الأصحاح الحادي والعشرون – سفر إرميا – القمص تادرس يعقوب ملطي

هذا الفصل هو جزء من كتاب: 28- تفسير سفر إرميا – القمص تادرس يعقوب ملطي.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الأصحاح الحادي والعشرون

قيادة جاحدة.

يرد في هذا الأصحاح أمور خاصة بأواخر أعمال إرميا، إذ أرسل صدقيا، آخر ملوك يهوذا، يسأل إرميا النبي إن كان يثور على ملك بابل، وكان يأمل أن تأتي الإجابة حسب هواه، وأن يسمع من إرميا كلمة تشجيع. لكن إرميا تكلم بشجاعة حسب قضاء الرب، ليس محاباةً لبابل، وإنما كواقعٍ يجب أن يدركه الملك والشعب، وهو أن التأديب الإلهي يحل بهم حتمًا، لذا طالب الشعب بالخضوع لملك بابل، وطالب الملك وأسرته بالتوبة.

1. الملك صدقيا يطلب مشورة إرميا [1 - 2].

2. إجابة إرميا: الله نفسه ضد يهوذا [3 - 7].

3. نصيحة: الخضوع للتأديب الإلهي! [8 - 10].

4. الحاجة إلى التوبة [11 - 12].

5. أورشليم تؤله نفسها [13 - 14].

الأعداد 1-2

الملك صدقيا[419]:

صدقيا "اسم عبري معناه" يهوه برّ "أو" بر يهوه ".

هو آخر ملوك يهوذا، اسم والدته حميطل (2 مل 24: 18). أقامه ملك بابل بعد السبي الأول، وغيَّر اسمه من متنيا إلى صدقيا (2 مل 24: 17)، وكان عمره إحدى وعشرين سنة، وملك إحدى عشرة سنة (597 - 587 ق. م). كان يسأل إرميا لكي يستشير الرب، لكنه لم يصغِ إليه، لأنه كان ينتظر إجابة حسب هواه (2 أي 36: 12؛ إر 1: 2، 37) ولأنه كان بالأكثر معتمدًا على وعود فرعون مصر القوية وقد خطط مع رجاله كيف يتخلص من دفع الجزية لبابل[420]، وكأن سؤاله الرب كان أمرًا ثانويًا أو شكليًا. من جهة علاقته بالله، نجس الهيكل بالوثنية (2 أي 36: 14)، ولم يقضِ بالعدل كما نرى في هذا الأصحاح [11 - 12].

جاء إليه رسل من أدوم وموآب وعمون وصور وصيدا ليرسموا خطة موحدة للثورة على ملك بابل، لكنهم كانوا حلفاء غير أمناء.

في البداية بعث صدقيا سفارة إلى نبوخذنصر غالبًا ليؤكد له ولاءه (29: 3)، وفي السنة الرابعة لملكه ذهب هو إلى بابل (51: 59)، وأخيرًا جسر على التمرد. وقد شجع عظماء يهوذا الملك على الثورة ضد بابل.

كان الباعث على هذه الثورة هو جلوس ملك جديد على عرش مصر أراد أن يناهض بابل، فيسترد لنفسه بعض الأراضي التي كانت قبلاً خاضعة لمصر واغتصبتها بابل منها.

ليس فقط من الجانب الروحي أو الإيماني قد أخطأ صدقيا في اتكاله على ذراعٍ بشري، أي على فرعون مصر، وإنما حتى من الجانب السياسي كانت النظرة خاطئة. فإنه قبل ذلك بحوالي قرن ونصف في أيام إشعياء النبي تقبلت يهوذا ينبوعًا لا ينقطع من الوعود المصرية عن المساندات العسكرية لتقف أمام الآشوريين (وبعد ذلك البابليين). إذ خشي المصريون على أنفسهم من خطر تدخل منطقة ما بين النهرين، وكانوا يودون استخدام يهوذا وإسرائيل كخط دفاعٍ لهم من الجانب الشمالي لمصر[421]. كل هذه الوعود لم ُتجدِ شيئًا ولا قدمت حصانة ليهوذا أو إسرائيل، وكان يليق بالملك أن يضع ذلك في اعتباره.

في اليوم العاشر من الشهر العاشر في السنة التاسعة لملكه عسكر ملك بابل أمام أورشليم وأخذ يبني حصونًا حولها، لكن قوتها حالت دون اقتحامها، فحاصرها البابليون، إلا أن تقدُم المصريين أرغمهم على الانسحاب إلى حين (37: 5)، لكنهم ما لبثوا أن عادوا.

وفي اليوم التاسع من الشهر الرابع في السنة الحادية عشرة لملكه نفذ القوت من العاصمة المحاصرة. في تلك الليلة غادر صدقيا الموقع مع كل رجاله، وتسلل بين القلاع البابلية، وهرب شرقًا نحو الأردن. لكن الجيش البابلي طارده وأدركه في سهل أريحا، فأُلقى القبض عليه وجاءوا به أسيرًا إلى نبوخذنصر إلى ربلة في شمال فلسطين. هناك حُوكم، فقُتل أولاده أمامه، واُقتلعت عيناه، ورُبط بسلاسل من نحاس، وسيق إلى بابل (2 مل 24: 17 - 20، 25: 1 - 7؛ 2 أي 36: 11 - 21؛ إر 39: 1 - 14)، وحُبس حتى موته (52: 11).

فيما يلي نص طلب صدقيا الملك من إرميا لسؤال الرب، وإجابة إرميا النبي عليه، وكان ذلك في عام 588 أو بداية 587 ق. م.

1. الملك صدقيا يطلب مشورة إرميا:

"الكلام الذي صار إلى إرميا من قبل الرب حين أرسل إليه الملك صدقيا فشحور بن ملكيا وصفنيا بن معسيا الكاهن، قائلاً:

اسأل الرب من أجلنا،.

لأن نبوخذنصر ملك بابل يحاربنا.

لعل الرب يصنع معنا حسب كل عجائبه فيصعد عنا "[1 - 2].

يرى يوسيفوس المؤرخ اليهودي أن صدقيا الملك حين سمع كلمات إرميا صدقها، وشعر أن كل ما ينطق به هو حق وأنها لصالحه، لكن أصدقاءه غيروا فكره وانحرفوا به عما نطق به إرميا وألزموه أن يفعل حسبما يسرهم[422].

على أي الأحوال تكشف هذه العلاقة بين الملك والنبي أيهما كان الأقوى وأيهما كان الأضعف[423]. من الظاهر كان الملك في مركز القوة، وكان إرميا موضع سخرية من الأكثرين اليوم كله... أما في الواقع فكان الملك مرتعبًا غير مستقرٍ، محتاجًا إلى كلمة من إرميا تعطيه طمأنينة وسلامًا!

أرسل الملك كاهنين هما فشحور بن ملكيا وهو غير فشحور بن أمير (20: 1) وصفنيا بن معسيا. كانا كاهنين وموظفين عند الملك. كان فشحور يكن كل كراهية لإرميا ويُرجح أن والده ملكيا هو الذي ألقى إرميا في الجب (38: 6).

يرى البعض أن هذين الكاهنين كانا مشيرين للملك من الجانب المدني والديني، وكانا منحازين نحو فرعون مصر، يحثان الملك على التحالف مع فرعون ضد البابليين[424]، والحنث بالعهد الذي أقامه مع نبوخذنصر.

طلب الملك من إرميا النبي: "اسأل الرب من أجلنا" [2]، ليس شوقًا إلى معرفة إرادة الله أو رغبة في الطاعة لله، وإنما رغبة في نوال إجابة من الله تتفق مع ما هم مصممون عليه. إنهم يخدعون أنفسهم، إذ يطلبون أن يسمعوا، لا صوت الرب، بل صوتهم هم على لسان الرب.

كلمة "اسأل" [425] daras هنا تعني عملية الكشف عن فكر الله، استخدمت كثيرًا في العهد القديم (تك 25: 22؛ خر 18: 15؛ تث 4: 29؛ 12: 5، 1 صم 9: 9؛ 1 مل 22: 5، 7 - 8؛ 2 مل 3: 11؛ 8: 8؛ 22: 13؛ إش 31: 1؛ 55: 6؛ 65: 10، هو 10: 12؛ عا 5: 4 - 6 الخ).

كان في ذهن صدقيا مناسبة سابقة عندما حوصرت أورشليم بواسطة سنحاريب والجيوش الآشورية عام 701 ق. م (2 أي 23: 20 - 21؛ 2 مل 19: 35 - 36؛ إش 37: 36 - 37)، في تلك المناسبة قام الله بدور خطير حيث تشفع إشعياء النبي لديه، فانسحب سنحاريب. الموقف في ظاهره مشابه، وكان الملك يترقب حدوث معجزة أخرى، لكن هناك فارق بين الموقفين. في أيام سنحاريب كان حزقيا الملك وشعبه يطلبون الإصلاح ويبذلون كل الجهد للمصالحة مع الله، أما صدقيا وشعبه فكانوا رجال جحود وفساد! كان كل اهتمام الملك هو التخلص من المشاكل الساقط تحتها، بأن يصعد ملك بابل عنه، لا أن يتمتع بالسلام مع الله والدخول في مصالحة معه.

كان حزقيا يسأل الله بقلبه، أما صدقيا فبشفتيه. كان قد خطط للثورة ضد بابل مع رجاله، وجاء سؤال الرب أمرًا شكليًا أو ثانويًا كما يرى بعض الدارسين. ثم إن كان صدقيا يعرف الله أنه صانع عجائب عبر الدهور [2]، فلماذا لا يرجع إليه بقلبه بل كانت معرفته معرفة عقلية بحتة، لا تمس حياته الداخلية ولا سلوكه، لا تقدم له نفعًا؟!

من جانب آخر كان حزقيا قد اتكل تمامًا على الرب وانتظر عمله بيقين الإيمان، أما صدقيا فاتكأ على وعود فرعون القوية.

أشار هنا إلى اسم ملك بابل: "نبوخذنصر" التي تعني "ليت (الإله) نابو Nabu يحمى الحدود"، أو "ليت نابو يحمي الابن" أو "ليت نابو يحمي البغل (الشخص العنيد) [426].

الأعداد 3-7

2. إجابة إرميا: الله نفسه ضد يهوذا:

إذ كان صدقيا مرتعبًا بسبب العدو الخارجي الرّابض خارج أسوار أورشليم وجّه إرميا أنظاره إلى عدو داخل الأسوار هو فساد قلبه وقلوب من معه، الذي حوَّل الله إلى العداوة ضدهم.

"فقال لهما إرميا:

هكذا تقولان لصدقيا:

هكذا قال الرب إله إسرائيل:

هاأنذا أرد أدوات الحرب التي بيدكم التي أنتم محاربون بها ملك بابل والكلدانيين الذين يحاصرونكم خارج السور.

وأجمعهم في وسط هذه المدينة "[3 - 4].

لم يذعن إرميا النبي لرغبة الملك ولم يسايره في شيء، بل كشف بشجاعة عما أعلنه الله له من جهة قضائه، أي الهلاك لجميع الذين يقاومون بابل حتى الملك وأهل بيته. لا يعني ذلك أن إرميا كان مُحبًا لبابل، بل أدرك أن بابل مع كل ظلمها وقساوتها يستخدمها الله - إلى حين - كأداة لتأديب شعبه العنيد والجاحد له.

موقف إرميا هذا خلق عداوة شديدة لكثيرين من مواطنيه ضده، فاتهموه بالخيانة الوطنية.

ويلاحظ في هذه الإجابة التالي:

أولاً: جاءت الإجابة ليس حسب رغبة صدقيا، وإنما حسب قلبه المُبتعد عن الله، إذ يقدم الله للإنسان حسب قلبه إن كان مقدسًا أو تائبًا أم دنسًا ومتشامخًا.

ثانيًا: تُستخدم كلمة "أرد" [4] على الوجه أو العينين حيث يحّول الشخص عينيه أو وجهه عن آخر (2 مل 20: 2). هنا المرة الوحيدة التي تُستخدم عن الأسلحة... وكأن الله يؤكد لشعبه أن نتيجة المعركة لا تتوقف على كمية الأسلحة أو قدرتها، وإنما على وجه الله الذي يديره نحو شعبه أو عنهم. فإن أداره عنهم، تفقد الأسلحة التي بين أيديهم قدرتها ورسالتها، وتتحول من الحماية ضد العدو إلى الاتجاه المضاد. كما أن كل الأمور تعمل للخير للذين يحبون الله (رو 8: 28)، هكذا كل الأمور تتحول للهلاك للذين يقاومون الله ويجحدونه، حتى الأسلحة التي في أيديهم تتوجه لهلاكهم لا لخلاصهم!

عندما نتصالح مع الله تصطلح الطبيعة معنا، وتتحول كل الطاقات لبنياننا، وعندما نقاوم الله تحمل كل الأمور عداوة ضدنا.

ثالثًا: مع ما يبدو في الإجابة من حزم شديد، حتى يصعب أن تجد فيها كلمة رجاء واحدة، إلا أنه يلقب الله "إله إسرائيل" ليبعث فيهم الرغبة في مراجعة أنفسهم، والتعرف على سبب تخلي الله عنهم، وهو الصانع عجائب في حياة آبائهم.

رابعًا: يقصد بأسلحة الحرب فرق يهوذا العسكرية، التي كان يمكنها حتى تلك اللحظات أن تقوم بدور خارج الأسوار وتضايق الكلدانيين. ربما قصد بها جيوش الكلدانيين التي كانت ستجتمع في المدينة.

هذا ويلاحظ أن تعبير "الكلدانيين" يُطلق على البابليين (2 مل 24، 25). هذا التعبير يشير في الأصل إلى فرق القبائل التي عاشت بين نهريّ الفرات ودجله، بين مدينة بابل والخليج الفارسي. في الوقت الذي فيه مارست الإمبراطورية الأشورية سلطانها على الجنوب كانت هذه القبائل هي مركز القوي المضادة للأشوريين. لقد ضّم الجيش البابلي جنسيات كثيرة بجوار الكلدانيين (34: 1)، لكن حينما يُشار إلى الكلدانيين يُعنى القوة البابلية التي حطمت الأشوريين[427].

يصعب ترجمة كلمة "sarim" [4] هنا بـ "الحصار" حيث لم يكن بعد قد بدأ، لذا تُترجم بالضغط الشديد.

خامسًا: أكد لهم أن كل جهودهم للخلاص من الكلدانيين تنتهي حتمًا بالفشل.

سادسًا: ما يرعبهم هو أن الجيش البابلي ليس إلا إحدى الوسائل التي يستخدمها الله ضدهم خارج أورشليم وداخلها. إذ صار الله نفسه عدوًا لهم يحتاج الأمر إلى مصالحة. إنه لا يصنع عجائب مع شعبه كعادته، وإنما وهو يوجه أسلحتهم ضدهم يقف بنفسه ضدهم.

"وأنا أحاربكم بيدٍ ممدودة وبذراعٍ شديدة،.

وبغضبٍ وحموٍ وغيظٍ عظيمٍ.

وأضرب سكان هذه المدينة،.

الناس والبهائم بوبأ عظيمٍ يموتون "[5 - 6].

النقطة الخطيرة أن الله نفسه هو الذي يحارب ضدهم، مستخدمًا الكلدانيين كوسيلة خاصة به. يحول أسلحة يهوذا إلى هلاكهم، كما يسمح بالوبأ والسيف والجوع أن يهلكهم هم وحيواناتهم... مهيأ كل فرصة للعدو أن يغلبهم!

تُستخدم كلمتا "يد" و "ذراع" لتعنيا "قوة" الله كما في (تث 4: 34؛ 5: 15؛ 7: 19؛ 26: 8، 1 مل 8: 42، 2 مل 17: 26).

هنا يبسط الله يده ليؤدب شعبه المُصر على العناد والجحود، مستخدمًا الأمم للتأديب. غير أن بسط اليد يشير إلى تجسد الكلمة، الذي يحل بيننا مستخدمًا كل وسيلة لخلاص العالم. حمل التأديب الإلهي عنا في جسده (إش 53: 4 - 6)، مستخدمًا الأمم كسفراء عنه، يشهدون لإنجيله الذي يعلن عن حب الله للعالم كله!

إن كان إرميا قد عجز عن تقديم المصالحة بين الله وشعبه، فإننا قبلناها ببسط يده، أي بالتجسد الإلهي.

كان دور النبي في ذهن صدقيا الملك أن يطلب ما هو لخير شعبه، ويعمل لحساب وطنه، مهما كلفه الأمر. فكان الأنبياء في أثناء الحروب يصلون إلى الله، ويشفعون في الشعب ليهبهم النصرة على الأعداء. لكننا نرى هنا إرميا يقف أمام الله ليجد أنه لا مجال للشفاعة عن شعبٍ قد صار الله نفسه عدوًّا لهم... لم يعد الأمر - في عينيه - هو الشفاعة عنهم لكي يتمتعوا بالخلاص من العدو، وإنما أن يجدوا طريق المصالحة مع الله، حتى وإن ظهروا في ضعف، خاضعين للعدو الظاهري، بابل!

الأعداد 8-10

3. نصيحة: الخضوع للتأديب الإلهي:

"وتقول لهذا الشعب:

هكذا قال الرب.

هأنذا أجعل أمامكم طريق الحياة وطريق الموت.

الذي يقيم في هذه المدينة يموت بالسيف والجوع والوبأ.

والذي يخرج ويسقط إلى الكلدانيين الذين يحاصرونكم يحيا، وتصير نفسه له غنيمة.

لأني جعلت وجهي على هذه المدينة للشر لا للخير يقول الرب.

ليد ملك بابل تُدفع فيحرقها بالنار "[8 - 10].

لم يعد أمام صدقيا ورجاله وكل الشعب إلا الاختيار بين أقل الأمرين مرارة: الاستسلام لبابل أو الموت. هذا ما فعلته الخطية بهم، إصرارهم على الخطية زمانًا طويلاً أفقدهم إمكانية التمتع بالحرية، ودخل بهم إلى ضرورة الانحناء إلى العبودية المرّة والسبي... ولكن إلى زمان، حتى يقدموا توبة صادقة، ورجوعًا حقيقيًا لله مخلصهم صانع العجائب.

كانت الإجابة هي أن يشرب الملك ومن معه من السم الذي أعدوه لأنفسهم. جاءت هذه الإجابة تحطم كل أثر لإمكانية قبول إرميا أو احترامه وسط الكهنة أو القيادات المدنية أو الشعب. إذ بدت نصيحة إرميا كأنها استسلام لبابل، ورآها البعض خيانة وطنية وانحيازًا للعدو (38: 17 - 21). قدم إرميا النبي ذات النصيحة أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة، مؤكدًا للشعب أنه يلزمهم الخضوع للكلدانيين. لم يكن إرميا النبي يتكلم بمنطق الرجل السياسي أو العسكري، إنما منطق رجل الله الذي يوجه الكل نحو الخضوع للتأديب الإلهي كخطوة أولى نحو التجديد المقبل، كاعتراف مبدأي بالخطأ والرغبة في التوبة. جاءت مشورته هي أن يتجنبوا قتلهم بالخضوع في هدوء للبابليين، بدون مقاومة. حجته بسيطة وهي أن الله تخلى عن شعبه بسبب عدم ولائهم له وخيانتهم، لهذا صار سقوط أورشليم أمرًا حتميًا لا مفر منه.

مع هذا عندما سقطت يهوذا سنة 587 ق. م اختار أن يبقى في بلده ليعمل لحساب شعبه لتجديدهم في المستقبل (40: 1 - 6؛ 42: 7 - 22).

في سفر التثنية أعطى الله لشعبه حق الخيار بين طريقيْ الحياة والموت (تث 30: 15 - 19)، طريق الحياة هو الطاعة لإرادة الله (تث 30: 16)، إرادة الله هنا هي تأديبهم بتحطيم مدينتهم. حقًا إنها مدينة الله التي نسبها إلى نفسه (تث 12: 5؛ 2 مل 23: 8)، لكنها إذ تدنست بالأوثان والرجاسات، صارت هناك ضرورة لتحطيمها تمامًا لتقوم من جديد تحمل القداسة اللائقة به. من أراد الحياة فليطع الرب ويستسلم مؤقتًا للكلدانيين، حتى تتقدس المدينة بعد تحطيمها ويعودوا إليها.

يبدو أن ما فعله إرميا هنا يشبه ما حدث بعد ذلك في كورنثوس، حيث أمر بولس الرسول بطرد ذاك الذي ارتكب الشر مع امرأة أبيه. لقد سلمه كما إلى الشيطان لهلاك الجسد مؤقتًا، وإذ قدم توبة أسرع الرسول يأمرهم بقبوله حتى لا يحطمه اليأس، فعاد مقدس النفس والجسد معًا!

الأعداد 11-12

4. الحاجة إلى التوبة:

"ولبيت ملك يهوذا تقول:

اسمعوا كلمة الرب يا بيت يهوذا.

هكذا قال الرب:

اقضوا في الصباح عدلاً،.

وأنقذوا المغصوب من يد الظالم،.

لئلا يخرج كنارٍ غضبي فيحرق وليس من يطفئ من شر أعمالكم "[11 - 12].

جاء حديثه عن التوبة عمليًا، إذ بدأ بالملك بكونه القائد الأعلى للشعب والمسئول أمام الله عنهم، مؤكدًا أنه من بيت داود رجل الله، لذا يليق به أن يسمع لصوت الرب ويمارس التوبة العملية.

يوجه هنا حديثه إلى بيت يهوذا الملوكي [11 - 12] كما إلى المدينة الملوكية، أورشليم [13 - 14]. يقصد بالبيت هنا [11 - 12] الأسرة الملكية.

يوضح الله للملك عمليًّا ما هي خطاياه، لكي يقدم عنها توبة عملية، وقد ركّزها في أمرين:

أولاً: الظلم وتجاهل العدالة.

ثانيًا: التأله والعجرفة.

فمن جهة "الظلم وتجاهل العدالة" لا يكفي للملك أن يكون غير ظالمٍ، بل يلتزم بممارسة العدالة، وأن يبكر مسرعًا في تحقيقها.

في الأصحاح الخامس يطلب الله من إرميا بل ومن كل السامعين أن يطوفوا في شوارع أورشليم وينظروا ويعرفوا ويفتشوا في ساحاتها لعلَّهم يجدون إنسانًا واحدًا يعمل بالعدل ويطلب الحق فيصفح عنها (5: 1). إنه لم يجد... حتى جاء السيد المسيح نفسه، الله المتأنس، يقول: "لأني أنا الرب محب العدل مبغض المختلس بالظلم" (إش 61: 8).

المسئولية الرئيسية للملك هي الإسراع في ممارسة العدل "في كل صباح (مبكرًا) labboqer؛ ذلك لأنه كانت العادة أن ينظر في القضايا في الصباح المبكر عند باب المدينة (عا 4: 4؛ مز 50: 17؛ مز 101: 8). فالملك كممثل لله وسفيره يلزمه أن يكون حارسًا للعدالة. لذلك طلب سليمان الحكيم في صلاته لله أن يهبه عقلاً رزينًا قادرًا على التمييز بين الخير والشر (1 مل 3: 9؛ 8: 32). وقد ركزت كثير من المزامير الملوكية على ممارسة العدالة ونزع الظلم (مز 45: 5 - 9؛ 72: 1 - 4، 12 - 14 الخ.) مع الرحمة، حتى يترنم الملك مع داود قائلاً:

"رحمة وحكمًا أغنى. لك يارب أرنم...

الشرير لا أعرفه.

الذي يغتاب صاحبه سرًا هذا أقطعه...

عيناي على أمناء الأرض لكي أجلسهم معي.

السالك طريقًا كاملاً هو يخدمني،.

لا يسكن وسط بيتي عامل غش.

المتكلم بالكذب لا يثبت أمام عيني.

باكرًا أبيد جميع أشرار الأرض لأقطع من مدينة الرب كل فاعلي الإثم "(مز 101).

أثار الأنبياء هذا الموضوع، مطالبين الملك أن يحقق العدالة وينزع الظلم (عا 5: 11 - 13؛ إش 1: 17؛ مي 3: 9 - 12 الخ.).

لتحقيق العدالة بالنسبة للملك أهمية من جهة أنه علامة على الأمانة في تحقيق الميثاق الإلهي، إذ يُحسب شرط "ممارسة العدالة" التزامًا من جانب الملك مقابل تعهد الله بحمايته وإعطائه النصرة. ومن جانب آخر فإن الملك يحمل رمزًا وظلاً للمسيا الملك ابن داود الذي جاء ليحقق العدل (23: 5 - 6؛ إش 9: 6 - 7؛ 11: 1 - 4 الخ)، فإنه ينقذ الإنسان من الظالمين.

إذ جعلنا السيد المسيح ملوكًا (رؤ 1: 6) يليق بنا نحن أيضًا أن نلتحف بالرحمة نحو إخوتنا، خاصة المتألمين والمحتاجين. ففي تعليق للقديس هيبوليتس على كلمات ربنا يسوع مع الأشرار في اليوم الأخير يقول:

[حينئذ يسألون: "يارب، متى رأيناك جائعًا أو عطشانًا أو غريبًا أو عريانًا أو مريضًا أو محبوسًا ولم نخدمك؟!" (مت 25: 44).

يارب، أما تعرفنا؟!

أنت هو الذي خلقتنا، ووهبتنا الروح والنفس!

إننا آمنا بك، ونلنا ختمك.

نلنا معموديتك، واعترفنا بك إلهًا... صنعنا آيات باسمك، وأخرجنا شياطين! من أجلك امتنا الجسد، واحتملنا البتولية وسلكنا في العفة!

من أجلك تغربنا على الأرض، وأنت تقول: لا أعرفكم، إذهبوا عني؟!

يجيب الرب قائلاً:

لقد خُتمتم بخاتم صليبي، لكنكم طمستموه بقساوة قلوبكم!

نلتم معموديتي، لكنكم لم تبالوا بوصاياي!

أخضعتم أجسادكم للبتولية، لكنكم لم تصنعوا رحمة، ولا أخرجتم البغضة نحو أخيكم من قلوبكم!

لأنه ليس من يقول يارب يارب يخلص، بل الذي يصنع مشيئتي[428]].

إن لم تهتم يهوذا بمعالجة حالات الظلم الاجتماعي الخطيرة السائدة في داخلها، تجد نفسها أمام حالة الغضب الإلهي الخطيرة [11].

كثيرًا ما يشبه إرميا النبي الحكم الإلهي بنارٍ لا تنطفئ (4: 4؛ 17: 4، 27؛ 21: 12؛ 14؛ 43: 12؛ 49: 27).

الأعداد 13-14

5. أورشليم تؤله نفسها:

"هأنذا ضدك يا ساكنة العمق،.

صخرة السهل يقول الرب.

الذين يقولون: من ينزل علينا؟

ومن يدخل إلى منازلنا؟

ولكنني أعاقبكم حسب ثمر أعمالكم يقول الرب.

وأشعل نارًا في وعره (غابته) فتأكل ما حواليها "[13 - 14].

بقوله: "القائلة: من يقدر أن ينزل ضدك؟" يحمل أحد معنيين:

أ. إما أن أورشليم تظن أن الله لن ينزل ليؤدبها، وكأنه في سمواته لا يبالي بها، ولا ينشغل بتأديبها، فما يهدد به إنما هو كلام! أو أنه لن يلحق بها.

ب. ربما يعني أن أورشليم قد انحطت بالشر إلى الهاوية (أي 12: 13)، فصارت أسفل الأرض...

في كلا الحالتين ظنت أورشليم أنها بعيدة عن طائلة قانون الله وتأديبه.

جاءت كلمة "أنتِ" [13] بالمؤنث، فهو يحدث أورشليم، إذ ينظر إلى المدن كأمهات لسكانها، كما ينظر إلى القرى المحيطة بالمدينة كبناتٍ لها.

لقد ألَّهت أورشليم نفسها، فظنت أنه لن يقترب منها العدو، ولا يلحق بها الله نفسه. إنها ملكة متربعة على الوادي، وصخرة قوية ليس من يحطمها!

كانت أورشليم محاطة بالوديان العميقة من جهة الغرب والجنوب والشرق، لهذا لم تكن تحتاج إلى الدفاع إلا من جهة الشمال فقط.

قيل: "أيتها المتربعة على الوادي" [13]. كما ان الله هو المتربع على الشاروبيم (1 صم 4: 4، 2 صم 6: 2، 1 أي 13: 6، مز 80: 2، 99: 1) هكذا يريد أن تكون مدينته متربعة ومتوَّجة فوق كل الوديان. متى كان حالاًّ فيها كملك، يقيم منها ملكة، ويضع تابوت عهده الممثل لحضرته في الهيكل المقام في أورشليم مدينته.

ربما بقوله "المتربعة على الوادي" يشير إلى شرها الذي أُعلن بوضوح في وادي ابن هنوم، والذي دعاه "وادي القتل"، فصارت ملكة، لا بقبولها الملك واتحادها معه، بل باحتضانها الفساد والشر، وارتباطها برجاسات وادي هنوم.

لعله دعاها "المتربعة على الوادي" مقابل دعوة صور "المتربعة على مداخل البحر" (حز 27: 3)، إذ جعلت من نفسها إلهًا (حز 28: 2)، وكأن إرميا النبي يقول لسكان أورشليم لقد صرتم كنعانيين (10: 17) تدعون مدينتكم "متربعة على الوادي" كما يدعو الفينيقيون مدينتهم "المتربعة على مداخل البحر".

خطيتها هي الكبرياء والتشامخ، وكما جاء في المزمور: "رأيت المنافق يرتفع ويتعالى مثل أرز لبنان، وجزت فإذا ليس هو. التمسته فلم أجده مكانه" (مز 37: 35، 36).

  • التكبر والغرور والغطرسة والافتخار بعجرفة، هذه كلها لا تنبع عن تعاليم المسيح الذي علَّمنا الاتضاع، بل عن روح ضد المسيح الذي يوبخه الرب بالنبي القائل: "وأنت قلت في قلبك: أصعد إلى السموات، أرفع كرسيَّ فوق كواكب الله" (إش 14: 13 - 14) [429].

الشهيد كبريانوس.

  • كل من يتعاظم ينحدر.

تعاظم قايين على أخيه هابيل فقتله، لُعن وصار هاربًا متشردًا في الأرض.

أيضًا تعاظم أهل سدوم على لوط فأنزل الله عليهم نارًا من السماء وأحرقهم، وانقلبت المدينة عليهم.

تعاظم أيضًا عيسو على يعقوب واضطهده، ونال يعقوب بكوريته وبركته.

تعاظم أولاد يعقوب على يوسف، ثم عادوا فسجدوا أمامه في مصر.

تعاظم فرعون على موسى وشعبه، فغرق فرعون وجنوده في البحر[430]...

الأب افراهات.

يرى البعض[431] أن عبارة "المتربعة على الوادي" [11] تشير إلى "الملك" حيث تقابل "ساكنة الوادي (العمق)" [13] التي تشير إلى الشعب، فقد صار الملك متربعًا على الوادي، يهتم بسلطانه، مستخدمًا كل عنف وضغط، عوض أن يمارس أبوّته وخدمته للشعب. تحولت الملوكية من أبوة وخدمة حانية، خاصة بالنسبة للمظلومين والأيتام والفقراء، إلى تسلطٍ وعنفٍ.

يدعوها "صخرة السهل" ليؤكد لها أنها وإن كانت كالصخرة تحميها الطبيعة وتجعل منها مدينة محصنة يصعب على العدو أن يهزمها، مع ذلك تتم الهزيمة حتمًا!

دُعي الله صخرة 33 مرة في العهد القديم، منها 16 مرة في سفر المزامير[432]، وكأن الله يريد من أورشليمه أن تحمل لقبه وتكون صخرة يحتمي فيها المؤمنون، حيث يجدون فيها الله ملجأ لهم وحماية. لكنها للأسف صارت عاجزة عن حماية نفسها، فصارت أشبه بأتون نارٍ تحترق فيه غاباتها. هنا يشبه اليهود بالأشجار التي تجمعت معًا، لكن الفساد ألهبهم بنارٍ محرقة.

"ولكنني أعاقبكم حسب ثمر أعمالكم يقول الرب.

وأشعل نارًا في وعره (غابته) فتأكل ما حواليها "[14].

الحديث هنا موجه إلى سكان أورشليم، ويرى البعض أنه موجه ضد القصر الملكي، الذي دُعي في (1 مل 7: 2؛ 10: 17، 21) "بيت وعر لبنان"، وذلك بسبب كثرة ما استخدموه من الأرز في تأسيسه، ودُعي في إشعياء (22: 8) "بيت الغابة"، كما يُستخدم تعبير الغابة عن الهيكل (1 مل 6: 9 - 36) وتستخدم كلمة "الوعر" أيضًا كموضع تختبئ فيه حيوانات البرية (5: 6؛ 12: 8). هنا نتصور "الموضع الخفي"، فبحرق الغابات لا تجد الوحوش مكانًا تختفي فيه...

بالتأكيد لا يوجد في أورشليم ذاتها غابات، ولكن توجد على التلال التي حواليها.

نختم هذا الأصحاح بعبارات القديس أغسطينوس:

[لا يخدع إنسان نفسه ظانًا أنه لن يُعاقب بمراحم الله، إذ يوجد حكم.

ولا يخاف إنسان يتغير إلى الأفضل من حكم الرب، متطلعًا أن الرحمة تتقدم الحكم!

فإنه عندما يحكم البشر أحيانًا إذ يريدون تنفيذ حكمٍ صارمٍ يفقدون الرحمة.

أما الله فلن يفقد حزم الحكم في سخاء الرحمة، ولا الحكم الحازم ينزع سخاء الرحمة[433]].

من وحي إرميا 21.

لأسمع صوتك فأحيا!

لكنه في أعماقه كان يطلب أن يسمع ما يهواه هو!

يريد أن يسألك بشفتيه لا بقلبه،.

لم يطلب صوتك بل صوته هو!

  • طلب أن تصنع معه حسب كل عجائبك،.

فتخلصه من يد الكلدانيين أعدائه،.

ولم يدرك أنه إذ حول وجهه عنك حوّلت وجهك عنه!

لم يدرك أنك تستخدم الكلدانيين لتأديبه!

حولت حتى أسلحته إلى صدره،.

وسمحت للوبأ والسيف والجوع أن تهاجمه،.

فتحت أبواب أورشليم ليجتمع العدو فيها.

هذا كله لأنه لم يسمع لصوتك!

  • كلمتك نور تكشف كل ضعفاتي،.

كنورٍ تبدد ظلمتي فأصير نورًا.

أعترف لك إنني بغير عذرٍ لم أمارس العدل،.

لم أطلب الحق، ولا ترفقت بالمظلومين!

في عجرفة ظننت إنني أهرب من الحكم الإلهي،.

وأنت في حبك تؤدب،.

تمزج عدلك بالرحمة!

تؤدبني هنا بفيض رحمتك الغنية،.

وترحمني في ذلك اليوم العظيم خلال عدلك الإلهي العجيب!

ظنت في نفسها صخرة الوادي،.

وحسبت نفسها ملكة متربعة على السهل،.

اتكلت على حصونها الطبيعية،.

لن يلحق بها عدو،.

ولا تلحق أنت بها،.

مسكينة هذه المتشامخة!

حرمت نفسها من التمتع بفيض رحمتك أثناء تأديبها!

  • أورشليم مدينتك المحبوبة لديك جدًا، .

رفضت صوتك فتدنست،.

استحقت التحطيم تمامًا!

في حبك لا تتركها،.

تود أن تردها إليها،.

لتعود فتقيمها من جديد مقدسة ومباركة،.

صخرة وعرش وملكة!

يا لك من عجيب حتى في تأديبك أيها الكلمة الحقيقي!

  • مدّ يدك إليّ،.

لكن ليس بغضبٍ وحموٍ وغيظٍ عظيمٍ،.

بل ابسط حبك ورحمتك نحوي، .

فاستمع لصوت تأديبك! .

صوتك حلو وعذب، حتى في لحظات التأديب المرّة!

  • صوتك الحلو يحوّل حياتي إلى صخرة الإيمان،.

ففيك أحتمي!

صوتك العذب يحوّل قلبي إلى عرشك الإلهي،.

ويقيم مني ملكة،.

أجلس عن يمينك،.

واتحد بك يا حكمة الله الحلو!

صوتك يجعلني أورشليمك المحبوبة والمنتسبة إليك!


[419] راجع قاموس الكتاب المقدس، ص 540 - 541.

[420] R. C. Clements: Jeremiah, , 1988, p. 125 - 6.

[421] Ibid, p. 127.

[422] Josephus: Antiquities of the Jews, , Baker Book House, 1984, vol. 3, p. 68.

[423] John Guest: Jeremiah, 1988, p. 159.

[424] cf R. C. Clements, p 127 ; Holladay: Jeremiah, p. 570.

[425] Thompson: Jeremiah, p. 467.

[426] , p. 571.

[427] Ibid, p. 571.

[428] Works of Hyppolitus, 48.

[429] Ep. 54: 3 (49.

[430] Select Demonstration 5: 2.

[431] R. C. Clements, p. 128.

[432] , p. 587.

[433] On Ps. 101, 1.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الثاني والعشرون - سفر إرميا - القمص تادرس يعقوب ملطي

الأصحاح العشرون - سفر إرميا - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفاسير سفر إرميا الأصحاح 21
تفاسير سفر إرميا الأصحاح 21