اَلأَصْحَاحُ السَّابِعُ – سفر أخبار الأيام الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي

هذا الفصل هو جزء من كتاب: 14- تفسير سفر أخبار الأيام الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

اَلأَصْحَاحُ السَّابِعُ

استجابة الله لصلاة سليمان.

قدم سليمان صلاة بروح التواضع مع الشكر والحمد لله الذي وهبه هذا العمل كعطية إلهية. في نفس الوقت لم يطلب شيئًا لنفسه، بل طلب الرحمة للشعب. ولم ينسَ ولا تجاهل دور أبيه في العمل. لهذا استجاب الله لصلاته، لأنها تتناغم مع إرادة الله المقدسة.

1. استجابة الصلاة علانية 1.

2. عجز الكهنة عن دخول بيت الرب 2 - 3.

3. ذبائح حيوانية مع ذبائح تسبيح 4 - 6.

4. احتفالات مبهجة 7 - 11.

5. الرب يتراءى لسليمان 12 - 18.

6. تحذير من الانحراف عن الوصية 19 - 22.

العدد 1

1. استجابة الصلاة علانية

وَلَمَّا انْتَهَى سُلَيْمَانُ مِنَ الصَّلاَةِ،.

نَزَلَتِ النَّارُ مِنَ السَّمَاءِ،.

وَأَكَلَتِ الْمُحْرَقَةَ وَالذَّبَائِحَ،.

وَمَلأَ مَجْدُ الرَّبِّ الْبَيْتَ. [1].

لم ترد في سفر الملوك استجابة الصلاة علانية ومصادقة الله على تدشين الهيكل [1 - 6]. إنها صورة رائعة لخبرة المؤمنين لعربون السماء وهم بعد في هذا العالم، في هذا الجسد.

قبل أن يتحرك سليمان بعد صلاته، أعلن الله بسرعة فائقة استجابته للصلاة بنارٍ نزلت من السماء.

تكرر ذلك عندما قدم إيليا ذبيحة لله مقابل كهنة البعل الأربعمائة وخمسين وهم يصرخون ويجرحون أنفسهم من الصباح حتى الظهيرة (1 مل 18: 36 - 39).

أيضًا نزلت نار من عند الرب، وأحرقت على المذبح المحرقة والشحم عند تكريس هارون رئيس الكهنة (لا 9: 24).

ماذا يعني نزول النار؟ وما فاعليتها في حياة الحاضرين؟

1. أعلن الله لسليمان كما لكل الحاضرين من القادة والشعب بطريقة علنية أنه استجاب لصلاة سليمان، مع قبوله للملك وللبيت الذي بناه والعبادة التي قُدمت وللشعب الحاضر الاحتفال. بنزول النار أظهر الله رضاه على موسى (لا 9: 24)، وجدعون (قض 6: 21)، وداود (1 أي 21: 26)، وإيليا (1 مل 18: 38). قيل بإشعياء النبي: "أخذت الرعدة المنافقين. من منَّا يسكن في نارٍ آكلة؟!" (إش 33: 14).

2. يرى البعض أن النار هنا تشير إلى حلول الله نفسه أو نزول مجده. فقد قيل: "الرب إلهك هو نار آكلة، إله غيور" (تث 4: 24). وعندما تحدّث الله مع موسى على جبل سيناء نزلت نار (خر 24: 16 - 17). هكذا حلّ الروح القدس على هيئة ألسنة نارية بعد أن تقدست الكنيسة بذبيحة المسيح المصلوب (أع 2: 3).

3. شجع هذا الإعلان الكهنة والشعب أن يستمروا في الاحتفالات المبهجة لمدة أربعة عشر يومًا، وتشجّع سليمان أن يمجد الله علانية.

4. نزول النار أيضًا على الذبيحة، يشير أن الله لم يرسل نارًا تأكلهم بسبب خطاياهم، إنما يرسلها على الذبائح فتلتهمها، إشارة إلى قبول الذبائح كفّارة عنهم، فيرتد غضبه عنهم. يلاحظ هنا أن النار لم تنزل عند نحر الذبائح، وإنما بعد إتمام الصلاة. فمع تقديم الذبيحة، يلزمنا أن ندخل في حوارٍ مع الله بكامل إرادتنا. فهو لا يدخل سفينة حياتنا بدون رضانا، فقد قيل: "فرضوا أن يقبلوه في السفينة" (يو 6: 21).

5. نزول النار أيضًا يشير إلى نزول روح الله الناري ليلهب قلوبنا بنار حبه، ويحرق أشواك الخطية والشهوات المفسدة. حين كان السيد المسيح القائم من الأموات يتحدث مع تلميذي عمواس، قال كل منهما للآخر: "ألم يكن قلبنا ملتهبًا فينا حين كان يكلمنا؟!" (لو 24: 32).

6. يرى بعض الآباء أن نزول النار يشير إلى نزول أحد السمائيين، إذ قيل إن خدامه نار ملتهبة (مز 104: 4). يرى القديس مار يعقوب السروجي أن ما حدث مع إيليا حيث أبصر تلميذه إليشع مركبات نارية وخيول نارية حول الجبل، وأيضًا نزول نارٍ عندما قدم إيليا ذبيحة أنها فِرق سماوية أو ملائكة.

  • عندما رغب بولس الطوباوي ألاَّ تبرد نعمة الروح المعطاة لنا، حذرنا قائلاً: "لا تطفئوا الروح" (1 تس 5: 19)، حتى نبقى شركاء مع المسيح. ذلك إن تمسكنا حتى النهاية بالروح الذي أخذناه، إذ قال: "لا تطفئوا..." ليس من أجل أن الروح موضوع تحت سلطان الإنسان، أو أنه يحتمل آلامًا منه، بل لأن الإنسان غير الشاكر يرغب في إطفاء الروح علانية، ويصير كالأشرار الذين يضايقون الروح بأعمال غير مقدسة.

فإذ هم بلا فهم، مخادعون، ومحبون للخطية، وما زالوا سائرين في الظلام، فإنه ليس لهم ذلك النور الذي يضيء لكل إنسانٍ آت إلى العالم (يو 1: 9).

لقد أَمسكت نار كهذه بإرميا النبي عندما كانت الكلمة فيه كنارٍ، قائلاً إنه لا يمكن أن يحتمل هذه النار (إر 20: 9)...

وجاء سيِّدنا يسوع المسيح المحب للإنسان لكي يلقي بهذه النار على الأرض، قائلاً: "ماذا أريد لو اضطرمت؟" (لو 12: 49).

لقد رغب الرب – كما شهد حزقيال (حز 18: 23، 32) - توبة الإنسان أكثر من موته، حتى ينتزع الشر عن الإنسان تمامًا، عندئذ يمكن للنفوس التي تنقت أن تأتي بثمرٍ. فتثمر البذور التي بذرها (الرب)، البعض بثلاثين والبعض بستين والآخر بمائة.

وكمثال، كليوباس وذاك الذي معه (لو 24: 32) مع أنهما كانا ضعفين في بداية الأمر بسبب نقص معلوماتهما، لكنهما أصبحا بعد ذلك ملتهبين بكلمات المخلص، واظهرا ثمار معرفتهما.

وبولس الطوباوي أيضًا عندما أمسك بهذه النار (رو 12: 11) لم ينسبها إلى دمٍ ولحمٍ، ولكن كمختبر للنعمة أصبح كارزًا بالكلمة (المسيح) [61].

البابا أثناسيوس الرسولي.

  • إننا نؤكد أن هذه النار التي أرسلها المسيح هي لخلاص البشر ونفعهم، الله يهب كل قلوبنا أن تمتلئ بها. فإن النار هنا - كما أقول - هي رسالة الإنجيل الخلاصيَّة وقوَّة وصاياه، فإننا جميعًا نحن الذين علي الأرض باردون وأموات بسبب الخطيَّة وفي جهالة... نلتهب بالحياة التقويَّة ونصير "حارين في الروح" (رو 12: 11) كتعبير الطوباوي بولس. بجانب هذا نصير شركاء في الروح القدس الذي هو مثل نارٍ في داخلنا...

هذه هي عادة الكتاب المقدَّس الإلهي المُوحى به أنه يلقب الكلمات الإلهيَّة المقدَّسة أحيانًا باسم "نار"، ليظهر فاعلية الروح القدس وقوَّته، الذي به نصير نحن حارين في الروح.

تحدَّث أحد الأنبياء القدِّيسين في شخص الله عن المسيح مخلِّص الجميع: "يأتي بغتة إلي هيكله السيِّد الذي تطلبونه وملاك العهد الذي تسرون به، هوذا يأتي قال رب الجنود؛ ومن يحتمل يوم مجيئه؟ ومن يثبت عند ظهوره؟ لأنه مثل نار الممحص ومثل أشنان القصّار، فيجلس ممحصًا ومنقيًا للفضة" (ملا 3: 1 - 3). يقصد بالهيكل الجسد الذي هو مقدَّس بالحق ليس فيه دنس، وُلد من العذراء القدِّيسة بالروح القدس بقوَّة الآب. فقد قيل للعذراء الطوباويَّة: "الروح القدس يحل عليكِ وقوَّة العلي تظللك" (لو 1: 35). وقد حسبه "ملاك (رسول) العهد، إذ جاء يكشف لنا عن إرادة الآب الصالحة ويخدمنا. كما يقول بنفسه:" لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي "(يو 15: 15)... وكما أن الذين يعرفون كيف ينقون الذهب والفضة يستخدمون النار... هكذا يطهّر مخلِّص الكل فكر كل الذين يؤمنون به بتعاليم بقوَّة الروح...

بماذا نفسر الجمرة التي لمست شفتي النبي (إش 6: 6 - 7) وطهرته من كل خطيَّة؟ إنها رسالة الخلاص، والاعتراف بالإيمان بالمسيح، من يتقبل هذا في فمه يطهر. هذا ما يؤكده لنا بولس: "لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت" (رو 10: 9).

إذًا، نقول إن قوَّة الرسالة الإلهية تشبه جمرة حيَّة ونارًا. يقول إله الكل للنبي إرميا: "هأنذا جاعل كلامي في فمك نارًا، وهذا الشعب حطبًا فتأكلهم" (إر 5: 14)، "أليست هكذا كلمتي كنارٍ يقول الرب؟" (إر 23: 29) [62].

القدِّيس كيرلس الكبير.

الأعداد 2-3

2. عجز الكهنة عن دخول بيت الرب

وَلَمْ يَسْتَطِعِ الْكَهَنَةُ أَنْ يَدْخُلُوا بَيْتَ الرَّبِّ،.

لأَنَّ مَجْدَ الرَّبِّ مَلأَ بَيْتَ الرَّبِّ. [2].

قال الرب لموسى: "لا تقدر أن ترى وجهي، لأن الإنسان لا يراني ويعيش" (خر 33: 20).

  • يستحيل علينا أن نتطلع إلى الله بأعينٍ بشريةٍ، لأن غير الجسدي لا يقع تحت الأعين الجسدية. وقد شهد الابن الوحيد، ابن الله نفسه، قائلاً: "الله لم يره أحد في أي زمان". فإن فهم أحد مما ورد في حزقيال أنه رأى الله (حز 28: 1)، فإنه ماذا يقول الكتاب المقدس؟ إنه رأى "شبه مجد الله"، وليس الرب ذاته كما هو في حقيقته، بل شبه مجده. فإن كانت رؤية شبه المجد تملأ الأنبياء رعدة، فبالتأكيد إن حاول أحد رؤية الله ذاته يموت، وذلك كالقول: "الإنسان لا يرى وجهي ويعيش" (خر 33: 20) "لا يراني ويعيش". من أجل هذا فإن الله بحنو رحمته بسط السماوات أمام لاهوته لكي لا نهلك. لست أقول هذا من عندي، بل هو قول النبي: "ليتك تشق السماوات وتنزل، من حضرتك تتزلزل الجبال" وتذوب (إش 64: 1).

لماذا تتعجب من سقوط دانيال عند رؤيته شبه المجد، إن كان دانيال عند رؤيته جبرائيل، الذي هو ليس إلا مجرد خادم الله، ارتعب للحال وسقط على وجهه، ولم يجسر النبي أن يجيبه بالرغم من أن الملاك نفسه جاء على شبه ابن بشر؟ (راجع دا 10: 9، 16، 18). إن كان ظهور جبرائيل أرعب الأنبياء، فهل يرى الإنسان الله كما هو ولا يموت؟! [63].

القديس كيرلس الأورشليمي.

وَكَانَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَنْظُرُونَ عِنْدَ نُزُولِ النَّارِ،.

وَمَجْدِ الرَّبِّ عَلَى الْبَيْتِ،.

وَخَرُّوا عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى الأَرْضِ عَلَى الْبَلاَطِ الْمُجَزَّعِ،.

وَسَجَدُوا وَحَمَدُوا الرَّبَّ،.

لأَنَّهُ صَالِحٌ وَإِلَى الأَبَدِ رَحْمَتُهُ. [3].

كان رد الفعل لهذه النار المقدسة أن امتلأت قلوب الكهنة بمخافة الرب، ولم يستطيعوا أن يدخلوا بيت الرب، لأن مجد الرب ملأ بيت الرب. أما الشعب فخرّوا وسجدوا وحمدوا الرب [3].

حين نزلت النار السماوية لم يهرب الكهنة ولا الشعب خائفين، بل مع الشعور بخوف الرب المقدس امتلأت قلوبهم بالسلام، وثبَّتوا أقدامهم أمام الرب. لقد كرّموا المجد الإلهي في خضوعٍ تصحبه المخافة مع المسرّة. امتزجت مشاعرهم بعدم الاستحقاق للحضرة الإلهية مع شوقٍ حقيقيٍ للعبادة له بكل خشوعٍ كما مع القوات السماوية.

بنزول النار الإلهية انطلقت ألسنتهم بالتسبيح، قائلين: "إنه صالح وإلى الأبد رحمته". إنها تسبحة تُقدم لله على الدوام من السمائيين، كما من البشر الأتقياء.

كأن الكهنة مع الشعب صرخوا قائلين: "إنه من مراحم الرب أنه لم يرسل نارًا تلتهمنا، إنما تلتهم الذبيحة عوضًا عنّا؛ تحرق أشواك خطايانا، وتلهب مشاعرنا بنار الحب الإلهي.

موضوع التسبيح والشكر هو الله نفسه، بكونه الصالح. وصلاحه فريد ومطلق. إنه حاضر في وسط شعبه، حافظ العهد، القائد الحقيقي، أعظم وأقدر من كل القادة البشريين، وكل الطغمات السماوية.

صالح كخالقٍ أوجدنا من العدم، وخلق كل ما نحتاج إليه.

صالح كمخلصٍ، فإن أصابنا ضرر أو فساد بسبب خطايانا يبقى الصالح الذي يُصلح ما أفسدناه.

صالح كقائدٍ، يبعث قادة، بل ويود أن يقيم من كل إنسانٍ قائدًا، ويبقى هو القائد الخفي القادر أن يدخل بنا إلى أحضانه.

صالح كمحاربٍ، فهو نصير الضعفاء والمظلومين والذين ليس لهم من يسندهم.

صالح كمعينٍ، يرعى خليقته، ويهتم بكل كبيرةٍ وصغيرةٍ في حياتنا، حتى بكسرة الخبز التي نحتاج إليها.

صالح كسماويٍ، يسكن في السماء لا ليعتزل الأرضيين، إنما يود أن يجعل منهم أشبه بطغمة شبه سماوية، ويُعد لهم أماكن في السماء، لكي يأتي ويأخذهم، ويهبهم شركة أمجاد سماوية.

  • "لأن إلى الأبد رحمته". يقول المرتل: "في الهاوية من يحمدك؟" (مز 6: 5) فإنه يستحيل بالنسبة لأي أحدٍ في الهاوية أن يندم على خطاياه.

مادمت في هذا عالم؛ أتوسل إليك أن تتوب.

اعترفْ، واحمد الرب، فإن فقط في هذا العالم الرب رحوم. هنا يقدر أن يتعطف على التائب، أما هناك فهو ديان وليس رحومًا.

هنا هو رءوف ولطيف، هناك هو ديان.

هنا يبسط يديه للساقطين، هناك يرأس كقاضٍ.

أقول الآن هذا كله لنفع أولئك الذين يظنون أنه توجد ندامة على الخطية في الجحيم[64].

القديس جيروم.

  • فليقل بيت إسرائيل إنه صالح. إن إلى الأبد رحمته ". لماذا يشير إلى بيت إسرائيل الذي عانى من السبي بلا حدود.

فقد اُستعبد في مصر، واُقتيد إلى أقاصي الأرض، وعانى متاعب لا حصر لها في فلسطين.

يقول: حقًا إنهم على وجه الخصوص شهود لخيراته الكثيرة، وتمتعوا أكثر من غيرهم.

أتعابهم ذاتها علامة على رعايته العظيمة.

وإن فحصت الأمر بدقةٍ، فإنهم يلتزمون بتقديم التشكرات على مجيء المسيح منهم فوق كل شيءٍ.

أقصد إن كانوا قد عانوا من محنٍ، فبسبب جحودهم، لا بسبب من جاء (يسوع المسيح).

فقد جاء إليهم وكما ترون، وأخبرهم دومًا: "لم ُأرسل إلا إلى خراف إسرائيل الضالة" (مت 15: 24). كما قال للتلاميذ: "إلى طريق أمم لا تمضوا... بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" (مت 10: 5، 6). وقال للمرأة الكنعانية: "ليس حسنًا أن يُؤخذ خبز البنين ويُطرح للكلاب" (مت 15: 26).

صنع كل شيء في الواقع، وشغل نفسه بخلاص هذا الشعب. الآن إن أظهروا أنهم ليسوا أهلاً لهذا الإحسان، فليفكروا في انحطاطهم وجحودهم الزائد[65].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

  • إنه صالح، لا يهبنا صلاحًا مؤقتًا، بل رحمته دائمة إلى الأبد. بمعنى أن النفع الذي يقدمه لكم، إنما يمنحه برحمته أبديًا[66].

القديس أغسطينوس.

الأعداد 4-6

3. ذبائح حيوانية مع ذبائح تسبيح

ثُمَّ إِنَّ الْمَلِكَ وَكُلَّ الشَّعْبِ ذَبَحُوا ذَبَائِحَ أَمَامَ الرَّبِّ. [4].

أشعلت هذه النار قلب الملك مع قلوب الشعب بالحب، فإن كانوا قد سبق فقدموا ذبائح، الآن قدموا ذبائح أكثر. كلما أعلن الله رضاه ومسرّته بنا يزداد بالأكثر شوقنا للعبادة والخدمة بلا فتورٍ.

  • أنصت إلى صوت النبي: "أذبح لك طوعًا يا رب". تعلم كيف تقدم احتمالاً للمشقةٍ بإرادتك الحرة. الإنسان الذي يكتشف إهماله، متهمًا نفسه، ومحتملاً طوعًا المشقة، لن يعبر به يوم دون أن يتأسف...

ليتأمل كل واحدٍ منكم في عطية الحرية العجيبة التي يهبها المسيح لشعبه المخلص خلال الميلاد الجديد واهب الحياة...، وخلال سكب الروح القدس. إنه يدرك أن الله لن يُخدم بفتورٍ. فإننا وإن قدمنا لله كل يوم أية كرامةٍ أو عطيةٍ في مقدورنا، لن نفيه حقه...

إذن، ليتنا فوق كل شيءٍ نحرر قلوبنا من الالتصاق بالشر، حتى يمكننا بطريقة أفضل أن نقتات بثمار العدل...

"أذبح لك طوعًا". لم يستخدم النبي هذه العبارة بلا سبب حين يودع نفسه لدى الله. كان يدرك أن كثيرين قدموا خدمتهم عن إلزام، فكانت قلوبهم معارضة للخدمة. كانوا يعدون بشيءٍ بأفواههم، ويدبرون في قلوبهم شيئًا آخر.

"أذبح لك طوعًا"، فإنه وإن كانت العطايا قليلة في ذاتها، فإنها تصير عظيمة بسبب الرغبة في تقديمها بمسرة. أما تلك التي عن إلزام، فغالبًا ما تُفسد مقدم العطية. هكذا من يُعد مائدة عن تغصبٍ، يشتكي دومًا من تكلفتها.

"أذبح لك طوعًا"، بمعنى أقدم العطية طوعًا.

لتقدم تقدمة لخالقك كل يومٍ بفرحٍ، تقدم القليل بلسانك، وتُعد عطية التسبيح بكلمات تنطق بالعذوبة. أسرع أيضًا بروح التقوى لتتمم الخدمة المعهود بها إليك. لتهتم بكلمات النبي "تقدمات فمي طوعًا مقبولة يا رب" [67].

الأب فاليريان.

وَذَبَحَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ ذَبَائِحَ مِنَ الْبَقَرِ:

اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ أَلْفًا وَمِنَ الْغَنَمِ مِئَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا،.

وَدَشَّنَ الْمَلِكُ وَكُلُّ الشَّعْبِ بَيْتَ الله. [5].

وَكَانَ الْكَهَنَةُ وَاقِفِينَ عَلَى مَحَارِسِهِمْ،.

وَاللاَّوِيُّونَ بِآلاَتِ غِنَاءِ الرَّبِّ الَّتِي عَمِلَهَا دَاوُدُ الْمَلِكُ،.

لأَجْلِ حَمْدِ الرَّبِّ، لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ،.

حِينَ سَبَّحَ دَاوُدُ بِهَا وَالْكَهَنَةُ يَنْفُخُونَ فِي الأَبْوَاقِ مُقَابِلَهُمْ،.

وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ وَاقِفٌ. [6].

امتزجت هذه الذبائح الدموية بذبائح التسبيح بفرحٍ.

لما كان سفرا الأخبار هما سفرا العبادة لله، فقد اهتمّا بدور التسبيح في العبادة، في كل مناسبة يتمجد فيها الله. كان اللاويون يسبّحون، والكهنة يضربون بالأبواق، وكل إسرائيل واقف. هذا وقد صحب التسبيح تقديم الذبائح في الهيكل.

الأعداد 7-11

4. احتفالات مبهجة

وَقَدَّسَ سُلَيْمَانُ وَسَطَ الدَّارِ الَّتِي أَمَامَ بَيْتِ الرَّبِّ،.

لأَنَّهُ قَرَّبَ هُنَاكَ الْمُحْرَقَاتِ وَشَحْمَ ذَبَائِحِ السَّلاَمَةِ،.

لأَنَّ مَذْبَحَ النُّحَاسِ الَّذِي عَمِلَهُ سُلَيْمَانُ لَمْ يَكْفِ،.

لأَنْ يَسَعَ الْمُحْرَقَاتِ وَالتَّقْدِمَاتِ وَالشَّحْمَ. [7].

وَعَيَّدَ سُلَيْمَانُ الْعِيدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ،.

وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ مَعَهُ،.

وَجُمْهُورٌ عَظِيمٌ جِدًّا مِنْ مَدْخَلِ حَمَاةَ إِلَى وَادِي مِصْرَ. [8].

وَعَمِلُوا فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ اعْتِكَافًا،.

لأَنَّهُمْ عَمِلُوا تَدْشِينَ الْمَذْبَحِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ،.

وَالْعِيدَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. [9].

وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِعِ،.

صَرَفَ الشَّعْبَ إِلَى خِيَامِهِمْ فَرِحِينَ وَطَيِّبِي الْقُلُوبِ،.

لأَجْلِ الْخَيْرِ الَّذِي عَمِلَهُ الرَّبُّ لِدَاوُدَ وَلِسُلَيْمَانَ وَلإِسْرَائِيلَ شَعْبِهِ. [10].

بكل مسرّة وغيرة امتدت فترة الاحتفالات:

أ. عيَّد سليمان العيد سبعة أيام ومعه كل إسرائيل وجمهور عظيم جدًا [8]، من اليوم الثاني إلى التاسع.

ب. في اليوم العاشر كان يوم الكفّارة [9].

ج. من اليوم الخامس عشر ابتدأ عيد المظال حتى الثاني والعشرين [9].

د. في اليوم الثالث والعشرين من الشهر صرف الشعب إلى خيامهم فرحين وطيّبي والقلوب [10].

وَأَكْمَلَ سُلَيْمَانُ بَيْتَ الرَّبِّ وَبَيْتَ الْمَلِكِ.

وَكُلَّ مَا خَطَرَ بِبَالِ سُلَيْمَانَ أَنْ يَعْمَلَهُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ وَفِي بَيْتِهِ نَجَحَ فِيهِ. [11].

هذه العبادة المملوءة فرحًا وبهجة سندت سليمان، فأكمل رسالته الخاصة ببناء بيت الرب والقصر الملكي وكل ما كان في فكره أن يعمله. واتسمت حياته بالنجاح!

العبادة الحيّة الصادقة تتمشّى مع روح النجاح في كل جوانب الحياة، من أجل التمتع بالحضرة الإلهية.

الأعداد 12-18

5. الرب يتراءى لسليمان

وَتَرَاءَى الرَّبُّ لِسُلَيْمَانَ لَيْلاً، وَقَالَ لَهُ:

قَدْ سَمِعْتُ صَلاَتَكَ،.

وَاخْتَرْتُ هَذَا الْمَكَانَ لِي بَيْتَ ذَبِيحَةٍ. [12].

الله هو العامل والمدبر، فقد اختار بيته الذي دعاه "بيت الذبيحة"، وهو الذي اختار أورشليم كمدينة الله يُقام فيها بيته، واختار داود ملكًا على شعبه.

تراءى الله لسليمان ليلاً، لتأكيد قبول الله عمله ورضاه، بل ومسرّته لأجل أمانة سليمان وإخلاصه وغيرته وأسلوبه الروحي في بناء بيت الرب. وليعلن له مباشرة عن قبول صلاته التي سبق أن سجلها الأصحاح السادس [12].

بيت الذبيحة: دعا الهيكل أو بيت الرب "بيت الذبيحة". يدعو القدِّيس أغناطيوس الثيؤفورس الكنيسة: "موضع الذبيحة"، فهي الجلجثة التي رُفع عليها السيد المسيح المصلوب ذبيحة خطية عن العالم كله.

يدعو الرب نفسه الهيكل "بيت ذبيحة"، وهذا يحمل معنيين:

1. يلزم أن ترتبط العبادة بالذبيحة، فلن نستطيع الاقتراب من الله بدون سفك دم، حيث تتحقق المغفرة بدم رب المجد يسوع.

2. أورشليم هي الموقع المناسب لتقديم الذبيحة. لقد بذل كل من حزقيا ويوشيا كل الجهد لإغلاق كل مكانٍ آخر لتقديم ذبيحة للرب.

إِنْ أَغْلَقْتُ السَّمَاءَ وَلَمْ يَكُنْ مَطَرٌ،.

وَإِنْ أَمَرْتُ الْجَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ الأَرْضَ،.

وَإِنْ أَرْسَلْتُ وَبَاء عَلَى شَعْبِي [13].

فَإِذَا تَوَاضَعَ شَعْبِي الَّذِينَ دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ،.

وَصَلُّوا وَطَلَبُوا وَجْهِي، وَرَجَعُوا عَنْ طُرُقِهِمِ الرَّدِيئَةِ،.

فَإِنِّي أَسْمَعُ مِنَ السَّمَاءِ، وَأَغْفِرُ خَطِيَّتَهُمْ، وَأُبْرِئُ أَرْضَهُمْ. [14].

يعلن الله استجابته الكاملة للصلاة، الأمر الذي لم يذكر في سفر الملوك.

وعد الله بقبول توبة شعبه ورجوعه إليهم "أسمع من السماء، وأغفر خطيتهم، وأُبرئ أرضهم".

  • عندما يجتمع الشعب العادي ويتفقون معًا، يصير الأمر عظيمًا ولا يمكن تجاهل صلوات الكثيرين (2 أي 7: 14، مت 18: 19) [68].

الأب أمبروسياستر.

اَلآنَ عَيْنَايَ تَكُونَانِ مَفْتُوحَتَيْنِ،.

وَأُذُنَايَ مُصْغِيَتَيْنِ إِلَى صَلاَةِ هَذَا الْمَكَانِ. [15].

وَالآنَ قَدِ اخْتَرْتُ وَقَدَّسْتُ هَذَا الْبَيْتَ، لِيَكُونَ اسْمِي فِيهِ إِلَى الأَبَدِ،.

وَتَكُونُ عَيْنَايَ وَقَلْبِي هُنَاكَ كُلَّ الأَيَّامِ. [16].

وَأَنْتَ إِنْ سَلَكْتَ أَمَامِي كَمَا سَلَكَ دَاوُدُ أَبُوكَ،.

وَعَمِلْتَ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ،.

وَحَفِظْتَ فَرَائِضِي وَأَحْكَامِي [17].

وعد الله بحفظ عهده مع داود إن حفظ نسله الوصية الإلهية.

إذ يدرك سليمان عجزه وعجز كل بشرٍ عن تنفيذ الوصية، جاء في صلاته: "ليكن الرب إلهنا معنا، كما كان مع آبائنا، فلا يتركنا ولا يرفضنا، ليميل بقلوبنا إليه، لكي نسير في جميع طرقه ونحفظ وصاياه وفرائضه وأحكامه التي أوصى بها آباءنا" (1 مل 8: 57 - 58). أما من جانب الإنسان فيقول: "فليكن قلبكم كاملاً لدى الرب إلهنا، إذ تسيرون في فرائضه، وتحفظون وصاياه كهذا اليوم" (1 مل 8: 61).

الله من جانبه تراءى لسليمان، وملأ بيته بالمجد، وسكب فرحًا وتهليلاً في قلوب الحاضرين. غير أنه من جانب سليمان والقادة والشعب يلتزمون بالطاعة للوصية والشعور بالمسئولية، فيتجاوبون مع مراحم الله ونعمته. هكذا يقدم لنا الرب نعمته لتهبنا عذوبة الوصية، وإمكانية الشركة مع الله، ومن جانبنا يلزمنا الجهاد بالرب، بغير إهمالٍ أو تراخٍ.

  • إني أرى أن نعمة الروح القدس على أتم استعداد لكي تملأ أولئك الذين يعزمون منذ البداية أن يكونوا ثابتين في محاربتهم ضد العدو (الشيطان)، غير مستسلمين في أي أمر من الأمور، حتى يغلبوه.

على أي الأحوال، يقوم الروح القدس الذي دعاهم، بتسهيل كل الأمور لهم حتى يجعل لهم بداية طريق التوبة عذبًا (ممهدًا)، لكنه يعود فيكشف لهم بعد ذلك حقيقة الطريق (شدة مصاعبه وأتعابه). وإذ يعينهم الروح القدس في كل شيءٍ، يضع على عاتقهم أن يقدموا أعمال التوبة اللازمة، كما يكشف لهم ما هي أعمال الجسد والنفس... إلى أن يرجعهم إلى الله خالقهم في توبة صادقة.

بهذا الهدف يقويهم الروح القدس للجهاد جسدًا ونفسًا، حتى يصير كلاهما (الجسد والنفس) متشابهين في الطهارة كما في ميراث الحياة الأبدية.

فمن جهة الجسد، فإنه يكافح في أصوامٍ مستمرةٍ وجهادٍ وأسهارٍ دائمةٍ، وأما النفس فتجاهد في تداريب روحية مع مثابرة في كل أنواع الخدم (الطاعة)، منفذة ذلك خلال الجسد.

لذلك يجب علينا أن نراعي (ألاَّ نصنع شيئًا بإهمالٍ، بل يكون كل شيء بحرصٍ دائمٍ وفي خوف الله)، وذلك في كل عملٍ نقوم به بالجسد، حتى يأتي بالثمر[69].

القدِّيس أنطونيوس الكبير.

  • يخبر بولس سامعيه ألا يتراخوا لمجرد أن الله يبحث عنهم ويرسلهم كسفراءٍ. على العكس لذات السبب يلزمنا أن نسره، وأن نحصد بركاتنا الروحية[70].
  • ما يقوله هو هذا: إن خلاصكم ليس من عملنا نحن وحدنا، وإنما هو عملكم أنتم أيضًا. فإذ نكرز لكم بالكلمة، نحتمل أحزانًا، وأنتم إذ تقبلونها تحتملون ذات الأمور.

نحن نحتمل لكي نهبكم ما تتسلمونه، وأنتم تحتملون لكي تقبلوا ما يوُهب لكم ولا يضيع منكم...

فإن خلاصكم يتحقق لا بالإيمان المجرد، وإنما بالآلام واحتمالكم معنا ذات الشيء...

خلاصكم يشبه ملاكمًا في الحلبة مملوء طاقة "العامل في ذاته" أعظم، هذه الطاقة تُعلن وتزداد وتعلو عندما تشعرون بالحاجة إلى التألم واحتمال كل شيءٍ بنبلٍ.

القديس يوحنا الذهبي الفم.

  • لتركض في هذا العالم، فتنال (المكافأة) في العالم العتيد[71].

القديس جيروم.

فَإِنِّي أُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مُلْكِكَ كَمَا عَاهَدْتُ دَاوُدَ أَبَاكَ قَائِلاً:

لاَ يُعْدَمُ لَكَ رَجُلٌ يَتَسَلَّطُ عَلَى إِسْرَائِيلَ. [18].

الأعداد 19-22

6. تحذير من الانحراف عن الوصية

وَلَكِنْ إِنِ انْقَلَبْتُمْ، وَتَرَكْتُمْ فَرَائِضِي وَوَصَايَايَ الَّتِي جَعَلْتُهَا أَمَامَكُمْ،.

وَذَهَبْتُمْ وَعَبَدْتُمْ آلِهَةً أُخْرَى وَسَجَدْتُمْ لَهَا [19].

  • يليق بنا أن نؤمن أن فترة التأخير في تنفيذ الوصية هي وقت للعصيان بالنسبة لمن ينفذ الوصية بعد ذلك... لذلك وجب علينا أن نتذكر القول: "لا تتأخر في الرجوع إلى الرب، ولا تؤجله من يوم إلى يوم" (سيراخ ٥: ٧)، والقول: "لا تقل لصاحبك اذهب وعد، فأعطيك غدًا، وموجود عندك" (أم ٣: ٢٨) [72].

العلامة أوريجينوس.

فَإِنِّي أَقْلَعُهُمْ مِنْ أَرْضِي الَّتِي أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا،.

وَهَذَا الْبَيْتُ الَّذِي قَدَّسْتُهُ لاِسْمِي أَطْرَحُهُ مِنْ أَمَامِي،.

وَأَجْعَلُهُ مَثَلاً وَهُزْأَةً فِي جَمِيعِ الشُّعُوبِ. [20].

وَهَذَا الْبَيْتُ الَّذِي كَانَ مُرْتَفِعًا كُلُّ مَنْ يَمُرُّ بِهِ يَتَعَجَّبُ، وَيَقُولُ:

لِمَاذَا عَمِلَ الرَّبُّ هَكَذَا لِهَذِهِ الأَرْضِ، وَلِهَذَا الْبَيْتِ؟ [21].

فَيَقُولُونَ: مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ تَرَكُوا الرَّبَّ إِلَهَ آبَائِهِمِ الَّذِي أَخْرَجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْر، َ.

وَتَمَسَّكُوا بِآلِهَةٍ أُخْرَى وَسَجَدُوا لَهَا وَعَبَدُوهَا،.

لِذَلِكَ جَلَبَ عَلَيْهِمْ كُلَّ هَذَا الشَّرِّ. [22].

إن كان الله قد سُر ببناء بيت له، ليسكن فيه إلى الأبد في وسط شعبه، فإن ما يشغل قلب الله قداسة شعبه. فالهيكل لا يحميهم من الدمار الذي يحل عليهم إن عصوا الوصية الإلهية. وكما يقول إرميا النبي: "لا تتكلوا على كلام الكذب، قائلين: هيكل الرب، هيكل الرب، هيكل الرب هو" (إر 7: 4).

  • "ويكون حين تقولون لماذا صنع الرب إلهنا بنا كل هذه. تقول لهم كما أنكم تركتموني وعبدتم آلهة غريبة في أرضكم، هكذا تعبدون الغرباء في أرض ليست لكم" (إر 5: 19).

يجب علينا أن نفهم المعني الحرفي، ويكفي الآن، كما تقول الآيات، تنشيط ذاكرة الذين يريدون أن يفهموا.

كان بنو إسرائيل يمتلكون الأرض المقدسة، والهيكل، وبيت الصلاة. وكان يجب عليهم أن يقدموا عبادتهم لله، لكنهم خالفوا الشريعة والوصية الإلهية، وعبدوا الأوثان، وكانوا يستقبلون عندهم الأوثان من دمشق كما هو مكتوب في سفر الملوك، وقبلوا أوثانًا أخرى في الأرض المقدسة. وبما أنهم كانوا يستقبلون الأوثان الأممية في أرضهم، استحقوا أن يُطرَحوا في بلاد الأوثان، وأن يهبطوا إلى حيث تُعبَد الأصنام.

لذلك قال الرب لهم: "كما أنكم تركتموني، وعبدتم آلهة غريبة في أرضكم، هكذا تعبدون الغرباء في أرض ليست لكم". أي أن كل إنسان يتخذ له إلهًا من أي شيء كان، فهو بذلك يعبد آلهة غريبة[73].

هل تُؤلّهِ المأكولات والمشروبات؟ فإن إلهك يكون بطنك (في 3: 19).

هل تحسب فضة هذا العالم وغناه خيرًا عظيمًا؟ إذًا المال هو إلهك، حيث قال عنه السيد المسيح إنه سيد الذين يحبون الفضة، حينما قال: "لا تقدرون أن تعبدوا الله والمال، لا يقدر أحد أن يخدم سيدين" (لو 16: 12) [74].

  • الله في تهديده، يهدد بحيث إذا رجعت الأمة وتابت لا ينفذ فيها تهديده، كما أنه في وعوده، يعد بحيث إذا فسدت الأمة وصارت غير مستحقة، تحرم من تلك الوعود. إن التدبير الإلهي الذي يختص بالبشر في هذا العالم، يدور أساسًا حول أمتين رئيسيتين. تأتي الأمة اليهودية أو الشعب الإسرائيلي في المقام الأول، ثم من بعد مجيء السيد المسيح تأتي أمتنا نحن في المقام الثاني. قام الرب بتهديد الأمة الأولى، وظهر آثار هذا التهديد: فقد تم سبيها، وخُرِّبت مدينتهم، وهُدم الهيكل، ودُنِس المذبح، ولم يبقَ عندهم شيئًا من المقدسات التي كانوا يملكونها، لأن الرب قال لهذه الأمة: ارجعي إليَّ، فلم ترجع. ثم يتحدث الرب إلى الأمة الثانية عن بنائها وغرسها، لكنه يرى أن تلك الأمة مكونة من أناس قابلين أيضًا للسقوط والفساد؛ لذلك يهددها ويقول لها: بالرغم من أنني تكلمت عليكِ في البداية بالبناء والغرس، إلا أنكِ إن أخطأتِ فسوف يحدث لك ما حدث مع غيرك حينما أخطأوا[75].

العلامة أوريجينوس.

من وحي 2 أي 7.

لتعلن سكناك في أعماقي.

  • إذ لم يستعرض سليمان أعماله أمام الغرباء،.

بل اجتمع بشعبه في هيكلك،.

بروح الحب والتواضع جثا وبسط يديه إليك،.

استجبت لصلاته بناركِ العجيبة.

لم تحرق النار أحدًا،.

بل التهمت الذبائح لتعلن قبولك ورضاك.

لتؤكد لهم أنك غافر الخطايا وقابل التقدمات.

  • ملأ مجدك البيت، فارتعب الكهنة أمامك.

وسجد الشعب في مخافة.

وانطلقت قلوبهم قبل ألسنتهم بروح الحمد والتهليل.

  • ليُعلن روحك القدوس حضوره في أعماقي.

وتُسمِّر خوفك فيّ.

في مهابةٍ التقي بك يا غافر الخطايا.

وبيقينٍ أثق أنك تنقذ نفسي من الفساد.

تملأ أعماقي بانعكاس بهائك في داخلي.

أعتز بحضورك، وتنحني أعماقي أمامك.

لا أعود أذكر خطاياي في يأسٍ.

ولا تضطرب نفسي بسبب ضعفي.

أثق أنك ترافقني في رحلة حياتي.

وأصعد كما بسلمٍ الصليب إلى فردوسك.

تسبحك نفسي، ولا تنسى مراحمك إلى الأبد.

  • أيّة ذبيحة أقدمها لك؟

سوى التصاقي بصليبك،.

وتمسّكي بدمك الثمين!

  • بالحق صالح أنت، وكلّي الصلاح.

عوض فساديـ تهبني طبيعة صالحة.

تحوّل كل أموري لبنيان نفسي.

تمسكني بيمينك، وتنطلق بي من مجدٍ إلى مجدٍ.

ترفعني فلا أخشى أحداث الزمن.

تحتضنّي، فلا يتسلل عدو الخير إليّ!

يا لحبك ورحمتك، يا أيها الفادي العجيب!

  • عوض تنهداتي الخفية ومرارة نفسي،.

تضمّني كما إلى الخورس السماوي.

تحوّل جسدي وعواطفي وأحاسيسي وكل طاقاتي،.

إلى قيثارة يعزف عليها روحك القدوس!

  • تتحول أيام غربتي إلى احتفالاتٍ دائمةٍ.

وأصير كمن في السماء.

لا يستطيع الضيق أن يحطم نفسي،.

ولا يكون للشهوات سلطان عليّ.

بك تتحول الأرض كما إلى السماء!

نعمتك تدخل بي كما إلى المقادس السماوية.

  • عوض الجفاف، يمطر عليّ روحك القدوس بالنعمة الإلهية.

وعوض الجوع، تشبع نفسي بك يا خبز الحياة.

تتجلّى وعودك الإلهية أمامي.

تصير وصاياك كالحليّ تُزيّن نفسي.

فرائضك تقطر عسلاً وشهدًا.

لن يحتل قلبي شيء ما،.

بل تجلس أنت فيه كعرشٍ لك!

  • لن يسبيني عدو إلى أرضه،.

مادمت تعلن مجدك في قلبي.

ولن يأسرني أحد، فأنت محرر نفسي!


[61] Paschal Letters, 3: 4.

[62] In Luc Ser 94.

[63] مقال 9: 1.

[64] Homily 32 on Ps 105 (106).

[65] On Ps. 118.

[66] On Ps. 136 (135).

[67] Fr. Valerian: Homilies 3.

[68] Commentary on Paul’s Epistles (Rom 15: 30).

[69] Letter,1.

[70] In 2 Cor. Hom. 121..

[71] Against the Palagians1.

[72] Commentary on John, Book 28: 19 – 22.

[73] بعد المعني الحرفي للآية، انتقل إلى المعنى الروحي.

[74] On Jeremiah, Homily 7: 3.

[75] On Jeremiah, Homily 18: 5.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

اَلأَصْحَاحُ الثَّامِنُ - سفر أخبار الأيام الثاني - القمص تادرس يعقوب ملطي

اَلأَصْحَاحُ السَّادِسُ - سفر أخبار الأيام الثاني - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفاسير أخبار الأيام الثاني الأصحاح 7
تفاسير أخبار الأيام الثاني الأصحاح 7