الاصحاح السابع – تفسير إنجيل متى – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: انجيل متى – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح السابع

الأعداد 1-5

الآيات (مت1: 7 - 5): -

"1«لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا، 2لأَنَّكُمْ بِالدَّيْنُونَةِ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ، وَبِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ. 3 وَلِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟ 4أَمْ كَيْفَ تَقُولُ لأَخِيكَ: دَعْني أُخْرِجِ الْقَذَى مِنْ عَيْنِكَ، وَهَا الْخَشَبَةُ فِي عَيْنِكَ؟ 5يَامُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلاً الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ!".

لا تدينوا = السيد المسيح لا يمنع الإدانة منعاً مطلقاً وإلاّ سقط العدل وإمتنع الناس عن التعليم، ولا يوجد بهذا المفهوم سلطان للقضاة، ولا يصير هناك حق لأب يعلم إبنه ويوبخه حين يخطىء، ولا من مدرس يوبخ تلميذه، ولإنقضى سلطان الكنيسة فى توبيخ الخطاة وإدانتهم (1كو 3: 5 + 12). بل أن الرب أعطى للكنيسة هذا السلطان (مت 18: 18). بل أن الله يقول "ويلٌ للقائلين للشر خيراً وللخير شراً …" (إش 20: 5) فالمؤمن الحقيقى إذ هو مسكن للروح القدس يحمل روح التمييز، فيرى الأخطاء ولا يقدر أن ينكرها أو يتجاهلها. وبولس الرسول يقول لتلميذه تيموثاوس "وبخ إنتهر عظ...." (2تى2: 4 + 1تى 20: 5) والمعمدان وَبَّخ الفريسيين (مت 7: 3) ولكن المعنى المطلوب: -.

أن نهتم بأن ندين أنفسنا أولاً وألا ندين كشهوة إنتقام أو ندين ظلماً.

عندما نهتم بإدانة الناس ننسى أن نهتم بأن نراقب أنفسنا وننسى أن نهتم بالسماء ونصيبنا المعد لنا.

نحن لن يمكننا معرفة قلوب الناس وحقيقتهم، فنحن إنما نحكم بالمظاهر التى نراها، لكن الله هو الديان العادل فهو فاحص القلوب والكلى.

دينونة الناس تفقدنا طبيعة المحبة تجاههم، ومن المحبة الستر على الآخر. عموماً من يلتمس العذر للآخرين ويرحمهم، يرحمه الله ويغفر خطاياه.

إعتاد الناس على أن يلجأوا لإدانة غيرهم وتبرير أنفسهم منذ القديم، فآدم ألقى اللوم على حواء بل على الله.... "المرأة التى خلقتها". فالخاطىء لا يريد أن يكون خاطئاً وحده، لذلك ينظر لمن حوله يبحث فيهم عن الخطأ ويدينهم متعللاً بأنه يريد إصلاح المجتمع. وكان الفريسيين يتدخلون فى شئون الناس ويدينوا ويحكموا عليهم، وهذا عمل الله وحده.

عمل دينونة الناس هو محاولة منى أن أظهر كإنسان بار، أفضل من الجميع، وهذا عكس ما يريده الله، فالله يريد قلباً مثل قلب داود القائل "خطيتى أمامى فى كل حين" ومثل قلب بولس القائل "الخطاة الذين أولهم أنا" (1تى 15: 1). أما عكس هذا السلوك فيقود للكبرياء، ثم السقوط.

من يركز نظره على السماء وعلى المسيح مهتماً بأبديته، يرى المسيح فى نوره وبهائه ويقارن مع حاله فيكتشف بشاعة خطيته، أماّ من يركز على الناس فسيرى أخطاءهم وسيرى أنه أفضل منهم وهذا يقوده للكبرياء والضياع. أماّ من يرى خطيته وبشاعتها فسيصرخ لله طالباً الرحمة فيخلص. وهذا هو تفسير قول بولس الرسول "الخطاة الذين أولهم أنا" فهو عينه مفتوحة على السماء وعلى قلبه، فيرى جمال ونقاء المسيح، وفى نور المسيح الذى أضاء قلبه يرى خطايا لا نراها نحن بل يرى أن خطاياه هذه أنها كبيرة، وفى إنشغاله بنور المسيح وبخطيته لا يرى خطايا أحد.

أن يقيم الإنسان من نفسه دياناً للناس فهذا إغتصاب لحق الله الديان.

الإدانة هى وسيلة نفقد بها العين البسيطة (22: 6) إذ حين ننشغل بخطايا الناس سيكون هناك شىء آخر تنشغل به العين غير مجد الله.

إذا أخطأ إلىَّ شخص، يقول السيد المسيح إذهب وعاتبه (مت 15: 18 - 17). وفى هذا النص نفهم أنه يمكننا أن نحكم على المخطىء بأنه مخطىء، ولكن هناك موقفين 1) أن نشهر بالمخطىء ونفضحه وهذا لا يقبله المسيح. 2) أن نذهب إليه سراً (بينك وبينه) ونعاتبه وهذا ما يُعَلِّمْ به الرب.

نصيحة أخيرة أن لا نهتم بأن نحكم وأن ندين الآخرين، لكن إذا سألنا أحد عن موقف معين لشخص مخطىء، فعلينا أن نحكم بالحق، بأن هذا التصرف كان خطأ.... لكن لا ندين الشخص ونحاول أن نستر عليه أو نجد عذراً له.. نتصرف كمن يرحم الطبيعة البشرية لا كمن يدينها. بصيغة أخرى فلندن الخطية ولا ندين الخاطىء ونشوه سمعته ومن يتشبه بالله فى مراحمه يرحمه الله = لكى لا تدانوا. ولاحظ أن الناظر إلى السماء وعقله وقلبه مشغولين بفرح بالمسيح لن يرى أصلا ما يعمله الناس. هذا يكون كمن يقود سيارة فلو إنشغل بالطريق أمامه كما يجب لن يلحظ حال الراكبين معه، أماّ من ينشغل بما يلبسه الراكبون معه فستكون النتيجة حادثة صعبة.

تدريب: حين ترى شخصا يخطئ، فكر فى الأسباب التى جعلته يخطئ محاولا أن تجد عذرا له.. مثلا.. لعله مريض / لعله محتاج / لعله متضايق جدا / لعله لم يفهم الموقف / لعله يعانى من صغر النفس... إلخ.

من يركز على خطاياه سيراها كبيرة = الخشبة التى فى عينك فيهتم أن يخرجها. ولكن من ينسى نفسه ويركز على خطايا الآخرين، لن يرى سوى القذى الذى فى عيونهم فيدينهم وينسى أن يخرج الخشبة من عينه. والقذى هو الذرات المتطايرة من الخشب عند نشره بالمنشار، وهذه إشارة للخطية الصغيرة، فكيف ندين الناس على خطايا صغيرة ونحن ملوثون بخطايا كبيرة. وهذا لا يتعارض مع التعليم لمن له حق التعليم ولكن ليكن التعليم فى محبة وليس بإستهزاء وكبرياء. ولمن ليس لهم حق التعليم فليعاتبوا من أخطأ إليهم سراً. وللكل عليهم أن يهتموا بأنفسهم أولاً.

الكيل = هو وعاء لقياس حجم الحبوب. المقصود كما نقيس وندين خطايا الآخرين هكذا سيفعل الله بنا.

الآيات (لو 37: 6 - 42): -.

"37« وَلاَ تَدِينُوا فَلاَ تُدَانُوا. لاَ تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلاَ يُقْضَى عَلَيْكُمْ. اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ. 38أَعْطُوا تُعْطَوْا، كَيْلاً جَيِّدًا مُلَبَّدًا مَهْزُوزًا فَائِضًا يُعْطُونَ فِي أَحْضَانِكُمْ. لأَنَّهُ بِنَفْسِ الْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ». 39 وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلاً: «هَلْ يَقْدِرُ أَعْمَى أَنْ يَقُودَ أَعْمَى؟ أَمَا يَسْقُطُ الاثْنَانِ فِي حُفْرَةٍ؟ 40لَيْسَ التِّلْمِيذُ أَفْضَلَ مِنْ مُعَلِّمِهِ، بَلْ كُلُّ مَنْ صَارَ كَامِلاً يَكُونُ مِثْلَ مُعَلِّمِهِ. 41لِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟ 42أَوْ كَيْفَ تَقْدِرُ أَنْ تَقُولَ لأَخِيكَ: يَا أَخِي، دَعْنِي أُخْرِجِ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِكَ، وَأَنْتَ لاَ تَنْظُرُ الْخَشَبَةَ الَّتِي فِي عَيْنِكَ؟ يَا مُرَائِي! أَخْرِجْ أَوَّلاً الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ.".

نفس الآيات مع تفصيلات أكثر.

آية (لو37: 6): - "37« وَلاَ تَدِينُوا فَلاَ تُدَانُوا. لاَ تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلاَ يُقْضَى عَلَيْكُمْ. اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ.".

نرى هنا الإرتباط مع آية (لو6: 36) "فكونوا رحماء كما أن أباكم أيضا رحيم" وهذه تتكلم عن الرحمة، فعدم الإدانة مرتبط بالرحمة فمن قلبه رحيم سيجد عذرا للمخطئ. وقوله هنا لا تقضوا = فيها معنى تحول الدينونة لقضاء وعقوبة (ونلاحظ أن التشهير عقوبة).

آية (لو38: 6): -.

"38أَعْطُوا تُعْطَوْا، كَيْلاً جَيِّدًا مُلَبَّدًا مَهْزُوزًا فَائِضًا يُعْطُونَ فِي أَحْضَانِكُمْ. لأَنَّهُ بِنَفْسِ الْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ».".

إعطوا = للناس. تُعطَوْا = من الله (الله يعطيكم من بركاته).

وهنا لم يصف عطيتنا للآخرين، ولكن يصف عطية الله بالجودة. فالله يعطى بسخاء ولا يُعَيِّر (يع1: 5). كيلاً جيداً = بلا زوائد فى قاعه تُنْقِص الكمية كأن يكون محدباً مثلاً.

كيلاً ملبداً مهزوزاً فائضاً = هنا البائع يريد إكرام المشترى، فبعد أن يملأ الكيل يضع فوقه بعض القمح بزيادة.... ملبدة = كمية زائدة. ثم يهز الكيل فينكبس القمح = مهزوزاً فتنقص الكيلة....، فيملأها ثانية. فيعود ويضيف قمحاً آخر حتى يفيض القمح من الكيلة = فائضاً فيفتح الشارى حجره ويستقبل الكيلة الفائضة فى حضنه فرحاً. ومن يزرع بالبركات فبالبركات يحصد (2كو 6: 9 - 9). وإرتباط هذه الآية بالسابقة هى أنه لو غفرنا وما عدنا نهتم بإدانة الناس ونرحمهم، يرحمنا الله ويغفر لنا. ولكن الآية معناها المباشر ينصب على محبة العطاء، فبقدر ما نعطى للآخرين سيعطينا الله.

الآيات (لو39: 6 - 40): -.

"39 وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلاً: «هَلْ يَقْدِرُ أَعْمَى أَنْ يَقُودَ أَعْمَى؟ أَمَا يَسْقُطُ الاثْنَانِ فِي حُفْرَةٍ؟ 40لَيْسَ التِّلْمِيذُ أَفْضَلَ مِنْ مُعَلِّمِهِ، بَلْ كُلُّ مَنْ صَارَ كَامِلاً يَكُونُ مِثْلَ مُعَلِّمِهِ.".

على من يتصدى لمهمة إدانة الآخرين لإصلاحهم وتعليمهم فلقد أقام من نفسه معلماً، وهل يستطيع أن يقوم أحد بالتعليم ما لم يختبر هو بنفسه ما يقوله. هذا كمن يقود الآخرين وهو فاقد البصيرة. فالأعمى هو من يحيا حياة الخطية (الخشبة فى عينه)، فكيف يُظْهِر طريق النصرة على الخطايا للآخر الذى (القذى فى عينه). كلا الإثنين عميان بسبب ما فى عيونهم فسيقود المعلم الأعمى الآخر للحفرة أى جهنم.

ليس التلميذ أفضل من معلمه = كثير من التلاميذ تفوقوا على معلميهم، لكن المقصود هنا أن هذا المعلم الأعمى بسبب الخشبة التى فى عينه وجهله بطرق الرب، وجهله بطرق التوبة وجهله بكيفية الإنتصار على الخطية لن يستطيع أن يقود الآخر (الذى هو أعمى بدوره ولا يرى هو الآخر الطريق) إلاّ إلى السقوط فى حفرة. فمن أين سيأتى التلميذ بمعرفة من معلم جاهل.

الآيات (لو41: 6 - 42): - "41لِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟ 42أَوْ كَيْفَ تَقْدِرُ أَنْ تَقُولَ لأَخِيكَ: يَا أَخِي، دَعْنِي أُخْرِجِ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِكَ، وَأَنْتَ لاَ تَنْظُرُ الْخَشَبَةَ الَّتِي فِي عَيْنِكَ؟ يَا مُرَائِي! أَخْرِجْ أَوَّلاً الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ.".

هل تريد أن تكون معلماً، عليك بإختبار طرق النصرة على الخطية أولاً، وبعد أن تعرفه إشرحه لغيرك. فكيف يمكنك نقد الآخرين والكشف عن سيئاتهم وشرورهم وفحص أسقامهم وأمراضهم وأنت شرير أثيم ومريض سقيم.

تشبيه فى موضوع الإدانة: - سائق السيارة عليه أن ينظر إلى الطريق وهو يقود سيارته. ولكن إن أخذ ينظر لمن يركب معه السيارة وينتقد ملابسهم مثلاً، من المؤكد أن حادثة ستقع للسيارة. هكذا على كل منا أن يركز نظره على السماء وعلى الطريق، والطريق هو المسيح (يو 6: 14). ولكن لو ركزنا إنتباهنا على الآخرين لننقد تصرفاتهم سيكون فى هذا هلاك لنا.

تدريب: مارس صلاة يسوع أو التأمل فى مزمور طوال اليوم فتحيا فى السماويات، ومن لا يفعل فلن يستطيع ذلك حتى أثناء حضوره للقداسات.

(مت6: 7 - 12).

العدد 6

آية (مت6: 7): -

"6لاَ تُعْطُوا الْقُدْسَ لِلْكِلاَب، وَلاَ تَطْرَحُوا دُرَرَكُمْ قُدَّامَ الْخَنَازِيرِ، لِئَلاَّ تَدُوسَهَا بِأَرْجُلِهَا وَتَلْتَفِتَ فَتُمَزِّقَكُمْ.".

حقاً يطلب منا الله أن نكون بسطاء ولكن يطلب أيضاً أن نكون حكماء. ومعنى هذه الآية أن لا نقدم ولا نتكلم عن مقدساتنا للمستهزئين فأسرار ملكوت الله لا تُقَدَّم إلاّ لمن يُقَيِّمونها حق قيمتها ويتقبلونها بخشوع وورع.

الكلاب = يشيروا لمقاومى الحق لأن الكلاب تهجم على الشىء لتمزقه.

والخنازير = هى لا تهاجم لتمزق بأسنانها لكنها تدنس الشىء إذ تدوسه بأقدامها. وهى تدوسه لا لعيب فيه ولكنها لأنها تجهل ما هذا الشىء. والقدس مشبه هنا بالدرر الثمينة التى ينبغى أن نحافظ عليها. إذاً علينا أن نعرف ماذا نقدم ولمن نقدمه.

الأعداد 7-12

الآيات (مت7: 7 - 12): -

"7«اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ. 8لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ. 9أَمْ أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ إِذَا سَأَلَهُ ابْنُهُ خُبْزًا، يُعْطِيهِ حَجَرًا؟ 10 وَإِنْ سَأَلَهُ سَمَكَةً، يُعْطِيهِ حَيَّةً؟ 11فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، يَهَبُ خَيْرَاتٍ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ! 12فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ، لأَنَّ هذَا هُوَ النَّامُوسُ وَالأَنْبِيَاءُ.".

إذ يسمع المؤمن وصية السيد "لا تعطوا القدس للكلاب ولا تطرحوا درركم...." ربما يتساءل ومن أين لى القدس والدرر؟ لذا يكمل السيد المسيح إسالوا تُعطَوا. السيد يحفزنا لنصلى فنكون على صلة مستمرة به.

وماذا نسأل؟ يجيب السيد أطلبوا أولاً ملكوت الله وبره (33: 6) وإذا شعر الإنسان بعجزه عن تنفيذ الوصايا يقول له السيد إسأل. فلنسأل الله فيعطينا قوة للسير فى طريق الرب. وكيف نعرف الطريق؟ يجيب السيد اطلبوا تجدوا. وطالما نصلى ونطلب فلن نضل الطريق وإلى ماذا يقودنا الطريق؟ يقودنا إلى الباب، وحينئذ نسمع قول السيد إقرعوا يفتح لكم = يفتح لنا باب الكنوز المخفية.. القدس والدرر. والمسيح هو الباب وإذا فتح، وهذا وعده، أنه يفتح لكل من يقرع، نجد كنوز مخفية فهو المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم (كو3: 2). والسيد هنا يعلن إستعداده لأن يهب خيرات وعطايا جيدة للذين يسألونه. فهو صانع خيرات. ولكى يدلل على ذلك قال حتى الأشرار يعطون أولادهم عطايا جيدة فكم وكم أبوكم السماوى، وأبونا السماوى لا يعطينا عطايا مميتة، بل هو يعطى كل بركة. المسيح يكرر أن الله أب لنا، وهو أب شديد المحبة.

ولنلاحظ أننا دائماً فى الشدائد نتعرض لسماع صوت إبليس.. أن الله لا يحبنا إذ سمح بهذه الشدة.

ولكن الروح القدس الذى يعطى "نعمة أعظم" (يع4: 6) يقنعنا بمحبة الله الأبوية لنا، ويشهد فى داخلنا "صارخا يا آبا الآب" (غل4: 6). وأن هذه الشدة هى عطايا صالحة من أبونا السماوى الذى يعرف كيف نصل للسماء. فمهما كانت التجربة صعبة فهى صالحة لأنها: - 1) من يد أبونا السماوى الذى يحبنا. 2) هى لازمة لخلاص نفسى.

فعلينا حين نسمع لصوت الروح القدس أن نجيب بثقة على تشكيك الشيطان، أن الله أب ولا يعطى أولاده سوى عطايا محيية جيدة.. فالمرض كان سبباً فى خلاص بولس، والضيقة كانت سبباً فى خلاص أيوب.

إبليس يصور لنا التجربة على أنها حية يؤذينا الله بها ولنرد عليه بأن الله لا يعطى حيات لأولاده. بل أن هذه التجربة هى للخير فهو صانع الخيرات. وهو وحده يعلم الطريق للحياة الأبدية وأن هذا المرض أو هذه التجربة وإن بدت مميتة للجسد لكنها ستعطى حياة أبدية. ونفهم من آية (12) أنه لنحصل على الخيرات من الله فلنصنع الخير للناس.

الآيات (لو9: 11 - 13): -.

"9 وَأَنَا أَقُولُ لَكُمُ: اسْأَلُوا تُعْطَوْا، اُطْلُبُوا تَجِدُوا، اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ. 10لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ. 11فَمَنْ مِنْكُمْ، وَهُوَ أَبٌ، يَسْأَلُهُ ابْنُهُ خُبْزًا، أَفَيُعْطِيهِ حَجَرًا؟ أَوْ سَمَكَةً، أَفَيُعْطِيهِ حَيَّةً بَدَلَ السَّمَكَةِ؟ 12أَوْ إِذَا سَأَلَهُ بَيْضَةً، أَفَيُعْطِيهِ عَقْرَبًا؟ 13فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الآبُ الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ، يُعْطِي الرُّوحَ الْقُدُسَ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ؟ ».".

هنا يكرر القديس لوقا نفس الكلمات ولنلاحظ فرقين.

الآيات إسألوا تُعطَوْا … جاءت بعد حديث السيد المسيح عن أهمية اللجاجة فى الصلاة. ومن هنا نفهم أن الصلاة المقبولة عند الله، أحد شروطها هو اللجاجة. فاللجاجة لها أهميتها، فهى تخلق دالة بيننا وبين الله، فنشعر بأبوته، خصوصاً أن لنا هنا وعداً أن كل من يسأل يأخذ. فمع الطلبة بلجاجة نمتلىء رجاء. وقد يبطىء الله بعض الأحيان فى الإستجابة حتى نشعر بأهمية ما سنحصل عليه، أو لأن الله يرى أن الوقت غير مناسب للإستجابة، أو لأن ما نطلبه ليس فى مصلحتنا، لكن عموماً من يصلى بلجاجة حتى ولو لم يستجب الله طلبته ستنشأ علاقة حب ودالة وثقة بينه وبين الله بسبب الصلاة الطويلة، فيتقبل ما يسمح به الله. وهذا نراه فى صلاة المسيح فى جثيسمانى فهو يطلب رفع الكأس عنه، ولكن سرعان ما يقول.. لتكن لا كإرادتى ولكن كإرادتك. وهذا يفعله معنا الروح القدس.. لكن قد تحدث الإستجابة.. إستجابتنا لصوت الروح القدس.. بعد فترة. فنحن قد نبدأ الصلاة طالبين شيئاً بعينه، ونصلى بلجاجة، لمدة من الزمن، وبعد وقت نستجيب لصوت الروح القدس فينا، ونقول أنا يا رب لا أعرف أين هو الصالح.. إذاً لتكن مشيئتك.

الفرق الثانى هو أن لوقا وضع كلمة الروح القدس هنا آية (13) عوضاً عن كلمة خيرات فى إنجيل متى. ومن هنا نفهم أن الروح القدس هو أعظم عطية يعطيها لنا الآب السماوى. وهذا هو ما يجب أن نسأله وبلجاجة أن يعطيه لنا. من الآن علينا أن نطلب الإمتلاء من الروح القدس عوضاً عن أن نهتم فى صلواتنا بالأمور الزمنية فهذه.. تزاد لكم. فالروح القدس هو الذى يعطينا أن نصير خليقة جديدة، هو يعلمنا كل شىء ويذكرنا بكل ما قاله المسيح، هو يثبتنا فى المسيح الذي يحملنا إلى حضن الآب وهو الذى يفتح أعيننا على ما لم تره عين (1كو 10: 2).

تأمل: - إسألوا.. اطلبوا.. إقرعوا = هى درجات الإصرار واللجاجة فى الصلاة. فدرجة إقرعوا هى أعلى درجة، هى درجة الصراخ لله ليفتح، والعجيب أن الله صوَّر نفسه هكذا صارخاً أو قارعاً لنفتح قلوبنا له (رؤ20: 3) فإن كان المسيح يقرع هكذا على باب قلبى، أفلا أثابر وأقرع وأصلى له بلجاجة.

الخبز = يشير للحياة. وهذا ما يريده الله لنا.

الحجر = وهذا يشير للقساوة، وهذا ليس هو قلب الله تجاهنا.

السمكة = هى إشارة لإمكانية الحياة وسط بحر هذا العالم.

البيضة = حياة تخرج من موت. فالله يريد لنا حياة هنا وفى السماء.

الحية والعقرب = فيهما سم مميت، فهناك مثلا أمراض مميتة، وهذه كالحيات والعقارب. وقطعاً هذا لا يريده الله لنا. بل التجارب هى لتأديبنا فتكون لنا للحياة. فالله قادر أن يخرج من الموت حياة. فالسمكة تحيا وسط البحر، والبحر يعنى للبشر الموت فيستحيل على الإنسان أن يحيا فى البحر، والبيضة تبدو كحجر ميت ولكن يخرج منها حياة (الكتكوت). والحجر هو ما يبدو لنا أنه حرمان من الحياة لكن الله يريد ان يعطينا حياة (خبز). الله قادر بل هو يريد أن يخرج لنا حياة مما يبدو لنا موت كالأمراض مثلا، أو يبدو لنا قسوة من الله فالحجر يشير للقسوة.

فى وقت التجربة يكذب الشيطان فى أذاننا أن الله يقسو علينا (التجربة كالحجر) ويريد لنا الموت (التجربة كالحية أو العقرب)، لكن الله يريد فى محبة أن يعطينا حياة ويخرج من هذا الموت حياة أبدية. فالله عينه ليس على عدة سنوات نقضيها على الأرض فى صحة جسدية بل على حياة أبدية فى فرح ومجد أبدى نحيا فيه للأبد فى السماء.

(مت13: 7 - 23).

الأعداد 13-14

الآيات (مت13: 7 - 14): -

"13«اُدْخُلُوا مِنَ الْبَاب الضَّيِّقِ، لأَنَّهُ وَاسِعٌ الْبَابُ وَرَحْبٌ الطَّرِيقُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْهَلاَكِ، وَكَثِيرُونَ هُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مِنْهُ! 14مَا أَضْيَقَ الْبَابَ وَأَكْرَبَ الطَّرِيقَ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْحَيَاةِ، وَقَلِيلُونَ هُمُ الَّذِينَ يَجِدُونَهُ!".

هذه كانت عادة الأعراس فى تلك الأيام، إذ يدخل المدعوون من باب صغير ضيق ويمنع البواب الذين لا يرخص لهم بالدخول. والباب الضيق هو وصايا المسيح وهى توصل للسماء. والباب الواسع هو الجرى وراء شهوات العالم. والباب الضيق هو قبول الصليب مع المسيح، والباب الواسع هو إنكار المسيح لنحصل على أمجاد العالم. الباب الضيق هو الصلاة والميطانيات والصوم وإذلال الجسد، والباب الواسع هو باب الملذات العالمية. الباب الضيق هو رفض العالم والباب الواسع هو الجرى وراء العالم.

والعجيب أن من يدخل من الباب الضيق، بأن يغصب نفسه ينفتح له الطريق المملوء سلاماً وفرحاً وتعزيات، فبينما هو يحرم نفسه من ملذات العالم يمتلىء قلبه فرح عجيب وسلام عجيب. ومن يدخل من الباب الواسع يضيق معه الطريق إذ يمتلىء قلبه هماً وغماً وقلقاً. الباب الضيق هو التغصب ومعه تأتى النعمة ومعها الفرح. وحينما طلب الرب أن نكون حكماء كالحيات (مت 10: 16) كان يقصد أن ندخل من الباب الضيق هذا. ولكن ما هو دخل الحيات بهذا؟

الحية التي تريد تغيير جلدها تمر من خلال فتحة ضيقة ليحتك جلدها القديم ويسقط فيظهر الجديد اللامع. وكل من يريد أن يتغير عن شكله ويتجدد ذهنه (رو 12: 2) فليدخل من الباب الضيق.

قليلون يجدونه = فالشهوات أعمت عيونهم عنه وكذلك مشاغل هذا العالم.

الدخول من الباب الضيق

باب الصليب

.

الأعداد 15-20

الآيات (مت15: 7 - 20): -

"15«اِحْتَرِزُوا مِنَ الأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَاب الْحُمْلاَنِ، وَلكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِل ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ! 16مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَبًا، أَوْ مِنَ الْحَسَكِ تِينًا؟ 17هكَذَا كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تَصْنَعُ أَثْمَارًا جَيِّدَةً، وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الرَّدِيَّةُ فَتَصْنَعُ أَثْمَارًا رَدِيَّةً، 18لاَ تَقْدِرُ شَجَرَةٌ جَيِّدَةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا رَدِيَّةً، وَلاَ شَجَرَةٌ رَدِيَّةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا جَيِّدَةً. 19كُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ. 20فَإِذًا مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ.".

هنا يحذرنا السيد من المؤمنين المرائين، وهم فئتين.

الأنبياء الكذبة = لهم إسم المسيحية ولكن إيمانهم غير إيمان الكنيسة.

ثياب حملان = يقولون أن طريقهم هو طريق المسيح. والمسيح هو الحمل.

من لهم إيمان صحيح ولكنهم يعملون أعمالاً شريرة.

والأنبياء الكذبة هؤلاء يحملون مسحة التقوى الخارجية بينما قلوبهم ذئاب خاطفة (2كو 13: 11 - 14). وهؤلاء يمكن تمييزهم من ثمارهم. فهناك نفوس لا تثمر سوى الشوك، هؤلاء من يعيشون على ثمار الأرض الملعونة التى تثمر شوكاً. هؤلاء أبناء آدم الأول الإنسان العتيق، أماّ أولاد الله فهم الكرمة والأغصان.

ولكن هناك توبة لمن يريد، ومن يفعل ويتوب يبدأ يحمل ثماراً عوضاً عن الشوك. فالتوبة تعيدنا لكى نصير فى المسيح طبيعة جديدة "إن كان أحد فى المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو 17: 5). وهذه الطبيعة الجديدة نلبسها أولاً فى المعمودية، وقد نخسرها بخطايانا، ولكننا بالتوبة نستعيدها، وهذا ما كان السيد المسيح يعنيه بقوله "إجعلوا الشجرة جيدة وثمرها جيداً" (مت12: 33).

تلقى فى النار = مصير المعلمون الكذبة.

الأعداد 21-23

الآيات (مت21: 7 - 23): -

"21«لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَارَبُّ، يَارَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. 22كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَارَبُّ، يَارَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ 23فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!".

المسيح هنا يعلن للإنسان الذى يريد التوبة، أنه لا يريد شكليات العبادة، أو مجرد ترديد ألفاظ، الله لا يريد من يكرمونه بالشفاه فقط والقلب مبتعد عنه بعيداً، لكن الله يطلب القلب الخاضع لإرادته.

بإسمك أخرجنا شياطين = هذه تفهم بطريقتين: -.

كثيرون وصلوا لعمل معجزات وأفسدهم الغرور لأنهم نسبوا هذه النعمة لأنفسهم ففقدوا هذه النعمة، ألم يخرج يهوذا شياطين ويشفى أمراض!!.

الشيطان خداع، إذ يعطى للبعض أن يخرجوا الأرواح الشريرة للخداع. ولكن هؤلاء يسهل جداً تمييزهم، من أسلوبهم الخالى من التواضع والمحبة. سمعت أحدهم يقول "أنا أسلوبى فى إخراج الشياطين كذا وكذا" ولنلاحظ أن يهوذا الخائن أخرج شياطين حينما كان مع التلاميذ (مت 8: 10).

لم أعرفكم = كخاصتى الذين يدخلون ملكوتى لأنكم لم تعرفونى حقيقة. ولاحظ أن كلمة يعرف تشير للإتحاد فهؤلاء لم يكن لهم ثبات فى المسيح. (راجع تفسير مت11: 27).

أليس بإسمك تنبأنا = كثيرون يعلمون بالحق ولكنهم لا يعملون به.

هناك فرق بين مواهب الروح القدس وثمار الروح، فالمواهب تعطى لبناء الكنيسة وتسمى الوزنات (1بط10: 4) والهدف منها بناء الكنيسة ووجودها ليس شرطاً للخلاص كما رأينا سابقاً. أما الثمار فوجودها علامة على الإمتلاء من الروح القدس (غلا22: 5 - 23) وبالتالى وجودها دليل على خلاص الانسان.

الآيات (لو 43: 6 - 46): -.

"43«لأَنَّهُ مَا مِنْ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تُثْمِرُ ثَمَرًا رَدِيًّا، وَلاَ شَجَرَةٍ رَدِيَّةٍ تُثْمِرُ ثَمَرًا جَيِّدًا. 44لأَنَّ كُلَّ شَجَرَةٍ تُعْرَفُ مِنْ ثَمَرِهَا. فَإِنَّهُمْ لاَ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ تِينًا، وَلاَ يَقْطِفُونَ مِنَ الْعُلَّيْقِ عِنَبًا. 45اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الصَّالِحِ يُخْرِجُ الصَّلاَحَ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشَّرَّ. فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ فَمُهُ. 46« وَلِمَاذَا تَدْعُونَنِي: يَارَبُّ، يَارَبُّ، وَأَنْتُمْ لاَ تَفْعَلُونَ مَا أَقُولُهُ؟".

نجد هنا نفس تعليم السيد المسيح عن إستحالة أن تعطى الشجرة الجيدة ثمراً ردياً. وتسلسل الأيات قبل مثل الشجرة هنا كان عن محبة الآخرين والعطاء وعدم الإدانة (لو6: 27 - 37) وكأن هذه الأعمال هى الثمار الجيدة التى تعلن عن إنسان صالح.

ثم يتكلم الرب عن من يريد أن يخرج القذى من عين أخيه (لو6: 42). وهذه الآيات هى عن من يريد أن يعلم الآخرين.

وبهذا نرى علاقة مباشرة بين أعمال الإنسان وتعليمه، فمن يريد أن يخرج القذى من أعين الآخرين، فهو يريد أن يقوم بدور المعلم لهم. فماذا عن صفاته وماذا عن أعماله وماذا عن ثماره؟ إننا سنعرف قلبه من ثماره وهل هو صالح للتعليم أم لا.

والثمار هى أعمال المحبة وعدم إدانة الآخرين.

وأيضا سنعرف قلبه من كلامه = الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح.. من فضلة القلب يتكلم فمه. فالقلب المملوء محبة سيخرج كلمات محبة تجاه الآخرين والعكس فالقلب الشرير سيخرج كلمات إدانة.

وكلام السيد يعنى أن نفعل وننفذ أوامر الله، هذا أهم من قولنا يارب يارب ونحن لا نفعل إرادة الله. وهذا ليس ضد ترديد صلاة يسوع أو تكرار كيريي ليسون، فنحن نفعل هذا تنفيذاً لوصية بولس الرسول "صلوا بلا انقطاع" وطبعاً علينا أن نصلى ليس بالشفتين فقط، بل بالشفتين وبقلب منشغل بالله وبذهن منفتح يفكر فيما يردده لسانه. ومن يجدد قلبه بإستمرار ويملأه من كلام الله وبصلوات بلجاجة وبتوبة وندم سيصلح هذا القلب وستتغير كلمات الفم ويمجد الله.

(مت24: 7 - 27) + (لو47: 6 - 49).

الأعداد 24-27

الآيات (مت24: 7 - 27): -

"24«فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا، أُشَبِّهُهُ بِرَجُل عَاقِل، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الصَّخْرِ. 25فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَوَقَعَتْ عَلَى ذلِكَ الْبَيْتِ فَلَمْ يَسْقُطْ، لأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّسًا عَلَى الصَّخْرِ. 26 وَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَلاَ يَعْمَلُ بِهَا، يُشَبَّهُ بِرَجُل جَاهِل، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الرَّمْلِ. 27فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَصَدَمَتْ ذلِكَ الْبَيْتَ فَسَقَطَ، وَكَانَ سُقُوطُهُ عَظِيمًا! ».".

الآيات (لو 47: 6 - 49): -.

"47كُلُّ مَنْ يَأْتِي إِلَيَّ وَيَسْمَعُ كَلاَمِي وَيَعْمَلُ بِهِ أُرِيكُمْ مَنْ يُشْبِهُ. 48يُشْبِهُ إِنْسَانًا بَنَى بَيْتًا، وَحَفَرَ وَعَمَّقَ وَوَضَعَ الأَسَاسَ عَلَى الصَّخْرِ. فَلَمَّا حَدَثَ سَيْلٌ صَدَمَ النَّهْرُ ذلِكَ الْبَيْتَ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُزَعْزِعَهُ، لأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّسًا عَلَى الصَّخْرِ. 49 وَأَمَّا الَّذِي يَسْمَعُ وَلاَ يَعْمَلُ، فَيُشْبِهُ إِنْسَانًا بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الأَرْضِ مِنْ دُونِ أَسَاسٍ، فَصَدَمَهُ النَّهْرُ فَسَقَطَ حَالاً، وَكَانَ خَرَابُ ذلِكَ الْبَيْتِ عَظِيمًا! ».".

من المهم أن ننفذ كلمات المسيح ونعمل بها ولا نكتفى بترديد "يا رب يا رب" فمن ينفذ وصايا المسيح ويعمل بكلامه سيعرف قوة هذا الكلام، بل سيعرف المسيح ويختبره فيحبه، فإذا هبت العواصف، عواصف التجارب والآلام، أو عواصف ورياح الخطية تجد أن إيمان هذا الشخص ثابتاً لأنه أسسه على الصخر أى على معرفة المسيح معرفة حقيقية، ومن يعرف المسيح حقاً لن يستطيع إبليس تشكيكه فيمن عرفه وأحبه. فتأسيس البيت على الصخر هو الإيمان بالمسيح ومعرفته وإختباره، ومحبته. ولنعلم أننا فى كل تجربة نتعرض لها يأتى إبليس ليشتكى الله قائلاً "الله لا يحبكم وإلاّ لماذا سمح بهذه التجربة" ومن إختبر محبة المسيح حقيقة سيرفض هذا الصوت إذ هو عرف المسيح وأدرك مقدار محبته هذه التى ظهرت على الصليب (رو8: 32).

وما يساعدنا على أن نعرف المسيح.

دراسة الكتاب المقدس. فالكتاب المقدس هو كلمة الله. والمسيح هو كلمة الله. فكلما جلسنا لدراسة كلمة الله المكتوبة نكتشف شخص المسيح كلمة الله الحى فنعرفه فنحبه. ولماذا سوف نحبه؟ لأنه شخص حلو العشرة، من عرفه أحبه وتلذذ بعشرته.

بتنفيذ الوصية: فالوصية لا نعرف جمالها ولا قوتها إن لم ننفذها، وحين ننفذها سنكتشف شخص المسيح الذى يساعدنا على تنفيذها فهو القائل بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً (يو 5: 15)، وهو الذى طلب مناّ أن نحمل نيره. والنير هو الخشبة التى تربط ثورين معاً، وحين نرتبط نحن الضعفاء بالمسيح القوى سيحمل هو كل الحمل أما من يسمع وصايا المسيح ولا ينفذها، فهو سيظل بعيداً يحكم بعدم إمكانية تنفيذها. وكذلك فى ضيقاتنا وأحزاننا إذا ذهبنا إليه وإرتبطنا به سنجده يَحْمِلنا حَملاً ويملأنا تعزية ورجاء. ونحن لن نعرف المسيح ونراه إن لم نكن أنقياء القلب، ننفذ الوصايا، فتنفتح عيوننا ونعرفه. وتنفيذ الوصية سيعطينا أن نعرف المسيح المحب الذي يبحث عن فرحنا. فمن ينفذ الوصايا يختبر حالة فرح وسلام لا يعرفها الخاطئ. فيفهم لماذا طلب المسيح تنفيذ هذه الوصايا ويدرك محبته.

وبهذا نفهم أنه لن يمكننا أن نصمد فى وجه تشكيك إبليس فى محبة الله إن لم تكن لنا هذه الخبرات العملية مع المسيح وهذا هو البناء على الصخر أماّ البناء على الرمل فهو كمن يدرس الكتاب دراسة نظرية ويعلم به دون أن يحاول تنفيذ هذه الوصايا.

الأنهار = النهر عادة يشير لعطايا الروح القدس. لكنه هنا هو نهر خادع من شهوات العالم (رؤ 15: 12) هدفه أن يبعدنا عن المسيح، أما من تذوق حلاوة المسيح، حين عاش معه ونفذ وصاياه، سيحتقر ملذات وأمجاد هذا العالم وسيعتبرها نفاية (فى 8: 3).

آية (لو48: 6): -.

"48يُشْبِهُ إِنْسَانًا بَنَى بَيْتًا، وَحَفَرَ وَعَمَّقَ وَوَضَعَ الأَسَاسَ عَلَى الصَّخْرِ. فَلَمَّا حَدَثَ سَيْلٌ صَدَمَ النَّهْرُ ذلِكَ الْبَيْتَ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُزَعْزِعَهُ، لأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّسًا عَلَى الصَّخْرِ.".

وَحَفَرَ وَعَمَّقَ هذه كناية عن السهر والاهتمام والمثابرة على فهم الإنجيل وتطبيق وتنفيذ ما نتعلمه بلا كلل. نحفر للأعماق حتى إلى الصخر، والصخرة كانت المسيح، أى لنكتشف ونعرف شخص المسيح ونتلذذ به.

الأعداد 28-29

الآيات (مت28: 7 - 29): -

"28فَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ هذِهِ الأَقْوَالَ بُهِتَتِ الْجُمُوعُ مِنْ تَعْلِيمِهِ، 29لأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ كَمَنْ لَهُ سُلْطَانٌ وَلَيْسَ كَالْكَتَبَةِ.".

كمن له سلطان = هو ليس فقط له سلطان، بل هو يُعطى سلطانا لنا أن ننفذ الوصية، أى هو يُعطى قوة مع كل وصية يعطيها، وبدونه لن نقدر أن ننفذ أى وصية (يو 5: 15 + فى 13: 4). والمسيح له سلطان على القلوب فهو خالقها.

الرمل = يشير للإيمان غير الثابت إذ أن صاحبه لم يكتشف شخص المسيح (الصخر). ومثل هذا الإنسان سيتشكك فى المسيح حينما يشككه الشيطان، ويصدق خداعاته كما صدقته حواء. هذا له إيمان سطحى لم يتعمق صاحبه باحثاً عن شخص المسيح الحلو المشبع.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الاصحاح الثامن - تفسير إنجيل متى - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح السادس - تفسير إنجيل متى - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير إنجيل متى الأصحاح 7
تفاسير إنجيل متى الأصحاح 7