الأصحاح الأول – تفسير الرسالة إلى كولوسي – القمص أنطونيوس فكري

المقدمة

كولوسى مدينة صغيرة فى مقاطعة فريجية بآسيا الصغرى (تركيا)، على نهر ليكوس، وعلى بعد 12 ميلاً من لاودكية (وادى ليكوس يضم كولوسى وأفسس وهيرابوليس ولاودكية). وكانت كولوسى على الطريق التجارى الممتد من الشرق (وادى الفرات) إلى الغرب (أفسس). وكولوسى تقع على بعد 160 كم شرق أفسس، وعلى بعد نحو24 كم جنوب شرق لاودكية.

نشأت الكنيسة هناك غالباً على يدى أبفراس تلميذ بولس الرسول (كو1: 8، 7) وأبفراس آمن غالباً على يدى بولس الرسول (أع 19: 10). ولقد بشر بولس فى أفسس، وبالطبع عرف المسيح على يدى بولس بعض سكان كولوسى القريبة من أفسس، ورأوا معجزاته (أع 19: 10، 11، 26). كما خدم بكولوسى كثير من أصدقاء الرسول وأولاده الروحيين الذين آمنوا بواسطته مثل أرخبس. وربما زار بولس كولوسى فى أثناء رحلته التبشيرية الثالثة (أع18: 23 + كو4: 1 + كو1: 2).

أبفراس: هو إختصار إسم أبفرودتس. وهو الذى بشر فى كولوسى ولاودكية وهيرابوليس، وأُسرَ بعد ذلك مع بولس (فل23).

تاريخ كتابتها: كتبها بولس الرسول أثناء سجنه الأول فى روما (كو3: 4، 10، 18) وكتب معها فى نفس الفترة رسائل أفسس وفيلبى وفليمون. ومدة الأسر الأول فى روما كانت من سنة 62م إلى سنة 63م.

غاية الكتابة: جاء أبفراس لبولس يستشيره فى أمور إيمانية، فلقد ظهر بعض المبتدعين من:

1) المتهودين 2) الغنوسيون.

فالمتهودون: دعوا المؤمنين للعودة إلى التهود ولأعمال الختان وحفظ يوم السبت وأعمال الناموس والإمتناع عن بعض الأطعمة. هؤلاء أرادوا أن تكون المسيحية طائفة من طوائف اليهودية. وهؤلاء كان رد الرسول عليهم بأن الخلاص لا يتم سوى بدم المسيح، وأن المسيح هو واهب كل شىء لكنيسته، وهو مصدر الكمال، إذ إدعى المتهودون أن الناموس شرط للخلاص.

الغنوسية: هى فلسفة عقلية إنتشرت فى القرن الأول ولكنها أخذت إسمها (غنوسية) فى القرن الثانى، وكلمة غنوسية مشتقة من كلمة يونانية هى نوسيس، ومنها KNOW الإنجليزية ومعناها علم أو معرفة. وهى تعتمد على أفكار الإتكال على الفكر البشرى دون الإيمان، وتطلب عبادة الملائكة. لذا جاء الحديث عن المسيح كرأس الكنيسة وواهب كل شىء لكنيسته وهو مصدر كمال الكنيسة.

والغنوسية هى خليط من الفلسفة اليونانية والتصوف الشرقى (وهذا إبتدعته جماعة يهودية إسمها الأسينية، فهم دعوا للتقشف والزهد وعدم الزواج وإحتقار المال، وهؤلاء شككوا فى القيامة).

والغنوسيون قالوا إن المادة شر والروح خير، لذلك أثاروا سؤالاً.. كيف يخلق الله الكامل، ما هو شر..؟ أو كيف يتصل الله بالمادة والشر الموجود فى العالم؟ وإذا لم يكن الله هوالخالق للشر، فهناك إله للخير وإله للشر. ولكن طالما أن هناك إلهاً واحداً، فلقد إبتدع الغنوسيون فكرة عجيبة هى أن الله يُظِهر نفسه بأن ينبثق منه نبتة إلهية أسموها "أيون". وهذه النبتة الإلهية تنشىء نبتة أخرى من ذاتها "أى أيون آخر" ولكن فى درجة أقل وهكذا كلما إبتعدت الأيونات عن الله يضعف الجوهر الإلهى فيها وينحطون فى المرتبة بالتدريج، حتى يمكن للأيون الأخير أن يتلاصق أخيراً مع المادة وتتولد الخليقة. لذلك هم يقولون أن هناك أنساباً، عبارة عن سلم يبدأ بالكائن الأعظم وينزل خلال وسائط كثيرة (أى الأيونات) وهذه تنتهى بالسيد المسيح. وكأن المسيح هو الوسيط الأول للإنسان، وبهذا فهم ينكرون ألوهية السيد المسيح.

والغنوسيون يعتبرون أنه بالمعرفة العقلية، أى بالإعتماد على العقل البشرى فقط يستطيع الإنسان أن يتعرف على الله خلال تفكيره العقلانى المجرد. وبمعنى آخر يتجاهلون أو يقللون من شأن الإعلان الإلهى خلال كلمة الله ونعمة الله. والمسيح كوسيط أول للإنسان يدخل به خلال المعرفة إلى الأيون الأعظم من المسيح، وهذا الأيون الثانى يقدم له معرفة جديدة ليدخل به إلى من هو أعظم، وهكذا حتى نصل للكائن الأعظم (الله). ففى نظرهم أن الإنسان يصل إلى الله عن طريق العقل والمعرفة وليس عن طريق السيد المسيح، وبهذا فإن الخلاص يكون بالمعرفة وليس بالمسيح. فرد عليهم الرسول بأن الخلاص يكون بدم المسيح (كو1: 20، 14) وأظهر فى (كو9: 2) أن المسيح هو الله نفسه، إذ قال "إنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً". ونتيجة تجسد المسيح إذ أخذ جسداً بشرياً صرنا "مملوؤون فيه" (كو10: 2). وإذا كنا نحن مملوئين فيه صار المسيح لنا مصدر كل معرفة، لذلك فالرسول يطلب لهم إزديادهم فى المعرفة عن طريق المسيح رأس الكنيسة (كو9: 1). ويضيف الرسول أن هناك وسيطاً واحداً هو المسيح بين الله والناس (1تى5: 2). وفى إشارة لأن المعرفة والفهم مصدرهما الروح القدس يقول فى (كو9: 1) "أن تمتلئوا من معرفة مشيئته فى كل حكمة وفهم روحى" (أى أن الروح القدس هو مصدر هذه الحكمة والفهم الروحى). ومن (9: 1 + 2: 9، 10) نفهم أن الروح القدس يملأنا من الحكمة والفهم الروحى نتيجة أننا متحدون بالمسيح، فالروح ينسكب أصلاً على المسيح، وبالتالى على من يتحد بالمسيح.

ولأنهم يعتقدون أن المسيح هو وسيط بين وسطاء كثيرين بين الله والناس دعوا إلى عبادة الملائكة كوسطاء ومُخلِّصين، وقالوا أنه من الإتضاع أن لا نعبد الله مباشرة، بل نعبد الملائكة (18: 2). والرسول يرد فى هذه الآية (18: 2) ويقول فى (كو10: 1) أن المسيح هو رأس كل رياسة وسلطان. من هنا نفهم أن الرسول حينما يهاجم الإتضاع وعبادة الملائكة فهو يهاجم هذا الفكر الهرطوقى، أما الإتضاع والإنسحاق الحقيقى فهو الطريق لسكنى الله فى الإنسان. أما الملائكة الساقطون أى الشياطين فهؤلاء هم الرؤساء والسلاطين الذين جَرَّدهم المسيح من قوتهم بصليبه فالشياطين كانوا ملائكة من كل الرتب وتبعوا الشيطان فى تمرده على الله وكبرياءه (15: 2).

وإعتقد الغنوسيون فى علم التنجيم وأن الكواكب تسيطر على مصير البشر المحتوم، فهاجم هذا الفكر وأسماه أركان العالم (8: 2).

عموماً فالرسول ينبه أهل كولوسى لأن ما سمعوه من أبفراس هو كلمة حق الإنجيل 5: 1 وأن كل ما يسمعوه من المتهودين أو الغنوسيين ليس بحق (4: 2).

ولأن المعرفة فى نظر الغنوسيين هى الوسيلة الوحيدة للتعرف على الله، فلقد وضعوا نظريات حتى تزداد المعرفة، وهذه النظريات تتلخص فى التحرر من المادة بكونها شراً، وذلك بالممارسات النسكية. وإعتبار بعض الأطعمة نجاسة، بل إعتبار العلاقات الزوجية نجاسة. والعجيب أنهم بينما منعوا الزواج، أباحوا الخلاعة الجسدية (الزنا) لأن الجسد فى نظرهم شر، فالخلاعة الجسدية لن تؤثر على الإنسان فهى تحصيل حاصل لهذا الجسد الشرير. أى أن الزنا لن يزيده شراً على ما هو عليه من شر أصلاً! فسلك بعضهم فى الدنس والنجاسة بغير ضابط، ورد الرسول بأنه يجب خلع الإنسان العتيق (9: 3) والموت عن الشهوات (5: 3) ولبس الإنسان الجديد (10: 3). وأضاف بولس الرسول فى (عب 4: 13) "ليكن الزواج مكرماً عند كل واحد والمضجع غير نجس. وأما العاهرون والزناة فسيدينهم الله". ولاحظ إلى ماذا قادهم عقلهم وغرورهم وكبريائهم ومعرفتهم، إذ هم إنفصلوا عن المسيح المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم (3: 2).

ولأنهم اعتبروا أن الجسد نجاسة قالوا إن جسد المسيح خيالى، وأنه عندما كان يمشى على الأرض كان لا يترك أثراً لقدميه، وأنه قام بالروح وليس بالجسد، فلا يقوم فى الملكوت عنصر ظلمة وأنه عبر فى بطن العذراء كما فى قناة ولم يأخذ منها شيئاً. وبنفس المنطق يقولون أن من يبلغ الكمال هو من يعادى الجسد. لذلك يركز بولس الرسول على ان المسيح كان إنساناً، ويؤكد حقيقة ناسوته فى (كو 22، 20: 1) "دم صليبه"، "جسم بشريته"، "بالموت". فإن كان جسده مجرد خيال فكيف يموت ويسفك دمه.

وهم أنكروا أن المسيح هو الله والمخلص، لذلك يؤكد الرسول على ألوهية المسيح وموته الكفارى على الصليب من أجل خطايانا. فالمسيح هو الله المتجسد، وهو الطريق الوحيد للغفران والسلام مع الله، فهو كل شىء لنا، وهو كل ما نحن فى حاجة إليه. لذلك يلزمنا أن نوثق صلتنا بالمسيح ونُتَوِّجَه رباً على حياتنا. وهو ليس مجرد وسيط بين وسطاء كثيرين (أيونات وملائكة) بل هو كل شىء: -.

المسيح عمله كامل وخلاصه كامل فهو صورة الآب غير المنظور (15: 1). وبه وله تحققت الخلقة (16: 1). وخلاصه كامل (28: 1). وهو كل شىء لنا (10: 2). وهو حياتنا نموت معهُ (20: 2) ونقوم معهُ (1: 3). وهو كنز الحكمة والعلم (3: 2).

ينقلنا من سلطان الظلمة للنور (13: 1). وهو إبن محبة الآب (13: 1). إذاً بإتحادنا به ننعم بالتبنى ونحسب محبوبين. ولاحظ أن ملكوت الإبن هو النور.

هو الفادى (14: 1). القادر وحده على غفران الخطايا.

هو الخالق وهو غاية الخليقة وحافظ الخليقة (1: 16، 17).

حيث أنه صورة الآب غير المنظور، فهو يخبرنا عن الآب فنعرف الآب. "من رآنى فقد رأى الآب" (يو 9: 14) وهو يرد لنا الصورة التى أفسدها آدم الأول.

فيه يحل كل ملء اللاهوت (19: 1 + 9: 2) ويهبنا حياة الملء (10: 2).

هو المُصالح، صالحنا مع الآب بدم صليبه ووحَّد السماء مع الأرض (20: 1).

غالب إبليس وكل قواته بالصليب (2: 15، 14) فيهبنا روح الغلبة.

هو جالس عن يمين الله فسيرفعنا إلى سمواته (1: 3)، فحيث يكون هو نكون نحن أيضاً (يو 3: 14) وهو الممجَّد (4: 3) فسنظهر معه فى المجد.

أراد الرسول بهذا أن يُظهر أن المسيح هو رأس الكنيسة وشفيعها الوحيد الكفارى، وأن أى تعليم يُنقِص من شفاعة المسيح الكفارية، وكونه رب الخليقة ورأس الكنيسة يعتبر ضد الإيمان ومحاولة لفصل الجسد عن رأسه الذى فى السماء ومصدر كل بركاته. وأراد الرسول أن يظهر أن الغنوسية والتهود هما مبادىء فاسدة تفصل بين المسيح وكنيسته. فبالمسيح نصل لله دون أيونات أو أى خليقة أخرى أو ممارسات ناموسية أو غنوسية أو تواضع أو عبادة ملائكة.

وهم قالوا أن إله العهد القديم إله قاسٍ فأرسل الله إله العهد الجديد يسوع المسيح ليخلص العالم من هذا الإله فدخلوا فى ثنائيه بين إله العهد القديم وإله العهد الجديد. وهذا مادفع بولس لتأكيد وحدة العمل بين الآب والإبن (12: 2) + (1: 3) + (3: 3) + (1: 1) + (1: 2، 13، 15). وفى (كو 3: 1) نرى محبة الآب للإبن.

والغنوسيون قسموا المؤمنين إلى طبقات: -.

جماعة العارفين أو الكاملين GNOSTICS وهم أصحاب الحكمة والمعرفة وقالوا أن هؤلاء لهم الخلاص.

البسطاء وهؤلاء يكتفون بالتسليم الأعمى.

لذلك يكرر الرسول كلمة "كل أو جميع" ليعلن أن الخلاص للجميع، لكل من يؤمن بالمسيح وليس بالمعرفة، أو ليس للكاملين فقط كما يقول الغنوسيون، ولا لليهود فقط كما يقول اليهود، فالمسيح مخلص الجميع (كو 28: 1).

ونلاحظ أن الرسول لم يرفض المعرفة بل أوضح أنها هبة إلهية (1: 6، 9، 26، 27) + (2: 2). ولاحظ أنه فى (كو6: 1) الإنجيل هو لكل العالم.

بين رسالتى أفسس وكولوسى: -.

هنا فى رسالة كولوسى يكشف عن أن المسيح هو واهب كل شىء لكنيسته، وهو مصدر الكمال، وأن المسيح كرأس للكنيسة هو مصدر كل إحتياجاتها من معرفة وخلاص، بل كل شىء، فلا داعى للإتكال على المعرفة والفكر البشرى، إنما من يؤمن بالمسيح، يعطيه المسيح كل بركة هو فى إحتياج إليها. ففى هذه الرسالة يتكلم عن مكانة المسيح وأمجاد المسيح الرأس للكنيسة. وفى رسالة أفسس يتكلم عن إمتيازات الكنيسة كجسد للمسيح.

* فى رسالة أفسس يظهر الكنيسة كجسد للمسيح، والمسيح رأس لهذا الجسد.

* وفى رسالة كولوسى يظهر المسيح رأس كل شىء. لذلك نفهم أن الرسالتين متكاملتان، ولذلك طلب الرسول أن يتبادل شعبا كولوسى وأفسس قراءة الرسالتين.

ورسالتا أفسس وكولوسى متشابهتان، لكتابتهما فى وقت واحد وحوالى نصف أفكار رسالة أفسس تضمنتها رسالة كولوسى. فرسالة أفسس بها 155 آية منها حوالى 78 آية وردت بالمعنى فى كولوسى. وقد حمل تيخيكس كلتا الرسالتين إلى البلدين أف 21: 6 + كو7: 4. وكلا الرسالتين تحدثتا عن لاهوت المسيح وأمجاده وتكررت فيهما إصطلاحات مثل الملء والسر والرأس والجسد.

أمثلة على الآيات المتاشبهة: -.

- الذى فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا. (أف7: 1)، (كو14: 1).

- المسيح يخضع له الرياسات والسلاطين. (أف 21: 1)، (كو16: 1 + 2: 10، 15).

- الكنيسة جسد المسيح وهو رأس الكنيسة. (أف 1: 22، 23)، (كو18: 1، 24).

- الإنسان العتيق والإنسان الجديد. (أف 22: 4، 24)، (كو3، 9، 10).

- الأمم بدون المسيح أجنبيون. (أف 12: 2)، (كو 21: 1).

- بولس موثق وأسير لأجلهم. (أف 1: 3)، (كو 1: 24 + 3: 4).

- ضرورة الإمتناع عن الكذب. (أف 25: 4)، (كو 9: 3).

الإصحاح الأول

الأعداد 1-2

الآيات (1 - 2): -

"1بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِمَشِيئَةِ اللهِ، وَتِيمُوثَاوُسُ الأَخُ، 2إِلَى الْقِدِّيسِينَ فِي كُولُوسِّي، وَالإِخْوَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْمَسِيحِ: نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.".

رَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ = طالما هو رسول من المسيح، إذاً عليهم أن يصدقوا ما يقوله لهم ويتركوا تعاليم الغنوسيين والمتهودين. وهو يكتب لهم أولاً بدافع غيرته ومحبته وثانياً فهم أولاد إبنه أبفراس وثالثاً بكونه رسولاً للأمم، فمع أنه لم يبشرهم شخصياً إلاّ أن الله كلفه بأن يكون هو رسول الأمم. وَتِيمُوثَاوُسُ = من تواضع بولس أن يضع أسم تلميذه معه على قدم المساواة.

قِدِّيسِينَ.. إِخْوَةِ مُؤْمِنِينَ = هم إذن لم ينحرفوا لا للغنوسيه ولا لليهودية بل هم فِي الْمَسِيحِ = هم إتحدوا بالمسيح فى المعمودية وصاروا أعضاء جسده، ولم ينفصلوا عنه بإتباعهم إيماناً منحرفاً. وإتحادهم بالمسيح يعطيهم حياة القداسة أى الإفراز عن العالم والتكريس لله، هذه سمة الحياة الجديدة بالمعمودية التى وهبها الله لنا.

قديسين = الله وحده يقال عنه قدوس وهذه لغويا تعنى اللا أرضى والمتسامى والسماوى، أما قديس تقال عن البشر الذين تكرسوا وتخصصوا لله. والقداسة درجات، فكلما إبتعد الإنسان عن محبة العالم والإرتباط به، وكلما إرتبط بالسماويات مكرسا كل طاقاته وإمكانياته لله، كلما إرتفع فى سلم القداسة وقارن مع (كو3: 1).

الإِخْوَةِ.. اللهِ أَبِينَا = هم إخوة فلهم أب واحد هو الله، وبطن واحدة وُلِدوا منها هى المعمودية. ونحن صرنا أبناء الله بالتبنى بإتحادنا بالمسيح إبنه فى المعمودية.

نِعْمَةٌ وَسَلاَمٌ = النعمة هى جماع كافة البركات التى يفيض بها الله علينا فى المسيح فلقد صرنا أبناء الله، وحل علينا الروح القدس الذى يغير طبيعتنا ويملأنا سلاماً.

وبولس إختبر هذا التغيير فى حياته، وإختبر "سلام الله الذى يفوق كل عقل" (فى 4: 7) ولاحظ أن خطايانا تحول دون تمتُّعنا بهذا السلام. وكلمة نعمة هى التحية اليونانية "خاريس" وسلام هى التحية اليهودية، فالمسيح هو للجميع.

مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ = تشير إلى:

  1. التساوى بين الآب والإبن، فكلاهما مصدر للنعمة والسلام.
  2. ما حصلنا عليه من نعمة وسلام هو بإرادة الآب وفداء الإبن. فالآب هو أقنوم الإرادة أما الإبن والروح القدس هما أقنومى التنفيذ.

الأعداد 3-5

الآيات (3 - 5): -

"3نَشْكُرُ اللهَ وَأَبَا رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ كُلَّ حِينٍ، مُصَلِّينَ لأَجْلِكُمْ، 4إِذْ سَمِعْنَا إِيمَانَكُمْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ، وَمَحَبَّتَكُمْ لِجَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، 5مِنْ أَجْلِ الرَّجَاءِ الْمَوْضُوعِ لَكُمْ فِي السَّمَاوَاتِ، الَّذِي سَمِعْتُمْ بِهِ قَبْلاً فِي كَلِمَةِ حَقِّ الإِنْجِيلِ.".

اللهَ وَأَبَا رَبِّنَا يَسُوعَ = THE GOD & FATHER OF OUR LORD حرف الواو لا يعنى أننا أمام إلهين هما الله وأبو ربنا يسوع، بل هى تجمع صفتين لله، فهو إله وهو أب يسوع المسيح، والمعنى واضح جداً فى الإنجليزية، وهذا هو نفس ما قاله السيد المسيح "أبى وأبيكم، إلهى وإلهكم" (يو17: 20). والله هو إله يسوع المسيح لأن الأقنوم الثانى تجسد، فالله هو إلهه بإعتبار الناسوت وهو أبوه بإعتبار اللاهوت، فبنوة المسيح للآب هى أزلية وبحسب الطبيعة.

نَشْكُر = هو يشكر على إيمان أهل كولوسى الذين لم يرهم، يفرح بالإيمان وسط ضيقاته هو. هذا هو الخادم المثالى يفرح لإيمان أولاده منشغلاً عن همومه هو.

إِذْ سَمِعْنَا = فهو لم يذهب لهم من قبل. إِيمَانَكُمْ وَمَحَبَّتَكُمْ = فالإيمان الصحيح هو الإيمان العامل بالمحبة، وهذا يظهر فى خدمة القديسين. والإيمان بدون محبة هو إيمان الشياطين (يع19: 2). والمحبة بدون إيمان هى محبة من يحبوننا فقط أى هى مجرد عواطف بشرية. مِنْ أَجْلِ الرَّجَاءِ = هذا الإيمان، وهذه المحبة التى تدفعهم لخدمة القديسين هما بسبب الرجاء فى السموات ودعوتهم إلى المجد.

هنا نرى ثلاثية بولس الرسول المشهورة "الإيمان والرجاء والمحبة" ولاحظ أن الرجاء يجعلنا نتمسك بالإيمان بالرغم من الإضطهاد والألم.

فِي كَلِمَةِ حَقِّ الإِنْجِيلِ = هذا الرجاء الذى لنا فى السموات سمعناه فى الإنجيل. فالإنجيل لا يبشرنا فقط بغفران خطايانا بل بالمجد المعد لنا فى السماء. وهذا الرجاء بالمجد فى السماء يكون إذا أطعنا وصايا الإنجيل. وهذا الحق الإنجيلى هو ما علمه لهم أبفراس وليس البدائل الهزيلة الملتوية للهراطقة الغنوسيين أو المتهودين، الَّذِي سَمِعْتُمْ بِهِ قَبْلاً = أى الذى سمعوه من أبفراس.

الأعداد 6-8

الآيات (6 - 8): -

"6الَّذِي قَدْ حَضَرَ إِلَيْكُمْ كَمَا فِي كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا، وَهُوَ مُثْمِرٌ كَمَا فِيكُمْ أَيْضًا مُنْذُ يَوْمَ سَمِعْتُمْ وَعَرَفْتُمْ نِعْمَةَ اللهِ بِالْحَقِيقَةِ. 7كَمَا تَعَلَّمْتُمْ أَيْضًا مِنْ أَبَفْرَاسَ الْعَبْدِ الْحَبِيبِ مَعَنَا، الَّذِي هُوَ خَادِمٌ أَمِينٌ لِلْمَسِيحِ لأَجْلِكُمُ، 8الَّذِي أَخْبَرَنَا أَيْضًا بِمَحَبَّتِكُمْ فِي الرُّوحِ.".

الَّذِي قَدْ حَضَرَ إِلَيْكُمْ = أى الإنجيل. كَمَا فِي كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا = الإنجيل الذى بلغ إليهم لم يكن محصوراً وسط شعب معين كما كان الحال مع الناموس، ولا أن الخلاص هو للبعض كما يقول الغنوسيون، بل هو لكل العالم، وأثمر فى كل العالم = وَهُوَ مُثْمِرٌ كَمَا فِيكُمْ = الإنجيل صارت له ثمار فى كل العالم كما كانت له ثمار فيكم.

سَمِعْتُمْ وَعَرَفْتُمْ نِعْمَةَ اللهِ = هذه أول ثمار الإنجيل، أنهم سمعوا وعرفوا أى إختبروا وتذوَّقوا نعمة الله التى غيَّرت حياتهم، فهناك من يسمع لكنه لا يختبر ذلك فى حياته.

سمعوا = قبول كلمات الكرازة عقليا. عرفتم = هذه عن الإختبار العملى للذة الكلمة. وبعد الإختبار العملى تظهر ثمار الخليقة الجديدة وعمل النعمة وهى مَحَبَّتِكُمْ فِي الرُّوحِ = فأول ثمار الروح، المحبة (غل22: 5). فالروح يعطى ثماره لمن يريد ومن يقبل ويجاهد، وأول هذه الثمار المحبة لله ولكل إنسان بل حتى للأعداء. والمحبة فى الروح ليست هى العواطف الإنسانية العادية، فهذه عادة تكون لمن يحبوننا فقط. ولاحظ أن المحبة فى الروح تعطينا أن نحب الله حتى وسط ضيقاتنا بل نشكره عليها، وأن نحب أعداءنا.

عَرَفْتُمْ نِعْمَةَ اللهِ بِالْحَقِيقَةِ = إختبرتم حقيقة ما معنى الخلاص الذى أتى به المسيح وما معنى سكنى الروح القدس فينا والقوة التى يعطيها الله حقيقة التى تعيننا فتجعلنا خليقة جديدة ولها مواهب وكل هذا عطايا مجانية وهذا معنى كلمة النعمة. من أَبَفْرَاسَ = هنا نرى أن أبفراس أسس كنيسة كولوسى. والروح القدس يسجل إسمه هنا فى الكتاب المقدس، فالله لا ينسى تعب أحد. الْعَبْدِ الْحَبِيبِ = قارن مع (فى1: 1). فالعبودية للمسيح صارت حرية ولذة.

الأعداد 9-11

الآيات (9 - 11): -

"9مِنْ أَجْلِ ذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا، مُنْذُ يَوْمَ سَمِعْنَا، لَمْ نَزَلْ مُصَلِّينَ وَطَالِبِينَ لأَجْلِكُمْ أَنْ تَمْتَلِئُوا مِنْ مَعْرِفَةِ مَشِيئَتِهِ، فِي كُلِّ حِكْمَةٍ وَفَهْمٍ رُوحِيٍّ 10لِتَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلرَّبِّ، فِي كُلِّ رِضىً، مُثْمِرِينَ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ، وَنَامِينَ فِي مَعْرِفَةِ اللهِ، 11مُتَقَوِّينَ بِكُلِّ قُوَّةٍ بِحَسَبِ قُدْرَةِ مَجْدِهِ، لِكُلِّ صَبْرٍ وَطُولِ أَنَاةٍ بِفَرَحٍ.".

هنا نرى صلاة الرسول عنهم حتى لا يتشوَّشوا بفلسفات الغنوسيين الكاذبة. فهم بدأوا يتشككون بسبب تعاليم الغنوسيين والمتهودين. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ = من أجل إيمانهم ورجائهم ومحبتهم فالله لن يتركهم نهباً للتعاليم الخاطئة، ويرسل لهم من يصحح لهم مفاهيمهم ويعلمهم التعليم الصحيح إذ هم مخدوعين، ضللهم آخرين، وهم بسطاء غير فاهمين. وهنا نرى الروح القدس يحرك قلب بولس الرسول ويرشده لما يكتبه ليعلمهم. لكن التعليم بلا صلاة يصبح بلا جدوى. لذلك نجد بولس الرسول يصلى لأجلهم لينقذهم الله من الهراطقة الذين يشككونهم. فخادم بلا صلاة، يخطىء (1صم 23: 12) ويصبح مرائياً.

تَمْتَلِئُوا مِنْ مَعْرِفَةِ مَشِيئَتِهِ فِي كُلِّ حِكْمَةٍ وَفَهْمٍ رُوحِيٍّ لِتَسْلُكُوا = هذا ما يصلى بولس لأجله وهو يصلى ليعطيهم الروح القدس قوة إدراك جديدة بها يعرفون مشيئة الله، بل يمتلئوا من هذه المعرفة، والإمتلاء يعنى أنه لا يصير هناك معرفة أخرى داخلهم مصدرها العالم مثلاً، أو خبرات سيئة من الآخرين أو تشويشات هؤلاء الهراطقة. والمعرفة التى يطلبها لهم الرسول، يطلبها بأن تكون فِي كُلِّ حِكْمَةٍ، أى يمتلئوا من الحكمة التى ليست بشرية فهذه لا تعطِى سوى العَمَى والجهل بأمور الله. بل الحكمة التى مصدرها الروح القدس روح الحكمة (إش11: 2)، ويعطى معها فَهْمٍ رُوحِيٍّ = فالحكمة هى معرفة عقلية للمبادىء الأولية للحياة المسيحية، ونجد لذلك البسطاء كالأطفال، يفهمون أسرار العقيدة بسهولة. أما الفهم فهو الإستخدام العملى للحكمة أى إدراك هذه المبادىء الأولية وتحويلها إلى سلوك عملى وهذا يعنى ببساطة تنفيذ وصايا الله والحياة فى بر. ولاحظ أن عمل الروح القدس أنه يعلمنا كل شىء (يو26: 14). ويعطى قوة تعيننا على السلوك المسيحى = النعمة، الذى ينير هو الطريق إليه، فهو يعطى الإقتناع ويعطى المعونة لِتَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلرَّبِّ، فِي كُلِّ رِضىً، = ومن هذا نفهم أن هدف المعرفة ليس للمعرفة فقط كما يقول الغنوسيون، بل الهدف هو السلوك كما يرضى الله. فالرسول يقرن المعرفة بالسلوك. ونفهم أيضاً أن المعرفة هى للجميع لأن مصدرها الروح القدس، فهى ليست حكراً للأذكياء أو الفلاسفة كما يقول الغنوسيون فالروح القدس قادر أن يحول الجاهل البسيط إلى حكيم. لِتَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلرَّبِّ = السلوك الذى يليق بنا كخاصة للرب، ويمكن أن نرضيه به ونأتى بثمار قصد أن يظهرها بنا لأجل مجد إسمه "لكى يرى الناس أعمالكم الصالحة ويمجِّدوا أباكم" (مت16: 5) + "أنا إخترتكم.. لتذهبوا وتأتوا بثمر" (يو16: 15). وسلوكنا هذا يجب أن يتفق مع حياتنا الجديدة ودعوتنا السماوية وبنوتنا لله. ومن يمتلىء من معرفة مشيئته يستطيع أن يميِّز الأشياء التى ترضيه والتى لا ترضيه (أف10: 5) فما يرضى الله فى أعمالنا يصاحبه سلام يملأ القلب والعكس.

نَامِينَ فِي مَعْرِفَةِ اللهِ = الله أعلن نفسه لنا فى شخص يسوع المسيح. فكلما عرفنا المسيح عرفنا الله أيضاً فالمسيح هو صورة الله. وعمل الروح القدس فينا هو أن يشهد للمسيح ويعرِّفنا به (يو16: 14 - 16). وهذه المعرفة يعلِّمها لنا يومياً الروح القدس، فهى معرفة نامية، تنمو كل يوم لمن يثابر على الصلاة وعلى دراسة كلمة الله، أى عِشرة يومية مع الله فى هدوء لنسمع صوت الروح القدس الذى يحكى لنا عن المسيح فنعرفه. ويساعدنا على النمو أن نمارس وسائط النعمة (ممارسة الأسرار). ونلاحظ أن قوله "نامين فى معرفة الله" أتى بعد قوله "معرفة مشيئته وفهمها" أى إدراكها وتنفيذها. فمن يعرف وصايا الله وينفذها تزداد معرفته بالله من خلال التنفيذ العملى لوصاياه، وبهذا ننمو يومياً من خلال الإنجيل المعاش. فمن يفعل هذا يبنى بيته على الصخر (مت7: 24 - 27). هذه المعرفة تحمينا من أفكار الهراطقة وتشكيك إبليس لنا فى الله وفى محبته. ونلاحظ أنه كلما عرفنا المسيح نعرف الآب أيضاً، وزيادة المعرفة هى نمو روحى، ومعرفة الله ومعرفة المسيح هى حياة (يو3: 17) أى نظل نعرف كل يوم شيئاً جديداً عن الله، هنا وفى الأبدية، وما نعرفه يزيد فرحنا، فمعرفة الله فرح أبدى لا ينتهى. وهذا فى مقابل المعرفة الكاذبة التى للغنوسيين والتى يتوصلوا لها بالإدراك العقلى. لذلك يحدثنا هنا عن الحكمة والنمو بواسطة الروح القدس ومعرفة المسيح ومشيئة الله.

ومعرفة الله تعنى الإتحاد بالله، والله حياة، فمن يتحد بالله تكون له حياة أبدية "وهذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى ويسوع المسيح الذى أرسلته" (يو17: 3) وراجع تفسير هذا فى (مت11: 25 - 30). وحتى يتم هذا الإتحاد ينبغى أن نسلك فى خوف الله ونحيا حياة البر بطاعة وصاياه فكيف يتحد النور (الله) بالظلمة (الإنسان الخاطئ) وراجع تفسير يو15: 9، 10). وهذا ما نفهمه من هذه الآيات أيضا.

"نامين فى معرفة الله" = الثبات فى الإتحاد بالله، وهذا القول يأتى بعد قوله "معرفة مشيئته وفهمها" = أى تنفيذ وصايا الله.

مُتَقَوِّينَ بِكُلِّ قُوَّةٍ = من يعرف مشيئته ويسلك بها وينمو فى معرفة الله تأتيه القوة، والحماية من الله (النعمة) حتى لا يضيع منا المجد الذى أعده الله لنا، فبدون الله لا نستطيع أى شىء (يو15: 5). وهذا أيضاً عمل الروح، فهو يعين ضعفاتنا (رو 26: 8).

بِحَسَبِ قُدْرَةِ مَجْدِهِ = فقوة الله التى يهبها لنا لا حدود لها، فحدودها هى قدرة مجده وهذه لا نهائية. ولكن لا قوة من فوق بدون جهاد. "فالله الذى خلقنا بدوننا لا يستطيع أن يخلصنا بدوننا" (القديس أغسطينوس).

لِكُلِّ صَبْرٍ = "بصبركم إقتنوا أنفسكم" (لو21: 19) + من يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص "(مت: 24: 13). ليس معنى أن الله يقوينا ويحمينا أنه لا توجد شدائد، بل أن الله يعطى لمن يصبر أن يحتمل بفرح = فالتلاميذ حين ضربوهم فرحوا (أع 41: 5). بل أن الضيقات هى فرصة ليعلن الله نفسه لنا فننمو، فالآلام فرصة لإختبار الله والنمو. وكلمة صبر فى اليونانية تعنى القدرة على مواجهة كل مواقف الحياة بروح منتصرة لا تستسلم للهزيمة. وهنا الصبر والفرح عطية من الله، لمن لا يتذمر عند التجربة ويشكر الله عليها، هنا يجد الصبر والفرح داخله. إذن ما هو المطلوب؟ 1) إتخذ قرارا بأن لا تتذمر مهما حدث. 2) إتخذ قرارا بالثقة فى أن الله صانع خيرات. 3) لا تقل أنا أريد أن أفهم فأحتمل. فمن يستطيع أن يدرك حكمة الله بعقله المحدود، والله لا يطالبنا بأن نفهم بل يطالبنا بالثقة فيه وفى أحكامه وأنه لا يخطئ. حينئذٍ يعطيك الله الصبر وطول الأناة بفرح وسط الشدائد كهبة مجانية. أما المتذمر فالله لن يعطيه شيئا.

الأعداد 12-14

الآيات (12 - 14): -

"12شَاكِرِينَ الآبَ الَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ الْقِدِّيسِينَ فِي النُّورِ، 13الَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ، وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ، 14الَّذِي لَنَا فِيهِ الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا.".

شَاكِرِينَ الآبَ = فهو خلقنا ولما سقطنا أرسل إبنه لفدائنا، وأهلنا للميراث الأبدى بأن صرنا خليقة جديدة. وليس كما يقول الغنوسيون أن إله العهد القديم إله شر، وإله العهد الجديد إله خير. مِيرَاثِ = الروح يشهد لأرواحنا أننا ورثة (رو 8: 17، 16). "وإن كنا نتألم معه فلكى نتمجَّد أيضاً معه". وهذا الميراث أسماه الرسول مِيرَاثِ الْقِدِّيسِينَ فِي النُّورِ = لأن الله نفسه هو نور. أما الخطاة فنصيبهم الظلمة الخارجية لأنهم إختاروا الظلمة فى حياتهم على الأرض (يو19: 3) + (مت13: 22). الآبَ الَّذِي أَهَّلَنَا = بعمل فداء إبنه. أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ = فقد كنا مستعبَدين لإبليس الذى هو سلطان الظلمة، والمسيح حررنا منه ولم يعد له سلطان علينا.

نَقَلَنَا إِلَى المَلَكُوتِ = قوله ملكوت يعنى أننا صرنا رعايا خاضعين للمسيح الملك. وكلمة نقلنا فى اليونانية تشير لملك منتصر ينقل شعب المملكة التى هزمها إلى أى مكان يريده، وصورة الإنتقال إلى مملكة أخرى هذه قد حدثت مع بابل وآشور، فحينما إنتصروا فى حروبهم ضد يهوذا وإسرائيل نقلوا السكان إلى أماكن جديدة حددوها لهم. والمسيح هزم إبليس بالصليب وإقتحم مملكة الجحيم وأخذ الأسرى للفردوس، وبعد القيامة سيأخذنا للملكوت السماوى = مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ هذا الملكوت وهذا المجد حصل عليه المسيح نفسه بجسده بعد الفداء، فصار وارثا لكل شئ (عب1: 2). وكانت هذه طلبة المسيح للآب فى صلاته الشفاعية (يو17: 4، 5)، أى أن المسيح بجسده صار له نفس مجد لاهوته الأزلى. وكان كل ما صنعه المسيح لحسابنا لنتمجد نحن معه فى مجده، أى أننا بإتحادنا به سيكون لنا ميراثه فى المجد السماوى (يو17: 22، 24). فهذا الإنتقال تم بفداء المسيح = الْفِدَاءُ بِدَمِهِ فالمسيح بفدائه حررنا من عبودية إبليس ومملكة الظلمة.

ابْنِ مَحَبَّتِهِ = لفظ ابن يشير لأن هذا الإبن له نفس طبيعة الأب. فإبن الله له طبيعة وجوهر الله. وحينما تجسد إبن الله وصار إنسانا مثلنا وقيل عنه إبن الإنسان. ولأن المسيح بتجسده كانت له طبيعة واحدة من طبيعتين، له نفس الطبيعة والصفات اللاهوتية ونفس الطبيعة والصفات الإنسانية نقول أنه الإبن الوحيد الجنس [مونوجينيس]، فهو ليس له مثيل. ولأن الله محبة تكون لإبنه نفس طبيعة المحبة.

ابْنِ مَحَبَّتِهِ = المسيح هو إبن الله بالطبيعة، والله محبة، طبيعة الله المحبة، فهذا تعبير عن الوحدة بحسب طبيعة الله. فالآب يفيض محبة. والمسيح هو المحبوب (أف 6: 1).

هو يتلقى كل هذه المحبة، وهنا أسماه إبن محبته. والروح القدس هو الذى يحمل هذه المحبة من الآب للإبن. ونحن فى المسيح صرنا أولاداً لله وأحباءً لله بإتحادنا بالمسيح. وصار الروح القدس الذى يسكب محبة الله الآب فى إبنه، يسكب هذه المحبة فينا (رو5: 5) المسيح هو إبن محبته وليس أيوناً من الأيونات كما يقول الغنوسيون. والملكوت منسوب للإبن هنا وفى (2تى4: 1، 18) كما أن الملكوت منسوب للآب أيضاً فى (1تس 12: 2). فالآب والإبن واحد، ويعبر عن هذا بالقول الآب يحب الابن والابن يحب الآب، وهذه تساوى الآب فى الابن والابن فى الآب (راجع تفسير يو 15: 9 + يو5: 20).

الأعداد 15-17

الآيات (15 - 17): -

"15الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ. 16فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلَاَطِين. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. 17الَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ.".

رسالة كولوسى تتحدث عن المسيح رأس الكنيسة وأمجاده. وهنا نرى وصفاً لمجد المسيح بإعتباره الخالق. بولس الرسول يشرح من هو المسيح رداً على الغنوسيين.

صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ = قارن مع قوله أنه إبن محبته آية 13. فالإبن له نفس طبيعة أبيه، فإبن الإنسان يكون إنساناً وهكذا. إذاً المسيح له نفس طبيعة وجوهر الآب. الآب غير منظور، والإبن الذى هو صورة الآب صار منظوراً لنراه ولنعرف الآب فهو رسم جوهره وبهاء مجده (عب3: 1). ولا يوجد بهاء بدون مجد ولا مجد بدون بهاء، ولا يوجد شعاع بدون نور ولا نور بدون شعاع. وقال: "أنا أظهرت إسمك للناس" (يو 6: 17). لذلك قال يوحنا "الإبن خَبَّر" (يو 18: 1). وكلمة صورة فى اليونانية تعنى صورة طبق الأصل، وليس أحد الإنبثاقات كما يقول الغنوسيون. هى صورة تحمل نفس الطبيعة ونفس الصفات مثلما نقول فلان له صورة إنسان، إذاً هو إنسان. هذا التعبير يشير لعلاقة الآب والإبن السرمدية.

فى محبة المسيح وصليبه أدركنا عظم محبة الآب، وفى تواضع ووداعة المسيح نرى صفات الآب، وفى قدرات المسيح نرى قدرات الآب. وفى تفتيح عينى الأعمى وفتح أذنى الأصم وقيامة لعازر وغيره من الموتى أدركنا أن الآب يريد لنا حياة أبدية وشفاءً روحياً فنرى ونسمع صوت الله. ماكان يمكننا أن نرى الآب فى مجده، فلا أحد يرى الله ويعيش (خر20: 33). وذلك بسبب ضعف طبيعتنا بسبب الخطية، ولذلك تجسد المسيح ليستطيع أن يكلمنا فندرك محبته. راجع (تث 18: 5 - 18) فكان هذا وعد الله. فالمسيح الإبن له نفس جوهر وطبيعة الله فهو صورته، ولكنه أخفى مجد لاهوته فى ناسوته لنراه ولا نموت. ولذلك كله قال السيد المسيح: "من رآنى فقد رآى الآب" (يو 9: 14).

بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ = كلمة بكر فى اليونانية تشير لمعنى المولود الأول، فالمسيح أو الإبن هو مولود من الآب وليس مخلوق، التعبير لا يعنى أول خلق الله. وكلمة بكر تعنى رأس أو بداءة أو مُبدىء كل خليقة الله، "فكل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان" (يو1: 3) والخليقة مخلوقة وليست مولودة. [جزء تمت إزالته] ونسمع بعد ذلك أنه هو الخالق، فكيف يكون خالقاً ومخلوقاً فى الوقت نفسه = الْكُلُّ بِهِ. وإذا كان هو خالق الكل "وكل شئ به كان" فهل خلق نفسه؟ وهو "قوة الله وحكمة الله" (1كو1: 24) فهل الله كان بدون حكمة ثم خلق لنفسه حكمة؟!

فإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ = الفاء تشرح وتفسر معنى قوله بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ = فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ أى لأنه هو الخالق فهو بكر كل خليقة. هذه العبارة تساوى "به كان كل شىء" (يو3: 1) وقوله فيه يعنى بواسطته BY HIM، وجاءت الترجمة الإنجليزية لهذه الآية "به كان كل شئ" هكذا = "All things were made through Him".

وعن طريقه خرجت الخليقة، فهو البداية ومنه فاضت الحياة فهو له قدرته وسلطانه على جميع الأشياء فهو الذى أوجدها. وهكذا قال الرسول: "الله خالق الجميع بيسوع المسيح" (أف 9: 3) + (عب 2: 1).

الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ = المسيح إبن الله هو الذى خلق الكل "به كان كل شئ وبغيره لم يكن شئ مما كان" (يو1: 3) وهذه تساوى الكل به قد خُلِق.

وله قد خُلق = وهدف الخلقة مجد الله كما قيل فى إشعياء "بكل من دعي باسمي ولمجدي خلقته وجبلته وصنعته" (إش43: 7) أى إظهار مجد الله وإنعكاس مجد الله على خليقته. والله خلق الإنسان ليفرح فيسبحه، وليحيا الإنسان أبديا فى حياة فرح وتهليل بالله.

وبالخطية فسدت الخليقة وماتت، ولكن قصد الله لا يمكن أن يبطل أو يوقفه شئ.

وَلَهُ قَدْ خُلِقَ = وتجسد إبن الله ليعيد الصورة كما أرادها الله، وليتمجد إسم الله. وكان أن تجسد المسيح ليجمع من قبلوه فى جسد واحد هو رأسه، وهذا الجسد أى الكنيسة تقدم الخضوع لله (1كو15: 28).

الإبن هو الأول والآخِر أى الأزلى والأبدى، لا بداية له ولا نهاية له. وهو البداية والنهاية (رؤ1: 8) بدأ فى الزمن يخلق الخليقة وذلك ليتمجد الله فكان البداية، ولما فسدت الخليقة تجسد ليعيدها كما قصد الله منذ البدء أى لتمجد الله فصار النهاية.

خلقنا الإبن ولما إنفصلنا بالخطية جاء وتجسد ليتحد بجنسنا الإنسانى ويصير رأسا لهذا الجسد (الخلقة الثانية). والإبن بلاهوته متحد بالآب، والمسيح بتجسده قيل "أدخل البكر إلى العالم" (عب1: 6) صار بناسوته متحدا بطبيعتنا الإنسانية. المسيح هو الإبن الوحيد الجنس، له طبيعة واحدة من طبيعتين، الطبيعة اللاهوتية والطبيعة الناسوتية. ولذلك قال المسيح "أنا فيهم وأنت فىَّ (يو17: 23) وقال" فى ذلك اليوم تعلمون إنى أنا فى أبى، وأنتم فىَّ، وأنا فيكم "(يو14: 20). هو فى الآب بلاهوته وهو متحد بنا بناسوته، وأعطانا حياته المقامة من الأموات نحيا بها. فالإبن بتجسده وحدنا فى جسده. ولأنه هو بكر الآب [بكر فى الإنجليزية = first born] فهو المولود من الآب بلاهوته أزليا، هو إبن الله بالطبيعة. وبإتحاد إبن الله بنا صيَّرنا أبناء لله، وعلمنا أن نصلى" أبانا الذى فى السموات "، وقال لمريم المجدلية" اذهبي الى اخوتي وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم ". (يو20: 17). وهذا معنى أنه بكر كل خليقة، هو خالق الخليقة الأولى (آدم) وهو رأس الخليقة الجديدة التى صار لها البنوة لله، صار هو" بكراً بين إخوة كثيرين "(رو8: 29). صار هو رأس الخليقة الثانية = رأس الجسد، الكنيسة (آية18) وكان هذا سبب سرور الآب حين أعادنا المسيح بفدائه لنكون أبناء لله فقال الآب" هذا هو إبنى الحبيب الذى به سررت "13 / 12 / 16.

جسد حي لأن الرأس حي

.

كل منّا ينتمى لجسد المسيح بالمعمودية: (أف5: 26).

والمسيح تمجد بناسوته ليعيد لنا صورة المجد التى أرادها من الأول منذ الأزل (يو17: 5، 22) ولنُظْهِرْ بأجسادنا الممجدة مجده ويظهر مجده فينا كما تظهر الطبيعة الجميلة جمال نور الشمس الساقط عليها، وبقلوبنا الفَرِحَة نسبحه ونمجده على ما أعطانا إياه من فرح ومجد أبدى. وبهذا يتمجد المسيح إذ أن الإنسان الذى أعاد له المسيح الحياة الأبدية والمجد سيمجده أبديا.

هو سيد ومالك الكل وضابط الكل وسيد وملك الكل فهو خالق الكل. وكل خليقة المسيح تعلن قدراته الفائقة ومحبته للكل، فالخليقة تمجد المسيح.

العُرُوشً = من أعلى رتب الملائكة. وقارن الإسم مع (مز 10: 18) ركب على كاروب وطار. ومنها نرتل يوم أحد الشعانين "الجالس فوق الشاروبيم".

سِيَادَاتٍ / رِيَاسَاتٍ / سَلَاَطِين = درجات مختلفة من الملائكة. وهنا فالرسول يرد على الغنوسيين الذين إدعوا أن هذه الرتب من الملائكة أعلى من المسيح ويظهر أن المسيح هو خالق الجميع.

قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ = تشير لأزلية المسيح، فوجوده يسبق الوجود فهو الأول والآخِر، وهو فوق كل الملائكة بمراتبهم، بل هو الذى خلقهم.. فما معنى عبادة الملائكة اذن؟

وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ = هو الأساس والدعامة والحافظ لكل الوجود. هذه العبارة تساوى قوله حامل كل الأشياء بكلمة قدرته (عب3: 1). فهو وراء التكامل فى هذا العالم، ووراء النظام الذى يحكم العالم، ووراء كل القوانين التى تحكم العالم كالجاذبية مثلاً. وطبعاً فى هذا رد على من يقول أن العالم خُلِقَ بواسطة أيونات أقل من الله فى جوهرها (أيونات ناقصة) وهذا مبرر للشرور التى فى العالم أن الله القدوس لم يخلقها بل أيونات مستواهم أقل من الله فى القداسة.

الأعداد 18-19

الآيات (18 - 19): -

"18 وَهُوَ رَأْسُ الْجَسَدِ: الْكَنِيسَةِ. الَّذِي هُوَ الْبَدَاءَةُ، بِكْرٌ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِكَيْ يَكُونَ هُوَ مُتَقَدِّمًا فِي كُلِّ شَيْءٍ. 19لأَنَّهُ فِيهِ سُرَّ أَنْ يَحِلَّ كُلُّ الْمِلْءِ.".

رَأْسُ الْجَسَدِ = أشار الرسول فيما سبق لأمجاد المسيح فى الخليقة الأولى.

وهنا يشير لأمجاده فى الخليقة الثانية وهذه أعظم فهى كلَّفته تجسده وموته وقيامته، وهو بعد قيامته صار رأساً للجسد الذى هو الكنيسة.

آدم كان رأس الخليقة القديمة فقد خرجت حواء منه والأولاد منهما أى منه، فالعالم الموجود كله منذ آدم هو من جسد آدم ولكنه جسد ميت لأن رأس الجسد ميت وهو آدم. وجاء المسيح بجسدنا الإنسانى ليميت الخليقة العتيقة المأخوذة من آدم ويقوم بحياة جديدة أبدية، وكل من يعتمد يثبت فى جسد المسيح هذا فصار المسيح رأسا لهذا الجسد الحى الذى هو الكنيسة. وصرنا نحن ننتمى لهذا الجسد بالمعمودية.

وكما أن العالم بدايته وإستمراره وإعتماده ووجوده ونظامه فى المسيح، هكذا الكنيسة بدايتها وإستمرارها وحياتها الأبدية هى فيه، وقوة قيامته هى قوة وحياة وثبات الكنيسة.

البِكْرٌ مِنَ الأَمْوَاتِ = هناك أموات قاموا قبل المسيح لكنهم ماتوا ثانية، وهم قاموا بجسد مثل جسدنا هذا ولم يدخلوا المجد. أما المسيح فهو قام بجسد مُمَجَّد لا يمكن أن يموت ثانية ودخل المجد بجسده هذا، وهو علة قيامة الجميع.

لِكَيْ يَكُونَ هُوَ مُتَقَدِّمًا فِي كُلِّ شَيْءٍ = الإبن هو الذى بدأ الخليقة الأولى، "كل شئ به كان" وفى الإنجليزية "All things were made through Him". ولما إنفصل الإنسان بالخطية عن الله ومات، تجسد الإبن وقدم الفداء. وبدأ المسيح الخليقة الثانية الجديدة، وصار رأسا لها "إذاً إن كان أحد فى المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو5: 17). وهو الذى قام أولا من الأموات بحياة أبدية غير قابلة للموت ثانية. هو أول من قام بجسد ممجد، وصار أول من يدخل إلى المجد بجسد إنسانى، ليصير سابقا لنا "حيث دخل يسوع كسابق لاجلنا، صائرا على رتبة ملكي صادق" (عب6: 20).

لأَنَّهُ فِيهِ سُرَّ = كانت هذه محل سرور الآب أن يحل فى المسيح كل الملء وهذا لحساب الكنيسة، فكل حكمة وكل قوة، وكل ما نحصل عليه هو من إمتلائه هو.

يَحِلَّ كُلُّ الْمِلْءِ = هذه تشير لإتحاد اللاهوت بالناسوت، بدون اختلاط ولا إمتزاج ولا تغيير. (أنظر تفسير الآيات 2: 9، 10). فهو الله الذى ظهر فى الجسد (1تى 16: 3) + (يو1: 1–3). وهذا لا يعنى أن جسد المسيح كان يُحِّد عمل اللاهوت فى قوته المطلقة فى العمل لتجديد الإنسان والكون. وكلمة يحل تعنى حلولاً دائماً لكل الصفات الإلهية فى جسد المسيح. إذاً هو ليس أحد الإنبثاقات كما قال الغنوسيون، بل هو الله نفسه. صار للمسيح ملء النعمة بجسده ومنه نغترف ومن ملئه نحن جميعاً أخذنا نعمة فوق نعمة (يو16: 1).

العدد 20

آية (20): -

"20 وَأَنْ يُصَالِحَ بِهِ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلاً الصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ، بِوَاسِطَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ: مَا عَلَى الأَرْضِ، أَمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ.".

يُصَالِحَ بِهِ الْكُلَّ = طبعاً الصلح لمن يقبل المصالحة ويؤمن بالمسيح ويقدم توبة عن أعماله الشريرة. بِدَمِ صَلِيبِهِ = الدم الذى يكفر عنا أى يغطينا فيرى الآب إبنه ولا يرى خطايانا، يراه الملاك المهلك ويعبر (فالمسيح فصحنا) وقوله الدم إذاً هو له جسد حقيقى وليس خيالياً كما قال الغنوسيون. سَوَاءٌ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ، أَمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ = الصلح كان صلحاً بين الله والإنسان (2كو5: 18)، وبين الإنسان والإنسان وبين الأرضيين والسمائيين، فلقد صاروا كنيسة واحدة، والمسيح صار رأساً لكليهما (أف10: 1). وصارت السماء تفرح بتوبة الخطاة "السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب" (لو15: 7). لقد صار كل شىء جديداً فى المسيح يسوع (2كو5: 17). والرسول بدأ بالأرض لأن العداوة بدأت فى الأرض بسقوط آدم وبنيه. ولاحظ انه لم يقل وما تحت الارض كما قال فى (فى2: 10) فلا صلح مع الشيطان.

وَأَن يُصَالِحَ بِهِ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ = نفسه عائدة على الله الذى سُرَّ أَنْ يَحِلَّ فيه كُلُّ الْمِلْءِ (الآية السابقة).

العدد 21

آية (21): -

"21 وَأَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً أَجْنَبِيِّينَ وَأَعْدَاءً فِي الْفِكْرِ، فِي الأَعْمَالِ الشِّرِّيرَةِ، قَدْ صَالَحَكُمُ الآنَ.".

يمكنكم أيها الكولوسيون أن تلمسوا هذه المصالحة، فبعد ما كنتم أجنبيين عن الله وغرباء صرتم الآن مصالَحين. أَجْنَبِيِّينَ = الخطية تسببت فى إنفصال الإنسان عن الله منذ إختبأ آدم من الله. والكولوسيون صاروا أجنبيين أى إنفصلوا عن الله بسبب أفكارهم وأعمالهم الشريرة السابقة. صاروا خارج الحظيرة، وكانوا لا يعرفون الله، بل يعبدون أوثانهم، وكانت إراداتهم وشهواتهم الرديئة عداوة لله. قَدْ صَالَحَكُمُ = جعلهم شعبه وصاروا من رعيته وخلصته. فنحن البشر كان من المستحيل أن نتصالح مع الله لذلك تنازل هو وصالحنا.

العدد 22

آية (22): -

"22فِي جِسْمِ بَشَرِيَّتِهِ بِالْمَوْتِ، لِيُحْضِرَكُمْ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ وَلاَ شَكْوَى أَمَامَهُ.".

المسيح مزمع أن يحضرنا أمام الآب (أف 18: 2) كاملين فى حالة كمال.. كيف؟ يقول الرسول: فِي جِسْمِ بَشَرِيَّتِهِ = الذى سُمَّر على الصليب، هذا الجسم هو مركز المصالحة. نستتر فيه فيكفر (يغطى) خطايانا فنصير بلاَ لَوْمٍ = المسيح وحده هو الذى بلا لوم. ولكن إتحادنا به يجعلنا بلا لوم لذلك يقول السيد المسيح "إثبتوا فىَّ وأنا فيكم" وهذا يكون بالمعمودية أولاً وبالتوبة كحياة نحياها، مع التناول المستمر من جسد الرب ودمه. وبهذا يحمل المسيح خطايانا ويعطينا بره. لا يعود يرانا الآب فى خطايانا بل يرانا فى المسيح = فِي جِسْمِ بَشَرِيَّتِهِ.. بِلاَ لَوْمٍ وَلاَ شَكْوَى = من الذى يشتكى علينا؟ الشيطان. ولكن من ثبت فى المسيح فدم المسيح يطهره. وقوله جسم بشريته إثبات لأن جسده كان حقيقياً وليس خيالاً.

العدد 23

آية (23): -

"23إِنْ ثَبَتُّمْ عَلَى الإِيمَانِ، مُتَأَسِّسِينَ وَرَاسِخِينَ وَغَيْرَ مُنْتَقِلِينَ عَنْ رَجَاءِ الإِنْجِيلِ، الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ، الْمَكْرُوزِ بِهِ فِي كُلِّ الْخَلِيقَةِ الَّتِي تَحْتَ السَّمَاءِ، الَّذِي صِرْتُ أَنَا بُولُسَ خَادِمًا لَهُ.".

هنا يضيف الرسول شرطاً جديداً لنكون بلا لوم وبلا شكوى، ألا وهو الثبات على الإيمان الصحيح = إنْ ثَبَتُّمْ عَلَى الإِيمَانِ = فالرسول يحث أهل كولوسى على التمسك بالإيمان الصحيح فى مواجهة حروب التشكيك من الهراطقة حتى لا يضيع منهم هذا التصالح وبالتالى الميراث، فمن يثبت فى الإيمان يستفيد من دم المسيح. غَيْرَ مُنْتَقِلِينَ عَنْ رَجَاءِ الإِنْجِيلِ = رجاء الإنجيل هو المسيح الذى سيُحضرنا كاملين لميراث أبدى فى ملكوته، والمسيح هو أساس كل بركاتنا. والإنجيل هو الذى بشر به أبفراس وليس غيره من أقوال الهراطقة آية 7 وآية 5. فكلمة حق الإنجيل هى ما علم به أبفراس.

الْمَكْرُوزِ بِهِ فِي كُلِّ الْخَلِيقَةِ يقولها بالوحى أن الإنجيل سيصل لكل العالم فالمسيح مات وقام لأجل كل العالم ومن يقبل ويؤمن بالكلمة التى تصله يخلص. الَّذِي صِرْتُ أَنَا بُولُسَ خَادِمًا لَهُ = أى الإنجيل، فبولس صار خادماً للإنجيل يكرز به فى كل مكان للأمم.

الأعداد 24-27

الآيات (24 - 27): -

"24الَّذِي الآنَ أَفْرَحُ فِي آلاَمِي لأَجْلِكُمْ، وَأُكَمِّلُ نَقَائِصَ شَدَائِدِ الْمَسِيحِ فِي جِسْمِي لأَجْلِ جَسَدِهِ، الَّذِي هُوَ الْكَنِيسَةُ، 25الَّتِي صِرْتُ أَنَا خَادِمًا لَهَا، حَسَبَ تَدْبِيرِ اللهِ الْمُعْطَى لِي لأَجْلِكُمْ، لِتَتْمِيمِ كَلِمَةِ اللهِ. 26السِّرِّ الْمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ وَمُنْذُ الأَجْيَالِ، لكِنَّهُ الآنَ قَدْ أُظْهِرَ لِقِدِّيسِيهِ، 27الَّذِينَ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ مَا هُوَ غِنَى مَجْدِ هذَا السِّرِّ فِي الأُمَمِ، الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ الْمَجْدِ.".

الذى = عائدة على رجاء الإنجيل (آية23) وهذا ما دعاه للإحتمال وأتى له بالتعزية والفرح وسط ألامه فى هذه الآيات (12 / 12 / 16).

عانى الرسول من إضطهاد الكل لهُ، يهوداً وأمم. ومع كل آلامه كان فى فرح، فلا يستطيع أحد أن ينزع فرحنا منا (يو22: 16) = الَّذِي الآنَ أَفْرَحُ فِي آلاَمِي = يقول أفرح فى آلامى ولم يقل بسبب آلامى، فالآلام ليست سبب الفرح، بل الفرح يكون بسبب التعزية التى يعطيها الله له وسط آلامه وبسبب أخبار إنتشار الإيمان وأن أهل كولوسى صاروا مؤمنين. ولاحظ أن الرسول يكتب هذه الرسالة وهو مسجون ومربوط بسلاسل.

لأَجْلِكُمْ = هذا السجن كان بسبب كرازته للأمم (أف1: 3). والمسيح أخبرنا أننا سنواجه إضطهاداً من العالم. فالبغضة ضد المسيح ينبوع عميق لم يفرغ فى السيد فقط بل ظل ممتلئاً لأجل تلاميذه وكل المؤمنين به. والآلام التى تقع على الكنيسة تقع على جسد المسيح "شاول شاول لماذا تضطهدنى" (أع 4: 9) = أُكَمِّلُ نَقَائِصَ شَدَائِدِ الْمَسِيحِ = آلام المسيح كاملة وقد حققت الخلاص، لكن على شعبه أن يشترك معه فى صليبه لا لتحقيق الخلاص لكن للكرازة والشهادة لهُ. [جزء يتم حذفه] 20 / 12 / 16.

فالمسيح حقق الكفارة بدمه الثمين وعلينا بالإيمان والجهاد ودموع التوبة وإحتمال الألم وإعلان قبول الصليب، ومشاركة المسيح آلامه أن نكتب الشيكات التى تعطينا رصيداً ندخل به للسماء. بل فى قبولنا للألم يكون هذا شهادة للآخرين فيقبلونه. فلإنتشار الإنجيل كان لابد أن يتألم المسيح وتتألم الكنيسة. وألام أى عضو هى ألام تقع على الجسد، جسد المسيح، ألام أى عضو فى أى جسد هى ألام لكل الجسد وبالذات الرأس الذى يزود الكل بالأحاسيس. وجسد المسيح لم يكتمل بعد فأولادى وأولاد أولادى وأولادهم سيكملون هذا الجسد، ولذلك ولأن هناك أجيال آتية، فإن الآلام المفروض أن تقع على جسد المسيح لم تكمل بعد، وحينما يكتمل جسد المسيح مع آخر مولود يؤمن بالمسيح، تكمل ألام وشدائد المسيح. وبولس بما أنه عضو فى جسد المسيح فالألام التى تقع عليه تكمل جزءاً من آلام جسد المسيح. وبهذا يصبح معنى أُكَمِّلُ نَقَائِصَ شَدَائِدِ الْمَسِيحِ هو ليس أن شدائد المسيح كانت ناقصة، بل أن جسد المسيح الذى هو الكنيسة (آية18 من نفس الإصحاح) لم يكمل بعد. وبنفس المفهوم فمن يطعم فقيراً يطعم المسيح (مت 25: 34 - 40). وقارن آية 23، 24 فنفهم أن بولس يحتمل هذه الآلام بفرح لأجل رجاء الإنجيل. الَّتِي صِرْتُ أَنَا بولس خَادِمًا لَهَا = الكنيسة.

حَسَبَ تَدْبِيرِ اللهِ الْمُعْطَى لِي = هى وكالة أعطاها الله، أو ثروة أعطاها الله بغرض توزيعها على الآخرين، والمقصود أن الله إختار بولس كرسول للأمم ليبشرهم بإنجيل المسيح الذى هو مصالحة الله معهم وأن المجد صار نصيب من يؤمن.

لأَجْلِكُمْ = لأجل الأمم (أع21: 22). وذهب بولس للأمم لِتَتْمِيمِ كَلِمَةِ اللهِ السِّرِّ الْمَكْتُومِ = (أف2: 3). السر الذى كان مخفياً ولكنه صار ظاهراً الآن هو إنضمام الأمم لليهود ليكونوا كنيسة واحدة لها مجد وميراث. أعدها المسيح للكل، لكل من يؤمن به. أُظْهِرَ لِقِدِّيسِيهِ = كما رأى بطرس رؤيا الملاءة.

السِّرِّ هُوَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ الْمَجْدِ = فكل المؤمنين بالمسيح، الذين صار المسيح فيهم أى ثابتاً فيهم، وهم ثابتون فيه، صاروا يترجون هذا المجد الذى فيه المسيح الآن، إذ هم ثابتين فيه، ففى المسيح مذخر لنا كل مجد وميراث، بل كل بركة فى هذا العالم وفى الدهر الآتى.

الأعداد 28-29

الآيات (28 - 29): -

"28الَّذِي نُنَادِي بِهِ مُنْذِرِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ، وَمُعَلِّمِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ، بِكُلِّ حِكْمَةٍ، لِكَيْ نُحْضِرَ كُلَّ إِنْسَانٍ كَامِلاً فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. 29الأَمْرُ الَّذِي لأَجْلِهِ أَتْعَبُ أَيْضًا مُجَاهِدًا، بِحَسَبِ عَمَلِهِ الَّذِي يَعْمَلُ فِيَّ بِقُوَّةٍ.".

الذى = عائدة على رجاء الإنجيل (آية23) وهذا ما دعاه للإحتمال وأتى له بالتعزية ففرح وسط ألامه (الآية24) وفى هذه الآية الرسول يقول أنه ينادى به.

بولس هنا ينذر ويعلم أن لا ينقاد الكولوسيون للتعاليم الغريبة التى تفصلهم عن رأسهم فى المجد. ولكى يحضرهم كاملين فى ذلك اليوم. ولنلاحظ أن للإنذار وقتاً وللتعليم وقتاً. مُنْذِرِينَ = بالدينونة الأخيرة لرافضى الإيمان ونلاحظ أن بولس عليه أن يحضرهم والمسيح هو الذى يكمل الجميع فيه.

كل إنسان كاملاً = تكررت عبارة كل إنسان فى آية 28 (3 مرات) وتكررت كلمة كل فى الرسالة 35 مرة. وقصد الرسول إظهار أنه ليس هناك تمييز كما يقول الغنوسيون: فالحكمة والمعرفة والكمال هى للجميع. وأن الكمال يكون بالإتحاد والثبات فى المسيح = كُلَّ إِنْسَانٍ كَامِلاً فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ = وليس عن طريق زيادة المعرفة كما يقول الغنوسيون. ونفهم من الآية أنه ليس هناك توقف فى الحياة مع المسيح بل نمو دائم نحو الكمال. ونحن فى المسيح صرنا كاملين وبلا لوم وبلا دينونة (أف1: 4 + رو8: 1) وهذا لأننا حين نكون ثابتين فى المسيح لا يرانا الآب فى نقصنا بل يرى إبنه المسيح الكامل. لذلك يطلب السيد المسيح منا "إثبتوا فىَّ وأنا فيكم" (يو15: 4).

مُجَاهِدًا = فى سهره ورعايته وكرازته وصلواته وإحتماله للآلام.

No items found

الأصحاح الثاني - تفسير الرسالة إلى كولوسي - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير الرسالة إلى كولوسي الأصحاح 1
تفاسير الرسالة إلى كولوسي الأصحاح 1