اَلأَصْحَاحُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ – سفر أخبار الأيام الأول – القمص تادرس يعقوب ملطي

هذا الفصل هو جزء من كتاب: 13- تفسير سفر أخبار الأيام الأول – القمص تادرس يعقوب ملطي.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

اَلأَصْحَاحُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ

شركة اللاويين في البناء.

رأينا أن ما يشغل الكاتب هو إبراز عمل داود في تدبير شئون بناء الهيكل قبل رحيله من العالم. وقد جاءت الأصحاحات 23 - 27 بتفاصيل عن أنشطة العاملين في بناء الهيكل والخدمة فيه. انتهى الأصحاح السابع والعشرون بتعيين داود للقيادات السياسية. إذ لم يكن يعزل داود الملك الأعمال السياسية والحربية عن الأعمال الدينية، خاصة الاهتمام ببناء الهيكل وتدبير العبادة فيه.

يؤمن داود الملك أن العمل يحتاج إلى كل أنواع الناس مع اختلاف دورهم ومواهبهم وقدراتهم، سواء كانوا من الكهنة أو اللاويين أو الموسيقيين أو البوَّابين أو الجند أو موظفي الدولة أو عامة الشعب. الله يدعو الكل للعمل. يليق بالكل أن يكونوا أمناء، يعملون بإخلاص في الموضع المناسب ويقومون بالعمل المُوكَّل إليهم. الخدمة محتاجة إلى الجميع، ولكل شخصٍ له أهميته، فالخلل في حياة أي مؤمن (عضو في الكنيسة) يُسَبِّب خللاً في حياة الكنيسة كلها (جسد المسيح). ما يمارسه الشخص مهما بدا تافهًا، يسكب جمالاً خاصًا على العمل الكنسي ككلٍ.

ما كان يشغل داود النبي وقد شاخ ليس بسبب كبر السن، بل بالأكثر بسبب الجهاد الذي لم يتوقَّف، والضيقات التي حلَّتْ به حتى من ابنه المحبوب لديه جدًا أبشالوم، أن يشترك الكل في البناء الروحي مع البناء المادي.

شاخ داود فبدأ يُسَلِّم ما في عهدته لمن يُكَمِّل رسالته. فقام بتعيين ابنه سليمان خلفًا له على العرش، دون أن يشير الكاتب إلى الصراع حول العرش الوارد في ملوك الأول. بعد ذلك قام بتعيين القادة السياسيين، وأخيرًا أشار إلى القادة الدينيين. وجاءت الأصحاحات 23 - 27 تشرح بالتفصيل عن أنشطة والتزامات هؤلاء القادة.

إحصاء حسب فكر الله.

عندما أمر داود بعمل إحصاء (1 أي 21) رأينا أن اللاويين لم يُحصوا، لأنهم كانوا مَعفيين من التجنيد الإلزامي، الآن تم إحصاؤهم، لا لتجنيدهم في الجيش، إنما لتوزيع خدمة العبادة الليتورجية. كان اللاويون خاضعين للكهنة ومساعدين لهم في الخدمة، غير أن عملهم لم يكن ثانويًا، بل أساسيًا في خدمة الشعب وتعليمهم.

لا ندهش إن كانت الكنيسة المسيحية منذ القرن الأول أقامت نظام الشمامسة الذي يُشبِه عمل اللاويين في العهد القديم[299].

اللاويون ودورهم في الهيكل.

كان داود يؤمن أنه لا نجاح للعمل ما لم يكن بترتيبٍ ونظامٍ (1 كو 14: 40). في هذا الأصحاح أسند الملك للاويين نوعيْن من العمل:

1. مساعدة الكهنة في إعداد التقدمات ونظافة الهيكل (23: 28 - 32).

2. الاهتمام بالهيكل: كانوا نُظَّارًا على إنشاءات الهيكل كما كانوا يعملون كموسيقيين ومُسَبِّحين وحُرَّاس (بوابين) أو أمناء المخازن أثناء القيام بالبناء، كان كل لاوي يعمل حسب تخصصه وموهبته. داود كموسيقار وواضع مزامير، اهتم بالمُرَتِّلين والموسيقيين، وتنمية مواهبهم مع وضوح الهدف، وهو تمجيد الله وتقديم الشكر له ليلاً ونهارًا.

1. مسح سليمان ملكًا 1.

2. جمع القيادات معًا 2.

3. الاهتمام باللاويين 3 - 11.

4. الاهتمام بالكهنة 4 - 32.

5. جوانب خدمة اللاويين 14 - 23.

6. واجبات اللاويين 24 - 32.

العدد 1

1. مسح سليمان ملكًا

وَلَمَّا شَاخَ دَاوُدُ وَشَبِعَ أَيَّامًا مَلَّكَ سُلَيْمَانَ ابْنَهُ عَلَى إِسْرَائِيلَ. [1].

إذ صار الموت بالنسبة لداود على الأبواب، مسح سليمان ملكًا ليضع حدًا لاغتصاب أدونيا العرش (1 مل 1، 2). لم يَذْكُرْ السفر شيئًا عن محاولة أدونيا ذلك. ورث سليمان المُلْكَ حسب التدبير الإلهي، ونصّبه داود ملكًا لكي يملك بعده وقد فعل ذلك:

عندما صار شيخًا وملآن أيامًا. كان عمره لم يتعدَّ السبعين عامًا عند وفاته ومع ذلك فقد كان شبعانًا أيامًا وقانعًا بحياته في هذا العالم. ولما شعر بقُرْبِ وفاته دبَّر لما فيه خير المملكة بعد رحيله، وسُرَّ بسعادة الاستقرار للكنيسة (جماعة المؤمنين) والدولة.

وهنا لم يسرد الكاتب تفاصيل تنصيب سليمان كما ذُكِرَت في سفر الملوك الأول وبدًلا من ذلك سرد بالتطويل الخدمات المُرَتَّبة للكهنة واللاويين، وتنظيم الجيش، وما يُسمَّى الآن "الخدمة المدنية".

العدد 2

2. جمع القيادات معًا

وَجَمَعَ كُلَّ رُؤَسَاءِ إِسْرَائِيلَ وَالْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ، [2].

تمَّ مسح سليمان ملكًا وسط برلمان ومجمع موقر من قادة وشعب إسرائيل، مما جعل محاولة أدونيا لاقتحام المُلْك من سليمان تتصف بمظهر أكثر وقاحة وعقوقًا وسخافة. ونلاحظ أن تثبيت وتأمين المُلْك من أجل الهيكل هو أعظم بَرَكة للشعب، وأعظم رضا للذين سيَرْحَلون من هذا العالم.

كما اهتم داود بجمع ما أمكن من مواد البناء والمال للبناء، وتحديد موقع بناء الهيكل، والتصميم المعماري للمبنى، اهتم أن يجمع الموارد البشرية والقيادات المدنية، للعمل معًا بروح الوحدة.

الأعداد 3-11

3. الاهتمام باللاويين

فَعُدَّ اللاَّوِيُّونَ مِنِ ابْنِ ثَلاَثِينَ سَنَةً فَمَا فَوْقُ،.

فَكَانَ عَدَدُهُمْ حَسَبَ رُؤُوسِهِمْ مِنَ الرِّجَالِ ثَمَانِيَةً وَثَلاَثِينَ أَلْفاً. [3].

قُرْب نهاية ملك داود قام بعمل إحصائية باللاويين من سن الثلاثين فما فوق، السن الذي يُمَكِّنهم أن يبدأوا الخدمة. لم يكن الإحصاء السابق مقبولاً لدى الله (1 أي 21)، لأنه كان من وراء الرغبة في معرفته لإمكانياته أو موارده البشرية بروح التشامخ والاتِّكال على القوة العسكرية فسبَّب دمارًا؛ أما الإحصاء هنا فاقتصر على اللاويين. قام داود بالإحصاء من أجل تنظيم الخدمة في هيكل الرب، لم يَقُم به بدافع الاعتداد بالذات أو بهدف الإعداد للحرب، كان للبناء لا للهدم.

كان الكهنة واللاويون يمارسون العمل في سن الثلاثين حسب الشريعة. غير أنهم كانوا يقومون ببعض الأعمال في سن الخامسة والعشرين كنوعٍ من التدريب والتهيئة لاستلامهم مسئولية الخدمات المنوطة إليهم. لكن يبدو أن العمل كان متزايدًا فسُمِحَ لهم بالعمل في العشرين من عمرهم (23: 24). لقد جاء سن العاملين في سفر العدد (عد 4: 3) ثلاثون عامًا، وفي (عد 8: 24) خمسة وعشرون عامًا، وفي (عز 3: 8) عشرون عامًا.

ويُعَلِّل البعض أن تغيير السن كان بسبب تغيير الظروف، منها الآتي:

1. ربما إذ لم يُوَكِّل عمل لشباب اللاويين إلاَّ بعد بلوغ سن الخامسة والعشرين، صار الكثيرون يعانون من البطالة أو أدمنوا الملذات، وهذا كان مشينًا لسمعتهم ومانعًا لنفع استخدامهم فيما بعد، فلتفادي ذلك بسماحٍ من الله احضروا للعمل، واخضعوا للتأديب عند سن العشرين، فهؤلاء الذين سيصبحون بارزين بين الشعب يجب أن يَتَعَلَّموا الاهتمام وتَحَمُّل الألم في صباهم.

2. كانت أعمال اللاويين في البرية تتطلب قوة بدنية مُعَيَّنة لحمل أشياء ثقيلة، إذ كانوا مُلتزِمين بحمل خيمة الاجتماع عند رحيلهم من موقع إلى آخر، كما كانوا يحملون المذبحيْن والمنارة وكل الأواني المقدسة. لذلك لم يدعهم الله يعملون إلى أن تكتمل قوتهم، فالله يُعطِي اعتبارًا لحالتنا الجسيمة، ففي الخدمة كما في الأتعاب لا يُحَمِّلنا فوق ما نستطيع.

أما تابوت العهد فكان يحمله الكهنة عن طريق عصي مُغَلَّفة بالذهب.

ببناء الهيكل في أورشليم لم تعد هناك حاجة إلى حمل كل هذا، إنما برزت احتياجات أخرى لخدمة الهيكل.

3. الآن وقد أراح الله شعبه، وجعل أورشليم مسكنه إلى الأبد، فليس هناك مجال لحمل خيمة الاجتماع وأوانيها وأصبحت الخدمة أسهل عما قبل، لذلك سوف لا تكون ذات عمل شاق أو أكثر من الطاقة إذا قاموا بها عند سن العشرين.

حسب القاعدة المتبعة في عهد موسى عُدَّ اللاويون من ابن ثلاثين سنة حتى الخمسين (عد 4: 2 - 3)، وكان عددهم أيام موسى 8580 (عد 4: 47 - 48)، ولكن الآن زاد عددهم أكثر من أربعة أضعاف، وفوق ذلك بالنسبة لبقية الأسباط، فأصبح الآن عدد المستخدمين من رجال سبط لاوي 38. 000 إلاًّ إذا افترضنا أن الذين فوق سن الخمسين عُدُّوا هنا أيضًا، الأمر الذي لم يحدث هناك.

في العهد الجديد لم يعد هناك شرط للسن، بل للنضوج الروحي والفكري مع التعقُّل والفهم والغيرة المُتَّقدة لخلاص النفوس، وبنيان ملكوت الله.

الأعداد 12-13

4. الاهتمام بالكهنة

مِنْ هَؤُلاَءِ لِلْمُنَاظَرَةِ عَلَى عَمَلِ بَيْتِ الرَّبِّ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفاً.

وَسِتَّةُ آلاَفٍ عُرَفَاءُ وَقُضَاةٌ. [4].

لقد وَزَّع اللاويين حسب اختصاصاتهم [4 - 5]. لكي يكونوا جميعًا عاملين، فإنه لم يكن هناك منظر أصعب من أن يكون هناك لاوي عاطًلا. وأيضًا لكي يتم كل جزء من العمل بدقة، وهذا تكريم عظيم لله أن يقوم بخدمة بيته عدد كبير بهذا المقدار. وكرامة الناس العظام تُقَدَّر بكثرة حاشيتهم، فلما كان الله هو الناظر على مسكن إسرائيل، ننظر كيف كان هذا المسكن عظيمًا، فالكل كان شبعانًا ومُتعلِّمًا.

كان هؤلاء العاملين لحساب ملكوت الله يُمَثِّلون خدام العرش السماوي وسحابة الملائكة غير المعدودين. فيا لسعادة إسرائيل بوجود عدد كبير مثل هذا من المُكَلَّفين بخدمة الله بينهم، فإذا ما تدهورت عبادة الله في إسرائيل لا يكون السبب هو قلّة القائمين بتعضيدها بل هو إهمال وغش الذين كان من الواجب أن يقوموا بها.

كان عدد اللاويين 38. 000، ينقسمون إلى أربع مجموعات رئيسية حسب العمل الموكل إليهم:

أ. 24. 000 وهم الأغلبية الساحقة، أيّ حوالي الثلثين، نُظَّار في الهيكل، يوجِّهون العمل في بيت الله ويقودونه، لهم وظائف القيادة والنظارة بين شعب الله. كان عليهم أن يقفوا بين يدي الكهنة في عمل الذبائح، من ذبح وسلخ وغسيل وتقطيع وحرق، لإعداد ذبيحة التقدمة ولرفع الرماد وتنظيف كل الأواني والطسوس وإعداد كل شيء في مكانه، لكي تتم الخدمة بدقة وفي وقتها المُعَيَّن، وكانوا مُقسَّمين إلى 24 فرقة، 1000 لكل أسبوع، وذُكِرَ أن هذا النظام ظلَّ متبعًا حوالي 400 عامًا إلى عهد يوشيا (2 أي 35: 4).

ب. 6000 عرفاء وقضاة، ليس لمهام الهيكل والمشاكل التي قد تحدث هناك، فهذه نفترض أن الكهنة كانوا ينظرون فيها. وإنما لمهام البلاد، فهؤلاء كانوا حكامًا مسئولين عن شرائع الله لحل المصاعب وتدبير المشاكل التي تنشأ. وكانوا موزعين على مناطق عديدة في المملكة لمعاونة قادة وشيوخ كل سبطٍ في إجراءات العدالة، وهم "الشيتوريم" المشار إليهم في (تث 16: 18؛ 1 أي 26: 29).

ج. 4000 لحفظ الأبواب والحراسة، حتى لا يدخل الهيكل شيء نجس لا يليق بهيكل الرب. كانوا بوَّابين لحفظ طرقات بيت الله، وفحص من يرغب الدخول، ومقاومة من يحاول الدخول بالقوة، فهم عُمَّال الإنقاذ للهيكل وربما كانوا مُسَلَّحين لهذا الغرض.

د. 4000 يُسَبِّحون الله ويقودون الشعب في عبادة مُفرِحة. كانوا مغنين وضاربي آلات مُعَيَّنين لهذه الخدمة، وهذه كانت خدمة جديدة، فداود اهتم بالموسيقى، ويمكننا أن نتصور 4000 شخص يحمدون الرب بالموسيقى. هذا التقسيم بوحي إلهي، وكانوا على اتصال بداود خلال أنبيائه (2 أي 29: 25).

وَأَرْبَعَةُ آلاَفٍ بَوَّابُونَ،.

وَأَرْبَعَةُ آلاَفٍ مُسَبِّحُونَ لِلرَّبِّ بِالآلاَتِ الَّتِي عُمِلَتْ لِلتَّسْبِيحِ. [5].

كان عمل البوَّابين هو حراسة خيمة الاجتماع وحراسة القدس، حتى لا يقترب منها إلا المسموح لهم، وحتى هؤلاء لا يقتربون أقرب مما هو مسموح لهم به [32]. كما كانوا يحرسون بني هرون ليكونوا رهن إشارتهم ويقوموا بمهامهم، وقد دعوا إخوتهم ليتذكَّر الكهنة أنه بالرغم من تَقَدُّمهم في الدرجة إلاَّ أنهم نقروا من نفس الصخرة مع اللاويين العاديين، ولذلك لا يجب أن يتعالوا عليهم، بل يعاملونهم دائمًا كإخوتهم.

كان خورُس الموسيقيين المُسَبِّحين للرب أربعة آلاف من اللاويين. في العهد القديم كان التركيز على الأدوات الموسيقية لمساندة الشعب، الآن صار البشر بأجسادهم ونفوسهم وعواطفهم المقدسة وأحاسيسهم وأفكارهم هم أشبه بقيثارات سماوية تُقَدِّم سيمفونية حُبّ مرضية ومقبولة لدى الآب في المسيح يسوع ربنا.

وَقَسَمَهُمْ دَاوُدُ فِرَقاً لِبَنِي لاَوِي لِجَرْشُونَ وَقَهَاتَ وَمَرَارِي. [6].

قُدِّمَتْ أنساب للاويين مرة أخرى:

أ. الجرشونيون 7 - 11.

ب. القهاتيون 12 - 20 (يضمون موسى وهرون).

ج. بنو مراري 21 - 23.

أُسنِدَتْ أعمال كهنوتية مُعَيَّنة لهرون وبنيه [13]: تقديم البخور، الخدمة في القدس. أما خدمة قدس الأقداس وتقديم البركة باسم يهوه (عد 6: 23 - 27) فخاصة برئيس الكهنة وحده.

مِنَ الْجَرْشُونِيِّينَ لَعْدَانُ وَشَمْعِي. [7].

بَنُو لَعْدَانَ: الرَّأْسُ يَحِيئِيلُ ثُمَّ زِيثَامُ وَيُوئِيلُ، ثَلاَثَةٌ. [8].

بَنُو شَمْعِي: شَلُومِيثُ وَحَزِيئِيلُ وَهَارَانُ، ثَلاَثَةٌ.

هَؤُلاَءِ رُؤُوسُ آبَاءٍ لِلَعْدَانَ. [9].

وَبَنُو شَمْعِي: يَحَثُ وَزِينَا وَيَعُوشُ وَبَرِيعَةُ.

هَؤُلاَءِ بَنُو شَمْعِي أَرْبَعَةٌ. [10].

وَكَانَ يَحَثُ الرَّأْسَ وَزِيزَةُ الثَّانِيَ.

أَمَّا يَعُوشُ وَبَرِيعَةُ فَلَمْ يُكَثِّرَا الأَوْلاَدَ،.

فَكَانُوا فِي الإِحْصَاءِ لِبَيْتِ أَبٍ وَاحِدٍ. [11].

هذا وقد انتشر اللاويون وتوزَّعوا بين عائلاتهم وأقاربهم، لكي ما يحسن استخدامهم جميعًا، ولكي ما يسهل معرفة من يُهمِلُ في أداء واجبه. فعندما يعمل أفراد العائلة معًا، يساعد هذا على محبتهم بعضهم لبعض، والعمل معًا بروح واحدة؛ لذلك أرسل ربنا يسوع تلاميذه اثنين اثنين وجمع بعض الإخوة معًا، وهنا اجتمعت أسرتان معًا [11] لأنهما لم يُكثرا الأولاد، فهؤلاء الضعفاء والمنفردين اجتمعوا معًا ليكون لهم اعتبارًا أكثر.

بَنُو قَهَاتَ: عَمْرَامُ وَيِصْهَارُ وَحَبْرُونُ وَعُزِّيئِيلُ، أَرْبَعَةٌ. [12].

اِبْنَا عَمْرَامَ هَارُونُ وَمُوسَى،.

وَأُفْرِزَ هَارُونُ لِتَقْدِيسِهِ قُدْسَ أَقْدَاسٍ هُوَ وَبَنُوهُ إِلَى الأَبَدِ،.

لِيُوقِدَ أَمَامَ الرَّبِّ وَيَخْدِمَهُ وَيُبَارِكَ بِاسْمِهِ إِلَى الأَبَدِ. [13].

مما يجدر ذكره في عدِّ عائلات اللاويين أن نسل موسى، هذا الرجل العظيم، أُحصِي على نفس المستوى مع اللاويين، العاديين ولم يُعطَ أيّ امتياز أو تعظيم خاص لهم، بينما نسل هارون أُفرِزَ لخدمة الكهنوت "لتقديس قدس الأقداس" [13]. وقد ذُكِرَ حقًا عن حفيد موسى (رجديا) أن أبناءه كانوا كثيرين جدًا [17]، فعندما قال الرب لموسى: اتركني ليحمى غضبي وأفني بني إسرائيل وأُقِيم من نسلك أمة عظيمة (خر 32: 10؛ تث 9: 14)، أَبَى وتشفَّع من أجلهم، فلذلك كافأه الله بزيادة نسله فعوَّض ما نقصه شكليًا بزيادة العدد في سبط لاوي.

عمل الكهنة هو تقديس قدس أقداس، وإيقاد بخور أمام الرب، وخدمته، وأن يباركوا اسمه إلى الأبد، إذ لم يكن للاويين حق التدخُّل في هذا العمل، وإنما كان لهم أعمال كافية، وأعمال حسنة مُعَيَّنة لهم [4 - 5].

رفع الله أسرة هارون على بقية الشعب جزاء نكرانه ذاته، فبينما جُعِلَ موسى (وهو أخوه الأصغر) إلهًا لفرعون وهو (أيّ هارون) مُجَرَّد نبي ومتحدث ليلاحظ أخاه ويعمل ما أُمِرَ به، لم يُعارِض هارون في أيّ شيء، فإنه لم يُصر على حق البكورية، بل قبل بسرورٍ ما كَلَّفه الله به، فقد خضع لموسى وأحيانًا كان يدعوه سيده. فإذ أخضع نفسه للأصغر منه حسب إرادة الله، رفع الله شأن أسرته فوق أسرة موسى، فالذين يرضون بالتنازل إلى مستوى أدنى من مَرتبتهم، لهم أكثر فرصة للارتفاع، فمَنْ تواضع ارتفع.

الأعداد 14-23

5. جوانب خدمة اللاويين

وَأَمَّا مُوسَى رَجُلُ الله،.

فَدُعِيَ بَنُوهُ مَعَ سِبْطِ لاَوِي. [14].

يُدعَى موسى رجل الله، وهو لقب رائع، يكشف عن إنسان يَتَمَتَّع على الدوام بالحضرة الإلهية، ويحتل الله مركز الصدارة في حياته وسلوكياته وأفكاره!

كل ما نُسِبَ لموسى هنا أنه "رجل الله" أو "إنسان الله". فالعمل لحساب ملكوت الله في كل الأجيال في حاجة إلى "أناس الله"، حياتهم تعكس حضور الله وبهاءه وقدراته الإلهية.

مع ما لموسى النبي من دور قيادي فريد، وأيضًا لأخيه هرون أول رئيس كهنة للشعب، لم يُقَدِّم لهما سفرا الأخبار فصلاً مستقلاً كمن لهما مكان مرموق متفوِّق عن بقية السبط، إنما يُذكرَان وسط الحديث عن اللاويين والكهنة، لأن دورهما غير منفصل عن بقية الخدام.

مساواة عائلة موسى مع البقية، إنما هو دليل على إنكار الذات، فقد كان موسى ذا حظوة لدى الله والناس، وكان في إمكانه بسهولة رفع شأن أسرته وتعظيمها وغناها، ولكنه لم يبحث عن ذاته، بدليل أنه لم يترك لأسرته أيّ أثر من الرفعة والامتياز علامة على أنه كان فيه روح الله وليس روح العالم.

أعطى داود التعليمات الخاصة ببناء الهيكل في الأصحاح السابق، وهنا في الأصحاحات اللاحقة يُثَبِّت خدمة الهيكل ويُنَظِّم خدماته وخدامه، ففي الأيام السابقة لداود وأثناء فترات الحرب خلال حكمه نفترض أن خدمات اللاويين كانت موجودة ولكنها لم تكن بالدقة والجمال المرغوب فيها، والآن داود كنبي وملك بتوجيه وتفويض من العناية الإلهية "وضع نظامًا للأمور الناقصة" (1 كو 11: 34).

اِبْنَا مُوسَى جَرْشُومُ وَأَلِيعَزَرُ. [15].

بَنُو جَرْشُومَ شَبُوئِيلُ الرَّأْسُ. [16].

وَكَانَ ابْنُ أَلِيعَزَرَ رَحَبْيَا الرَّأْسَ وَلَمْ يَكُنْ لأَلِيعَزَرَ بَنُونَ آخَرُونَ.

وَأَمَّا بَنُو رَحَبْيَا فَكَانُوا كَثِيرِينَ جِدّاً. [17].

بَنُو يِصْهَارَ شَلُومِيثُ الرَّأْسُ. [18].

بَنُو حَبْرُونَ:

يَرِيَّا الرَّأْسُ وَأَمَرْيَا الثَّانِي وَيَحْزِيئِيلُ الثَّالِثُ وَيَقْمَعَامُ الرَّابِعُ. [19].

اِبْنَا عُزِّيئِيلَ مِيخَا الرَّأْسُ وَيَشِّيَّا الثَّانِي. [20].

اِبْنَا مَرَارِي مَحْلِي وَمُوشِي.

ابْنَا مَحْلِي أَلِعَازَارُ وَقَيْسُ. [21].

وَمَاتَ أَلِعَازَارُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَنُونَ بَلْ بَنَاتٌ،.

فَأَخَذَهُنَّ بَنُو قَيْسَ إِخْوَتُهُنَّ. [22].

قيل عن بنات ألعازار إنهن تزوجن إخوتهن، واضح أنهن تزوجن أبناء عمّهن أو خالهن الخ cousins. فقد أُستخدِم تعبير الأخ أو الأخت عن ابن أو ابنة العم أو العمة أو الخال أو الخالة. في العهد الجديد قيل عن أبناء خالة السيد المسيح إخوته، كما جاء في التقليد المسيحي بما فيه حركة الإصلاح البروتستانت في القرن السادس عشر، إذ يتطلّعون إلى جسد القدِّيسة مريم أنه تقدَّس بابن الله المتجسد منها في أحشائها، فبقيت عذراء كل أيام حياتها[300].

بَنُو مُوشِي مَحْلِي وَعَادِرُ وَيَرِيمُوثُ، ثَلاَثَةٌ. [23].

الأعداد 24-32

6. واجبات اللاويين

هَؤُلاَءِ بَنُو لاَوِي حَسَبَ بُيُوتِ آبَائِهِمْ رُؤُوسُ الآبَاءِ،.

حَسَبَ إِحْصَائِهِمْ فِي عَدَدِ الأَسْمَاءِ،.

حَسَبَ رُؤُوسِهِمْ عَامِلُو الْعَمَلِ لِخِدْمَةِ بَيْتِ الرَّبِّ،.

مِنِ ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا فَوْقُ. [24].

لأَنَّ دَاوُدَ قَالَ: "قَدْ أَرَاحَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ شَعْبَهُ،.

فَسَكَنَ فِي أُورُشَلِيمَ إِلَى الأَبَدِ. [25].

وَلَيْسَ لِلاَّوِيِّينَ بَعْدُ أَنْ يَحْمِلُوا الْمَسْكَنَ وَكُلَّ آنِيَتِهِ لِخِدْمَتِهِ ". [26].

لم يعد يحمل اللاويون خيمة الاجتماع وأثاثاتها كما أمر موسى، حيث صار الهيكل هو بيت الرب الدائم.

لأَنَّهُ حَسَبَ كَلاَمِ دَاوُدَ الأَخِيرِ عُدَّ بَنُو لاَوِي،.

مِنِ ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا فَوْقُ. [27].

داود في كلماته الأخيرة جعل خدمة اللاويين من سن العشرين فما فوق، حيث صارت خدمة الهيكل تحتاج إلى عَمَالَة أكثر.

لأَنَّهُمْ كَانُوا يَقِفُونَ بَيْنَ يَدَيْ بَنِي هَارُونَ عَلَى خِدْمَةِ بَيْتِ الرَّبِّ،.

فِي الدُّورِ وَالْمَخَادِعِ وَعَلَى تَطْهِيرِ كُلِّ قُدْسٍ وَعَمَلِ خِدْمَةِ بَيْتِ الله [28].

هؤلاء الذين منهم للمناظرة على عمل بيت الرب [4]، كان عليهم أن يقفوا بين يدي بني هرون [28]، فكان عليهم العمل الشاق، إذا أمكن تسمية أيّ عمل لله شاقًًا في بيت الرب: حفظ البيت وطرقاته وحجراته نظيفة، وضع الأشياء في أماكنها لتكون جاهزة لاستخدامها في الوقت المُعَيَّن، وعليهم إعداد خبز الوجوه ليُقَدِّمه الكهنة على المائدة، ليأتوا بالدقيق والكعك لتقدمة الذبيحة ولكي ما يكون كل شيءٍ مُعَدًا تحت يد الكهنة.

يمكن وضع الخطوط الرئيسية بخصوص مسئولية اللاويين [28 - 32] هكذا:

أ. الاهتمام بالدور والمخادع [28].

ب. تطهير كل الأشياء المقدسة [28].

ج. خدمة بيت الرب [28].

د. ترتيب خبز الوجوه [29].

هـ. تجهيز الدقيق للتقدمة ورقاق الفطير [29].

و. كل المقاييس المكاييل [29].

ز. التسبيح اليومي صباحًا ومساءً [30].

ح. الخدمة المُرتبِطة بالمناسبات كالسبوت والأهلَّة والأعياد حسب ما ورد في الشريعة.

ط. عمل الحراسة.

وَعَلَى خُبْزِ الْوُجُوهِ وَدَقِيقِ التَّقْدِمَةِ وَرِقَاقِ الْفَطِيرِ،.

وَمَا يُعْمَلُ عَلَى الصَّاجِ وَالْمَرْبُوكَاتِ وَعَلَى كُلِّ كَيْلٍ وَقِيَاسٍ [29].

وَلأَجْلِ الْوُقُوفِ كُلَّ صَبَاحٍ لِحَمْدِ الرَّبِّ وَتَسْبِيحِهِ،.

وَكَذَلِكَ فِي الْمَسَاءِ، [30].

كانت توجد ليتورجية يومية خدمة صباحية وخدمة مسائية، كانت هاتان الخدمتان أساسيتين في المجمع اليهودي، وانتقلتا إلى الكنيسة المسيحية بما يناسب خدمة العهد الجديد. في الكنيسة القبطية تدعيان رفع بخور عشية ورفع بخور باكر.

وَلِكُلِّ إِصْعَادِ مُحْرَقَاتٍ لِلرَّبِّ فِي السُّبُوتِ وَالأَهِلَّةِ وَالْمَوَاسِمِ بِالْعَدَدِ،.

حَسَبَ الْمَرْسُومِ عَلَيْهِمْ دَائِمًا أَمَامَ الرَّبِّ، [31].

كان عمل المُغنِّين هو لحمد وتسبيح الرب عند تقدمة الصباح وكذلك المساء، وكذلك التقدمات الأخرى في السبوت والأهلة الخ. فموسى عَيَّن أن يضربوا بالأبواق عند تقدمة مُحرَقاتهم والذبائح الأخرى وفي أيام فرحهم (عد 10: 10)، فصوت البوق كان صعبًا، لذلك عَيَّن داود مزامير للتسبيح أثناء هذه المناسبات، فعندما نمت الكنيسة اليهودية من طفولتها أصبحت أكثر تَعَقُّلاً في عبادتها إلى أن وصلت إلى حق الإنجيل فأبطلت ما للطفل (1 كو 13: 11؛ غل 4: 3، 9).

وَلِيَحْرُسُوا حِرَاسَةَ خَيْمَةِ الاِجْتِمَاعِ،.

وَحِرَاسَةَ الْقُدْسِ وَحِرَاسَةَ بَنِي هَرُونَ،.

إِخْوَتِهِمْ فِي خِدْمَةِ بَيْتِ الرَّبِّ. [32].

من وحي 1 أي 23.

هَبْ لنا شركة العمل لحساب ملكوتك!

  • إلهي، من يستحق أن يعمل لحساب ملكوتك؟!

هَبْ لنا حكمة داود في إعداده لبناء بيتك.

ما شغله ليس أن يجمع ذهبًا وفضة فحسب،.

بل أن يدفع ابنه والرؤساء والكهنة واللاويين للعمل معًا.

لا تسمح أن يوجد بيننا إنسان خامل أو مُهمِل!

هَبْ لنا أن نقف مع البوَّابين عند مداخل بيتك!

هَبْ لقلوبنا أن تُسَبِّحك مع الموسيقيين.

أَحبَّ شعبه أكثر من نفسه وأولاده وكل عائلته.

اشتهى أن تغفر لشعبك عن عصيانه، حتى لا يفنى شعبه.

طلب منك أن تغفر لهم، وإلا تمحو اسمه من كتابك.

طلب منك يا ملك الملوك، أن تتقدَّم الكل في المسيرة بالبرية،.

وإلا توقَّف ولم يتحرَّك. لم يُعطِ كرامة لأبنائه ولا لأسرته.

هل لي هذا القلب المتَّسِع حُبًّا لكل البشرية.

  • هَبْ لي يا ملك الملوك تواضع هارون.

لم يضطرب حين قلت عن أخيه الأصغر يكون له إلهًا.

لم يحسب ذلك فقدانًا لبكوريته، ولا إهانة لكبر سنه.

بتواضعه جعلت نسله كهنة ورؤساء كهنة.

لك المجد يا من تعمل بالكبير والصغير لحساب ملكوتك.


[299] Clement of: Epistle to 40: 5.

[300] Cf. P. H. Reardon: History and Worship, Orthodox Christian Reflections on the Books of Chronicles, p. 80.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

اَلأَصْحَاحُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ - سفر أخبار الأيام الأول - القمص تادرس يعقوب ملطي

الأَصْحَاحُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ - سفر أخبار الأيام الأول - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفاسير أخبار الأيام الأول الأصحاح 23
تفاسير أخبار الأيام الأول الأصحاح 23