الأصحاح الرابع – تفسير رسالة يوحنا الرسول الأولى – مارمرقس مصر الجديدة

الأَصْحَاحُ الرَّابِعُ

التمييز ومحبة الآخرين.

(1) ضد المسيح (ع1 - 6).

(2) محبة الآخرين (ع7 - 11).

(3) الثبات في محبة الله وبركاتها (ع12 - 21).

(1) ضد المسيح (ع1 - 6):

1 أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ؟ لأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى الْعَالَمِ. 2 بِهَذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ اللهِ: كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ، فَهُوَ مِنَ اللهِ، 3 وَكُلُّ رُوحٍ لاَ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ، فَلَيْسَ مِنَ اللهِ. وَهَذَا هُوَ رُوحُ ضِدِّ الْمَسِيحِ، الَّذِي سَمِعْتُمْ أَنَّهُ يَأْتِى، وَالآنَ هُوَ فِي الْعَالَمِ. 4 أَنْتُمْ مِنَ اللهِ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، وَقَدْ غَلَبْتُمُوهُمْ لأَنَّ الَّذِي فِيكُمْ أَعْظَمُ مِنَ الَّذِي فِي الْعَالَمِ. 5 هُمْ مِنَ الْعَالَمِ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، يَتَكَلَّمُونَ مِنَ الْعَالَمِ، وَالْعَالَمُ يَسْمَعُ لَهُمْ. 6 نَحْنُ مِنَ اللهِ، فَمَنْ يَعْرِفُ اللهَ يَسْمَعُ لَنَا، وَمَنْ لَيْسَ مِنَ اللهِ لاَ يَسْمَعُ لَنَا. مِنْ هَذَا نَعْرِفُ رُوحَ الْحَقِّ وَرُوحَ الضَّلاَلِ.

العدد 1

ع1:

إن كان القديس يوحنا يتكلم عن المحبة، لكنه يوجه الأنظار إلى أهمية اقترانها بالتمييز لمعرفة المبتدعين الذين يندَّسون وسط الكنيسة وينادون بأفكار غريبة عنهم. ويسميهم أنبياء كذبة لأنهم بكبرياء يظنون أنهم هم الفاهمون لطريق الله ويضلون الكثيرين.

الأعداد 2-3

ع2 - 3:

يحذر الرسول من أهم بدعة يروِّجها المبتدعون، الذين هم أضداد المسيح، وهي إنكار لاهوته وتجسده الذي هو أساس الإيمان، فهؤلاء ليس فيهم روح الله بل إبليس الذي يقاوم الله. وقد تكلم المسيح عن ظهور أنبياء كذبة واضداد له (مت24: 4، 5) وقد ظهروا منذ العصر الرسولي ومازالوا حتى الآن وينادون كل يوم ببدعة جديدة حتى أنه خارج مصر أصبح هناك مئات منهم وداخل مصر يظهر كل فترة بدعة جديدة يقودها أحد خدام الكنيسة ويقاوم بها التعاليم التي تعيشها الكنيسة وحافظت عليها منذ أيام المسيح. من هنا يجب علينا ألا نسمع إلا للمعلمين الذي فيهم روح الله ويؤمنون بلاهوت المسيح وتجسده وكل تفاصيل الإيمان بالمسيح الذي تتمسك به الكنيسة.

العدد 4

ع4:

يشجع أولاده المؤمنين للثبات في إيمانهم لأن فيهم روح الله الذي يغلب الشيطان وكل أفكاره التي ينادى بها المبتدعون. فالله أقوى من الشيطان ومهما زادت البدع والهرطقات، يستطيع أن يظهر انحرافها وينتصر عليها.

العدد 5

ع5:

المبتدعون لهم أفكار العالم الشريرة، فيطلبون الشهرة والمال وشهوات العالم المختلفة، وكل من يشتهى هذه الشهوات ينساق وراءهم فيكونون جماعات تتصف بمحبة شهوات العالم.

العدد 6

ع6:

على الجانب الآخر، فالرسل الذين منهم يوحنا، تعاليمهم صادقة لأنها من الله، وكل من يريد أن يحيا بنقاوة مع الله سيطيع ويتمسك بتعاليم الرسل التي هي تعاليم الكنيسة. وهكذا نميِّز بين البدع والتعاليم الصحيحة بالخضوع للكنيسة وتعاليمها المُسَلَّمَة من المسيح والرسل.

† محبتك لجميع الناس لا تعني تهاونك في إيمانك، فكل تعليم غريب على أذنيك وقلبك لا تسمع له مهما بدا مبهرًا، وتمسك بكنيستك وتعاليمها مهما زاد عدد المبتدعين ولا تتشكك في إيمانك بسبب جرأة المبتدعين الشريرة وتطاولهم على الكنيسة التي ستظل صامدة حتى مجيء المسيح ليفرح كل أولادها المؤمنين بها في الأبدية.

(2) محبة الآخرين (ع7 - 11):

7 أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ، فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ، وَيَعْرِفُ اللهَ. 8 وَمَنْ لاَ يُحِبُّ، لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ. 9 بِهَذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ فِينَا: أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ. 10 فِى هَذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا.

11 أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِنْ كَانَ اللهُ قَدْ أَحَبَّنَا هَكَذَا، يَنْبَغِى لَنَا أَيْضًا أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا.

الأعداد 7-8

ع7 - 8:

المولود من الله في المعمودية ينال طبيعة جديدة مائلة للتشبه بالله، ثم بسر الميرون ينال الروح القدس فيعرف الله الذي هو المحبة، وحينئذ يسهل عليه أن يحب الآخرين. وبالتالي فالدليل على محبتنا لله أن نحب الآخرين والعكس صحيح، فمن لا يحب الآخرين سواء بالغضب منهم أو إدانتهم أو بأى إساءة فهذا دليل على عدم محبته لله.

الأعداد 9-10

ع9 - 10:

أعلن لنا الله المحبة في إرسال ابنه الحبيب ليموت عنا ويكفر بموته عن خطايانا ويرفعها عنا فنحيا به، فليس حب أعظم من هذا أن يموت الله عنا لنحيا نحن به وفيه، فالله هو البادئ بالحب وليس نحن لكننا نتعلم منه المحبة فنحبه لأنه هو أحبنا وأحيانا من الموت وأعطانا حياة جديدة هي حياة الحب.

العدد 11

ع11:

إذ نتجاوب مع محبة الله لنا فنحبه ينتج عن محبتنا له أن نحب الآخرين، فهذه نتيجة تلقائية وضرورية.

† إعلم أن إبليس يثير مشاكل ويستفذك بإساءات الآخرين لتفقد محبتك نحوهم ولو للحظات وبالتالي يفصلك عن الله الذي هو الحب الحقيقي، فاحترس منه وكن قويًا بالتماس الأعذار للآخرين والإشفاق عليهم ومحبتهم لأجل من أحبك أولًا وهو الله.

←.

(3) الثبات في محبة الله وبركاتها (ع12 - 21):

12 اَللهُ لَمْ يَنْظُرْهُ أَحَدٌ قَطُّ. إِنْ أَحَبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا فَاللهُ يَثْبُتُ فِينَا، وَمَحَبَّتُهُ قَدْ تَكَمَّلَتْ فِينَا. 13 بِهَذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا نَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِينَا: أَنَّهُ قَدْ أَعْطَانَا مِنْ رُوحِهِ. 14 وَنَحْنُ قَدْ نَظَرْنَا وَنَشْهَدُ أَنَّ الآبَ قَدْ أَرْسَلَ الابْنَ مُخَلِّصًا لِلْعَالَمِ. 15 مَنِ اعْتَرَفَ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ، فَاللهُ يَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِي اللهِ. 16 وَنَحْنُ قَدْ عَرَفْنَا وَصَدَّقْنَا الْمَحَبَّةَ الَّتِي لِلَّهِ فِينَا. اللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ. 17 بِهَذَا تَكَمَّلَتِ الْمَحَبَّةُ فِينَا: أَنْ يَكُونَ لَنَا ثِقَةٌ فِي يَوْمِ الدِّينِ، لأَنَّهُ، كَمَا هُوَ فِي هَذَا الْعَالَمِ، هَكَذَا نَحْنُ أَيْضًا. 18 لاَ خَوْفَ فِي الْمَحَبَّةِ، بَلِ الْمَحَبَّةُ الْكَامِلَةُ تَطْرَحُ الْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ لأَنَّ الْخَوْفَ لَهُ عَذَابٌ. وَأَمَّا مَنْ خَافَ، فَلَمْ يَتَكَمَّلْ فِي الْمَحَبَّةِ. 19 نَحْنُ نُحِبُّهُ، لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلًا. 20 إِنْ قَالَ أَحَدٌ: «إِنِّى أُحِبُّ اللهَ» وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ، لأَنَّ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ الَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ الَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ؟ 21 وَلَنَا هَذِهِ الْوَصِيَّةُ مِنْهُ: أَنَّ مَنْ يُحِبُّ اللهَ يُحِبُّ أَخَاهُ أَيْضًا.

العدد 12

ع12:

الله روح غير محدود وأعلى من أن يراه أحد لعظمة بهائه ومجده، فلا يستطيع أحد أن يراه ولكننا نستطيع أن نشعر به ونعاينه إن تنقَّت قلوبنا من الشر وأحببنا بعضنا بعضًا. وكلما ازدادت محبتنا للآخرين يثبت الله فينا لأن محبته تتكامل فينا، فقدرما نحب الآخرين نستطيع أن نعاين الله ونراه فينا وفيمن حولنا.

العدد 13

ع13:

الروح القدس الساكن فينا هو الذي يحركنا نحو محبة الآخرين، فإن تجاوبنا معه يثبت الله فينا. فمحبتنا للآخرين تعلن أن الروح القدس عامل فينا، وبالتالي نحن ثابتون في الله وخاضعون له.

العدد 14

ع14:

أعلى صورة للمحبة هي الحب المبذول على الصليب لخلاصنا، هذا ما شاهده الرسل وبشَّروا به العالم.

الأعداد 15-16

ع15 - 16:

من يؤمن بالمسيح المتجسد ويعلن إيمانه فهو يؤمن أيضًا بحب الله المبذول على الصليب. والله يفرح به ويسكن ويثبت فيه لأجل تجاوبه بالإيمان والمحبة، لأن اعترافه ليس فقط نظريًا بل عمليًا في حياته بمحبة من حوله، وكلما عاش بهذا الإيمان يزداد ثباته ونموه في معرفة الله.

العدد 17

ع17:

بهذا: بالثبات في الله.

كما هو في هذا العالم: أي كما عاش المسيح في العالم.

إن ثبات الإنسان في المحبة معناه نموه المستمر، وهذا يعطيه طمأنينة فلا ينزعج من يوم الدينونة بل يثق في محبة المسيح الغافرة له، ويتشجع على السلوك بمحبة مع الآخرين مقتديًا بالمسيح الذي أحبَّ البشرية حتى مات عنها على الصليب.

العدد 18

ع18:

الخوف المقصود به الخوف من خسارة الماديات لتعلق الإنسان بها كما قال العلامة ترتليانوس، فمن يحب الله يقل تعلقه بالماديات وبالتالي الخوف من خسارتها. وإذا نمت المحبة وصارت كاملة لا يخاف الإنسان من شيء في العالم كما حدث في حياة الشهداء والقديسين الذين باعوا كل شيء من أجل محبة الله.

والخوف من خسارة الماديات ينتج عنه اضطراب في القلب وانزعاج نفسي فيصير الإنسان معذَّبا وتعيسًا وقلقًا.

والمقصود بالخوف أيضًا الخوف من عقاب الله لخطايانا، فإذا صارت محبة الإنسان لله كاملة، وهذا ما يصل إليه بعض القديسين كدرجة روحية عالية جدًا مثل الأنبا أنطونيوس أب الرهبان، فهذا يمكنه التخلص من شعور الخوف. ولكن أي واحد منا يقع في خطايا كثيرة، فمع محبته لله التي تشجعه على الصلاة وعمل الخير، يخاف من الدينونة فيسرع للتوبة. ويتذكر الإنسان أن عقاب خطيته هو العذاب الأبدي فيخاف ويرجع إلى الله وهذا معناه أنه مازال معرضًا للسقوط في الخطية، أي أن محبته ليست كاملة.

العدد 19

ع19:

الله هو مصدر الحب للعالم كله وظهر عمق محبته على الصليب في موته عنّا، فهذا يجذب قلوبنا إليه ونحبه. إذًا محبتنا لله هى تجاوب مع محبته لأنه هو البادئ بالحب، إذ أقبل إلينا بتجسده وقدّم حبه على الصليب ويقدمه كل يوم على المذبح في جسد مقسوم ودم مسفوك لنخلص ونحيا به.

ع20، 21: يؤكد الرسول أن محبتنا لإخوتنا هي الدليل على محبتنا لله الذي أوصى بذلك (مت22: 35 - 39)، ثم يعطى حجة منطقية للذين يدّعون محبتهم لله مع أنهم يبغضون إخوتهم فيقول لهم كيف لا تستطيعون محبة إخوتكم الذين تنظرونهم رغم أن لهم فضائل وأنكم جميعًا بَشَر، فكان ينبغي أن تلتمسوا الأعذار بعضكم لبعض، فالأسهل أن تحبوا من ترونهم وتسامحونهم عن أخطائهم بدلًا من ان تدَّعوا محبتكم لله الذي لا ترونه، فهذه درجة أعلى لمن استطاع أن يحب من يراهم ثم بعد ذلك يحب من لا يراه وهو الله.

† كن شفوقًا على الآخرين وتسامح بسرعة إن أساءوا إليك متذكرًا غفران الله لك طوال عمرك الماضى، عالمًا أن من يخطئ إنسان ضعيف محتاج لمن يصلى لأجله ويسنده بالمحبة.

No items found

الأصحاح الخامس - تفسير رسالة يوحنا الرسول الأولى - مارمرقس مصر الجديدة

الأصحاح الثالث - تفسير رسالة يوحنا الرسول الأولى - مارمرقس مصر الجديدة

تفاسير يوحنا الرسول الأولى الأصحاح 4
تفاسير يوحنا الرسول الأولى الأصحاح 4