الأصحاح الثالث – سفر حبقوق – القمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الثالث

العدد 1

آية (1): -

"1صَلاَةٌ لِحَبَقُّوقَ النَّبِيِّ عَلَى الشَّجَوِيَّةِ:".

1صَلاَةٌ لِحَبَقُّوقَ النَّبِيِّ = كانت صلاة الأنبياء تعتبر نبوات تتحقق. عَلَى الشَّجَوِيَّةِ وهي آلة وترية. وقد تكون مشتقة من كلمة "شجوج" العبرية بمعنى جهالة فتكون هذه الصلاة عن جهالات الشعب وبلحن شجوي أي لحن حزين. وقد لاحظنا أن النبي بدأ صلاته أو بدأ سفره بشكوى ثم وقف على المرصد يترقب رد الله. وإذ إنتصب على البرج الإلهي متحصناً تهللت نفسه داخله بالرغم من كل الظروف القاسية المحيطة به. فهو رأى نهاية بابل الدولة التي ظلمت شعبه، بل من خلال هذه الرؤيا كشف الله له خلال الرموز خطته الخلاصية التي تمت بالصليب.

العدد 2

آية (2): -

"2يَا رَبُّ، قَدْ سَمِعْتُ خَبَرَكَ فَجَزِعْتُ. يَا رَبُّ، عَمَلَكَ فِي وَسَطِ السِّنِينَ أَحْيِهِ. فِي وَسَطِ السِّنِينَ عَرِّفْ. فِي الْغَضَبِ اذْكُرِ الرَّحْمَةَ.".

سَمِعْتُ خَبَرَكَ فَجَزِعْتُ = حين عرف ما سيفعله البابليون جزع. ثم تأتي صلاة النبي وشفاعته عن شعبه. عَمَلَكَ فِي وَسَطِ السِّنِينَ أَحْيِهِ = هو نظر إلى أعمال الله العظيمة في الماضي، والله قد أراه المستقبل وخطته للخلاص. ولكن الآن وسط هاتين الحقبتين، وها نحن مقبلون على التأديب أحيي يا رب عملك وأظهر مجدك في وسط سنين الضيق التي ستأتى علينا. فِي وَسَطِ السِّنِينَ عَرِّفْ = في وسط سنين الضيق أظهر قوتك ليعرفك شعبك.

العدد 3

آية (3): -

"3اَللهُ جَاءَ مِنْ تِيمَانَ، وَالْقُدُّوسُ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ. سِلاَهْ. جَلاَلُهُ غَطَّى السَّمَاوَاتِ، وَالأَرْضُ امْتَلأَتْ مِنْ تَسْبِيحِهِ.".

إبتداء من هذه الآية نجد رؤيا النبي والتي ظهر فيها إستجابة الله لصلاته. وكأننا نرى النبي هنا يتذكر الأمجاد السابقة في سيناء أو أن الله يريه أن هذه الأمجاد سوف تتكرر ثانية وأنه سوف يخلص شعبه (راجع تث2: 33 + خر20: 19 + 17: 24). هذه الآيات تشير لظهور الله في مجده أمام الشعب و "كما كان فهكذا يكون من جيل إلى جيل". وحين يأتي الله تمتلئ السموات من جلاله فهو ساكن في السموات، والسموات تشير للنفس البشرية التي إلتصقت بالله فتحولت لسماء. وَالأَرْضُ امْتَلأَتْ مِنْ تَسْبِيحِهِ = هذا هو الجسد الذي يسبح الله. تِيمَانَ في أدوم وفَارَانَ في سيناء وقوله الله جَاءَ مِنْ تِيمَانَ = أي ظهر وتجلي مجده في تيمان. ثم يقول وَالْقُدُّوسُ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ. وحينما نعود لأصل الآية في كلمات موسى (تث2: 33) نجدها معكوسة، فموسى يقول جاء الرب من سيناء (حيث ظهر في مجده) وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبل فاران "فموسى يقصد أن مجد الرب سيظهر أولاً للشعب اليهودي في سيناء ثم يظهر بعد ذلك لسعير (رمز إنتشار معرفة الله في الأمم. أما حبقوق فيبدأ بسعير رمز لدخول المسيحية للأمم ثم جبل فاران حيث كان الشعب اليهودي تائهاً وذلك رمزاً لإيمان اليهود في أواخر الأيام. وَالأَرْضُ امْتَلأَتْ مِنْ تَسْبِيحِهِ = إشارة للكنيسة الممتدة في العالم.

العدد 4

آية (4): -

"4 وَكَانَ لَمَعَانٌ كَالنُّورِ. لَهُ مِنْ يَدِهِ شُعَاعٌ، وَهُنَاكَ اسْتِتَارُ قُدْرَتِهِ.".

وَكَانَ لَمَعَانٌ كَالنُّورِ = الله نور، بل موسى حين رأي على قدر ما يحتمل من مجد الله إستنار وجهه، ولمع جلد وجهه. ونور الله يكشف الظلمة، وهكذا شريعة الله التي أخذوها على جبل سيناء، وحين ظهر لهم الله رأوا نوراً (خر10: 24، 17). وكأن النبي يريد أن يقول "حين سمعت بخبر الكلدانيين تصورت أن أمورنا في يدهم وهم خارجين عن سلطانك، لكن الآن قد علمت أنك تعلم كل شئ نورك يفضح هؤلاء السالكين في الظلمة. لَهُ مِنْ يَدِهِ شُعَاعٌ = هو البرق الذي يصاحب العاصفة، فالله على أعدائه يكون كعاصفة تدمرهم، وبرق يصعقهم. وَهُنَاكَ اسْتِتَارُ قُدْرَتِهِ = إن الله لا يتعامل مع أعداء شعبه كما نتصور نحن البشر أو نتمنى، فهو لا ينتقم منهم فوراً، بل يعطيهم فرصة [1] لعلهم يتوبون [2] يتم عمل التأديب فينا. وحينئذ سيدرك الكل قوة الله التي كانت مستترة إلى حين.

لكن هذه الآية تشير لتجسد المسيح الذي هو نور من نور هو شعاع (نور) فى يد الله، فيد الله أو ذراع الله إشارة للمسيح (إش5: 51 + إش9: 51). لكن حين تجسد المسيح إستتر نور مجد لاهوته في جسده. وهو أيضاً كان مستتراً في نبوات العهد القديم. ومجد الله ظهر في المسيح لكن على قدر ما نحتمل.

العدد 5

آية (5): -

"5قُدَّامَهُ ذَهَبَ الْوَبَأُ، وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتِ الْحُمَّى.".

قُدَّامَهُ ذَهَبَ الْوَبَأُ = أي هو ضرب فرعون بالوبأ. والمسيح بظهوره طرد وباء الشر وهزم وباء الموت (هو14: 13 + 1كو54: 15، 55). وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ = فالمسيح بموته داس الشيطان والموت، فهو له سلطان. خَرَجَتِ الْحُمَّى = هرب الموت من قدامه وبالنسبة لضربات فرعون فالحمى قد تشير لجمر نار أي ضربة النار والبرد.

العدد 6

آية (6): -

"6 وَقَفَ وَقَاسَ الأَرْضَ. نَظَرَ فَرَجَفَ الأُمَمُ وَدُكَّتِ الْجِبَالُ الدَّهْرِيَّةُ وَخَسَفَتْ آكَامُ الْقِدَمِ. مَسَالِكُ الأَزَلِ لَهُ.".

وَقَفَ وَقَاسَ الأَرْضَ = حين قسمها لشعبه على يد يشوع. نَظَرَ فَرَجَفتَ الأُمَمُ = الكل رجفوا من شعب الله مثل الكنعانيين والموآبيين. وَدُكَّتِ الْجِبَالُ الدَّهْرِيَّةُ = الله له القدرة على دك الجبال، وقد تعني الأمم المتكبرة أو ملوك هذه الأمم أو تعني الشياطين فهم أول المتكبرين. والله القادر على دك الجبال قادر على دك خطايانا وعاداتنا الرديئة. والمعنى وراء هذه الآية أن الله أرعب الشياطين ودكهم وقسم الأرض (أي السماء) لشعبه الذي سيرث الله، يرث مع المسيح. مَسَالِكُ الأَزَلِ لَهُ = كل طرق الله متفقة مع مشورته الأزلية، وكما عمل في القديم في جبل سيناء، هكذا سيعمل في تأديب شعبه وإهلاك أعدائهم بعد أن يؤدبوا شعبه = "يسوع المسيح هو هو أمسا واليوم وإلى الأبد" (عب13: 8).

العدد 7

أية (7): -

"7رَأَيْتُ خِيَامَ كُوشَانَ تَحْتَ بَلِيَّةٍ. رَجَفَتْ شُقَقُ أَرْضِ مِدْيَانَ.".

كُوشَانَ = هذا الاسم لم يرد إلا هنا وقد يكون إسماً قديماً لمديان. والمعنى من الآية أن كل الممالك المجاورة قد إنزعجت (قض8: 3). هكذا ترتجف الشياطين أمام أولاد الله. كأن النبي رأى عمل الله القادم على الصليب وإنزعاج الشياطين من خلال رعب الموآبيين. وقد يكون كُوشَانَ = ما يختص بكوش (قاموس الكتاب). وماذا يختص بكوش إلا اللون الأسود، لون الخطية (إر23: 13) فتصبح خيام كوشان إشارة للجحيم مسكن الشياطين، وهؤلاء أرعبهم المسيح. رَجَفَتْ شُقَقُ أَرْضِ مِدْيَانَ = سمح الله لمديان أن تذل شعب الله فترة بسبب خطية الشعب، وعاد الله وأرسل لهم جدعون، وكان جدعون رعباً لأهل مديان، بل حطمهم، وهذا رمز لعمل المسيح الذي حطم إبليس، المملكة التي استعبدت البشر فترة من الزمان.

العدد 8

آية (8): -

"8هَلْ عَلَى الأَنْهَارِ حَمِيَ يَا رَبُّ؟ هَلْ عَلَى الأَنْهَارِ غَضَبُكَ؟ أَوْ عَلَى الْبَحْرِ سَخَطُكَ حَتَّى إِنَّكَ رَكِبْتَ خَيْلَكَ، مَرْكَبَاتِكَ مَرْكَبَاتِ الْخَلاَصِ؟".

هنا تساؤل من النبي هل حمى غضب الرب على الأنهار والبحار = والأنهار تشير لشعب الله والبحار تشير للشعوب الوثنية. ولقد حمى غضب الله عليهم جميعاً إذ أن الجميع زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله (رو3). ولقد كان المتصور أن الله يبيد الجميع ولكن العجب أن الله ركب مركباته وأتى للخلاص = وكل ما حدث أن الله استخدم الأمم الوثنية ضد شعبه ليؤدبهم، بل إستخدم الأمم الوثنية ضد بعضها البعض ليؤدب الجميع.

الأعداد 9-13

الآيات (9 - 13): -

"9عُرِّيَتْ قَوْسُكَ تَعْرِيَةً. سُبَاعِيَّاتُ سِهَامٍ كَلِمَتُكَ. سِلاَهْ. شَقَّقْتَ الأَرْضَ أَنْهَارًا. 10أَبْصَرَتْكَ فَفَزِعَتِ الْجِبَالُ. سَيْلُ الْمِيَاهِ طَمَا. أَعْطَتِ اللُّجَّةُ صَوْتَهَا. رَفَعَتْ يَدَيْهَا إِلَى الْعَلاَءِ. 11اَلشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَقَفَا فِي بُرُوجِهِمَا لِنُورِ سِهَامِكَ الطَّائِرَةِ، لِلَمَعَانِ بَرْقِ مَجْدِكَ. 12بِغَضَبٍ خَطَرْتَ فِي الأَرْضِ، بِسَخَطٍ دُسْتَ الأُمَمَ. 13خَرَجْتَ لِخَلاَصِ شَعْبِكَ، لِخَلاَصِ مَسِيحِكَ. سَحَقْتَ رَأْسَ بَيْتِ الشِّرِّيرِ مُعَرِّيًا الأَسَاسَ حَتَّى الْعُنُقِ. سِلاَهْ.".

هنا في آية (9) نرى الرب كجبار يخرج قوسه ويظهره ويوجه سُبَاعِيَّاتُ سِهَامٍ كَلِمَتُكَ ضد أعداء شعبه. فالله أظهر قوته في غزو كنعان بحسب وعده لشعبه في كلمته للأباء بأنهم يرثون الأرض (وكلمة الله كاملة فرقم 7 رقم كامل والمعنى أن وعود الله لا يسقط منها حرف). شَقَّقْتَ الأَرْضَ أَنْهَارًا = حين إنشقت الصخرة وخرج منها أنهار ماء تروى الشعب في البرية سَيْلُ الْمِيَاهِ طَمَا = في ترجمات أخرى توقف فيضان النهر إشارة لشق نهر الأردن، وذلك بقوة جبارة أوقفته. فأَعْطَتِ اللُّجَّةُ صَوْتَهَا = كأن المياه زمجرت أمام هذه القوة التي صدتها عن المسير. رَفَعَتْ يَدَيْهَا إِلَى الْعَلاَءِ = هذا يشير إلى أنها أي المياه أمام قوة جبارة لا تستطيع أي شئ أمامها. وفي (11) إشارة لحادثة وقوف الشمس والقمر مع يشوع حتى يكتمل إنتصاره على أعدائه. وذلك حتى يكون هناك نور للسهام الطائرة من شعب الله إلى الأعداء. ولاحظ أن السهام هي سهام الله، وفي هذه المعجزة الجبارة ظهر مجد الله كالبرق اللامع. وفي الآيات (12، 13). هنا يتضح أن الله هو الذي داس الأمم الكنعانية أمام شعبه، وهو الذي خرج أمام شعبه، لخلاص مسحائه أي ملوك شعبه، وملوك يهوذا الأتقياء بالذات. على أن هذه الآيات فيها نبوات واضحة عن الخلاص بالمسيح: - عُرِّيَتْ قَوْسُكَ = تشير للتجسد الإلهي الذي به كشف المسيح عن قوته في حربه ضد إبليس. وبالتجسد تمتعنا بكلمة الله كسهم يحطم الشر الذي تملك في داخلنا. ويحل كلمة الله فينا كسهم حقيقي يجرح قلوبنا ويوقظ ضمائرنا لينزع عنا كل فساد خبيث. وعمل كلمة الله في داخلنا عمل كامل = سُبَاعِيَّاتُ سِهَامٍ كَلِمَتُكَ ورقم 7 يشير للكمال. وكلام الرب نقي كفضة محماة سبع مرات (مز6: 12) ونلاحظ أن المسيح على الصليب نطق 7كلمات. شَقَّقْتَ الأَرْضَ أَنْهَارًا = هذا رمز لفيض الروح القدس (الأنهار) (يو37: 7 - 39) الذي تفجر بعد صلب المسيح (الصخرة) وحين امتلأ المؤمنون رفعوا أيديهم إلى العلاء. لكي يسبحوا = فأَعْطَتِ اللُّجَّةُ صَوْتَهَا. الأرض التي شقها الله هي أنا وأنت. وشَقَّقْتَ = تذكرنا بان الحيوانات الطاهرة تكون مشقوقة الظلف = وهذا يشير لان الانسان الطاهر هو من قدم جسده ذبيحة حية. والروح القدس يبدأ معنا هذا في المعودية التي فيها ندفن مع المسيح. ثم يأتي سر الميرون ويسكن فينا الروح القدس. فبعد أن كنا أرضاً بوراً جاء المسيح وآمنا به وأرسل لنا الروح القدس فجري من بطننا (أرضنا) أنهار ماء حي. أَبْصَرَتْكَ فَفَزِعَتِ الْجِبَالُ = تشير الجبال للملوك الجبابرة الذين فزعوا من شعب الله. وتشير للشياطين المتكبرين، وللخطايا التي كانت تجثم على قلوبنا. هم أبصروا عمل المسيح ففزعوا، وبهذا استطعنا أن نرفع أيدينا بالتسبيح وبينما المسيح معلق على الصليب إرتجت الأرض وخرج كثيرين من الذين ماتوا. وإظلمت الشمس = اَلشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَقَفَا. وفي هذه اللحظات كان المسيح يقبض على الشيطان ليقيده = نُورِ سِهَامِكَ الطَّائِرَةِ الموجهة ضد إبليس. سَيْلُ الْمِيَاهِ طَمَا = هذه إشارة لتوقف سلطان الموت فبينما كان من يعبر النهر وسط الماء لابد وأن يغرق ( "قد اكتنفتني مياه إلى النفس" يون3: 2، 5). ونلاحظ أن رحلة خروج بني إسرائيل من مصر تشير لرحلة حياتنا على الأرض. فعبور البحر الأحمر يشير للمعمودية، وتوهان الشعب في البرية لمدة 40 سنة يشير لفترة عمر الإنسان على الأرض وجهاده، وفي النهاية فإن عبور الأردن ودخول كنعان يشير للموت ودخول الراحة السماوية. وبعد الصليب أصبحنا نقول أين شوكتك يا موت لأن المسيح بموته داس الموت والأمم الشياطين. وتوقف نهر الأردن يشير لتوقف سلطان الموت. خَرَجْتَ لِخَلاَصِ شَعْبِكَ، لِخَلاَصِ مَسِيحِكَ = في ترجمات أخرى "خرجت لخلاص شعبك مع مسيحك، وبهذا تكون الآية نبوة واضحة عن الخلاص الذي بالمسيح وفيه سَحَقْتَ رَأْسَ الشِّرِّيرِ = أي الشيطان، وهذا تحقيقاً لقول الله" هو يسحق رأسك "(تك15: 3). مُعَرِّيًا الأَسَاسَ حَتَّى الْعُنُقِ. = عنق البيت هو مكان وصلة الجدران مع السقف. والمعنى أن المسيح كشف بيت إبليس أي كل حيله وضعفه وحقارته وحقده على البشر. سِلاَهْ = وقفة تأمل وسط المزمور.

العدد 14

آية (14): -

"14ثَقَبْتَ بِسِهَامِهِ رَأْسَ قَبَائِلِهِ. عَصَفُوا لِتَشْتِيتِي. ابْتِهَاجُهُمْ كَمَا لأَكْلِ الْمِسْكِينِ فِي الْخُفْيَةِ.".

تسبحة النبي على هذا الخلاص ثَقَبْتَ بِسِهَامِهِ رَأْسَ قَبَائِلِهِ = تشير هذه لما حدث مع المديانيين، فقد أثار الرب ارتباكاً في صفوفهم أمام جدعون "جعل الرب سيف كل واحد بصاحبه" (قض22: 7) والمعنى أن الله بعدما كشف إبليس وحيله، فحينما يوجه إبليس سهامه ضد شعب الله ترتد هذه السهام وتحطمه فهو لا سلطان له علينا. ولقد دبر إبليس مؤامرة الصليب ليهلك المسيح، فإرتد هذا العمل ضده، وصار الصليب يحرقه. ولقد سمعنا كثيراً في قصص القديسين أنهم حين يصرخون لله ويرسمون علامة الصليب أن الشيطان يحترق ويتحول إلى دخان. عَصَفُوا لِتَشْتِيتِي = هنا النبي يتكلم باسم شعب الله ويرى الأعداء كالعاصفة يقومون ضده ليشتتوه بعيداً عن أرضه وهدفه (هذا ما فعله فرعون مثلاً في خروجه وراء الشعب) ابْتِهَاجُهُمْ كَمَا لأَكْلِ الْمِسْكِينِ فِي الْخُفْيَةِ = هم يسرون بالظلم أما الصالحون فيسرون بالرب.

العدد 15

آية (15): -

"15سَلَكْتَ الْبَحْرَ بِخَيْلِكَ، كُوَمَ الْمِيَاهِ الْكَثِيرَةِ.".

إشارة إلى هلاك المصريين في البحر. والمعنى أنه كما خلص الرب شعبه من مصر، هكذا بالتأكيد سيخلصهم من يد بابل ومن كل أعدائهم. وهنا يصور النبي كأن الله في المعركة يقود شعبه (خيله) فهو الذي يركب على الفرس الأبيض، وخرج غالباً ولكي يغلب (رؤ2: 6) وهو قاد شعبه للنجاة وسط كُوَمَ الْمِيَاهِ الْكَثِيرَةِ = أكوام المياه.

العدد 16

آية (16): -

"16سَمِعْتُ فَارْتَعَدَتْ أَحْشَائِي. مِنَ الصَّوْتِ رَجَفَتْ شَفَتَايَ. دَخَلَ النَّخْرُ فِي عِظَامِي، وَارْتَعَدْتُ فِي مَكَانِي لأَسْتَرِيحَ فِي يَوْمِ الضِّيقِ، عِنْدَ صُعُودِ الشَّعْبِ الَّذِي يَزْحَمُنَا.

حينما نظر أولاً لضعف الشعب وقوة العدو إرتعد، إرتعد إذ رأى شعب الكلدانيين أتى ليزحم شعب الله، وهو عرف قوة الكلدانيين وجبروتهم ولكنه لجأ إلى الله فتحول ارتعاده إلى فرح، إذ أعلن له الله، أن هذا الضيق هدفه التأديب، وأن كل الأمور تعمل معاً للخير لمن يحبون الله. ولنفهم أن الخوف والرعدة يكونان سبباً في النجاة. فنوح حينما خاف من الطوفان صنع فلكاً فنجا، والذين لم يخافوا بل إستهتروا هلكوا. وإبتهاج النبي ظاهر في آية (18). وإبليس قوته مرعبة ولو عرفناها نرتعب، لكن بالمسيح إذ نلجأ إليه نطمئن ونهزمه فنفرح.

العدد 17

آية (17): -

"17فَمَعَ أَنَّهُ لاَ يُزْهِرُ التِّينُ، وَلاَ يَكُونُ حَمْلٌ فِي الْكُرُومِ. يَكْذِبُ عَمَلُ الزَّيْتُونَةِ، وَالْحُقُولُ لاَ تَصْنَعُ طَعَامًا. يَنْقَطِعُ الْغَنَمُ مِنَ الْحَظِيرَةِ، وَلاَ بَقَرَ فِي الْمَذَاوِدِ،".

هو رأى هذا العدو يأتي ليخرب الأرض من ثمارها (التين والكروم) بل من بهائمها. والنبي يقول في (18) أنه يبتهج مع أن العدو أزال كل الخيرات فلماذا يبتهج؟ هو فهم أن كل تأديب سيأتي بنتيجة وتوبة للشعب (عب11: 12) وطالما قدم الشعب التوبة فهو واثق أن الثمار ستظهر ثانية لذلك يبتهج. لقد إمتد بصره لبعيد ليرى الخلاص العتيد، فلم يحزن بسبب الخسائر الحالية، الخيرات العالمية يفرح بها العالميون، أما نحن فنبحث أولاً عن رضا الله، وهذا يأتي بالتوبة، وإذا قدمنا توبة لابد وستأتي بركات الله ثانية بعد أن ضاعت منا بسبب الخطية (وهذا ما حدث للإبن الضال).

العدد 18

آية (18): -

"18فَإِنِّي أَبْتَهِجُ بِالرَّبِّ وَأَفْرَحُ بِإِلهِ خَلاَصِي.".

بالرغم من الألام فإن فرحة النبي لأنه رأى الخلاص، وبروح النبوة رأى خلاص المسيح. ولاحظ لقد بدأ سفره بالحزن، لكن من يستطيع أن يصلي في حزنه ويلجأ لله سيحول الله حزنه إلى فرح. (يو22: 16).

العدد 19

آية (19): -

"19اَلرَّبُّ السَّيِّدُ قُوَّتِي، وَيَجْعَلُ قَدَمَيَّ كَالأَيَائِلِ، وَيُمَشِّينِي عَلَى مُرْتَفَعَاتِي.

لِرَئِيسِ الْمُغَنِّينَ عَلَى آلاَتِي ذَوَاتِ الأَوْتَارِ. ".

سر الفرح أن إلهه قوته يمشيني في مرتفعاتي = يقودني للسماويات. كالآيائل أي بسرعة.

تأملات:

  1. الخاطئ المستمر في خطيته تضيع منه بركاته. وحين يتوب قد تتأخر هذه البركات لبعض الوقت، ولكن في ثقة نستطيع أن نقول أن البركات ستعود ثانية = فَمَعَ أَنَّهُ لاَ يُزْهِرُ التِّينُ... 18فَإِنِّي أَبْتَهِجُ لثقتي في رحمة الله وأن البركات ستعود طالما هناك توبة.
  2. عموماً المؤمن يبتهج ويفرح بالمسيح حتى مَعَ أَنَّهُ لاَ يُزْهِرُ التِّينُ = أي أنه لا توجد بركات مادية، لأن المؤمن الحقيقي لا يفرح بالماديات، لأنه يؤمن أنه سيفرح في النهاية في الأبدية، حتى لو هناك ضيقات الآن.

قد تشير هذه الآيات لنهاية الأيام والضيق العتيد أن يحدث (16) سَمِعْتُ فَارْتَعَدَتْ (دا 1: 12 + مت21: 24). وعن هذه الأيام يقول السيد المسيح "لكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين" ويقول "حين يأتي إبن الإنسان ألعله يجد الإيمان على الأرض" ويشير لهذا آية (17) فالتين إشارة للأمة اليهودية التي لعنها المسيح، أو هي تشير للمحبة التي كادت أن تنعدم في تلك الأيام (أيامنا الحالية). والكرمة تشير للكنيسة التي تشتتت لمئات الطوائف الضعيفة وتشير للفرح الروحي الذي كاد أن يختفي. والزيتونة التي تكذب تشير للعذارى الجاهلات اللواتي بلا زيت في آنيتهن. وَلاَ بَقَرَ فِي الْمَذَاوِدِ = أي لا مؤمنين في الكنائس لأنه لا يوجد طعام روحي. ومع هذه الصورة القاتمة فالمؤمن الحقيقي في فرح (18).

دراسة فى سفر حبقوق

حبقوق = المُحتضن أو المُعانق.

الأصحاح الأول:

الوحى الذى رآه حبقوق النبى = وحى = ثقل أو حمل ثقيل.

ماذا يحمل حبقوق من أثقال؟

هو رأى خطايا الشعب من ظلم وإغتصاب. فالغنى يغتصب الفقير والقوى يغتصب الضعيف وذهب يشتكى لله.

ذهب بهذا الحِمل إلى الله... والله يُحِب هذا فهو قال:

"تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ وَأَنَا أُرِيحُكُمْ" (مت 11: 28).

والله رد عليه بسرعة... ولماذا رد الله بسرعة؟

فأحمال حبقوق التى يحملها وتُضايقه هى نفسها التى تُضايق الله. وكان رد الله بأنه سيُرسل بابل لتؤدب شعب اليهود. وكان رد الله علي حبقوق سريعا لأن هناك اتفاق بين قلب الله وقلب حبقوق.

ماهى صفات بابل كما ذكرها الله؟

ولما رأى حبقوق هذا، صرخ لله، هو رأى صورة مما سيفعله البابليون بشعبه وقال:

لِمَ تنظر إلى الناهبين وتصمت حين يبلع الشرير من هو أبر منه؟

بابل اليهود.

الأصحاح الثانى:

الله لم يرد على حبقوق بسرعة كالمرة الأولى وتباطأ فى الرد، فلماذا؟

حبقوق أخطأ فى أنه إعترض على حكم الله، هذا كبرياء أن ينسب لله أنه أخطأ.

الوضع الآن مختلف عن المرة السابقة، فهذه المرة كان حبقوق في تصادم مع الله، لا يتقبل احكامه.

والله لم يَرُّد ليترك حبقوق حتى يتواضع وينسحق وتنخفض كبرياؤه، وهذا ما عمله الله مع إيليا حين هرب من إيزابل. فالله تركه حتى ذهب للجبل ثم كلمه هناك وسأله: ما لك ههنا يا إيليا؟

هذا سؤال عتاب من الله. أبعد ما عملته معك. وبأوامرك وقف المطر، وبأوامرك نزل المطر... إلخ تهرب خائفاً من إيزابل... ولم يفهم إيليا غرض الله من السؤال، وأجاب: غرت غيرة للرب لأن بنى إسرائيل قد تركوا عهدك.

فبقيت أنا وحدى، وفى هذا كبرياء... فكيف يسمع صوت الله الهادئ الوديع؟:

فإذا الرب عابر وريح عظيمة وشديدة قد شقت الجبال وكسّرت الصخور أمام الرب ولم يكن الله فى الريح.

وبعد الريح زلزلة، ولم يكن الرب فى الزلزلة، وبعد الزلزلة نار ولم يكن الله فى النار، وبعد النار صوت منخفض خفيف.

فلما سمع إيليا لفّ وجهه بردائه وخرج ووقف فى باب المغارة وإذا بصوت إليه يقول... ما لك ههنا يا إيليا.

لاحظ أن الريح، والزلزلة، والنار كانت لتحطيم كبرياء إيليا، ولكن كل هذا كان لإعداد إيليا ليستطيع أن يميز صوت الله. وهذا نفس ما عمله الله حين كلم الشعب وهم في سيناء (خر 24: 17 + عب12: 18 – 24). ولاحظ أن إيليا النبى من خبراته السابقة مع الله يعرف طريقة الله فى الحديث معه، فصوت الله لايسمع الا في الهدوء والسلام الداخلي. فثمر البر يزرع في السلام (يع 4: 18) ولذلك ولأن الله كان يريد أن يكلم إيليا، كان الله يعد قلبه ليسمع. وإيليا الآن في حالة ثورة علي تهديد ايزابل له. لذلك لم يفهم السؤال للمرة الثانية وأنه عتاب من الله على خوفه وهروبه، وتكلم الله فى أشياء كثيرة ثم قال لينهى كبرياء إيليا: وقد أبقيت فى إسرائيل سبعة ألاف كل الركب التى لم تجث للبعل. فقول الله هذا لإيليا والأحداث التي حدثت كانت لإعداد قلب إيليا ليسمع صوت الله الهادئ.

ولكن يُحسب لحبقوق أنه تمسك بالله فى حُبْ: على مرصدى أقف وعلى الحصن أنتصب وأراقب لأرى ماذا يقول لى وماذا أجيب عن شكواى.

إذاً هناك شروط لإستجابة الله:

  1. الإنسحاق: ولذلك لم يجاوب الله حبقوق مباشرة.
  2. إنتظار الرد: فهناك صلوات خاطئة، إذ نلقى كلمتين أمام الله ثم ننصرف دون أن ننتظر الرد = على مرصدى أقف.
  3. تمسكه بالله وإحتماءه بالله: وعلى الحصن أنتصب، ولاحظ "إسم الرب برج حصين يركض إليه الصديق ويتمنع"، إذاً هو يتحصن بالله ولم يترك الله وتشبث به وإنتظر رده لكى يفهم:
  4. وهذا معنى إسم حبقوق = معانق لله.

فهو إعترض على أحكام الله، ولكنه فى حُبْ لم ينفصل عن الله، وهنا جاءه الرد:

بابل المتكبرة ستنهى دورها الذى حددته لها فى تأديب شعبى، ثم ستُذَّل. هى بمثابة خرزانة يستعملها الأب فى تأديب إبنه، ثم يرميها بعد أن يكبر إبنه وينضج، وبعد أن أدت دورها. بل كشف له الله خطته الخلاصية... فصار نبياً تنبأ عن المسيح.

الأصحاح الثالث:

هو تسبحة لله حين فهم أحكام الله.

عملك فى وسط السنين أحيه = كما كان وهكذا يكون من جيل إلى جيل وإلى دهر الداهرين. هو تذكر أعمال الله مع شعبه ويقول أعدها يارب وخلص شعبك. ثم تمتد الصلاة ويتنبأ عن عمل المسيح الخلاصى: -.

  1. التجسد: كان لمعان كالنور. له من يده شعاع وهناك إستتار قدرته.

المسيح نور من نور ناسوته أخفى مجد لاهوته.

  1. جاء ليهزم الموت: قُدَّامه ذهب الوبأ. بل أيضاً الخطية.
  2. أعطانا السماء ميراثاً: وقف وقاس الأرض. كما فعل يشوع ليورث الشعب أرض الميعاد.
  3. دك الشيطان: رجف الأمم ودُكّت الجبال الدهرية.

ثم يتساءل النبى: هل على الأنهار (شعب الله من اليهود "فالروح القدس كان يعمل معهم") حَمىَ يارب غضبك أو على البحر (الأمم الوثنية) سخطك. والعجيب أنه لا يغضب بل يأتى لخلاص الجميع يهوداً وأمم: حتى أنك ركبت خيلك مركباتك مركبات الخلاص.

والمعنى المسيح أتى لخلاص الجميع.

  1. كشف المسيح كل حيل إبليس وسَحَقَه: سحقت رأس بيت الشرير معرياً الأساس حتى العنق = المسيح كشف حقارة إبليس وضعفه.
  2. كل مؤامرات إبليس ضد المسيح وضد شعب المسيح تتحول لطعن إبليس، وكله للخير = ثقبت بسهامه رأس قبائله.

فالشيطان دبّر الصليب (سهامه) فثقب الصليب رأس الشيطان، وبهذا وضحت قوة عمل الصليب.

ولاحظ أن التسبحة بدأت بإرتعاد حبقوق من أحكام الله، ولكن الله بعد صلاة حبقوق أظهر له أن كل أحكامه هى للخلاص، وأن كل تأديب لابد أن تأتى من ورائه ثمار، قد لا تظهر الثمار مباشرة... ولكن من المؤكد انها ستظهر، فمع أنه لا يُزهر التين ولا يكون حمل فى الكروم، يكذب عمل الزيتونة والحقول لا تصنع طعاماً، ينقطع الغنم من الحظيرة ولا بقر فى المذاود، إذاً هو لا يرى ثمار ولا غنم لكنه واثق فى حكمة أعمال الله وأن الثمار ستظهر بعد ذلك، لذلك تَحوَّل حزنه إلى فرح... فقال إنى أبتهج بالرب وافرح بإله خلاصى. ثم ينهى تسبحته بهذا: الرب السيد قوتى ويجعل قدمىّ كالأيائل ويمشينى على مرتفعاتى، وهذا هو عمل الله وحكمته فى كل ما يصنع، أنه يقودنا للسماويات، وهذا هو ما يُفرِّح.

والعكس فمن يرفض ويترك الله ولا يتشبث بالله ويتمسك فيه بقوة، ينزل لأسفل ولا يزيد عن كونه تراب يكومه إبليس، تكوم التراب = من تركوا أنفسهم لإبليس إعتبرهم إبليس كنزا له هؤلاء يصيرون طيناً كثيفاً = المثقل نفسه رهوناً = بقدر ما يزداد عدد من يسقطهم إبليس بخداعاته يسقط هو وهم لأعماق الجحيم كثقل يسقط لأسفل. ومن يؤمن بالله ويتشبث به قال عنه الله الآية التى إقتبسها بولس الرسول ثلاث مرّات والبار بايمانه يحيا يحيا فى السماويات وفى فرح.

No items found

الأصحاح الثاني - سفر حبقوق - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير سفر حبقوق الأصحاح 3
تفاسير سفر حبقوق الأصحاح 3