الإصحاح الأول – سفر هوشع – القمص تادرس يعقوب ملطي

هذا الفصل هو جزء من كتاب: 33- تفسير سفر هوشع – القمص تادرس يعقوب ملطي.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

مقدمة في سفر هوشع

مقدمة.

الأنبياء الصغار.

جاءت هذه التسمية "الأنبياء الصغار" في الترجمة السبعينية والفولجاتا، لكنها لم تُذكر في النسخة العبرية. لم تقم هذه التسمية بسبب صغر شأن هؤلاء الأنبياء بين بقية أنبياء العهد القديم، وإنما لمجرد قصر نبواتهم المكتوبة.

اهتم اليهود بهذه الأسفار فوضعوها معًا في سفر واحد بكونها تخدم هدفًا متكاملاً، إذ تغطي الفترة الحالكة الظلام التي عاشتها مملكتا إسرائيل ويهوذا، سواء قبل سبي إسرائيل بيد أشور أو سبي يهوذا بيد بابل، وأثناء السبي وبعده أيضًا. وقد سبق لنا توزيع هؤلاء الأنبياء على هذه الفترة الطويلة.

هوشع.

"هوشع" كلمة عبرية تعني "يهوه يخلص"، منها جاءت كلمة "يشوع" أو "يسوع". وهو من أنبياء ما قبل السبي، وقد شاهد سبي إسرائيل أو سقوط السامرة عام 722 ق. م بواسطة أشور، وقد عاصر إشعياء النبي (راجع هو 1: 1، إش 1: 1) وميخا النبي في يهوذا، كما عاصر عاموس في إسرائيل.

لعل ذكره "إفرايم" لا بمعنى سبط إفرايم وحده، وإنما مملكة إسرائيل الشمالية كلها، 36 مرة، يوحي إلينا أنه كان من مواطني جبل إفرايم.

يعتبر هوشع نبيًا لإسرائيل، وإن كانت نبواته قد شملت أحيانًا يهوذا، قيل أنه في أواخر أيامه ذهب إلى يهوذا وتنبأ هناك.

ظروف النبوة.

1. يوحي لنا هذا السفر حالة الانحلال الخلقي والديني التي جاءت بعد حكم يربعام الثاني، ففي طّي نبواته صدى واضح لحوادث الفوضى وجرائم القتل وعبادة الأوثان والزنا والكبرياء، كما تحوي النبوة أيضًا وصفًا لحالة الركود الروحي التي اتسم بها الشعب في كل فئاته من قيادات دينية أو مدنية أو رعية حتى نسوا الرب (هو 13: 6)، الأمر الذي جعله يتحدث عن إسرائيل بكونها أرضا، قائلاً: "لأن الأرض قد زنت" (1: 2)، "لا معرفة الله في الأرض" (4: 1)، "لذلك تنوح الأرض" (4: 3)... لقد صارت إسرائيل أرضًا وترابًا بسبب فسادها. وقد ركز كثيرًا على حرمانها من معرفة الله، مكررًا ذلك في أكثر من موضع (4: 1، 6؛ 5: 4؛ 6: 3، 6) مع أنه خطبها لنفسه بالأمانة لتعرف الرب (2: 20).

2. كان هوشع النبي معاصرًا لستة ملوك في إسرائيل، وقد ظل العرش الملكي شاغرًا قرابة إحدى عشر عامًا، لذا قال: "إنهم الآن يقولون لا ملك لنا لأننا لا نخاف الرب" (10: 3).

ولعله بسبب هذه الظروف وعدم الاستقرار، ولأن الهجوم الأشوري كان وشيك الحدوث جاءت النبوة بكلمات شديدة الوطأة، مختصرة على قدر الإمكان.

سماته.

1. لعل أهم ما اتسم به هذا السفر هو الكشف عن علاقة الله بشعبه، فإنه كان قد شبه إسرائيل بالزوجة الزانية لكنه يكشف عن شوق الله من نحو البشريّة بكونها عروسه التي يطلب الاتحاد معها لتعيش معه في سمواته بيت الزوجية الفريد، وتقدم له أولادًا مقدسين في الحق. إنها العروس الواحدة! وكل المؤمنين إنما أعضاء في هذه العروس الواحدة، يتحدث معهم لا كأفراد مجتمعين معًا بل كأعضاء لجسد واحد!

حقًا أن علاقة الله بالبشريّة تقوم على أساس العلاقة الشخصية التي تربط الله بالإنسان داخليًا، لذا يوصينا: "أما أنت فمتى صليت فأدخل إلى مخدعك واغلق بابك وصلِ إلى أبيك الذي في الخفاء..." (مت 6: 6)، لكن هذه العلاقة الشخصية أساسها ليس الفردية المنعزلة، إنما يلتقي بنا الله على أساس أننا أعضاء في عروسه المقدسة، لهذا إذ قدّم لنا الصلاة الربانية كنموذج حيّ للصلاة المقبولة لا نجد فيها طلبة واحدة فردية، إنما يصلي كل عضو باسم الجماعة كلها ولحسابها فيقول: "أبانا الذي في السموات" وليس "أبي"، "خبزنا كفافنا" وليس "خبزي"، "اغفر لنا ذنوبنا" وليس "اغفر لي ذنبي"... وكأن السيد يقدم لنا خلال الصلاة فكرًا روحيًا جماعيًا وتحطيمًا لكل ميل انعزالي.

هذا ما يؤكده سفر هوشع، بل ونلمسه في الكتاب المقدس كله خاصة أسفار الأنبياء، فهنا يتحدث النبي عن إسرائيل كجماعة واحدة تلتزم معًا بالحياة المقدسة الجماعية في الرب. وقد حسب الميل إلى العزلة والأنانية هي خطيتهم الكبرى، إذ يقول: "لأنهم صعدوا إلى أشور مثل حمار وحشي معتزل بنفسه" (هو 8: 9).

2. إن كان هذا السفر يقدم شعب الله كعروس له، فقد أصيبت بمرض (5: 13)، لذا يتقدم عريسها كطبيبها الحقيقي الذي وحده يشفيها (14: 4)، وإذ هو يعدها بذلك كان لزامًا أن يفضح أمام عينيها مرضها من كل جوانبه لتدرك خطورة حالتها فتقبل من يديه مشرطه الذي يجرح ليشفي ويؤلم ليهب تعزية.

يمكننا في إيجاز أن نضع الخطوط العريضة لمرض الشعب كما أعلنه سفر هوشع في النقاط التالية:

أولاً: عدم معرفة: "قد هلك شعبي من عدم المعرفة" (4: 6). فقد أفسدت الخطية بصيرة الشعب والرعاة معًا، فصار الكل كعميان غير قادرين على رؤية الله والتعرف على أسراره. أن كان هذا السفر في جوهره هو دعوة للتوبة والرجوع إلى الله لننعم بالحياة معه خلال قيامتنا من موت الخطية (6: 2)، إنما لكي نتعرف عليه (6: 3). نعرفه معرفة العروس المقامة من الأموات لتحيا في حضن عريسها واهب القيامة. لهذا لا نعجب أن سمعناه يؤكد لعروسه المريضة بعدم المعرفة: "إني أريد... معرفة الله أكثر من محرقات" (6: 6).

ثانيًا: ارتباطها بالأرض: عدم معرفتها بعريسها السماوي سحبها إلى رجل آخر هو "البعل"، خلاله انحنت بكل طاقاتها نحو شهوات الجسد ومحبة الأرضيات فصارت هي نفسها أرضا. لذا يدعوها بالأرض عوض "إسرائيل"، كأن يقول: "لأن الأرض قد زنت تاركة الرب" (1: 2). تركت السماوي لتحبس نفسها في الأرضيات، وعوض القلب السماوي صارت أرضا، الأمر الذي يحتاج إلى الطبيب السماوي وحده ليردها عن هذه الطبيعة الفاسدة، إذ يقول لها: "أنا أشفي ارتدادهم" (4: 14).

ثالثًا: فقدانها الشبع: بانحنائها نحو الأرض ظنت أنها تنعم باللذات الزمنية، ولم تدرك أنها تفقد كل لذة وشبع لتصير في مرارة وجوع وعطش. لقد شخَّص الرب مرضها هكذا: "يأكلون ولا يشبعون، ويزنون ولا يكثرون، لأنهم قد تركوا عبادة الرب" (4: 10)، "إنهم يزرعون الريح ويحصدون الزوبعة" (8: 7)، "أصلهم قد جف، لا يصنعون ثمرًا" (9: 16).

عوض الثمر المفرح للقلب "يطلع الشوك والحسك على مذابحهم" (8، 10)، وعوض اللذة يذوقون المرّ إذ "بنيت القضاء عليهم كالعلقم" (10: 4)، أما العريس الحقيقي، الله، فثمرته حلوة (نش 2: 3)، وكلماته حلوة (مز 119: 103)، ونوره حلو (جا 11: 7)، حتى نيره حلو للنفس (مت 11: 30).

رابعًا: عدم التمييز: أن شهوة قلب العريس السماوي أن يرى عروسه على مثاله تحمل روحه القدوس، روح الحكمة والتمييز، لكنها إذ رفضته وانحنت للتراب تغرف منه ولا تشبع صارت "كبقرة جامحة" (4: 16)، "كحمامة رعناء" (7: 11).

يتحدث عن رؤساء يهوذا قائلاً أنهم صاروا "كناقلي التخوم" (5: 10)، أيّ نزعوا العلامات الفاصلة بين تخوم مملكة الله ومملكة إبليس، بين عبادة الله الحيّ وعبادة البعل، بين الخير والشر... فقدوا روح التمييز الذي أوصى به "التمييز بين المقدس والمحلل، وبين النجس والطاهر" (لا 10: 10)، "بين الحيوانات التي تؤكل والحيوانات التي لا تؤكل" (لا 11: 47).

خامسًا: اللامبالاة: كل ضعف يسحب العروس إلى ضعف آخر، وكل خطية تلقي بها في أحضان خطية أخرى، فروح عدم التمييز يفقد الإنسان جديته في الحياة وتطلعه إلى أبديته ليسلك بلا مبالاة. يسمع صوت الله الذي يدعوه ولا يستجيب (7: 1 - 2).

سادسًا: الكبرياء: "قد أذلت عظمة إسرائيل في وجهه" (5: 5). عوض الخضوع لله بالطاعة وقبول مشورته لشفائها اختارت مصيرها بفكرها الذاتي، فالتجأت إلى آخرين غير عريسها الشافي. "رأى إفرايم مرضه ويهوذا جرحه فمضى إفرايم إلى أشور، وأرسل إلى ملك عدو (عظيم)، ولكنه لا يستطيع أن يشفيك ولا أن يزيل منك الجرح" (5: 13)، لقد رفضوا الاتضاع أمام الله في كل تدابيرهم. "هم أقاموا ملوكًا وليس مني، أقاموا رؤساء وأنا لما أعرف" (8: 4).

سابعًا: بقدر ما أعلن الله حبه لعروسه فقبلها وهي زانية ليقدسها من جديد، وحتى عندما غضب عليها بسبب شرورها المتزايدة يقول: "انقلب عليّ قلبي، اضطرمت مراحمي جميعًا" (11: 8). أما هي فقابلت غيرته المتقدة بجفاف شديد. أن صرخوا إليه في الضيقة يقول: "لا يصرخون إليّ بقلوبهم حينما يولولون على مضاجعهم، يتجمعون لأجل القمح والخمر ويرتدون عليّ" (7: 14). كأنهم يطلبون عطاياه لا الاتحاد معه، يريدون أن ينقذهم ولا يعطونه قلبهم!

هذه بعض ملامح المرض التي كشفها الطبيب الحقيقي لمريضته المحبوبة لديه، لا ليفضحها ولا ليبرر تأديباته لها، وإنما ما هو أعظم ليردها إليه بالحب!

3. إذ يرى النبي الشعب وقد انجرف إلى عبادة البعل وانغمس في طقوسها التي حَوَت شرب الخمر وأكل الكعك المصنوع من أقراص الزبيب والتين المضغوط، تطلع إلى الشعب نفسه ليراه عوض أن يكون الكرمة المقدسة أو شجرة التين المباركة صارت زبيبًا وتينًا يؤكل لحساب الشياطين. هذا هو ما يحزن قلب الله، أن ما كان ينبغي أن يكون مقدسًا له صار نجسًا يُستخدم في الشر. وما كان يليق أن يكون مفرحًا لله قد صار مبهجًا لعدو الخير. يقول الرب: "وجدت إسرائيل كعنب في البرية، رأيت آباءكم كباكورة على تينة في أولها، أما هم فجاءوا إلى بعل فاغور، ونذروا أنفسهم للخزي، وصاروا رجسًا كما أحبوا" (9: 10). يرى الله في كنيسته - إسرائيل الجديد - وكأنها كرم عنب وسط البرية القاحلة فيفرح بها، أو شجرة تين بكر وسط أشجار العالم غير المثمرة، فيبتهج بها، قائلاً: "التينة أخرجت فجَّها، وقعال الكروم تفيح رائحتها" (نش 2: 13). إنها تينته وكرمه! لكنها للأسف أحيانًا تقدم نفسها طعامًا لعدوه "بعل فغور"، أيّ "سيد أو رب الفجور". عوض أن تتقدم لغارسها الحقيقي الذي رواها بدمه الثمين وأنعشها بروحه القدوس كبكر عن البشريّة كلها تُسلم نفسها للفجور، فتصير عنبًا رجسًا وتينة فاسدة! هذا هو سر قوله: "أخرب كرمها وتينها اللذين قالت هما أجرتي التي أعطانيها محبيَّ وأجعلهما وعرًا فيأكلهما حيوان البرية" (2: 12).

4. ارتكزت خطية إسرائيل في ذلك الحين بالأكثر على عبادة البعل وما شملته من ممارسة للسحر والزنا وكل أنواع الرجاسات، كما اعتمدت على الذراع البشري، فدخلت في صراع مستمر بين التحالف مع فرعون مصر أو ملك أشور ليسندها الواحد ضد الآخر. عاصر هوشع النبي تحالف إسرائيل مع أشور ضد فرعون مصر، كما أدرك الاتجاه الذي ساد في وقت آخر نحو الارتماء في أحضان فرعون ضد ملك أشور. بهذا لم تلتجئ إسرائيل إلى الله بالتوبة والرجوع إليه خلال الحياة المقدسة، بل اتكأت على الذراع البشري، فصارت كأمة بلا ملك، إذ رفضت مشورة ملكها الحقيقي، أو كمن اختارت لنفسها ملوكًا حسب أهوائها، لا يسلكون بروح الله. يقول: "إنهم الآن يقولون لا ملك لنا لأننا لا نخاف الرب، فالملك ماذا يصنع بنا؟!" (10: 3)، وأيضًا: "قد كره إسرائيل الصلاح فيتبعه العدو، هم أقاموا ملوكًا وليس مني، أقاموا رؤساء وأنا لم أعرف" (8: 3 4,).

5. إذ كان إسرائيل يلجأ أحيانًا إلى فرعون مصر ليسنده ضد ملك أشور عوض الاتكال على الله، وبخه الله مذكرًا إياه كيف خلصه من عبودية فرعون حين كان غلامًا، وأخرجه إلى البرية لكي يرعاه بنفسه، ويدخل به إلى أرض الموعد، ويقيم له مدنًا حصينة، فكيف يرتد إلى فرعون مصر ليحميه؟!

يعاتبهم الرب قائلاً: "لما كان إسرائيل غلامًا أحببته، ومن مصر دعوت ابني" (11: 1)؛

"الآن يذكر إثمهم ويعاقب خطيتهم، إنهم إلى مصر يرجعون، وقد نسى إسرائيل صانعه وبنى قصورًا وكثر يهوذا مدنًا حصينة" (8: 13 - 14).

"إنهم قد ذهبوا من الخراب، تجمعهم مصر، تدفنهم موف" (9: 6).

"يقطعون مع أشور عهدًا والزيت إلى مصر يُجلب" (12: 1).

"وأنا الرب إلهك من أرض مصر حتى أُسكنك الخيام كأيام الموسم" (12: 9).

6. سفر هوشع من أروع أسفار الكتاب المقدس التي تعالج موضوع "التوبة" وتبرز مفاهيمه، خاصة في الأصحاح الأخير.

اتسم السفر بروح الرجاء المقدم لكل الخطاة وسط التهديدات الإلهية بالتأديبات المرة الحازمة، يقول: "هلم نرجع إلى الرب لأنه هو افترس فيشفينا، ضرب فيجبرنا" (6: 1). ما أن هدد في الأصحاح الأول أنه يؤدب ولا يرحم وأنه يتركهم فلا يكونوا له شعبه ولا هو لهم إلهًا، يعود في نفس الحديث يفتح باب الرجاء: "لكن يكون عدد بني إسرائيل كرمل البحر الذي لا يُكال ولا يُعد، ويكون عوضًا عن أن يُقال لهم لستم شعبي، يُقال لهم أبناء الله الحيّ" (1: 10). بكل حب يقول: "لكن هأنذا أتملقها وأذهب بها إلى البرية وألاطفها" (2: 14). أما موضوع رجائها فهو السيد المسيح الذي يهبها القيامة بقيامته في فجر اليوم الثالث: "يحيينا بعد يومين، في اليوم الثالث يقيمنا فنحيا أمامه... خروجه يقين كالفجر" (6: 2 - 3). يهبنا روحه القدوس في ملء الزمان "كمطر متأخر يسقي الأرض" (6: 3).

إن كان هذا السفر قد أبرز ما بلغه الشعب من شرور حتى صار في حالة موت لكن الستار لم يُسدل عند هذا الفصل، بل أعلن النبي عظمة الخلاص المُقدم لنا، الذي يبتلع الموت إلى النهاية، قائلاً: "أين أوباؤك يا موت؟! أين شوكتك يا هوية؟!" (13: 14).

7. كما ربط الله تأديباته الحازمة بالرجاء المفتوح لكل الخطاة حتى لا يسقط أحد في اليأس، فمن الجانب الآخر إذ يعلن محبته اللانهائية لشعبه ليكشف عن مرارته من جهة خيانة هذا الشعب له. فهو محب لعروسه لكنه لا يقبل خيانتها ولا يهادنها، يطلب يدها مقدسًا إياها من كل زنى روحي؛ بهذا ينزع عن الخطاة كل استهتار بالخطية؛ فلا حزم الله يغلق باب الرجاء، ولا حب الله يدفعنا للاستهتار.

8. خيانة الإنسان لإلهه لا يمكن فصلها عن خيانته لأخيه الإنسان (4: 1، 4)، فالخيانة طبيعة متى سقط فيها مارسها حتى في علاقته مع نفسه. لهذا فتوبة الخاطئ ورجوعه إلى الله لا يعني مجرد تغيير خارجي في السلوك، وإنما تغيير داخلي يمس طبيعة الإنسان الداخلية. يقول: "ازرعوا لأنفسكم بالبرّ واحصدوا بحسب الصلاح" (10: 12). ليُزرع فينا السيد المسيح نفسه بالبرّ الحقيقي لنحصد صلاحه فينا، ونحمل سماته عاملة في داخلنا.

سفر هوشع ومعرفة الله.

كثيرًا ما تحدث هذا السفر عن معرفة الله، فعند محاكمة الله لشعبه وجه إليهم هذا الاتهام: "لأنه... لا معرفة الله في الأرض" (4: 1)، واِعتبر خطية الزنا التي تغلغلت في وسطهم مرتبطة بعدم معرفة الرب وعلتها، إذ يقول: "لأن روح الزنى في باطنهم وهم لا يعرفون الرب" (5: 4). وفي اتهامه للكهنة ركز على نفس الاتهام، قائلاً: "قد هلك شعبي من عدم المعرفة، لأنك أنت رفضت المعرفة أرفضك أنا حتى لا تَكهِن لي" (4: 6). وبسبب عدم المعرفة لم يقبل الله ذبائحهم ولا تقدماتهم، إذ يقول: "أريد... معرفة الله أكثر من محرقات" (6: 6).

هذا من الجانب السلبي، أما من الجانب الإيجابي، فإن هذا السفر وهو سفر الوحدة الزوجية بين الله وشعبه يعلن عن غاية هذه الوحدة: "أخطبك لنفسي بالأمانة فتعرفين الرب" (2: 20). هذه المعرفة التي تقتنيها الكنيسة خلال تمتعها بالقيامة مع مخلصها، إذ يقول: "في اليوم الثالث يقيمنا فنحيا أمامه، لنعرف فلنتتبع، لنعرف الرب" (6: 2، 3).

ليتنا إذن نقتني معرفة الله فينا فنسمعه يقول: "وأنا الرب إلهك من أرض مصر، وإلهًا سواي لست تعرف" (13: 4).

والآن ماذا تعني "معرفة الله" التي يقدمها الله لعروسه المقامة من بين الأموات، والتي هي غاية وحدته معها، وبدونها يرفض الكهنة ولا يقبل تقدمات الشعب؟

دراستنا لهذا السفر تعطينا إجابة صريحة عن هذا السؤال، لكن ما نريد تأكيده هنا أن معرفة الله لا تعني مجرد التعرف عليه خلال الدراسة العقيدية الفكرية البحتة، ولا إدراك أسراره الإلهية بالمنطق البشري، إنما التعرف عليه خلال الاتحاد معه في المسيح يسوع وإدراك أسرار محبته ورعايته عاملة في حياتنا، ومشاركتنا سماته الإلهية الفائقة، ودخولنا إلى أمجاده الخفية... أو في عبارة مختصرة، كما يقول القديس إيرينيؤس: [رفع الإنسان إلى حياة الله (1) [1]]، وكما يقول القديس إكليمنضس الإسكندري هي دخول إلى: [كمال المسيح[2].].

إن كان الله يسكن في نور لا يُدنى منه (1 تي 6: 16)، ولا يقدر أحد أن يرى وجهه (حز 33: 20)، لذا لا نستطيع أن نتعرف على طبيعته إذ هي فوق إدراكنا، وإنما كما يقول القديس إيريناؤس يجعل نفسه معروفًا لدينا، معلنًا ذاته من قبيل تنازله، مانحًا هذه العطية العظمى لمختاريه حسب غنى نعمته الفائقة: [لا يقدر الإنسان على معاينة الله، لكنه إذ يريد للبشر أن يروه، ينظره المختارون، عندما يختار وكما يختار[3].] أن كنا لا نستطيع نحن أن نرتفع إلى فوق لإدراك أسراره العلوية، ففي محبته ينزل إلينا ليعلن ذاته في داخلنا ويقيم ملكوته فينا، فندرك الأمور غير المدركة ولا منطوق بها. وكما يقول القديس إكليمنضس الإسكندري: [الغنوسي (المسيحي التقي صاحب المعرفة) الذي أتحدث عنه يدرك ما يبدو للآخرين غير مدرك، إذ يؤمن أنه ليس شيء غير مدرك لدى ابن الله، ولا شيء لا يمكن تعلمه. فمن تألم حبًا فينا لا يخفي عنا شيئًا من المعرفة اللازمة لتهذيبنا[4].] كما يقول: [من يؤمن بالكلمة يعرف الأمور على حقيقتها، لأن الكلمة هو الحق[5].] ويقول القديس أوغريس: [لتعلم أن الثالوث القدوس لا يجعل نفسه معروفًا بنظر الكائنات الجسدية ولا بالتأمل في الكائنات الروحيّة، وإنما بتنازل النعمة في النفس لتقدم المعرفة... فإن الخلائق جاءت إلى الوجود من العدم، أما معرفة الثالوث القدوس فجوهرية وغير مدركة[6].].

اشتهى موسى أن يرى الله وجهًا لوجه، قائلاً له: "أرني وجهك" (خر33: 18). وكانت إجابة الله: "لا تقدر أن ترى وجهي، لأن الإنسان لا يراني ويعيش". لكن هذا لا يعني حرمان الإنسان من اللقاء مع الله ورؤية مجده، إذ أوجد الله لهذا الموقف منفذًا، بقوله لموسى النبي: "هوذا عندي لك مكان"، وكأنه يقول له، انفتح لك طريق لتحقيق شهوة قلبك، وقد أقمت لك مكان خلاله تستطيع معاينتي والتعرف عليّ عن قرب... ما هو هذاالمكان الذي لموسى عند الله؟ "تقف على الصخرة، ويكون متى اجتاز مجدي أني أضعك في نقرة من الصخرة واسترك بيدي حتى اجتاز ثم أرفع يدي فتنظر ورائي" (خر 33: 20، 23). يقول معلمنا بولس الرسول: "والصخرة كانت المسيح" (1 كو 10: 4). كأن المكان الذي لموسى النبي أو للبشريّة خلاله تعاين الآب، إنما هو السيد المسيح، الذي قيل عنه: "الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر" (يو 1: 18). ويقول السيد نفسه: "ليس أحد يعرف الابن إلا الآب، ولا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له" (مت 11: 27). ففي السيد المسيح ندرك الآب ونتعرف عليه.

إذن لندخل مع موسى في النقرة التي للصخرة، أيّ ندخل إلى أحشاء السيد المسيح، صخر الدهور، خلال جنبه المطعون، فنلتمس أحشاء (أحشائه؟؟) الملتهبة نارًا، وندرك عمل نعمته الفائقة، ونتفهم أسراره من نحونا.

لنتعرف على الآب ولنعاينه في المسيح يسوع ربنا خلال البصيرة الداخلية المقدسة، أيّ بالقلب النقي كوعد الرب: "طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" (مت 5: 8). بالتقديس الحقيقي نتعرف على الله ونعاينه كما بالخطية تنطمس بصيرتنا ولا نتعرف عليه كما لا نستحق أن يعرفنا هو. هكذا ترتبط المعرفة بالحياة المقدسة التعبدية والسلوكية. في هذا يقول الأب أوغريس: [إن كنت لاهوتيًا (صاحب معرفة) فأنت تصلي حقًا، وإن كنت تصلي بحق فأنت لاهوتي[7]]. ويقول القديس أنبا أنطونيوس: [من يعرف الله يكون صالحًا. فإذ لم يكن الإنسان صالحًا فهذا يعني أنه لا يعرف الله، والله لا يعرفه، لأن الصلاح هو الوسيلة الوحيدة لمعرفة الله[8]]. ويقول القديس مرقس الناسك: [إن أحببت المعرفة، حب العمل أيضًا، لأن المعرفة بدون العمل تنفخ الإنسان[9]]. كما يقول: [إن أردت أن تخلص وتصل إلى معرفة الحق، حث نفسك على التسامي فوق الأمور الحسية وتمسك مترجيًا الله وحده[10]]. كما يقول القديس إكليمنضس الإسكندري: [إنه بالابن ننعم بالحب، فندرك الله الآب الذي هو الحب، لأن الشبه يُعرف بالشبه[11].].

بهذا نعرف الله... بالاتحاد معه في المسيح يسوع الذي يقدسنا بروحه القدوس واهبًا إيانا البصيرة الروحيّة المستنيرة لإدراك الأسرار الفائقة، كحياة نعيشها مع الله ونتلمسها عمليًا.

سفر هوشع والعهد الجديد.

اقتبس العهد الجديد الكثير من عبارات هذا السفر، منها:

1. جاء في الرسالة إلى أهل رومية: "كما يقول هوشع أيضًا، سأدعو الذي ليس شعبي شعبي، والتي ليست محبوبة محبوبة" (رو 9: 25)، نقلاً عن هوشع (9: 10).

2. جاء في إنجيل معلمنا متى: "وكان هناك إلى وفاة هيرودس لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل من مصر دعوت ابني" (مت 2: 15؛ هو 11: 1).

3. يقول السيد: "إني أريد رحمة لا ذبيحة" (مت 9: 13؛ 12: 7؛ هو 6: 6).

4. في حديث الرسول بولس عن قوة قيامة السيد المسيح العاملة فينا يقول: "أين شوكتك يا موت؟! أين غلبتك يا هاوية؟!" (1 كو 15: 55؛ هو 13 - 14).

5. جاء في سفر الرؤيا: "وهم يقولون للجبال وللصخور أسقطي علينا واخفينا عن وجه الجالس على العرش وعن غضب الحمل" (رؤ 6: 16) مقتبسًا ذلك من هوشع (10: 8).

سفر هوشع ونبوتا إرميا وحزقيال.

تأثر النبيان إرميا وحزقيال كثيرًا بهوشع النبي واقتبسا أيضًا من كتاباته، فتأثر إرميا النبي بما كشفه هوشع النبي عن علاقة الله بشعبه بكونها علاقة عريس بعروسه وأن الخطية هي التي تحطم هذه الوحدة الزوجية فتبطل صوت الفرح وتحول الأرض إلى خراب. جاء في سفر إرميا: "وأبطل من مدن يهوذا ومن شوارع أورشليم صوت الطرب وصوت الفرح، صوت العريس وصوت العروس، لأن الأرض تصير خرابًا" (إر 7: 34) (راجع أر16: 9؛ 25: 10). وقد اقتبس حزقيال ذات الفكر، قائلاً: "وأبطل قول أغانيك، وصوت أعوادك لن يُسمع بعد" (حز 26: 13)، أما هوشع فيقول: "وأبطل كل أفراحها أعيادها ورؤوس شهورها وسبوتها وجميع مواسمها... ولكن هأنذا أتملقها وأذهب بها إلى البرية وألاطفها... وأخطبك لنفسي إلى الأبد" (2: 11، 14، 19).

يتحدث الله في سفر حزقيال معاتبًا شعبه الذي تسلم من يديه عطايا وبركات استخدمها لحساب الشر: "وأخذتِ أمتعة زينتك من ذهبي ومن فضتي التي أعطيتك وصنعت لنفسك صور ذكور وزينت بها، وأخذت السميذ والزيت والعسل الذي أطعمتك وضعتها أمامهم رائحة سرور" (حز 16: 17، 19). إنها ذات الكلمات التي عاتب بها الله شعبه في هوشع (2: 8 - 9).

في حزقيال أيضًا يتحدث الله عن الريح الشرقية التي يبَّست ثمرة الأرض، أيّ أفسدت إسرائيل، قصفت ويبست فروعها القوية، أكلتها النار (حز 19: 12)، وهي ذات الريح التي تحدث عنها هوشع: "وإن كان مثمرًا بين إخوة تأتي ريح شرقية، ريح الرب طالعة من القفر فتجف عينه وييبس ينبوعه، هي تنهب كنز كل متاع شهي" (13: 15).

اقتبس أيضًا حزقيال من هوشع وصفه إسرائيل كأرض يابسة محرومة من المطر الذي يروي النفس، أيّ من عمل الروح القدس، فيقول: "والآن غرست في القفر في أرض يابسة عطشانة" (حز 19: 13). وفي هوشع: "وأجعلها كقفر وأصيرها كأرض يابسة وأميتها بالعطش" (2: 3).

يحدثنا إرميا عن الخلاص المقدم لإسرائيل خلال داود ملكهم، أيّ خلال "ابن داود" المسيّا المخلص (إر 30: 9)، الأمر الذي أكده حزقيال من بعده (حز 34: 23) وقد سبقهما في ذلك هوشع (3: 5).

سفر هوشع من الجانب الأدبي.

1. جاء هذا السفر في غالبيته شعرًا، عباراته وتعبيراته قصيرة ومركزة للغاية، أشبه بإنذار خطير دوى سريعًا وبقوة ليحذر من الخطر المحدق.

2. هذا السفر مليء بالتشبيهات والاستعارات مثل: النار (8: 14)، النور (6: 5)، المطر (2: 6)، سحاب الصبح والندى (6: 4؛ 13: 3)، العث (5: 12)، السوس (5: 12)، الأسد والشبل (5: 14)، الأسد والنمر والدب (13: 7 - 8)، الحمار الوحشي (8: 9)، طيور السماء (7: 12؛ 9: 11)، الحمامة الرعناء (7: 11)، النسر (8: 11)، العصفور (11: 11)، الريح والزوبعة (8: 7)، السحابة والندى والدخان (13: 3؛ 14: 4)، المحبوبة للأجرة (9: 1)، الماخض التي تلد (13: 13)، الفخ والشبكة (5: 1؛ 7: 12)، التنور (7: 4، 7)، القوس (7: 16)، الرحم المسقط والثديان اليابسان (9: 14)، والسوسن (14: 5)، شجرة الزيتون (14: 6)، الحنطة والخمر والكرم (14: 7)، السروة الخضراء (14: 5)، العوسج (9: 6) إلخ...

أقسام السفر:

1. حال إسرائيل 1 - 3.

2. الرب يحاجج شعبه 4 - 10.

3. التأديب مع أشراقة الخلاص 11 - 13.

4. ثمار التوبة 14.

الأعداد 1-11

الإصحاح الأول

استخدم الله كل تشبيه ممكن للكشف عن علاقته الوطيدة بالبشريّة وحبه لها، وتوضيح مرارة نفسه من جهة كل خطية يرتكبها الإنسان فيجرح بها هذه العلاقة. وقد جاء هذا السفر يدور حول تقديم شعب الله كعروس خائنة لعريسها السماوي، ومع هذا فالعريس يقدم كل إمكانياته الإلهية ليردها إليه بعد تقديسها.

1. مقدمة

2. جومر بنت دبلايم

3. أولاد الزنى

4. شوق للعودة

1. مقدمة

إن كان هوشع يعتبر بالأكثر نبيًا لإسرائيل أيّ مملكة الشمال، لكن الكتاب المقدس يحدد تاريخ نبوته بملوك يهوذا ذاكرًا ملكًا واحدًا فقط من ملوك إسرائيل. فإن كان رجل الله قد دُعيَ لخدمة شعب إسرائيل وتحذيرهم وإنذارهم بالسبي، لكن قلبه المتسع بالحب لخلاص الكل، فيفرح بعمل الله مع الجميع حيث يعد الله "ويجمع بنو يهوذا وبنو إسرائيل معًا" [ع11]. فمن يخدم الله لا يعرف للحب حدودًا، إنما يشتهي خدمة الكل وخلاص الجميع.

يرى بعض الدراسين أن هوشع لم يذكر من ملوك إسرائيل غير ملك واحد، لأن ملوك إسرائيل كانوا أشرار لا يستحقون الذكر، مكتفيًا بذكر هذا الملك الذي وإن كان شريرًا لكنه تشرف بلقب: "مخلص الشعب" (2 مل 14: 27)، تبعه سلسلة من القلاقل والاغتيالات والفوضى انتهت بالسبي.

يفتتح النبي السفر هكذا: "قول الرب الذي صار لهوشع بن بئيري" [ع1]، وكأنه أراد تأكيد أن ما ورد في السفر ليس من عندياته إنما هو "قول الرب"، وما هو إلاّ بناقل لكلمات الرب وشاهد حق لها.

يذكر النبي نسبِه لوالده "بئيري" التي تعني "بئر"، فإن كان إسرائيل كما وصفه هذا السفر قد صار أرضًا خربة وبرية قفراء، جفت عينه ويبس ينبوعه (13: 15)، فإنه في حاجة إلى الجلوس مع المخلص عند البئر كما حدث مع السامرية لترتوي من ينبوع مياهه الذي لا يجف. ما يقدمه هوشع من كلمات خلاصية إنما هو من البئر الإلهي، من يشرب منه لن يعطش إلى الأبد (يو 4: 14).

2. جومر بنت دبلايم

ربما يدهش البعض كيف يأمر الله نبيه أن يرتبط بامرأة زانية كزوجة له وينجب منها أولاد زنى، إذ يقول له: "اِذهب خذ لنفسك امرأة زنى، لأن الأرض قد زنت زنًا تاركة الرب" [ع2].

أولًا: اختلف البعض في تفسير تعبير "امرأة زنى" (1: 2)، ففي الإنجليزية تترجم harlot وليس adultress، لذا يرى البعض أنها لا تعني مجرد امرأة زانية بطريقة جسدية حسب المفهوم العام، وإنما تعني إنسانة مكرسة حياتها للبعل، فتحسب زانية من أجل ارتباطها بالبعل، خاصة وأن عبادة البعل ارتبطت بارتكاب الزنا، فقد وجدت نازرات يكرسن حياتهن للبغي لحساب البعل، ولعل جومر بنت دبلايم كانت من فئة هؤلاء الناذرات [12].

في الواقع أن عبادة الوثنية في ذاتها كانت تدعى زنا harlotry، حتى أن مجرد الارتباط بالعابدين للبعل يكفي أن يعطي للإنسان هذا اللقب، حتى وإن لم يمارس الزنى [13]. ولعل هذا الرأي أقرب إلى الحقيقة فقد ارتبطت غالبيّة الإسرائيليات في ذلك الحين أن لم يكن كلهن بعبادة الوثن، حتى صار يصعب، وربما يستحيل أن يجد النبي امرأة له إلاّ من عابدات البعل، لكن ليس جميعهن كن يمارسن الزنى جسديًا.

ثانيًا: يرى قلة من الدارسين أن ما ورد في هذا الأصحاح والأصحاح الثالث لم يكن إلاّ مجرد رؤيا أو قصة رمزية، قدمت للشعب للكشف عن بشاعة سقوطهم وانحرافهم عن عبادة الله الحيّ وخيانتهم له عوض الالتزام بالعهد المقدس معه، ومع هذا كله فالله يطلبهم ويود أن يردهم إليه مقدسًا إياهم؛ غير أن غالبيّة الدارسين يرون أن ما جاء هنا هو حقيقة واقعة وأن الله أراد أن يختبر النبي المرارة الشديدة معه بسبب انحراف إسرائيل، ويعلن للبشريّة مدى رعاية الله وحبه للإنسان. وكما يقول الأب شيريمون: [وصفت الكلمة الإلهية اهتمام الله وعنايته بنا على لسان هوشع النبي تحت رمز أورشليم كزانية، التي انحرفت في غيرة مملوءة جحودًا... إنه يقارن أورشليم (النفس البشريّة) بامرأة زانية تطلب رجلًا آخر، ويقارن محبته لنا برجل يموت في محبة عروسه. فصلاح الله ومحبته يعلنهما على الدوام لكل البشر، إنهما لا يغلبان إلاّ بكفِّنا نحن عن الاهتمام بخلاصنا، وهروبنا من اهتمام الله بنا، كما لو أنها قهرت بشرورنا. لذلك فإنها لا تُقارن إلاّ برجل محترق بنيران الحب من أجل امرأته إذ يذوب من أجل محبته لها قدر ما يراها تستخف مستهينة به [14].].

ثالثًا: يرى غالبيّة الدارسين أن النبي تزوج جومر وأحبها جدًا وعندئذ اكتشف ما كانت عليه من زنى (سواء بالمفهوم الجسدي العام أو مجرد الارتباط بعبادة البعل)، فأبقاها له زوجة ولم يطلقها، وإن كان البعض يرى أن النبي قد تزوجها وهو يعلم ماضيها، وأنه ارتضى هذا من أجل الأمر الإلهي محققًا بحياته صورة رمزية لما كان حادثًا بين الله وشعبه.

رابعًا: كلمة "جومر" في العبرية تعني نهاية الكمال خاصة كمال الفشل، أما "دبلايم" فتعني كعكة مزدوجة من التين المضغوط أو أقراص الزبيب. وكان هذا النوع من الكعك يستخدم في الاحتفالات الخاصة بعبادة البعل، إذ قيل عن بني إسرائيل أنهم: "ملتفتون إلى الآلهة الغريبة ومحبون لأقراص الزبيب" (3: 1). وكأن أكل الكعك المحشو بأقراص الزبيب أو التين قد ارتبط ارتباطًا وثيقًا بعبادة الآلهة الغريبة. هكذا زواج هوشع النبي بجومر ابنة دبلايم إنما يشير إلى الارتباط بشعب إسرائيل الذي بلغ كمال الفشل (جومر) المولود عن العبادة الوثنية ورجاساتها (دبلايم)، أو كأن إسرائيل وقد صارت جومر إنما هي ابنة دبلايم، أي ابنة الحفلات الرجسة التي انتشرت في كل البلاد. صارت أشبه بكعكة مقدمة للبعل، طعامًا رجسًا ومائدة نجسة للشيطان وأتباعه!

كما بقيت جومر في شرها تلد أبناء زنا بالرغم من زواجها من رجل طاهر ونبي مبارك هكذا بقى إسرائيل في زناه الروحي بالرغم من إعلانات الله له عن اتحاده معه. لم يتنجس هوشع بسبب جومر بل صارت جومر في دينونة أقسى من أجل زواجها بالنبي ما لم تكن قد ندمت ورجعت بالطهارة إلى رجلها، وهكذا أن لم يرجع إسرائيل بالإيمان إلى الله تكون عقوبته أشد وأمرّ!

يرى القديس جيروم في جومر الزانية صورة رمزية للكنيسة، إذ يقول: [ماذا أقول عن زواج النبي بزانية، هذه التي هي رمز للكنيسة التي جُمعت إما من الأمم أو اليهود؟! فقد أُقيمت أولًا بواسطة إبراهيم من عابدي الأوثان، والآن قد جحدت المخلص فأكدت أنها خائنة له. لهذا فهي تُحرم إلى فترة طويلة من مذبحها وكهنتها وأنبيائها، وتبقى أيامًا طويلة حتى تعود إلى رجلها الأول (2: 7؛ 3: 11)، إذ يكمل الأمم يخلص إسرائيل (رو 11: 25 - 26) [15].].

ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [كما أنه في القديم أخذوا زانيات كزوجات لهم، هكذا قبِل الله الطبيعة التي قامت بدور زانية كعروس له (بلا فساد)، وقد أعلن الأنبياء من البداية أن هذا قد حدث بالنسبة للمجمع اليهودي (إر3؛ حز 23: 4 - 5، 11). لكن هذه العروس كانت جاحدة بالنسبة لرجلها، أما الكنيسة فإذ خلصت من الشرور التي قبلتها عن آبائها استمرت محتضنة عريسها [16].].

يقول الرب لهوشع: "لأن الأرض قد زنت زنى تاركة الرب" [ع1]، وجاءت الترجمة اليونانية: "لأن الأرض قد زنت زنى تاركة الرب"، وكأن الزنا إنما هو وضع طبيعي للإنسان بتركه الرب وانحلاله عن الاتحاد مع عريس نفسه الأبدي. والعجيب أن الله لا يقول: "لأن إسرائيل" بل يقول: "لأن الأرض"، وكما رأينا في المقدمة أن إسرائيل بانحنائها نحو الأمور الأرضية صارت أرضًا بلا سماء. أقول أننا إذ نلتحم بالتراب نسمع الصوت الإلهي: "لأنك تراب (أرض) وإلى تراب تعود" (تك 3: 19)، نعود إلى حيث اشتهى القلب وتحول إليه. أما إذا خلعنا الإنسان الترابي القديم الذي لبسناه بانتسابنا لآدم الترابي، ولبسنا الإنسان الجديد الذي على صورة يسوعنا السماوي فنسمع الصوت الإلهي: "لأنك سماء وإلى السماء تعود". لقد حملت فيك السماوي وصار إنسانك الداخلي سماء، لذا تعود إلى حيث اشتهيت وإلى ما صرت عليه، إلى السماء عينها!

إذ صرنا أرضًا بتركنا العريس السماوي، ماذا يفعل معنا هذا العريس المحب لعروسه؟ لقد حمل جسدنا الترابي لكن بغير فساد، ونزل إلى أرضنا التي التصق قلبنا بها دون أن يكون للزمنيات موضع في قلبه، وإنما ليجعل منا "أرضًا جديدة وسماء جديدة" (رؤ 21: 1)، الأرض التي قيل عنها يسكنها البرّ نفسه أيّ الرب السماوي سر تبريرنا.

3. أولاد زنى

لم يطلب منه الرب أن يتزوج بامرأة زانية فحسب، وإنما ينجب منها أولاد زنى، يحدد الله أسماءهم: يزرعيل ولورحامة ولوعمي. لا يعني هذا أنهم ثمرة زنا، وإنما مجرد ميلادهم من أم زانية كانت مرتبطة بالبعل أو الوثنية حُسبوا أولاد زنى، مع أنهم أبناء النبي [17]، إلى أن يقبلوا رسالة أبيهم ويرفضوا روح أمهم القديم.

أولًا: "يزرعيل تعني" الله يزرع "، الولد الأول لهوشع وجومر، وهو يشير إلى أن ما يزرعه فينا من تأديبات إنما هو ثمر عملنا. يزرعيل يذكرنا بما فعله ياهو مع يورام بن آخاب وإيزابل الشريرة التي قتلت وورثت حقل نابوت اليزرعيلي، فلحست الكلاب دمها في ذات الحقل الذي اغتصبه (1 مل 9 - 10). لقد طلبت الحقل اغتصابًا وسفكت دمًا بريئًا لنواله، فنالت شهوة قلبها، نالت هلاكًا في نفس الموضع، كثمرة طبيعية لتصرفاتها. يقول الرب عن بني إسرائيل:" صاروا رجسًا كما أحبوا "(9: 10). ما يحبه الإنسان إنما يناله بثماره الطبيعية. من أحب الأرض الزائلة وشهوات الجسد الفاسدة نال فسادًا وصار أرضًا، ومن أحب الله السماوي الأبدي ينعم بالحياة الخالدة.

ثانيًا: "لورحامة" تعني (لا أرحم). عندما لا يرحم الإنسان نفسه يسقط تحت الارتباط بعبادة البعل لا يتوقع رحمة من قبل الله، فإن الاستهانة بطول أناة الله ورحمته يذخر غضبًا في يوم الغضب (رو 2: 5).

يقول الرب: "لأني لا أعود أرحم بيت إسرائيل أيضًا بل أنزعهم نزعًا، وأما بيت يهوذا فأرحمهم وأخلصهم بالرب إلههم، ولا أخلصهم بقوس وبسيف وبحرب وبخيل وبفرسان" [ع6 - 7].

لقد انغمس إسرائيل في الشر فانسحب عن الله مخلصه، لا يستطيع القوس ولا السيف ولا الخيل ولا الفرسان أن تخلصه، أما يهوذا الذي يشير إلى كنيسة العهد الجديد التي هي جسد المسيح الخارج من سبط يهوذا فخلاصها إنما بالرب إلهها.

يقول عن المخلص: "الرب إلههم"، فمن جهة ينسب نفسه إليهم بكونه إلههم إذا تقدسوا فصار معتزًا بهم كما يدعو نفسه إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب، ولا ينسب نفسه للأشرار، إذ يقول لهم: "وأنا لا أكون لكم" [ع9]، والترجمة اليونانية: "أنا لست يهوه بالنسبة لكم".

يقول الرب: "أخلصهم بالرب إلههم"، فالمتحدث هو الآب عن الابن المخلص. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وكما يقول الأب نوفاتيان: [إن كان الله يقول أنه يخلص بالله، وإذ هو لا يخلص إلاّ بالمسيح، فلماذا يتردد إنسان ما في دعوة المسيح الله، مادام الآب يعلن ذلك في الكتاب المقدس؟! نعم أن كان الله الآب لا يخلص إلاّ بالله، فلا يستطيع أحد أن يخلص بواسطة الله الآب ما لم يعترف أن المسيح هو الله، الذي فيه وبه يعد الله أن يهب خلاصه [18].].

ثالثًا: "لوعمي" وتعني (ليس عمي) أو (ليس شعبي)، لأن كلمة "عم" في الكلدانية تعني (شعب) أو (قبيلة). فإن كانت الخطية تلد "لا رحمة"، فإن مرارة عدم الرحمة هي حرمان الإنسان من الانتساب لله أو حرمانه من انتساب الله له. فمن كان منتسبًا للبعل كيف يمكن أن ينتسب لله؟ غاية ما ننعم به هو التمتع بأورشليم الجديدة النازلة من السماء (رؤ 21: 2) التي هي "مسكن الله مع الناس، وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعبًا والله نفسه يكون معهم إلهًا لهم" (رؤ 21: 3).

4. شوق للعودة

يمزج الله التأديب بالرجاء، إذ يعلن هنا أن تأديباته ليست مطلقة وأن رفضهم ليس كليًا وإنما إلى حين، فهو ينتظر عودتهم إليه ليردهم في أكثر بهاء ومجد، يردهم مملكة واحدة قوية وعظيمة، متمتعة بالنبوة له مغروسة فيه، ويكون رأسًا لها، إذ يقول: "لكن يكون عدد بني إسرائيل كرمل البحر الذي لا يُكال ولا يُعد، ويكون عوضًا عن أن يُقال لستم شعبي يُقال لهم: أبناء الله الحيّ، ويجمع بنو يهوذا وبنو إسرائيل معًا، ويجعلون لأنفسهم رأسًا واحدًا، ويصعدون من الأرض، لأن يوم يزرعيل عظيم" [ع10 - 11].

وسط التأديب المر يقدم وعدًا جديدًا، يدخل معهم في عهد جديد تحقق لا برجوعهم من السبي بل بالأكثر بتمتعهم بالعصر الميساني، وهذه هي ملامحه:

أولًا: "يكون عدد بني إسرائيل كرمل البحر الذي لا يُكال ولا يُعد"، وكأنه يحقق الوعد الذي سبق فأعلنه لإبراهيم: "وأكثر نسلك تكثيرًا، كالرمل الذي على شاطيء البحر" (تك 22: 17)، الوعد الذي تمسك به يعقوب: "وأنت قد قلت إني أحسن إليك وأجعل نسلك كرمل البحر الذي لا يعد للكثرة" (تك 32: 12).

حقًا إنه "ولو أحزن (بالتأديبات) فإنه يعود فيرحم حسب كثرة مراحمه" (مرا 3: 32)؛ فبالمسيح يسوع ربنا تتحول النفس الخائرة والعظام اليابسة إلى جيش عظيم جدًا جدًا (حز 37: 10)، تصير لا كأورشليم "مرهبة كجيشة بألوية" (نش 6: 4) لا يقدر عدو الخير بكل جيشه وخداعاته أن يقتنصها له، بل تكون كخيل كثيرة قوية تحمل المركبة الإلهية في موكب النصرة، لذا يناجيها عريسها قائلًا: "قد شبهتكِ يا حبيبتي بفرس في مركبات فرعون" (نش 1: 9).

يقول الرسول: "إن يومًا واحدًا عند الرب كألف سنة" (2 بط 3: 8)، والمؤمن أيضًا كاليوم الواحد العابر يصير في المسيح يسوع كألف سنة، يصير حاملًا السمة السماوية (ألفًا) بطاقات قوية وجبارة في الروح، فعوض اليوم يصير سنوات بلا حصر؛ وعوض الضعف البشري يحمل إمكانيات المسيح: فكره وإرادته وسماته ومجده!

هذه هي سمة العصر المسياني الذي حوّل حياتنا البشريّة إلى "حياة في المسيح يسوع"، عوض الهوان صار لنا المجد العلوي الداخلي، وعوض الفكر الزمني صرنا نحيا في السمويات.

ثانيًا: لا تقف الرحمة عند كثرة من جهة العدد، والقوة من جهة الكيف، لكن ما يفرح قلبنا هو انتسابنا لله كأبناء له: "عوضًا عن أن يُقال لستم شعبي يُقال لهم أبناء الله الحيّ". عوض الرفض نحسب أبناء ورثة الله، ووارثون مع المسيح الابن الوحيد الجنس! صرنا أولاد الله الحيّ، أحياء بأبينا الحيّ. فقد دعا اليهود البعل الميت أبًا لهم وزوجته عشتاروت أمًا لهم، فحملوا طبيعة والديهم الميتة. هذا الوعد لم يُعطى لليهود فحسب الذين بعد رفضهم سيقبلهم في أواخر الدهور عندما يقبلون المسيا المخلص، وإنما يمس حياتنا نحن الذين من أصل أممي، فقد كنا مرفوضين بسبب رفضنا له، والآن فتح لنا باب البنوة له. وكما يقول القديس أغسطينوس: [حتى الرسول فهم هذا القول كشهادة نبوية عن دعوة الأمم الذين لم يكونوا قبلًا منتسبين لله. وإذ صار هذا الشعب الذي من الأمم أولادًا لإبراهيم روحيًا، لذا دُعوا بحق "إسرائيل" لهذا يكمل قائلًا: "ويُجمع بنو يهوذا وبنو إسرائيل معًا ويجعلون لأنفسهم رأسًا واحدًا [19].].

ثالثًا: تُعلن مراحم الله الفائقة في العصر المسياني خلال وحدتنا معًا في المسيح يسوع الرأس الواحد "ويجعلون لأنفسهم رأسًا واحدًا". بقبولهم الإيمان بالمسيح يسوع والتمتع بالنبوة لله خلال المعمودية يجعلون لأنفسهم رأسًا واحدًا.

لا يقل: "يجتمعون معًا تحت ملك واحد"، إنما يبرز كمال الوحدة بكون المخلص رأسًا لا يمكن للجسد أن ينفصل عنه! إنه حب فائق، ورباط بين الخالق وخليقته المحبوبة لديه لا يمكن التعبير عنه!

رابعًا: نرتبط معًا في الرأس السماوي فنحمل طبيعته العلوية ونصعد عن طبيعتنا الترابية الأرضية، إذ يقول: "ويصعدون من الأرض". وكما يقول الرسول: "فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله، اهتموا بما فوق لا بما على الأرض" (كو 3: 1 - 2)، إذ صرنا لسنا من العالم (يو 15: 19) بل سيرتنا في السموات (في 3: 20).

بالمسيح يسوع نصعد عن طبيعتنا الأرضية القديمة، لننعم بالطبيعة الجديدة السماوية التي على صورة خالقنا، مرنمين بحق: "هلم نصعد إلى جبل الرب". إنه خروج لا من أرض مصر نحو أرض الموعد، لكنه صعود جديد من الأرض التي استعبدت النفس وقبلت فيها فرعون (إبليس) ملكًا يذل الشعب. صعود تحت قيادة السيد المسيح نفسه، لا لينطلق بنا إلى جبل سيناء حيث البروق والرعود والجبل المدخن، وإنما للاتحاد مع السيد المسيح الجبل المقدس ليدخل بنا بروحه القدوس إلى حضن أبيه.

خامسًا: يختم الوعد بقوله: "لأن يوم يزرعيل عظيم". بعد أن كان "يزرعيل" يمثل تهديدًا ومرارة حيث يقدم لنا الله ثمر خطايانا تأديبًا لنا، صار "يزرعيل" يمثل وعدًا، إذ تعني الكلمة "الله يزرع"، فيزرعنا بيديه غرسًا جديدًا مقدسًا (إش 6: 13)، يزرعنا أعضاء جسد ابنه الوحيد، نرتوي بمياه الروح القدس ونحمل برّ المسيح فينا. يُطعمنا في الجنب المطعون فنستقي الحياة عينها عوض الموت الذي كان لنا. هذا هو ما يؤكده لنا الله: "وأزرعها لنفسي في الأرض، وأرحم لورحامة وأقول للوعمي أنت شعبي، وهو يقول: أنت إلهي" (2: 23).


[1] Adv. Haer. 5: 9: 1.

[2] Strom. 4: 21.

[3] Adv. Haer. 4: 20: 5.

[4] Strom. 6: 8.

[5] Strom 2: 4.

[6] Ep. 29.

[7] Treat. On Prqyer 60.

[8] الفيلوكاليا (ترجمة الفمص تادرس يعقوب)، طبعة 196، 170 نصًا عن حياة القداسة.

[9] المرجع السابق، ص 135.

[10] المرجع السابق، ص 142.

[11] Strom 5: 13.

No items found

الأصحاح الثاني - سفر هوشع - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفاسير سفر هوشع الأصحاح 1
تفاسير سفر هوشع الأصحاح 1