الأصحاح الأول – تفسير رسالة بطرس الرسول الثانية – القمص أنطونيوس فكري

المقدمة

  • كاتب الرسالة هو القديس بطرس الرسول تلميذ المسيح.
  • لأن الرسالة غير موجهة لشخص أو مدينة ما إعتبرت من رسائل الكاثوليكون.
  • يتحدث الرسول فى هذه الرسالة عن رسائل بولس الرسول، ومن هذا نفهم أنها كتبت بعد رسائل بولس الرسول. وغالبا فهى كتبت فى أواخر حياة الرسول إذ يقول فيها "عالما أن خلع مسكنى قريب" (2بط14: 1). لذلك يرجح أنها كتبت ما بين سنة 64 م، سنة 68، وهى سنة إستشهاد القديس بطرس الرسول.
  • الرسالة موجهة لنفس من كتبت إليهم الرسالة الأولى (2بط1: 3) وغالبا هم من مسيحيى آسيا الصغرى.

غرض الرسالة.

إذ أعلن الرب له عن قرب إنتقاله بعث إلى أولاده بوصيته الوداعية ليحدثهم عن أثمن إشتياقات قلبه أى عن ملكوت السموات ومجىء الرب الثانى. وأن إنتظار الملكوت السماوى يدفع المؤمن إلى حياة القداسة والثبات على الإيمان ورفض البدع.

التشابه مع رسالة يهوذا.

تتشابه هذه الرسالة وبالذات الإصحاح الثانى منها مع رسالة يهوذا. بل كادتا أن تكونا متطابقتين. وفسر البعض هذا بأن أحدهما نقل عن الآخر، وهذا ليس بصحيح. والأصح أن مصدر كلاهما واحد، ألم يكونا كليهما من تلاميذ السيد المسيح، ألم يحل فيهما الروح القدس الواحد وهو الذى يرشدهما ويسوقهما للكتابة (2بط21: 1). ألم يتزاملا سنين كانا يتحاوران معا ويتعزيان بكلام الروح القدس، فكيف لا تتطابق أفكارهما. وربما تقابلا وناقشا معا ما إستجد على الكنيسة من بدع وهرطقات، وإتفقا على كلام واحد، ثم أرسل كل منهما رسالته فتطابقت الأفكار، والوحى بهذا يتكلم على فم رسولين بنفس الشهادة تنبيها وتحذيرا من الإنسياق وراء الهرطقات الحديثة، وثباتا على الإيمان السليم المسلم مرة للقديسين (يه3).

الإصحاح الأول

العدد 1

آية (1): -

"1 سِمْعَانُ بُطْرُسُ عَبْدُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَرَسُولُهُ، إِلَى الَّذِينَ نَالُوا مَعَنَا إِيمَانًا ثَمِينًا مُسَاوِيًا لَنَا، بِبِرِّ إِلهِنَا وَالْمُخَلِّصِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ:".

سِمْعَانُ = هو إسمه العبرانى. بُطْرُسُ = الإسم الذى أطلقه عليه المسيح وإستعمال الإسمين فيه إشارة لعمل النعمة فى شخص سمعان والتغيير الذى حدث له نتيجة الهبة الإلهية التى وهبت له والتى تكلم عنها فى آية 4، 3. فذكر الإسمين هو تأمل في ماذا كان وكيف أصبح بعمل النعمة.

عَبْدُ = الله يتنازل ويسمينا أبناء، ولكن علينا ألا ننسى حقيقتنا كخدام وعبيد مملوكين لله، وعلينا أن نفعل مشيئته. والمحبة التى بيننا تجعلها عبودية حلوة بمحض إختيارنا، فالعبودية لله تحرر بينما العبودية لأى أحد آخر أو لأى شىء آخر تذل الإنسان. وكان السيد العبرانى يحرر عبده العبرانى فى السنة السابعة، لكن إذا جاء العبد وقال لسيده "لن أجد سيدا مثلك يحبنى ويرعانى أنا وأولادى وأريد أن أستمر عبدا لك العمر كله" كان السيد يتخذه له عبدا العمر كله. وبهذا المنطق يود بطرس هنا أن يقول أنه لم يجد مثل السيد المسيح فى محبته ورعايته فأراد أن يصير له عبدا كل العمر.

وَرَسُولُهُ = إذاً كاتب الرسالة من الإثنى عشر. ولقد شاهد التجلى (2بط18، 17: 1).

إِلَى الَّذِينَ نَالُوا = أى الأمم.

مَعَنَا = أى نحن الرسل أو نحن الذين كنا من اليهود شعب الله المختار سابقا.

مُسَاوِيًا لَنَا = الملكوت ليس خاصا بالرسل ولكنه لكل من يؤمن، والفرصة متساوية للجميع. وكلمة مُسَاوِيًا إستخدمها كتاب تلك الأيام للإشارة للتساوى فى حقوق المواطنة وإمتيازاتها. ومعنى الكلام أن من رأى المسيح بالجسد كالتلاميذ له نفس حقوق وإمتيازات من آمن ولم يرى السيد المسيح. بِبِرِّ إِلهِنَا = كل ما نلناه كان بسبب فداء المسيح = أى الْمُخَلِّصِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ = الذى وهو بار بلا خطية مات عنا ليحمل خطايانا، بل بار تعنى أنه كان أمينا، وبحسب ما وعد تمم الخلاص. وتعنى أيضا أنه يعطينا بره فنحن نحيا بحياته أبرارا (2كو21: 5) "نصير بر الله فيه.. ونخلص بحياته" (رو10: 5). "فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىَّ" (غل20: 2). لى الحياة هى المسيح (فى21: 1). وكلمة بر تترجم عدل أيضا، إذاً فداء المسيح إستوفى عدل الله = بر إلهنا = ولأنه إستوفى عدل الله بالنيابة عنا صار المخلص يسوع المسيح.

العدد 2

آية (2): -

"2 لِتَكْثُرْ لَكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلاَمُ بِمَعْرِفَةِ اللهِ وَيَسُوعَ رَبِّنَا.".

النِّعْمَةُ وَالسَّلاَمُ = راجع تفسير (1بط2: 1).

بِمَعْرِفَةِ اللهِ وَيَسُوعَ رَبِّنَا = المعرفة المقصودة ليست هى المعرفة العقلية بل هى المعرفة الإختبارية الناشئة عن علاقة وخبرة شخصية بالله. هى علاقة حياة عملية، فمن إختبر قوة ومحبة الله وحمايته، سيعيش فى سلام كامل، غير خائف من الغد ولا من أى أمر مخيف. ولن يتذمر على أى قرار يتخذه الله ولن يرفض بل سيسلم تسليما كاملا لله. فالله فى محبته لن يسمح سوى بالخير لأولاده فكيف نخاف من أى أمر الآن أو فى المستقبل (1كو22: 3) ومن يختبر الله يزداد إيمانه بالله وثقته فى الله فيزداد نعمة وبالتالى سلام. فالمعرفة إذاً هى الدائرة التى يتمتع فيها المسيحى بالنعمة والسلام.

والمعرفة نوعان:

  1. معرفة من الخارج، كما يعرف إنسان إنسانا آخر. هنا لن يتمكن هذا الإنسان من معرفة كل تفكير ومشاعر الآخر.
  2. معرفة من الداخل، قال عنها الرسول "لأن من من الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذى فيه" (1كو11: 2).

ومعرفتنا بالمسيح هى من النوع الثانى. فعلاقتنا بالمسيح هى علاقة إتحاد به وثبات فيه ووحدة معه (رو5: 6) + (يو56: 6) + (يو4: 15) + (يو21: 17).

فنحن لا نعرف المسيح من الخارج كما يعرف شخص شخص آخر، بل من خلال إتحادنا به. لذلك أمكن لبولس الرسول أن يقول "وأما نحن فلنا فكر المسيح" (1كو16: 2) وقال بولس بنفس المعنى "وأوجد فيه... لأعرفه" (فى10، 9: 3). ولأن المعرفة هى إتحاد بالمسيح قال السيد المسيح "وهذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذى أرسلته" (يو3: 17).

فكلمة يعرفه هى كلمة تشير بطريقة سرية للإتحاد الذى ينشأ عنه حياة "وعرف آدم إمرأته فحبلت وولدت قايين" (تك1: 4).

وقارن بين: "ليس أحد يعرف من هو الإبن إلا الآب" مع "إنى أنا فى الآب".

"ولا من هو الآب إلا الإبن" مع "والآب فى".

"ومن أراد الإبن أن يعلن له". مع "لأنه ان كنا قد صرنا متحدين معه".

فمعرفة الآب للإبن والإبن للآب راجعة لإتحادهما وأن الآب فى الإبن والإبن فى الآب. وبنفس المفهوم يقول الرب "ومن أراد الإبن أن يعلن له" فمن أراد الإبن أن يعطيه حياة، يتحد به ويعطيه حياته هو (فى21: 1) وهى حياة أبدية. وهذه هى المعرفة التى ليست من خارج بل من خلال الإتحاد به، لذلك فهى حياة أبدية (رو6). وإذا فهمنا هذا فإن معرفة الله ويسوع المسيح ربنا هى نوع من الإتحاد الذى من خلاله يحل فينا الروح القدس فتكثر النعمة والسلام.

ولكن حتى يحدث هذا الثبات وهذا الإتحاد لابد من نقاوة القلب فلا شركة للنور مع الظلمة ولا إتفاق للمسيح مع بليعال (2كو15، 14: 6) ولذلك نفهم أن طلب السيد المسيح منا "إثبتوا فىَّ وأنا فيكم" (يو4: 15)، هو دعوة للهرب من الشر وتجنبه وأن نحيا فى محبة، فنثبت فى المسيح (يو15: 9). ومن يثبت فيه يعرفه وتكون له حياة أبدية ويكثر له النعمة والسلام.

الأعداد 3-4

الآيات (3 - 4): -

"3 كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ، 4 اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ، لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ.".

شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ = راجع تفسير (كو2: 9، 10).

الله وهب لنا بقدرته الإلهية كل ما يقودنا للحياة والتقوى فالله أعطانا أسرارا كنسية نحصل بها على نعم غير منظورة، فبالمعمودية نحصل على ميلاد سماوى، به نتحد بالمسيح فى موته وقيامته، فيعطينا المسيح حياته وهذه هى الحياة الأبدية التى لنا. وبالميرون يحل علينا الروح القدس الذى يبكتنا على الخطية فنحيا فى تقوى، وبالتوبة والإعتراف تغسل خطايانا وبذلك تتكرس أعضاءنا وحواسنا. وبالتناول نثبت فى المسيح. والروح القدس الذى حصلنا عليه يثبتنا فى المسيح ويعطينا أن تكون لنا ثمار بر. وباتحادنا بالمسيح صار لنا المسيح مصدر كل نعمة نحصل عليها. فالروح القدس حل علينا وصرنا مسكنا له، وصار لنا حياة أبدية، ومجد وسلطان ندوس به الحيات... = صرنا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ.

بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا = راجع تفسير آية 2 فالمعرفة تشير للإتحاد، الذى به تكون لنا حياة المسيح. فمعرفة المسيح هى الحياة (يو3: 17). ولذلك يقول بولس الرسول "عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد" (1تى16: 3)، والمعنى أن سر تقوى الإنسان المسيحى هو ظهور الله فى الجسد أى تجسد المسيح فبتجسد المسيح وفدائه، وعن طريق الأسرار صارت لنا حياة المسيح، التى بها نحيا فى تقوى. أضف لهذا أن من يعرف المسيح حقيقة وما أعده لنا من مجد غير منظور على الأرض ومنظور فى السماء يحتقر العالم وما فيه ويحسبه نفاية (فى8: 3). والله دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ = الْمَجْدِ هو فى إتحادنا بالله، والفضيلة هى ثمار هذا الإتحاد، أى حياتنا التى نحياها فى بر إلهنا.

ولاحظ ماذا أعطانا الله ودعانا إليه الْحَيَاةِ،

حياة

و

تقوى

ومَجْدِ.... هذه للحياة الأبدية.

ولكننا نحصل على العربون هنا.... تَّقْوَى وفَضِيلَةِ.

فالحياة الأبدية هى فى السماء ولكنها تبدأ هنا باتحادنا مع المسيح إبن الله الحى فى المعمودية. والمجد الحقيقى فى السماء ولكننا نأخذ عربونه هنا... أما صرنا هيكلا لله، أما نتناول جسده ودمه ونتحد به، ألا يوجد الله وسطنا دائما وفى هذا مجدنا الحقيقى (زك 5: 2) ولكن المجد الآن خفى لا نراه ولكن سيستعلن فينا فى الأبدية (رو 18: 8).

المجد فى نظر البشر هو المال والمراكز والأملاك. وكان هذا ما نوه عنه الكتاب المقدس. فأول مرة ذكرت كلمة المجد فى الكتاب المقدس كانت عن قطعان ماشية خاصة بلابان حمو يعقوب "فسمع كلام بنى لابان قائلين أخذ يعقوب كل ما كان لأبينا. ومما لأبينا صنع كل هذا المجد" (تك1: 31) وإرتقى الكتاب المقدس بالفكر البشرى لنفهم أن المجد هو شىء خاص بالله ويريد الله أن يعطيه لنا "أكون مجدا فى وسطها" (زك5: 2) + "وأنا قد أعطيتهم المجد الذى أعطيتنى" (يو22: 17).

اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ = اللذين عائدة على قدرته الإلهية + دعوته = الَّذِي دَعَانَا. فهو قادر وهو يريد أن يعطينا هذا المجد وأن نحيا فى فضيلة. فوعود الله وعطاياه ليست خاصة بالمجد الأبدى فقط أى وعودا للمستقبل، بل أعطانا العربون فى الحياة الحاضرة، بحياة تقوية بارة أى فضيلة... وما هى نتيجة كل عطايا الله من حياة وتقوى ومجد وفضيلة؟ وما الذى سيحصل عليه من آمن بأن له حياة أبدية ومجد أبدى فإلتزم بحياة التقوي أي مخافة الله والسلوك فى الفضيلة؟ الإجابة نصير شركاء الطبيعة الالهية = لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ. وطبعا لن نكون شركاء فى لاهوته وجوهره، فالرسول لم يقل شركاء فى طبيعته الإلهية. وشركاء الطبيعة الإلهية تعنى أننا نأخذ من طبيعته كل إحتياجاتنا مما هو من طبيعته، مثلا نأخذ من قداسته وأبديته وحياته الأبدية، ومحبته ووداعته وطول أناته وبساطته وإحتماله وتواضعه. ومجده فنحن سيكون لنا صورة جسد مجده (جسد مجد المسيح) (فى21: 3) بل سيكون لنا أن نرث الله نرث مع المسيح (رو17: 8). بل سيكون لنا نصيب فى عرشه (رؤ21: 3). وشركاءه فى فضيلته عموما. وهذه الصفات، المحبة والأبدية والمجد... هى صفات لله وهى صفات مطلقة نأخذ منها أى نشترك فيها معه لكن على قدر طاقتنا فما نأخذه هو نسبى وليس مطلق مثل الله. ويقول القديس بولس الرسول فى بركته لأهل كورنثوس "نعمة ربنا يسوع.... وشركة الروح القدس مع جميعكم" (2كو13: 14) فالروح القدس يشترك معنا فى كل عمل صالح. ويقول السيد المسيح "لأنكم بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً" (يو15: 5). فنحن فى المسيح الذى يقوينا نستطيع كل شئ (فى4: 13). لذلك أضاف هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ = فالشهوة الخاطئة هى سبب الفساد الذى فى العالم، ولكن بعطية الله الذى أعطانا كل ما سبق من فضائل وعطايا. بل وكان ذلك عن طريق إتحادنا به صرنا نستطيع النصرة. ولولا عطية الله وإتحاده بنا ما إستطعنا النصرة. فالتقديس يعنى إتحادنا بالله بروحه القدوس لكى يقدسنا. هذا هو مجد المسيحية. فالمسيح أخذ الذى لنا (شركة طبيعتنا البشرية) وأعطانا الذى له (شركة طبيعته الإلهية) طبيعة الله وجوهره هى المحبة. فالمسيح أخذ جسدنا ليعطينا طبيعة المحبة فنحب الله ونحب كل إنسان حتى أعدائنا. أى تصير قلوبنا مملوءة محبة. فالروح يسكب المحبة فينا (رو5: 5) ومن ثمار الروح المحبة (غل22: 5). فنحن لا نتبع زعيما دينيا أو مصلحا جاء من العلاء، بل إلهاً نتحد به ونصير واحدا معه. لقد صارت حياة المسيح فينا "لى الحياة هى المسيح" (فى1: 21) وهذا هو سر التقوى التى أصبح الانسان المسيحى يحيا فيها أن الله ظهر فى الجسد (1تى3: 16)، فصار المسيح يستخدم أعضاءنا كألات بر (رو6: 13). ونلاحظ أن شركتنا فى الطبيعة الإلهية تسبق هروبنا من فساد العالم، فشركتنا فى الطبيعة الإلهية هى سبب نصرتنا، فطبيعة المحبة وبالذات محبة الله تجعلنا نحتقر العالم بما فيه من خطايا وتكون وصاياه ليست ثقيلة (1يو3: 5) + (فى3: 7، 8).

الأعداد 5-7

الآيات (5 - 7): -

"5 وَلِهذَا عَيْنِهِ وَأَنْتُمْ بَاذِلُونَ كُلَّ اجْتِهَادٍ قَدِّمُوا فِي إِيمَانِكُمْ فَضِيلَةً، وَفِي الْفَضِيلَةِ مَعْرِفَةً، 6 وَفِي الْمَعْرِفَةِ تَعَفُّفًا، وَفِي التَّعَفُّفِ صَبْرًا، وَفِي الصَّبْرِ تَقْوَى، 7 وَفِي التَّقْوَى مَوَدَّةً أَخَوِيَّةً، وَفِي الْمَوَدَّةِ الأَخَوِيَّةِ مَحَبَّةً.".

رأينا العطايا الإلهية فى الآيات السابقة، ولكن هل يمكن للإنسان أن يخلص بها دون جهاد؟ قطعا لا. لذلك يكمل الرسول... وَلِهذَا عَيْنِهِ وَأَنْتُمْ بَاذِلُونَ كُلَّ اجْتِهَادٍ = والجهاد نوعان: -.

  1. جهاد إيجابى = كالصلاة والصوم وأعمال البر...
  2. جهاد سلبى = أى الإمتناع عن كل خطية والهروب من الشهوة والفساد اللذين فى العالم (اية 4).

وَلِهذَا عَيْنِهِ = أى إذا كان الله قد دعاكم لأن ترثوا مجدا معدا لكم وتكونوا شركاء الطبيعة الإلهية فالأمر يستحق كل إجتهاد من جانبكم، وأن نحمل كلنا كل صليب يسمح به الله، وأن نقدم أجسادنا ذبيحة حية، ونذبح كل شهوة. قدِّموا فى إيمانكم فضيلة.......... وفى المودة الأخوية محبة = نلاحظ هنا: -.

  1. هذه سلسلة من الفضائل تبدأ بالإيمان وتنتهى بالمحبة، لخصها بولس الرسول بقوله "الإيمان العامل بالمحبة" (غل6: 5) أما بطرس الرسول فيفصلها ويشرح كيف تنبع المحبة من الإيمان.
  2. هذه الفضائل ليست منفصلة عن بعضها فالرسول لم يقل قدموا بعد إيمانكم فضيلة بل قال فى إيمانكم فضيلة، فالفضائل سلسلة مترابطة لا تتقدم الواحدة عن الأخرى.
  3. الله أعطانا عطايا جيدة، فعلينا أن نستعملها فى نمونا الروحى.

قَدِّمُوا فِي إِيمَانِكُمْ فَضِيلَةً = قدموا أى جاهدوا أن تكون لكم أعمال صالحة، فإيمان بدون أعمال ميت. فمن يؤمن بأنه سيرث أمجاد أبدية لن يتصارع على ميراث أرضى. ومن يؤمن بأن الله يراه فى كل حين سيمنع نفسه حتى من الفكر الخاطىء.

وَفِي الْفَضِيلَةِ مَعْرِفَةً = من يعمل أعمالا صالحة وينفذ الوصايا تصير له معرفة حية بالمسيح. ولاحظ قول السيد المسيح "إن شاء أحد أن يعمل مشيئته يعرف التعليم هل هو من الله أم أتكلم أنا من نفسى" (يو17: 7) فمن يغصب نفسه أن يعمل وينفذ وصايا الله سيعرف من هو المسيح وحقيقة تعاليمه. وفى مثال الرجل الذى بنى بيته على الصخر، هذا الذى سمع أقوال السيد المسيح وعمل بها. نجد أن البيت صمد أمام المطر والأنهار والرياح (التجارب والآلام) ولم يقع البيت (مت24: 7 - 27) أى لم يشك فى المسيح ولا فى محبته فهو قد عرفه حقيقة إذ عمل بوصاياه. عموما من ينفذ الوصية يتنقى قلبه فتنفتح عيناه ويعرف المسيح ويراه "فطوبى لأنقياء القلب...". أما الذى يترك نفسه وراء شهواته، تغلق الخطية عينيه فلا يرى المسيح ولا يعرفه.

وَفِي الْمَعْرِفَةِ تَعَفُّفًا = من له معرفة عملية بالمسيح تعوف نفسه الخطية ويزهد فى مجد العالم إذ إكتشف حقيقة الأمجاد السماوية. ومن يعرف المسيح سيكتشف أن العالم بما فيه نفاية (فى8: 3). ومن وجد اللؤلؤة كثيرة الثمن سيزهد فى كل شئ.

وَفِي التَّعَفُّفِ صَبْرًا = التعفف النابع عن محبة السماويات إذ أدرك جمالها ومجدها، يعطى قدرة على الإحتمال والصبر، فمن إحتقر وزهد فى أمجاد هذا العالم سيصبر على ألامه فعينيه صارت مثبتة على السماء وأمجادها، ينتظرها ويشتهيها، وما عاد ينتظر شيئا من الأرض. فمن ما زال ينتظر الأرضيات والماديات يضطرب ويتعجل الحصول عليها، هذا عكس من عينه مثبتة على السماء، هذا لا ينتظر شيئا من الأرض فيتعجل الحصول عليه. بل ينتظر وصوله للسماء ليستريح هناك وسط السمائيين، وحتى فى هذه يتوقعها بصبر غير متعجل، فهو يعلم أن الله لن ينقله للسماء قبل ان يتم تنقيته، وأيضا يتم العمل الذى خلقه ليتممه وهذا معنى قول بولس الرسول "لى إشتهاء أن أنطلق.... لكن أن أبقى ألزم لأجلكم" (فى1: 23: 24). فالرسول يسلم الأمر لله لينقله للسماء التى يشتهيها، ولكن بعد أن يتمم خدمته التى عينها له الله.

وَفِي الصَّبْرِ تَقْوَى = حين يثبت الانسان عينيه على السماء منتظرا إنتقاله لن يجرى وراء شهواته الخاصة، بل سيخاف الله ويعمل مشيئته. وأيضا حين يحتمل المؤمن التجارب بصبر ناشئ عن فهم أن التجربة يسمح بها الله وهو الأب المحب لينقى أبناءه وتكون هى طريقه للسماء وهو فى حالة نقاوة، وأن كل الأشياء تعمل معا للخير، يصبر هذا الإنسان على الألام، وهذا ما قاله يعقوب الرسول (يع1: 2 – 5)، وهذا الصبر يزيد معرفته الإختبارية بمحبة الله. وكلما إزدادت المعرفة، إزداد الثبات فى المسيح وهذا يعطى للإنسان أن تثبت فيه حياة المسيح. وهذا هو سر التقوى أن المسيح ظهر فى الجسد (1تى16: 3) وأعطانا حياته (فى21: 1). ولاحظ أن من يحتمل بصبر يستطيع أن يرى ويدرك تعزيات الله ومساندته له فى شدته، فتزداد خبراته عن الله ومعرفته. أما المتذمر فلن يدرك شيئا لذلك قال بولس الرسول أن الشكر يزيد الإيمان (كو7: 2).

وَفِي التَّقْوَى مَوَدَّةً أَخَوِيَّةً = من يخاف الله ويتقيه يعامل إخوته بلطف وحنان. فلا تذمر ولا جفاء معهم بل يتعامل بروح الوداعة والود والمسالمة. عموما من ثبتت فيه حياة المسيح تصير له صورة المسيح (غل4: 19).

وَفِي الْمَوَدَّةِ الأَخَوِيَّةِ مَحَبَّةً. = كلما ثبتت فينا حياة المسيح نأخذ صورته بالأكثر (2كو3: 18) والله محبة والمسيح هو إبن الله. وكيف تثبت فينا حياة المسيح؟ بقدر ما يتعامل الإنسان بمودة أخوية مع الناس فلا يتذمر عليهم، ولا يتكلم عليهم بالسوء ويقدم لهم خدمات ويصلى لأجل الكل حتى أعداءه، بقدر ما تنسكب المحبة فى قلبه لهم. وهذا ما علم به السيد المسيح حين قال أحبوا أعداءكم (كيف يا رب)... باركوا لاعنيكم (تكلموا عنهم حسنا) أحسنوا إلى مبغضيكم (قدموا لهم خدمات) صلوا لاجل الذين يسيئون اليكم (مت44: 5) وهذا ما نسميه الجهاد والنعمة. فإنسكاب المحبة هى عطية من الله، إذاً هى نعمة ولكن النعمة لا تعطى إلا لمن يستحقها أى لمن يجاهد. ومن يغصب نفسه أن يتعامل بمودة أخوية، ويتكلم حسنا على الناس، ويخدمهم تنسكب المحبة فى قلبه. والجهاد يعنى أن يغصب الإنسان نفسه على فعل ما هو صحيح وما يرضى الله.

العدد 8

آية (8): -

"8 لأَنَّ هذِهِ إِذَا كَانَتْ فِيكُمْ وَكَثُرَتْ، تُصَيِّرُكُمْ لاَ مُتَكَاسِلِينَ وَلاَ غَيْرَ مُثْمِرِينَ لِمَعْرِفَةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ.".

هدف كل الفضائل المسيحية هو معرفة المسيح معرفة كاملة. فمن يجاهد لكى ينمو فى الفضائل السابقة سيعرف ربنا يسوع معرفة حقيقية. أى يثبت فيه ويكون له هذا الثبات حياة أبدية. ويثبت فى مواجهة التجارب والتى يستغلها عدو الخير الكذاب ويخدعنا بأن الله قاسٍ إذ سمح بهذه التجربة، أما من عرف المسيح وإنفتحت عيناه وأدرك كم أن المسيح يحبه، فهو سيكتشف بسهولة أكاذيب عدو الخير هذه (مت7: 24 – 27). وسلسلة الفضائل السابقة والتى تبدأ بالإيمان والتغصب على فعل ما هو صالح، وتنتهى بالمحبة، هى خط واضح ومن يحاول أن يسير على هذا الطريق سيزداد معرفة بالمسيح، وآخر السلسلة كانت المحبة. والله محبة فمن يسير فى هذا الخط ليصل إلى محبة الله ومحبة الناس، فهو يسير فعلا فى طريق معرفة الله.

كثرت = أى تنمو، فالحياة المسيحية يجب أن تكون فى حالة نمو دائم.

تُصَيِّرُكُمْ لاَ مُتَكَاسِلِينَ = كلما تحاولون أن تكون هذه السلسلة منهج لحياتكم سيمتنع التكاسل الذى فى حياتكم، ويكون لكم نشاط أن تعرفوا عن المسيح أكثر فمن يعرف المسيح يريد أن يعرف عنه أكثر وأكثر ومن يحاول سيكون مثمرا فى هذه المعرفة = لاَ غَيْرَ مُثْمِرِينَ = فمن يعرف أى يتحد بالمسيح، والمسيح هو الحياة، تكون له حياة المسيح، فيكون مثمرا. فلا ثمر بدون حياة. (راجع آية 2 فالمعرفة تعنى إتحاد مع المسيح والإتحاد مع المسيح حياة).

العدد 9

آية (9): -

"9 لأَنَّ الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ هذِهِ، هُوَ أَعْمَى قَصِيرُ الْبَصَرِ، قَدْ نَسِيَ تَطْهِيرَ خَطَايَاهُ السَّالِفَةِ.".

أما الإنسان الخالى من الفضائل فهو بلا خبرة روحية ولا معرفة إختبارية بالمسيح = أَعْمَى قَصِيرُ الْبَصَرِ، وما الذى فعل به هكذا؟ هو مثل الفلاح غير الحكيم الذى نسى تطهير حقله من الأحجار التى فيه والحشائش الضارة، هذا لا يمكن أن ينمو فى أرضه نبات له حياة وثمر. وهكذا هى الخطية.... فطوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله. ونحن نحصل على القلب النقى الذى يعاين الله فيعرفه عن طريق المعمودية ثم بالتوبة والإعتراف والتناول من جسد الرب ودمه. وبالمعمودية تصير لنا طبيعة جديدة بها نعاين الله، ومن ينسى هذا ويعيش بلا توبة (لينقى قلبه) وبلا أعمال صالحة، وينسى أنه حصل على طبيعة جديدة، فيكف عن جهاده يصير أعمى لا يستطيع أن يعرف الله.

العدد 10

آية (10): -

"10 لِذلِكَ بِالأَكْثَرِ اجْتَهِدُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْعَلُوا دَعْوَتَكُمْ وَاخْتِيَارَكُمْ ثَابِتَيْنِ. لأَنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذلِكَ، لَنْ تَزِلُّوا أَبَدًا.".

اجْتَهِدُوا... أَنْ تَجْعَلُوا دَعْوَتَكُمْ وَاخْتِيَارَكُمْ ثَابِتَيْنِ = لقد أفرزكم الله بروحه القدوس عن العالم، وإختاركم للمجد، فهل ترتدوا فتخسروا كل البركات... لا بل إجتهدوا، والجهاد يجعل الدعوة والإختيار ثابتين. وبدون الجهاد يزل الإنسان ويتعثر كالأعمى ويخسر دعوته وإختياره.

وفى هذه الآية رد على من يتصور أن الإيمان بدون أعمال يخلص، ورد على من يتصور أن هناك مختارين يخلصون دون أن يجاهدوا. فها نحن نرى هنا أناس مدعوين ومختارين لكن يلزمهم أن يجاهدوا لكى يثبت هذا الإختيار وهذه الدعوة.

العدد 11

آية (11): -

"11 لأَنَّهُ هكَذَا يُقَدَّمُ لَكُمْ بِسِعَةٍ دُخُولٌ إِلَى مَلَكُوتِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الأَبَدِيِّ.".

ملكوت السموات مفتوح ومتسع، والرسول يقول هذه الآية حتى لا ييأس أحد من خلاصه، ولكن الأعمال الصالحة والجهاد يزيدوا من رضى الله علينا.

الأعداد 12-15

الآيات (12 - 15): -

"12 لِذلِكَ لاَ أُهْمِلُ أَنْ أُذَكِّرَكُمْ دَائِمًا بِهذِهِ الأُمُورِ، وَإِنْ كُنْتُمْ عَالِمِينَ وَمُثَبَّتِينَ فِي الْحَقِّ الْحَاضِرِ. 13 وَلكِنِّي أَحْسِبُهُ حَقًّا مَا دُمْتُ فِي هذَا الْمَسْكَنِ أَنْ أُنْهِضَكُمْ بِالتَّذْكِرَةِ، 14 عَالِمًا أَنَّ خَلْعَ مَسْكَنِي قَرِيبٌ، كَمَا أَعْلَنَ لِي رَبُّنَا يَسُوعُ الْمَسِيحُ أَيْضًا. 15 فَأَجْتَهِدُ أَيْضًا أَنْ تَكُونُوا بَعْدَ خُرُوجِي، تَتَذَكَّرُونَ كُلَّ حِينٍ بِهذِهِ الأُمُورِ.".

لِذلِكَ = لأن هناك تهديد بخسارتهم لكل شىء إن أهملوا، وهناك وعد بملكوت أبدى لو ثبتوا مجاهدين. وإدراك الرسول بإقتراب يوم إنتقاله جعله يهتم بأن يذكر أولاده أن يجاهدوا.

كَمَا أَعْلَنَ لِي رَبُّنَا = لقد سبق رب المجد وأعلن له أنه سيموت مصلوبا (يو18: 21).

ولكن الرسول هنا يتكلم عن رؤيا حديثة، أعلن له فيها رب المجد عن قرب إنتقاله.

مَا دُمْتُ فِي هذَا الْمَسْكَنِ = مسكن أصلها خيمة. والخيمة إشارة للجسد الحالى (2كو1: 5). ويقول التاريخ أن الوثنيون إستشاطوا غيظا من القديس بطرس فأرادوا قتله. فأوعز إليه المؤمنون أن يهرب، فقبل الرسول مشورتهم، وفيما هو خارج من باب مدينة روما رأى السيد المسيح داخلا، فسأله بطرس "إلى اين تذهب يا سيدى = كوفاديس"، فأجابه السيد "إلى روما لكى أصلب ثانية" فأدرك القديس بطرس أن السيد المسيح يريده أن يعود ليستشهد، فرجع فى الحال وأخبر المؤمنين بذلك، وسجن 9 شهور ثم صلب منكس الرأس. وفى نفس اليوم قطعت رأس بولس الرسول بالسيف، وكان هذا لأن بولس له جنسية رومانية والرومانى لا يصلب.

بَعْدَ خُرُوجِي = أى موتى (لو31: 9).

الأعداد 16-18

الآيات (16 - 18): -

"16 لأَنَّنَا لَمْ نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً، إِذْ عَرَّفْنَاكُمْ بِقُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَمَجِيئِهِ، بَلْ قَدْ كُنَّا مُعَايِنِينَ عَظَمَتَهُ. 17 لأَنَّهُ أَخَذَ مِنَ اللهِ الآبِ كَرَامَةً وَمَجْدًا، إِذْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ صَوْتٌ كَهذَا مِنَ الْمَجْدِ الأَسْنَى: «هذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي أَنَا سُرِرْتُ بِهِ». 18 وَنَحْنُ سَمِعْنَا هذَا الصَّوْتَ مُقْبِلاً مِنَ السَّمَاءِ، إِذْ كُنَّا مَعَهُ فِي الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ.".

لَمْ نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً = فلو كانت كذلك، أى لو لم نكن متأكدين تمام التأكد مما قلنا، فلماذا نحتمل كل هذه الآلام. وهذا ما قاله أيضا بولس الرسول (1كو15: 30). إذاً كرازتنا بالملكوت ليست من وحى الخيال. وهنا يشير القديس بطرس إلى أنه عاين هو ومن معه عظمة السيد المسيح، هذه التى ظهرت بوضوح على جبل التجلى.

وهذا ما أعلنه أيضا يوحنا الرسول (يو14: 1).

أَخَذَ مِنَ اللهِ الآبِ كَرَامَةً وَمَجْدًا = فالمسيح تجلى أمام بطرس ويعقوب ويوحنا على الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ = فتجلى الرب عليه جعله جبلا مقدسا. الصَّوْتَ مُقْبِلاً مِنَ السَّمَاءِ = فمجد الرب وكرامته ليسا أرضيين بل سماويين.

المجد الأسنى = المجد البهى، وهو تعبير يستخدم ليشار به إلى الله. والأسنى تعنى جل جلاله وتعنى الفائق والأرفع والأعظم وذو المهابة والقدرة. وكلمة السنى فى العربية تعنى الرفيع، والسنا هو ضوء البرق. وهذه الكلمة هى كلمة فريدة لم تأتى سوى فى هذه الآية.

العدد 19

آية (19): -

"19 وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ،".

إن كنتم فى شك من شهادتنا عن المسيح، فعندكم النبوات فى العهد القديم، وهى شهادات أنبياء شهدوا بها عن المسيح منذ مئات السنين. وهى ثابتة، والكتب فى يد اليهود شاهدة على صدق ما نقول.

إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ = كوكب الصبح هو إشارة عن المسيح وإستخدم هذا فى (عد17: 24) + (لو78: 1) + (رؤ16: 22) + (ملا2: 4) + (أف14: 5). وهذا الكوكب يظهر قبل ظهور الشمس مباشرة. والمعنى أن بطرس يريد أن يقول أنه هو رأى المسيح على جبل التجلى، أما بالنسبة لمن لم يرى فعنده نبوات الأنبياء وهذا كمرحلة مؤقتة حتى يكون للمؤمن الإعلان المباشر لشخص المسيح فى قلبه. وهذا الإعلان يفوق النبوة ويفوق رؤية المسيح بالجسد.

فاليهود رأوا المسيح بالجسد ولم يعرفوه بل صلبوه أما الإعلان الذى فى القلب فهو يعطى اليقين الكامل والإستنارة والفرح والثقة فيه ومحبته.

الأعداد 20-21

الآيات (20 - 21): -

"20 عَالِمِينَ هذَا أَوَّلاً: أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ. 21 لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.".

مَسُوقِينَ = محمولين كما تحمل الريح السفينة وقارن مع (2تى16: 3).

ولكن لنفهم أن مفهوم الوحى لدى المسيحيين واليهود هو ليس أن الروح القدس يملى على الكاتب ما يكتب بل: -.

  1. هو يعطى الفكرة للكاتب، والكاتب يصيغ ما يكتب بحسب أسلوبه وثقافته وفلسفته وخبراته.
  2. الروح القدس يحمى الكاتب من الوقوع فى أخطاء.
  3. الروح القدس يكشف للكاتب ما هو غامض ومستور (مثلا أحداث الخليقة تك 1).

لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ = ليس عن إجتهاد بشرى، بل بوحى من الروح القدس.

No items found

الأصحاح الثاني - تفسير رسالة بطرس الرسول الثانية - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير بطرس الرسول الثانية الأصحاح 1
تفاسير بطرس الرسول الثانية الأصحاح 1