الفصل العشرون سرّ الكهنوت

هذا الفصل هو جزء من كتاب: كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ3 – الكنيسة ملكوت الله على الأرض – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى.

الفصل العشرون

سرّ الكهنوت

1 - ما هو المفهوم الإنجيلى الكنسى لدرجات الكهنوت؟

كشف القديس باسيليوس الكبير عن المفهوم الإنجيلى الكنسى لدرجات الكهنوت. فهو كرئيس أساقفة لإيبارشية لها تقديرها وثقلها إن صح التعبير، يعتبر نفسه مساوياً لبقية الخدام فى الكنيسة، إن كانوا أساقفة أو كهنة أو شمامسة. فيحسب الشماس أخاه ([682]) وابنه المحبوب ([683])، ويدعو الكاهن "المحترم جداً" ([684])...

2 - ما هى حدود الأسقفية؟

يُشدد القديس باسيليوس الكبير على أن يكون لكل مدينة أسقف. يكتب للأسقف أمفيلوخيوس ويشكره على اهتماماه بإيجاد أسقف لكنيسة إيطورية، ويقول له: [من المفضل أن يكون إنساناً مختبراً، واحداً ليوضع على رأس المدينة. ويأخذ على عاتقه مسئولية الإدارة وتفاصيلها. ولكن بشرط أن يكون خادماً لله، عاملاً، لا يُخجلنا فى شئ، ولا يبحث عن مصلحته الخاصة، بل مصلحة الكثيرين ليُخلصهم]. من المُرجح هنا أنه يتحدث عن أسقف المدينة الرئيسية، لأنه يتابع حديثه، ويقول: إذا صعب الأمر [فلنجتهد فى إعطاء المدن الصغيرة أو القرى الرئيسية التى كان لها منذ القديم مراكز أسقفية، الرؤساء المناسبين، ومن ثم نُقيم أسقف المدينة الرئيسية].

3 - ما هى السمة الرئيسية التى تؤهل المؤمن للعمل الكهنوتى والرعوى؟ ([685])

الحب الحقيقى هو الذى يؤهل المؤمن للعمل الكهنوتى والرعوى، لهذا اختص ربنا يسوع بعد قيامته معلّمنا بطرس، بهذا السؤال: "يا سمعان بن يونا، أتحبنى؟... ارع غنمى" (يو21: 16). لقد عين الرب حقيقة مفهوم حب رسوله له، وطبيعته، وهدف هذا الحب. فالحب الذى كان يصدر عن معلّمنا بطرس قبل حلول الروح القدس، كان حباً حسب طبيعته ومفهومه البشريين، بدليل أنه بمقتضى هذا الحب انتهر ربنا يسوع لكى لا يُسلّم نفسه للصليب، كما فى مكابرته بحبّه أراد ان يضع نفسه عن ربه، لكنه للأسف أنكره بقسم ولعن أمام جارية، وفى مرارة نفسه بكى بكاءً مراً، مدركاً أن حبه لم يكن إلا نفاية. وفى يوم الخمسين من قيامة الرب، بينما كان التلاميذ والرسل مجتمعين بنفس واحدة حلّ عليهم الروح القدس شبه ألسنة نار (أع2: 3 - 4)، فامتلأ بطرس كبقية التلاميذ من روح هذا الحب الإلهى، الذى أعطاهم صورة الفادى الحقيقية، والراعى الصالح نفسها. هذا هو الحب الإلهى، الذى كانوا منتظرين موعده، لينفذوا هذه الكلمات: "أتحبنى... أرع غنمى".

فإذ حلّ فيهم روح الحب أمكن أن يكون لهم حق الرسولية والتبشير فى المسكونة كلها، لرعاية غنم الرب، نفوس البشر، موضع حبه وهدفه. ما كان يمكن أن تكون للرعاية وجود، بدون هذا الروح، لأنها هى عمل الله "الحب" بمن اختارهم رعاة لشعبه، وهى تهدف أولاً وأخيراً إلى نمو الرعاة والرعية بحياة الحب الحقيقى، بالروح القدس، فى شخص الفادى الحبيب.

فالراعى لا يقدر أن يتسلّم عصا الرعاية، وهى الصليب، إلاَّ إذا لبس أولاً المسيح الحبيب، وإلاَّ سرعان ما تُثقل أتعاب الرعية ظهره، وتعيّى نفسه، فيتحول إلى خادم متذمر يائس، يضيق بالخدمة وصاحبها، ويود الهروب منها. فإن كان ممن اختلسوها خلسة، فلا غرابة إذا أضحى أجيراً أو لصاً، لا راعياً. وإذا استهان بطول أناة الله ولم يتب، زحزحت النعمة منارته، وأخذ إكليله آخر، وأسرع بتهاونه إلى الدينونة الرهيبة (خر34)، كما رسم الروح القدس لمن يستهين بمحبته.

السمات المطلوبة فى المُرشح لأى درجة كهنوتية، فى نظر القديس باسيليوس هى الآتى:

أولاً: أن يكون من الساكنين فى بيت الله، الذى يعملون بغيرة مقدسة. [إذا كان قوم ساكنين فى بيت الله، يجب عليهم أن يسعوا فيه بلا حسد ولا عثرة ([686])].

ثانياً: معرفة الكتاب المقدس. [لا يُسام أحد قساً وهو لا يعرف كلام الكتب جيداً، وبالأكثر الإنجيل ([687])].

ثالثاً: تشهد حياته لإيمانه العملى، إذ يقول: [الذى يُختار ليكون أسقفاً يجب أن يكون رجلاً عفيفاً، بشوشاً، خائف (الرب)، يجاهد عن المظلومين، لا يحابى أحداً من الناس، بل يقول الحق. ولا يخشى غنياً. ولا يكون محباً للقنية، لأن هذه خطية تغرى كل الناس، ولا سيما لمن هم فى هذه الرتبة ([688])].

رابعاً: عدم البهرجة فى ملابسه. يليق بالأسقف أن يذكر الجياع والعراة بين شعبه، فلا يستطيع أن يعيش فى ترفٍ.

خامساً: يحمل روح الأبوة. [يجب على الأسقف أن يُقاتل من أجل الحق حتى الموت. ويكون أباً للأرامل والأيتام. ويتزين بالنقاوة لكى يربح الناظرين إليه، ويبكت بلطف، ويصعد وينزل، وكلامه حازم ومُملح. ولا يكون سكيراً، ولا يحسد أحداً. ولا يحب الذهب، ويحسب كل ما لهذا العالم لا شئ. ولا يكون محباً لربح باطل، بل يهرب من كل زينة فارغة ([689])].

سادساً: غير متزوج من المحرمات ولا تزوج زيجة ثانية. من شروط المُرشح لخدمة الكهنوت، أسقفاً كان أو قساً او شماساً، ألا يكون قد سبق له الزواج من المحرمات حتى إن تاب (1تى3: 2 - 6).

4 - ما هو عمل رئيس الكهنة السماوى فى حياة كهنته وكرازتهم ورعايتهم؟

أولاً: يقيم منهم أبناء شبه سمائيين. يسكن فيهم، فيحملون الفكر السماوى، ويمارسون الحياة شبه السماوية. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [إذ كان يرسلهم كمعلمين للعالم كله، لهذا جعلهم وهم بشر ملائكة، محرراً إياهم من كل اهتمام أرضى، حتى لا ينشغلوا إلا باهتمام واحد وهو التعليم، بل بالأحرى أراد أن يحررهم حتى من هذا الأمر بقوله: "لا تهتموا كيف أو بما تتكلمون" (مت10: 19) ([690])]. كما يقول: [من يرغب فى اختبار الأمور الخاصة بعهد النعمة فسيجدها قليلة لكنها مخيفة ومملوءة رهبة. إنك ترى (فى عهد النعمة) الرب كفدية على المذبح، والكاهن يقف مصلياً للذبيحة، وكل المتعبدين يتلمسون ذاك الدم الثمين. إذن هل تتصور أيها الكاهن أنك لازلت من بين البشر، وأنك مازلت على الأرض واقفاً؟! أما اجتزت إلى السماء باستقامة، قاطعاً كل فكر جسدانى بعيداً عن الروح؟! ألست أنت الآن بروح مجردة عن الجسد وبعقل نقى تتأمل الأمور السمائية؟! آه! يا لها من أعجوبة! يا لعظم حب الله للإنسان! إن الجالس فى الأعالى مع الآب يُحمل فى تلك الساعة فى أيدى الكل، ويعطى ذاته للراغبين فى احتضانه ونواله!!... هل يمكن أن تزدرى بهذه الأمور أو تفتخر عليها؟! ([691])] [يُكال الماء الخارج من الينابيع الطبيعية بالأوانى والدلو، أما الماء النابع من الينابيع الروحية، فيُقاس بفهمنا ورغبتنا المتقدة ووقارنا، بهذا نقترب إليها. من يسلك بهذا الترتيب يحمل فى الحال بركات لا تعد، حيث تعمل نعمة الله فيه بطريقة غير منظورة، وتخفف عبء ضميره، ويأتى به إلى أمان وفير، وتعده بعد ذلك لكى ينسحب من شاطئ الأرض، ويحمل مرساة السماء. فإنه يمكن للإنسان الذى لا يزال يحتضن جسده ألا يكون له شئ يتعلق بالأرض، بل يضع أمام عينيه كل مباهج السماء ويتأملها بلا انقطاع ([692])]. [عظمة الكهنوت وكرامته يرتفعان فوق كل ما هو أرضى وبشرى. إنه خدمة الملائكة، ولذلك وجب على الكهنة أن يكونوا أطهاراً كالملائكة. الكهنوت فى التدبير القديم كان نبيلاً ومهيباً، لكنه يُحسب تافهاً بلا معنى إن قورن بتدبير العهد الجديد. هنا الرب الإله نفسه يقدم ذبيحة! يا لعجب محبة الله. ذاك الذى هو متوج مع الآب فى السماء، يسمح لنفسه فى الذبيحة المقدسة أن تلمسه أيدى الجميع، وتراه أعينهم. عندما قدم إيليا ذبيحة، نزلت نار من السماء (1مل18: 38)، أما هنا فعند صلاة الكاهن، الروح القدس نفسه ينزل ليشعل النفوس بالذبيحة ([693])].

ثانياً: يقتدى بمخلصه محب البشر. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [الكاهن بما أنه وكيل الله، يلزمه أن يهتم بسائر البشر لكونه أباً للعالم كله ([694])].

ثالثاً: يدرك أن السيد المسيح هو العامل فى كهنته وخدامه. يدخل الكاهن إلى الهيكل، العرش الإلهى، ليس من بر فيه، ولا من أجل جهاده الذاتى، وإنما مختفياً فى ذاك الذى هو موضع سرور الآب، المسيا سرّ تقديسه. لهذا يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [حين تنظر الكاهن مقدم الذبيحة، تأمل يد السيد المسيح ممتدة بنوع غير ملحوظ ([695])]. كما يقول: [لنتشبه بأهل عرس قانا الجليل الذين دعوا المسيح إلى عرسهم، وأجلسوه فى وسطهم (1مل18: 38) ([696])].

تعد النعمة الإلهية الأنبياء والرسل والمبشرين والرعاة والمعلمين لهذه الدعوة الإلهية، وتعمل بهم، فإن أهملها أحدهم يسقط من دعوته. يقول العلامة أوريجينوس: [رعاية الخدام فى الكنيسة يدركها الفشل ما لم يرع المسيح معهم ([697])]. كما يقول: [لكى تكون "معلماً"، فهذه نعمة مجانية حسب عطية المسيح "، لذا فإنه من الواضح أن الراعى الذى يرعى قطيعه بحكمة، يحتاج إلى نعمة مجانية تعمل فيه. كيف يمكن أن يصير إنسان إنجيلياً، أو تكون قدماه جميليتين؟ مثل هذا يلزمه ان يهبه الله الجمال ([698])]. ويقول: [المهام الصحيحة للكاهن تكون ذات طبيعة مزدوجة. وهى أن يتعلم من الله خلال القراءة الدائمة فى الكتاب المقدس والتأمل فيها، وأن يُعلم الشعب. ويلزم أن يُعلم ما تعلمه من الله،" لا من تلقاء قلبه الذاتى "(انظر حز13: 2)، ولا من خلال فهمه البشرى، بل ما يرشده إليه الروح القدس. هكذا نحن إذ نتأمل فى (قصص العهد القديم)، فإننا نتذكرها نهاراً وليلاً، ونصلى على الدوام طالبين من الله أن يعلن لنا عن المعرفة الحقيقية لما نقرأه، وأن يظهر لنا كيف نحفظ الناموس الروحى فى فهمنا كما فى أعمالنا. هكذا ليتنا نتأهل للنعمة الروحية، ونستنير بناموس الروح القدس ([699])].

هكذا تُعد النعمة الإلهية الأنبياء والرسل والمبشرين والرعاة والمعلمين لهذه الدعوة الإلهية، وتعمل بهم، فإن أهملها أحدهم يسقط من دعوته.

رابعاً: الشعور بالحاجة إلى التعلم المستمر وأيضاً التعليم يرى القديس كبريانوس أنه يليق بكل مؤمن سواء كان من رجال الدين أو من الشعب ألا يتوقف عن التعلم المُستمر، فإنه ليس أحد قادر أن يُعلم دون حاجة إلى التعلم سوى الله نفسه. وجاءت رسالة القديس باسيليوس إلى أمفيلوخيوس أسقف أيقونية Iconium يمتدحه فيها، لأنه فى تواضع يريد وهو مُعلم أن يتعلم من القديس باسيليوس. أما رئيس الأساقفة باسيليوس ففى تواضع يحسب نفسه جاهلاً يطلب أن يتعلم. يقول القديس باسيليوس الكبير: [هذا هو حالى، فإننى أشكر الله، فغالباً إذ أستلم رسالة منك أيها المجاهد، نصير أكثر تعلماً وحكمة عما كنا عليه سابقاً، فبمجرد إثارة أسئلة، نتعلم أشياء كثيرة لم نكن نعرفها. وباهتمامنا بالإجابة عليها تصير أشبه بمُعلم لنا. بالتأكيد فى الوقت الحاضر، بالرغم من أنني لم أعط اهتماماً للنقاط التى تثيرها، ألتزم أن أجد إجابة دقيقة، وأن أراجع فى ذهنى ما أسمعه من الشيوخ، وبهذا أتعلم أن أكون فى التزام مع دروسهم ([700])]. [إننى مندهش تماماً لرغبتك فى التعلم بتواضعك. إنك مؤتمن على وظيفة المُعلم، ومع هذا تتنازل أن تتعلم منى، أنا الذى يبدو بلا معرفة عظيمة. ومع ذلك إذ أنت مُقتنع من أجل مخافة الرب، فتفعل ما يتردد آخرون أن يفعلوه. فإننى مرتبط من جانبى أن أبذل أكثر من طاقتى أن أسند غيرتك التقية والمهيأة لذلك ([701])].

أما عن تعليم الشعب فيقول: [مثل الكباش التى تقود القطعان، هكذا قادة قطيع المسيح. إنهم يقودوهم نحو القوت المُزدهر العطر للتعاليم الروحية، وترويهم المياه الحية بمعونة الروح، تقيمهم وتقوتهم حتى يأتوا بثمر. عندئذ تقودهم إلى الراحة والسلام من الذين ينصبون لهم شباك ([702])].

خامساً: لا يُثقل على الشعب. يقول القديس باسيليوس الكبير: [لا يزد أحد من القسوس ثقلاً على الشعب خارجاً عن قوانين آبائنا الرسل ([703])].

سادساً: ليختبر الكاهن ما يُعلم به. يليق بالكاهن أن يختبر عملياً بما يكرز ويُعلم، لأجل خلاص نفسه وخلاص من يخدمهم، ولكى لا يتعثروا فيه. يقول القديس باسيليوس الكبير: [إذا كان قس أو أسقف يُعلم أناساً، فليفتش نفسه قبل أن يتكلم لئلا يعثر نفوساً كثيرة بتعليمه ([704])].

سابعاً: أن يحسن الاستماع. يليق بالإكليريكى – أيا كانت درجته – ألا يحكم على أحد دون أن يسمع منه. لأنه مكتوب أن الذى يبدأ بالكلام قبل أن يسمع، فهذا جهل وعار ([705])].

ثامناً: أن يساند التائبين. الدور الأول للأسقف هو رعاية الخاطى، ومساندته بحنو لأجل شفائه من الخطية. [إذا سقط شخص فى خطية، واعترف بها وحزن، وكان متألم القلب، فليُعن من كبير الإكليروس أو من الأسقف، ويُعلم أن يتحفظ منها ويحزن على خطاياه الأولى (أم18: 13) ([706])].

تاسعاً: أن يكون رجل صلاة ويطلب صلوات الآخرين. يكتب القديس باسيليوس فى رسالة إلى بعض الأساقفة عن اقتدار مفعول الصلاة فى زمن التجارب فى عضد الجسد الواحد، فيقول: [لأننا واثقون من أنه وإن لم تكونوا حاضرين بالجسد، مع هذا، بمعونة الصلاة أنتم تؤدون لنا فائدة أعظم فى تلك الأوقات الأكثر صعوبة ([707])].

عاشراً: لا يتطلع إلى الأطعمة والزواج أنهما نجاسة. جاء فى قوانين الرسل 25: 2 "أى أسقف أو قس او شماس أو واحد من الإكليروس تخلى عن الزيجة أو أكل اللحم أو شرب الخمر، ليس لأجل نسك، لأنها نجسة ناسيا ما قيل إن كل الأشياء صالحة جداً فإما أن يكف عن ذلك وإلا فليُقطع ويُطرد من الكنيسة" وجاء فى قوانين الرسل 2: 37) "وصاروا سبباً لشك الجماعة". يقول القديس باسيليوس الكبير [لا ينجس قس أو أسقف شيئاً من الأطعمة جملة، إلا أن يتركه وحده لله ([708])].

5 - كيف أقام السيد المسيح تلاميذه الاثنى عشر ورسله السبعين؟

تجسد كلمة الله ليحقق ملكوت أبيه، ويدعو الناس إلى التوبة والإيمان بالإنجيل: "بعدما أسلم يوحنا، جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله، ويقول: قد كمل الزمان، واقترب ملكوت الله. فتوبوا وآمنوا بالإنجيل" (مر1: 14 - 15). هذه الرسالة سلمها السيد المسيح بدوره إلى تلاميذه، ليعمل هو نفسه بهم. فأقام الاثنى عشر "ليكونوا معه، وليرسلهم ليكرزوا" (مر3: 14). وفى العشاء الأخير أوصاهم بمتابعة عمل التقديس الذى قام به فى سرّ الإفخارستيا: "اصنعوا هذا لذكرى" (لو22: 19).

لا يزال السيد المسيح يقوم بعمل الكرازة والتقديس والرعاية خلال سر الكهنوت، الذى سلمه إلى الرسل والكنيسة، لنشر ملكوت الله بين البشر. فالكاهن هو أيقونة المسيح – رئيس الكهنة الأعظم – يتمتع بشرف الرعاية التى هى عمل السيد المسيح وحده، الراعى الصالح (يو10: 11، 14).

تطلع أنبياء العهد القديم إلى ربنا يسوع بكونه الراعى (إش40: 11؛ حز34: 23؛ 37: 24؛ زك13: 7)، واختبره الرسل كأسقف لنفوسنا (1بط2: 25)؛ ورئيس الرعاة (1بط5: 4)؛ والراعى العظيم (عب13: 20). إنه فى المسيح يسوع أب كل البشرية، ليس من أمر يشغله سوى أن يحمل كل البشرية فى قلبه ويدخل بهم فى حضرة الله الآب ويرعاهم، مشتهياً أن يرى الجميع العروس التى بلا عيب. يقول القديس غريغوريوس النيسى: [كيف لا أحبك يا من أحببتنى بشدة؟! رغم أنى سوداء، فقد وضعت حياتك من أجل خرافك (يو15: 13)، أنت راعيهم. ليس لأحد حب أعظم من هذا، لأنك بذلت حياتك لتمنحنى الخلاص.

قل لى إذا أين ترعى؟ (نش1: 7) عندما أجد مرعى خلاصك، حينئذ أشبع بالطعام السماوى، الذى بدونه لا يدخل أحد إلى الحياة. وحين أجرى إليك أيها الينبوع سوف أشرب من الينبوع الإلهى الذى جعلته يتدفق ليروى كل من يعطش إليك. إذ ضُرب جنبك بالحربة للوقت خرج منه دم وماء (يو19: 34). ومن يشرب منه يصبح ينبوع ماء حىّ للحياة الأبدية (يو4: 14).

إذا رعيتنى ستجعلنى أستريح بسلام خلال منتصف النهار فى النور الخالى من الظلال. لأنه لا توجد ظلال فى منتصف النهار، عندما ترسل الشمس أشعتها عمودية فوق الرأس. وستجعل ضوء منتصف النهار يُريح كل من أطعمته، وتأخذ أطفالك معك فى فراشك (لو11: 7). لا يستحق أحد أن يأخذ راحة منتصف النهار إلا ابن النور والنهار (1تس5: 5). الشخص الذى فصل نفسه من ظلمة الليل إلى الفجر، سوف يستريح فى منتصف النهار مع شمس البر (ملا4: 2) ([709]).

6 - كيف كان الرسل يقيمون قسوساً فى كل كنيسة؟

قيل: "وانتخبنا لهم قسوساً فى كل كنيسة، ثم صليا بأصوام، واستودعاهم للرب الذى كانوا قد آمنوا به"، 0أع14: 23). فلم يجد الرسولان بولس وبرنابا صعوبة فى انتخاب قسوس لخدمة الكنائس هناك، خاصة وأنه لم يتم الاختيار بأوامر رسولية ملزمة، وإنما بشركة الشعب كله فى الصوم والصلاة. استراحت نفسا الرسولين بسيامة قسوس، واستودعا الشعب فى كل مدينة، لا فى أيدى الكهنة، وإنما "للرب"، فهو الراعى الحقيقى الخادم للكنيسة والمهتم بكل احتياجاتها، والحافظ لها.

كان الكل حديثى الإيمان، ويصعب التحقق من إمكانية اختيارهم للصالحين للخدمة، لذلك تم الاختيار بروح الصوم والصلاة، معتمدين على عمل الروح القدس.

وكتب الرسول لتلميذه تيطس: "من أجل هذا تركتك فى كريت لكى تكمل ترتيب الأمور الناقصة تقيم فى كل مدينة قسوساً كما أوصيتك" (تى1: 5). لابد وأنه كانت هناك أمور تٌسلم شفاها من الرسل إلى تلاميذهم، ومن هؤلاء إلى خلفائهم يتسلمونها ويتشربون روحها دون أن تُسجل أو تُكتب. فالكتاب المقدس لم يسجل لنا كيفية إقامة الكهنة من أساقفة وقسوس وشمامسة ولا سجل لنا ترتيب الصلوات الجماعية ولا أخبرنا بالصلوات التى تُرفع فى سرّ الزيجة الخ. وهذا ما ندعوه "التسليم الكنسى.

7 - ما هو دور الكاهن (أو الأسقف) كأب؟

فى حديث العلامة أوريجينوس عن سلطان الكهنة، يؤكد أنهم آباء أطباء يعتنون بأبنائهم المرضى ويبذلون كل الجهد لشفائهم. إنهم ليسوا أباطرة وحُكاما بل آباء. يمكن للكهنة والمعلمين فى الكنيسة أن ينجبوا أبناء، كما هو الحال بالنسبة للقائل: "يا أولادى الذين أتمخض بكم إلى أن يتصور المسيح فيكم (غر4: 19)، وفى موضع آخر يقول أيضاً:" لأن وإن كان لكم ربوات من المرشدين فى المسيح، لكن ليس لكم آباء كثيرون، لأنى أنا ولدتكم فى المسيح يسوع بالإنجيل "(1كو4: 15) ([710]). يذكرنا أوريجينوس دائماً بالقول:" من يُدعى للأسقفية، لا يُدعى للسيطرة، بل لخدمة الكنيسة كلها "([711]).

يسمح الله للكهنة بالشعور بالضعف لكى ما يصيروا رحماء مع الضعفاء. فباكتشافهم خطاياهم الشخصية تصير معاملاتهم للخطاة أكثر احتراماً لكى يجتذبوهم إلى التوبة.

يقيم الناموس كهنة بشريين لهم ضعفاتهم، حتى كما أنهم يقدرون أن يقدموا قرابين عن أنفسهم، فهم يقدمونها أيضاً عن الشعب (لا7). لكن ما هو مثير للإعجاب فى مثل هذا الكاهن، ليس أنه لا يخطئ، فهذا أمر محال، بل أنه يدرك خطيته الشخصية ويشعر بها. فمن يظن أنه لا يخطئ لا يُصلح من شأن نفسه. ومن يضطرب ضميره بسبب ضعفاته يمكنه باكثر سهولة أن يعفو عمن يخطئ ([712]).

8 - ما هو دور الكاهن (أو الأسقف) كطبيب؟

فى إحدى عظاته عن المزامير، يُطلق أوريجينوس على الأساقفة لقب "أطباء"، يعرفون كيف يعالجون الجراحات ([713]). كما يشير إلى ذلك السلطان العظيم للأساقفة بقوله، أن المسيح كان الطبيب العظيم الذى يستطيع الإبراء من كل مرض وضعف. والآن، فرسولاه بطرس وبولس، على مثال الأنبياء، هم أيضاً أطباء. وعلى منوالهم يأتى من أقيموا فى أعقابهم على شئون الكنيسة، وأعطيت لهم كذلك مواهب الإبراء من الجراحات. هؤلاء بالذات، هم الخُدام الذين أقامهم الله أطباء للنفوس فى الكنيسة. فهو لا يريد موت الخطاة، بقدر ما ينشد توبتهم وهدايتهم ([714]).

9 - ما هو مفهوم القيادة بالنسبة لرجال الكهنوت والوالدين والخدام وكل القادة؟

من مهام القادة، خلق روح القيادة فى الآخرين خاصة فى الأطفال والفتيان والشباب، فلا تتركز خدمة القائد فى الشعور بالسلطة. يليق بالقائد ان يلاحظ أن الرب خاطب موسى، قائلاً: "مُر قدام الشعب، وخذ معك من تقدموا فى العمر من شيوخ إسرائيل" (انظر خر17: 5). لم يقدم موسى وحده الشعب إلى ماء الصخرة، بل كان معه شيوخ الشعب. ولم يعلن الناموس وحده بل أعلن عنه أيضاً الأنبياء والآباء والذين تقدموا فى العمر ([715]).

10 - ما هو دور الكاهن (أو الأسقف) كمقدم للذبيحة؟

يقول العلامة أوريجينوس: [الرسل وخلفاؤهم الكهنة، على طقس رئيس الكهنة الأعظم، يُدركون بإرشاد من الروح القدس عن أى الخطايا يُقدمون ذبائحهم، ومتى يُقدمونها وكيف].

11 - ما هو دور الكاهن (أو الأسقف) كمفسر للكتب المقدسة؟

يربط العلامة أوريجينوس بين عمل الكاهن كمقدس للذبيحة عن نفسه وعن الشعب ودوره الرئيسى كمعلم. يوضح جوزيف تريج ([716]) Joseph W. Trigg كيف أن أوريجينوس كان يؤمن بأن المهام الرئيسية لكاهن العهد القديم هى القيام بالخدمات الطقسية، فى حين أن التعليم هو رسالة كاهن العهد الجديد الأساسية. فى افتتاحية تفسيره إنجيل يوحنا أوضح أن الكهنة مكرسون لدراسة كلمة الله، أما رؤساء الكهنة فتفوقوا فى هذا المجال. ما من شك فى أن تلك الدرجات تتوافق مع الرُتب الكنسية، فالكهنة وبالأخص رئيس الكهنة لهم أيضاً امتياز المثول أمام الله. وفى ذلك يقتفى أوريجينوس أثر إكليمنضس السكندرى فى اعتباره أن الكاهن شخصاً روحياً. ولكن لحصول الكاهن على امتياز التقرب إلى الأسرار الإلهية يتحقق بادراك رسالته كمعلم، فيتوسط لتوصيل كلمة الله إلى الآخرين.

يُحول أوريجينوس الشريعة اليهودية الطقسية إلى توضيح دعوة الكاهن كمعلم. فيرى فى نزع الجلد عن الذبيحة، على سبيل المثال، رمزاً لاستبعاد المعنى اللغوى (الحرفى) عن كلمة الله، ويكون أخذ البخور النقى فى اليد رمزاً للتمييز الدقيق فى مجال الشرح والتفسير للفقرات الصعبة. كما يُفسر الذبيحة ذاتها بأنها تحريراً مستمراً للنفس من الجسد، مما يجعل من الممكن إدراك الحقائق العليا. وعلى ذلك، جاء الكهنوت اللاوى رمزاً لصفوة أخلاقية وثقافية من المعلمين المُلهمين فى حقل دراسة الكتب المقدسة. ويبلغ هذا التحويل لأوريجينوس ذروته فى تفسيره لثياب رئيس الكهنة على أن كل قطعة منها ترمز إلى إحدى المؤهلات الروحانية ([717]).

إذا كان الرسول مفسراً ملهماً، فهو أيضاً مثله مثل الكاهن يعلم بالدعوة، ومسئولاً عن توصيل كلمة الله إلى الناس على اختلاف مستويات تقدمهم الروحى. أوضح يسوع ذلك بجلاء فى أمره لتلاميذه أن يسمحوا للأطفال أن يأتوا إليه (لو18: 16)، معبراً بذلك عن التزام المسيحيين الأكثر تقدماً أن ينزلوا إلى البسطاء ([718]). و "أعمال الرسول" هى فى واقع الأمر "أعمال تعليم"، فعندما فوض يسوع تلاميذه، معطياً إياهم سلطان وهب النظر للعميان وإقامة الموتى، كان فى ذهنه إعادة النظر إلى من "أعمتهم" التعاليم الفاسدة وإقامة من "ماتوا" فى خطاياهم ([719]).؟ فالرسولية ليست وظيفة رسمية، بل هى مهمة تتحقق بالعمل. وفى مناقشته لهذه النقطة، استشهد أوريجينوس بما جاء فى رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس9: 2. "إن كنت لست رسولاً إلى آخرين، فإنما أنا إليكم رسول. لأنكم أنتم ختم رسالتى فى الرب" ([720]).

يحتل الأساقفة مكاناً فى التدبير الإلهى، حيث يقتسمون مسئولية رعاية إيبارشياتهم مع الأساقفة الملائكيين الذين يعاونوهم ([721]). ونتيجة لهذه المسئوليات الفريدة، فقد أعطى الأساقفة سلطاناً أكبر مما للمسيحى العادى، لذا ما يُتوقع منهم – من التزامات – فى المقابل يكون أكثر ([722]).

12 - ما هو دور الكاهن (أو الأسقف) والقدرة على التعليم؟

يقول أوريجينوس يجب أن يكون الكاهن قادراً على توصيل ما يعرفه: "لا يكفى للكاهن أن يملك الحكمة والفهم، بل أيضاً تكون له المقدرة على توصيل ما يعرفه إلى الناس" ([723]). فالكاهن يرتدى "رداء التعليم" حين يُعلم المتقدمين فى الإيمان، و "رداء الكلمة" لتعليم المبتدئين ([724]). ففى تعليقه على ثياب الكاهن فى داخل وخارج قُدس الأقداس يقول: [ترى هذا الكاهن العظيم فى علمه، عندما يكون فى الداخل، بين الكاملين، كما فى "قدس الأقداس"، كيف يلبس رداء التعاليم ". فإذا خرج إلى من هم ليسوا بهذه المقدرة، يستبدله برداء الكلمة، ويعلم أموراً أكثر بساطة، فيُعطى البعض" لبناً "" كأطفال "(1كو3: 2 - 1)، وللضعفاء خضروات (رو14: 2)، ولآخرين غيرهم يعطى الغذاء القوى." وأما الطعام فللبالغين الذين هم بسبب كثرة التمرين، قد صارت لهم الحواس مدربة على التمييز بين الخير والشر "(عب5: 14). فبولس الرسول إذا يعرف كيف يغير الثياب، فيستخدم رداء مع الشعب وآخر فى خدمة المقدس ([725])].

13 - ما هو دور الكهنة (أو الأساقفة) كأعمدة للكنيسة؟

يقول أوريجينوس: [كما كانت خيمة الاجتماع فى العهد القديم تربط بين الأعمدة عوارض متداخلة، فكذلك يعاون المعلمون فى الكنيسة أعضاء شركاء من الجماعة، على أنهم اليد اليمنى لهم. لكن دع تلك الأعمدة مع قواعدها تُغشى بالفضة، وخصص لكل عمود قاعدتين، إحداهما تعلوه، تسمى "بالتاج"، والأخرى توضع تحته كأساس. دع الأعمدة تُغشى بالفضة، إذ أن من يُبشرون بكلمة الله سيتقبلون بواسطة الروح القدس "كلام الرب" الذى هو "كلام نقى كفضة مصفاة ممحصة بالنار" (مز12: 6). لكن عندهم الأنبياء كقاعدة لتبشيرهم، أما العوارض التى هى بين الأعمدة، فكما قلت سابقاً، هم الأيادى اليمنى للعضوية الرسولية المتبادلة العطاء.

دع الستائر بعد خياطتها بحلقات، وتعليقها فى دوائر، وربطها بخيوط، أن تُبسط بطريقة يكون البيت فيه ثمان وعشرون ذراعاً، وعرضه أربع أذرع (خر26: 2). هكذا ليُضم البقية الباقية من جمهرة المؤمنين، ممن يتشبثون ويتعلقون بحبال الإيمان، إذ أن "الخيط المثلوث لا ينقطع" (جا4: 12). هذا هو الإيمان بالثالوث القدوس، الذى به تتعلق الكنيسة وتقوى.

وفى اعتقادى أن الناموس كما جاءت به الأناجيل، يتميز بطول ثمان وعشرين ذراعاً وعرض أربع أذرع، التى تُمثل رواقا ًواحداً ([726]). ففى العدد سبعة عادة، إشارة إلى الناموس لكثرة الأسرار المرتبطة بهذا الرقم. وعندما يقترن هذا الرقم بالعدد أربعة (الأناجيل) تصير الحصيلة ثمانية وعشرون.

وتلك الأروقة العشرة قد تم بناؤها لتضم العدد الكلى للكمال، وتشير إلى الوصايا العشرة فى الناموس. أما مظاهر الإسمانجونى والأرجوان والقرمز والبوص المبروم، فتوضح الإنجازات المختلفة. فهى تكشف عن شقق (ستائر) وحجاب خارجى وداخلى، وكل ملابس الكهنوت المغشاة بالذهب والمرصعة بالجواهر ([727])].

14 - ما هى مسئولية الأساقفة فى تلمذة جيل جديد من الأساقفة والكهنة؟

يقول العلامة أوريجينوس أن اختيار موسى ليشوع كخليقة له نموذجاً لما يكون عليه اختيار الأسقف ([728]). هذا ويشهد التاريخ الكنسى كيف كان البطاركة يُعدون تلاميذهم ليكونوا قادة روحيين سواء كبطاركة أو أساقفة أو مديرين لمدرسة الإسكندرية الخ. يقول العلامة أوريجينوس: [المجال هنا لتصويت شعبى أو لقرابة عصب، إذ يتم تسليم الحكم لمن اختاره الله، لرجل فيه روح الله، ويضع وصاياه أمام عينيه. كان موسى يعلم بالخبرة الشخصية أن يشوع بارع فى الناموس والمعرفة، مما يجعل بنى إسرائيل يدينون له بالطاعة. وحيث أن هذه الأمور مفعمة بالأسرار، فلا يمكن إغفال ما هو أثمن ([729])].

[اليوم يتحدث (المسيح) فى شعبنا، ليس هذا الشعب فقط، بل وشعوب أخرى على مستوى العالم. المسيح يُعلم، ويطلب أدواته التى يستخدمها بنشر تعليمه. إنى أصلى أن يجدنى مستعداً لذلك، معلناً له عن خضوعى ([730])].

ويقول ج. و. تريج J. W. Trigg: [كما هو الحال مع الكهنة، فإن المؤهل الأسمى للرسل كان فهمهم العميق لأسرار الكتاب المقدس. "فالحقول التى ابيضت للحصاد"، التى طالب يسوع رسله أن يجنوها هى أسفار العهد القديم ([731]). وفى مطالبته لهم بعبور بحر الجليل رمز لدعوته لهم بعبور المعنى اللغوى (الحرفى) إلى المعنى الروحى فى تفسير الكتاب المقدس ([732]). والصفة الأولى لمهمة الرسول كمعلم ومفسر للكتاب المقدس كانت واجبه فى ممارسة التمييز. وهنا زود بولس، أعظم الرسل، وأوريجينوس بالمثل فيما يختص بالتمييز الرسولى، عندما استخرج بجسارة من مخازن "حكمة الله فى سرّ، الحكمة المكتومة (1كو2: 7)، فيما بين المسيحيين الروحيين. أما بالنسبة للبسطاء منهم فقد حكم أنه من الملائم أن لا يعرفوا شيئاً إلا يسوع المسيح، وإياه مصلوباً (1كو2: 2) ([733]). كان اوريجينوس حريصاً فيما يختص بالرسل، كما هو الحال مع الكهنة، على استبعاد أى إيحاء يميز من أنجز مهاماً رسولية فى الكنيسة بتولى مراكز معينة. فالرسل هم من يقومون بأعمال الرسول، مثل إعادة النظر لمن أعمتهم التعاليم الفاسدة، وإقامة من ماتوا فى خطاياهم إلى الحياة ([734]). فالرسولية تتحقق بثمارها، أو كما قال بولس:" إن كنت لست رسولاً إلى آخرين، فإنما أنا إليكم رسول، لأنكم أنتم ختم رسالتى (1كو9: 2) ([735])].

15 - ما هى نظرة الكهنة لخطايا الشعب؟ وما هى سلطانهم؟ ([736])

يقول أوريجينوس كما عرف الرسل كيف يستخدمون هذا السلطان، كذلك الكهنة الذين يتشبهون بهم، ممن هم على طقس المسيح رئيس الكهنة الأعظم، يعرفون معنى سلطانهم ([737]). وفى مجال آخر، نجده بنفس هذا التأكيد، يقول فى إحدى عظاته عن سفر اللاويين، إنه طبقاً لمشيئة المسيح الذى أرسى نظام الكهنوت فى الكنيسة، يحمل الكهنة خطايا الشعب، وفى محاكاة لسيدهم الإلهى يمنحون عنها الغفران ([738]).

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [يستلم (الكهنة) سلطاناً لا يقتنيه الملائكة ولا رؤساء الملائكة. لديهم السلطان أن يربطوا ويحلوا، أن يحلوا الخطايا أو يربطوها. أى سلطان أرضى هو كهذا؟ الرب يطيع خادمه، والقرار الذى يأخذه الأخير على الأرض يثبته الأول فى السماء ([739])].

16 - كيف يراجع الكاهن حساباته حتى لا يفقد سلطانه؟ ([740])

يحذر القديس يوحنا الكهنة من إساءة استخدام كرامة الكهنوت: [لا تسئ استخدام الكرامة الكهنوتية، ولا تصر متعالياً ومتشامخاً، بل احسب نفسك صغيراً ووضيعاً ([741])].

كما يقول: [أية طهارة تليق بذاك الذى يستدعى حلول الروح القدس على الذبيحة المقدسة، بينما تحوط الملائكة بالمذبح ([742])].

يقول أوريجينوس: بماذا انتفع إذا كنت شاغلاً للمكان الأول فى الجماعة، وأملك شرف الرئاسة، إن لم يكن لى من الأعمال ما يجعلنى مستحقاً لهذه الكرامة؟! ([743])].

يؤكد أوريجينوس فى مناسبات كثيرة، أن شرعية السلطان الكنسى لا تعتمد على حالة الكاهن، فيقول: [إن كانت تقيده بشدة حبال خطاياه الشخصية، فلا مجال لممارسته لسلطان الحل والربط]. فالحق فى مغفرة الخطايا المقترفة ضد الله، محفوظ [للمُلهم من يسوع، كما كان الرسل، ومن يمكن تمييزه من ثماره، أن تقبل الروح القدس بداخله ([744])]. كما يؤكد أوريجينوس على أهمية السمات الروحية عند الأسقف، معتقداً أن الأسقف الخاطئ يفقد سلطانه على مغفرة الخطايا. فيقول: [دعنا نتأمل فى مغزى ما قيل لبطرس، ولأى بطرس بين المؤمنين: "سأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات" (مت16: 19). فمن يحكم بغير العدل، ومن لا يربط على الأرض بحسب مشيئة (المسيح)، تقوى عليه أبواب الجحيم. لكنها لن تقوى على من يحكم بالعدل، ويمتلك مفاتيح وملكوت السماوات، فاتحاً أبوابها أمام من كان محلولاً على الأرض، حتى يصير أيضاً محلولاً وحراً فى السماء. ومغلقاً لها فى وجه من حكم ضده بالعدل، بالربط على الأرض، فيصير أيضاً مربوطاً فى السماء. فإن استخدام من يحصلون على رتبة الأسقفية هذا النص كما استخدمه بطرس، مؤكدين استلامهم مفاتيح ملكوت السماوات من المسيح، وأن ما يحلونه على الأرض يكون محلولاً فى السماء، وان ما يربطونه على الأرض يكون مربوطاً فى السماء، يكون زعمهم صادقاً، إذا ما عاشوا حياتهم بما يتفق مع ذلك... فلن تقوى عليهم أبواب الجحيم، في ممارستهم لسلطان الحل والربط. أما إذا كانوا مُقيدين بحبال خطاياهم، فلا محل لممارستهم لهذا السلطان ([745])]. ويحذر من القيام بِحرمان من أحاط الشك باقترافه للخطيئة، أو إذا كانت خفية ([746]). أما من كانت خطيئته فاضحة وظاهرة فلا مناص من طرده من الكنيسة. هذا مع التزام الحرص فى هذا الشأن، خشية أن نستأصل مع الزوانِ جذور الحنطة أيضاً ([747]).

17 - ماهو خطورة المجد الباطل على الأساقفة؟

يحيط بعض الأساقفة، وبخاصة فى المُدن الكبيرة، أنفسهم بما يبعدهم، مثل الطغاة، عن رعيتهم بقصد إرهابهم ([748]). يقول أوريجينوس: [يمكنك قول نفس الشئ عن من يبتغى الأسقفية بحثاً عن تمجيد الناس لهم وتملقهم، أو طلباً للكسب ممن يُقدمون العطايا مدفوعين بتقواهم. فأسقف كهذا لا يشتهى عملاً صالحاً (1تى3: 1) بأى حال. ولن يكون بلا لوم ولا اعتدال ولا سمو فكر، إذ يسكره المجد ويتخمه إدمانه. وينطبق هذا القول أيضاً فيما يتعلق بالكهنة والشمامسة ([749])].

وفى تعليق أوريجينوس على يشوع وسلوكه فى حصوله على نصيبه فى الميراث، بعد كل الأسباط، بل وبعد كالب، يقول: [لماذا جعل من نفسه آخر الجميع؟ حتى يصير بالتأكيد أولهم (مت19: 30). لم يكن حصوله على إرثه بقرار بل من الشعب، كما ينص الكتاب المقدس، "أعطى بنو إسرائيل يشوع بن نون نصيباً فى وسطهم" (يش19: 49). ولكن الآن "فهذه الأمور جميعها أصابتهم مثالاً (1كو10: 11). فكما قيل إنك أن سلكت فى تواضع، فسيزداد بذلك قدرك، وتحرز استحساناً من الرب (سيراخ 3: 17). وأيضاً:" إذا اختاروك عليهم رئيساً فلا تستكبر، بل لتصر بينهم كواحد منهم (سيراخ32: 10) ([750]). لذلك، فإن قدمنا صدقتنا أمام الناس. نحصل على مكافأتنا منهم (مت6: 1 - 4). وبصفة عامة، كل من يعمل ويطلب مجد من الناس، لن تكون مجازاته ممن يجازى من يعمل فى الخفاء. فلذلك ايضاً من تملك عليهم أفكار المجد العقيم أو محبة الكسب، فهم يتصرفون بدوافع مشبوهة. والتعليم الذى يُعدّ تعليماً كنسياً، إذا ما صار مستعبداً بكلمات التملق، سواء باستخدامه كستار للجشع، أو حين يسعى أحد للمجد البشرى كمعلم، فلن يكون فيما بعد تعليم "من وضعهم الله أناساً فى الكنيسة: أولاً رُسلاً، ثانياً أنبياء، ثالثاً معلمين" (1كو12: 28). لك أن تقول الشئ نفسه، فيما يختص بمن يسعى للأسقفية طلباً للكرامة البشرية، أو طمعاً فى الربح من عطاء من تدفعهم تقواهم. فالأسقف من هذا النوع من المؤكد "لا يشتهى عملاً صالحاً" (1تى3: 1). ولن يكون أبداً بلا لوم، حليماً وضابطاً لنفسه ". إذ قد أثمله المجد وانتفخ به. وينطبق هذا أيضاً فيما يتعلق بالكهنة والشمامسة ([751])].

يقدم أوريجينوس صورة عن نفسه فى عظاته وتفسيراته، كمثال لاتضاع الإكليروس والمُعلمين:

1. كان يُرجع الفضل فى فهمه وإلمامه بالكتب المقدسة إلى نعمة الله، وليس إلى ذاته.

2. فى مناسبات عديدة كان يُطالب من يشهد اجتماعاته بأن يستمع أيضاً إلى من هم أكثر منه حكمة، وإلى من حباهم الله بنعمة فهم أكبر. إذ يقول: [ربما يوجد إنسان آخر أكثر حكمة منى، ويُحسب عند الله أهلاً أن يتمتع بالكشف والحكمة فى التفسير وذلك بروح الله، وأن ينال عطية معرفة الكلمة بالروح (1كو8: 12). (فيقدم تفسيراً أفضل منى، وإن كنت من جهتى بذلت غاية جهدى) ([752])]. [لعل الله يعطى من يختاره كلمات حكمة أكثر ثراء (مما لى)، ويهبه كلمة تدخل إلى الأعماق بنور المعرفة، فيكون تفسيرى إذا ما قورن بمن هو مثل هذه المواهب، كشمعة فى ضوء الشمس ([753])].

يقدم أوريجينوس باتضاع خاتمة عن تفاسيره، قائلاً: [هذا هو أقصى ما يمكننى إنجازه، ليت من كان قادراً على نوال نعمة أعظم لفهم هذه العبارة ينطق بكلمات أكثر وأفضل ([754])].

[(لا يستطيع أحد أن يفسر بطريقة كاملة) ما لم يحل يسوع فى ذهنه، هذا الذى كان على انفراد يُفسر لتلاميذه كل شئ (مر4: 34)، فيفتح جميع حجرات الكنوز الخافية والمظلمة ويشرق بنوره عليها. فإننى حتى الآن لم أوهب من العقل ما هو كافٍ وقادرٍ على الامتزاج بذهن المسيح، فأبلغ إلى المستوى المطلوب لهذه الأمورٍ ([755])].

18 - كيف كان موسى مثالاً رائعاً فى إقامة خليفة له؟

طالب أوريجينوس جميع رجال الإكليروس بالتواضع، مقتدين بموسى العظيم بين الأنبياء، هذا الذى لم يجسر أن يختار لنفسه خليفة، بل سأل الله ليختار من يصلح لهذا المركز. [لنُعجب بعظمة موسى، هذا الذى وهو يستعد للرحيل من هذه الحياة، صلى إلى الله لكى يختار قائداً لشعبه. ماذا أنت فاعل يا موسى؟ أليس لك ابن من صلبك، جرشوم واليعازر؟! إن كانت تنقصك الثقة فيهما، فماذا عن أخيك، الرجل العظيم؟! لماذا لم تطلب من الله أن يجعل منهم قادة للشعب؟

ليت رؤساء الكنيسة عوض عن تعيين من ينتمى إليهم برباط الدم أو العلاقات الأسرية فى وصاياهم، وعوضاً عن إرساء سلالات حاكمة فى الكنيسة، يتعلمون الالتجاء إلى حكم الله، ويبتعدون عما تدفعهم إليه مشاعرهم البشرية، تاركين أمر تعيين خلفائهم فى يدى الله.

ألم يكن موسى قادراً على اختيار قائداً للشعب، يختاره بحكمة وبقرار سليم وعادل؟! من يقدر أن يختار قائداً بحكمة أكثر من موسى؟ ومع ذلك لم يفعل. إنه لم يختر خلفاً له، ولا تجاسر أن يفعل ذلك، لم لا؟ حتى يتفادى إعطاء من يجيئون بعده مثالاً يحثهم على التجاوزات. لنصغ: "ليوكل الرب إله أرواح جميع البشر رجلاً على الجماعة، يعمل قائداً لهم فى كل الأمور، يقودهم فى كل أعمالهم" (راجع عدد27: 16 - 17). إن كان رجل عظيم مثل موسى لم يُقدم بنفسه على اختيار قائد للشعب، وانتخاب من يخلفه، فمن هو إذن من بين شعبه، أو حتى من بين صفوف الكهنة يعطى صوته مندفعاً بعاطفة بشرية أو إغراء مالى، ويظن أنه قادر على إبداء الرأى فى هذا الشأن، إلا إذا تم ذلك خلال رؤيا يتمتع بها بالصلوات والتوسلات المقدمة لله؟ ([756])].

19 - من هو الأسقف الحقيقى فى نظر الله؟

يقول أوريجينوس: [كيف صارت الكنيسة إلى هذا الوضع المؤسف؟ هل يعجز الله عن تزويد كنيسته بالقادة الملائمين؟ لا يمكن. لكن الكنيسة أحياناً تفشل فى أعطاء مثل هؤلاء الموقع المناسب من الشرف والكرامة ([757])]. كما يقول: [كثيراً ما يحدث أن يحتل من يتعامل بأسلوب وضيع ودنئ ومن تسيطر عليه الدنيويات مكاناً بارزاً ككاهن أو يتربع على كرسى التعليم، بينما من يتصف بالروحانية والتحرر من الأرضيات فيحكم فى كل شئ ولا يُحكم عليه من أحد، لا يشغل إلا درجة دنيا فى الكهنوت أو يُستعبد لعامة الجمهور ([758])].

20 - لماذا قام موسى بإلباس هرون رئيس الكهنة وبنيه ثياباً (لا8: 7، 13)؟

يقول أوريجينوس: [حقاً لقد قيل: "صنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمصة من جلد والبسهما" (تك3: 21). كانت تلك الأقمصة من جلد مأخوذ عن حيوانات، فإن مثل هذه الأقمصة يلزم أن يلبسها الخاطئ. قيل "أقمصة من جلد"، وهى رمز لحالة "القابلية للموت"، التى قبلها بسبب ضعفه الناشئ عن فساد الجسد. أما وقد اغتسلت من هذه الأمور، وتطهرت بواسطة ناموس الله، يُلبسك موسى ثوب عدم الفساد، فلا تظهر عورتك قط، ويبتلع الموت بواسطة الحياة ([759])]. كما قال: [يليق بالكاهن الذى يخدم المذابح الإلهية قبل كل شئ أن يتمنطق بالطهارة، فإنه لن يصير فى وسعه تطهير القديم وإرساء ما هو جديد ما لم يلبس الكتاب (البوص المبروم). كثيراً ما تحدثنا عن الثياب الكتانية، خاصة فى معالجتنا للملابس الكهنوتية، بأن هذا النوع يحمل شكل الطهارة، على أن الكتاب يعود أصله إلى الأرض حيث يُدرك دون مزجه بشئ آخر ([760])].

21 - ما هى أنصبة الكاهن فى ذبيحة السلامة؟

يقول أوريجينوس: [أنصبة الكاهن فى ذبيحة السلامة هى الصدر والساق اليمنى (لا7: 31، 33)، إذ يليق به أن يتقدس قلبه وتتقدس أعماله. يُوضع "الشحم الذى فوق الصدر" فوق المذبح، وأما "الصدر ذاته فيكون لهرون وبنيه" (لا7: 31). أظن أنه إذا قال إنسان أنه كاهن الله ولم يكن له الصدر (أو القلب مصدر الأفكار) مختاراً من بين كل إعضائه، فهو ليس بكاهن.

هذه هى الساق التى للكاهن (لا7: 33)، يأتى بها بنو إسرائيل إليه من أجل خلاصهم.

ففى هذه التقدمة، يكون الصدر والساق اليمنى للذبيحة هما نصيباً للكاهن. هذا يحمل علامة أن صدر المُقدم أو قلبه الذى كان قبلاً مملوءاً بالأفكار الشريرة قد تحول إلى قبول الأفكار الصالحة بعمل الكاهن، فيصير نقياً "قادراً على معاينة الله". وعلى نفس النمط أيضاً الساق يحمل علامة العمل الشرير الفاسد الذى يتحول إلى عمل صالح يتفق مع الله. هذه هى الساق اليمنى التى يُقال إنها من نصيب الكاهن ([761]).

أظن أن أداء الكهنة لوظائفهم شئ، وتعليمهم وتدريبهم على كل شئ أمر آخر. فإنه يمكن لأى شخص أن يتمم الخدمة الدينية، لكن قليلين هم الذين يتزينون بالأخلاقيات، ويتثقفون بالتعليم، ويتعلمون الحكمة، ويتكيفون لإعلان حقيقة الأمور وشرح حكمة الإيمان، دون إغفال لزينة الفهم، وسموّ الدفاع عن الحق المتمثل فى "غطاء الرأس الذهبى" (خر36: 28 - 37؛ لا8: 9) الذى يوضع على رأسه. فلقب الكاهن شئ، وكرامته حسب استحقاقات حياته وفضائله شئ آخر. لهذا السبب يليق بأى كاهن أن يمتحن نفسه كأنه أمام مرآة المقومات التى ينص عليها ناموس الله، وأن يجمع لنفسه درجات استحقاقاته، ما إذا كان قد تزيّن بحلىّ الكهنوت الثمينة التى سبق أن شرحناها ([762])].

22 - هل يلزم ألا تفارق قلوب الكهنة السكنى فى بيت الله؟

لا يغادر الكاهن بيت الله، بمعنى أنه يحب الحياة السمائية. يقول أوريجينوس: [إذا رغب إنسان أن يصير رئيس كهنة، لا بالاسم فقط بل بالاستحقاق، فليقتدى بموسى وهرون. ماذا قيل بشأنهما؟ لم يغادر خيمة الرب. كان موسى فى خيمة الرب على الدوام. ماذا كان عمله؟ إما أن يتعلم شيئاً من الرب أو أن يعلّم الشعب ([763])].

23 - لماذا يلتزم الكاهن بحياة الصلاة الدائمة؟

يقول أوريجينوس: [ليت كاهن الكنيسة يصلى على الدوام حتى يصير لشعبه الذى تحت رعايته الغلبة على قوات عماليق غير المنظورة الذين هم الشياطين التى تهاجم من ينشد حياة التقوى فى المسيح ([764])].

24 - ما هو الكهنوت العام؟

يشير أوريجينوس فى عظاته إلى الكهنوت العام لكل أعضاء الكنيسة. ويقول: [أتريد أن تعرف الفارق بين كهنة الله وكهنة فرعون؟ كان فرعون يمنح كهنته الأراضى، أما الله فيقول لكهنته: "أنا هو نصيبكم" (عد18: 20). ألم تلاحظوا أن جميعكم كهنة الرب... لنستمع إلى ما يأمر به ربنا يسوع المسيح كهنته: "من لا يترك كل ماله لا يقدر أن يكون لى تلميذاً" (لو14: 21). إنى أقشعر عندما أنطق بهذه الكلمات، فألوم نفسى وأدينها. فإن كان المسيح يرفض أن يحسب من له شئ ولا يترك كل ماله تلميذاً له، فماذا نحن فاعلون؟ كيف يمكننا قراءة ذلك وتفسيره للشعب، نحن الذين ليس فقط نحتفظ بما لنا، بل ونشتهى نوال ما لم يكن لدينا قبل أن نأتى إلى المسيح؟ فإذا كان ضميرنا يتهمنا، هل فى استطاعتنا أن ننافقه فيما كتب؟ إنى لا أريد أن أضاعف من إحساسى بالذنب ([765])].

كان أوريجينوس يقوم بتدريب من سيصيرون قادة فى الكنيسة. لم يكن هو نفسه قد سيم كاهناً بعد. ومع اشتياقه لنوال هذه النعمة، كان يحسب أعماله التعليمية أموراً مقدسة، ونظر إليها على أنها تحمل صورة كهنوت هرون. لنتذكر أن القديس يوحنا فى رؤياه للاثنى عشر سبطاً المحصيين حول الحمل يمثلون الشعب المسيحى، مميزاً العذارى على جانب منهم كأبكار (أول ثمار) المؤمنين بالمسيح. إنهم الصفوة المفكرة، والمجموعة الصغيرة للتلاميذ الحقيقيين الذين بدراستهم للكتاب المقدس والتأمل فيه بيقظة ومثابرة يحفظون نقاوة الجسد والفكر الذى يتميز بها الكاملون. هؤلاء يمكن دعوتهم لاويين أو كهنة إسرائيلين إذ هم يمارسون الكهنوت الداخلى ([766]).

[هل تعلم أن الكهنوت قد أعطى لكم، أعنى لكنيسة الله كلهم ولشعب المؤمنين؟! استمعوا إلى بطرس وهو يقول للمؤمنين: "وأما أنتم فجنس مختار وكهنوت ملوكى، أمة مقدسة، شعب اقتناء" (1بط2: 9). إذن لكم الكهنوت، إذ أنتم جنس كهنوتى، يلزمكم تقديم ذبيحة التسبيح (عب13: 15)، ذبيحة الصلوات، ذبيحة الرحمة، ذبيحة الطهارة، ذبيحة القداسة ([767])].

[يخصص أغلبنا معظم وقته لأمور هذه الحياة، مكرسين لله أوقاتاً وأعمالاً قليلة جداً. بهذا نشبه أعضاء الأسباط الذين لم يكن لهم مع الكهنة أكثر من معاملات قليلة، يمارسون واجباتهم الدينية فى أقل وقت ممكن. اما الذين يكرسون أنفسهم للكلمة الإلهية، وليس لهم ما يشغلهم سوى خدمة الله، فليس بالأمر غير الطبيعى أن نسمح بدعوتهم لاويينا وكهنتنا بسبب الفارق فى العمل بين الحالتين. أما الذين يمارسون مهاماً أكثر تمييزاً عن إخوانهم، فربما نحسبهم كرؤساء كهنة على رتبة هرون ([768])].

[بالمعنى الأخلاقى، يمكننا النظر إلى رئيس الكهنة على أنه فهم التقوى والدين الذى يُمارس فى داخلنا بالصلوات والابتهالات التى نجعلها تنهمر أمام الله، كنوع من الكهنوت. فإن حدث منه تجاوز فى أمر ما، يقود هذا على الفور إلى "خطأ كل الشعب" ضد الأعمال الصالحة فى داخلنا. فنحن لا نصنع أى عمل صالح عندما يتحول الفهم – مرشدنا إلى الأعمال الصالحة – إلى الخطأ. لهذا فإن تصحيح هذا الوضع لا يمكن أن يتحقق بتقديم أية تقدمة أقل من "العجل المُسمن" ذاته. على نفس النمط لا يصيرإصلاح الجماعة، أى تصحيح جميع الفضائل التى فى داخلنا بأى شئ آخر غير تسليم المسيح للموت ([769])].

[لتحرص على أن تكون هناك "نار على مذبحك" على الدوام. إن كنت ترغب فى أن تصير كاهناً للرب، كما هو مكتوب: "أما أنتم فتدعون كهنة الرب" (إش61: 6)، وكما قيل أيضاً إنكم "جنس مختار وكهنوت ملوكى، أمة مقدسة، شعب اقتناء" (1بط2: 9)، إن أردت ممارسة كهنوت نفسك، لا تدع النار تغادر مذبحك. هذا أيضاً ما عمله الرب لرسله: "لتكن أحقاؤكم ممنطقة، وسُرجكم موقدة" (لو12: 5). لتحرص إذاً على إبقاء نار الإيمان وسراج المعرفة موقدة على الدوام ([770])].

[كما سبق أن قلنا مراراً، يمكنك ممارسة العمل كرئيس كهنة أمام الرب فى داخل هيكل روحك إذا أعددت ثيابك بغيرة ويقظة، وإن غسلتك كلمة الناموس وطهرتك، إن أبقيت مسحة معموديتك ونعمتها بغير شائبة، إن اكتسيت بثوبى الحرف والروح، إن تمنطقت مرتين بحيث تكون طاهراً فى الجسد والروح، إن زينت ذاتك "بجبة" الأعمال وصدرة الحكمة، إن توجت رأسك بعمامة أو صحيفة ذهبية (لا8: 9) لملء معرفة الله، هذا مع علمك أنك قد تكون خافياً وغير معروف من الناس، فانت "هيكل الله وروح الله يسكن فيك" (انظر 2كو16ك6؛ 1كو3: 16) ([771])].

[ألا تعرفون أنه قد أعطى الكهنوت لكم وللكنيسة كلها ولجمهور المؤمنين؟!. لهذا يجب عليكم تقديم ذبيحة التسبيح لله (عب13: 15)، ذبيحة صلاة، ذبيحة قداسة. لكن لكى تُقدم هذه الأمور باستحقاق يلزم أن يكون لك ملابس نظيفة تختلف عن ملابس عامة الناس، ويكون لك بالضرورة نار إلهية ليست غريبة عن الله، بل تلك التى يهبها الله لشعبه، والتى يقول عنها ابن الله: "جئت لألقى ناراً على الأرض، فماذا أريد لو اضطرمت؟!" (لو12: 49). فإننا أن لم نستخدم هذه النار بل نستخدم ناراً أخرى، تلك التى تحول نفسها إلى "شبه ملاك نور" (2كو11: 5)، فسنعانى بلا شك مما عانى منه ناداب وأبيهود ([772])].

25 - ما هو منهج العلاقة بين رجال الإكليروس والشعب؟

ديمقراطية الكنيسة فى العلاقة بين رجال الإكليروس والشعب، تتجلى فى الآتى:

أ. يقول أوريجينوس: "كل من يُدعى للأسقفية، لا يُدعى للسيطرة، بل لخدمة الكنيسة ككل ([773])".

ب. يتحدث القديس إكليمنضس ([774]) وأوريجينوس ([775]) عن الكهنوت العام (الخاص بالشعب).

ج. يقول ر. كاديو أخبرنا هؤلاء المؤرخون أنه طبقاً لعدد من الإثباتات، فإن أقدم ما جاء فى أعمال القديس جيروم هى أن اسقف الإسكندرية منذ العصور الأولى للكنيسة كان يُقام من أحد أعضاء كهنة الإسكندرية. ويتم اختياره وتفويضه بواسطة الكهنة، بطريقة تماثل اختيار الإمبراطور بواسطة الجيش. هذه العادة البدائية، كما أخبرنا، قد أنهاها خلفاء البطريركية ديمتريوس. فصار انتخاب البطريرك وسيامته تتم على يد الأساقفة المجاورين حسب الأسلوب التقليدى، لكن لم يكون باختياره من بين صفوف الإكليروس الكسندرى ([776]).

ألقى أوريجينوس ضوءاً على انتخاب الأساقفة فى أيامه. واستخدم فيرجسون عظاته عن سفر العدد13: 4، لتوضح أنه فى القرن الثالث كان يوجد على الأقل أربع طرق لانتخاب الأساقفة:

1 - انتخاب شعبى.

2 - تعيين من قبل الأسقف الحاكم (البطريرك).

3 - تزكية لشخص ما، أو تصديق على من ينتخبه الشعب.

4 - انتخاب الكهنة له، وهذا ما يفضله أوريجينوس ([777]).

يؤكد أوريجينوس أن الأمر يتطلب تواجد الشعب فى سيامة الكاهن، إذ أنهم يقومون بانتخابه ([778]).

تتطلب سيامة الكاهن تواجد الشعب، حتى يعلم الجميع ما يؤكد لهم أن الشخص المنتخب للكهنوت هو أبرزهم من بين كل الناس وأكثرهم علماً وقداسة، وأغناهم فى كل فضيلة ([779]).

يقول إنه من اللازم أن يكون ذلك فى قرار علنى لئلا يكون لأحد من الشعب رأى مختلف. ويبنى هذا الرأى على حقيقة أن موسى "جمع كل الجماعة".

26 - هل تعوق الأعمال الإدارية للكاهن تحرره الداخلى؟

ربط آباء الكنيسة بين إتمام أعمال الإدارة المنوطة بالأسقف والكاهن وبين تحررهم الداخلى التام من كل الاهتمامات الأرضية ومن الانغماس فى كل ما يختص بمتطلبات الجسد. يعتبر القديس باسيليوس الكبير أن الذهن الذى يتشوش بالاهتمامات الدنيوية يصير عاجزاً عن رؤية الحقيقة ([780]). لذلك طالب الفحص بتدقيق فى السيامات حتى لا يٌسام أحد يمُكن أن تعوقه الأعمال الإدارية عن تحرره الداخلى. يقول القديس باسيليوس الكبير:

[الذين تودع لديهم الكرازة بالإنجيل يلزم بعد الصلاة والطلبة أن يُساموا شمامسة أو كهنة، أناس بلا عيب، تبحث حياتهم الماضية، ويوجدوا أهلاً لذلك (مت9: 37 - 38) ([781])].

[يجب ألا نكون مُهملين بخصوص السيامات، فلا يُساموا بدون تشاور بحرص، فإن الذى لا يفحص يصير فى خطر. أيضاً يلزم أن نُعرض عمن يكتشف أنه ارتكب أى خطأ. فمن يكتشف هكذا لا يشترك فى الخطية (بقبوله سيامة من هو غير مؤهل لذلك)، ولا يتعثر الآخرون، بل بالحرى يتعلمون أن يخافوا (1تى5: 22) ([782])].

[من يُختار (للسيامة) لا يقوم بالكرازة بالإنجيل من عنده، بل ينتظر أن يكون ذلك مقبولاً لدى الله، ويبدأ الكرازة عندما يُعين لذلك، وبهذا يكرز لمن يُرسل إليهم (مت10: 5 - 6) ([783])].

[من يُدعى للكرازة بالإنجيل، يلزمه أن يطيع فى الحال وبدون تأخير (لو9: 55 - 60) ([784]).

[يلزم تعليم المؤمنين كل وصايا الرب التى فى الإنجيل، وايضاً الذين ينضمون إلينا خلال الرسل (28: 19 - 20) ([785])].

[من عُين أن يكرز بتعاليم الرب، إن صمت بخصوص شئ ما ضرورى يُسر الله، يكون مُذنباً ويُطلب منه دم الذين صاروا فى خطر، سواء بارتكابهم ما هو ممنوع، أو عدم ممارستهم الصلاح الذى يلزم أن يفعلوه (لو11: 52) ([786]).

[لا يٌسمح لأحد أن يلزم آخرين أن يمارسوا ما لم ينجح هو فى إتمامه (لو11: 46) ([787])].

[من يكرز بالكلمة (المسيح)، يلزم أن يُقدم للبقية كمثال لكل فضيلة بممارسته أولاً ما يُعلم به (مت11: 28 - 29) ([788])].

[من يكرز بالكلمة (المسيح) يلزمه ألا يشعر بأنه فى أمان ببره الشخصى، بل يتحقق أن صار تقدم المؤمنين هو عمله الرئيسى والوظيفة المنوطة إليه (مت10: 27 - 28) ([789])].

[يلتزم الكارز بالكلمة (المسيح) أن يفتقد كل البلاد والمدن التى تحت رعايته (يو6: 37 - 40؛ 1تس2: 19 - 20) ([790])].

[يجب دعوة الكل لسماع الإنجيل، لكى يكرز بكل صراحة، حتى يتأيد الحق، وإن كانت التكلفة هى المقاومة وقبول الاضطهاد حتى الموت (مت10: 27 - 28) ([791])].

[يليق بمن يحب الرب أن يهتم بكل محبة وكل إعلان عن الغيرة على الذين يُعلمهم، حتى إن استدعى ذلك أن يثابر حتى الموت نفسه فى تعليمه العلنى والخاص (أع20: 20 - 21) ([792])].

[يليق بالكارز بالكلمة أن يكون لطيفاً ورحوماً، خاصة نحو الذين يعانون من آلام النفس (مت9: 36) ([793])].

[من اللائق أن نكون لطفاء ومهتمين حتى بالاحتياجات الجسدية للذين تحت رعايتنا (مت15: 32) ([794])].

[لا يليق بالكارز بالكلمة أن ينشغل بالأمور الصغيرة باسترخاء، بينما هو مُلتزم بالغيرة التى يُظهرها فى الأمور العظمى (أع6: 2) ([795])].

[يلزمنا ألا نكون متباهين وكثيرى الحركة عند تقديم كلمة التعليم، نُداهن السامعين لأجل مسرتنا الذاتية وراحتنا، إنما يليق بنا أن نعمل كمن يتكلم عن مجد الله فى حضوره (مت23: 5 - 10) ([796])].

[لا يليق بالكارز بالكلمة أن يُفسد طاقته بالتعامل بغطرسة وتشامخ مع الذين هم تحت رعايته، بل بالحرى يحسب موقفه هو إبراز تواضعه نحوهم (مت13: 13 - 14) ([797])].

[لا يليق بنا ان نكرز بالإنجيل بروح النزاع والحسد أو المنافسة مع أى أحد (فى1: 15 - 17) ([798])].

[يليق بنا ألا نظن أننا ننال النجاح فى الكرازة خلال طرقنا البشرية، بل يلزمنا أن نعتمد تماماً على الله (2كو3: 4 - 6) ([799])].

[من تعهد إليه الكرازة بالإنجيل، يليق بنا ألا يقتنى شيئاً أكثر مما هو ضرورى للغاية له (مت10: 9 - 10) ([800])].

[كمُعلنين عن ملكوت السماوات عند دمار ذاك الذى يسيطر على من يموت فى الخطية (مت10: 7) ([801])].

[كنموذج أو قانون للتقوى فيمن يُحققون كمال كل بر فى الذين يتبعون الرب، وكبرهان على الإثم فى الذين يأثمون فى المعصية، ولوكان فى أصغر الأمور (فى3: 13 - 16) ([802])].

[كما أن العين فى الجسد تُميز الصالح من الشرير، هكذا يقودون أعضاء المسيح فى الظروف التى تناسب كل واحد (مت6: 22) ([803])].

[كرعاة لقطيع المسيح، لا يرفضون أن يبذلوا حياتهم من أجل القطيع إن استدعى الأمر كذلك، وذلك بهدف أن يٌقدموا لهم إنجيل الله (يو10: 11) ([804])].

[كأطباء يعتنون بأمراض النفس بحنو عظيم، حسب معرفتهم لتعليم الرب، ليردوا لهم الصحة فى المسيح مع المثابرة (رو15: 1) ([805])].

[كآباء ومُربين لأطفال، مولودين منهم، فإنهم بعاطفة حُب ملتهبة فى المسيح ليس فقط يعلمونهم إنجيل الله، بل يقدمون لهم حياتهم (1كو4: 15) ([806])].

[كعاملين مع الله، يُكرسون أنفسهم بالكامل لحساب الكنيسة للعاملين وحدهم المستحقين لله (1كو3: 9) ([807])].

[العاملون فى كرم الله، الذين لا يغرسون شيئاً غريباً عن الكرمة التى هى المسيح، لا يوجد فيهم شئ عقيم (بلا ثمر)، بل بكل اجتهاد يرعون ما هو مناسب ومُثمر (1كو3: 6) ([808])].

[كمن يبنون هيكل الله، يُشكلون كل نفس، لكى ما توضع على أساس الرسل والأنبياء (1كو3: 10 - 11) ([809])].

27 - هل رعاية الإيبارشية تعوق الاهتمام بالعمل الكنسى العام؟

نجح القديس باسيليوس الكبير فى محاكاة القديس أثناسيوس فى اهتمامه بالعمل الكنسى الجماعى. هذا ما أوضحه صديقه القديس غريغوريوس النزينزى فى مرثاته له التى كرز بها فى جنازته. يليق بالأسقف الاهتمام بالعمل الكنسى العام بجانب رعايته الإيبارشية المؤتمن عنها.

يقول القديس باسيليوس الكبير: [بالرغم من أنه يكفى تماماً لمُعظم الأشخاص أن يرعوا مسئولياتهم الخاصة، غير أن هذا لا يكفى لكم. على العكس، إنكم تبذلون رعاية عظيمة نحو كل الكنائس، كما بالنسبة للكنيسة الخاصة التى أؤتمنتم عليها من جهة التفكير والتدبير والكتابة، وفى كل مناسبة تُرسلون أفضل المشيرين ([810])]. [عندما استقرت شئونه المحلية... زادت خطته الطموحة إلى أعلى مستوى، فبينما كان بقية الأساقفة يُركزون على شئونهم الخاصة بإيبارشياتهم، فإنه وهو معتدل فى كل الأمور الأخرى لم يكن قادراً أن يكون معتدلاً فى هذا الأمر، إنما كانت رأسه منتصبة يلقى ببصيرته العقلية حوله، يُطوق العالم كله بحواجز حكمة الخلاص ([811])].

28 - ما هى أخطر السقطات التى يتعرض لها الكهنة والرعاة والخدام؟ ([812])

فى الصلوات السرّية فى بدء القداس الإلهى يرفع الكاهن قلبه، قائلاً: اقبل هذه الذبيحة عن خطاياى وجهالات شعبك، ناسباً لنفسه الخطايا بينما يحسب خطايا الشعب ضعفات.

يحذر الكتاب المقدس العاملين فى الكنيسة من حرب الشيطان، "يقول رب الجنود اضرب الراعى فتتشتت الغنم وارد يدى على الصغار (زك13: 7). أخطر الخطايا التى يتعرض فيها الكاهن أو الخادم أو المبشر هى إن يخدع نفسه أو يكذب على نفسه. هذه الخطية التى تُترجم عملياً فى الآتى:

1. يعدد القائد ما قد حققه من أعمال أو خدمات فى تشامخ، لا أن يذكر ما فعله الله معه وفى خدمته. يقول القديس باسيليوس الكبير: [لا تدع رتبة الكهنوت تجعلك فى خيلاء، بلا بالحرى تجعلك متواضعاً، فإن الانحلال والخزى يُولدان من التشامخ. كلما اقتربت من الرتب العليا للنظام الكهنوتى المقدس، يليق بك بالأكثر أن تتواضع، مُتذكراً بخوف مثال أولاد هرون معرفة الحياة المقدسة هى معرفة وداعة وتواضع. التواضع هو اقتداء بالمسيح. التعالى والتجاسر والوقاحة هى اقتداء بالشيطان. كن مُتمثلاً بالمسيح، لا بضد المسيح! بالله وليس بالمقاوم لله! بالسيد لا بالعبد الشارد! بالرحوم لا بالذى بلا رحمة! بالمحب البشرية لا بعدوّها! بشريكك فى حجال العُرس لا بساكن الظلمة. لا تكن تواقاً لاستغلال السلطة على الجماعة، حتى لا تضع على عنقك أثقال خطايا الآخرين ([813])].

2. ما يشغله التطلع إلى عدد الذين يستمعون إليه لا أن يُقام ملكوت الله فيه وفى المخدومين.

3. يظن أن مواهبه وقدراته أعظم من الموقع الذى يخدم فيه فيبحث عن كنيسة أكبر أو اجتماعات أكثر عدداً، أو يشعر أنه فريد فى خدمته لخدمات معينة مثل اجتماعات الشباب أو إعداد قادة روحيين. أو يحسب نفسه أقدر على القيام بمشروعات أو الحوار أو إصدار كتب أو تسجيل عظات لها فاعليتها.

4. يظن أنه صاحب قلب نارى جذاب للحياة الروحية المتقدة بالغيرة المقدسة. فيتطلع الشخص إلى ما تطلبه أعماقه وهو الرغبة فى إبراز قوة خدمته ومعرفته للحق الإلهى، فيرى فى المخدومين وسيلة لتحقيق هدفه الشخصى، وليس أن يتلامس مع فكر الله وتقديره لأولئك الذين مات من أجلهم.

5. انشغال الخادم أن يكون له دوره القيادى خاصة فى وسائل الإعلام أو أن يصارع فى داخله ليكون له مركزه الخاص فى المؤتمرات المحلية أو المسكونية.

6. يخدع الخادم نفسه حين يظن أنه مدعو للقيام بحركة تصحيح المسار يقودها بإمكانياته الفريدة.

7. يظن البعض أنهم ناجحون فى خدمتهم بينما ما يشغلهم هو تزايد شهرتهم أو شعبيتهم.

أما علاج هذه الأمور فهو ممارسة الخدمة الحقيقية ليترنم مع الرسول، قائلاً: "مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا بل يحيا المسيح فىّ (غل2: 20).

يرى القديس أغسطينوس أن دور الخادم هو أن يُوضع المتكبرون فى مكانهم، ويقف اليائسون على أقدامهم، ويتصالح المنشغلون بالمنازعات، وينال المحتاجون عوناً، ويتحرر المضطهدون، وينال الصالحون عوناً، والأشرار يُحتملون، والكل يُحبون ([814]).

يليق بالخادم ألا يظن أن السيد المسيح محتاج إليه، أو أن الكنيسة ستتوقف بعدم وجوده، إنما هى نعمة الله التى وهبته مقعداً يجلس عليه ليعمل مع كل أعضاء الكنيسة كاعضاء فريق عمل واحد. يقول النبى: "لا تطلب لنفسك أموراً عظيمة" (إر45: 5).

29 - ما هو العلاج العملى الذى يُقدم للرعاة؟

بعدم أن تحدث هارتمان عن السلبيات فى حياة الرعاة the pastors، قدم العلاج العملى لبنيان روح الرعاية والكرازة، مركزاً على عاملين هامين:

أولاً: القدرة على الالتقاء المستمر بالكتاب المقدس والاعتزاز به، وأن يُقدم الجانب العملى للحياة الإنجيلية للتمتع بالشركة فى المسيح يسوع.

ثانياً: نادى هارتمان بضرورة القراءة بكثرة فيما ورد فى تاريخ الكنيسة، على حد تعبيره، أو الاهتمام بكتابات الآباء الأولين حسب تعبيرنا الأرثوذكسى.

لقد كتب: [لنقرأ بتوسع أحد المصادر النافعة للغاية والرائعة التى وجدتها لأجل نموى ككارز وهو "تاريخ الكنيسة". حينما أتطلع على المخطوطات التى لأفضل عظاتى أقرأها لكتابات فقيرة بالنسبة للعظات الرائعة لأشخاص مثل القديس يوحنا الذهبى الفم (349 - 407)... إنه أحد الكارزين العظماء فى تاريخ الكنيسة. إننى أشجع بقوة قراءة عظاته وتفاسيره للكتاب المقدس. أقدم هنا إحدى عظاته عن عيد القيامة، حيث يتحدث عن القيامة المُحطمة للهاوية:

"كانت الهاوية فى انزعاج لأنها انهارت بالقيامة.

كانت فى اضطراب لأنه سُخر بها.

كانت فى اضطراب لأنها تحطمت.

كانت فى اضطراب لأنها دُمرت تماماً.

كانت فى اضطراب لأنها صارت مسبية.

أخذت الهاوية جسداً واكتشفت الله.

أخذت أرضاً وصارت فى مواجهة السماء.

أخذت ما قد رأته، لكنها هُزمت بما لم تره.

أين شوكتك يا موت؟

أين غلبتك يا هاوية؟

المسيح قام، وأنت أيها الموت قد دُمرت تماماً!

المسيح قام، والأشرار انحدروا.

المسيح قام، والملائكة تهللت!

المسيح قام، والحياة تحررت!

المسيح قام، والقبر فارغ من الميت الذى كان فيه.

لأن المسيح قام من الأموات،.

صار باكورة الراقدين.

له المجد والسلطان إلى أبد الأبد. آمين ([815]) ".

هذا الطابع الذى للذهبى الفم فى القرن الرابع بالقسطنطينية أفضل من الطابع الأمريكى الحديث. إنه أفضل من أفضل عظة لك ولى... القراءة فى تاريخ الكنيسة تهبك تواضعاً ويزودك بما يجعلك راعياً فاضلاً وكارزاً حسناً! ([816])].

30 - هل يحتاج الأسقف إلى صلوات الشعب؟

أفرز الرسول بولس من البطن لخدمة الكرازة، والذى دعاه الرب علانية وهو فى الطريق إلى دمشق، والذى نال مواهب كثيرة، يشعر بحاجة شديدة لصلوات الشعب من أجله ليسنده الرب ليس فقط فى جهاده الروحى، وإنما فى كرازته بالإنجيل أيضاً، إذ يقول: "مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت فى الروح وساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة وطلبة لأجل جميع القديسين. ولأجلى لكى يُعطى لى كلام عند افتتاح فمى لأعلم جهاراً بسرّ الإنجيل (أف6: 18 - 19).

يقول القديس يوحنا الذهبى الفم: [نحن نصلى من أجل الأسقف، لكى ما يعلن كلمة الحق بنقاوة، ومن أجل الحاضرين، كما من أجل الإخوة فى العالم كله ([817])].

31 - لماذا يسمح الله للكهنة والأساقفة أن يخضعوا لأهواء الحياة والضعف؟

كثيراً ما أشار الذهبى الفم أن الله يسمح للكهنة والأساقفة أن يخضعوا لأهواء الحياة والضعف، حتى يتعلموا من ضعفاتهم أن يترفقوا بالخطاة، ويغفروا للآخرين. هذا ما حدث مع القديس بطرس فى العهد الجديد وإيليا النبى فى العهد القديم ([818]). لكنه لا يقدم عذراً لأخطاء الكهنة: [إن أخطأ كاهن فخطأه أعظم من غيره، وعقوبته تكون أشد ([819])].

32 - كيف يأخذ المؤمن المشتاق لحياة التكريس أن يسلك فى طريق الخدمة أم الرهبنة؟

يحتاج أخذ القرار إلى نقاوة القلب، ويرى القديس باسيليوس أن سرّ نقاوة قلب المؤمن هو حرصه على بنيان نفسه خلال ممارسته للسكون والهدوء الروحى. يقول: "الهدوء هو بداية تنقية النفس ([820])":.

الهدوء لازم للمؤمن، خاصة لأخذ القرار السليم للتكريس. إذ يُدعى أحد للكهنوت أو يشتاق إلى الرهبنة، يحتاج أن يجلس مع نفسه تحت قيادة روح الله القدوس فى هدوء لأخذ القرار حسب مشيئة الله. يقول القديس باسيليوس الكبير: [عندما لا تتبدد النفس فى الأمور الخارجية، ولا تتناثر فى العالم عبر حواسها، فإنها تعود إلى ذاتها وترتقى إلى التفكير بالله ([821])] ز.

33 - ما هو سرّ نجاح رئيس الأساقفة يوحنا الذهبى الفم فى عمله الرعوى؟

تبقى رعاية هذا الأب نموذجاً حياً يليق أن نقتدى به حتى هذا القرن بالرغم من معوقات الخدمة بسبب مرضه منذ صبوته المبكرة ومقاومة القصر الإمبراطورى له لأنه لم يداهن الإمبراطور والإمبراطورة ورجال القصر، ومقاومة بعض الأساقفة والكهنة والرهبان له لأنه كان لا يشترك فى الولائم المُقامة فى القصر الإمبراطورى، ولا أقام ولائم فى مركز الإيبارشية للنبلاء والعظماء.

أحد العوامل الرئيسية فى نجاحه نظرته لمفهوم الرعاية: فمن جانب يطلب من الكاهن (وكل رجال الكهنوت) أن يكون أباً لكل العالم، سواء للمؤمنين أو غير المؤمنين أو حتى المقاومين للكنيسة. فيليق بالكاهن أياً كانت رتبته بل والمؤمن العلمانى – إن صح التعبير – أن يتشبه بالله الذى يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يُقبلون (1تى2: 4). اما الجانب الآخر فهو نظرته للشعب، إذ كان يقول لهم: "أنتم الأسقف". فالطفل الصغير المُقدس للربّ يخدم الأطفال ويجتذبهم للإنجيل ويقبلونه بفرح. والسيدة تستطيع أن تخدم النساء اللواتى فى الأسواق بروح الإنجيل، هؤلاء اللواتى يصعب على الأسقف أن يلتقى بهن ويتعامل معهن. إنه يريد أن يكون كل مؤمن قائداً روحياً، أياً كان جنسه أو سنه أوثقافته أو مركزه الاجتماعى.

تبقى حياة الذهبى الفم درساً عملياً عبر الأجيال لرجال الكهنوت كما لكل مؤمن حقيقى.

34 - ما هو منهج مار يعقوب السروجى والقديس أفرآم السريانى عند وضع رثاء لكاهن انتقل؟

كان القديس مار يعقوب السروجى يعتبر القديس أفرآم أباه الروحى وإن كان الاول وُلد بعد حوالى 70عاماً من نياحة الثانى، وهما يحملان ذات الفكر والروح فى كثير من كتاباتهما. فى رثاثهما للكاهن المنتقل يراعيان الآتى:

أ. لا يهدفان إلى سرد أحداث أو تاريخ أحداث للكاهن المُنتقل من العالم، بل ولا يذكران اسم الكاهن، ولا يفصحان عنه إن كان صاحب مرتبة قسيسية أو أسقفية. فما يشغلهما لا أن يتحدثا عن شخص مُعين، مهما كانت علاقتهما الشخصية به. إنما يشغلهما أن يكشفا عن دور الكاهن أو أى عضو فى الكنيسة فى حياة الكنيسة المُجاهدة وهو فى طريق عبوره إلى الفردوس، ليلتقى مع عريسه السماوى وجهاً لوجه.

ب. مع ما يتمتع به الكاهن من وزنات ومواهب وإمكانيات للعمل لحساب ملكوت الله، يليق به أن يضع قدام عينيه إنه يأتى وقت تنطلق فيه نفسه من الجسد، ويقطن الجسد فى القبر بين الأموات. إن كان السيد المسيح رب المجد، القدوس، الذى لم يلحق بجسده فساد قد شاركنا الموت، ودُفن فى القبر لكى يرقد بين الأموات، فيُنعم عليهم بشركة قيامته ومجدها وقوتها، فيليق بنا ألا نضطرب لموت الكاهن ودفنه.

ج. موت الكاهن لا يُحطم حبه لشعبه قطيع المسيح، فهو لا يكف عن الصلاة والطلبة من أجلهم، وهو فى حضرة الرب نفسه.

د. موت الكاهن التقى يُضيف رصيداً للكنيسة، إذ يصير لها من يصلى عنها فى الفردوس، يسحب قلوب المجاهدين إلى السماء كمسكن أبدى لهم.

ﮪ. فى تقديم أكثر من حوار بين الكاهن الراحل وإخوته الكهنة، وأيضاً مع شعبه الحبيب لديه، يكشف عن شعور عميق نحو الوحدة الأصيلة بين المجاهدين والراقدين فى المسيح يسوع.

و. ميامرهما تحثنا على إدراك حقيقة جنسيتنا السماوية فى المسيح السماوى، فلا نضطرب إن تجاهلنا العالم أو أخذ منا موقف العداوة، فإننا غرباء ونزلاء نسلك فى رحلة مُمتعة ولذيذة وسط الضيق. إننا نعبر إلى الميناء السماوى المجيد.

ز. إن كان الكاتب يحثنا على الإيمان الحىّ، فإنه يليق ترجمته بالسلوك الروحى اللائق بأبناء الله، الأعضاء فى جسد المسيح، فلا يكفوا عن الجهاد، مستندين على نعمة الله الفائقة.


[682] [] Epistle 3: 265.

[683] [] Epistle 2: 156.

[684] [] Epistle 3: 271.

[685] [] راجع للكاتب: الحب الرعوى، الطبعة الثانية، 2005، ص12.

[686] [] القسم الثالث، بند38 (دير السريان، القديس باسيليوس، 2003، ص495).

[687] [] القسم الثالث، بند89 (دير السريان، القديس باسيليوس، 2003).

[688] [] القسم الثالث، بند 38 (دير السريان، القديس باسيليوس، 2003).

[689] [] القسم الثالث، بند39 (دير السريان، القديس باسيليوس، 2003).

[690] [] In Matt. Hom. 7: 23.

[691] [] للمؤلف: الحب الرعوى، 1965، ص47، 46.

[692] [] baptismal Instructions, 11: 7.

[693] [] De Sacerd otio, Book 4: 3 ff.

[694] [] الحب الرعوى، 1965، ص546.

[695] [] الحب الرعوى، ص27.

[696] [] أحاديث عن الزواج: الحديث الأول (منشورات النور).

[697] [] In Luc. Hom. 2: 12.

[698] [] Comm. On Eph. 17 on 11: 4 ff.

[699] [] In Lev. Hom. 6: 6.

[700] [] Letter 188 to Amphilochius, concerning the Canons.

[701] [] Letter 199 to Amphilochius canonica Secunda, 1.

[702] [] Homily on Psalm 2: 28. PG 284: 29.

[703] [] القسم الثالث، بند 51 (دير السريان، القديس باسيليوس، 2003).

[704] [] القسم الثالث، بند 62 (دير السريان، القديس باسيليوس، 2003).

[705] [] القسم الثالث، بند 61 (دير السريان، القديس باسيليوس، 2003).

[706] [] القسم الثالث، بند 93، (دير السريان، القديس باسيليوس، 2003).

[707] [] PG. 741: 32B.منشورات دير مار ميخائيل – نهر بسكنيتا الراهب غريغوريوس (إسطفان): سرّ الكهنوت، 2012، ص196 – 197.

[708] [] القسم الثالث، بند 52، (دير السريان، القديس باسيليوس، 2003).

[709] [] نشيد الأناشيد للقديس غريغوريوس أسقف نيصص، تعريب الدكتور جورج نوار، 1993، عظة 2.

[710] [] Homilies on Leviticus 6: 6 (See Frs. Of the Church).

[711] [] In Isa. Hom. 6; PG 239: 13; Thomas Halton, p. 21.

[712] [] In Lev. Hom. 3: 2 (cf. G. W. Barkley – Frs. Of the Church).

[713] [] Ernest Latko: Origen's Concept of penance, Laval 1949, p. 78.

[714] [] In Psalm. 37 hom 1: 1 PG 1369: 12; Ernest Latko: Origen's Concept of penance, Laval 1040, p. 74.

[715] [] In Exodus hom. 2: 11 (Cf. Ronad E Heine - Frs. Of the Church, vol. 71).

[716] [] On Prayer, 9: 28; Jaroslav Pelikan: The Christian Tradition, Chicago, 1971, p. 59. (Fr. T. Malaty: Origen. 1995, p. 652).

[717] [] Church History 50 (1981: The Charismatic Intellectual: Origen's Understanding of Religious Leadership. P. 111 - 112.

[718] [] Comm. On Matt. 7: 15.

[719] [] In Isaiah hom. 4: 6.

[720] [] Comm. On John 17: 32; Church History 50 (1981): The Charismatic Intellectual: Origen's Understanding of Religious Leadership, p. 113 - 114.

[721] [] De Princiis 8: 1: 1; In Luke hom. 3: 12.

[722] [] In Jerm. Hom 3: 11; Fragm. 50.

[723] [] In Lev. Hom. 4: 6.

[724] [] In Lev. Hom. 6: 4.

[725] [] Homilies on Leviticus 6: 4 (See Frs. Of the Church).

[726] [] Atrii. The word occurs again in this and the next section, each time in a context which suggests that it has reference to the "curtains" of Exod. 26. 1 - 2 which ten in number and 26x4in dimensions The word in the LXX at Exod. 26. 1 - 2 is aulaia which the Vulgate renders Cortina. Perhaps Rufinus connected aulaia in Origen's text with aule, which would be correctly rendered at atrium, Another possibility is that Origen himself connected the two words and used a form of aule. Fortier translates the word as "vestibule".

[727] [] In Exodus hom. 3: 9 (Cf. Ronad E Heine – Frs. Of the Church, vol. 71).

[728] [] church History 50 (1981): The Charismatic Intellectual: Origen's Understanding of Religious Leadership, p. 115.

[729] [] In Num. hom. 4: 22; Church History 50 (1981): The Charismatic Intellectual: Origen's Understanding of Religious Leadership, p. 116.

[730] [] In Luc. Hom. 2: 32.

[731] [] Comm. On John 47: 13.

[732] [] Comm on Matt. 5: 11.

[733] [] See Comm. On John 18: 13; Hom. On Lev. 6: 4.

[734] [] Hom. On Isa. 4: 6.

[735] [] Comm. On John 17: 32; Joseph Wilson Trigg: Origen SCm Press, p. 142.

[736] [] Ernest Latko: Origrn's Concept of penance, Laval 1949, p. 72f.

[737] [] On Prayer 28; PG 527: 11 - 530.

[738] [] In Lev. Hom. 3: 5 PG 451: 12.

[739] [] De Sacerdotio, Book, 10: 5.

[740] [] Ernest Latko: Origen's Concept of penance, Laval 1949, p. 72f.

[741] [] In. vor, homioly, 3: 0 Pg 85: 61.

[742] [] Ibid 6: 5.

[743] [] In Ezek. Hom. 4: 5. PG 707: 13.

[744] [] R. Cadiou: Origen, Herder Book Co. , 1944, p. 315.

[745] [] Ernest Latko: Origen's Concept of penance, Laval 1949, p. 70.

[746] [] Ernest Latko: Origen's Concept of penance, Laval 1949, p. 102.

[747] [] In Josue Homilia 1: 21 PG 928: 12; Ernest Latko: Origen's Concept of penance, Laval 1949, p. 102.

[748] [] Comm. On Matt. 8: 16; Church History 50 (1981): The Charismatic Intellectual: Origen's Understanding of Religious Leadership, p. 116.

[749] [] Commentary on Mattew, Book 15: 11 (Cf. ANF).

[750] [] In Jos. Hom 2: 24.

[751] [] Commentary on Mattew. 15: 11; Thomas Halton, p. 21.

[752] [] Comm. on Matt. 37: 15 (Drewery).

[753] [] Comm. on Matt. 13: 16.

[754] [] Comm. on Matt. 17: 16.

[755] [] Comm. on Matt. 11: 14.

[756] [] In Num. hom. 4: 22; (Robert B. Eno – Massage of the Frs. Of the Church, p. 84).

[757] [] The Charismatic Intellectual: Origen's Understanding of Religious Leadership, p. 116 – 117.

[758] [] In Num. hom. 1: 2; Church History 50 (1981): The Charismatic Intellectual: Origen's.Understanding of Religious Leadership, p. 118.

[759] [] Homilies on Leviticus 2: 6 (See Frs. Of the Church).

[760] [] Homilies on Leviticus 6: 4 (See Frs. Of the Church).

[761] [] Homilies on Leviticus 12: 5 (See Frs. Of the Church).

[762] [] Homilies on Leviticus 6: 6 (See Frs. Of the Church).

[763] [] Homilies on Leviticus 6: 6 (See Frs. Of the Church).

[764] [] Homilies on Leviticus 6: 6 (See Frs. Of the Church).

[765] [] In Gen. hom. 5: 16.

[766] [] R. Cadiou: Origen Herder Book Co. , 1944, p. 310.

[767] [] Homilies on Leviticus 1: 9; Thomas Halton, p. 146.

[768] [] In Joan. 3: 1 PG 25: 14; R. Cadiou: Origen Herder Book Co. , 1944, p. 310.

[769] [] In Lev. Hom. 3: 2 (cf. G. W. Barkley – Frs. Of the Church).

[770] [] Homilies on Leviticus 6: 4 (See Frs. Of the Church).

[771] [] Homilies on Leviticus 5: 6 (See Frs. Of the Church).

[772] [] Homilies on Leviticus 1: 9 (See Frs. Of the Church).

[773] [] In Isa. Hom 6 PG 239: 13.

[774] [] St. Clment of Alexandria: Who is the Rich Man that shall be Saved?.

[775] [] In Lev. hom. 1: 9.

[776] [] R. Cadiou: Origen Herder Book Co. , 1944, p. 317 - 8.

[777] [] F. Ferguson; "Origen and the Election of Bishops." Church History 43 (1974) , 27 - 30, 32.

[778] [] Ep. 48 ad Amun.

[779] [] SC 286,279; Thomas Halton, p. 21.

[780] [] PG. 224: 32C – 225A.منشورات دير مار ميخائيل – نهر بسكنيتا الراهب غريغوريوس (إسطفان): سر الكهنوت، 2012، ص261.

[781] [] Morals, Rule 1: 70.

[782] [] Morals, Rule 2: 70.

[783] [] Morals, Rule 3: 70.

[784] [] Morals, Rule 4: 70.

[785] [] Morals, Rule 6: 70.

[786] [] Morals, Rule 7: 70.

[787] [] Morals, Rule 9: 70.

[788] [] Morals, Rule 10: 70.

[789] [] Morals, Rule 11: 70.

[790] [] Morals, Rule 12: 70.

[791] [] Morals, Rule 13: 70.

[792] [] Morals, Rule 19: 70.

[793] [] Morals, Rule 20: 70.

[794] [] Morals, Rule 21: 70.

[795] [] Morals, Rule 22: 70.

[796] [] Morals, Rule 23: 70.

[797] [] Morals, Rule 24: 70.

[798] [] Morals, Rule 25: 70.

[799] [] Morals, Rule 27: 70.

[800] [] Morals, Rule 28: 70.

[801] [] Morals, Rule 13: 80.

[802] [] Morals, Rule 14: 80.

[803] [] Morals, Rule 15: 80.

[804] [] Morals, Rule 16: 80.

[805] [] Morals, Rule 17: 80.

[806] [] Morals, Rule 18: 80.

[807] [] Morals, Rule 19: 80.

[808] [] Morals, Rule 20: 80.

[809] [] Morals, Rule 21: 80.

[810] [] Letter to Athanasius, 29: 69.

[811] [] Pangegyric 30: 41.

[812] [] Cf. Hartman, D. (2017). Lies Pastors Believe: 7 Ways to Elevate Yourself, Subvert the Gospel, and Undermine the Church. Bellingham, WA: Lexham Press.

[813] [] On Renunciation of the World, (Frs. Of the Churchm volume 9, p, 30 - 31).

[814] [] St. Augustine Sermon 1: 340.

[815] [] John Chrysostom, “Hell Took a Body and Discovered God,”.http://www.christianitytoday.com/ct/2000/aprilweb-onty/13.0b.htm1..

[816] [] Hartman, D. (2017). Lies Pastors Believe: 7 Ways to Elevate Yonrself؛ , Subvert the Gospel, and.Undermine the Church (pp. 20 – 22). Bellingham, WA: Lexham Pressp. 20 - 22.

[817] [] In 2 Cor. , homily 8: 2; De incomprensibili 6: 3; Deprophetarum obscuritaite, homily 5: 2, In Ephes. Homily 5: 3, in John, homily 4: 78.

[818] [] Jn 2 Tim, honily 2: 2 - 3, Jo. Homily 4: 87, Jo homily 4: 87.

[819] [] Jn math, hamily 6: 26; 6: 76; De Virginitate, 24.

[820] [] PG. 225: 32C - 228A.منشورات دير مار ميخائيل – نهر بسكنيتا الراهب غريغوريوس (إسطفان): سرّ الكهنوت، 2012، ص189.

[821] [] PG. 228: 32 A.منشورات دير مار ميخائيل – نهر بسكنيتا الراهب غريغوريوس (إسطفان): سر الكهنوت، 2012، ص88.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الفصل الحادي والعشرون سرّ الزواج

حول الخطوط الرئيسية لليتورجيا القبطية()

فهرس المحتويات
فهرس المحتويات

المحتويات