الأصحاح الأول – تفسير رسالة تيموثاوس الثانية – القمص أنطونيوس فكري

المقدمة

  • هذه الرسالة هي آخر ما كتبه بولس الرسول من سجنه الأخير في روما وقبل استشهاده مباشرة. قدم فيها كل ما في قلبه إلي تلميذه الحبيب تيموثاوس، ربما شعر بأنه لن يراه ثانية، فكتب له هذه الرسالة. وكان تيموثاوس أحب تلميذ لقلب بولس الرسول.
  • ارسلها إلى تلميذه تيموثاوس الذي كان أسقفاً علي أفسس.
  • الأضاليل التى طالب القديس تيموثاوس بمقاومتها هى بعينها المذكورة في الرسالة الأولى، فهؤلاء الهراطقة ما زالوا في أفسس.
  • كتبها الرسول حوالي سنة 67 أو 68 وكان استشهاده سنة 68م. وكان بولس في سجن روما. وقد سجن بولس في روما مرتين أيام نيرون، المرة الأولي سنة 63 ثم أطلق سراحه، أما هذه المرة فإستشهد فيها.
  • في سجنه الأول كان يتوقع إطلاق سراحه (في 1: 24) + (فى 2: 24) + (فل 22). أما هنا في سجنه الثاني فتوقع هو أن يستشهد (2 تي 4: 6).
  • طلب الرسول هنا من تيموثاوس أن يحضر ومعه مارمرقس ليلتقي معهم في السجن قبل إستشهاده. ولكنه خشي أن يستشهد قبل وصولهما لهذا قدم في هذه الرسالة وصايا أبوية وداعية، يؤكد فيها ضرورة الجهاد بروح القوة لا بروح اليأس، من أجل الحفاظ علي الإيمان المستقيم ومقاومة الهرطقات بحزم مع وداعة ومحبة.
  • لأن الكنيسة مقبلة علي عصر استشهاد، شجع الرسول الكنيسة علي إحتمال الألم بغير تذمر أو شك. كما يكرر عبارة لا تخجل، فالضيق لا يقيد كلمة الإنجيل، بل يسند الكثيرين للعمل بلا خجل من صليب ربنا يسوع.
  • هى رسالة يقدمها خادم منتصر يودع عالماً مملوءاً بالضيق، ويعلن إتمام جهاده وحفظه للوديعة الإيمانية حتي النفس الأخير منتظراً الإكليل الأبدي.

* بولس يكتب لتيموثاوس هذه الرسالة الثانية لأنه وعده في رسالته الأولى أنه سيأتي له "راجياً أن آتى إليك عن قريب" (1تي 3: 4). ولكنه لم يستطع بسبب إلقاء القبض عليه وسجنه في روما. فهو أرسل له هذه الرسالة ليواسيه.

الإصحاح الأول

الأعداد 1-2

الآيات (1 - 2): -

"1بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِمَشِيئَةِ اللهِ، لأَجْلِ وَعْدِ الْحَيَاةِ الَّتِي فِي يَسُوعَ الْمَسِيحِ. 2إِلَى تِيمُوثَاوُسَ الابْنِ الْحَبِيبِ: نِعْمَةٌ وَرَحْمَةٌ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ الآبِ وَالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.".

بُولُسُ يرسل هذه الرسالة لتلميذه تيموثاوس لأنه يعلم أن الراعي تواجهه صعوبات كأمواج البحر ضد المركب (الكنيسة)، وذلك ليقويه فلا يتزعزع، وعلي الخادم أن لا يكل من الصعوبات التي تثور في وجهه واضعاً رجاؤه في المسيح فهو رأس الكنيسة، والمسيح في المركب فلماذا الخوف من الأمواج.

بِمَشِيئَةِ اللهِ = ينسب بولس رسوليته وتكليفه لمشيئة الله، هنا الإشارة لمشيئة الله تتمشى مع روح التسليم الهادئ الذي نتلمسه في متضمنات هذه الرسالة، فالمشيئة الإلهية هي التي إختارته رسولا وقادته في كل خطوة في حياته وهي التي سمحت بسجنه ثم بإستشهاده.

لأَجْلِ وَعْدِ الْحَيَاةِ = بولس قَبِل المسيحية وقَبِل أن يكون رسولاً بالرغم من كل الآلام التي واجهته لأجل وعد الحياة. كأن الرسول يقول أنا أعلم أن هناك ألام واجهتني وإستشهاد ينتظرني، وأقبل هذا لأنني أومن بأن هناك حياة أفضل لمن يثبت وينتصر. وكانت هذه الحياة الأبدية موضوع كرازته، وكانت عينيه مثبتة على هذه الحياة الأبدية كمكافأة طالما إنتظرها. ولأجل هذه الحياة الأبدية نحتمل نحن كل ألم.

الابْنِ الْحَبِيبِ = نجد بولس لا يكبت المشاعر الإنسانية بل يطلقها بطريقة روحية.

الأعداد 3-4

الآيات (3 - 4): -

"3إِنِّي أَشْكُرُ اللهَ الَّذِي أَعْبُدُهُ مِنْ أَجْدَادِي بِضَمِيرٍ طَاهِرٍ، كَمَا أَذْكُرُكَ بِلاَ انْقِطَاعٍ فِي طَلِبَاتِي لَيْلاً وَنَهَارًا 4مُشْتَاقًا أَنْ أَرَاكَ، ذَاكِرًا دُمُوعَكَ لِكَيْ أَمْتَلِئَ فَرَحًا.

أَعْبُدُهُ مِنْ أَجْدَادِي = بولس في نهاية حياته يحلل حياته وأحداثها فيري يد الله فيها، ويري أن الله هيأ له بيئة صالحة يتربي فيها وأن الله رعاه منذ صغره، وربما هو يذكر أجداده إذ شعر بقرب لقائهم فى السماء وها هو يقدم الشكر لله الذى أحس بعمله المستمر معه = أَشْكُرُ اللهَ بِضَمِيرٍ طَاهِرٍ = لقد أضطهد بولس الكنيسة وإفتري عليها، لكنه حتي في ذلك كان ضميره طاهراً. هو كان يبحث عن مجد الله ولكن بجهل. والله أرشده للطريق الصحيح إذ رأي أن ضميره كان طاهراً. والضمير الطاهر يعني أنه بلا غش ولا خداع يعبد الله بلا غرض سوي إبتغاء رضي الله. ولاحظ أن سجن بولس وقرب إنتقاله لم يمنعاه من الصلاة عن أحبائه وأولاده.

كَمَا أَذْكُرُكَ بِلاَ انْقِطَاعٍ فِي طَلِبَاتِي لَيْلاً وَنَهَارًا = هكذا كان المسيح علي صليبه مهتماً بأمه أن يسلمها ليوحنا ليعولها، بل بصالبيه ليغفر الله لهم. الصلاة هى سر قوة الخدمة هنا نري شفاعة الأحياء في الأحياء علامة الحب في قلوبهم لبعضهم البعض وعلامة علي عجز الخادم أن يقدم شيئاً لمخدوميه فيلجأ لله ليعطيهم.

ذَاكِرًا دُمُوعَكَ = ربما في الوداع الأخير شعر تيموثاوس بأنه لن يري معلمه ثانية فبكى، وهذه المحبة كانت تملأ قلب بولس فرحاً وتعزية، فبولس نفسه يحمل مشاعر رقيقة وعواطف محبة لكل الناس.

العدد 5

آية (5): -

"5إِذْ أَتَذَكَّرُ الإِيمَانَ الْعَدِيمَ الرِّيَاءِ الَّذِي فِيكَ، الَّذِي سَكَنَ أَوَّلاً فِي جَدَّتِكَ لَوْئِيسَ وَأُمِّكَ أَفْنِيكِي، وَلكِنِّي مُوقِنٌ أَنَّهُ فِيكَ أَيْضًا.".

المحبة التي أظهرها تيموثاوس لمعلمه كانت دليلاً لبولس أن وراءها إيمان قوي بالمسيح، فهي ليست محبة بشرية عادية بل هي محبة في المسيح. وهذا الإيمان ليس عارضاً بل له جذوره في العائلة، في الجدة وفي الأم. وهذا ما يفرح قلب الرسول، وجود عائلات مقدسة، كنيسة حية يتربي فيها أولاد الله.

العدد 6

آية (6): -

"6فَلِهذَا السَّبَبِ أُذَكِّرُكَ أَنْ تُضْرِمَ أَيْضًا مَوْهِبَةَ اللهِ الَّتِي فِيكَ بِوَضْعِ يَدَيَّ".

قارن آية 5 مع آية 6 فنجد أن تيموثاوس كان فيه إيمان قوي لذلك إختاره الله لنعمة الأسقفية، لكنه عليه أن يضرمها. وبولس هنا يذكره بهذا لئلا تنسيه مشاغل الخدمة حياته الروحية. هو نال موهبة من الله ولكن عليه أن ينميها حتي لا تنطفئ. إذاً حياة النعمة هي عمل مشترك بين الله والإنسان، الله يمنح الموهبة لإنسان مؤهل لها، لكن علي هذا الإنسان أن يحفظها ويصونها وينميها ويغذيها بعد الحصول عليها لئلا يطفئها بإهماله "لا تطفئوا الروح" (1تي5: 19)، وتنمية الموهبة يكون بالعبادة الروحانية الصادقة، ومضاعفة الصلوات والصوم والخلوات الروحية ومحاسبة النفس والتوبة والقراءة والتأملات، ومن يفعل يعطى ويزاد (مت13: 12)، والمعني من عنده عمل أو ثمر فإنه يعطَي مواهب أكثر، ومن ليس عنده عمل أو ثمر فيسحب ما عنده. ولربط ما مضى بهذه الآية نفهم أن الرسول كأنه يقول لتيموثاوس إن كنت تحبني حقيقة.

تُضْرِمَ أَيْضًا مَوْهِبَةَ اللهِ الَّتِي فِيكَ = وموهبة الله هي موهبة الكهنوت هنا لدرجة الأسقفية. ورسامة أسقف تحتاج لوضع يد أكثر من أسقف، وهذا ما حدث مع تيموثاوس (1تي4: 14) ومع بولس (أع13: 2، 3). وعلى كل منا ان يضرم الروح الذى فيه = امتلئوا بالروح (أف5: 18 - 21). وهذه الآيات فيها كيفية الامتلاء. وان لم نفعل نطفئه (1تس5: 19) فالنعمة التى نحصل عليها إما تزداد إن كنا نجاهد، أو تقل وتضمحل إن اهملنا.

العدد 7

آية (7): -

"7لأَنَّ اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ.".

اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ = فمع أن المصاعب شديدة، فهو صغير السن ومعلمه بولس سجين وسيرحل عن العالم، وهناك مقاومين من اليهود والغنوسيين، لكن عليه ألا يخاف، ولا يتهيب فالخدمة هي خدمة الله، والله يعطي لخدامه رُوحَ الْقُوَّةِ إن كانوا لا يتهيبون، ويثقوا أن الله يعطيهم معونة.

رُوحَ الْمَحَبَّةِ = القادرة علي البذل والعطاء.

رُوحَ النُّصْحِ = sound mind على الراعي أن يكون حكيماً وناصحا لرعيته. ومن أين يأتى بالحكمة؟ الروح القدس الذي فينا يعطينا كلنا حكمة ونصح فنعرف الطريق بوضوح وبلا تردد، وتكون القرارات التى نتخذها فى حياتنا قرارات سليمة فهى بإرشاد الروح القدس. ولكن الروح القدس يعطى للأسقف حكمة أكبر ليقود رعيته ويعطي للراعي فهماً وحكمة ونصحاً. الروح ينصح الراعي فينصح الراعي رعيته وتكون قراراته لبناء الكنيسة. فإن كان الله يعطي روح قوة ومحبة بها نشتعل في الخدمة وروح نصح أي عقل سليم به نواجه الهراطقة فلماذا الخوف ولماذا روح الفشل.

العدد 8

آية (8): -

"8فَلاَ تَخْجَلْ بِشَهَادَةِ رَبِّنَا، وَلاَ بِي أَنَا أَسِيرَهُ، بَلِ اشْتَرِكْ فِي احْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ لأَجْلِ الإِنْجِيلِ بِحَسَبِ قُوَّةِ اللهِ".

فَلاَ تَخْجَلْ بِشَهَادَةِ رَبِّنَا = إذا علمنا بمن آمنا وبعظمته وقوته ومحبته لن نخجل أن نشهد له. ولا بى أنا = كان يمكن أن يخجل من بولس لو كان بولس صانع شر.

وَلاَ بِي أَنَا أَسِيرَهُ ولم يقل أسير الرومان، بل المسيح هو الذي سمح بذلك، فهو كرسول للمسيح لا يملك شيئاً في نفسه، بل هو أسير لأجله، لمحبته له وهذا ليس عن ضعف بل هو قبول للصليب، والصليب قوة وليس ضعف. ونلاحظ أن الخجل لا يصدر إلا من الخوف والتهيب. أما من له روح القوة والمحبة والنصح فلا يخشي شيئاً ولا يخجل من شهادة ربنا يسوع المسيح (غل6: 14) وعليه ألا يخجل فقط، بل يشترك في إحتمال المشقات هو أيضاً لأجل المسيح، ويشهد للإنجيل فالصليب ليس ضعف بل بالصليب تمم الله المقاصد الأزلية، فلا نخجل من الصليب، فنحن بآلامنا نكمل نقائص شدائد المسيح في أجسامنا (كو1: 24).

العدد 9

آية (9): -

"9الَّذِي خَلَّصَنَا وَدَعَانَا دَعْوَةً مُقَدَّسَةً، لاَ بِمُقْتَضَى أَعْمَالِنَا، بَلْ بِمُقْتَضَى الْقَصْدِ وَالنِّعْمَةِ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ".

لئلا يظن القارئ أن إحتمال المشقات في ذاته هو ثمن خلاصنا أكد الرسول أننا مدينون في ذلك للمقاصد الإلهية والنعمة المجانية المقررة لنا منذ الأزل. فآلامنا وأعمالنا ليست السبب فى خلاصنا، بل كان هذا قصد الله أزليا وبتدبير الفداء الذى كان قرارا إلهيا أزليا.

الأعداد 10-11

الآيات (10 - 11): -

"10 وَإِنَّمَا أُظْهِرَتِ الآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ. 11الَّذِي جُعِلْتُ أَنَا لَهُ كَارِزًا وَرَسُولاً وَمُعَلِّمًا لِلأُمَمِ.".

لقد ظهرت المراحم الأزلية والتدابير الإلهية معلنة فى المسيح الذي ظهر في ملء الزمان مصلوباً لأجل خلاصنا، وكانت سراً قبل ذلك ومكتومة فى النبوات. فمحبة الله للبشرية كانت أزلية، ومن يحتمل الآن بعض المشقات فإنما يرد الجميل لله الذي سبق وغمره بمحبته ويشترك معه فى ألامه، ثم يشترك معه فى مجده (رو8: 17).

أَبْطَلَ الْمَوْتَ = في اليونانية جعله عديم الفعالية، فالموت الآن هو مجرد إنتقال لأن حياة المسيح التى فينا أبدية، هذا بالنسبة لمن يغلب. فالمسيح أبطل الموت الثاني الذي هو إنفصال عن الله (رؤ2: 11) + (رؤ21: 8 + رؤ20: 6) هذا بأن نزع السم من شوكة الموت لذلك تغني الرسول "أين شوكتك يا موت". فصار الموت يؤلم كعدو، لكنه لا يفصلنى عن الله.

وَأَنَار الْحَيَاةَ = فتح عن بصيرتنا الداخلية للتمتع بالنور والحياة الخالدة ولم يعد الموت بالنسبة للمفديين طريق الظلمة الخارجية إنما فتح المسيح الطريق إلي الفردوس الذي كان مغلقاً في وجه الإنسان. ولأن الرسول أنار الله له طريق الحياة إستهان بالآلام وإشتهي الموت.

العدد 12

آية (12): -

"12لِهذَا السَّبَبِ أَحْتَمِلُ هذِهِ الأُمُورَ أَيْضًا. لكِنَّنِي لَسْتُ أَخْجَلُ، لأَنَّنِي عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ، وَمُوقِنٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ.".

هذه كلمات رسول مفتوح العينين، يعرف من هو الذي يؤمن به ولا يخجل بصليبه، ولا يهاب الموت فهو يري بعينيه الداخليتين إلي أين هو ذاهب.

يَحْفَظَ وَدِيعَتِي = هو مقدم نفسه للإستشهاد شهادة للمسيح وهو واثق أنه يحفظ وديعته أي روحه فلا تهلك، والله قادر أن يحميها وأن يخلصها من كل شر وأن يحفظها للحياة الأبدية إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ = يوم الدينونة ويوم الأبدية (2تي4: 8).

الأعداد 13-14

الآيات (13 - 14): -

"13تَمَسَّكْ بِصُورَةِ الْكَلاَمِ الصَّحِيحِ الَّذِي سَمِعْتَهُ مِنِّي، فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. 14اِحْفَظِ الْوَدِيعَةَ الصَّالِحَةَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ السَّاكِنِ فِينَا.".

تَمَسَّكْ بِصُورَةِ الْكَلاَمِ الصَّحِيحِ = يحثه علي عدم الانحراف عما سلمه له، فِي الإِيمَانِ.

وَالْمَحَبَّةِ = لقد طبع الرسول على قلب تلميذه صورة حية لوديعة الإيمان والمحبة التى عليه أن يتمسك بهما. الإيمان = عليه أن يتمسك بالعقيدة = الكلام الصحيح الذى تسلمه من بولس الرسول ولا يحيد عنه. أما عن المحبة فهى حياة تجاه الله وشعب الله الذى يرعاهم. والمحبة للمسيح تظهر في إحتمال الألم، والمحبة لشعبه تظهر في جهاده لأجلهم.

اِحْفَظِ الْوَدِيعَةَ = وديعة الإيمان السليم المستقيم والتعليم الصحيح الذي تسلمته مني وما دام هو وديعة إذاً هو أمانة في عنقنا نحفظها بلا زيادة ولا نقصان ونسلمها للآتين بعدنا كما تسلمناها (رؤ 22: 18، 19) والوديعة أيضاً هي وديعة النفوس المؤمنة التى سلمها بولس لتيموثاوس وبولس عند موته كان عنده وديعتان:

  1. نفسه وهو يسلمها بين يدي الله.
  2. الإيمان الصحيح ويسلمه ليد تيموثاوس أي الكنيسة عموماً.

بِالرُّوحِ الْقُدُسِ = ليس في قدرة نفس بشرية أن تحفظ أموراً عظيمة كهذه فهناك مؤامرات تدبرها قوات الظلمة. لكن هذا يمكن بالروح القدس. ونحن قد حصلنا كلنا علي الروح القدس في سر الميرون. ومن يضرم الموهبة التي أخذها بدون عناد للروح القدس ينير له الروح طريق الإيمان الحقيقي.

العدد 15

آية (15): -

"15أَنْتَ تَعْلَمُ هذَا أَنَّ جَمِيعَ الَّذِينَ فِي أَسِيَّا ارْتَدُّوا عَنِّي، الَّذِينَ مِنْهُمْ فِيجَلُّسُ وَهَرْمُوجَانِسُ.".

هجر الرسول بعض من تلاميذه وهو فى السجن وكان هذا سبباً فى زيادة آلام هذا الرسول ذو المشاعر الرقيقة.

الَّذِينَ فِي أَسِيَّا = هم من آسيا ولكنهم الآن في روما ولعلهم بعد أن تركوه في سجنه عادوا إلي أَسِيَّا. وآسيا هي مقاطعة في آسيا الصغرى عاصمتها أفسس. ولاحظ أن الرسول لم يلم هؤلاء الذين تخلوا عنه، لكن مدح الذين خدموه وأظهروا نحوه حنواً وطلب أن تحل عليهم البركات.

الأعداد 16-18

الآيات (16 - 18): -

"16لِيُعْطِ الرَّبُّ رَحْمَةً لِبَيْتِ أُنِيسِيفُورُسَ، لأَنَّهُ مِرَارًا كَثِيرَةً أَرَاحَنِي وَلَمْ يَخْجَلْ بِسِلْسِلَتِي، 17بَلْ لَمَّا كَانَ فِي رُومِيَةَ، طَلَبَنِي بِأَوْفَرِ اجْتِهَادٍ فَوَجَدَنِي. 18لِيُعْطِهِ الرَّبُّ أَنْ يَجِدَ رَحْمَةً مِنَ الرَّبِّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ. وَكُلُّ مَا كَانَ يَخْدِمُ فِي أَفَسُسَ أَنْتَ تَعْرِفُهُ جَيِّدًا.".

طلب الرسول رحمة لبيت أنيسيفورس ويري معظم المفسرين أن أنسيفورس كان قد إنتقل من العالم فى ذلك الحين، لذلك يطلب له الرسول أن يجد رحمة لدى الله في يوم الرب العظيم. وقد أخذ هذا النص كمثال للصلاة من أجل الراقدين، فنطلب لهم الراحة لا بمعني أن الصلاة عنهم تسند الأشرار غير التائبين وإنما نطلب عنهم من أجل أي توان أو تفريط سقط فيه المؤمنون. وأيضا صلي الرسول أن يهب الله رحمة لبيته وكان أنيسيفورس قد آمن على يدي بولس في أيقونية وعمل كتاجر في أفسس، وقد أراح الرسول أثناء سجنه، وربما إهتم بتضميد جراحاته أو زاره في السجن معرضاً حياته للخطر. وأيضا ما يثبت أن أنيسيفورس كان قد مات ما جاء في (2تى4: 19).

الصلاة علي الموتي = * أولا الكنيسة تصلى على الموتى طالبة الرحمة لهم وتقتدى بالقديس بولس الرسول فى هذا كما ذكر عاليه. * نحن نصلي لأجل الخطايا التي ليست للموت كما قال معلمنا القديس يوحنا (1يو5: 16، 17). وما قاله القديس يوحنا ينطبق علي الأموات الذين إنتقلوا "فليس موت لعبيدك بل هو إنتقال" "وإله إبراهيم وإسحق ويعقوب إله أحياء وليس إله أموات" (مت22: 32). * وطالما أن القاضي لم يلفظ الحكم بعد. فهناك مجال للشفاعة في الراقدين ممن رقدوا في الإيمان * لكنهم كبشر لا تخلو حياتهم من توان أو تفريط أو خطايا غير مميتة وفي (1يو5: 16، 17) يقول القديس يوحنا * أن الصلاة عن الإخوة تعطي حياة، وهذا يصدق علي الذين لا تؤدي خطاياهم إلي الموت. وغالبا فمعلمنا يوحنا يقصد الصلاة عن الراقدين. فنحن نصلي لجميع الناس حتي ولو كانت خطاياهم تؤدي للموت طالما هم أحياء، لعل الله يعطيهم توبة أما الذين لا فائدة من الصلاة لأجلهم فهم الراقدون الذين ماتوا في غير الإيمان، أو ماتوا بغير توبة، أما الذين ماتوا في الإيمان ولكن لا تخلوا حياتهم من هفوات غير مميتة أي لا تؤدي للموت فالصلاة عنهم والترحم عليهم بعد رقادهم يفيدهم. * خصوصاً أن المسيح له المجد قد قرر أن هناك من الخطايا لا تغفر لا في هذا الدهر ولا الدهر الآتي (مت 12: 31، 32) + (مر 3: 29). مما يتضح معه أن هناك من الخطايا ما يمكن أن يغفر في الحياة الأخرى مثل الخطايا غير المميتة كالسهوات والهفوات. * لذلك فالكنيسة لا تصلي علي المنتحرين مثلاً ولا الهراطقة فهؤلاء خطاياهم كانت خطايا للموت. فالمنتحر هو قاتل نفس وما كان لديه فرصة للتوبة حتى آخر لحظة، والهرطوقى ظل يضلل شعب الله ويفسد الإيمان الصحيح بعناد.

* ويضاف لهذا أن السيد المسيح أعطى للكنيسة سلطان الحل والربط وسلطا لغفران الخطايا. فالكنيسة بما لها من سلطان تصلى طالبة من الله الغفران والله له القرار.

* وأيضا هل يعقل أن لا تطلب الكنيسة الرحمة والغفران عن شعبها الذين ينتقلون، هل تموت المشاعر بسهولة!! وماذا تطلب الكنيسة لمن إنتقلوا إلا الرحمة من إله الرحمة والغفران من الله الذى بيده الغفران. أليست الكنيسة أما ولدت أولادها وأحبتهم، هل يعقل أن لا تصلى الأم عن أولادها حينما يغيبون عنها، وماذا فى يد الكنيسة الأم أن تقدمه لهم بعد أن إنتقلوا سوى طلب الرحمة.

* كلمة أخيرة، هذا سؤال يثيره كثيرون لماذا نصلى على الموتى، وهو من نوع الأسئلة التى نضيع وقتنا فيها فهى مضيعة للوقت. فالكنيسة التى تحب أولادها لا تستطيع إلا أن تصلى عنهم، وإن لم تصلى فهى تخطئ، كما قال صموئيل النبى للشعب "واما انا فحاشا لي ان اخطئ الى الرب فاكف عن الصلاة من اجلكم" (1صم12: 23).

* الكنيسة المجاهدة على الأرض والكنيسة المنتصرة فى السماء هما كنيسة واحدة لها رأس واحد هو المسيح، وترتبط الكنيستان بالمحبة، هم يصلون لأجلنا ويطلبوا لنا المعونة أن نكمل جهادنا وننضم إليهم، ونحن نصلى لأجلهم طالبين الرحمة لأحبائنا الذين إنتقلوا للسماء.

No items found

الأصحاح الثاني - تفسير رسالة تيموثاوس الثانية - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير تيموثاوس الثانية الأصحاح 1
تفاسير تيموثاوس الثانية الأصحاح 1