الأصحاح الثاني عشر – تفسير الرسالة إلى العبرانيين – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح الثاني عشر

العدد 1

آية (1): -

"1لِذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا إِذْ لَنَا سَحَابَةٌ مِنَ الشُّهُودِ مِقْدَارُ هذِهِ مُحِيطَةٌ بِنَا، لِنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْل، وَالْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ، وَلْنُحَاضِرْ بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا.".

سَحَابَةٌ = هم أبطال الإيمان الذين ذكرهم فى ص (11). ومن كثرتهم شبههم بسحابة. وهم سحابة لأنهم مرتفعين فى السماء هم فوقنا. وهم سحابة إذ بشفاعتهم وصلواتهم تنهمر مراحم الله علينا كالمطر على الأرض، فنحن طبيعتنا ترابية. والسحابة تسير فى السماوات لأنه لا ثقل يجذبها للأرضيات. وهكذا كل قديس يحمل يسوع فى داخله، فكل من يطرح ثقل الخطية يصير جزءاً من السحابة يحيا مرتفعاً عن الأرضيات، يحيا في السماويات. والعذراء شبهت بسحابة سريعة. أي عالية خفيفة. لشدة قداستها هي أعلى من الكل (إش19: 1). مِنَ الشُّهُودِ = كان هناك فى ميادين السباق شهود يراقبون اللاعبين وبحسب شهادتهم ينال الفائز جائزة. الرسول أسماهم شهود فهم:

  1. شهدوا للحقيقة والإيمان.
  2. هم شهود لنا أن الله أعطاهم قوة فإحتملوا الألم. وفى هذا تشجيع لكل متألم حتى يصبر والله سيعينه.
  3. هم شهود يشتكون لله الظلم الذى وقع عليهم ويقع على إخوتهم على الأرض (رؤ9: 6–11).
  4. هم شهود لنا الآن أنهم فى السماء جزاء لهم على إحتمالهم الألام بصبر.

ونلاحظ أن بولس الرسول فى ص (11) عدد أصناف من الضيقات ليختار كل منا ما يناسبه حسب ألامه. كُلَّ ثِقْل = أى كل ما يجذبنا للأرضيات. كل ما يثقلنا فى جهادنا الروحى من محبة العالم والشهوات والكسل وعبادة المال والعشرة الرديئة.

وَالْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ = بسهولة يسقط الإنسان فى الخطية وبسهولة يتخلص منها لو أراد. والسهولة فى ترك الخطية ناشئ من أن المسيح يحملها عنا، وما علينا سوى أن نقبل تنفيذ الوصية فنجد المعونة وهذا معنى قول الرب "نيرى هين وحملى خفيف". وَلْنُحَاضِر = معناها الأصلى نجرى فى جهادنا.

بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ = حقاً المسيح يحمل عنا ويعطى نعمة تساندنا ويشفع لنا فى السماء بدمه، ولكن هذه الشفاعة لا يستفيد منها المتكاسلين والمتراخين. لذلك يطلب منهم الجهاد. ولنلاحظ أن الخطية تهاجمنا من كل ناحية وهذا يمثل ثقل على النفس لذا علينا أن نجاهد متطلعين لأبطال الإيمان ونتمثل بهم وهم يسندوننا بصلواتهم.

الْجِهَادِ = يعنى الإنضباط والإحتمال، والتغصب على عمل البر وترك الشر.

العدد 2

آية (2): -

"2نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ، احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِينًا بِالْخِزْيِ، فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ اللهِ.".

إن كان إحتمال القديسين للألام يعطينا شجاعة وإحتمال، فكم وكم يثير فينا هذا ألام المسيح نفسه. رَئِيسِ الإِيمَانِ = قائد المؤمنين فى طريق الجهاد ليحملهم من مجد إلى مجد حتى حضن الآب ينعمون بالكمال. وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ = هو يكمل ما نقص من إيماننا حتى يقدمنا لأبيه بلا لوم = "أكملت ناموسك عنى... القداس الغريغورى". وكلمة رئيس الإيمان تشير أن المسيح هو الذى أسس الإيمان أما الرسل فكرزوا به فقط مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ = هنا ينتقل الرسول من إحتمال الألم إلى السرور بالألم أو الألام لأجل السرور. فهو إحتمل الألام بفرح لأنه يعلم أنه بألامه ستفرح البشرية فكان فرح البشرية مصدر سرور له. وعلينا أن نفهم أنه لا يمكن أن يسمح الله بألم إن لم يكن وراءه سرور (يو16: 21). والمسيح بعد أن إحتمل الخزى جلس عن يمين عرش الله.

العدد 3

آية (3): -

"3فَتَفَكَّرُوا فِي الَّذِي احْتَمَلَ مِنَ الْخُطَاةِ مُقَاوَمَةً لِنَفْسِهِ مِثْلَ هذِهِ لِئَلاَّ تَكِلُّوا وَتَخُورُوا فِي نُفُوسِكُمْ.".

تأملوا وضعوا أمام عيونكم المسيح المتألم حتى يكون هذا مصدر إيمان وإحتمال. لذلك وضعت الكنيسة أسبوعاً للألام نتأمل فيه ألام الرب ليتحول هذا إلى منهج فكرى وعملى فى حياة أبنائها. حين نتأمل فى ألام المسيح وأنه إحتملها لا من أجل نفسه بل من أجلنا فهذا يعطينا أن نحتمل الألام لأجله فهو يسمح بهذه الألام لكى نكمل بها. لذلك نصلى فى الأجبية "أقتل أوجاعنا بألامك الشافية المحيية" وهو يهبنى قوة ومعونة ونصرة (إش63: 9).

العدد 4

آية (4): -

"4لَمْ تُقَاوِمُوا بَعْدُ حَتَّى الدَّمِ مُجَاهِدِينَ ضِدَّ الْخَطِيَّةِ.".

حَتَّى الدَّمِ = حتى النهاية. والرسول يقول هذا بعد أن أعطانا أمثلة لأبطال الإيمان الذين فعلوا هذا فعلاً وقدموا حياتهم. ومن يجاهد حتى الدم هو من آمن بالأبدية والمجد المعد، فهناك إرتباط بين الإيمان والجهاد. ونلاحظ أن الإستسلام للخطية من الداخل يفقد الإنسان روح الجهاد وإحتمال الألام والإضطهاد، لذلك يطلب منهم أن يجاهدوا ضد الخطية فتكون لهم قوة على إحتمال الإضطهاد. بل علينا أن نرفض الخطية حتى لو وصل الأمر لإستشهادنا.

العدد 5

آية (5): -

"5 وَقَدْ نَسِيتُمُ الْوَعْظَ الَّذِي يُخَاطِبُكُمْ كَبَنِينَ: «يَا ابْنِي لاَ تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ الرَّبِّ، وَلاَ تَخُرْ إِذَا وَبَّخَكَ.".

الله يسمح بالضيقات لا للإنتقام ولا للدينونة بل لمساندتنا وتأديبنا أى لأجل النفع الروحى. والله لو إمتنع عن تأديب أحد فهذا يعنى اليأس من شفائه (هو4: 14). لاَ تَحْتَقِر = لا تستخف بالتأديب ولا ترفضه وتتذمر عليه كأنه شئ غير مقبول (يع1: 2). نسيتم الوعظ = نسيتم التحذيرات والوصايا التى يطالبنا بها الله عندما يكلمنا كأولاده. وإذ يخاطبنا الرب كبنين له فهو يقول يَا ابْنِي لاَ تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ الرَّبِّ. والرسول هنا يشير إلى (أم3: 11).

الأعداد 6-7

الآيات (6 - 7): -

"6لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ». 7إِنْ كُنْتُمْ تَحْتَمِلُونَ التَّأْدِيبَ يُعَامِلُكُمُ اللهُ كَالْبَنِينَ. فَأَيُّ ابْنٍ لاَ يُؤَدِّبُهُ أَبُوهُ؟".

المعروف هو أن التأديب هو للخير، ولكن إن طريقة قبولنا نحن للتأديب هى التى تحدد تأثير التأديب علينا. فإحتمالنا التأديب برضى فهذا بحد ذاته يحول الألم إلى درس منفعة. ومن يحتمل بشكر ينمو إيمانه (كو2: 7). أما رفض التأديب فهو رفض للتعامل مع الله كأبناء وعدم ثقة فى أن الله محبة وهو أحبنا حتى الصليب لنصير أبناء له، والله فى كل ما يسمح به هو للتقويم حتى لا نهلك بل نستمر كأبناء له، وبالتالى رفض التأديب هو رفض للبنوة. ورفض البنوة يعنى رفض المسيح وفداءه. أما لو إحتملنا الألم فالله يحوله إلى فرح (يو16: 20) لكن من لا يقبل لا يكون شريكاً فى السرور الذى قبله المسيح.

العدد 8

آية (8): -

"8 وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِلاَ تَأْدِيبٍ، قَدْ صَارَ الْجَمِيعُ شُرَكَاءَ فِيهِ، فَأَنْتُمْ نُغُولٌ لاَ بَنُونَ.".

نُغُولٌ = أولاد زنا. وعدم قبول التأديب هو علامة خاصة بالنغول. إذاً فلنفرح بالتأديب فهو علامة شرعية بنوتنا لله كما يقول ذهبى الفم. لنفهم الآية نقرأها كالتالى "ولكن إن كنتم بلا تأديب الذى قد صار الجميع شركاء فيه كأبناء فأنتم نغول لا بنون".

العدد 9

آية (9): -

"9ثُمَّ قَدْ كَانَ لَنَا آبَاءُ أَجْسَادِنَا مُؤَدِّبِينَ، وَكُنَّا نَهَابُهُمْ. أَفَلاَ نَخْضَعُ بِالأَوْلَى جِدًّا لأَبِي الأَرْوَاحِ، فَنَحْيَا؟".

شفاعة المسيح وبذله أعطانا دالة قوية عند الله. ولكن لو تحولت الدالة إلى إستهتار فهنا يأتى التأديب بالمهابة والمخافة. وكنا ونحن صغار نخجل ونخاف من تأديب أبائنا الجسديين. أفلا نحتمل التأديب من الله أبينا الروحى الذى فى يده أجسادنا وأرواحنا… فَنَحْيَا = لذلك من يخضع يحيا، أى تكون له حياة أبدية. أما من يتذمر على أحكام الله وتأديبه يهلك كما هلك الشعب في البرية إذ تذمروا على الله.

العدد 10

آية (10): -

"10لأَنَّ أُولئِكَ أَدَّبُونَا أَيَّامًا قَلِيلَةً حَسَبَ اسْتِحْسَانِهِمْ، وَأَمَّا هذَا فَلأَجْلِ الْمَنْفَعَةِ، لِكَيْ نَشْتَرِكَ فِي قَدَاسَتِهِ.".

حَسَبَ اسْتِحْسَانِهِمْ = كل إشتياق أبائنا الجسدانيين أن يرونا ناجحين فى الزمان الحاضر. أما الله فيؤدب لهدف أعظم، فهو يود أن يرانا شركاءه فى حياته المجيدة، شركاء فى قداسته بأن نتطهر من خطايانا ونحمل سماته فينا. فإن كنا نتألم معه لكى نتمجد معه (رو8: 17).

العدد 11

آية (11): -

"11 وَلكِنَّ كُلَّ تَأْدِيبٍ فِي الْحَاضِرِ لاَ يُرَى أَنَّهُ لِلْفَرَحِ بَلْ لِلْحَزَنِ. وَأَمَّا أَخِيرًا فَيُعْطِي الَّذِينَ يَتَدَرَّبُونَ بِهِ ثَمَرَ بِرّ لِلسَّلاَمِ.".

فالإبن يئن تحت ألم التأديب. ولكن كلما نضج عرف أن التأديب كان سر نجاحه. ثَمَرَ بِرّ لِلسَّلاَمِ = التأديب الإلهى هدفه أن ننال هبة هى بر الله = أى تتغير حياتنا بالتأديب فنسلك فى البر، ويملأ القلب سلاما من ثمار الروح، والسلام يأتى من رضى الرب.

العدد 12

آية (12): -

"12لِذلِكَ قَوِّمُوا الأَيَادِيَ الْمُسْتَرْخِيَةَ وَالرُّكَبَ الْمُخَلَّعَةَ.".

الكنيسة حياة شركة فيها يساند كل عضو أخيه حتى لا يخور، فالعزلة تجعل الإنسان ينهار سريعاً. وهنا تصوير كأن أحد يصعد جبل فهو يحتاج ليديه ورجليه ومن يخور سيفشل فى الصعود ويهبط للهاوية. ونحن نجاهد لنكون فى السماويات، فنحن كمن يصعد جبل وعلى كل منا أن يشد أزر أخوه. والمقصود بالأَيَادِيَ الْمُسْتَرْخِيَةَ وَالرُّكَبَ الْمُخَلَّعَةَ هو وصف من يصابون بالخوف نتيجة مجابهتهم للشدائد الناتجة عن التأديب. ولكن إن أدرك الإنسان أن هذا التأديب لنفعه فهذا يملأه إيمان وقوة.

العدد 13

آية (13): -

"13 وَاصْنَعُوا لأَرْجُلِكُمْ مَسَالِكَ مُسْتَقِيمَةً، لِكَيْ لاَ يَعْتَسِفَ الأَعْرَجُ، بَلْ بِالْحَرِيِّ يُشْفَى.".

قارن مع (لو3: 4–6) "أعدوا طرق الرب إصنعوا سبله مستقيمة" وهذه قالها إشعياء للعائدين من سبى بابل. مَسَالِكَ مُسْتَقِيمَةً = أى لتنخفض كل كبرياء فيكم أما النفوس الذليلة التى تشعر بصغر النفس فلتتشدد وتتقوى والنيات الخبيثة المعوجة لتستقيم. ويقولها الرسول هنا لمن هو متردد، كما قال الرب "من وضع يده على المحراث فلا يعود ينظر إلى الوراء" (لو9: 26). وتقال لكل خاطئ متردد فى الثبات فى طريق البر.

لِكَيْ لاَ يَعْتَسِفَ الأَعْرَجُ = الأعرج هنا هو من يعرج بين التعاليم المسيحية وبين اليهودية. وعلى هذا الإنسان أن يتمسك بإيمانه الصحيح الواحد.

وطبعا من له سلوك مستقيم يتنقى قلبه فتنفتح عينيه ويميز بين الطريق الصحيح والخاطئ. بين المسيحية واليهودية.

العدد 14

آية (14): -

"14اِتْبَعُوا السَّلاَمَ مَعَ الْجَمِيعِ، وَالْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ.".

الرسول يركز على سمتين هامتين من سمات الجهاد:

  1. إتباع السلام مع الجميع وإحتمال ضعف الآخرين والتعامل بمحبة مع كل واحد.
  2. التمتع بالحياة المقدسة. فمن يحب المسيح حقيقة لا يقبل الحياة الشريرة بل ينشغل بالكامل فى أن يرضى الله ويحبه من كل قلبه. القداسة هنا موازية لنقاوة القلب فى عظة المسيح على الجبل والتى بها يعاين أنقياء القلب الله (مت5: 8). والسلام هنا موازى فى عظة المسيح على الجبل لصانعى السلام (مت5: 9). يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ = يوجد فى حضرة الله ويستمتع بميراث الملكوت السماوى. وهنا على الأرض يرى أحد الرب أى يدرك محبته فيفرح بأحكامه ويرى قدرته فلا يخاف شيئا.

العدد 15

آية (15): -

"15مُلاَحِظِينَ لِئَلاَّ يَخِيبَ أَحَدٌ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ. لِئَلاَّ يَطْلُعَ أَصْلُ مَرَارَةٍ وَيَصْنَعَ انْزِعَاجًا، فَيَتَنَجَّسَ بِهِ كَثِيرُونَ.".

مُلاَحِظِينَ = بإجتهاد ونشاط لاحظوا إخوتكم حتى لا يسقطوا. لِئَلاَّ يَخِيبَ = التشبيه هنا بسهم منطلق لا يبلغ هدفه وهكذا كل من يريد الإرتداد لليهودية، أو سلك بدون سلام وقداسة. لِئَلاَّ يَطْلُعَ = كأنها بذرة مخفية ثم طلعت شجرة مرارة ومعنى شجرة مرارة أنها تكون سبباً فى مرارة الآخرين. انْزِعَاجًا = يبلبل أفكار الجماعة من جهة الإيمان بالمسيح فيثنيهم عن الإيمان الصحيح. هنا الرسول يطلب منهم ملاحظة بعضهم لئلا يكون بينهم إنسان يتأخر ويتعوق عن نوال الخلاص الذى هو نعمة الله، ولئلا يكون بينهم أصل مر = من يكون قدوة وينشر تعاليم فاسدة مخادعة تؤثر تأثيراً سيئاً على حياة الآخرين (تث29: 18).

العدد 16

آية (16): -

"16لِئَلاَّ يَكُونَ أَحَدٌ زَانِيًا أَوْ مُسْتَبِيحًا كَعِيسُو، الَّذِي لأَجْلِ أَكْلَةٍ وَاحِدَةٍ بَاعَ بَكُورِيَّتَهُ.".

ذكر الكتاب المقدس عن عيسو أنه كان مستبيحاً وهذا يتضح من بيعه للبكورية وهذا يشير لإستهانته بالموعد المقدس (أن من نسل البكر سيأتى المسيح). وعلة السقوط فى الحياة الروحية والعجز عن الجهاد هو الإستباحة والإستهتار مثل عيسو بل أن كل إستباحة تولد إستباحة حتى يصل الإنسان لفساد روحى كامل "إحذروا الثعالب الصغيرة". والكتاب المقدس لم يذكر صراحة أن عيسو كان زانياً ولكن التقليد اليهودى يذكر أنه كان زانياً وإنساناً شهوانياً. وعموماً فالإستباحه تشمل كل شئ حتى الزنا. والزنا والإستباحه أخطر ما يقف فى طريق القداسة. وهكذا كان حال العبرانيين الذين أرادوا بيع مسيحيتهم مقابل هيكل أورشليم فشابهوا عيسو الذى باع بكوريته بأكله عدس.

العدد 17

آية (17): -

"17فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَيْضًا بَعْدَ ذلِكَ، لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرِثَ الْبَرَكَةَ رُفِضَ، إِذْ لَمْ يَجِدْ لِلتَّوْبَةِ مَكَانًا، مَعَ أَنَّهُ طَلَبَهَا بِدُمُوعٍ.".

هو إحتقر عهد الله فرُفِض من النسل المقدس، فمن يستهين بنعمة الله فكأنه داسها. فإحتقار العهد المقدس هو إهانة لله ولذلك حُرِم من أن يكون المسيح من نسله. وكان قرار الله نهائيا وبالتالى فتوبته بلا فائدة فى هذا الموضوع.

ونلاحظ فى توبة عيسو أنه كان مهتما بالأكثر بالبركة المادية فالبكر يرث ضعف إخوته ولكنه لم يكن منشغلا بموضوع أن المسيح يأتى من نسله كما كان أخيه يعقوب.

الأعداد 18-21

الآيات (18 - 21): -

"18لأَنَّكُمْ لَمْ تَأْتُوا إِلَى جَبَل مَلْمُوسٍ مُضْطَرِمٍ بِالنَّارِ، وَإِلَى ضَبَابٍ وَظَلاَمٍ وَزَوْبَعَةٍ، 19 وَهُتَافِ بُوق وَصَوْتِ كَلِمَاتٍ، اسْتَعْفَى الَّذِينَ سَمِعُوهُ مِنْ أَنْ تُزَادَ لَهُمْ كَلِمَةٌ، 20لأَنَّهُمْ لَمْ يَحْتَمِلُوا مَا أُمِرَ بِهِ: « وَإِنْ مَسَّتِ الْجَبَلَ بَهِيمَةٌ، تُرْجَمُ أَوْ تُرْمَى بِسَهْمٍ». 21 وَكَانَ الْمَنْظَرُ هكَذَا مُخِيفًا حَتَّى قَالَ مُوسَى: «أَنَا مُرْتَعِبٌ وَمُرْتَعِدٌ».".

يقارن بولس الرسول هنا بين الرعب الذى حدث فى إستعلان الله لنفسه فى العهد القديم والمناظر السماوية التى يحياها المؤمنون الآن فى المسيحية.

والله حين أراد أن يستعلن نفسه ليفهم الشعب على قدر إمكانياتهم إستخدم أشياء من الطبيعة الملموسة. فماذا إستخدم الله؟

جَبَل مَلْمُوسٍ = فأعظم وأضخم كيان على الأرض، ثابت راسخ لا يهتز هو الجبل لكنه مازال ملموسا أى يمكن لمسه باليد. أما الله فلا يمكن لمسه باليد.

نَّارِ = أعظم وأخطر قوة فى الطبيعة قادرة على الإفناء "وإلهنا نار آكلة".

ضَبَابٍ = يشير لأن الحقائق السماوية مخفاة مستترة كأنها وراء ضباب.

ظَلاَمٍ = هنا نرى الحرمان من الرؤية تماما. العهد القديم فى ظلال وغموض ورموز. والله قال عنه إشعياء أنه "إله محتجب" (إش45: 15).

زَوْبَعَةٍ = حركات الطبيعة التى تعبر عن العنف والشدة التى تجرف أمامها كل شىء، وهذا يعبر عن غضب الله وتأديبه وعقابه الرهيب للعصاة.

البُوق = يعبر عن شدة وعلو صوت الله، وإنذاراته كما سنسمع فى اليوم الأخير إعدادا لمجىء الملك السماوى.

والمقارنة هنا وضحت فى طريقة إستلام الناموس فى العهد القديم على يدى موسى على جبل سيناء، وبين تقبل الكلمة الإلهى ذاته فى العهد الجديد والذى يتم فى هدوء يؤكد بركات العهد الجديد وسمو العهد الجديد. لذلك عليكم أيها العبرانيين أن تحذروا لئلا تخسروا بركات العهد الجديد. ففى العهد القديم نجد علاقة مرعبة مع الله وغامضة بل نجد الشعب أسفل الجبل، فالناموس لا يستطيع أن يرفعهم إلى فوق للحياة السماوية بل همْ لَمْ يَحْتَمِلُوا = خافوا بسبب الظواهر الطبيعية المرعبة، فاسْتَعْفَوا = أى طلبوا إعفائهم من أن يكلمهم الله بهذا الأسلوب المرعب مرة أخرى.

لماذا طلبوا إعفاءهم؟

حين أراد الله أن يعرف الشعب أن موسى يكلم الله، وأن ما يقوله موسى هو وصايا الله، فيؤمنوا بأقوال موسى للأبد ويطيعوا أقواله (خر9: 19). أمر الله موسى أن يُعِّدْ الشعب أي يتطهروا (خر10: 19 - 13). ولما نزل الرب على جبل سيناء دخن الجبل وإرتجف (خر14: 19 - 19). ومن أجل هذه المظاهر المخيفة، كلم الشعب موسى وهم مرتعبون أن يكلم هو الله، ثم يكلم موسى الشعب بما كلمه به الله (خر19: 20) وذلك حتى لا يموتوا. بل نسمع هنا أن موسى نفسه إرتعب.

لأَنَّهُمْ لَمْ يَحْتَمِلُوا مَا أُمِرَ بِهِ = حينما سمعوا الوصايا وهم فى هذا الرعب أدركوا أن مخالفتها نتيجته ستكون مرعبة فإستعفوا.

والله لم يغضب منهم أنهم إستعفوا بل قال "أنهم أحسنوا فى ما تكلموا" (تث17: 18) أى أن لهم حق فلقد كان المنظر مخيفا فعلا. ولكن نسمع هنا أن الله سيكلمهم بطريقة أخرى هى عن طريق نبى يقيمه الله… (تث18: 18، 19) وهذه الآيات نبوة عن السيد المسيح الذى إختفى فى جسده مجد اللاهوت فصار يكلم الشعب ويعلمهم بدون مناظر مخيفة.

وبمقارنة هذا مع آية 25 نفهم أن قوله "لأنه إن كان أولئك لم ينجوا إذ إستعفوا" أنهم لم ينجوا ليس لأنهم إستعفوا، فموسى نفسه إرتعب مما حدث، والله نفسه أعطاهم العذر، لكنهم لم ينجوا لأنهم إستهانوا أو رفضوا أو لم ينفذوا كلمة الله ووصاياه ولم يؤمنوا بها بعد أن رأوا ما رأوه وسمعوا ما سمعوه. والآن فما عذر اليهود الذين رفضوا المسيح الذى أتاهم بلا أى منظر مرعب.

ولماذا إرتعب موسى.

موسى كان يكلم الله كل يوم "ويكلم الرب موسى وجها لوجه كما يكلم الرجل صاحبه" (خر33: 11). هذا نفهمه مما حدث مع إيليا فى سيناء. فلقد حدثت نفس الظواهر مع إيليا. وإيليا الذى تعود على سماع صوت الله عرف أن هذا ليس صوت الله، وحينما سمع الصوت الهادئ الخفيف لف وجهه لأنه عرف أن هذا الصوت هو صوت الله الذى إعتاد عليه. ولماذا حدث هذا مع إيليا أولا؟ لأن الله كان غير موافق على ما حدث من إيليا إذ خاف من إيزابل وهرب. وكان داخله ثورة، والله يصلح الداخل قبل أن يتكلم. فكيف يسمع إيليا صوت الله الهامس المنخفض وهو فى حالة الثورة الداخلية.

أما موسى فلقد تعود على صوت الله الهادئ فالله يكلمه كما يكلم الرجل صاحبه، لكن حين تكلم الله مع الشعب وحدث ما حدث فوجئ موسى بما لم يكن معتادا عليه. لكن هذا لم يكن لأجل موسى النقى الطاهر بل لأجل الشعب ليخشعوا فيمكنهم سماع صوت الله. فالشعب كان غارقا فى خطاياه بعيدا عن الله وهذا ما إتضح بعد ذلك فى تذمرهم وفى موضوع العجل الذهبى... إلخ.

إِنْ مَسَّتِ الْجَبَلَ بَهِيمَةٌ، تُرْجَمُ أَوْ تُرْمَى بِسَهْمٍ = وهذه حتى لا يقترب إنسان ليمسك البهيمة فيموت هو أيضا. وهذا ليظهر خطورة التعدى على أوامر الله. أما العهد الجديد فكان المسيح، الله بنفسه جالسا معهم على الجبل يعلمهم ويفرحوا به. بل يقضون أياما معه فى الجبل دون أن يشعروا بالجوع أو العطش أو الخوف.

الأعداد 22-24

الآيات (22 - 24): -

"22بَلْ قَدْ أَتَيْتُمْ إِلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، وَإِلَى مَدِينَةِ اللهِ الْحَيِّ. أُورُشَلِيمَ السَّمَاوِيَّةِ، وَإِلَى رَبَوَاتٍ هُمْ مَحْفِلُ مَلاَئِكَةٍ، 23 وَكَنِيسَةُ أَبْكَارٍ مَكْتُوبِينَ فِي السَّمَاوَاتِ، وَإِلَى اللهِ دَيَّانِ الْجَمِيعِ، وَإِلَى أَرْوَاحِ أَبْرَارٍ مُكَمَّلِينَ، 24 وَإِلَى وَسِيطِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، يَسُوعَ، وَإِلَى دَمِ رَشٍّ يَتَكَلَّمُ أَفْضَلَ مِنْ هَابِيلَ.".

هنا الصورة المقابلة فى المسيحية فى مقابل الصورة المرعبة السابقة. بَلْ قَدْ أَتَيْتُمْ = بالمعمودية وقيادة الروح القدس وكلمة الله فى إنجيله. إِلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ هو جبل غير ملموس وغير مرئى بل هو مسكن الله العلى. إِلَى مَدِينَةِ اللهِ الْحَيِّ. أُورُشَلِيمَ السَّمَاوِيَّةِ = أى الكنيسة (المجتمع المسيحى) فى العهد القديم لم يستطع الناموس أن يرفعهم للحياة السماوية (بل ظلوا أسفل الجبل) ولكن فى العهد الجديد دخل المسيح بنا إلى السموات هو فى وسط كنيسته. فى العهد الجديد إلتحم كلمة الله بنا خلال تجسده فلم يعد هناك رعب. هنا الرسول يقارن بين جبل سيناء (عهد قديم) وجَبَلِ صِهْيَوْنَ (عهد جديد) وأورشليم الأرضية كعاصمة لدولة إسرائيل (عهد قديم) فى مقابل الملكوت السماوى الذى أسسه المسيح أُورُشَلِيمَ السَّمَاوِيَّةِ (عهد جديد).

مَحْفِلُ مَلاَئِكَةٍ = لقد صار الملائكة ضمن زمرة الكنيسة. وهناك ملائكة مبشرون عملهم البشارة ورئيسهم غبريـال. وملائكة للحرب ضد إبليس ورئيسهم ميخائيل. وملائكة مرافقين لنا كحراس وللمعونة. الآن صرنا نقف نحن المسيحيين ومعنا الملائكة كلنا أمام عرش الله. والكنيسة مملوءة ملائكة. المسيح وحد السمائيين والأرضيين كما نقول فى القداس الغريغورى "ثبت صفوف غير المتجسدين فى البشر".

كَنِيسَةُ أَبْكَارٍ = صرنا بإتحادنا بالمسيح البكر أبكاراً (يع18: 1)) أنظر التفسير فى نهاية الإصحاح).

مَكْتُوبِينَ = أسماؤنا قد كتبت فى سفر الحياة الأبدية (رؤ5: 3 + 8: 13) + (دا1: 12).

اللهِ دَيَّانِ الْجَمِيعِ = فى جبل صهيون قديما وضع داود تابوت العهد رمزا لأن الله يحكم من هناك والمسيح هو فى أورشليم السماوية يجلس ملكا وسيدين كل إنسان.

أَرْوَاحِ أَبْرَارٍ مُكَمَّلِينَ = هم مازالوا أرواح لم يلبسوا جسد سماوى بعد ينتظرون كمال غبطتهم بعد أن أتموا جهادهم فى حياتهم. وَإِلَى وَسِيطِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ = أى المسيح فلا دخول لنا إلى أورشليم السماوية سوى به. كما لم يكن للشعب فى العهد القديم أن يهربوا من مصر سوى بوسيط هو موسى. وَإِلَى دَمِ رَشٍّ = هو دم المسيح الذى يطهرنا من كل خطية فنصبح مقبولين أمام الآب ويصير لنا حق الدخول للسماء (1يو7: 1) كان دم الذبيحة يرش على الشىء فيطهره فى العهد القديم.

أَفْضَلَ مِنْ هَابِيلَ = فدم هابيل كان يطلب ويبحث عن إدانة قايين أما دم المسيح فهو يبحث عن التطهير والغفران وتطهير الضمير وهو يشهد للحق ويقدسنا.

دم المسيح هنا يصل فى تطهيره لأعماق الضمير وهذا ما لم يصل إليه رش دم ذبائح العهد القديم.

العدد 25

آية (25): -

"25اُنْظُرُوا أَنْ لاَ تَسْتَعْفُوا مِنَ الْمُتَكَلِّمِ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ أُولئِكَ لَمْ يَنْجُوا إِذِ اسْتَعْفَوْا مِنَ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى الأَرْضِ، فَبِالأَوْلَى جِدًّا لاَ نَنْجُو نَحْنُ الْمُرْتَدِّينَ عَنِ الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ!".

الْمُتَكَلِّمِ = هو دم المسيح الذى يتكلم أفضل من هابيل (آية 24) أى لا تستهينوا بعظمة هذا العهد الجديد فكلما تزداد العطية تزداد المسئولية أيضا. فإن من إستهان بالناموس (مع أن الموضوع كان عن ميراث أرض) لم ينجو فكم وكم من يستهين بالكلمة السماوى عَنِ الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ = أى الذى يدعوهم للسمائيات وحياة أبدية معه.

هم إستعفوا أولا أيام موسى حين كلمهم على الأرض فعليهم أن لا يستعفوا الآن من المسيح الذى يتكلم الآن فى السماء بالحب فإن كان عذر أبائهم أنهم خافوا من الظواهر الطبيعية فما عذرهم وصوت المسيح اللطيف يدعوهم الآن بل يتشفع فيهم.

العدد 26

آية (26): -

"26الَّذِي صَوْتُهُ زَعْزَعَ الأَرْضَ حِينَئِذٍ، وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ وَعَدَ قَائِلاً: «إِنِّي مَرَّةً أَيْضًا أُزَلْزِلُ لاَ الأَرْضَ فَقَطْ بَلِ السَّمَاءَ أَيْضًا».".

فى العهد القديم تزلزلت الأرض أمام كلمات ناموس العهد القديم ويقول الكتاب أنه فى المجىء الثانى ستتزلزل الأرض والسماء (حج5: 2 - 7، 22) + (خر18: 19) + (رؤ1: 21) + (2بط10: 3) + (مز7: 68، 8) + (لو26: 21) + (مت2: 28) + (مر24: 13 - 26).

زلزلة الأرض = كانت بتجسد وفداء إبن الله، وصلبه وموته.

زلزلة السماء = كانت بأن فتح المسيح بجسده السماء ليدخلها جسد إنساني تمهيداً لدخولنا نحن.

العدد 27

آية (27): -

"27فَقَوْلُهُ «مَرَّةً أَيْضًا» يَدُلُّ عَلَى تَغْيِيرِ الأَشْيَاءِ الْمُتَزَعْزِعَةِ كَمَصْنُوعَةٍ، لِكَيْ تَبْقَى الَّتِي لاَ تَتَزَعْزَعُ.".

إن قَوْلُهُ مَرَّةً = يشير إلى زلزلة الأرض أيام موسى فى سيناء، والأرض متزعزعة مصنوعة وهذه تتغير، ولكن الله يقول هناك مرة آتية يتجسد فيها إبن الله على الأرض ليدخل بالجسد الإنسانى إلى السماء (وهذا ما سيشير إليه فى آية 28).

والأرض تتزلزل كثيراً وتتغير، ولكن السموات ستنفتح مرة للإنسان وللأبد بلا زعزعة.

العدد 28

آية (28): -

"28لِذلِكَ وَنَحْنُ قَابِلُونَ مَلَكُوتًا لاَ يَتَزَعْزَعُ لِيَكُنْ عِنْدَنَا شُكْرٌ بِهِ نَخْدِمُ اللهَ خِدْمَةً مَرْضِيَّةً، بِخُشُوعٍ وَتَقْوَى.".

وَنَحْنُ قَابِلُونَ = وها نحن نقبل من يد الله. مَلَكُوتًا لاَ يَتَزَعْزَعُ = هو غير قابل أن يتزعزع بينما السماء والأرض تزولان. لِيَكُنْ عِنْدَنَا شُكْرٌ = الطريقة أو الوسيلة التى بها نمتلك الملكوت هى أن يكون لدينا إحساس بالشكر على نعم الله.

العدد 29

آية (29): -

"29لأَنَّ «إِلهَنَا نَارٌ آكِلَةٌ».".

هو قادر أن يلهب الجسد والنفس معا بالروح النارى مبدداً كل خطية من الداخل ولكنه قادر أن يحرق المقاومين والرافضين والمضادين (عب26: 10، 27) الله إلهنا إله غيور لا يحتمل أن أحدا من أبنائه يرتد عنه. والآية موجهه للمرتدين والآية مأخوذة من (تث3: 9).

كنيسة أبكار.

أفرز الله اللاويين (سبط لاوى) لخدمته بدلاً من أبكار بنى إسرائيل (عد3: 44، 45). وكان الله قد أفرز أبكار بنى إسرائيل لخدمته، فأبكار بنى إسرائيل قد نجوا من الموت يوم الخروج من مصر بدم خروف الفصح، وكأن الله إشتراهم بدم خروف الفصح فصاروا له. وكان دم خروف الفصح رمزا لدم المسيح الذى إشترانا به كما قال القديس بطرس الرسول "عالمين انكم افتديتم لا باشياء تفنى بفضة او ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الأباء. بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح" (1بط1: 18، 19). فإختيار الأبكار ليصيروا مخصصين لله كان ليشرح فكرة أننا كمسيحيين صرنا أبكارا إشترانا المسيح بدمه، فصرنا مخصصين له، مكرسين أنفسنا لخدمته وهذا معنى كلمة مُقَدَّسين. ولاحظ أن البكر كان له إمتيازات كثيرة فهو له نصيب الضعف فى الميراث، وهو الذى يرث الكهنوت عن أبيه ويكون رأسا لعائلته بعد أبيه (وذلك فى عهد الأباء البطاركة قبل إختيار هرون ونسله ليكونوا هم كهنة الله). فالمسيح لم يشترنا بدمه ليستعبدنا بل ليحررنا ويجعلنا ملوكا وكهنة، ويعطينا ميراث السماء.

وكان أبونا آدم بكر الخليقة وكان له أن يرث الأمجاد لو إلتزم بالوصية. وعندما سقط آدم فقد بكوريته. وجاء المسيح آدم الأخير ليصبح هو البكر الجديد الوارث لكل شئ (عب1: 2) وهذه تعنى أنه صار له مجد أبيه بجسده الإنسانى، ليعطينا نحن ميراث هذا المجد (راجع تفسير يو17: 5 + يو17: 22). فنحن فى المسيح صرنا أبكارا أى وارثين للمجد، وهذا لمن يغلب، وراجع تفسير (رؤ3: 21). وعبر الكتاب المقدس شرح الله من خلال الكثيرين أن البكورية بالطبيعة يمكن أن يفقدها الإنسان فيفقد ميراثه كبكر ليأخذ غيره البكورية وبالتالى الميراث: أمثلة لذلك إسمعيل يفقدها وتذهب لإسحق / عيسو يفقد البكورية ويأخذها يعقوب / رأوبين يفقد البكورية وتذهب البكورية الروحية ليهوذا ويأتى من نسله المسيح، وذهبت البكورية المادية ليوسف فورث نصيب الضعف بالنسبة لإخوته. وأخيرا جاء المسيح بالجسد ليأخذ البكورية من آدم.

لذلك تُسمَّى الكنيسة كنيسة أبكار "بل قد اتيتم الى جبل صهيون والى مدينة الله الحي اورشليم السماوية والى ربوات هم محفل ملائكة. وكنيسة ابكار مكتوبين في السموات والى الله ديان الجميع والى ارواح ابرار مكملين" (عب12: 22، 23). وبعد إختيار الأبكار ليكونوا مخصصين لله، وبعد أن شرح الوحى فكرة أن الكنيسة كلها هى كنيسة مقدسة أى مخصصة لله، عاد الله ليخصص سبط لاوى للخدمة ونسل هرون للكهنوت، وهذا كوظيفة قال عنها بولس الرسول "لا يأخذ هذه الوظيفة أحد بنفسه بل المدعو من الله كما هرون ايضا" (عب5: 4).

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الثالث عشر - تفسير الرسالة إلى العبرانيين - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح الحادي عشر - تفسير الرسالة إلى العبرانيين - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير الإلى العبرانيين الأصحاح 12
تفاسير الإلى العبرانيين الأصحاح 12