اَلأَصْحَاحُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ – سفر أخبار الأيام الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي

هذا الفصل هو جزء من كتاب: 14- تفسير سفر أخبار الأيام الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

اَلأَصْحَاحُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ

حزقيا الملك وتقديس بيت الرب.

يتطلَّع السفر إلى حزقيا الملك كأحد عظماء ملوك يهوذا.

تُبرِز حياة حزقيا الملك دور الأنبياء في القرن الثامن ق. م، خاصة إشعياء وميخا، بينما جاء دور إرميا النبي في فترة يوشيا.

يرى البعض أن حزقيا الملك يُحسَب حلقة الوصل بين فترتي النبوات الكتابية[302]. لقد هيَّأ حزقيا الجو ليوشيا للإصلاح بحفظ شريعة الرب.

منذ تولَّى الملك الصالح حزقيا، من السنة الأولى لحُكْمِه، انشغل بالعبادة المقدسة لله القدوس أكثر من غيره من الملوك الصالحين. كان قلبه ملتهبًا بالحُبِّ الإلهي والغيرة على قدسية بيت الرب. ففي السنة الأولى قام بالآتي:

1. أعاد الكهنة واللاويين إلى بيت الرب 1 - 11.

2. حثّ اللاويين على تطهير الهيكل 12 - 19.

3. التكفير عن خطايا الحكم السابق 20 - 24.

4. الاهتمام بذبائح التسبيح والمُحرَقات 25 - 36.

الأعداد 1-11

1. أعاد الكهنة واللاويين إلى بيت الرب

مَلَكَ حَزَقِيَّا وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً،.

وَمَلَكَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ وَاسْمُ أُمِّهِ أَبِيَّةُ بِنْتُ زَكَرِيَّا. [1].

يرى البعض أن حزقيا تولَّى العرش في حدود الخامسة والعشرين من عمره، ولصُغْرِ سنه وقلة خبرته، كان يعتمد على مشورة الكهنة واللاويين الأكبر منه سنًا، الأمر الذي يحسبه سفر أخبار الأيام مديحًا له. ولعله كان تحت إرشاد إشعياء النبي.

أشار الكاتب إلى اسم أمه وجدّه، ربما لأنهما كانا بارّين، وتأثر بهما في شبابه.

وَعَمِلَ الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ،.

حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ دَاوُدُ أَبُوهُ. [2].

قيل عن بعض الملوك الذين أتوا قبله إنهم عملوا المستقيم في عينيّ الرب، لكن نادرًا ما يُقال: "حسب كل ما عمل داود أبوه"، أي حسب غيرة داود وأمانته.

هُوَ فِي السَّنَةِ الأُولَى مِنْ مُلْكِهِ فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ،.

فَتَحَ أَبْوَابَ بَيْتِ الرَّبِّ وَرَمَّمَهَا. [3].

اعتلى يوآش العرش بعد ملكين فاسدين وكان سنُّه سبع سنوات، مما تسبَّب في تأخير البدء العملي في الإصلاح. تَكَرَّر نفس الأمر عندما تولَّى يوشيا العرش بعد ملكين فاسدين، وكان في الثامنة من عمره. أما بالنسبة لحزقيا فتولَّى العرش وهو ابن خمس وعشرين سنة، لذلك بدأ في الإصلاح في السنة الأولى من تولِّيه العرش.

يصعب علينا أن نُصَوِّر مدى حُزْنِ حزقيا، إذ عبد أبوه الأوثان، وأغلق أبواب الهيكل، ولم يكن ممكنًا لحزقيا أن يفتح أبوابه أثناء حياة أبيه. حتمًا كانت نفسه في غاية المرارة.

يرى البعض أن أباه أغلق أبواب الهيكل في وجه الشعب، لكن كان بعض اللاويين يدخلون فأبقوا على استمرار اشتعال النار المقدسة، حتى جاء حزقيا، ففتح أبواب الهيكل حيث وجدوا النار مشتعلة، ولا تحتاج إلى إعادة اشتعالها.

وَأَدْخَلَ الْكَهَنَةَ وَاللاَّوِيِّينَ وَجَمَعَهُمْ إِلَى السَّاحَةِ الشَّرْقِيَّةِ [4].

الساحة الشرقية: يُقصَد بها مكان فسيح أمام الباب الشرقي لدار الهيكل الخارجية[303].

جمع حزقيا الكهنة واللاويين، لكي ينزعوا الرجاسات التي صنعها أبوه، وكأنه قد اعترف عمليًّا بخطأ أبيه، مُعلِنًا رغبته الجادة في تصليح ما أفسده والده. لقد اعترف أن آباءه خانوا الرب، وعملوا الشر في عينيه وتركوه [6]، لا لنَقْدهم، إنما لكي ينطلق مع القادة والشعب إلى إصلاح الفساد.

هكذا يليق بالمؤمن لا أن يَستسلِمَ للحزن على الماضي، بل أن يعالج الفساد الذي حلَّ به وبإخوته في إيجابية عملية مثل حزقيا. حسن أن نبكي على أخطائنا، لكن لا نقف في يأسٍ، بل بالنعمة الإلهية ننطلق للعمل بروح الرجاء والقوة.

وَقَالَ لَهُمُ: اسْمَعُوا لِي أَيُّهَا اللاَّوِيُّونَ،.

تَقَدَّسُوا الآنَ،.

وَقَدِّسُوا بَيْتَ الرَّبِّ إِلَهِ آبَائِكُمْ،.

وَأَخْرِجُوا النَّجَاسَةَ مِنَ الْقُدْسِ [5].

لقد جمع الملك الكهنة واللاويين، وأدخلهم إلى الساحة الشرقية، وطالبهم بالتقديس، بإزالة كل مظاهر العبادة الوثنية والمذبح الأشوري، وإزالة الرجاسات التي كانت مرتبطة بالعبادة الوثنية. وأيضًا إزالة الأوساخ بسبب وقف الخدمة في أيام آحاز.

هذا التصرُّف يكشف عن فتورهم متى قورن بغيرته.

  • في العالم الظاهر إذا ذهب ملك ليُقِيم زمانًا (في مدينة) واتفق أنه نزل بيتًا فيه نجاسة ما، فإنه يُنظم ويُزين بزينات متنوعة ويُبخر بروائح عطرة، فكم بالحري يحتاج بيت النفس الذي يأتي الرب ليستريح فيه إلى زينات كثيرة لكي يدخله ويُقِيم فيه، ذاك الذي هو نفسه نقي من كل دنسٍ وعيبٍ. هكذا يكون القلب، إذ فيه يحل الله وكل الكنيسة السماوية[304].
  • إذًا يجب على كل منا أن يجتهد بإخلاص، ولا يقصر في الفضيلة، وأن يؤمن ويطلبها من الرب لكي يصير الإنسان الباطن منه شريكًا في المجد في هذه الحياة الحاضرة، وتكون للنفس شركة في قداسة الروح (1 يو 3: 1) حتى إذا تطهرنا من دنس الخطية، يكون لنا في القيامة ما نستر به عري أجسادنا عند قيامها، ونغطي به عيوبنا ويحيينا ويريحنا في ملكوت السماوات إلى الأبد[305].

القديس مقاريوس الكبير.

لأَنَّ آبَاءَنَا خَانُوا وَعَمِلُوا الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ إِلَهِنَا وَتَرَكُوهُ،.

وَحَوَّلُوا وُجُوهَهُمْ عَنْ مَسْكَنِ الرَّبِّ، وَأَعْطُوا قَفًا [6].

لم يتَّهِم حزقيا أباه وحده بما بلغ إليه الحال من فساد، إنما ساهم كثيرون فيه سواء من ملوك أو كهنة أو لاويين أو حتى الشعب، لذلك قال: "لأن آباءنا خانوا وعملوا الشر في عينيّ الرب إلهنا وتركوه".

حسن لنا أن نذكر أمانة وإخلاص الكثير من آبائنا عبر الأجيال، لكن لا ننسى أيضًا رخاوة البعض وإهمالهم، بل وخيانة البعض وجحدهم للإيمان.

وَأَغْلَقُوا أَيْضًا أَبْوَابَ الرِّوَاقِ،.

وَأَطْفَأُوا السُّرُجَ،.

وَلَمْ يُوقِدُوا بَخُورًا،.

وَلَمْ يُصْعِدُوا مُحْرَقَةً فِي الْقُدْسِ لإِلَهِ إِسْرَائِيلَ. [7].

اعترف حزقيا الملك عن الشرور التي ارتكبها آباؤه، وكأنه قد ارتكبها هو، ويريد التوبة عنها.

1. حوّلوا وجوههم عن بيت الرب [6]. أخطر خطية، إن صحَّ التعبير، هي إعطاء القفا لا الوجه للرب، أي انحراف القلب وتركه للرب. الأمر الذي كثيرًا ما عاتب الرب شعبه عليه. على لسان إرميا النبي: "قائلين للعود أنت أبي، وللحجر أنت ولدتني، لأنهم حولوا نحوي القفا لا الوجه، وفي وقت بليتهم يقولون قم وخلصنا" (إر 2: 27).

"فلم يسمعوا ولم يميلوا أذنهم، بل ساروا في مشورات وعناد قلبهم الشرير، وأعطوا القفا لا الوجه" (إر 7: 24).

"وقد حوَّلوا لي القفا لا الوجه، وقد عَلَّمتهم مُبَكِّرًا ومُعَلِّمًا، ولكنهم لم يسمعوا ليقبلوا أدبًا" (إر 32: 33).

"لأن شعبي عمل شرِّيْن: تركوني أنا ينبوع المياه الحية، لينقروا لأنفسهم آبارًا، آبارًا مشققة لا تضبط ماء" (إر 2: 13).

2. أغلقوا باب الرواق [7] حتى لا يدخل أحد إلى بيت الرب، ويتمتَّع بالشركة معه. فإنهم لم يدخلوا ولم يدعوا الداخلين أن يدخلوا. هذا هو عمل عدو الخير، أن يستخدم كل وسيلة ليَحْرِمَ البشر من الدخول إلى بيت الله، لأنه أيقونة السماء.

اهتم سفر المزامير أن يُقَدِّمَ للمؤمنين مزامير المصاعد أو الدرجات (مز 120مز 134) ليدركوا أنهم صاعدون إلى بيت الرب الذي هو أيقونة السماء. يبدو أنها كانت كُتَيِّبًا صغيرًا، يستخدمه الصاعدون إلى بيت الرب في أورشليم.

  • لماذا إذن الذين يسكنون في أورشليم لا يتزعزعون إلى الأبد، إلا لأنه توجد أورشليم أخرى تشتاقون أن تسمعوا عنها؟ إنها أُمنا التي نئن لأجلها ونتنهَّد في رحلتنا هذه، لكي ما نرجع إليها... أورشليم الأبدية، أمنا جميعًا التي في السماء[306].

القديس أغسطينوس.

3. أطفأوا السرج: تشير السرج إلى النور الإلهي، فقد أشرق السيد المسيح نور العالم على الجالسين في الظلمة لكي يصيروا بروحه القدوس نورًا للعالم.

لما كان عدو الخير هو رئيس مملكة الظلمة، فإنه لا يحتمل النور الإلهي، لذا يحث الملوك الأشرار على إطفاء السُرج.

  • عظيمة هي محبَّة المسيح الذي أعطى كل ألقابه لتلاميذه، فيقول: "أنا هو نور العالم" (يو 8: 12) ومع ذلك يعطي من طبعه لتلاميذه، قائلاً: "أنتم نور العالم" (مت 5: 14). يقول: "أنا هو الخبز الحيّ" (يو 6: 31)، ونحن جميعًا خبز واحد (1 كو 10: 17). يقول: "أنا هو الكرمة الحقيقيّة" (يو 15: 1)، ويقول لك: "غرستُك كرمة سورَق زرع حق كلها" (إر 2: 21) [307].
  • إن أردتم أن تجدوه، فالشمس قد أشرقت الآن، تعالوا مثل هؤلاء النسوة، بمعنى ليته لا يكون في قلوبكم ظلام الشر، لأن شهوات الجسد والأعمال الشريرة هي ظلام. من كان في قلبه ظلام من هذا النوع لا يعاين النور ولا يدرك المسيح، لأن المسيح هو نور. انزعوا الظلام منكم يا إخوة، أي انزعوا عنكم كل الشهوات الخاطئة والأعمال الشريرة، وليكن لكم الطيب الحلو، أي الصلاة بغيرة، قائلين مع المرتل: "لتستقم صلاتي كالبخور قدامك" (مز 141: 2)... إن أردتم أن تعاينوا الرب وتأتوا إلى بيتكم السماوي، يلزمكم ترك الشر، مثابرين على الثبات في الصلاح الذي بدأتم إياه[308].

القدّيس أمبروسيوس.

  • إن كان هو النور الحقيقي الذي ينير كل إنسانٍ، فهو إذن قد أنار يوحنا أيضًا الذي أقر واعترف بحق "من ملئه أخذنا" (يو 1: 16) [309].

القديس أغسطينوس.

4. لم يوقدوا بخورًا: يشير تقديم البخور إلى الصلاة، وكما جاء في سفر الرؤيا عن المخلوقات الحيّة الأربعة والأربعة وعشرين قسّيسًا أنهم كانوا يُقَدِّمون بخورًا "هي صلاة القديسين" (رؤ 5: 8).

  • تهب المزامير النفس الطمأنينة، وتعطيها السلام، وتَهدئ فيها بلبلة الأفكار وتراكم الشهوات. هذا الكتاب هو كتاب المحبَّة... هو سلاح ضد الشيطان... هو سبب راحة بعد تعب النهار... هو تعزية الشيوخ، هو باعث أفراحنا وأحزاننا المقدَّسة... هو نشيد رائع، هو صوت الكنيسة، هو بخور زكي الرائحة[310].

القدِّيس باسيليوس الكبير.

5. ولم يصعدوا مُحرَقة: كانت الذبائح بكل أنواعها تُشير إلى جوانب مُتعدِّدة لصليب السيد المسيح. تشير المُحرَقة إلى ذبيحة المسيح الذي بحُبِّه للبشرية ارتفع على الصليب فداءً للمؤمنين. شركتنا مع المسيح المصلوب تجعلنا أشبه بمُحرَقة أو ذبيحة حب لله.

  • ما هي المُحرَقات؟ احتراق الذبيحة بالنار بكاملها؛ عندما يُوضَع الحيوان على المذبح ويحترق بالنار، فيُدعَى مُحرَقة.

ليت النيران الإلهية ترفعنا بكليتنا إلى فوق، ونلتهب بالكامل...

ليس فقط نفوسنا ترتفع بنار الحكمة هذه، بل وجسدنا أيضًا، إذ ينال الخلود. ليُقدَّم إذًا كمُحرَقة فيُبتلع الموت!

القديس أغسطينوس.

  • يريد كلّ من الجسد والنفس، أي الإنسان بكليته، أن يصير ذبيحة مقدسة لله. يُعلِنُ المرتل أن النفس هي ذبيحة مُقدمة لله بقوله: "الروح المنسحق ذبيحة لله" [311].
  • لنُقَدِّم نفوسنا ذبيحة بالصوم. فإننا لا نستطيع أن نُقَدِّمَ لله ما هو أفضل من هذا. يؤكد النبي ذلك بقوله: "الروح المنسحق ذبيحة لله، والقلب المتواضع لا يرذله الله". قَدِّمْ يا إنسان نفسك لله. قَدِّمْ تقدمة الصوم. افعلْ هذا لتجعل نفسك ذبيحة طاهرة، ذبيحة مقدسة، ذبيحة حية تبقى لك وأنت تُقَدِّمها لله[312].

الأب بطرس خريستولوجوس.

ما كان يشغل قلب حزقيا الملك قيام ملكوت الله، ليس فقط في يهوذا بل في كل إسرائيل.

فَكَانَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ،.

وَأَسْلَمَهُمْ لِلْقَلَقِ وَالدَّهْشِ وَالصَّفِيرِ،.

كَمَا أَنْتُمْ رَاؤُونَ بِأَعْيُنِكُمْ. [8].

ربما يشير هنا إلى الهزيمة الخطيرة والخسائر الفادحة بواسطة الإسرائيليين، حيث قُتِلَ مائة وعشرون ألفًا، وأُسر مائتا ألف (2 أي 28: 6، 8).

كان حزقيا مُقتنِعًا أن ما حلَّ على يهوذا من ضيقات عِلَّته انحراف الملك والقادة والشعب عن طريق الاستقامة في عينيّ الرب.

لقد أخطأ آحاز عندما حاول علاج المتاعب بطريقة بشرية مُجَرَّدة، فانحاز إلى أشور لمساعدته ضد الأعداء المحيطين به، أما حزقيا فوضع في قلبه أن لا خلاص من الشر والمتاعب إلا بالرجوع إلى الله والثقة فيه. يرى ملكوت الله منطلق كل تصرُّف، له الأولوية في كل شيءٍ.

من الغباوة والجهل أن نحاول بناء البيت أولاً وبعد ذلك نضع الأساسات. هكذا لا يمكن أن نتحرَّك بقوتنا وإمكانياتنا وأفكارنا وخبراتنا البشرية أولاً، إنما ليكن الله هو القائد والأول، يُقَدِّس كل تحرُّكاتنا وأفكارنا وإمكانياتنا! ملكوت الله هو الأساس الداخلي في القلب يقوم عليه كل فكرٍ وكلمةٍ وعملٍ!

لعل حزقيا الملك يقصد بالصفير هنا ما ورد في ميخا 6: 16، وذلك عندما يَحِلُّ الخراب ببلدٍ معينٍ أو شعبٍ معينٍ، يستهزئ بهم الأعداء، فيصفرون في سخرية. كان يليق بشعب الله أن يكونوا موضع إعجاب السمائيين ودهشتهم، لكن بتركهم الرب يصيرون موضع سخرية غير المؤمنين.

وَهُوَذَا قَدْ سَقَطَ آبَاؤُنَا بِالسَّيْفِ،.

وَبَنُونَا وَبَنَاتُنَا وَنِسَاؤُنَا فِي السَّبْيِ لأَجْلِ هَذَا. [9].

اعترف حزقيا الملك بأن الضيقات التي حلَّت بهم، يستحقونها لخيانتهم، وأوضح لهم عواقب ترك الرب والإهمال في الالتصاق به والعبادة له، ليكون ذلك دافعًا لتجديد العهد مع الله والشركة معه.

فَالآنَ فِي قَلْبِي أَنْ أَقْطَعَ عَهْدًا مَعَ الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ،.

فَيَرُدُّ عَنَّا حُمُوَّ غَضَبِهِ. [10].

ما يشغل قلب حزقيا في كل الإصلاحات هو قطع عهدٍ مع الرب الإله، فتتم مصالحة مع الله. بقوله "في قلبي" يكشف عن تصميمه على ذلك من كل قلبه. فمع رغبته في عهدٍ شخصي بينه وبين الرب، يطلب شركة الكل معه. فالعهد هو مع إله إسرائيل، ليرد "عنّا" حموّ غضبه، أي عن الملك وكل القيادات مع الشعب.

يَا بَنِيَّ لاَ تَضِلُّوا الآنَ،.

لأَنَّ الرَّبَّ اخْتَارَكُمْ لِتَقِفُوا أَمَامَهُ وَتَخْدِمُوهُ،.

وَتَكُونُوا خَادِمِينَ وَمُوقِدِينَ لَهُ. [11].

مع صغر سنه كان يدعوهم "يا بنيّ"، ربما لأنه شعر كملكٍ ملتزم أن يهتم بكل القادة والشعب كأبناء محبوبين لديه، يُسأل عنهم أمام الرب.

كان يليق بالكهنة واللاويين أن يُذَكِّروا الملك بعلاقته بالرب، لكننا نرى هنا الملك هو الذي يدعوهم أن يَتَذَكَّروا اختيار الرب لهم لخدمته والإيقاد له. يحثّهم على مراجعة أنفسهم، متحدِّثًا معهم كأبٍ مع أبنائه: "يا بَنٍيَّ لا تضلوا" [11]. ما أروع أن يحمل صاحب السلطان روح الأبوة الحانية والجادة في نفس الوقت.

الأعداد 12-19

2. حثّ اللاويين على تطهير الهيكل

فَقَامَ اللاَّوِيُّونَ مَحَثُ بْنُ عَمَاسَايَ وَيُوئِيلُ بْنُ عَزَرْيَا مِنْ بَنِي الْقَهَاتِيِّينَ،.

وَمِنْ بَنِي مَرَارِي قَيْسُ بْنُ عَبْدِي وَعَزَرْيَا بْنُ يَهْلَلْئِيلَ،.

وَمِنَ الْجَرْشُونِيِّينَ يُوآخُ بْنُ زِمَّةَ وَعِيدَنُ بْنُ يُوآخَ [12].

هنا نرى عملاً جادًا، عملاً حسنًا، وعملاً له احتياج، ألا وهو تطهير بيت الرب.

الأشخاص الذين اُستخدموا لهذا العمل كانوا لاويين وكهنة، وكان من الواجب عليهم أن يحتفظوا ببيت الرب طاهرًا، وإذ أهملوا في هذا، طالبهم الملك أن يكون ذلك اهتمامهم الأول. ذكر عديد من أسماء اللاويين، اثنين من كل من العشائر الثلاث الرئيسية: قهات وجرشون ومراري [12]. وذكر اثنين من كل من العائلات الثلاث المُغَنِّين: آساف وهيمان ويدوثون [13 - 14]. ذَكَرهم ربما لأنهم كانوا أكثر غيرة ونشاطًا عن البقية.

وَمِنْ بَنِي أَلِيصَافَانَ شِمْرِي وَيَعِيئِيلُ وَمِنْ بَنِي آسَافَ زَكَرِيَّا وَمَتَّنْيَا [13].

وَمِنْ بَنِي هَيْمَانَ يَحِيئِيلُ وَشَمْعِي وَمِنْ بَنِي يَدُوثُونَ شَمَعْيَا وَعُزِّيئِيلُ. [14].

وَجَمَعُوا إِخْوَتَهُمْ وَتَقَدَّسُوا،.

وَأَتُوا حَسَبَ أَمْرِ الْمَلِكِ بِكَلاَمِ الرَّبِّ لِيُطَهِّرُوا بَيْتَ الرَّبِّ. [15].

كان لغيرة الملك فاعلية في حياة هؤلاء المذكورين للعمل لتطهير بيت الرب، بل جمعوا إخوتهم ليعمل الكل "حسب أمر الملك بكلام الرب". وكأنَّ كلام الرب عمل في قلب الملك، فدفع اللاويين والكهنة، وهؤلاء دفع بعضهم البعض ليعمل الكل في تطهير بيت الرب.

ماذا يعني بتطهير بيت الرب؟

1. لقد تراكمت الأتربة العامة أثناء إهماله وغلقه.

2. تطهيره من الأصنام ومذابح الأوثان التي أقيمت فيه، وتُحسَب قذارة تُلوِّث هيكل الرب أكثر من التراب والعنكبوت.

وَدَخَلَ الْكَهَنَةُ إِلَى دَاخِلِ بَيْتِ الرَّبِّ لِيُطَهِّرُوهُ،.

وَأَخْرَجُوا كُلَّ النَّجَاسَةِ الَّتِي وَجَدُوهَا فِي هَيْكَلِ الرَّبِّ إِلَى دَارِ بَيْتِ الرَّبِّ،.

وَتَنَاوَلَهَا اللاَّوِيُّونَ لِيُخْرِجُوهَا إِلَى الْخَارِجِ إِلَى وَادِي قَدْرُونَ. [16].

لم يكن يُسمَح للاويين أن يدخلوا القدس، فدخل الكهنة ونظفوا وكانوا يحملون الأتربة إلى خارج القدس، ويحملها اللاويون ليلقوها بعيدًا.

وَشَرَعُوا فِي التَّقْدِيسِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ الأَوَّلِ.

وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ مِنَ الشَّهْرِ انْتَهُوا إِلَى رِوَاقِ الرَّبِّ،.

وَقَدَّسُوا بَيْتَ الرَّبِّ فِي ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ،.

وَفِي الْيَوْمِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الأَوَّلِ انْتَهُوا. [17].

جاء في الترجوم: [بدأوا في اليوم الأول من الشهر الأول، أي نيسان[313].].

تواضعه مع محبته وغيرته... هذا كله دفع اللاويين بكل همة، فقاموا بتطهير الهيكل من الرجاسات في مدة أسبوعين [17].

بسرعة فائقة وهِمَّة وجِدية بدأوا في بداية الشهر الأول، وكأن ذلك العمل يُبَشِّر بعام جديدٍ مبارك. طَهَّروا الهيكل في ثمانية أيام، وقَدَّسوا بيت الرب في ثمانية أيام أخرى.

وَدَخَلُوا إِلَى دَاخِلٍ إِلَى حَزَقِيَّا الْمَلِكِ وَقَالُوا:

قَدْ طَهَّرْنَا كُلَّ بَيْتِ الرَّبِّ وَمَذْبَحَ الْمُحْرَقَةِ وَكُلَّ آنِيَتِهِ،.

وَمَائِدَةَ خُبْزِ الْوُجُوهِ وَكُلَّ آنِيَتِهَا. [18].

وَجَمِيعُ الآنِيَةِ الَّتِي طَرَحَهَا الْمَلِكُ آحَازُ فِي مُلْكِهِ بِخِيَانَتِهِ قَدْ هَيَّأْنَاهَا وَقَدَّسْنَاهَا،.

وَهَا هِيَ أَمَامَ مَذْبَحِ الرَّبِّ. [19].

طرح آحاز آنية بيت الرب، أي نبذها ولم يستعملها، بل استعمل أشياء تتفق مع العبادة الوثنية، هذا بجانب ما قام بتكسيره مثل ثيران النحاس.

قَدَّموا تقريرًا لحزقيا الملك عمَّا فعلوه في ستّة عشر يومًا، لا لينالوا مكافأة مادية، إنما ليخبروه بأن كل ما كان نجسًا قد تَطهَّر حسب الشريعة، وصار مُهَيَّأ للاستخدام.

أبرز السفر أن الظلمة الحالكة التي سَبَّبها آحاز بدأت تنقشع بالنور الذي أشرق في المقادس في أيام حزقيا. جاء في الترجوم: [جميع الآنية التي دَنَّسها آحاز بالأصنام الغريبة، وصارت بغيضة عندما تسلط (آحاز) في عصيان ضد كلمة الرب، قد جمعناها وأخفيناها، واستبدلناها بآنية أخرى وضعناها الآن أمام الرب[314].].

نجح عدو الخير في إبعاد الشعب عن الله في أيام آحاز، وجاء حزقيا رمزًا للمسيح الذي يُجَدِّد القلوب لمجده الإلهي.

الأعداد 20-24

3. التكفير عن خطايا الحكم السابق

وَبَكَّرَ حَزَقِيَّا الْمَلِكُ وَجَمَعَ رُؤَسَاءَ الْمَدِينَةِ،.

وَصَعِدَ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ. [20].

صعد الملك وجميع رؤساء المدينة إلى بيت الرب في اليوم التالي من تقديم التقرير له. لم يرد أن يضيع وقتًا.

فَأَتُوا بِسَبْعَةِ ثِيرَانٍ وَسَبْعَةِ كِبَاشٍ وَسَبْعَةِ خِرْفَانٍ وَسَبْعَةِ تُيُوسِ مِعْزًى،.

ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ عَنِ الْمَمْلَكَةِ وَعَنِ الْمَقْدِسِ وَعَنْ يَهُوذَا.

وَقَالَ لِبَنِي هَارُونَ الْكَهَنَةِ أَنْ يُصْعِدُوهَا عَلَى مَذْبَحِ الرَّبِّ. [21].

هذه الذبائح أكثر مما طلبتها الشريعة (لا 4: 13). فقد طلبت ثورًا واحدًا أو عجلاً عن خطايا الشعب، وكبشًا واحدًا عن خطايا الملك (الرئيس). ما ورد في سفر اللاويين يقصد الخطايا التي عن جهلٍ، أما حزقيا فأراد أن يُقَدِّم ذبائح عن كل الخطايا مثل عبادة الأوثان، والارتداد عن الإيمان، وتدنيس الهيكل. هذا بجانب ذبائح لتقديس الهيكل والكهنة ويهوذا. لذلك قَدَّم أكثر مما طلبته الشريعة.

قَدَّم الكهنة بنو هرون ذبائح خطية عن المملكة [21]، تكفيرًا عن جميع إسرائيل [24]. فالتطهير لن يتحقَّق بدون دم الذبيحة، أي لا ننعم بالمغفرة إلا بالمسيح الذي صار ذبيحة خطية.

قُدِّمَت الذبائح عن الملك والرؤساء، عن الكهنة وكل الشعب (لا 4: 13 - 14؛ عد 15: 24 - 25).

فَذَبَحُوا الثِّيرَانَ وَتَنَاوَلَ الْكَهَنَةُ الدَّمَ، وَرَشُّوهُ عَلَى الْمَذْبَحِ،.

ثُمَّ ذَبَحُوا الْكِبَاشَ وَرَشُّوا الدَّمَ عَلَى الْمَذْبَحِ،.

ثُمَّ ذَبَحُوا الْخِرْفَانَ وَرَشُّوا الدَّمَ عَلَى الْمَذْبَحِ. [22].

ثُمَّ تَقَدَّمُوا بِتُيُوسِ ذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ أَمَامَ الْمَلِكِ وَالْجَمَاعَةِ،.

وَوَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهَا [23].

قُدِّمَت ذبيحة الخطية أمام الملك والجماعة، ووضعوا أياديهم عليها، معترفين بأنهم محتاجون إلى من يحمل عنهم خطاياهم. وضع الأيدي على الذبيحة اعتراف علني أنهم مخطئون ومستحقون الموت، وإذ يلقون بالخطية على رأس الذبيحة، فتموت الذبيحة عنهم.

وَذَبَحَهَا الْكَهَنَةُ،.

وَكَفَّرُوا بِدَمِهَا عَلَى الْمَذْبَحِ تَكْفِيرًا عَنْ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ،.

لأَنَّ الْمَلِكَ قَالَ إِنَّ الْمُحْرَقَةَ وَذَبِيحَةَ الْخَطِيَّةِ هُمَا عَنْ كُلِّ إِسْرَائِيلَ. [24].

كان يلزم الكهنة واللاويين أن يتطهروا، وبعد التطهير تُقَدَّم ذبيحة الخطية [20 - 30] عن المملكة والمقدس ويهوذا.

حزقيا هو أول ملك ليهوذا رغب في تطهير كل إسرائيل، وأن يصعدوا إلى أورشليم ليُعيِّدوا هناك.

لقد حَطَّمت أشور مملكة إسرائيل سنة 722 ق. م، قبل اعتلاء حزقيا العرش بست سنوات. قام الأشوريون تحت حكم الإمبراطور سرجيون الثاني بترحيل أعداد كبيرة من شعب إسرائيل إلى مناطق بعيدة في الهلال الخطيب. وقد تَبَقَّى عدد قليل منهم في إسرائيل. شعر حزقيا الملك بمسئوليته عن هذا الشعب المُتبقِّي، وأن يعمل على وحدة إسرائيل أو المملكتين ما استطاع. هذه النيّة تظهر بالأكثر في الأصحاحات التالية. في هذا الأصحاح قَدَّم الكهنة الذبائح تكفيرًا عن كل إسرائيل [24]، وأُصعِدَت المُحرَقة مع التسابيح باسم كل إسرائيل [27].

  • كانت هذه الذبائح رموزًا، تنبأت عن الذبيحة الواحدة المُخَلِّصة. فإننا لم نُترَك نحن بدون ذبيحة (المسيح المصلوب) نُقَدِّمها لله...

قَدِّمْ بالتأكيد في نفسك ما تريد أن تُقَدِّمَه...

لا تطلب أن تذبح قطيعًا من الخارج، إنما يوجد داخلك ما تذبحه!

القديس أغسطينوس.

الأعداد 25-36

4. الاهتمام بذبائح التسبيح والمحرقات

وَأَوْقَفَ اللاَّوِيِّينَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ بِصُنُوجٍ وَرَبَابٍ وَعِيدَانٍ،.

حَسَبَ أَمْرِ دَاوُدَ وَجَادَ رَائِي الْمَلِكِ وَنَاثَانَ النَّبِيِّ،.

لأَنَّ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ الْوَصِيَّةَ عَنْ يَدِ أَنْبِيَائِهِ. [25].

حسب أمر داود: أي بحسب النظام الذي وضعه داود وجاد وناثان، ونلاحظ أن الفرح والتسبيح تحققا بعد التَمَتُّع بمغفرة الخطايا.

  • الآن إذ نجتمع مع بعضنا البعض في الكنيسة نُسَبِّح الله، ولكن عندما يذهب كل واحدٍ إلى عمله يبدو كمن توقَّف عن تسبيح الله. لكن، ليته لا يتوقَّف أحد عن الحياة المستقيمة، فيكون مُسَبِّحًا لله على الدوام. إنك تتوقَّف عن التسبيح لله عندما تنحرف عن العدل وعن كل ما يسرُّ الله. ولكن إن كنت لا توقف عن الحياة المستقيمة فإن حياتك بليغة، وتنفتح أُذُن الله لقلبك[315].
  • كل ما تفعله، افعله حسنًا، بهذا تُسَبِّح الله[316].
  • هناك نستريح، وهناك نرى. سنرى ونحب، سنحب ونُسَبِّح! [317].
  • إن كان حتى الملائكة الذين طبيعتهم بسيطة وروحية يُقَال إن لهم ألسنة بها يُرَنِّمون التسابيح لإلههم وخالقهم، ويُقَدِّمون له تشكرات بغير انقطاع، كم بالأكثر الأجساد الروحية التي للبشر يفعلون هذا بعد القيامة، فإن كل أعضاء الجسد الممجد يكون لها ألسنة في أفواههم، تعطي صوتًا لألسنتهم المتحدثة، وهكذا ينطقون بتسابيح إلهية تفيض بكلمات حبهم وأفراحهم التي تملأ أحاسيسهم[318].

القديس أغسطينوس.

  • التسبيح في ذاته صالح، والمزمور يُقَدِّم خيرات كثيرة: إنه يعزل العقل عن الأرض، ويعطي النفس أجنحة، ويجعل (الأجنحة) خفيفة قادرة على الطيران في الجو. لهذا يقول بولس: "مترنمين ومرتلين في قلوبكم للرب" (أف 5: 19)... توجد حاجة للتسبيح من أجل حياة المرتل وصلاته والتوفيق[319].
  • لتشكر الله ولتُسَبِّحْ ذاك الذي يختبرك في الأتون. لتنطق بالتسبيح عوض التجديف، هذا هو الطريق الذي به عبَّر ذاك الطوباوي عن نفسه[320].
  • هذا هو الطريق الذي به قَدَّم أيوب ذبيحة (تسبيح) بالرغم من الأحزان المُرعِبة التي فوق الطاقة البشرية قد حلت به[321].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

فَوَقَفَ اللاَّوِيُّونَ بِآلاَتِ دَاوُدَ وَالْكَهَنَةُ بِالأَبْوَاقِ. [26].

بعد إتمام الكفَّارة، صار مُمكنًا تقديم التسبيح للرب. بعد أن قُدِّمَت ذبيحة الخطية قُدِّمَت ذبائح المُحرَقة مع الضرب بالأبواق والغنّاء بنشيد الرب. فمع اعترافنا بخطايانا، نُقَدِّم ذبائح الحمد والتسبيح والشكر كمُحرَقة حب لله. نحن في حاجة لا إلى غفران خطايانا فحسب، وإنما يرافقها تهليلنا بحب الله ورحمته!

الضرب بالأبواق يقوم به الكهنة، لأنها تشير إلى كلمة الله أو الوصية الإلهية، إذ يلتزم الكهنة أن يحثوا الكل على الطاعة للوصية.

وَأَمَرَ حَزَقِيَّا بِإِصْعَادِ الْمُحْرَقَةِ عَلَى الْمَذْبَحِ.

وَعِنْدَ ابْتِدَاءِ الْمُحْرَقَةِ،.

ابْتَدَأَ نَشِيدُ الرَّبِّ وَالأَبْوَاقُ بِوَاسِطَةِ آلاَتِ دَاوُدَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ. [27].

في أيام آحاز توقفت خدمة الله اليومية، ففقد الشعب تمتُّعه بتقديم ذبائح الحمد والشكر والتسبيح، كما فقدوا الفرح الداخلي.

  • تخرج هذه الذبيحة من كل القلب، وتتغذَّى على الإيمان، وتراعي الحق. تدخل في براءة ونقاوة، في عفة، تتزين بالحب. ويلزمنا أن نحرسها بعظمة الأعمال الصالحة، مُقَدِّمين مزامير وتسابيح على مذبح الله لننال كل الأشياء منه[322].

العلامة ترتليان.

وَكَانَ كُلُّ الْجَمَاعَةِ يَسْجُدُونَ وَالْمُغَنُّونَ يُغَنُّونَ وَالْمُبَوِّقُونَ يُبَوِّقُونَ،.

الْجَمِيعُ، إِلَى أَنِ انْتَهَتِ الْمُحْرَقَةُ. [28].

وَعِنْدَ انْتِهَاءِ الْمُحْرَقَةِ، خَرَّ الْمَلِكُ وَكُلُّ الْمَوْجُودِينَ مَعَهُ وَسَجَدُوا. [29].

وَقَالَ حَزَقِيَّا الْمَلِكُ وَالرُّؤَسَاءُ لِلاَّوِيِّينَ،.

أَنْ يُسَبِّحُوا الرَّبَّ بِكَلاَمِ دَاوُدَ وَآسَافَ الرَّائِي،.

فَسَبَّحُوا بِابْتِهَاجٍ وَخَرُّوا وَسَجَدُوا. [30].

قيل إنهم يُسَبِّحون الرب بكلام داود بكونه ملك إسرائيل قبل الانقسام [30]، ويقصد بكلام داود التسبيح بالمزامير. إن كانت الخطية قد جلبت جوًّا من الحزن والكآبة، فإن التمتُّع بالمغفرة والشركة مع الله، خاصة في بيته، خلال ذبيحة المسيح، تُحوَّل حياتنا إلى محفلٍ مفرحٍ ومتهللٍ.

سجود الملك وكل الموجودين معًا أمام الله، يُعلِن أنهم قد صاروا في شركة مع السمائيين الذين يُسَبِّحون له، ويسجدون "فسبَّحوا بابتهاج وخرّوا وسجدوا" [30].

ثُمَّ قَالَ حَزَقِيَّا: الآنَ مَلأْتُمْ أَيْدِيَكُمْ لِلرَّبِّ.

تَقَدَّمُوا وَأْتُوا بِذَبَائِحَ وَقَرَابِينِ شُكْرٍ لِبَيْتِ الرَّبِّ.

فَأَتَتِ الْجَمَاعَةُ بِذَبَائِح وَقَرَابِينِ شُكْرٍ وَكُلُّ سَمُوحِ الْقَلْبِ أَتَى بِمُحْرَقَاتٍ. [31].

ملأ الشعب أياديهم، أي قَدَّموا ذبائح وقرابين شكر لبيت الرب قدر المستطاع [31 الخ]، وقاموا بتكريس العبادة لله وحده وعدم الشركة في العبادة الوثنية.

سموح القلب، أي بقلبٍ حر متهلل، لا يسقط تحت مرارة الإحباط، يعطي بسخاءٍ.

وَكَانَ عَدَدُ الْمُحْرَقَاتِ الَّتِي أَتَى بِهَا الْجَمَاعَةُ،.

سَبْعِينَ ثَوْرًا، وَمِئَةَ كَبْشٍ، وَمِئَتَيْ خَرُوفٍ.

كُلُّ هَذِهِ مُحْرَقَةٌ لِلرَّبِّ. [32].

قَدَّم الشعب عطاياهم بسخاءٍ، لكنها لم تكن بوفرةٍ كما في أيام سليمان، أولاً لأن كل الأسباط كانوا يمثلون مملكة واحدة، أما حزقيا فكان ملكًا على مملكة يهوذا التي انشق عنها العشرة أسباط (مملكة إسرائيل). ومن جانبٍ آخر كان الشعب في فقرٍ، ولا ننسى أن سلسلة الملوك الأشرار أضعفت حالة التقوى.

وَالأَقْدَاسُ سِتُّ مِئَةٍ مِنَ الْبَقَرِ، وَثَلاَثَةُ آلاَفٍ مِنَ الضَّأْنِ. [33].

إِلاَّ إِنَّ الْكَهَنَةَ كَانُوا قَلِيلِينَ،.

فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَسْلُخُوا كُلَّ الْمُحْرَقَاتِ،.

فَسَاعَدَهُمْ إِخْوَتُهُمُ اللاَّوِيُّونَ حَتَّى كَمِلَ الْعَمَلُ،.

وَحَتَّى تَقَدَّسَ الْكَهَنَةُ.

لأَنَّ اللاَّوِيِّينَ كَانُوا أَكْثَرَ اسْتِقَامَةَ قَلْبٍ مِنَ الْكَهَنَةِ فِي التَّقَدُّسِ. [34].

بالنسبة لذبائح السلامة وغيرها، كان اللاويون يقومون بذبحها وسلخها. أما المُحرَقات التي تُحرَق بكاملها على المذبح، فلا يلمسها إلا الكهنة، ماعدا في الظروف الاستثنائية كما في هذه الحالة.

كان عدد اللاويين أكثر من الكهنة، وأكثر استقامة قلب في التقديس [34]، على عكس ما حدث بعد العودة من السبي كما يظهر في عزرا ونحميا.

لا ننسى أن بعض الكهنة حُرِموا من العمل في بيت الرب، لأنهم خدموا في المرتفعات.

وَأَيْضًا كَانَتِ الْمُحْرَقَاتُ كَثِيرَةً بِشَحْمِ ذَبَائِحِ السَّلاَمَةِ وَسَكَائِبِ الْمُحْرَقَاتِ.

فَاسْتَقَامَتْ خِدْمَةُ بَيْتِ الرَّبِّ. [35].

قَدَّم البعض ذبائح سلامة التي أُحرق دهنها على المذبح، وقُسِّم اللحم بين الكهنة ومقدميها.

وَفَرِحَ حَزَقِيَّا وَكُلُّ الشَّعْبِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الله أَعَدَّ الشَّعْبَ،.

لأَنَّ الأَمْرَ كَانَ بَغْتَةً. [36].

إذ كان الملك يتحرَّك بسرعة بقلبه الناري، واشتياقه لفتح هيكل الرب، وإعادة العبادة فيه، فرح الملك، وكان الأمر بالنسبة للشعب قد تحقق فجأة (بغتة).

سرُّ النجاح هو عمل الرب نفسه بقوة وبغتة، إذ أَعدّ الشعب لذلك [25 - 36]. هكذا تحقق رجوع الملك والقادة والشعب خلال عمل نعمة الله.

من وحي 2 أي 29.

الطهارة والنجاح.

  • استلم حزقيا العرش، وهو شاب في الخامسة والعشرين.

ورث دولة مُثَقَّلة بالفساد والخراب.

نشأ وتَربَّى لدى أب يتحدَّى الله وأنبياءه.

أما حزقيا فأمال أذنيه لله ولأنبيائه.

أدرك منذ صباه أن الطهارة وراء النجاح.

ومن أين يَتَمَتَّع القادة والشعب بالطهارة وأبواب بيت الله مغلقة؟

كيف ينجحون، وهم لا يتمتعون بفرح الروح؟

لقد وضع الملك أساس برنامجه: العبادة المقدسة الطاهرة!

  • في السنة الأولى فتح بيت الرب.

اجتمع بالكهنة واللاويين ليُلهِبَ قلوبهم بحُبِّ القداسة.

طلب أن يبدأ كل منهم بنفسه.

فإن لم تتطهر نفسه من الرجاسات، كيف يهتم بقدسية بيت الله؟

وإن لم يهتم بقدسية بيت الرب، كيف يتقدَّس الشعب؟

ألهب حزقيا قلوبهم بالغيرة على تقديس حياتهم.

تَقَدَّس الكل، فصاروا جماعة مقدسة.

  • انطلقت الجماعة المقدسة لتطهير بيت الرب.

أخرجوا النجاسة من المقدس،.

أزالوا الأوثان، وكل أثارها، من بيت الرب.

كانت دموع قلبه، تنسكب أمام عرش الله.

  • كانت دموع فرح،.

لأن الله وهبه أن يُزِيلَ النجاسة.

من قلوب الكهنة واللاويين، وأيضًا من بيت الرب.

كانت دموع حزن على آبائه،.

الذين أَصرُّوا على غلق بيت الرب،.

إذ لم يطيقوا الشركة مع السماوي.

  • كسروا الوعد القائم بين الله وشعبه.

أطفأوا السرج، إذ أَحبُّوا الظلمة لا النور.

صاروا عبيدًا لإبليس رئيس مملكة الظلمة.

ورفضوا البنوة لله واهب النور،.

المُشرِق على الجالسين في الظلمة،.

تسللت الدموع، وقد حان الوقت لإيقاد البخور.

تأمل السماء وهي تتهلل ببخور الصلوات.

عوض رائحة العناد والنجاسة والفساد.

  • كيف كانت مشاعر الملك وقد قَدَّم الكهنة الذبائح،.

عن الكهنة واللاويين والرؤساء مع الشعب.

رأى ذبيحتك على الصليب خلال الذبائح الحيوانية،.

فتهللت نفسه، ورقص قلبه كما مع السمائيين.

  • الآن وقد تَقَدَّس بيت الرب القدوس،.

فماذا جال في فكر حزقيا الملك؟

عاد فكره إلى أجيال سابقة ليرى ماذا فعل آباؤه؟

رآهم في قلقٍ واضطرابٍ ومرارةٍ داخلية.

رأى الأمم الشامتة تصفّر وتسخر بهم.

وها هو الشعب اليوم في فرحٍ وتهليلٍ ونصرةٍ.

رأى في آبائه مئات الألوف من القادة والجنود والشعب سقطوا بسيف الأعداء.

رآهم وقد قَيَّدهم إبليس بسلاسل الخطية.

وسحبهم في مذلّةٍ وعارٍ وخزيٍ إلى الجحيم.

قُدِّمَت ذبائح كثيرة عن خطايا الكل.

هوذا اللاويون يعزفون ويُسَبِّحون.

قد صاروا أشبه بأعضاء في خورُس السماء.

وهوذا الكهنة يضربون بالأبواق الفضّية.

إنهم يدعون الجميع للاستماع لصوت الرب.

ويقبلون وصاياه كحليّ يزيّنهم،.

ويسكب على نفوسهم جمالاً فائقًا.

  • هَبْ لي يا رب مع حزقيا أن أَتقدَّس بروحك القدوس.

وتتقدَّس حواسي وعواطفي وكل طاقاتي.

فتتحوَّل أعماقي إلى بيتٍ مقدسٍ لك.

تُقِيم ملكوتك في داخلي،.

يصعد منه بخور عطر، يحمل رائحتك المقدسة.

وتغرس فيه صليبك الذي يُحَطِّم قُوَى إبليس.

ويُحَوِّل إنساني الداخلي إلى خورُس لا يكف عن التسبيح لك.


[302] Josephus: Antiq. 9: 8: 3.

[303] Barnes' Notes.

[304] 1 الحب الإلهي ص 1016.

[305] الحب الإلهي ص 1019.

[306] On Ps 125 (124).

[307] تفسير لو 9: 19 - 26 (ترجمة مدام عايدة حنا بسطا).

[308] PL 17: 671 Ser 34.

[309] Sermon on N. T. Lessons, 17: 9.

[310] راجع الأب الياس كويتر المخلصي: القديس باسيليوس الكبير، منشورات المكتبة البولسية، بيروت، 1989، ص 292. عظة على المزامير.

[311] Fr. Peter Chrystologus, Selected Sermons, 1093.

[312] Selected Sermons.

[313] Adam Clarke Commentary.

[314] Adam Clarke Commentary.

[315] On Ps 148: 2.

[316] Letter 130: 19.

[317] City of 22: 30.

[318] Letter, 94.

[319] On Ps. 147.

[320] On Ps 128.

[321] On Ps. 50.

[322] Tert. On Prayer 28.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

اَلأَصْحَاحُ الثَّلاَثُونَ - سفر أخبار الأيام الثاني - القمص تادرس يعقوب ملطي

اَلأَصْحَاحُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ - سفر أخبار الأيام الثاني - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفاسير أخبار الأيام الثاني الأصحاح 29
تفاسير أخبار الأيام الثاني الأصحاح 29