الأَصْحَاحُ الأَوَّلُ – إنجيل يوحنا – مارمرقس مصر الجديدة

هذا الفصل هو جزء من كتاب: انجيل يوحنا – كهنة و خدام كنيسة مارمرقس مصر الجديدة.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

إِنْجِيلُ يُوحَنَّا.

مقدمـة

(1) كاتبه:

هو القديس يوحنـا الإنجيـلى، وهو ابن زبدى وأخـو يعقوب، وكان يعمـل مع أخيه بمهنة أبيهما فى صيد السمك. وأمه سالومة، كانت إحدى اللواتى خَدَمْنَ يسوع من أموالهن (مت 27: 55 و56؛ مر 15: 40 و41؛ لو 8: 3). وقد دعاه السيد مع أخيه يعقوب للخدمة، ولقّبهما بـ "بوانرجس" أى "ابنى الرعد" (مر 3: 17).

كان فى تلمذته للسيد المسيح قريبا جدا منه، فهو، مع بطرس ويعقوب، شاهدوا إقامة ابنة يايرُس (لو 8: 51 - 55)، وكذلك التجلى (مت 17: 1 - 8؛ مر 9: 2 - 9). وهو الذى اتكأ على صدر المسيح فى العشاء الربّانى (يو 13: 25). وهو الوحيد أيضا من الاثنى عشر الذى رافق المسيح ساعة صلبه، وقد شرّفه السيد بالعناية بأمه العذراء القديسة مريم (يو 19: 26 - 27). وهو أول تلميذ جاء إلى باب القبر، إذ سبق بطرس فى الطريق (يو 20: 3 و4). وقد اعتُبر من أعمدة الكنيسة بشهادة القديس بولس الرسول (غل 2: 9).

وقد كتب، بخلاف إنجيله، ثلاث رسائل رعوية، وكذلك سفر الرؤيا الذى أضاف إلى اسمه بعد ذلك لقب "الرائى".

(2) زمن كتابته:

هو آخر الأناجيل كتابة (ما بين سنتى 85 – 90 ميلادية).

(3) رمزه:

يُرمز لإنجيل يوحنا بالنسر، وذلك لسمو معانيه اللاهوتية التى تحلق بنا فى الأعالى الروحية.

(4) مكان كتابته:

من المرجح أنه كُتب فى مدينة أفسس، قبل نفى القديس يوحنا إلى جزيرة "بَطْمُسَ".

(5) ما تميز به:

أ) جاء يستكمل صورة الابن، فالأناجيل الثلاثة ركزت على أعمال وأمثال ومعجزات السيد المسيح – له المجد - فى أزمنة متتابعة. أما يوحنا، فقد أفرز إنجيله لإثبات لاهوت المسيح؛ سواء كانت المعجزات التى ذكرها، أو الأحاديث التى نقلها عن السيد المسيح، ولم يكن لها سـوى غرض واحـد، وهو إبراز مفهوم الابن الواحد المساوى للآب... وقد أوضـح لنا هذا، عندما ذكر الغرض من كتابة إنجيله، إذ قـال: "وأما هذه، فقد كُتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله، ولكى تكون لكم، إذا آمنتم، حياة باسمه" (يو 20: 31).

ب) تميز أيضا إنجيل يوحنا بذكر الحديث والصلاة الختامية للرب يسوع مع تلاميذه ومع الآب، والتى شملت الأصحاحات 14 و15 و16 و17، ولم يذكر تفصيلها أى من الإنجيليّين الآخرين.

حـ) ما انفرد أيضا القديس يوحنا بذكره، دون الإنجيليّين الآخرين، هو مجموعة من الأحاديث والحوارات اللاهوتية العالية مع الكتبة والفريسيين، أفصح فى كثير منها عن العلاقة السرية التى تربطه بالآب، وهو ما لم يفهمه أحد منهم حينذاك.

د) تكلم أيضا بالتمام، ومما لا يضع مجالا للشك، عن ذبيحة المسيح الكفارية، إذ يعتبر حوالى نصف الأصحاح السادس (ع 32 - 59)، أبرز ما كُتب فى البشائر الأربعة عن فاعلية أكل الجسد وشرب الدم الحقيقى لفادى البشرية، مخلّص العالم.

الأَصْحَاحُ الأَوَّلُ

الميلاد الأزلى شهادة يوحنا المعمدان دعوة التلاميذ.

(1) الميلاد الأزلى (ع 1 - 8):

1 - فى البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. 2 - هذا كان فى البدء عند الله. 3 - كل شىء به كان، وبغيره لم يكن شىء مما كان. 4 - فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس. 5 - والنور يضىء فى الظلمة، والظلمة لم تدركه. 6 - كان إنسـان مرسـل من الله اسمه يوحنا. 7 - هذا جاء للشهادة، ليشهد للنور، لكى يؤمن الكل بواسطته. 8 - لم يكن هو النور، بل ليشهد للنور.

الأعداد 1-2

ع1 - 2:

بينما اهتم البشيرين لوقا ومتى بأحداث الميلاد الزمنية، اهتم يوحنا بإبراز الميلاد الأزلى للسيد المسيح، لأن شاغله الأول كان إثبات لاهوت المسيح، فى وسط التشكيكات التى شنها اليهود على شخص المسيح. ولا توجد آية أقوى من: "وكان الكلمة الله". ولهذا، نجد أن جماعة مثل شهود يهوه، الناكرين للمسيحية ولاهوت المسيح، يغيّرون فى كتابهم منطوق هذه الآية إلى: "وكان الكلمة كإله". والمقصود بالكلمة: العقل الإلهى، أى الأقنوم الثانى، لأن الكلمة تعبّر عن العقل، وتصدر منه، وتساويه.

تؤكد الآية الثانية، بوضوح أكثر، أزلية الوجود للآب والابن، فلم تكن هناك لحظة - بحسب لغة البشر - كان فيها الآب سابقا أو منفردا؛ فالميلاد الأزلى للابن مرتبط بالكلية بوجود الآب، مثلما نقول: تزامن ظهور قرص الشمس مرتبط بخروج الشعاع الضوئى منه.

الأعداد 3-5

ع3 - 5:

إشارة واضحة لتأكيد لاهوت المسيح، إذ أنه الخالق، "وبغيره لم يكن شىء" من الخليقة (راجع مع عب 1: 2). ويذهب الرسول إلى بُعد روحى مقارن للبعد اللاهوتى، فيقول: "كانت الحياة"، أى أن المسيح ليس خالقا فقط، بل مصدر حياة وقوة كل أولاده ممن آمن واعتمد (باسم الآب والابن والروح القدس). ويشير القديس يوحنا إلى رفض اليهود للمسيح، مما جعله يصفهم بالظُّلمة التى لم تدرك النور المرسل للعالم.

فهل، يا أيها الحبيب، تشكر السيد المسيح على أنك خليقة يديه التى صنعها ووهبها الحياة، وأراد لها الشركة معه فى النور؟ إن الذى يؤمن فعلا أنه محور اهتمام السيد، لا يجد شيئا يقدمه عوضا عن حياة الشكر الدائم.

الأعداد 6-8

ع6 - 8:

الكلام هنا عن يوحنا المعمدان وعن مهمته، أى تهيئة الناس لقبول المسيح، وليس جذب الناس لذاته والإيمان به.

وتهيئة الناس لقبول المسيح، مهمة مشتركة لكل شعب كنيسته، فالمسيحى الحقيقى لا يعتقد فى نفسه أنه نور، بل هو عاكس لنور المسيح على كل من حوله؛ فتكون شهادته إما بالكلام كشهادة يوحنا، أو بأعماله وسلوكه الظاهر، فيرى كل من حوله نور المسيح من خلاله.

(2) مهمة يوحنا (ع 9 - 13):

9 - كان النور الحقيقى الذى ينير كل إنسان آتيا إلى العالم. 10 - كان فى العالم، وكُوِّنَ العالم به، ولم يعرفه العالم. 11 - إلى خاصته جاء، وخاصته لم تقبله. 12 - وأما كل الذين قبلوه، فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله، أى المؤمنون باسمه. 13 - الذين ولدوا، ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل، بل من الله.

الأعداد 9-11

ع9 - 11:

العودة بالكلام هنا لشخص المسيح المخلّص. فبالرغم من أن السيد المسيح كان موضع رجاء اليهود، وكانوا ينتظرونه، إلا أنهم لم يعرفوه، ولم يقبلوه.

وهذا حال المسيح اليوم، بين قابل ورافض، وبين من يدّعون أنهم أولاده، ولكن بأعمالهم لا يقبلونه، بل يردونه إلى خلف؛ فقبول المسيح ليس إعلانا، بل هو إخضاع النفس والإرادة لمشيئته، وتنفيذ وصاياه والعمل بها "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس، لكى يروا أعمالكم الحسنة، ويمجدوا أباكم الذى فى السماوات" (مت 5: 16).

الأعداد 12-13

ع12 - 13:

"الذين قبلوه... أى المؤمنون باسمه": كانت هناك عطية خاصة، ولم تزل، لكل من يريد المسيح، وهى عطية البنوة لله. فالميلاد الجسدى يعطى الحسب والنسب، والميراث الأرضى مصيره الموت والزوال. أما الميلاد الروحى، وشرطه الإيمان والمعمودية (مر 16: 16)، فيعطى بنوة ونسبا إلهيا، وميراثا سمائيا ثابتا لا يضمحل.

وهذه العطية، أخذناها جميعا مجانا فى سر المعمودية المقدس، مما يلقى على الإنسان المسيحى مسئولية عظيمة، وهى سؤال يطرح نفسه طوال الوقت: هل نسبى للعالم أم للمسيح... هل أحيا كمولود من جسد أو كمولود من الروح؟ والتدقيق فى هذا السؤال، وما نطلق عليه: حساب النفس اليومى عن كل أفعالنا، له عظيم الأثر على الحياة الروحية مع الله.

(3) تجسد المسيح (ع 14 - 18):

14 - والكلمة صار جسدا وحل بيننا، ورأينا مجده، مجدا كما لوحيد من الآب، مملوءا نعمة وحقا. 15 - يوحنا شهد له، ونادى قائلا: "هذا هو الذى قلت عنه إن الذى يأتى بعدى، صار قدامى، لأنه كان قبلى. 16 - ومن ملئه، نحن جميعا، أخذنا ونعمة فوق نعمة. 17 - لأن الناموس بموسى أعطى، أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا. 18 - الله لم يره أحد قط، الابن الوحيد الذى هو فى حضن الآب، هو خَبَّرَ.

العدد 14

ع14:

"الكلمة صار جسدا وحل بيننا": إشارة إلى سر التجسد، وهى إحدى عقائد المسيحية الأساسية، أن الله الكلمة صار جسدا. ومعنى "جسدا" هنا، إنسانا كاملا، كما يشير قانون الإيمان "تجسد وتأنس"؛ أى المسيح الإله أخذ جسدا وروحا ونفسا بشرية اتحدت بلاهوته، فصار الله الكامل والإنسان الكامل (راجع 1تى 3: 16). و "صار": لا تعنى تحوّل اللاهوت إلى جسد مادى، أو محدوديته بجسد مادى، بل تعنى: اتحد به.

ونعلم أن كلمة جسد، فى لغة الكتاب المقدس، تعنى أحد ثلاث معانٍ:

(1) جسم: "لم يبغض أحد جسده قط" (أف 5: 29).

(2) شر: "ولا تصنعوا تدبيرا للجسد لأجل الشهوات" (رو 13: 14).

(3) شخصية إنسانية كاملة: "ليسا بعد اثنين بل جسد واحد" (مت 19: 6).

وقد تنبأ باروخ النبى بالتجسد والحلول بيننا، عندما قال: "هذا هو إلهنا، ولا يعتبر حذاءه آخر... تراءى على الأرض، وتردد بين البشر" (3: 36، 38).

وبجانب البعد الإيمانى لهاتين الآيتين، نستطيع أن نستخلص المعانى الروحية التالية أيضا:

"صار جسدا": صار الإنسان المسيحى ابنا لله، لأن ابن الله الوحيد صار إنسانا.

"حل بيننا": عاش فى وسطنا كواحد منا باتضاع عجيب، مختبرا كل آلامنا، شاعرا بنا فى كل ضيقنا، بل هو المعين لكل المتألمين... فلن يشعر بك إلا من تألم كل الألم من أجلك... هذا هو مسيحك (عب 2: 18).

"ورأينا مجده، مجدا": ما أصعب الحديث عن مجد الله قبل التجسد. فعندما حاول موسى رؤية مجد الله، جاءته الإجابة: "الإنسان لا يرانى ويعيش" (خر 33: 20). أما فى تجسد المسيح، فقد رأينا مجد الله المتجسد فى معجزاته التى لا يصنعها إلا الله. وكإنسان، صار فى قدوته لنا بلا خطية واحدة، مقدما لنا صورة الإنسان الكامل الذى يجب علينا أن نكون على صورته، غير معتذرين أو مبررين خطايانا بظروف العالم المحيطة بنا.

"كما لوحيد من الآب": تعطى تمييزا لبنوة المسيح عن بنوتنا نحن لله، فبنوة المسيح هى بنوة الطبيعة الإلهية، أى ولادة الكلمة الأزلى من الآب قبل كل الدهور. أما بنوتنا، فقد نلناها بالإيمان بالآب والابن والروح القدس من خلال سر المعمودية.

"مملوءا نعمة وحقا": النعمة هى العطايا المجانية التى يهبنا المسيح إياها. والحق هو إعلان حقيقة الله والإيمان به.

العدد 15

ع15:

هذه شهادة ليوحنا المعمدان، تؤكد كل ما سبق وأن تنبأ به عن مجىء المسيح بعده، ولكن له المكانة الأولى، ويشير أيضا إلى أزليته.

الأعداد 16-17

ع16 - 17:

المسيح فيه كل الملء والشبع لمريديه من المؤمنين باسمه، ومن فيضه أخذ يوحنا وكل المسيحيين.

"نعمة فوق نعمة": إشارة للفرق بين نعمة العهد القديم، القاصرة على أنبياء ووعود ورجاء ووصايا، ونعمة العهد الجديد التى تكلم فيها الله من خـلال ابنـه، ومن خـلال فدائه المجانى. فالناموس لم يعط تبريرا لأحد، بل كان موضحا للطريق. أما المسيح، فهو "الطريق والحق والحياة" (ص 14: 6).

العدد 18

ع18:

أراد الله أن يكشف لنا عن طبيعة جوهره بطريقة يمكن الإحساس بها، فلم يكن سبيلا سوى تجسد الكلمة.

"فى حضن الآب": إشارة إلى الاتحاد والمشاركة بين الآب والابن. وتعنى أيضا أنه أثناء تجسد المسيح على الأرض، لم يفارق الآب، بل هو مالىء لكل زمان ومكان.

"هو خَبَّرَ": تأكيد آخر للوحدة الأزلية بين الآب والابن.

(4) شهادة المعمدان (ع 19 - 36):

19 - وهـذه هى شـهادة يوحنا، حين أرسـل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت. 20 - فاعترف ولم ينكر، وأقر: "إنى لست أنا المسيح." 21 - فسألوه: "إذًا ماذا، إيليا أنت؟" فقال: "لست أنا." أَلنَِّبىُّ أنت؟ "فأجاب:" لا. "22 - فقالوا له:" من أنت، لنعطى جوابا للذين أرسلونا، ماذا تقول عن نفسك؟ "23 - قال:" أنا صوت صارخ فى البرية، قَوِّمُوا طريق الرب، كما قال إشعياء النبى. "24 - وكان المرسلون من الفريسيين. 25 - فسألوه وقالوا له:" فما بالك تعمّد، إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبى؟ "26 - أجابهم يوحنا قائلا:" أنا أعمد بماء، ولكن فى وسطكم قائم، الذى لستم تعرفونه. 27 - هو الذى يأتى بعدى، الذى صار قدامى، الذى لست بمستحق أن أحل سيور حذائه. "28 - هذا كان فى بيت عَبْرَةَ فى عَِبْرِ الأردن، حيث كان يوحنا يعمد. 29 - وفى الغد، نظر يوحنا يسوع مقبلا إليه، فقال:" هوذا حمل الله الذى يرفع خطية العالم. 30 - هذا هو الذى قلت عنه: يأتى بعدى رجل صار قدامى، لأنه كان قبلى. 31 - وأنا لم أكن أعرفه، لكن ليظهر لإسرائيل، لذلك جئت أعمد بالماء. "32 - وشهد يوحنا قائلا:" إنى قد رأيت الروح، نازلا مثل حمامة من السماء، فاستقر عليه. 33 - وأنا لم أكن أعرفه، لكن الذى أرسلنى لأعمد بالماء، ذاك قال لى: الذى ترى الروح نازلا ومستقرا عليه، فهذا هو الذى يعمد بالروح القدس. 34 - وأنا قد رأيت، وشهدت أن هذا هو ابن الله. "35 - وفى الغد أيضا، كان يوحـنا واقفا هو واثنان من تلاميـذه. 36 - فنظر إلى يسوع ماشيا، فقال:" هوذا حمل الله. ".

الأعداد 19-28

ع19 - 28:

كانت هناك احتمالات حول شخصية يوحنا، إما أن يكون نبيا كاذبا كبعض السابقين، أن يكون إيليا السابق للمسـيح (ملا 3: 1، 4: 5)، أو نبيا حقيقيا تنبـأ عنه موسى (تث 18: 15)، أو المسيح المنتظر. ولهذا، تم إرسال وفد من الكتبة والفريسيين واللاويين، ممثلى طغمة الخدام، للاستفسار عن هذه الشخصية القوية التى تكاثر تلاميذها. ونلاحظ خبث اليهود فى سؤالهم، فهم يعلمون أن المسيح من سبط يهوذا ونسل داود، بينما يوحنا من سبط لاوى، سبط الكهنوت. وعند سؤال يوحنا، لم ينسب لنفسه، باتضاع، أية صفة من هذه الصفات، بل أشار إلى مهمته فى تهيئة الشعب بمعمودية التوبة، لاستقبال المسيح، الذى بسلطانه وحده، معمودية الروح القدس. وشهد أيضا أن المسيح قائم فى وسطهم وتجسد. وباتضاع حقيقى، ختم حديثه بأنه لا شىء أمام مجد الآتى بعده، والذى لا يستحق أن يحل سيور حذائه، وهى من خدمات العبيد فى ذلك الزمن.

ولعلنا نستخلص من شهادة يوحنا هذه درسين:

(1) أن مهمة كل مسيحى، هى الشهادة للمسيح الإله والمخلّص.

(2) أن نتعلم الاتضاع، ولا نسرق مجد الله لأنفسنا، بل يكفينا فخرا أن نخدم اسمه ونحن ساجدين تحت قدميه.

"بيت عَبْرَةَ": هى مكان عبور يشوع بالشعب إلى أرض الموعد.

الأعداد 29-36

ع29 - 36:

يكشف لنا يوحنا سرا جديدا من أسرار عمل الروح القدس، فهو لم يكن يعرف قبلا شخص المسيح، ولكن عمل الروح القدس فى الإرشاد، هو الذى أبلغ يوحنا بعلامة واضحة "مثل حمامة". ومن خلال هذه العلامة، تيقن يوحنا أنه هو المسيح... ثم يؤكد لنا المعمدان، من خلال شهادته، أن المسيح هو ابن الله (ع34)، وهو "حمل الله" المبذول عنا فداءً لمغفرة الخطايا (ع29، ع36)، والذى كان عندئذ آتيا من جبل التجربة، ليبدأ خدمته، وليقدم نفسه ذبيحة خطية عن العالم.

وقد أدى يوحنا شهادته على 3 مراحل: ع19 إلى ع28 – ع29 إلى ع34 – ع35 - 36 فى مسامع تلميذيه أندراوس ويوحنا.

والآن أيها الحبيب، فإن ما أخذته أنت فى سر مسحة الروح القدسالميرون المقدس – قادر أن يرشدك أمام ظروف ومشاكل الحياة، فتحيا مطمئنا كل حين، بل تتعرف أكثر فأكثر على مشيئة الله فى حياتك.

(5) دعوة بعض التلاميذ (ع 37 - 46):

37 - فسمعه التلميذان يتكلم، فتبعا يسوع. 38 - فالتفت يسوع ونظرهما يتبعان، فقال لهما: "ماذا تطلبان؟" فقالا: ربى - الذى تفسيره يا معلم - أين تمكث؟ "39 - فقال لهما:" تعاليا وانظرا. "فأتيا ونظرا أين كان يمكث، ومكثا عنده ذلك اليوم، وكان نحوالساعة العاشرة. 40 - كان أندراوس، أخو سِمعان بطرس، واحدا من الاثنين اللذين سمعا يوحنا وتبعاه. 41 - هذا وجد أولا أخاه سِمعان، فقال له:" قد وجدنا مَسِيَّا، الذى تفسيره المسيح. "42 - فجاء به إلى يسوع، فنظر إليه يسوع وقال:" أنت سِمعان بن يونا، أنت تُدعَى صفا، الذى تفسيره بطرس. "43 - فى الغد، أراد يسوع أن يخرج إلى الجليل، فوجد فيلبس، فقال له:" اتبعنى. "44 - وكان فيلبس من بيت صيدا، من مدينة أندراوس وبطرس. 45 - فيلبس وجد نَثَنَائيل، وقال له:" وجدنا الذى كتب عنه موسى فى الناموس والأنبياء، يسوع ابن يوسف الذى من الناصرة. 46 - فقال له نَثَنَائيل: "أمن الناصرة يمكن أن يكون شىء صالح؟" قال له فيلبس: "تعال وانظر.".

الأعداد 37-39

ع37 - 39:

سمع تلميذى يوحنا المعمدان شهادته للمسيح فتبعاه. فسألهما يسوع: "ماذا تطلبان؟" فأجابا إنهما يريدان معرفة مكان إقامته، فرحب بهما، وأتيا معه إلى مكانه، ومكثا عنده طوال اليوم؛ وهكذا بدأت تلمذتهما له.

أن الله يسألك عندما تتبعه ماذا تطلب، لتكون تبعيتك محبة لشخصه بإيمان وتسليم، ولا تكون لأية أغراض مثل مصلحة شخصية، أو تظاهر وكبرياء، أو مجرد ملء لوقت الفراغ.

الأعداد 40-42

ع40 - 42:

كان أندراوس واحد من تلميذى يوحنا المعمدان اللذين تبعا المسيح، فدعا أخاه سِمعان، وبشّره بظهور المسيّا، وأخذه للمسيح الذى غيّر اسمه إلى صفا أى بطرس، ومعناه صخرة، إشارة لخدمته المستقبلية فى التمسك بصخرة الإيمان والتبشير به.

ومعروف فى الكتاب المقدس تغيير بعض الأسماء، إيذانا ببدء مهمة عظيمة، مثل: أبرام الذى صار إبراهيم، ويعقوب الذى صار إسرائيل؛ وكما هو متبع الآن فى سيامة الأساقفة والكهنة والشمامسة، فينال كل منهم اسم أحد القديسين ليناسب مهمته الجديدة.

الأعداد 43-45

ع43 - 45:

اتجه يسوع إلى منطقة الجليل فى الشمال، وتابع دعوة تلاميذه، حيث وجد فيلبس الذى من مدينة بيت صيدا، وفيها أيضا مسكن أندراوس وبطرس، ودعاه فتبعه. وفيلبس أخبر صديقه نَثَنَائيل إنهم وجدوا المسيح المنتظر، وهو ابن يوسف الذى من مدينة الناصرة. ويظهر من كلام فيلبس أن هدف الناموس والنبوات هو المسيا المنتظر. ونَثَنَائيل هذا هو الذى صار اسمه فيما بعد بَرْثولَماوُس، وهو من تلاميذ المسيح.

العدد 46

ع46:

أما ما وقع فيه نَثَنَائيل من تسرّع فى الحكم، وإدانة شاملة لكل أهل الناصرة:

نتعلم منه ألا نحكم على أحد، فربما، دون أن ندرى، نقع فى إدانة قديسين، كما تهكم نَثَنَائيل على المسيح نفسه.

وكان اليهود يعلمون أن المسيح يأتى من بيت لحم، مدينة داود (مى 5: 2؛ مت 2: 5، 6؛ يو 7: 42)، وليس من ناصرة الجليل.

(6) إيمان نَثَنَائيل (ع 47 - 51):

47 - ورأى يسوع نَثَنَائيل مقبلا إليه، فقال عنه: هوذا إسرائيلى حقا لا غش فيه. "48 - قال له نَثَنَائيل:" من أين تعرفنى؟ "أجاب يسوع وقال له:" قبل أن دعاك فيلبس، وأنت تحت التينة، رأيتك. "49 - أجاب نَثَنَائيل وقال له:" يا معلم، أنت ابن الله، أنت ملك إسرائيل. "50 - أجاب يسوع وقال له:" هل آمنت لأنى قلت لك إنى رأيتك تحت التينة؟ سوف ترى أعظم من هذا. "51 - وقال له:" الحق الحق أقول لكم، من الآن ترون السماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان. ".

الأعداد 47-49

ع47 - 49:

عندما رأى المسيح نَثَنَائيل، بادره بقوله إنه إسرائيلى، أى ليس من الأمم المنتشرين فى منطقة الجليل. فتعجب نَثَنَائيل، وسأله: "كيف عرفتنى؟" فأكمل يسوع كلامه أنه يعرفه منذ زمان بعيد، حين كان تحت شجرة التين. وهذه قصة سرية، لا يعرفها إلا نَثَنَائيل وأمه. فعندما أمر هيرودس بقتل الأطفال فى بيت لحم، الذين عمرهم أقل من سنتين، خافت أم نَثَنَائيل، وخبأت طفلها تحت شجرة تين، وظلت تراقبه من بعيد. وبحث الجنود فى كل المنطقة وقتلوا الأطفال، ولم يستدلوا على مكان نَثَنَائيل، وانصرفوا. ثم أخذته وربّته سرا بعيدا عن كل العيون، حتى لا يُقتل. وبعدما كبر، أعلمته بقصة نجاته من الموت، وظل يحتفظ بها سرا داخله، حتى كشفها له المسيح عندما قابله. فتيقّن نَثَنَائيل أن يسوع هو المسيا المنتظر، العالم بالغيب، وأعلن أنه ابن الله وملك إسرائيل.

ولا يفوتنا التنويه إلى أن يسوع الطفل لم يكن فى بيت لحم فى ذلك الحين، بل فى طريقه إلى مصر مع أمه القديسة مريم ويوسف النجار.

الأعداد 50-51

ع50 - 51:

أضاف يسوع لنَثَنَائيل أن إيمانه سيزداد، ليس لأنه رأى المسيح العالم بالغيب، بل لأمور أعظم سيراها فى تبعيته له، وهى إتمام الفداء على الصليب، وبهذا يصالح السمائيين مع الأرضيين، وتصعد الملائكة بصلوات المؤمنين إلى السماء من خلال المسيح الفادى، وينزلون من السماء ببركات كثيرة بالمسيح أيضا مخلّص العالم.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

تفاسير إنجيل يوحنا - الأَصْحَاحُ الأَوَّلُ
تفاسير إنجيل يوحنا - الأَصْحَاحُ الأَوَّلُ