(10) التضامن الاجتماعى

(10) التضامن الاجتماعى

1 - ما هو مفهوم التضامن الاجتماعى فى الإيمان المسيحى؟

ترتبط أعمال المحبة الجماعية كما الفردية بالعبادة الروحية، فتصدر عن قلوب مملوءة حباً، تُقدم هذه الأعمال بفرح ومسرة، كتعبير حىّ عن الاتحاد مع الله بكونه أب الكل، واتحادنا مع بعضنا البعض كأعضاء فى جسد واحد! ما يمارسونه يحسبونه أمراً طبيعياً ينبع عن عضويتهم فى العائلة الإلهية، إن صح التعبير. يقول العلامة ترتليان: [يليق بهم أن يُدعوا إخوة، ويُحسبون هكذا، هؤلاء الذين انقادوا إلى معرفة الله بكونه أباهم العام، والذين يشربون روحاً واحدة للقداسة، والذين عانوا فى ذات رحم الجهالة، وخرجوا إلى نور الحق... إذ لنا الفكر الواحد، والروح الواحدة، لن نتردد فى المشاركة فى الخيرات الأرضية مع بعضنا البعض. كل شئ بيننا مشترك ما عدا الزوجات. لقد امتنعت جماعتنا عما يمارسه الآخرون الذين ليس فقط يغتصبون زوجات أصدقائهم، بل وفى أكثر تهاون يُقدمون لأصدقائهم زوجاتهم. وكما أظن أنهم يتمثلون بحكماء الأزمنة القديمة مثل سقراط اليونانى، وكاتو Catoالرومانى، الذين قدموا زوجاتهم الذين تزوجوا بهن إلى أصدقائهم[251]].

2 - ما هو مفهوم المؤسسات الخيرية فى الإيمان المسيحى؟

أقامت بعض الكنائس مؤسسات خيرية تديرها من خلال الشمامسة والشماسات والأرامل.

أنشأ القديس باسيليوس الكبير مجموعة من المبانى على أطراف مدينة قيصرية كبادوكية لاستقبال الغرباء والمرضى، خاصة المنبوذين منهم، وجهز هذه المؤسسات بأشخاص مؤهلين للعمل فيها[252]. وفى إنطاكية أقامت الكنيسة مستشفى ضخمة وبيتاً للغرباء. كما اهتمت الأديرة، خاصة الباخومية، باستضافة الغرباء، وخدمة الفقراء والمرضى فى القرى المحيطة بكل دير. وبتأييد من الدولة انتشرت ملاجئ الفقراء فى مصر وفلسطين وشرق اليونان وإيطاليا، حتى فى روما نفسها. واهتم كثير من الأساقفة بالعمل الاجتماعى لبنيان جميع الشعب، وليس للمسيحيين وحدهم، نذكر منهم القديس أمبروسيوس، ومكسيموس أسقف تورين، وبولنيوس أسقف نولا، ومارتين أسقف تورز، ونيسيتديوس أسقف ليون، وغيرهم.

3 - ما هى أسس العمل الاجتماعى الكنسى؟

قام العمل الاجتماعى فى الكنيسة الأولى على أساس إنجيلى، غايته أن يختبر البشر عربون السماء خلال الممارسة العملية للحب. تركزت أسس العمل الاجتماعى فى المبادئ التالية:

أ. قانون العلاقات الاجتماعية هو الحب الأخوى المتلاحم مع المحبة الإلهية، وتحقيق العدالة.

ب. الاهتمام بالمصلحة العامة لكل البشرية دون تجاهل الاهتمام الفردى بكل أحد ما أمكن.

ج. العمل على التساوى بين جميع البشر، مهما كانت ظروفهم الاجتماعية، دون محاباة لجنس معين أو طبقة مُعينة أو أصحاب مواهب معينة.

د. مع الاهتمام بالمساواة، يكرم كل عضو الآخر، وأيضاً تُعطى الكرامة لمن له الكرامة، لكن دون السماح بالمذلة لإنسان ما، مهما كانت ظروفه وأوضاعه فى المجتمع أو الكنيسة.

ﮪ. تقديس الحرية الإنسانية، واحترام شخصية كل إنسان، ليعبر عن نفسه كسفير للسيد المسيح ووكالة السماء، محققاً رسالته التى من أجلها خلقة الله وقدم له الخلاص.

و. تكريس الطاقات والمواهب وتقديسها، أياً كانت!

ز. تحقيق العضوية الكنسية العاملة، بأن يمارس كل شخص دوراً إيجابياً فى المجتمع والكنيسة، مع خلق روح القيادة الصادقة بروح التواضع مع الشعور بالالتزام والمسئولية.

4 - كيف تُمارس الشركة عملياً بين المؤمنين؟

يُصور لنا الإنجيلى لوقا فى سفر الأعمال الكنيسة فى عصر الرسل بكونها تحمل شركة فى العبادة كما فى الممتلكات، فهى تقوم على اتحاد الأعضاء معاً فى جسد واحد، كل يهتم بالآخر.

فى نهاية القرن الثانى ظهر فى روما والإسكندرية وقرطاجنة وفى الشرق إقامة وجبات محبة agape بعد الاحتفال بليتورجيا الإفخارستيا، وذلك إما من أموال الكنيسة أو يقوم بها أحد الأغنياء. وإذ لم تكن بعد قد ظهرت المستشفيات، اهتمت الكنيسة بمعالجة المرضى[253].

لا يقف العطاء عند الأغنياء نحو الفقراء، بل الفقر أيضاً يعطى أخاه الفقير.

إن وُجد بينهم شخص فقير محتاج وليس لديهم شئ زائد، يصومون يومين أو ثلاثة أيام لكى يُقدموا الطعام الضرورى للمحتاج[254].

عندما قدم القديس أغناطيوس صورة مبسطة عن الأسقف المثالى، وضع أول التزاماته الاهتمام بتقديم احتياجات المساكين من بينهم الأرامل الذين صاروا فى عهدته بعد الرب[255].

وجد الضمان الاجتماعى مكانه فى الحياة الكنسية السرائرية والليتورجيات وكل عبادة. فلا ندهش إن اجتمعت الكنيسة معاً لتقضى سهرة تمتد الليل كله احتفالاً بشهيد انتصر، وأن تطلب فى صلواتها من أجل الراقدين، وأن يصلى كل عضو باسم الجماعة كلها.

شعر القديس بوليكربس قبل استشهاده مباشرة بالحاجة إلى الصلاة عن الكل "العظماء والصغار، المشهورين والمجهولين، وعن كل الكنيسة الجامعة فى كل العالم" [256]. كما يقول إن علاقة الحب الحقيقى غير المتغير، ليس أننا نشتهى خلاصنا وحده، بل خلاص كل الإخوة أيضاً[257]. هكذا يحسب البحث عن النفس المنحرفة ليس خيراً نُقدمه للغير بل لأنفسنا، لأنه ما دامت توجد نفس ضائعة، فنحن غير كاملين. بعودة النفس المنحرفة يحلّ السلام على الكنيسة ويكمل البنيان. إذ يتحدث القديس بوليكربس عن القس فالنز وزوجته اللذين بسبب الطمع انحرفا عن الإيمان، قائلاً: [إننى حزين جداً يا إخوة من أجل فالنز ومن أجل زوجته أيضاً، يا ليت الرب يمنحهما توبة صادقة! عالجوا هذا الأمر بالذات باعتدال، ولا تحسبوهما أعداء، بل حاولوا أعادتهما كعضوين مريضين تائهين، ومتى عادا يصبح جسدكم كاملاً، إذا فعلتم هذا فإنكم هذا فإنكم تبنون أنفسكم[258]]. وفى توصره للكاهن المثالى، يركز على العمل الاجتماعى للمحتاجين بفكر روحى، إذ كتب فى رسالته: [ينبغى أن يكون القسوس عطوفين ورحماء على الجميع، فيردّون الذين ضلوا، ويزورون المرضى، ولا يهملون الأرملة واليتيم والفقير، بل دائماً يكونون "معتنين بأمور حسنة قدام الرب والناس" (راجع رو12: 17؛ 2كو8: 21)، ممتنعين عن كل غضب، ومحاباة الناس، أو إصدار حكم ظالم، هاربين من كل محبة للمال، غير متعجلين فى الحكم ضد أحد، غير قاسين فى الحكم، عالمين إننا جميعاً مدينون بالخطية[259]].

يقول الشهيد كبريانوس: [قبل كل شئ (السيد المسيح) كمُعلم بالسلام ومدرس عن الوحدة، لم يرد لنا أن نصلى أفراداً أو بطريقة سرية حتى لا نصلى عن أنفسنا وحدنا. فإننا لا نقول بالحقيقة: "أبى الذى فى السماوات" ولا "خبزى اليومى أعطنى اليوم"... لكن لنا صلاة عامة جماعية، وعندما نصلى لا نطلب عن شخص واحد، بل عن الشعب كله، لأننا الشعب كله يكون وحدة. الله معلم السلام والاتفاق، الذى علمنا الوحدة يريد من كل إنسان أن يصلى عن الكل وذلك كما حملنا نحن جميعاً فى واحد[260]].

جاء فى الرسالة إلى ديوجنيتس: [لأى مسيحى الحريّة أن يشارك طعام قريبة، لكنه لن يشاركه مضطعه[261]].

يقول مينيكوس إن المسيحيين يحبون بعضهم حتى قبل أن يعرفوا بعضهم البعض[262].

يقول أريستيديس: [(المسيحيون) لا يهملون الأرملة، ويحررون اليتيم ممن يتعاملون معه بعنف، ويعطى (المسيحى) المحتاج دون تذمر، وعندما يرون غريباً يأخذونه إلى منازلهم، ويفرحون به كأخ لهم... وعندما يموت فقير، فإنهم إذ يعرفون بهذا، يُقدمون لجثمانه مدفناً حسب قدرتهم، وإن سمعوا أن أحدهم سُجن ويعانى ضيقاً من أجل المسيح، يتكاتفون معاً ويمدونه باحتياجاته وإن استطاعوا يطلقونه من السجن[263]].

يقول القديس إكليمنضس الرومانى: [حسن ومفيد أن "يفتقد الإنسان الأيتام والأرامل" خاصة الفقراء الذين لهم أبناء كثيرون[264]].


[251] Apology 39: 1.

[252] Sozomen: H. E. 34: 6.

[253] Polycarp, 1: 6.

[254] Aristides: Apol 15 (Syriac version).

[255] Ignatius: Pal. 1: 4;3: 4 Tertullian: Adv Marc. 16: 4.

[256] Martyr, Polycar. , 1: 8.

[257] Martyr, Polycar. , 2: 1.

[258] Martyr, Polycar. , 4: 11.

[259] Martyr, Polycar. , 6.

[260] St. Cyprian: De orat. Domin. , 8.

[261] Diognetus, 5.

[262] Octavius, 2: 9.

[263] Aristides, Apal. 15 (Suriac version).

[264] First Epistle on Virginity, 12.

No items found

(11) الإيمان المسيحى والطبقات الاجتماعية

(9) الإيمان المسيحى والعلاقات الاجتماعية والأسرية

فهرس المحتويات
فهرس المحتويات

المحتويات