الأصحاح الخامس – سفر يهوديت – القمص تادرس يعقوب ملطي

هذا الفصل هو جزء من كتاب: 18- تفسير سفر يهوديت – القمص تادرس يعقوب ملطي.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الأصحاح الخامس

حوار بين أليفانا وأحيور قائد بني عمون.

يروى لنا الكاتب غلبة ملك أشور على أرفكشاد ملك مادي، فاستسلمت له الممالك المحيطة، وصار الكل عبيدًا، وإذ لم يرسل اليهود إليه مستسلمين، سأل ملك أشور القائد العموني عن هذا الشعب الذي لم يستسلم، فأجاب إنهم لن ينهزموا إلا إذا أثموا ضد إلههم.

اغتاظ أليفانا، لأن إسرائيل استخف به، ولم يقابله بالاستسلام كسائر الشعوب.

روى أحيور قائد بني عمون قصة قيام إسرائيل منذ دعوة إبراهيم، وكيف خلصهم الرب من فرعون وملوك الكنعانيين واليبوسيين والحثيين الخ. وأنه لا يمكن النصرة عليهم ما لم يرتكبوا إثمًا في حق إلههم.

أراد عظماء أليفانا قتل أحيور، معتبرين إياه أنه يستهين بالملك وجيشه، وأنه يخدعهم.

1. مجلس حرب في معسكر أليفانا 1 - 4.

2. مشورة أحيور العموني لقائد أشور 5 - 19.

أ. أحيور يؤكد صدق روايته 5.

ب. من نسل الكلدانيين 6.

ج. خروجهم من أرض الكلدانيين 7 - 9.

د. إسرائيل في مصر 10 - 11.

هـ. خروجهم من مصر 12.

و. عبور البحر الأحمر 13.

ز. في البرية 14.

ح. تمتعهم بأرض الموعد 15 - 17.

ط. سقوطهم في السبي 18.

ي. عودتهم من السبي 19.

3. نصيحة أحيور لأليفانا وجيشه 20 - 21.

4. محاولة عظماء أليفانا تمزيق أحيور 22 - 24.

الأعداد 1-4

1. مجلس حرب في معسكر أليفانا

وأُخبِرَ أليفانا (هولوفرنيس) رَئيسُ قُوَّادِ جَيشِ أشور.

بِأَنَّ بني إِسْرائيلَ يستَعِدُّونَ لِلحَرْب،.

وبِأَنَّهم سَدُّوا مَسالِكَ الجَبَل،.

وحصنوا كُلَّ رَأسِ جَبلٍ عالٍ،.

ووَضَعوا الحَواجِزَ في السُّهول [1].

فغَضِبَ غَضَبًا شَديدًا،.

واستَدْعى جَميعَ رُؤَساء مُوآب وقُوَّادِ عَمُّون وجَميعَ رُؤَساءِ السَّاحِل [2].

دهش أليفانا أن شعب إسرائيل وحده دون سائر الشعوب اختار أن يقاومه، وأنهم يعدون أنفسهم بالفعل للدخول في معركة [1 - 2]. لهذا استدعى الرؤساء الأسرى، وبدأ يسألهم في تشامخ عما وراء موقف إسرائيل [3 - 4].

كان أليفانا يجهل تمامًا إمكانيات هذا العالم الساكن في المرتفعات.

استدعاء أليفانا القيادات العسكرية للأمم التي خضعت له يكشف عما حلّ بأليفانا من ارتباكٍ شديد، إذ لم يكن يتوقع أمة ما تتجاسر وتفعل ما فعله اليهود. أراد أليفانا أن يستفيد من خبرة هؤلاء القادة، بكونهم في جوارٍ للأمة اليهودية، يعرفون أسرارهم الحربية.

كان يتوقع أن يقدموا تقارير عسكرية لا علاقة لها بالعبادة والحياة الروحية. فقد آمن أليفانا بالقوة والسطوة والإمكانيات العسكرية.

ارتباك أليفانا مع كل إمكانياته أمام شعب يبدو كأنه أعزل لا سلاح له بالنسبة لجيش أليفانا، يكشف عن موقف إبليس الذي يظن أنه رئيس هذا العالم أمام المؤمن الذي يبدو في غاية الضعف. لكن كما يقول الرسول:

"أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني". (في 4: 13).

"متقوين بكل قوة بحسب قدرة مجده لكل صبر وطول أناة بفرحٍ". (كو 1: 11).

"حينما أنا ضعيف، فحينئذ أنا قوي" (2 كو 12: 10).

  • مخاوف المجاهد تصير له علة حياة لخلاصه، وعلى العكس تصير لعار أعدائه والسخرية بهم. يرد كل هجماتهم ويجعلها باطلة، ويصد كل اغراءاتهم... يقدم العدو معركة لأيوب ضد (شيطان) في الهواء، يتحرك بطريقة رهيبة بين السماء والأرض. فقد سقط (لوسيفر) من السماوات (إش 12: 14)، ولم يدعه القديسون الذين على الأرض يستريح عليها، مع أنه يرغب في أن يتمتع بدمارنا. فإنه إذ هزمه أيوب مرارًا لم يوقف المعركة، دون انتظار إلى النصرة الحاسمة، بل يتطلب مرارًا أن ينهك البار.

الأب هيسيخيوس الأورشليمي.

  • اُنظر رِفعة المسيحي الذي يُحارب رؤساء العالم (الشياطين)، فمع أنه يعيش على الأرض، لكنه يبسط قوَّته الروحيَّة أمام أرواح الشرّ في السماويَّات. ونحن لا نُكافأ بأمور أرضيَّة في حربنا من أجله، إنما مكافآتنا روحيَّة هي ملكوت السماوات وميراث المسيح.

يليق بنا أن نجاهد بكل مقاومة لإبليس، فالإكليل مقدَّم لنا، ويلزمنا أن نقبل الدخول معه في حرب. لا يكلَّل أحد ما لم يَغلب، ولا يمكن له أن يغلب ما لم يحارِب (2 تي 2: 5). والإكليل يعظُم كلما كثر الألم، لأنه ضيق وكرب هو الطريق المؤدِّي للحياة، وقليلون هم الذين يجدونه، وواسع هو الطريق المؤدِّي للموت (مت 7: 13).

يليق بنا ألا نخشى تجارب هذه الحياة قط، فهي فرصة مقدَّمة للغلبة ومادة للنصرة...

يُكثر المُضل من جرح المجاهد، ومع ذلك فالمُجاهد في شجاعته لا يضطرب قلبه...

إن تعرَّضت للتجارب فاعلم أن الأكاليل تُعد!....

أُلقي يوسف في السجن كثمرة لطهارته، لكنه ما كان يشارك في حكم مصر لو لم يبعه إخوته.

القدِّيس أمبروسيوس.

وقالَ لهم: "أَخبِروني، يا بَني كَنْعان،.

مَن هو ذلك الشَّعبُ المُقيمُ في النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة؟

وما هي المُدُنُ الَّتي يَسكُنُها؟

وما هو عَدَدُ جَيشِهم؟

وعلى أَيِّ شيءٍ تَقومُ قُدرَتُهم وقوَّتُهم؟

ومَن هو المَلِكُ القائِمُ علَيهِم والقائِدُ لِجيشهم؟ [3].

قدم أليفانا البنود الخاصة بالتقرير الذي أراده منهم: أصل هذا الشعب، ومدى أصالته، وخبراته الماضية، وظروفه الحالية، وإمكانيتهم، والقادة الذين يدبرون أمورهم خاصة العسكرية.

قدم الأسئلة وهو يتوقع الإجابة التي تُقدم له تأتي حسب هواه، تزيده فخرًا وعظمة واعتزازًا. كان يتوقع أن ينطق الكل بفمٍ واحدٍ أنه ليس من وجه للمقارنة بينهم وبينه. وأن موقفهم هذا لا يحمل إلا الغباوة والجهل وعدم إدراك لشخصية أليفانا وجيشه وإمكانياته.

أسئلته تتناغم مع روح إبليس المتعجرف والمتشامخ على الله نفسه وعلى شعبه والمؤمنين به.

  • لما كانت أكثر الشرور جسامة هي الكبرياء، تلك التي بسببها دخل الذين جلبوا الخراب على العالم: لأن إبليس إذا لم تكن له فضيلة التواضع الأولى، بل تبع الكبرياء، صار شريرًا، كما يعلن ذلك بولس الرسول بكل صراحة ووضوح قائلاً: "لئلا يتصلف، فيسقط في دينونة إبليس" (1 تي 3: 6). كذلك أيضًا الإنسان الأول لما انتفخ بواسطة الشيطان الذي أوعز إليه بتلك الأمنيات الكاذبة جُعل عبرة، وصار قابلاً للفناء (بعد أن أُعد أن يكون إلهيًا خالدًا)، وورث هؤلاء الذين جاءوا بعده الكبرياء والطمع وقد أقحم كل منهم بنفسه في طريق الضلال متوهمًا وراغبًا أن يكون مثل الله، لهذا أقول إن هذه الرذيلة هي أصل آثامنا، ومنبع كل شرورنا[104].

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم.

  • سقط لوسيفر، هذا الذي اعتاد أن يشرق في الفجر، والذي كان يقوم في فردوس النعيم، تأهل للحكم عليه: "إن كنت ترتفع كالنسر، وإن كان عشك موضوعًا بين النجوم، فمن هناك أحدرك يقول الرب" (عو 4). فقد قال في قلبه: "أرفع كرسيّ فوق كواكب الله" (إش 14: 13)، "أصير مثل العليّ" (إش 14: 14)؟ [105].
  • الشيطان هو رئيس المتكبرين يقول الكتاب المقدس: "لئلا يتصلف فيسقط في دينونة إبليس" (1 تي 3: 6). فإن من يمجد ذاته في قلبه هو شريك للشيطان الذي اعتاد أن يقول: "بقوة يديّ صنعت وبحكمتي لأني فهيم، ونقلت تخوم شعوبٍ" (إش 10: 13)... كل النقائص الأخرى تستحق رحمة الرب، لأنهم في تواضع يخضعون لمحاكمة الله. أما الكبرياء وحده، إذ يكرم ذاته فوق قدرته، يقاوم الله. الزاني أو الفاسق لا يجسر أن يرفع عينيه نحو السماء، في خزي النفس ينتظر مراحم الله. مثل هذا إذ ينحني ضميره ويتذلل حتى الأرض، فإنه يرتفع إلى السماء. عندما يرفع الكبرياء والرغبة الجامحة في المجد شخصًا ما، فإنهما في نفس الوقت يحطان منه، إذ بخطيته يجعله عدوًا لله[106].
  • لم يشبع كبرياء (لوسيفر) بالرغبة في السماويات، وإنما أصابه جنون، فحسب نفسه مثل الله[107].

القديس جيروم.

ولماذا اسْتَهانوا هم وحدهم بِالمَجيءِ لِمُلاقاتي،.

على خِلافِ ما صَنَعَ سُكَّانُ المَنطِقةِ الغَربيَّة؟ "[4].

لا نعرف بأية لهجة قدم هولوفرنيس هذه الأسئلة، هل تحدث بلغة الاستخفاف والاستهانة بهم، أم تحدث بلغة الدهشة لموقفهم. لكن واضح أنه كان في حيرة من الموقف الذي اتخذه اليهود، والذي لم تجسر أمة أخرى أو دولة أن تفعله.

حمل أليفانا ذات المشاعر التي حملها جليات الجبار سواء في مواجهته لشاول الملك مع جيشه، أو مواجهته الصبي داود.

ما حدث مع جليات الجبار يتكرر هنا مع أليفانا المتكبر.

سر هزيمة جليات أنه لم يدرك أن به نقطة ضعف لم يكن ممكنًا له أن يتلافاها، وهي أن جبهته مكشوفة، وكأن كل إمكانياته بشرية مهما أُحكم تدبيرها تجد فيها ثغرةً تُؤدي إلى فشلها.

لم يدرك جليات أنه وإن كان السيف والرمح لا يقدران أن يحطماه، لكن مقلاع الكلاب يستطيع أن يهز كل كيانه!

لم يعرف جليات أن لكبريائه نهائية، فقد وقف أربعين يومًا يُعيِّر رب الجنود، لكن الله أعد فتى صغيرًا ينهي كبرياء الجبار ويُذله. هذا ما يتكرر عبر الأجيال، كل متشامخ ظن أنه قادر أن يُحطم الكنيسة ويمحوها من الوجود تحطم هو وزال، وتبقى الكنيسة حية قوية!

أما سر قوة داود فهو اختفائه في رب الجنود، فلا يكون طرفًا في المعركة بل مجرد أداة في يد الله. المعركة هي بين الله والشيطان، لذا فالنصرة تصدر عن الله نفسه، إذ يقول: "أنت تأتي إليّ بسيف وبرمح وبترس، وأنا آتي إليك باسم رب الجنود إله صفوف إسرائيل الذين عيّرتهم... وتعلم هذه الجماعة كلها أنه ليس بسيف ولا برمح يخلص الرب. لأن الحرب للرب، وهو يدفعكم لنا" (1 صم 17: 45 - 47).

2. مشورة أحيور العموني لقائد أشور

العدد 5

أ. أحيور يؤكد صدق روايته

فأَجابَه أَحْيور Achior، رَئيسُ بَني عَمّونَ:

"لِيَسْمَعْ سَيَدي كَلامًا من فَمِ عَبدِكَ،.

فأُخبِرَكَ بِالحَقيقةِ عن ذلك الشَّعبِ السَّاكِنِ في تِلكَ النَّاحِيَةِ الجَبَلِيّة،.

والمُقيمِ بِالقُربِ مِنكَ،.

ولا يَخرُجُ كَذِبٌ مِن فَم عَبدِكَ [5].

أ. رأى بعض الدارسين[108] أن كلمة "أحيور" مشتقة عن الفعل العبري hy’wr، وأنه يعني "النور هو أخي (الإلهي)". وهو اسم لائق به حيث ألقى بنورٍ على تاريخ إسرائيل لهولوفرنيس، وأنه صار أخيرًا أخا يهوديًا، حيث قبل الإيمان اليهودي (10: 14).

ب. يرى[109] D. N. Freedman أنه يُمكن تفسير كلمة "أحيور" لتعني "الإله الشمس هو أخي الإلهي"، وهو أمر يتناسب مع يهوه الذي قيل عنه: "جعل للشمس مسكنًا فيها..." (مز 19: 4 - 6)، أو لأنه موآبي يعبد الإله الشمس.

ح. يرى آخرون مثل Cowley, Steinmamn أن هذا الاسم مشتق عن الكلمة السريانية Ahihud، وتعني: "أخ يهوذا" كما جاء في الترجمة السبعينية في عد 23: 27[110].

د. يرى Henri Cazelles أن Achior مأخوذة عن Ahikar وهو اسم حكيم وثني مشهور.

في رأي البعض أن أحيور أحد الأمميين الأتقياء الذين دعاهم الله للإيمان، مثل راحاب (يش 2 - 6)، ونعمان السرياني (2 مل 5) وخصي كنداكة الأثيوبي (أع 8: 26 - 40) وكرنيليوس (أع 10)، وغيرهم.

غير أن البعض وهم يرون فيه شخصًا ليس فقط يجيد تاريخ الشعب اليهودي بدقةٍ، وإنما الفكر اللاهوتي لهذا التاريخ (5: 5 - 21) أنه يهودي لم يختتن.

يعتقد البعض أن أحيور هنا هو نفسه Ahiker ابن أخ طوبيت وربشاقي الذي لسنحاريب. لا نعجب إن كان لأحيور خلفية إسرائيلية، ففي الحملة الثالثة اُختير بصفة خاصة لمخاطبة اليهود بلغتهم. فقد كان ربشاقي ضليعًا في الآرامية والعبرية، وقد طلب منه الرؤساء الثلاثة من اليهود الذين جاءوا معه ألا يتكلم بلغة الشعب (إش 36: 11 - 12).

كلمة "ربشاقي" معناها حرفيًا "الرجل العظيم" مثل Turtan وهو لقب عسكري يميز حامله عن بقية كل القيادات العسكرية. نراه في سفر يهوديت يتكلم مباشرة بعد القائد الأكبر أليفانا نفسه.

نظر اليهود إلى أحيور قائد العمونيين نظرة ملؤها الامتنان، وحسبوه الوثني الصالح.

جاء خطاب أحيور عرضًا مختصرًا لتاريخ اليهود. وقد عرض الكتاب المقدس هذا التاريخ باختصار في مواقفٍ كثيرة، كما جاء في مز ٧٨؛ ١٠٥؛ ١٠٦؛ حز ١٦؛ ٢٠؛ حك ١٠؛ أع ٧. أما صلب التاريخ كله كما ورد هنا فإن إمكانيات الشعب اليهودي تتوقف لا على قدراتهم العسكرية، وإنما على علاقتهم بالله إلههم، فإن أطاعوه وسلكوا حسب وصاياه لا تقف أمامهم أية قوات بشرية أو طبيعية، وإن عصوا وصاياه انحلوا وسقطوا.

لقد حمل الخطاب تحذيرًا لأليفانا مؤكدًا له أنه سيلحق به وبجيشه عارٌ، فإن إمكانيات اليهود غير منظورة، لا يقدر بشر على مواجهتها.

  • في سفر يهوديت، عندما سأل أليفانا عدو الإسرائيليين من أي نوع هذه الأمة، وأية حرب تُعلن ضدها، أجابه أحيور قائد العمونيين هكذا: لِيَسْمَعْ سَيَدي كَلامًا من فَمِ عَبدِكَ، فأُخبِرَكَ بِالحَقيقةِ عن ذلك الشَّعبِ... (5: 5 - 9)، كما روى أحيور العموني. من هذا واضح أن بيت تارح عانى اضطهادًا من الكلدانيين من أجل التقوى الحقيقية التي بها عبدوا الله الواحد الحقيقي[111].

القديس أغسطينوس.

العدد 6

ب. من نسل الكلدانيين

إِنَّ هذا الشَّعبَ هو مِن نِسْلِ الكَلْدانِيِّين Chaldeans [6].

مما دعا البعض إلى وجود خلفية يهودية وراء شخصية أحيور، أنه تحدث عن التاريخ الإسرائيلي ابتداء من إبراهيم إلى عصره (5: 6 - 19). فهل يمكن لعموني وثني أن تكون له مثل هذه المعرفة في شيء من التفصيل؟ على أي الأحوال دعاه أليفاز: "مرتزق إفرايمي" (6: 2). ويرى البعض أنه إفرايمي، لكنه إلى ذلك الوقت لم يكن قد اختتن، فحسب كأنه أممي عموني.

الأعداد 7-9

ج. خروجهم من أرض الكلدانيين

أَقاموا سابقًا فيما بَينَ النَّهْرَين Mesopotamia،.

لأَنَّهم أَبَوُا إتباع آِلهَةِ آبائِهمِ المُقيمينَ بِأَرضِ الكَلْدانِيِّين Chaldea [7].

يقصد بأرض الكلدانيين حاران في شمال ما بين النهرين (تك 11: 31؛ نح 9: 7).

جاء في الترجمة السريانية وأيضًا الفولجاتا "التي عُبدت"، وكأن الضمير هنا لا يعود على "آبائهم" وإنما على "آلهة آبائهم".

يؤكد السيد المسيح مدى أمانته مع من يقدم للرب ولو كأس ماء، قائلاً: "لأن من سقاكم كأس ماء باسمي، لأنكم للمسيح، فالحق أقول لكم إنه لا يضيع أجره" (مر 9: 41). هكذا إذ خرج إبراهيم من أرض حاران من أجل دعوة الله له (خر 12: 1). لم ينس الله له هذا العمل الإيماني الرائع، وبقى رصيدًا له ولنسله السالكين على منواله، وسيبقى سرّ مجد له حتى في اليوم الأخير.

  • إنه يعلمنا أنه ليس من عملٍ بضميرٍ صالحٍ يكون بلا نفع[112].

القديس هيلاري أسقف بواتييه.

  • لن يطلب الله من خدامه أن يفعلوا أمرًا مستحيلاً. يعلن حب اللاهوت وصلاحه بكونه ممكنًا لنا نواله بغنى. إنه يسكبه كالماء على الجميع. فإن الله ينعش كل شخصٍ حسب إرادته بما يمَّكنه من عمل شيء صالحٍ. ليس أحد ممن يطلب الخلاص تنقصه هذه الإمكانية، يعطيه ذاك القائل: "لأن من سقاكم كأس ماء باسمي لأنكم للمسيح، فالحق أقول لكم إنه لا يضيع أجره" (مت 10: 42؛ مر 9: 41) [113].

القديس غريغوريوس أسقف نيصص.

وخَرَجوا عن طَريقِ آبائِهم، وسَجَدوا لإِِلهِ السَّماء،.

لِلإِلهِ الَّذي عَرَفوه.

فطُرِدوا مِن وَجهِ آلهتهِم،.

وهَرَبوا إلى ما بَينَ النَّهرَين،.

وأَقاموا هُناكَ لوقتٍ طويلٍ [8].

يقصد بالطريق هنا "العبادة"، وذلك كما ورد في 2 مل 16: 3 عن آحاز بن يوثام ملك يهوذا "سار في طريق ملوك إسرائيل حتى أنه عبر في النار حسب أرجاس الأمم...".

إله السماء: كثيرًا ما يُشار إلى الله الحقيقي بتعبير "إله السماء" (2 أي 36: 23؛ عزرا 1: 2؛ 5: 11، 12؛ دا 2: 37؛ طوبيا 10: 11، 12؛ يهو 6: 19، 11: 17).

يرى البعض أن هذه الآية، جاءت اعتراضية وسط الحديث، إذ لم يذكر سفر التكوين 11: 31 - 12: 5 أن إبراهيم وأهل بيته قد طُردوا، إنما خرجوا بكامل حرية إرادتهم. غير أنه جاء في المدراش أن إبراهيم قد طُرد من أور الكلدانيين[114]. وربما قد وجد إبراهيم مضايقات بسبب رفضه لعبادة القمر، الذي كان الكلدانيون يتعبدون له، واحتمل مضايقاتهم حتى جاءته الدعوة بالخروج فأطاع.

إن كان سفر التكوين لم يذكر أن إبراهيم قد طُرد من وجه الآلهة الكاذبة، غير أنه في كل جيلٍ لا تحتمل الآلهة الكاذبة وغير المؤمنين من يلتصقوا بالله الحي. وقد قيل: "بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله" (أع 14: 22).

  • كانت الاضطهادات تلي اضطهادات: حروب وصراعات ورجم. هذه كلها ليست بأقل من عمل المعجزات، جعلتهما مشهورين، وأعدت لهما فرحًا عظيمًا. لم يقل الكتاب (عن الرسل) في أي موضع عادوا فرحين لأنهم صنعوا معجزات، لكنه قال أنهم فرحوا إذ حُسبوا أهلاً ان يهانوا من أجل اسمه (أع 5: 41). هذا تعلموه من المسيح القائل: "لا تفرحوا بأن الشياطين تطيعكم (راجع لو 10: 20). فإن الفرح الحقيقي والذي بدون تزييف هو التألم من أجل المسيح[115].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

  • لا يُكلل أحد ما لم يجاهد قانونيًا؛ ليست نصرة مجيدة ما لم يكن الصراع متعبًا[116].

القديس أمبروسيوس.

وأَمَرَهُم إِلهُهم أَن يَخرُجوا مِن مُقامِهِم،.

ويَذْهَبوا إلى أَرضِ كَنْعان.

فأقاموا هُناكَ، واغتنوا جدًا بالذَهَب والفِضَّةً،.

وكثُرَت قُطْعانُهم جِدًّا [9].

إن كان العالم يطرد أولاد الله، فإن الله من جانبه يسد كل احتياجاتهم، بل ويغنيهم بفيض نعمته. قيل عن إبراهيم: "كان أبرام غنيًا جدًا في المواشي والفضة والذهب" (تك 13: 2).

ما هو سرّ الغني؟ إن كان عن ضعف سقط أبرام، لكنه بقوة الروح لم يستسلم للسقوط، وكأنه يقول: "لا تشمتي بي يا عدوتي، إذا سقطت أقوم، إذا جلست في الظلمة فالرب نور لي" (مى 7: 8) فالنفس المؤمنة المملوءة رجاءً تتحول حتى ضعفاتها إلي فرص لاقتناء غني أعظم. عندما سقط ثيؤدور في حب امرأة جميلة تاركًا الحياة الرهبانية أرسل إليه القديس يوحنا الذهبي الفم يؤكد له أن يأسه أكثر مرارة من الزنى، فبعث إليه برسالتين حتى تاب وصار قسًا فأسقفًا علي منطقة ما بين النهرين (المصيصة)، فمن كلمات القديس له: [إن كان الشيطان لديه هذه القدرة أن يطرحك أرضًا من العلو الشامخ والفضيلة السامية، إلي أبعد حدود الشرور فكم بالأكثر جدًا الله قادرًا أن يرفعك إلي الثقة السابقة ولا يجعلك فقط كما كنت، بل أسعد من ذي قبل. لا تيأس، ولا تطرح الرجاء الحسن، ولا تسقط فيما سقط فيه الملحدون، فإنه ليست كثرة الخطايا هي التي تؤدي إلي اليأس بل عدم تقوى النفس[117].].

امتلأ إبراهيم ذهبًا وفضة. يرى العلامة أوريجينوس أن الذهب يشير إلى الحياة السماوية، والفضة تشير إلى كلمة الله. فسرّ غنى إبراهيم ارتفاع قلبه إلى السماء، وسكنى كلمة الله فيه.

الأعداد 10-11

د. إسرائيل في مصر

ونَزَلوا إلى مِصْر،.

لأنَّ المَجاعةَ عَمَّت كل كَنْعان،.

وأَقاموا هُناكَ فظَلُُّوا على قَيدِ الحَياة،.

وصاروا جُمْهورًا كبيرًا،.

وكانَ عددهم لا يُحْصى [10].

بتدبير إلهي نشأ بنو إسرائيل كأمةٍ في مصر قبل خروجهم إلى البرية وعبورهم إلى أرض الموعد، لكي يتذكر المؤمنون في كل الأجيال أنهم غرباء ونزلاء، يعبر بهم الرب من أرض العبودية إلى أورشليم العليا. هذا هو حال كل الكنيسة سواء كان الأعضاء من أصلٍ يهودي أو أممي.

"استمع صلاتي يا رب، وأصغ إلى صراخي، لا تسكت عن دموعي، لأني أنا غريب عندك. نزيل مثل جميع آبائي" (مز 39: 12 - 13).

"غريب أنا في الأرض، لا تخفِ عني وصاياك" (مز 119: 19).

  • كان القديسون غرباء ونزلاء في هذا العالم... عاش إبراهيم في كل أموره ينتمي للمدينة الباقية. لقد أظهر كرمًا ومحبة أخوية ورحمة وطول أناة، وزهدًا في الثروة وفي المجد الزمني وفي كل شيء.
  • لنكن غرباء كي لا يخجل الله من أن يُدعى إلهنا، لأنه من الخزي لإلهنا أن يُدعى إله الأشرار! إنه يخجل من الأشرار، ويتمجد إذا ما دُعي إله الأبرار والرحماء والنامين في الفضيلة[118].

القديس يوحنا الذهبي الفم.

  • هكذا أسرع داود إلى الرحيل من هذا الموضع كنزيل، قائلاً: "أنا هارب أمامك على الأرض، ومجتاز مثل جميع آبائي". كنزيل كان مسرعًا إلى وطن كل القديسين؛ أما بالنسبة للدنس الذي يلحق به في سكناه هنا فيطلب عنه المغفرة قبل رحيله من هذه الحياة فمن لا ينال غفران خطاياه هنا لا ينال الحياة الأبدية، لأن الحياة الأبدية هي غفران للخطايا، لذلك يقول: "أغفر لي لكيما أستريح قبل أن أذهب فلا أوجد أيضًا" [119].

القديس أمبروسيوس.

فقاَم مَلِكُ مِصْر ضدهم،.

وخَدَعَهم بِتسْخيرِهم لِعَمَلِ اللَّبِن،.

وأَذَلهم واستَعبَدهم [11].

سمح الله لهم أن يذلوهم، "لكن بحسبما أذلوهم، هكذا نموا وامتدوا" (خر 1: 12).

إن كان الله قد بدا كأنه قد ترك شعبه للمذلة، لكن الكتاب يؤكد "بحسبما أذلوهم هكذا نموا وامتدوا" (خر 1: 12). إن كانت يد العبودية قد قست لكن الله لم يتركهم، وعمل على خلاصهم بكل الطرق.

هذا وخلال المذلة المؤقتة اشتاقوا إلى الحياة الأفضل، فلو بقى الشعب في راحة لما انطلقوا إلى كنعان. هكذا يسمح الله لنا بالضيقات والأتعاب ليعدنا للحياة الفضلى والتمتع بكنعان السماوية. يقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم: [الله صالح ومحب، ليس فقط عندما يعطي عطايا، بل وعندما يؤدبنا أيضًا. فإنه حتى تأديباته وعقوباته هي من قبيل جوده، ومظهر عظيم من مظاهر عونه لنا[120].].

يرى العلامة أوريجينوس أن الله هو شمس البرّ، فإن كان قلب فرعون أشبه بالطين، فإن حرارة الشمس حولت الطين إلى القسوة (اللبِنْ)، ونور الشمس أضاء على الشعب الذي عانى من الضيق. لقد سخرَّ فرعون المؤمنين في عمل اللبن، لأن قلبه كان من الطين الذي تقسى[121].

ويرى القديس أغسطينوس أن الله سمح لشعبه بالعمل في اللبِنْ لكي يدركوا أن قلوبهم قد التصقت بالشهوات الجسدية فصاروا كاللبن، يحتاجون إلى السيد المسيح ليدخل بهم إلى الراحة من أتعابهم[122].

العدد 12

هـ. خروجهم من مصر

فصَرَخوا إلى إِلهِهم،.

فضَرَبَ كُلَّ أَرضِ مِصْرَ بضَرَباتٍ مميتة.

وطَرَدَهمُ المِصرُّيونَ مِن وَجهِهم [12].

كان موسى وهرون يتوسلان إلى فرعون ليسمح للشعب بالخروج لتقديم ذبائح للرب. وإذ أصر فرعون على الرفض بعنفٍ شديدٍ، سمح الله بالضربات، حتى صرخ الشعب طالبًا منهم أن يخرجوا مهما تكن التكلفة، مقدمين لهم ذهبًا وفضة عند خروجهم (خر 12: 31 - 36).

يصور لنا سفر الحكمة موقف الشعب عند خروجه وموقف المصريين، فيقول: وكانوا منذ ذلك الحين ينشدون أناشيد الآباء. وكانت جلَبَةُ الأعداء الناشزةُ تردُّ عليهم، وصوت الباكين على أطفالهم بالنحيب ينتشرُ في كل اتجاهٍ "(حك 18: 9 - 10). بينما كان الأبرار وسط ضيقتهم ينشدون معًا بروح واحدة في تناغم فيما بينهم، كما في تناغمٍ مع آبائهم، إذا بغير المؤمنين يصدرون أصوات نشاز رهيبة وصرخات مرة، بسبب قتل أبكارهم. لقد امتلأت بقاع مصر من صوت النحيب بسبب موت أبنائهم. ومع أن الكارثة التي حلت بهم مشتركة لكن الأصوات تمثل ضوضاء بلا انسجام.

الكنيسة حتى في وسط آلامها تتمتع بالوحدة في الروح بعمل الروح القدس، أما الأشرار فحتى أن اتفقوا على مقاومة الكنيسة يصدرون أصواتًا متعارضة ليس فيها تناغم.

العدد 13

و. عبور البحر الأحمر

فجفَّفَ اللهُ البَحرَ الأَحمَرَ أَمامَهم [13].

يصور لنا سفر الحكمة عبور البحر الأحمر وغرق جيش فرعون فيه بالقول: فإنهم، بينما كانوا لا يزالون ينوحون وينتحبون على قبور أمواتهم، خطر لهم فِكرٌ آخر غبيّ، وأخذوا يطاردون الذين حثُّوهم على الرحيل، مطاردتهم لقومٍ هاربين "(حك 19: 3).

بجانب طلبهم الإسراع بالخروج، تركوا قبور أبكارهم، وعوض النحيب خطر على بالهم فكر غبي، ألا وهو مطاردة من سمحوا لهم بالخروج.

هذا يكشف عن قلب مملوء بغضة وكراهية، فلا يبالون بالأبكار الذين ماتوا، إنما ما يشغلهم هو قتل من خدموهم وأحسنوا إليهم. دفعوا أنفسهم بأنفسهم للهلاك ثمرة فسادهم، فيتحقق فيهم العدل. لقد نسوا الضربات العشر، وكأنها كانت غير كافية، فألقوا بأنفسهم في ضربة قاضية.

العدد 14

ز. في البرية

وقادَهم في طَريقِ سيناءَ وقادِشَ بَرْنِيع Kadesh - Barnea.

فطَرَدوا جَميعَ سُكَّانِ البَرِّيَّة [14].

قدمت لنا الترجمة الفولجاتا تفسيرًا للآيات 12 - 14، ترجمة القديس جيروم عن المخطوط الكلداني:

"فتح إله السماء البحر لهم عند هروبهم، فصارت المياه واقفة في ثباتٍ كحائطٍ من الجانبين، وساروا خلال عمق البحر وعبروا فيه بالأقدام بكونه جافًا. وعندما اقتفي جيش المصريين الذي لا يُعد أثرهم في ذلك الموضع ابتلعتهم المياه، ولم تترك أحدًا منهم ليروي للأجيال المتعاقبة ما حدث.

وعندما خرجوا من البحر الأحمر سكنوا في جبل سيناء، الموضع الذي لم يكن ممكنًا لأي إنسان أن يقطنه أو ابن إنسان أن يستريح فيه. هناك صارت الينابيع المرة عذبة لهم ليشربوا منها، وتقبلوا طعامًا من السماء لمدة أربعين عامًا "(الترجمة الفولجاتا 5: 12 - 15).

الأعداد 15-17

ح. تمتعهم بأرض الموعد

وأَقاموا في أَرضِ الأَمورِيِّين.

وأَبادوا جَميعَ الحَشْبونِيِّينَ بِقُوَّتِهم.

وبَعدَ أَن عَبَروا الأُردُنّ،.

اِستَولَوا على كُلِّ النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة [15].

يرى البعض ما جاء في الترجمات الحديثة للعبارة "جميع الحشبونيين" في الأصل "الذين في حشبون Heshbon"، وقد كانت حشبون عاصمة الأموريين كما جاء في عد 21: 25 - 26، 34، إذ كان سيحون ملك الأموريين ساكنًا في حشبون.

تقع حشبون عبر الأردن جنوب وادي حسبان في الجزء الشمالي لموآب، تبعد حوالي 50 ميلاً شرق أورشليم.

وطَرَدوا مِن وَجهِهِمِ الكَنْعانِيَينَ والفَرِزِّيَينَ Pherezites.

واليَبوسِيِّينَ Jebusites وأهل شَكيمَ Sychemites والجِرْجاشِيِّين Gergesites.

وأَقاموا هُناكَ لزمنٍ طويلٍ [16].

كانت الأمم الوثنية في ذلك الحين تشير إلى الخطايا، لأنه لم يكن ممكنًا للإنسان في ذلك الحين أن يميز بين الخطية والخاطي. فطرد الأمم هنا يشير إلى طرد الخطايا من القلب، لكي يكون مكرسًا بالكامل لله.

  • ما دامت القوى المعادية التي تعمل الخطية فينا لا تأتي وتثيرنا للخطية أو تدفعنا للحرب، لا تُقتل ولا تفنى؛ لهذا السبب فإنه يُقال بأن الله يسمح أن نثير هذه القوات ونقاومها لكي تدخل معنا في معركة، فننال النصرة وهم يهلكون[123].

العلامة أوريجينوس.

وماداموا لا يَخطَئونَ إلى إِلهِهم،.

كانَوا يزدهرون،.

لأَنَّ إِلههم الذي يُبغِضُ الإِثم كان معهم [17].

جاء الأصحاح 28 من سفر التثنية يقدم الوعد بالخيرات من كل جانب لمن يسمع صوت الرب، ويسلك حسب وصاياه.

العدد 18

ط. سقوطهم في السبي

ولَمَّا حادوا عنِ الطَّريقِ الَّذي رَسَمَه لَهم،.

أُبيدوا إلى حَدٍّ بَعيدٍ في معاركٍ عَديدةٍ،.

وتَمَّ سبيهم إلى أَرضٍ غير أَرضِهم.

ولم يَبقَ مِن هَيكَلِ إِلهِهم إِلاً الأَساس،.

وسَقَطَت مُدُنُهم في أَيدي خُصومِهِم [18].

لقد أرسل الله الكثير من الأنبياء ليحذر شعبه من السقوط في الخطية والانغماس في الشهوات، منذرين أنه سيسلمهم للسبي، وستخرب أورشليم ويُهدم الهيكل.

بسبب شرور إسرائيل سقطت تحت السبي الأشوري، وتمّ إجلاء الكثيرين من السامرة وإرسالهم إلى أشور، بينما بعثتْ بعض الغرباء إلى السامرة، حتى يفقد اليهود هويتهم ولغتهم وعبادتهم. بهذا كان السامريون، أي سكان السامرة عاصمة إسرائيل خليطًا بين اليهود والأمم الوثنيين، وهذا سبَّب عداوة مُرَّة بينهم وبين اليهود.

كانت مملكة يهوذا تفتخر بأن ملكها من نسل داود، وتحتفظ بأورشليم مدينة الله كعاصمة لها، وبها الهيكل. ووُجد بها ملوك صالحون وآخرون أشرار.

كان يليق بيهوذا أن يتّعظ بما حدث مع مملكة إسرائيل، حيث سقطتْ تحت السبي الأشوري. لكن مملكة يهوذا سقطتْ في شرورٍ كثيرةٍ، مُعتمِدة على أن الله لن يسمحَ بدمار مدينته وهيكله، وأنه لن يذل ملوكها لأنهم من نسل داود.

كثيرًا ما حذَّر الأنبياء مملكة يهوذا كما حذّروا مملكة إسرائيل، لكنهم لم يسمعوا لهم، بل اضطهدوهم.

عندما صار نبوخذنصر إمبراطورًا لبابل صمَّم أن يستولي على يهوذا ليُحَطِّم قومية اليهود تمامًا وكل عبادتهم وتراثهم. وبالفعل تم سبي يهوذا وترحيل الأشراف والنبلاء والمهرة في الأعمال إلى السبي.

العدد 19

ي. عودتهم من السبي

والآن فقَد رجعوا إلى إِلهِهم،.

وصَعِدوا مِنَ الشَّتاتِ الَّذي تشتَّتوا فيه،.

واستَعادوا أُورَشليم حَيثُ مَقدِسُهم،.

وأَقاموا في النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة،.

فقَد كانَت غيرَ مأهولة [19].

لم يترك الله شعبه، بل أرسل لهم أنبياء في السبي، يقدمون لهم الرجاء في العودة حسب وعد الله. خلال السبي تاب البعض، واشتاقوا إلى العودة إلى أرض الموعد، والرجوع إلى عبادة الله الحيّ.

في عام 538 ق. م. في أيام كورش الفارسي سُمِحَ لليهود بالعودة إلى أورشليم وإعادة بناء الهيكل.

الأعداد 20-21

3. نصيحة أحيور لأليفانا وجيشه

والآن، يا سيدي إن كانَت في هذا الشَّعبِ جَهالة،.

وأَخطَأَوا إلى إِلهِهم،.

ورَأَينا أَنَّ عِندَهم سَبَبَ الضُّعْفِ هذا،.

نَصعَدُ ونهزمهم [20].

أكدَّ أحيور لأليفانا أنه ليس من طريق للنصرة على اليهود غير سقوطهم في الخطية أو في الضعف.

وإِن لم يكُنْ إِثْمٌ في أُمَّتِهم،.

فلْيَعدِلْ سيِّدي،.

لِئَلاَّ يحميهم رَبّهُم ويُدافِعَ عَنهُم إِلهُهم،.

فنَكونَ عُرضَةً لِتَعْييرِ الأَرضِ كُلِّها "[21].

ختم أحيور بالنتيجة التالية، أن الحرب ليست مع الشعب بل مع الله إلههم القدير، مادام لا يوجد فيهم إثم. وأن الدخول في معركة مع هذا الإله يؤدي إلى الخزي والعار لأليفانا وجيشه.

الأعداد 22-24

4. محاولة عظماء أليفانا تمزيق أحيور

فلمَّا انتَهْى أَحْيورُ مِن هذا الكَلام،.

تذَمَّرَ كُلُّ الشَّعبِ الواقف حَولَ الخَيمة،.

وهَمَّ بِتَمزيقِه عُظَمَاءُ أليفانا.

وجَميعُ سُكَّانِ السَّاحِلِ وموآب [22].

حسب أليفانا خطاب أحيور هذا إهانة مرّة لأليفانا وجيشه، كما حسبه إهانة لنبوخذنصر إله الأرض كلها. فإن كانت المعركة تمس الآلهة، ففي ذهنه ليس من إله يقف أمام نبوخذنصر.

كما أثار هذا الخطاب رجال أليفانا سواء الأشوريين أو ممن خضعوا له من الأمم، وحسبوا ذلك إهانة لهم لا تغتفر، فلن يسمحوا لأنفسهم أن يهددهم شعب أو جيش أو شخص أو إله ما.

لم يكن يتوقع الجنود المرتزقة دفاع أحيور عن إسرائيل مما أذهلهم، فأرادوا تمزيقه قطعًا قطعًا.

إذ قالوا: لأَنَّنا لا نَخافُ مِن الإِسْرائيليين،.

فهذا شَعبٌ لا قُوَّةَ لَه ولا قُدرَةَ على شنّ قِتالٍ [23].

بينما تحدث أحيور عن أن المعركة في حقيقتها ستكون ضد الله شخصيًا، تطلع جيش أليفانا وكل الذين انضموا إليه أن المعركة ضد شعب هزيل لا قدرة له على قتالٍ عنيفٍ.

سنَصعَدُ إِذًا، وسيَلتَهِمُهم جيشك كلهَ التِهامًا،.

أيُّها السَّيِّدُ أليفانا "[24].

جاءت الترجمة الحرفية: "سيفترسهم جيشك".

جاءت في الترجمة الفولجاتا ما يقابل هذه العبارة، هكذا: "لذلك فلكي يعلم أحيور أنه يخدعنا، دعنا نصعد على الجبال، وعندما يؤخذ رجالهم الأقوياء كمسجونين، ليُطعن معهم بالسيف، حتى تعرف كل أمةٍ أن نبوخذنصر هو إله الأرض، وليس آخر معه".

من وحي يهوديت 5.

أنت حصن حياتي!

والهيكل المقدس القائم فيها،.

لم يستسلم رئيس الكهنة وكل القادة،.

بل وثقوا أنك تدافع عن مدينتك المقدسة،.

وتغير على هيكل قدسك.

  • اضطرب القائد العظيم أليفانا.

ارتبك أمام شعب ضعيف في إمكانياته.

وتساءل عن سبب عدم استسلامه كسائر الأمم.

  • إلهي، بصليبك أقمت لك مسكنًا في قلبي.

أعلنت أن ملكوتك الإلهي في داخلي.

ووهبتني سلطانًا أن أدوس على الحيات والعقارب.

فلماذا أخشى إبليس وكل قواته؟

  • وعودك صادقة وأمينة لنفسي!

قلت: أنا أكون سور نار لها،.

ومجدًا في داخلها.

  • معاملاتك معي عبر الزمن تكشف عن رعايتك لي.

بصليبك حررتني من عبودية إبليس.

فتحت لي طريقًا في مياه المعمودية،.

ووهبتني البنوة للآب.

ومسحتني بروحك القدوس الناري!

  • بك وبنعمتك أطرد قوات الظلمة،.

فلا يكون لها موضع فيّ!

تهبني نصرات عجيبة،.

وتعد لي شركة أمجاد سماوية.

  • تغسلني من خطاياي، فأتمتع بروح القوة.

تمتلئ نفسي فرحًا وتهليلاً،.

إذ تفتح عن بصيرتي، فأرى السماء ترحب بي.

  • روحك القدوس يرتفع بي،.

فأنطلق من مجدٍ إلى مجدٍ.

أحيا بك متهللاً،.

وأنعم بعربون سماواتك.

لك المجد يا واهب النصرة!

  • هب لي روح التواضع، فأتشبه بك.

ليس لي نصرة بإمكانياتي،.

ولا بحكمتي البشرية.

أنت حصن حياتي،.

حافظ نفسي.

لألتصق بك،.

فأنعم بالشركة معك!


[104] Homilies on Matthew, 15: 3.

[105] Letters, 22: 4.

[106] Homilies on Ps. (Ps. 93).

[107] Homilies on Psalms, (Ps. 93).

[108] Carey Moore, p. 158.

[109] Carey Moore, p. 158.

[110] Cf. Carey Moore, p. 140.

[111] City of , 1: 13.

[112] On Matthew, 10: 29.

[113] On the Christian Mode of Life.

[114] Josephus: Antiq 1: 6: 5.

[115] Hom. on Acts, hom. 31.

[116] Duties of the Clergy, 1: 16.

[117] ستعود بقوة أعظم، ١٩٦٧، ص ٥، ٦.

[118] In Hebr. 24: 4; 24: 7.

[119] Death as a Good, 2: 5.

[120] القمص تادرس يعقوب: القديس يوحنا ذهبي الفم: هل للشيطان سلطان عليك؟ طبعة 1972م، ص 27.

[121] Commentary on Song. 2: 2.

[122] Tractate on the Gospel of John 28: 9.

[123]

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح السادس - سفر يهوديت - القمص تادرس يعقوب ملطي

الأصحاح الرابع - سفر يهوديت - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفاسير سفر يهوديت الأصحاح 5
تفاسير سفر يهوديت الأصحاح 5