الرسول(فى 1تيم3:4). وكذلك قوانين الرسل، 51. وأغسطينوس، Hærr. XXV., XL., XLVI

[257] – قارن 1تى3:4.

[258] – لاحظ هذه الاشارة التاريخية للأصوام المفروضة كنسيا.

[259] – أيضا ملاحظة تاريخية هامة عن زواج الاكليروس فى كنيسة القسطنطينية فى القرن الرابع الميلادى.

[260] – عن مجمع غنغرا Gangra، أنظر هيفليه، ت. المجامع، م2 ص 325. وتقريبا كل قوانين هذا المجمع صادرة ضد يوستاثيوس. فالقانون الرابع يتناول صراحة مسألة عزوبية الإكليروس، وينص على أن ” مَن يزعم أنه لا يجب الاشتراك فى الليتورجية متى قدم كاهن متزوج الذبيحة، فليكن أناثيما”.

[261] – يقول زينوس(هـ 443) أن التدشين المذكور هنا هو بالتأكيد التدشين الثانى لكنيسة صوفيا القديمة (راجع: 16:1، 6:2 هنا). فالتدشين الأول كان سنة 326م. وفيما بعد، احترقت فى الشغب العام [فى أيام نفى ذهبى الفم  كما سنرى فى (6/6/9). ثم أُعيد بناؤها فى سنة 532م، المعرب] فى عهد الامبراطور يوستنيان بواسطة المهندسين المعماريين: إيسودورس من ميلتوس Miletus  وأنثيميوس من ترالس Tralles . [ واستغرق بناؤها نحو خمس سنوات. وقد حولها السلطان محمد الفاتح إلى جامع سنة 1453م، ثم قام اتاتورك بتحويلها الى متحف، وهى كذلك الى الآن. المعرب].

[262] – أى سنة 360م.

[263] – تعليق جيد من سقراتيس. وغنى عن الاشارة أن اكاكيوس قد استخدم هنا نفس أسلوب اريوس فى دس سم فكره ومفاهيمه فى القالب الفكاهى السمج مثل هذه العبارة، والتى ستُضحك الجماهير ثم لا يلبثون أن يرددوها من باب التفكه، فيترسخ المفهوم الاريوسى فى العقل الباطن، ويتحول تدريجيا بلا وعى إلى عقيدة.

[264] – أنظر: يوسيبيوس، “ت.ك.”، 32:7. ويلاحظ زينوس أن هجاء الإسم فى المخطوطة كان إلى هذا الفصل بالشكل ‘Miletius   ولكن صار هنا وطوال الكتاب الثالث بالشكل Meletius .

[265] – متناسيا أو متجاهلا  كل الشرور التى اقترفها. ناظرا فقط إلى نفسه البريئة المدانة ظلما. وهكذا النفس البشرية دائما عيونها تنظر دوما إلى الخارج، وقليلون فقط ممن أنعم الله عليهم بذلك، من تنظر عيونهم إلى الداخل. لذلك يصرخ النبى، بصواب مطلق، “توبنى يارب فأتوب” لأن التوبة الحقيقية هى نعمة من الله.

[266] – παράσημος  على غرار العملة المزيفة التى تخدع من لا يدقق فى أصالتها. وهكذا اسم “هوموأوسيون” homoioousios (ὁμοιοούσιος )  يخدع الأذن الشعبية نتيجة لتماثلها السمعى مع كلمة هومووسيوس” homoousios  الأصيلة والتى تختلف اختلافا جذريا على الصعيد اللاهوتى عن الكلمة الأولى. أنظر القسم اللاهوتى فى كتاب الأب متى المسكين، القديس اثناسيوس الرسولى. سابق الذكر.

[267] – أنظر ثيودوريت، 6:2.

[268] –  لا أعرف لماذا عبَر سقراتيس عن ذكر تفصيل مجمع القسطنطينية الذى انعقد بخصوص هذه الهرطقة.

[269] – Πνευματομάχοι  حرفيا- حسب زينوس- (أعداء “الروح”[ القدس] النشطين). وهم يُعرفون أيضا، كما قلتُ بالمقدونيين نسبة إلى مقدونيوس الملقب فى الفكر الاسكندرى المسيحى بعدو الروح القدس، وأيضا “بأنصاف الاريوسيين”. كما عُرِفوا فى الاسكندرية بلقب Tropici  . وكانوا بالطبع ضد قانون الايمان النيقاوى. وقد ازدهرت هذه الشيعة فى البلاد المتاخمة لهيلسبونت خلال النصف الثانى من القرن الرابع الميلادى، وبداية الخامس.

[270] – أى سنة 361م.

[271] – Ανόμοιοι لأنهم يقولون أن جوهر الإبن “ليس مثل” dissimilar جوهر الآب. اى أنهم كانوا يمثلون اقصى يسار الأريوسيين انفسهم الذين كانوا يقولون “مثل” بمعنى محدود عندهم.

[272] – والتى تعنى باليونانية “العدَميّين” نسبة إلى العبارة اليونانية” “موجود من لاشىء”. لأنهم يزعمون أن الإبن “مصنوع من ex nihilo” أى من العدم.

[273] – 1كو12:11.

[274] – لاحظ هنا مدى خبثهم أنهم يجعلون الله الكلمة “شىء” وليس “اقنوم”.

[275] – أى أوغنسطس.

[276] – بيروت بلبنان حاليا.

[277] – أنظر سوزمينوس 25:6.

[278] –  أنظر ك 16:3.

[279] – شريك اريوس فى الأريوسية.

[280] – فى هذه المرة تطابق التاريخ الذى اورده سقراتيس مع التاريخ المدنى العام حيث أن السنة الأولى لهذا الأولمبياد هى بالفعل 19 أو 20 يوليو سنة 361م. ونعلم من التاريخ المدنى أن قنسطانتيوس قد مات فى الثالث من نوفمبر سنة 3

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found