الفصل الثالث : الكلمة صار جسداً – سياحة القلب – القمص أشعياء ميخائيل

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سياحة القلب – القمص أشعياء ميخائيل.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الفصل الثالث: الكلمة صار جسداً

«الذى هو صورة الله غير المنظور بكر كل الخليقه. فإنه فيه خلق الكل ما فى السموات وما على الأرض ما يرى ومالا يرى سواء كان عروشاً أم سيادات أم رياسات أم سلاطين. الكل به وله وقد خلق. الذى هو قبل كل شئ وفيه يقوم الكل. وهو رأس الجسد الكنيسة. الذى هو البداءه بكر من الأموات لكى يكون هو متقدماً فى كل شئ» كو 1: 15 - 18.

أولاً: الايمان الأرثوذكسى بالمسيح:
1 - يسوع المسيح هو اله حقيقى وإنسان حقيقى.

المجد للكلمة الذى صار جسداً.

المجد لكلمة الآب القدوس.

الذى أخذ جسداً.

إنصتى له أيتها الأذنان.

وابصريه أيتها العينان.

وإلمسيه أيتها اليدان.

وأأكله أيها الفم.

قدموا له التمجيد أيتها الأعضاء والحواس.

لأنه جاء وأحيا كل الجسد.

القديسة مريم حملت الطفل الصامت.

بينما مخبأ فيه كل الألسنه.

يوسف قد حمله.

وفيه إختبأت الطبائع.

الأكثر قدماً اكثر من غيرها.

القدوس صار طفلاً صغيراً.

وفيه خبأت كنوز الحكمه.

التى تكفى الكل.

القدوس وضع اللبن من القديسه مريم.

وهو الذى يرضع كل الخلائق من جوده.

هو مصدر الحياه.

الموتى يرضعون من حياته فيحيون.

بدون أن يستنشقوا الهواء.

لا يحيا إنسان بدون الابن.

ولا يعيش الانسان إلا بنفس الحياة.

الذى يحى الكل.

وعليه تعتمد الأرواح التى فوق والتى تحت.

حينما رضع اللبن من القديسه مريم.

كان يُرضع الجميع من الحياة.

وحينما كان مضجعاً فى حضن أمه.

كان يرقد فى حضنه كل الخلائق.

كان صامتاً كطفل.

ولكن كانت كل خلائقه.

تصنع وصاياه.

لأنه بدون المسيح البكر.

لا يستطيع إنسان أن يقترب للآب.

الذى هو مساو له.

إنه عائ على الأرض ثلاثة وثلاثين عاماً.

وهو الذى يأمر كل المخلوقات.

وهو الذى يتقبل كل ذبائح التسبيح.

من الذين هم فوق وأسفل.

هو قدوس فى السماء فوق.

وقدوس فى الأرض تحت.

وقدوس فى كل الأشياء.

وقدوس مع كل أحد.

وبينما كان الجسد فى رحم العذراء.

كانت قوته تكُون كل الأعضاء.

وبينما حملت العذراء به فى الرحم.

كان هو يخلق كل الأطفال.

فى رحم أمهاتهم.

ولم يكن جسده ضعيفاً فى رحم العذراء.

ولم يكن بلا قوة وهو فى بطن العذراء.

كما أن جسده لم يكن ضعيفاً على الصليب.

لأنه بينما كان على الصليب كان يحى الموتى.

كان بجسده يحييهم.

بل بارادته. كان يحى الجميع.

كان قدوس وهو معلق على الصليب.

حيث كانت قوته تجعل كل الخلائق تتحرك.

القديس مار افرام السريانى.

قال أحد الأباء[10]:

دعنا أيها الأخوه المحبوبون أن نشتاق لنجد المسيح حيث هو موجود فى جماله وجاذبيته. نحن نرى أناساً كثيرين تجذبهم شهوة الأشياء العابره ويتحملون الكثير فى سبيل ذلك من تعب وجهاد. إنهم يسافرون مسافات عديده وربما يهملون زوجاتهم وأولادهم وكل مجد ومتعه ويفضلون على ذلك الوصول إلى هدفهم وغرضهم. ألا يجب ان نخلص أنفسنا وأجسادنا ونحتمل حتى الموت من أجل ملك الملوك ورب الأرباب (1تيمو 6: 15) الذى هو الخالق والضابط لكل الأشياء؟ وكيف نهرب من أمام وجهه؟ (مز 139: 7) ولذلك يا إخوتى نحن لا نستطيع أن نهرب من وجه الرب أو نقاومه. هيا نقدم أنفسنا كعبيد له لأنه هو ربنا والهنا لأنه من أجلنا «أخذ صورة عبد» ومات لأجلنا. هيا نتواضع تحت يده القويه (1بط 5: 6) الذى منح الحياة للجميع وأعطاها بغنى خلال الروح القدس لأولئك الذين يطلبونها.

أيها المولود الغريب الجديد الذى جاء إلى عالمنا لكى يربطنا بالآب. غير المخلوق صار موجوداً. غير المحوى صار محوياً بواسطة دخوله فى الروح العاقله. وأصبح وسيطاً بين الله الآب وبين الانسان. وهو الذى يمنح الغنى صار فقيراً. هو أخذ جسداً مثل أجسادنا حتى ندرك نحن غنى صلاحه. وهو الكامل أخلى نفسه من مجد الألوهيه لفترة من الزمن حتى تكون لنا شركة فى كماله. ولكن ما هو غنى صلاحه؟ وما هو هذا السر الغامض حولى؟ أن تكون لى شركة فى صورته. هو إشترك فى جسدى حتى يخلص شبهه ويجعل جسدى غير فاسد. وهذا السر [سر الشركة معه] عظيم لمن يفهمه.

القديس اغريغوريوس النازيانزى.

2 - المسيح هو الشفيع:

قال أحد الأباء[11]:

المسيح هو الوسيط الذى من خلاله يسكب الآب علينا كل الأشياء الصالحه، وهو الذى يمنحنا دائماً كل الخيرات. ولكن لا يكفى أن يكون دور المسيح هو فقط الوسيط للحصول على كل ما يشفع لأجلنا فيه. فهو يشفع فينا دائماً ويطلب عنا أمام الآب، ولكن ليس كما يفعل السفير بالكلام والالتماس بل هو يشفع فينا بالعمل، لأنه قد وحدنا مع نفسه وجعلنا مستحقين أن نشترك خلاله فى كل النعم التى له.

وكما أن بصر العينين يأتى من النور، فالمحرومون من النور لا يستطيعون أن يبصروا، هكذا فإن الاتحاد الدائم مع المسيح هو ضرورى جداً للنفس حتى نحيا فى سلام كامل وطمأنينه. وكما أن العين لا تستطيع أن تبصر بدون النور هكذا فإن النفس لا يمكن أن تمتلك الحياة الحقيقية والسلام بدون المسيح لأنه هو الذى صالحنا مع الله الآب وهو صانع هذا السلام الذى بدونه نصير أعداءاً لله ونصير بلا رجاء فى شركة المواهب التى تأتى الينا منه.

فإذا لم يتحد أى أحد مع المسيح بالمعمودية وإذا لم يستمر هذا الاتحاد بعد المعمودية فإنه سوف يحسب كعدو لله وسوف يحرم من غنى الله ولكن ما الذى جعل الله الآب يتصالح مع الجنس البشرى؟ ببساطة نقول لأن الابن الحبيب قد صار إنساناً فإن الله الآب يتصالح شخصياً مع كل إنسان يختم بخاتم الابن الوحيد [فى المعمودية] ويأخذ جسده [بالتناول] ويتحد معه ويصير روحاً واحداً. وبدون ذلك فإن كل منا يصير فى الانسان العتيق مبغوضاً من الله ولا يكون له اى شركة معه.

3 - المسيح هو المُخلّص:

ولكن كيف نستطيع أن نشترك فى نعمة البنوه ما لم نتسلم من الله الآب خلال الابن التبعيه. ولذلك لم نكن نستطيع أن ننال نعمة التبنى ما لم يتجسد المسيح ويدخل فى شركة معنا. ولذلك فإن المسيح إجتاز كل أعمار الحياة وأعاد الكل إلى الاتحاد معه. ولذلك فإن المسيح قد إحتوى فى نفسه كل الخليقه البشريه. حتى يقتل الخطيه وينزع جبروت الموت وسلطانه ويحى الانسان وبذلك يجعل كل أعماله حقيقيه.

القديس إريناوس.

لأنه حين محيت صورة الله منا بسبب خطايانا كان على المسيح – صورة الله – أن يأتى ويتجسد ليعيد الصوره ويجددها على نفس الماده. لأنه رغم أن ألوان الصوره قد محيت من على الخشب إلا أن الخشب ما زال موجوداً ولم يلقَ. هكذا فإن المسيح ابن الله القدوس هوصورة الآب جاء إلى عالمنا لكى يجدد الانسان الذى خلق صورة الله ويرجع اليه ما فقده.

القديس أثناسيوس الرسولى.

بالمسيح يسوع ربنا قد دعى الانسان لكى ينال النعمة الأولى. لأنه عن طريق المسيح يرجع الانسان الساقط ويشفى الضائع. الذى بيده أرجع اليه المنحرف. من ذا الذى يستطيع أن يرجع ذلك الانسان إلا ذاك الذى هو رب الطبيعة لأنه هو وحده الذى يستطيع أن يمنح الحياة وأن يعيد تماماً ما قد فقد. وهذا هو ما تعلمناه ودرسناه من إعلان الحق [الانجيل] وهو أن ا لله هو الذى خلق الانسان وهو الذى خلصه حين سقط.

القديس اريغوريوس أسقف نيصص.

ثانياً - الكنيسة هى جسد المسيح:

هو [المسيح] قد صنع الكنيسة التى هى جسده وقد أسسها على الحب خلال زيادة الايمان حتى نصل إلى الاتحاد «إلى أن ننتهى جميعنا إلى وحدانية الايمان ومعرفة ابن الله» أفسس 4: 13.

فإذا كانت الكنيسة هى جسد المسيح فإن المسيح هو رأس هذا الجسد، وهو الذى أوجد كيان الكنيسة بجسده. ربما أصدقاء العريس يرون ذلك حينما يعطون كل قلبهم لذلك العريس ولكن فى الكنيسة يرون بأكثر وضوح ما هو غير مرئى مثل غير القادرين أن يبصروا الشمس مواجهه فهم يستطيعون أن يروا إنعكاسها فى الماء. هكذا فإن أصدقاء العريس يرون شمس البر حينما ينظرون إلى وجه الكنيسه كمرآه نقيه وعندئذ يصير المسيح مرئياً بانعكاس نوره فى الكنيسة.

القديس ارغريغوريوس أسقف نيصص.

فى المسيح الأبدى غير المخلوق الموجود قبل كل الدهور. وهو بالتمام غير المدرك غير المعبر عنه لكل الخليقة العاقله. هذا هو الذى ظهر فى الجسد فأصبح مدركاً للخليقة العاقله. ولهذا فإنه فى المسيح تستطيع الكنيسة أن تبصر وأن تتحدث ويستطيع من ينصت للكنيسة أن يفهم هذا. وما أريد أن أقوله هو بخصوص أسرار الخلاص التى أعلنها لنا الله فى ظهوره فى الجسد. وبعد أن وحدنا معه فى نفسه عن طريق سر الفداء وموت الجسد الذى أخذه من العذراء القديسه مريم إستمر فى تقديس طبيعتنا العتيقه بطبيعته غير الفاسده، وهذا هو ما فعله خلال الكنيسة المتحده معه خلال شركة أعضائها فى الأسرار عن طريق غذائهم من جسده الموجود فى الكنيسة. وعن طريق التناسق الكامل مع الكنيسة فإن كل الأعضاء تنمو عن طريق الايمان فى شخصه.

القديس اغريغوريوس أسقف نيصص.

ثالثاً: عمل الأسرار:
1 - ما هى الأسرار:

قال أحد الأباء[12]:

هناك أمران يقوداننا إلى الله وفيهما يكمل كل خلاص البشر. الأمر الأول هو الأسرار المقدسه حيث يكمل فيها كل خلاص البشر. والثانى هو تدريب الاراده نحو الفضيله.

والإنسان ليس عليه أكثر من أن يتحمل ويثابر لأجل الحفاظ على ما أعطى له من كنوز، وبالتالى فإن الانسان يحفظ كل البركات بقوة الأسرار التى أعطيت له. وكل سر إنما له عمل خاص ومشاركة فى الروح القدس وفى مواهبه.

وبينما لا يجب على الانسان أن يعلن المواهب الروحيه التى حصل عليها من الأسرار ألا أنه لا يجب أن نجهل سبب تلك القوه. إن إستنارة المعموديه مقدمه لأولئك الذين نالوها فاغتسلوا ثم تظهر الفضائل بعد ذلك خلال حلاوة الشركة مع المسيح وخلال الألم الذى تتحمله النفس حينما تتطهر العين التى للنفس عن طريق محبة المسيح.

وهنا نحن ندرك كيف إكتسبنا الحياه الحقيقيه عن طريق موت المخلص. وهذا هو الطريق الذى من خلاله نحصل على الحياه التى تدخل نفوسنا عن طريق الاشتراك فى الأسرار حيث نغتسل بالمعموديه ونتقدس بالميرون ونشترك فى المائده المقدسه. وعندئذ يأتى المسيح الينا ويسكن فينا ويتحد معنا وينمو ليصير واحداً معنا ويخمد الخطيه التى فينا ويسكب فينا حياته الخاصه ويجعلنا نشترك فى النصره التى له. كم هو عظيم بره الخاص. إنه يكلل أولئك الذين إغتسلوا بالمعموديه وإشتركوا فى مائدته. كيف نفسر ذلك النصر وذلك الاكليل الذى هو مثر الجهاد والحلاوه الذى يأتى من إغتسال المعموديه والميرون المقدس والتناول من مائدة الرب. وحين نشترك فى تلك الأسرار فإننا نرتل التمجيد لمن جاهد ونحتفل بنصرة الرب ونعظم اكليل الحب غير المنطوق به للمسيح المصلوب وللجروح والطعنات، والموت الذى للرب ونجعلها لنا ونطلبها لأنفسنا ع نطريق إحتمال ما يمكن أن يأتى علينا. ونصير جسداً واحداً مع ذاك الذى مات وقام وعندئذ نتمتع بالبركات التى تأتى علينا من موت الرب والآمه.

وننتقل الآن من المعموديه التى تغسلنا من الخطيه إلى الميرون الذى يقدسنا ويجعلنا نشترك فى نعمه وإلى التناول حيث نحيا نفس الحياه التى يحياها هو وذلك حتى نصير الهه معه فى العالم الآتى ونصير ورثه معه ليكون لنا نفس الغنى وسوف نملك معه فى ذلك الملك. وهذا كله مشروط بأن نغلق أنفسنا عن هذه الحياه ونحيا تحت الثياب الملوكى. ولذلك يجب أن نطرح جانباً مباهج هذه الحياه حتى نخضع لمواهبه ونتمسك بنعمته ولا نرفض الاكليل الذى أعده الله لنا عن طريق إحتمالنا بعض الالام والجهاد.

هذه هى الحياه فى المسيح التى تعدنا لها الأسرار. ولكن يجب أن نتحدث عن كل سر على حده ثم يعد ذلك نعتبر الأعمال التى تلائم الفضيله.

2 - المعموديه هى السر الأول[13]:

تسبيحة المعمودية للقديس مار افرآم السريانى.

1 - إن ثيابكم تتلألأ أيها الأخوه مثل الثلج وجميل هو جمال إشراقكم الذى يشبه الملائكه.

2 - لقد صرتم مثل الملائكه عندما صعدتم أيها الأحباء من نهر الاردن متحصنين بدرع الروح القدس.

3 - لقد دخلتم حجرة الزفاف [جرن المعموديةي التى لا تخيب قط.. ولقد أخذتم مجد مكانة آدم الأولى التى لبستموها بالمعموديه.

4 - إن نتيجة الدينونه كانت بسبب خطية آدم. أما الآن فإن النصر قد أحرزتموه.

5 - إن ثيابكم تشرق. وأكاليلكم الصالحه أعدتها لكم أيادى الكهنه هذا اليوم.

6 - لقد حصل آدم على الويل والحسره وهو فى الجنه. أما أنتم فقد أخذتم المجد فى هذا اليوم.

7 - لقد لبستم درع النصره أيها الأحباء فى تلك الساعة التى توسل فيها الكاهن أن يحل عليكم الروح القدس.

8 - لقد فرحت الملائكه. ولقد سمع البشر وهم فى الأسفل صوت التهليل فى يوم العيد يا إخوتى حيث لا فساد ولا شر.

9 - لقد أخذتم يا إخوتى الصلاح الذى فى السماء ولذلك كونوا حذرين من الشيطان حتى لا يفسدكم.

10 - فى هذا اليوم [العماد] فتح لك الملك السمائى أبوابه وجعلك تدخل عدن.

11 - إن الأكاليل غير المضمحله قد وضعت على رؤوسكم وتسابيح المجد بدأت حتى تغنيها شفاهكم.

12 - إن آدم قد طرده الله نتيجة خطيته وأصبح فى حزن. ولكن الله جعلك فى فرح وبهجة العرس السمائى.

13 - من ذا الذى لا يفرح فى عرسه يا إخوتى؟ لأن الآب والابن والروح القدس يفرحون معك.

14 - عندئذ [بعد المعموديه] يصير الآب قوة لك. والابن فداءك. والروح القدس حارسك.

15 - إن الشهداء بدمائهم يمجدون أكاليلهم ولكن أنت أيها الفادى تتمجد فينا بدمك.

16 - إن الملائكه والسهارى الذين يفرحون من أجل التائبين سوف يفرحون لك لأنك صرت شبيهاً لهم.

17 - إن الثمره التى أكلها آدم فى الجنه حل محلها الثمره الجديدة التى تأكلها اليوم بفمك بفرح.

18 - فادينا قدم دمه عن طريق شجرة الحياة [الصليب] التى لم يأكل منها آدم بسبب خطيته.

19 - إن الشيطان قد صنع حرباً وهزم به آدم وبنيه ولكن فى هذا اليوم خلال المعموديه قد أخضعنا الشيطان وهزمناه.

20 - عظيم هو ذلك النصر. وأنت فى ذلك اليوم قد حصلت على النصر وإذا أهملت ذلك النصر فإنك لن ترث.

21 - المجد لأولئك اللابسين [ثياب المعموديه] المجد لأولاد آدم المولودين من الماء [والروح بالمعموديه] ليتهم يفرحون ويطوبون.

22 - المجد لذاك الذى كسى كنيسته بالمجد. المجد لذاك الذى رفع كل جنس بنى آدم.

القديس مار افرام السريانى.

إنك قد تسلمت فى المعموديه درعاً روحياً لا يفنى. ولذلك فإنك قد غرست فى الفردوس غير المنظور. وقد أخذت إسماً جديداً لم يكن لديك من قبل. إنك كنت من قبل موعوظاً ولكنك الآن تدعى مؤمنا. إنك قد غرست وسط أشجار الزيتون الروحيه وقد قطعت من الزيتونه البريه إلى شجرة الزيتون الجيده. إنك نقلت من الشر إلى البر ومن الفساد إلى الطهاره وصرت شريكاً فى الكرمه المقدسه. وإذا ثبت فى الكرمه المقدسه فإنك سوف تنمو مثل الغصن المثمر. ولكن إن لم تثبت فى الكرمه فإنك سوف تحرق بالنار. دعنا إذن نحمل الثمار اللائقه. إن الله لا يريد أن يحدث معنا كما حدث مع شجرة التين غير المثمره. إن يسوع لم يأتِ بعد لكى يلعننا من أجل عرينا، لعل الكل يستطيع أن يقول «أما أنا فمثل زيتونة خضراء فى بيت الله» مز 52: 8 وليس المقصود هو أن ندرك بحواسنا شجرة الزيتون بل بعقولنا وبامتلائنا بالنور. وعمل الله هو أن يغرس وأن يروى ولكن عملك أنت أن تأخذ وأن تحرس الشجرة. ولا تحتقر النعمه لأنها أعطيت لك مجاناً ولكن خذها وخبئها بكل خشوع.

القديس كيرلس الأورشليمى.

إذا لم يأخذ أى أحد نعمة المعموديه فإنه لن ينال الخلاص ما عدا الشهداء الذين تسفك دماؤهم فإنهم يدخلون الملكوت ولو لم يكونوا قد إعتمدوا بعد. لأنه حين طعن المخلص فى جنبه على الصليب فإنه خرج منه دم وماء. وهكذا فإن البشر الذين يحيون وقت السلام فإنهم يعتمدون بالماء وفى وقت الاضطهاد فإنهم يعمدون بالدم. ولذلك فإن المخلص يقول للشهداء مانحاً إياهم نعمة المعمودية «إن العشارين والزوانى يسبقونكم إلى ملكوت الله» مت 21: 31.

القديس كيرلس أسقف أورشليم.

إن التعليم الرمزى يكشف لنا أن الانسان المعمد يغطس ثلاث مرات فى الماء مثل الرب يسوع المسيح الذى أمضى ثلاث أيام وثلاث ليالى فى القبر. ووفقاً للتقاليد المقدسه فإن رئيس هذا العالم لم يجد أى شئ فى المسيح. ثم يلبس المعمد ملابس بيضاء إشارة إلى التغيير الذى حدث فى حياة المعمد حيث يدخل فيه روح التقوى بدلاً من الجحود والتحجر والإنحراف والفوضى وعندئذ يتحول كل شئ فى الانسان ويصبح مملوءاً بالحياة المنيرة. ودهن الأعضاء بالميرون المقدس يجعل الانسان مرتبطاً بالتمام بالروح القدس. ولذلك فإن هذه النعمه التى تصنع الكمال والرائحه الزكيه هى لأولئك الذين حسبوا مستحقين لنوال الأسرار وشركة الروح الروح القدس ليدركوا روحياً ما هو متعذر إدراكه. وختام الأمر كله فإن الأسقف يدعو الانسان المعمد إلى سر الأفخارستيا ويمنحه الشركه مع الله فى الخفاء الكامل.

القديس ديونسيوس الأريوباغى.

نحن نطلق على سر المعموديه الهبه أو النعمه أو الاستناره أو الختم والمسحه ونطلق عليها أيضاً كل شئ مكرم.

نحن ندعوها الهبه لأنه اتعطى لنا بلا مقابل. ونحن ندعوها النعمه لأنها تعزى حتى الخطاه. ونطلق عليها المعموديه لأن خطايانا تدفن فى الماء. ونطلق عليها المسحه لأنه عمل كهنوتى وملوكى لكل من يدهن به. ونحن ندعوها بالاستناره من أجل إشراقها. ونحن ندعوها باللباس لأنها تخفى خزيناً. ونحن ندعوها بالمغسله لأنها تغسلنا. ونحن نطلق عليها الختم لأنها تحفظنا. وهى أكثر من هذا إعلان لسلطاننا. بها تفرح السماء وتمجدها الملائكه بسبب إنضمامنا للأسرة السمائيه. إنها صورة السعاده السمائيه. يا ليتنا نستطيع أن نسبح أنشودة المعموديه ولكننا لا نستطيع لعدم استحقاقنا أن نفعل ذلك.

القديس اغريغوريوس النازيانزى.

3 - الكهنوت:

إن الكهنه يمارسون الأسرار تحت توجيهات وأوامر الاساقفه القديسين ويقومون بالأعمال الالهيه فى الأسرار المقدسه التى لها رموز سريه. ويرسلون للأسقف أولئك الذين إستنيروا بفهم الأسرار التى حصلوا عليها.

القديس ديونسيوس الأريوباغى.

قال أحد الأباء[14]:

وهكذا يحمل الكهنه القوه. ولكن هذه ليست قوه الكهنه فى ذواتهم بل هى قوة ذاك الذى يخدمونه فى البشارة بالانجيل «حتى أكون خادماً ليسوع المسيح لأجل الامم مباشراً لانجيل الله ككاهن» رو 15: 16 فى روح التواضع حيث يحيون بلا لوم إذ يقدم الكهنه ذواتهم للرب أولاً «أنتم عبيد للذى تطيعونه» رو 6: 16 ويسلكون فى حياة الكمال والقداسه والذبيحه المرضيه وفى العمل الطاهر فى العبادة «فأطلب اليكم أيها الأخوه برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسه مرضيه عند الله عبادتكم العقلية» رو 12: 1 وكذلك «حفظ الإنسان نفسه بلا دنس فى العالم» يع 1: 27 وأيضاً «جسدكم هو هيكل للروح القدس الذى فيكم الذى لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم» 1كو 6: 19 وبإختصار يحيا الكهنه فى روحانيه ويظهرون فى الهيكل أمام الله لأجل الشعب (عب 9: 24) حيث يتقدمهم المسيح الكاهن الأعظم ويقدمون الذبيحه الكامله والمحوله بقوة الروح القدس. وهم قد تحولوا إلى صورة المسيح الذى مات من أجلنا وقام فى مجد الوهيته. وبالاتضاع الكامل فإنهم يتوبون ليلاً ونهاراً وهم ينوحون ويصلون بدموع ليس فقط من أجل أنفسهم ولكن أيضاً من أجل القطيع الذى يثق فيهم.

هؤلاء الكهنه لهم حق الحل والربط [مت 16: 19، 18: 18].

وهم يمارسون الأعمال الكهنوتيه ويعلمون وهم لم يأخذوا هذه الرتبه من أى إنسان بل من الله أقيموا لهذا العمل. [عب 5: 4] ولكن الذى يأتى عن طريق البشر وخلال البشر فهم سراق ولصوص كما قال الرب [يو 10: 7 - 8].

يجب أن يتحصن الكاهن بالأسلحه القويه والعزيمه الصلبه والتقوى الدائمه. ويجب أن يكون يقظاً فى كل شئ حتى لا يوجد أى أحد عرياناً وغير محروس وملوث ومضروب من الشيطان بالضربات المميته. لأن كثيرين يقفون حول الكاهن ويحاولون أن يجرحوه ويسقطون لأسفل، ليس فقط أعداؤه ولكن أيضاً كثير من الذين يتظاهرون بأنهم يحبوه. ولذلك يجب أن يهتم بالنفوس ويحرسها كما عملت نعمة الله فى حفظ أجساد القديسين فى أتون النار. إن النار المتقده ليست هى الاشجار التى تحترق ولا القار الماديه هى الخطره بل كل القذائف من الحقد الذى يحيط بهم الذى هو أخطر من تلك النيران التى كانت تحيط بأجساد الثلاثة فتيه.

وحين تكون حياة الكهنه كامله فى كل أمر من الأمور فإن حيل الشياطين لا يمكن أن تؤذيهم. ولكن إن كان الكاهن – ككائن بشرى – مخطئاً فى أى أمر صغير فإن كل بقيه أعماله الصالحه لا يمكن أن تدفع كلمات إدانته من المشتكين عليه. وهذه العثرات الصغيره فى حياة. الكاهن تسبغ ظلاً على كل بقية حياته. لأن كل أحد يريد أن يدين الكاهن ليس كأنه إنسان فى الجسد ولا كأنه كائن بشرى بل ينظرون اليه كأنه ملاك وغير مستثنى من ضعفات الآخرين.

القديس يوحنا فم الذهب.

قال أحد الأباء[15]:

1 - أى عظمه لشخصية الكاهن؟ هو فى شركة وحديث دائم مع الله. والله دائماً يستجيب لسؤاله وصلواته. وحينما يهاجم الكاهن بالشهوات فإنه يجاهد حتى لا تدخل هذه الشهوات إلى قلبه حيث يجب أن يملأ الرب يسوع المسيح كل قلبه تماماً. الكاهن هو ملاك وليس إنسان ولذلك يجب أن يدفع عنه بعيداً كل أمر عالمى. أيها الرب دع كهنتك يلبسون البر وإجعلهم يتذكرون دائماً دعوتهم العظيمة ولا تدعهم يسقطون فى فخاخ العالم والشيطان بل إجعلهم يخلصون من هموم العالم وغرور الغنى وشهوات سائر الأشياء التى تدخل قلوبهم. وكما أن النور والحراره لا ينفصلان عن الشمس هكذا فإن القداسه والتوجيه والحب والشفقه للكل يجب ألا تنفصل عن شخص الكاهن. لأنه أى كرامه يحملها هذا الكاهن؟ إنه المسيح الذى يتحدث معه دائماً... نعم المسيح!!! الله نفسه!!! جسده ودمه اللذان يحملهما الكاهن باستمرار. ولذلك فإن الكاهن يجب أن يحمل نفس روحانية المسيح القطيع وأن يكون مثل الشمس التى تعطى بطبيعتها النور للكل وتمنح الدفء والحياة للجميع وأن يكون للجميع مثل أهميه النفس للجسد.

يجب أن يجاهد الكاهن بكل الطرق لكى تبقى فى نفسه الشجاعة والجرأة أمام الأعداء الجسديين الذن يزرعون دائماً الخوف الخادع والرعب الغبى وإلا لن يستطيع أن يدفع الرذائل البشرية أو يحتفل الاحتفال الحقيقى بالأسرار. إن الشجاعة هى نعمة عظيمة من الله وهى كنز عظيم للنفس لأنها تعمل بمهارة خصوصاً فى الحرب الروحيه.

2 - إن الاحتفال بالقداس الالهى يستوجب نفساً مرتفعه غير مرتبطه بأى شهوات عالميه ولا مرتبطه بأى إغراءات أرضيه ويجب أن يكون قلب الكاهن مقدساً ومملوءاً بأشعة الروح القدس ومزيناً بالحب نحو الله ونحو كل جنس البشر وكل نفس بشريه. وفوق الكل يحمل حباً لكل النفوس المسيحيه. ويكون له قلب حساس يرتفع إلى الله بالصلاة ومملوءاً بنار الروح القدس التى حلت على جماعة الرسل فى شكل ألسنة ناريه. هذه النار ضروريه جداً لقلوبنا البارده لكى تلتهب وتصير رقيقه ولكى تذيب قلوبنا وتطهرها وتضئ فيها وتجددها. أين إذن يوجد هذا الكاهن المستحق لهذه النعمة الذى يشبه السيرافيم الذى يشتعل قلبه بالحب أمام الرب ويشكره من أجل نعمه وإحسانه وحكمته التى أعلنت لنا وبنا؟ أنا هو أول الخطاه الذين يحتفلون بهذه الأسرار السمائيه لأننى أحمل قلباً نجساً مربوطاً ومقيداً بالشهوات والاهتمامات الأرضية.

أيها الرب الناظر إلى أعماق قلبى إنضح علىّ بزوفاك فأطهر إغسلنى فأبيض أكثر من الثلج. إنه ليس عجباً يا رب إذا منحت نعمتك للأطهار. وليس شيئاً عظيماً إذا خلصت الأبرار. ولكن أرنى عظم رحمتك لى أنا الخاطئ.

3 - يا كاهن الله آمن بكل قلبك. ثق فى النعمة التى أعطيت لك من الله أن تصلى من أجل شعب الله. ولا تدع موهبة الله هذه تصير بلا فائده فيك لأنك بها تستطيع أن تخلص نفوساً كثيرة. إن الله يسمع بسرعة إلى صلاتك العميقه من أجل شعبه. وبسهوله يبسط مراحمه عليهم كما فعل مع صلوات موسى وهارون وصموئيل والرسل. أغصب نفسك للصلاة فى كل فرصة، فى الكنيسة حين تمارس الأسرار، وفى منزلك الخاص، وحين تمارس كل الطقوس، وخلال الصلوات والتشكرات، فى كل مكان وفى كل وقت فكر فى خلاص رعية الله. وإنك بذلك لسوف تحصل أيضاً على نعمة عظيمة من الله لأجل نفسك.

وحينما تصلى بدموع وحب لأجل قطيع الرب وتحاربك الأفكار أنك صرت شيئاً فقل لنفسك: لست أنا الذى أصلى ولكن الروح هو الذى يصلى بكلمات لا ينطق بها وهو الذى يقودنى ويربطنى برباط حبه المقدس ويكرسنى له باخلاص. وإن لذة الصلاة والحب هى التى تدفعنى للصلاة.


[10] – الأب سمعان اللاهوتى.

[11] - الأب نيقولاوس.

[12] - الأب نيقولاوس.

[13] - اكتفى الكتاب فى هذا الفصل بالحديث عن سرى المعموديه والكهنوت فقط على اعتبار أن الأول هو سر الولاده والدخول إلى البنوه والثانى هو أب الأسرار كلها. ولم يتحدث عن الأسرار الأخرى ليس لأهمالها أو عدم أهميتها ولكن للتركيز فى هدف الكتاب وهو الرجوع إلى صورة الله التى خلقنا عليها.

[14] – الاب سمعان اللاهوتى.

[15] – الأب يوحنا من كرونستات.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

فهرس المحتويات
فهرس المحتويات

جدول المحتويات