اَلأَصْحَاحُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ – سفر أخبار الأيام الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي

هذا الفصل هو جزء من كتاب: 14- تفسير سفر أخبار الأيام الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

اَلأَصْحَاحُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ

تجليس يوآش بن أخزيا ملكًا.

واغتيال عثليا.

وردت هذه القصة في 2 مل 11: 4 الخ.

تم إصلاح النظام الملكي وعودة بيت داود إلى العرش في داخل الهيكل الذي بناه سليمان بن داود، حتى يتمكَّن السبط الكهنوتي أن يخدم الله. التاريخ الحقيقي هو في بيت العبادة.

ارتبطت رئاسة الكهنوت المُمَثَّلة في يهوياداع ارتباطًا وثيقًا بالمملكة. هذا الارتباط واضح جدًا في أخبار الأيام على الرغم من أن المملكة والكهنوت لا يُمنحان كليهما لشخصٍ واحدٍ، إنما في شخص المسيح وحده الذي هو ملك الملوك ورئيس الكهنة السماوي. قيل عنه: "يكون كاهنًا على كرسيه" (زك 6: 13).

1. يهوياداع يُعِد الشعب لاستقبال يوآش 1 - 10.

2. يهوياداع يُظهر الملك أمام الشعب 11.

3. قتل عثليا مغتصبةِ العرش 12 - 15.

4. إصلاحات الملك 16 - 21.

الأعداد 1-10

1. يهوياداع يُعِد الشعب لاستقبال يوآش

وَفِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ تَشَدَّدَ يَهُويَادَاعُ،.

وَأَخَذَ مَعَهُ فِي الْعَهْدِ رُؤَسَاءَ الْمِئَاتِ:

عَزَرْيَا بْنَ يَرُوحَامَ وَإِسْمَاعِيلَ بْنَ يَهُوحَانَانَ وَعَزَرْيَا بْنَ عُوبِيدَ.

وَمَعْسِيَّا بْنَ عَدَايَا وَأَلِيشَافَاطَ بْنَ زِكْرِي [1].

لم يذكر سفر الملوك أسماء هؤلاء الرؤساء المئات. إنما ذكر وجود حراسات ملكية في خمسة أقسام (2 مل 11: 4 - 8). كان رؤساء المئات الخمسة من قوة الحرس الملكي، وكانوا مستاءين من عثليا واتجاهاتها العدائية لبيت الرب ولنسل داود، وغالبًا ما كانوا في ودٍ مع يهوياداع الكاهن.

شخصية الكاهن يهوياداع.

يُعتبَر يهوياداع كاهنًا مثاليًا يخدم لا لحساب نفسه أو الناس إنما لمجد الله؛ يليق بنا أن نقتدي به في أمورٍ كثيرة.

أ. كان ذا حكمة وتدبير صالح وحياة مقدسة، فقد حفظ الأمير الصغير لعدة أعوام حتى أصبح قادرًا على الظهور أمام الشعب والقادة الصالحين الذين سئموا تصرفات الملكة المغتصبة للعرش. خَطَّط يهوياداع لهذا العمل ونَفَّذَه في سِرِّيةٍ عجيبةٍ وبسرعةٍ، بلا تراخٍ.

  • قَدَّم ثلاث سمات للكرازة بالكلمة: غيرة متقدة مغامرة، ونفس مستعدة لاحتمال أية مخاطر مُحتَمَل حدوثها، ومعرفة وحكمة مرتبطان معًا. فإن حُبَّه للمغامرة في كرازته، وفي حياته التي بلا لومٍ ما كانت تنفعه في شيء لو لم يتقبَّلْ قوة الروح. تطلع إليه إذ تظهر فيه هو أولاً، أو بالأحرى اسمع كلماته: "لئلا تُلام خدمتنا" [224].
  • يليق بالكاهن أن يتلألأ، فيضئ بسيرته الحسنة علي جميع الناس ليقتدوا بمثاله. أما إذا تحوَّل هذا النور إلى ظلام، فماذا يحل بالعالم؟! أما يصير خرابًا؟ [225].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

ب. إنسان الله، يشعر أن الله قد دعاه لهذا العمل، ويرافقه في عمله، وبدونه لا يستطيع أن يمارس عمله الكهنوتي.

  • من هو الطاهر وبدون زيف قدام الله، حتى يلبس النار، ويقوم ويخدم اللهيب؟

أي ترابي الْتَهَبَ بلاهوتك حتى يقدر أن يمسك ذلك اللهيب الذي لا يُدرَك؟

من تنقَّى من قذارة العالم البغيض، وقام بدرجة عظيمة المجد حتى يكهن؟

لو كان أحد ساروفَ ناريًا، لن يقدر أن يكهن ذبائح مصاف الرسل الكاملة[226].

القديس مار يعقوب السروجي.

ج. رجل ذو نفوذ، جذَّاب، انضم إليه القوّاد، وخضع له اللاويون ورؤوس آباء إسرائيل عندما دعاهم إلى أورشليم [2]. كإنسانٍ حكيمٍ ومحبٍ وأُعطي سلطانًا من الله، يسمعون له في هدوءٍ (جا 9: 17).

  • كملكٍ أرسلهم حكامًا، معطيًا إياهم سلطانًا أن يُلقوا في السجن أو أن يُخرجوا منه، هكذا إذ أرسلهم قلَّدهم ذات السلطان[227].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

د. رجل إيمان عظيم، لم يكن الذين حوله يُحَرِّكونه، بل تقوده كلمة الله، يطلب أن يعمل حسب إرادة الله [3]. يعمل لا ليمَّلك ابن الملك الصغير لمقاومة عثليا، وإنما "كما تكلم الرب" [3].

  • إنها لدينونة عنيفة يسقط تحتها من يُعَلِّمون. هذا ما يظهره تلميذ المسيح القائل: "لا تكونوا مُعَلِّمين كثيرين يا إخوتي، عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم" (يع 3: 1). فإن عطيَّة المواهب الروحيَّة وفيرة للذين هم رؤساء الشعب، إذ يكتب الحكيم بولس إلي الطوباوي تيموثاوس: "فليُعطك الرب فهمًا في كل شيء" (2 تى 2: 7)، "لا تُهمِلْ أيضًا موهبة الله التي فيك بوضع يديّ" (راجع 2 تى 1: 6). من هذا يظهر أن مُخَلِّص الكل إذ يعطيهم أكثر يطالبهم أكثر.

ما هي الفضائل التي يطالبهم بها؟ الثبات في الإيمان، والتعليم الصحيح، والتأسيس حسنًا في الرجاء، والصبر بلا زعزعة، والقوَّة الروحيَّة التي لا تُغلَب، والفرح والشجاعة في كل تقدُّم حسن. بهذا نصير قدوة للآخرين في الحياة الإنجيلية. فإن عشنا هكذا يمنحنا المسيح الإكليل، الذي به ومعه السُبْح والسلطان للآب والروح القدس إلي أبد الأبد آمين[228].

القدِّيس كيرلس الكبير.

هـ. رجل عبادة، لا لتنفيذ الطقوس بلا فهمٍ، إنما يطلب الله به وفيه. يجد في الله شبعه.

القديس جيروم.

و. ذو إرادة قوية وتصميم عجيب. عَرَّض نفسه للقتل، لكنه عمل بروح القوة بغير خوفٍ.

  • ذاك الذي هذَّب رغباته ودرَّب نفسه على الاحتمال، ونما إلى حالة كمال المعرفة يكون مساويًا للملائكة!

لقد استنار فعلاً وصار مُضِيئًا كالشمس في ممارسة اللطف، مُسرِعًا بمعرفة مملوءة بِرًا إلى المسكن المُقدَّس خلال حُبِّ الله كما فعل الرسل. فإن هؤلاء الرسل لم يصيروا رسلاً لاختيارهم للرسوليّة بسبب امتياز في طبيعتهم، إذ كان يهوذا أيضًا مختارًا من بينهم، لكنهم كانوا قادرين أن يكونوا رسلاً (أن يمارسوا الحياة الرسوليّة المستنيرة)... فيروا أمورًا غير محدودة. متياس لم يكن مختارًا بينهم، لكنه أظهر نفسه مستحقًا أن يكون رسولاً عوضًا عن يهوذًا.

الآن أيضًا، الذي يُدَرِّب نفسه على وصايا الرب، ويعيش بالكمال بمعرفة حسب الإنجيل، يحسب في جسد الرسل المختارين. مثل هذا يكون بحق كاهنًا للكنيسة، وخادمًا (شماسًا) حقيقيًا لإرادة الله، مادام يعمل ويُعَلِّم حسب الرب، وليس مُجرَّد أنه سيم من أناس، فهو لا يُحسب بارًا لمُجرَّد كونه كاهنًا، وإنما صار في الكهنوت لأنه بار. فإنه حتى وإن لم ينل هنا على الأرض كرامة الكرسي الأعظم، لكنه سيجلس (مع) الأربعة وعشرين عرشًا، يدين الناس، كما قال يوحنا في سفر الرؤيا[230].

القديس إكليمنضس السكندري.

وَجَالُوا فِي يَهُوذَا، وَجَمَعُوا اللاَّوِيِّينَ مِنْ جَمِيعِ مُدُنِ يَهُوذَا،.

وَرُؤُوسَ آبَاءِ إِسْرَائِيلَ، وَجَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. [2].

حرص يهوياداع على دعوة القيادات العسكرية مع المدنية والدينية للقيام بالثورة ضد عثليا، والمناداة بيوآش ملكًا، فقد تحرَّك رؤساء المئات وجمعوا القيادات الدينية (اللاويين) والسياسية (رؤوس آباء إسرائيل) ليجتمع الكل معًا في أورشليم.

يقصد بإسرائيل هنا مملكة يهوذا التي كانت تضم يهوذا وبنيامين والأتقياء من الأسباط الأخرى، وقد تركوا مملكة الشمال وانضموا إلى مملكة الجنوب.

لم يستدعِ يهوياداع الكاهن رؤساء الأسباط الذين في مملكة الشمال، لأنهم لا يُؤتَمَنون على أمرٍ كهذا، وقد تركوا الهيكل وقبول حصر الملوك في نسل داود.

يحتمل أن ما حدث كان في فترة الاحتفال بأحد الأعياد الكبرى السنوية، حيث كان اليهود يجتمعون في أورشليم. بهذا لم تشعر عثليا بوجود مؤامرة مُدَبَّرة ضدها.

وَقَطَعَ كُلُّ الْمَجْمَعِ عَهْدًا فِي بَيْتِ الله مَعَ الْمَلِكِ.

وَقَالَ لَهُمْ: هُوَذَا ابْنُ الْمَلِكِ يَمْلِكُ، كَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ عَنْ بَنِي دَاوُدَ. [3].

قصد بكل المجمع هنا القيادات السابق ذكرها في العبارة السابقة.

هَذَا هُوَ الأَمْرُ الَّذِي تَعْمَلُونَهُ.

الثُّلْثُ مِنْكُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ فِي السَّبْتِ مِنَ الْكَهَنَةِ،.

وَاللاَّوِيِّينَ يَكُونُونَ بَوَّابِينَ لِلأَبْوَابِ [4].

إن كان يهوياداع في حكمته ورغبته في العمل الجماعي، قد جمع القيادات العسكرية والدينية والمدنية، ليشعر الكل أن العمل خاص بالجميع وليس بفئةٍ معينةٍ، غير أنه حرص على التفاف الكهنة واللاويين حَوْلَ الملك، ومراعاة الشريعة بخصوص الاحتفال في الهيكل.

"هذا هو الأمر الذي تعملونه": يصف هنا التنظيم الخاص بالدفاع عن هذه الثورة ضد عثليا وتنصيب يوآش ملكًا، فقد قسَّم القائمين بالحراسة إلى ثلاث مجموعات: قسم لحراسة الملك أينما وجد [7]، وقسمان يقومان بحراسة كل الأبواب ومداخل بيت الرب وبيت الملك.

وَالثُّلْثُ فِي بَيْتِ الْمَلِكِ،.

وَالثُّلْثُ فِي بَابِ الأَسَاسِ،.

وَجَمِيعُ الشَّعْبِ فِي دِيَارِ بَيْتِ الرَّبِّ. [5].

وَلاَ يَدْخُلْ بَيْتَ الرَّبِّ إِلاَّ الْكَهَنَةُ وَالَّذِينَ يَخْدِمُونَ مِنَ اللاَّوِيِّينَ،.

فَهُمْ يَدْخُلُونَ لأَنَّهُمْ مُقَدَّسُونَ،.

وَكُلُّ الشَّعْبِ يَحْرُسُونَ حِرَاسَةَ الرَّبِّ. [6].

وَيُحِيطُ اللاَّوِيُّونَ بِالْمَلِكِ مُسْتَدِيرِينَ كُلُّ وَاحِدٍ سِلاَحُهُ بِيَدِهِ.

وَالَّذِي يَدْخُلُ الْبَيْتَ يُقْتَلُ.

وَكُونُوا مَعَ الْمَلِكِ فِي دُخُولِهِ وَفِي خُرُوجِهِ. [7].

غالبًا ما خشي يهوياداع من هجوم كهنة البعل على الملك داخل الهيكل، لذلك حمل اللاويون المحيطون بالملك السلاح لمنعهم من الدخول.

فَعَمِلَ اللاَّوِيُّونَ وَكُلُّ يَهُوذَا حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ يَهُويَادَاعُ الْكَاهِنُ.

وَأَخَذُوا كُلُّ وَاحِدٍ رِجَالَهُ الدَّاخِلِينَ فِي السَّبْتِ مَعَ الْخَارِجِينَ فِي السَّبْتِ،.

لأَنَّ يَهُويَادَاعَ الْكَاهِنَ لَمْ يَصْرِفِ الْفِرَقَ. [8].

كان الكهنة واللاويون مُقسَّمين إلى فرق، كل فرقة تقوم بنوبتها، وتنصرف لتحل فرقة أخرى مكانها. أما في هذا الحدث فاعتبر يهوياداع أن جميع الفرق في حالة طوارئ، فلم يسمح لها أن تنصرف حتى يتم الاحتفال، ويطمئن أن الجو في المدينة كلها يسوده الهدوء والسلام.

وَأَعْطَى يَهُويَادَاعُ الْكَاهِنُ رُؤَسَاءَ الْمِئَاتِ الْحِرَابَ وَالْمَجَانَّ،.

وَالأَتْرَاسَ الَّتِي لِلْمَلِكِ دَاوُدَ الَّتِي فِي بَيْتِ الله. [9].

وَأَوْقَفَ جَمِيعَ الشَّعْبِ وَكُلُّ وَاحِدٍ سِلاَحُهُ بِيَدِهِ،.

مِنْ جَانِبِ الْبَيْتِ الأَيْمَنِ إِلَى جَانِبِ الْبَيْتِ الأَيْسَرِ،.

حَوْلَ الْمَذْبَحِ وَالْبَيْتِ حَوْلَ الْمَلِكِ مُسْتَدِيرِينَ. [10].

العدد 11

2. يهوياداع يُظهِر الملك أمام الشعب

ثُمَّ أَخْرَجُوا ابْنَ الْمَلِك، ِ.

وَوَضَعُوا عَلَيْهِ التَّاجَ،.

وَأَعْطُوهُ الشَّهَادَةَ وَمَلَّكُوهُ.

وَمَسَحَهُ يَهُويَادَاعُ وَبَنُوهُ،.

وَقَالُوا: لِيَحْيَ الْمَلِكُ! [11].

كم كان فرح الشعب وهو يرى الطفل الصغير، ابن داود يقف على المنبر. لقد تَحَطَّم اليأس الذي حَلَّ بالأكثرين، فركضوا فرحين ليروا ما لم يكن يتوقعونه.

جاء في الترجوم: "وجاءوا بابن الملك، ووضعوا عليه التاج الملكي الذي أخذه داود من رأس ملك بني عمون. وقد رُصِّع بحجرٍ كريم جذَّاب، وقد نُقِشَ عليه ما يُعبِّر عن عظمة اسم" يهوه "وكرامته، هذا الذي وضعه عليه بالروح القدس. وكان يزن وزنة ذهب. وكان ذلك شهادة لبيت داود، وأنه لا يقدر لملكٍ ليس من بيت داود أن يحتمل وزنه. وعندما رأى الشعب أنه قد وضع على رأس يوآش، وأنه احتمل هذا التاج، صدَّقوا أنه من نسل داود، وللحال نصَّبوه ملكًا. عندئذ مسحه يهوياداع وأبناؤه، وقالوا:" ليزدهر الملك في مملكته! ".

عندما قتل داود جليات أخذ الإكليل الذي على رأسه والسوار الذي على ذراعه، وقَدَّمهما للملك شاول (2 صم 1: 10). أما الشهادة التي أُعطِيت للملك، فيقال إنها درج مكتوب عليه الشريعة (تث 17: 18)، يوضع في يدي الملك الذي يمسك بصولجان المُلك.

كان الملك يستلم هذا الدرج بيديه ويضعه فوق رأسه قبل أن يقرأه، علامة خضوعه لما في الدرج وتكريمه لما ورد فيه.

الأعداد 12-15

3. قتل عثليا مغتصبةِ العرش

وَلَمَّا سَمِعَتْ عَثَلْيَا صَوْتَ الشَّعْبِ يَرْكُضُونَ وَيَمْدَحُونَ الْمَلِكَ،.

دَخَلَتْ إِلَى الشَّعْبِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ. [12].

تجاسرت الملكة عثليا ودخلت الهيكل، إذ ظنَّت أن نفوذها لا يصدّه شيء ما.

وَنَظَرَتْ وَإِذَا الْمَلِكُ وَاقِفٌ عَلَى مِنْبَرِهِ فِي الْمَدْخَلِ،.

وَالرُّؤَسَاءُ وَالأَبْوَاقُ عِنْدَ الْمَلِكِ،.

وَكُلُّ شَعْبِ الأَرْضِ يَفْرَحُونَ وَيَنْفُخُونَ بِالأَبْوَاقِ،.

وَالْمُغَنُّونَ بِآلاَتِ الْغِنَاءِ وَالْمُعَلِّمُونَ التَّسْبِيحَ.

فَشَقَّتْ عَثَلْيَا ثِيَابَهَا وَقَالَتْ: خِيَانَةٌ! خِيَانَةٌ! [13].

كان الملك على منبره في دار الشعب مُقابِل الكهنة، فقد أُحضر الملك الصغير من الداخل إلى دار الشعب. يرى البعض أن الملك كان على المنصة النحاسية التي لسليمان، موضوعة بجوار المنبر (العمود).

لم تكن عثليا تظن أن أحدًا من بيت داود قد نجا من المذبحة التي ارتكبتها. فجْأة رأت ما لم يكن في حسبانها، فصرخت: "خيانة! خيانة!".

يليق بالأبرار ألا يشمتوا في الأشرار عند هلاكهم، فإنهم يحملون إرادة أبيهم أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يُقْبِلُون (1 تي 2: 4)، لكنهم يفرحون بإبادة سلطان الشر والظلم حتى لا يتعثَّر الضعفاء، كما يُسَرُّون بمجد الله الذي لا يَقْبَل الفساد.

يجد الأبرار الفرصة للكشف عن بطلان الشر وضعفه وعدم ديمومته، وسخافة حكمة الأشرار ومكرهم وخبثهم. يُسَرُّ الأبرار بانهيار إبليس ومملكته، وبدمار الخطية لا الخاطي. فإن البار لا يعرف إلا الحب حتى بالنسبة للخطاة.

  • "يرى الأبرار ذلك فيبتهجون، ويضحك الأبرياء عليهم ساخرين" [19]. إذ يرى الأبرار الأشرار يخطئون هنا، لا يُسَرُّون بخطأ أناس يهلكون أنفسهم. فإنهم إن كانوا يسرون بالخطأ لا يُحسَبون بعد أبرارًا...

لقد فقد الفريسي برَّه لأنه سُرّ، حاسبًا نفسه أسمى من العشار، قائلاً: "أشكرك إني لست مثل باقي الناس الخاطفين، الظالمين، الزناة، ولا مثل هذا العشار" (لو 18: 11).

مرة أخرى إن قلنا إن البار يمكن أن ينتصر بفرحٍ كامل لموت الأشرار، أي نوع هو هذا الفرح من أجل الانتقام من الأشرار في هذا العالم، الذي فيه حياة البار غير أكيدة؟

لنُمَيِّز بين الأزمنة التي للرعب والتي للمجد. فالأبرار يرون الأشرار الآن، ويصيرون في هزالٍ من أجل شرورهم. وعندما يرونهم يُضرَبون، لا يثقون في حياتهم هم أيضًا... الآن يرى الأبرار أبناء الهلاك ويئنون، وفي الدينونة النهائية يرونهم ويضحكون ساخرين.

البابا غريغوريوس (الكبير).

فَأَخْرَجَ يَهُويَادَاعُ الْكَاهِنُ رُؤَسَاءَ الْمِئَاتِ الْمُوَكَّلِينَ عَلَى الْجَيْشِ، وَقَالَ لَهُمْ:

أَخْرِجُوهَا إِلَى خَارِجِ الصُّفُوفِ،.

وَالَّذِي يَتَّبِعُهَا يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ.

لأَنَّ الْكَاهِنَ قَالَ: لاَ تَقْتُلُوهَا فِي بَيْتِ الرَّبِّ. [14].

بحكمةٍ أخذ يهوياداع كل حيطة ألا تقتل المرأة الشريرة في بيت الرب، فالموضع مُقَدَّس، ويلزم ألا يلحق به عار. وفي نفس الوقت يجب ألا تُترَك الملكة الطاغية، لئلا تغتال الملك الصغير، لذلك طلب قتل من يتبعها، رافضا إقامة يوآش ملكًا.

فَأَلْقُوا عَلَيْهَا الأَيَادِيَ.

وَلَمَّا أَتَتْ إِلَى مَدْخَلِ بَابِ الْخَيْلِ إِلَى بَيْتِ الْمَلِكِ قَتَلُوهَا هُنَاكَ. [15].

  • أولئك الذين يرضون بالإثم لا يكون لهم نصيب بين الخالدين[231].

القديس أنطونيوس الكبير.

  • "محوت اسمهم إلى الدهر والأبد" (مز 9: 5). إنك تُدَمِّرهم تمامًا، تستأصلهم من أصولهم، وتمحوهم، فتختفي ذكراهم أيضًا... "باد ذكرهم بتحطيم" "(أي 18: 18). وفى نص آخر" باد ذكرهم معهم ". ماذا يعني بقوله:" بتحطيم "؟ إنه يتحدث عن تدميرٍ تامٍ، أو عن بشاعة الشرور. وهذه في الواقع علامة عناية الله، أنه لا يُفعل هذا سرًا، حتى يُصلِحَ من حال الناس خلال مصائب الآخرين. لذلك يشير إلى شهوة الدمار الذي يحلُّ بهم[232].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

  • هذا التبن لا يُهلِك من هم حنطة الرب، والذين هم قليلون إن قورنوا بالآخرين، لكنهم هم جمع عظيم. لا يهلك مختارو الله الذين يُجمَعون من أقاصي العالم، من أربعة رياح، من أقصى السماء إلى أقصاها (مت 24: 31). يصرخ المختارون قائلين: "خَلِّص يا رب، لأنه قد انقرض التقي، لأنه قد انقطع الأمناء من بني البشر" (مز 12: 1). فيقول لهم الرب: "من يصبر إلى المنتهى (حيث يُقيد الشرّ) فهذا يَخلُص" (مت 24: 13) [233].
  • ارتجَّت الأرض وارتعشت "(مز 18: 7). عندما تمجَّد ابن الإنسان هكذا ارتج الخطاة وارتعشوا." أسس الجبال ارتعدت "(مز 18: 7)، فإن رجاء المتكبرين الذين كانوا في هذه الحياة قد ارتعد." وارتجت لأنه غضب ". هذا هو الرجاء في البركات الزمنية، لم يعد بعد متأسسًا في قلوب الناس[234].

القديس أغسطينوس.

  • "ذابت الجبال مثل الشمع" (مز 97: 5). بالنسبة لي تبدو الجبال أنها قوات الشياطين. سواء كانوا جبالاً أو لا يكونون، فهم بالتأكيد الناس المتكبرون.

هذه النار لا تهلك الذين في الأسفل (المتواضعين)، وإنما تهلك المتشامخين وحدهم.

كحقيقة واقعة فإن البرق نادرًا ما يؤثر على الذين هم في الوادي، وإنما لن ينجو منه أولئك الذين في الأعالي على الجبال.

القديس جيروم.

يرى يوسيفوس أنها قُتِلَتْ عند باب البغال، جنوب شرقي الهيكل، بالقُرْبِ من باب الخيل في وادي قدرون، كان في ذلك الوقت يُحسَب مكانًا دنسًا[235].

الأعداد 16-21

4. إصلاحات الملك

فَقَطَعَ يَهُويَادَاعُ عَهْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلِّ الشَّعْبِ وَبَيْنَ الْمَلِكِ،.

أَنْ يَكُونُوا شَعْبًا لِلرَّبِّ. [16].

حرص يهوياداع على بدء الإصلاح بتجديد العهد مع الله. لقد قطع عهدًا بينه كممثل لله والشعب والملك بعد أن أفسدت عثليا العبادة لله، وبذلت كل جهدها أن تستبدل عبادة الله بعبادة الأوثان.

عهد ثلاثي: حرص الكاهن أن يُجَدِّدَ الميثاق بين الرب والملك، وبين الله والشعب، وبين الملك والشعب (2 مل 11: 17). أما غاية هذا التجديد للعهد، فهو الحرص أن يكون الشعب "شعب الرب"، فلا يطلب الملك ولا الكاهن ولا الشعب مجدًا لأنفسهم بل للرب.

وَدَخَلَ جَمِيعُ الشَّعْبِ إِلَى بَيْتِ الْبَعْلِ وَهَدَمُوهُ،.

وَكَسَّرُوا مَذَابِحَهُ وَتَمَاثِيلَهُ،.

وَقَتَلُوا مَتَّانَ كَاهِنَ الْبَعْلِ أَمَامَ الْمَذْبَحِ. [17].

أفظع ما فعلته عثليا هو السير في طريق أمها الشريرة إيزابل، وإدخال عبادة البعل وتعضيدها.

طالبت الشريعة بقتل كهنة الأوثان، لأنهم يغوون الشعب على العبادة الوثنية ورجاساتها (تث 7: 5 - 6).

متان Mattan: غالبًا كان أول كاهن للبعل، جاء مرافقا عثليا من السامرة، وهو الذي كان مُقَرَّبًا ليربعام في نشر عبادة البعل بأورشليم، دعاه يوسيفوس معثان[236].

وَجَعَلَ يَهُويَادَاعُ حُرَّاسًا عَلَى بَيْتِ الرَّبِّ عَنْ يَدِ الْكَهَنَةِ اللاَّوِيِّينَ،.

الَّذِينَ قَسَمَهُمْ دَاوُدُ عَلَى بَيْتِ الرَّبِّ،.

لإِصْعَادِ مُحْرَقَاتِ الرَّبِّ.

كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى بِالْفَرَحِ وَالْغِنَاءِ حَسَبَ أَمْرِ دَاوُدَ. [18].

أُهمِلَ الهيكل في أيام الملوك الأشرار، وحدث مزجٌ بين عبادة الله وعبادة الأوثان، وفسد نظام الهيكل، لذلك قام يهوياداع رئيس الكهنة بالآتي:

1. عيَّن الكهنة لإصعاد المحرقات كما هو مكتوب في شريعة موسى.

2. عيَّن المُسَبِّحين حسب ترتيب داود النبي والملك، إذ ارتبطت العبادة بالفرح (رو 5: 11).

3. أقام حُرَّاس الأبواب حسب ما أمر داود [19]، كي لا يدخل الهيكل من كان نجسًا.

وَأَوْقَفَ الْبَوَّابِينَ عَلَى أَبْوَابِ بَيْتِ الرَّبِّ،.

لِئَلاَّ يَدْخُلَ نَجِسٌ فِي أَمْرٍ مَا. [19].

وَأَخَذَ رُؤَسَاءَ الْمِئَاتِ وَالْعُظَمَاءَ وَالْمُتَسَلِّطِينَ عَلَى الشَّعْبِ، وَكُلَّ شَعْبِ الأَرْضِ،.

وَأَنْزَلَ الْمَلِكَ مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ،.

وَدَخَلُوا مِنْ وَسَطِ الْبَابِ الأَعْلَى إِلَى بَيْتِ الْمَلِكِ،.

وَأَجْلَسُوا الْمَلِكَ عَلَى كُرْسِيِّ الْمَمْلَكَةِ. [20].

فَفَرِحَ كُلُّ شَعْبِ الأَرْضِ، وَاسْتَرَاحَتِ الْمَدِينَةُ،.

وَقَتَلُوا عَثَلْيَا بِالسَّيْفِ. [21].

ما يلاحظ في كل هذه الإصلاحات سيادة روح الفرح الحقيقي مع السلام الداخلي. هكذا عندما يملك ابن داود على القلب لا يفارقنا فرح الروح، وننعم بعربون السماء!

من وحي 2 أي 23.

لتملُك في قلبي، وتقتل كل شر فيه!

وقتلت كل وريث للعرش.

بطغيانها صارت تُحَرِّك القيادات كقطع الشطرنج.

ظَنَّت أنه لا يوجد إله تخشاه!

  • وجدت في عبادة البعل ملذاتها،.

وأقامت نفسها إلهة، لا يستطيع أن يقف أمامها أحد.

استهانت بكل وعودك لبيت داود.

خططت وظَنَّت أنه يستحيل أن يكون لبيت داود موضع على العرش.

  • عنايتك عجيبة، وتدابيرك حكيمة.

حَرَّكتَ كاهنك يهوياداع وزوجته لحفظ طفلٍ بدا كأنه منسي.

وحان الوقت ليجلس على كرسي العرش.

بفرحٍ تحرَّكت القيادات العسكرية والدينية والمدنية.

قُتِلَت عثليا عند باب البغال،.

وقُتِلَ معها كاهن البعل متان.

  • تجسدت يا كلمة الله وصرتَ طفلاً،.

أَرعبتَ إبليس وكل قواته.

تتربَّع على قلوب البشر،.

وتُقِيم ملكوتك فيهم داخليًا.

تُحوِّل الترابيين إلى شِبْه سمائيين.

وتضم البشر إلى الخورُس السماوي.

لك المجد يا مُخَلِّص البشرية.


[224] In Ephes. , hom. 6.

[225] الحب الرعوي، ص 178.

[226] الميمر 70 على تعزية الكهنة (راجع نص بول بيجان ترجمة الدكتور بهنام سوني).

[227] Homilies on , 86: 3.

[228] In Luc Ser 93.

[229] Letter 14: 6.

[230] Strom. 6: 13.

[231] الفيلوكاليا: 170 نصًا عن حياة القداسة، 13.

[232] On, Ps. 9.

[233] Ep. 93: 33.

[234] On Ps. 18.

[235] Jamieson , Fausset and Brown commentary.

[236] Josephus: Antiq. 9: 7: 3; McClintock & Strong's Cyclopedia, article Mattan.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

اَلأَصْحَاحُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ - سفر أخبار الأيام الثاني - القمص تادرس يعقوب ملطي

اَلأَصْحَاحُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ - سفر أخبار الأيام الثاني - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفاسير أخبار الأيام الثاني الأصحاح 23
تفاسير أخبار الأيام الثاني الأصحاح 23