الأصحاح الخامس – تفسير إنجيل مرقس – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: انجيل مرقس – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح الخامس

سلطان الرب يسوع على لجيئون.

الأعداد 1-20

الآيات (مر1: 5 - 20): -

"1 وَجَاءُوا إِلَى عَبْرِ الْبَحْرِ إِلَى كُورَةِ الْجَدَرِيِّينَ. 2 وَلَمَّا خَرَجَ مِنَ السَّفِينَةِ لِلْوَقْتِ اسْتَقْبَلَهُ مِنَ الْقُبُورِ إِنْسَانٌ بِهِ رُوحٌ نَجِسٌ، 3كَانَ مَسْكَنُهُ فِي الْقُبُورِ، وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَرْبِطَهُ وَلاَ بِسَلاَسِلَ، 4لأَنَّهُ قَدْ رُبِطَ كَثِيرًا بِقُيُودٍ وَسَلاَسِلَ فَقَطَّعَ السَّلاَسِلَ وَكَسَّرَ الْقُيُودَ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يُذَلِّلَهُ. 5 وَكَانَ دَائِمًا لَيْلاً وَنَهَارًا فِي الْجِبَالِ وَفِي الْقُبُورِ، يَصِيحُ وَيُجَرِّحُ نَفْسَهُ بِالْحِجَارَةِ. 6فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ مِنْ بَعِيدٍ رَكَضَ وَسَجَدَ لَهُ، 7 وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَ: «مَا لِي وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ اللهِ الْعَلِيِّ؟ أَسْتَحْلِفُكَ بِاللهِ أَنْ لاَ تُعَذِّبَنِي! » 8لأَنَّهُ قَالَ لَهُ: «اخْرُجْ مِنَ الإِنْسَانِ يَا أَيُّهَا الرُّوحُ النَّجِسُ». 9 وَسَأَلَهُ: «مَا اسْمُكَ؟ » فَأَجَابَ قِائِلاً: «اسْمِي لَجِئُونُ، لأَنَّنَا كَثِيرُونَ». 10 وَطَلَبَ إِلَيْهِ كَثِيرًا أَنْ لاَ يُرْسِلَهُمْ إِلَى خَارِجِ الْكُورَةِ. 11 وَكَانَ هُنَاكَ عِنْدَ الْجِبَالِ قَطِيعٌ كَبِيرٌ مِنَ الْخَنَازِيرِ يَرْعَى، 12فَطَلَبَ إِلَيْهِ كُلُّ الشَّيَاطِينِ قَائِلِينَ: «أَرْسِلْنَا إِلَى الْخَنَازِيرِ لِنَدْخُلَ فِيهَا». 13فَأَذِنَ لَهُمْ يَسُوعُ لِلْوَقْتِ. فَخَرَجَتِ الأَرْوَاحُ النَّجِسَةُ وَدَخَلَتْ فِي الْخَنَازِيرِ، فَانْدَفَعَ الْقَطِيعُ مِنْ عَلَى الْجُرْفِ إِلَى الْبَحْرِ. وَكَانَ نَحْوَ أَلْفَيْنِ، فَاخْتَنَقَ فِي الْبَحْرِ. 14 وَأَمَّا رُعَاةُ الْخَنَازِيرِ فَهَرَبُوا وَأَخْبَرُوا فِي الْمَدِينَةِ وَفِي الضِّيَاعِ. فَخَرَجُوا لِيَرَوْا مَا جَرَى. 15 وَجَاءُوا إِلَى يَسُوعَ فَنَظَرُوا الْمَجْنُونَ الَّذِي كَانَ فِيهِ اللَّجِئُونُ جَالِسًا وَلاَبِسًا وَعَاقِلاً، فَخَافُوا. 16فَحَدَّثَهُمُ الَّذِينَ رَأَوْا كَيْفَ جَرَى لِلْمَجْنُونِ وَعَنِ الْخَنَازِيرِ. 17فَابْتَدَأُوا يَطْلُبُونَ إِلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ تُخُومِهِمْ. 18 وَلَمَّا دَخَلَ السَّفِينَةَ طَلَبَ إِلَيْهِ الَّذِي كَانَ مَجْنُونًا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ، 19فَلَمْ يَدَعْهُ يَسُوعُ، بَلْ قَالَ لَهُ: «اذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ وَإِلَى أَهْلِكَ، وَأَخْبِرْهُمْ كَمْ صَنَعَ الرَّبُّ بِكَ وَرَحِمَكَ». 20فَمَضَى وَابْتَدَأَ يُنَادِي فِي الْعَشْرِ الْمُدُنِ كَمْ صَنَعَ بِهِ يَسُوعُ. فَتَعَجَّبَ الْجَمِيعُ.".

الآيات (مت 28: 8 - 34): -.

"28 وَلَمَّا جَاءَ إِلَى الْعَبْرِ إِلَى كُورَةِ الْجِرْجَسِيِّينَ، اسْتَقْبَلَهُ مَجْنُونَانِ خَارِجَانِ مِنَ الْقُبُورِ هَائِجَانِ جِدًّا، حَتَّى لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَجْتَازَ مِنْ تِلْكَ الطَّرِيقِ. 29 وَإِذَا هُمَا قَدْ صَرَخَا قَائِلَيْنِ: «مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ اللهِ؟ أَجِئْتَ إِلَى هُنَا قَبْلَ الْوَقْتِ لِتُعَذِّبَنَا؟ » 30 وَكَانَ بَعِيدًا مِنْهُمْ قَطِيعُ خَنَازِيرَ كَثِيرَةٍ تَرْعَى. 31فَالشَّيَاطِينُ طَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ: «إِنْ كُنْتَ تُخْرِجُنَا، فَأْذَنْ لَنَا أَنْ نَذْهَبَ إِلَى قَطِيعِ الْخَنَازِيرِ». 32فَقَالَ لَهُمُ: «امْضُوا». فَخَرَجُوا وَمَضَوْا إِلَى قَطِيعِ الْخَنَازِيرِ، وَإِذَا قَطِيعُ الْخَنَازِيرِ كُلُّهُ قَدِ انْدَفَعَ مِنْ عَلَى الْجُرُفِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمَاتَ فِي الْمِيَاهِ. 33أَمَّا الرُّعَاةُ فَهَرَبُوا وَمَضَوْا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَخْبَرُوا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَعَنْ أَمْرِ الْمَجْنُونَيْنِ. 34فَإِذَا كُلُّ الْمَدِينَةِ قَدْ خَرَجَتْ لِمُلاَقَاةِ يَسُوعَ. وَلَمَّا أَبْصَرُوهُ طَلَبُوا أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْ تُخُومِهِمْ.".

الآيات (لو 26: 8 - 39): -.

"26 وَسَارُوا إِلَى كُورَةِ الْجَدَرِيِّينَ الَّتِي هِيَ مُقَابِلَ الْجَلِيلِ. 27 وَلَمَّا خَرَجَ إِلَى الأَرْضِ اسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمَدِينَةِ كَانَ فِيهِ شَيَاطِينُ مُنْذُ زَمَانٍ طَوِيل، وَكَانَ لاَ يَلْبَسُ ثَوْبًا، وَلاَ يُقِيمُ فِي بَيْتٍ، بَلْ فِي الْقُبُورِ. 28فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ صَرَخَ وَخَرَّ لَهُ، وَقَالَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «مَا لِي وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ اللهِ الْعَلِيِّ؟ أَطْلُبُ مِنْكَ أَنْ لاَ تُعَذِّبَنِي! ». 29لأَنَّهُ أَمَرَ الرُّوحَ النَّجِسَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الإِنْسَانِ. لأَنَّهُ مُنْذُ زَمَانٍ كَثِيرٍ كَانَ يَخْطَفُهُ، وَقَدْ رُبِطَ بِسَلاَسِل وَقُيُودٍ مَحْرُوسًا، وَكَانَ يَقْطَعُ الرُّبُطَ وَيُسَاقُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَى الْبَرَارِي. 30فَسَأَلَهُ يَسُوعُ قِائِلاً: «مَا اسْمُكَ؟ » فَقَالَ: «لَجِئُونُ». لأَنَّ شَيَاطِينَ كَثِيرَةً دَخَلَتْ فِيهِ. 31 وَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ لاَ يَأْمُرَهُمْ بِالذَّهَابِ إِلَى الْهَاوِيَةِ. 32 وَكَانَ هُنَاكَ قَطِيعُ خَنَازِيرَ كَثِيرَةٍ تَرْعَى فِي الْجَبَلِ، فَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ بِالدُّخُولِ فِيهَا، فَأَذِنَ لَهُمْ. 33فَخَرَجَتِ الشَّيَاطِينُ مِنَ الإِنْسَانِ وَدَخَلَتْ فِي الْخَنَازِيرِ، فَانْدَفَعَ الْقَطِيعُ مِنْ عَلَى الْجُرُفِ إِلَى الْبُحَيْرَةِ وَاخْتَنَقَ. 34فَلَمَّا رَأَى الرُّعَاةُ مَا كَانَ هَرَبُوا وَذَهَبُوا وَأَخْبَرُوا فِي الْمَدِينَةِ وَفِي الضِّيَاعِ، 35فَخَرَجُوا لِيَرَوْا مَا جَرَى. وَجَاءُوا إِلَى يَسُوعَ فَوَجَدُوا الإِنْسَانَ الَّذِي كَانَتِ الشَّيَاطِينُ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهُ لاَبِسًا وَعَاقِلاً، جَالِسًا عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ، فَخَافُوا. 36فَأَخْبَرَهُمْ أَيْضًا الَّذِينَ رَأَوْا كَيْفَ خَلَصَ الْمَجْنُونُ. 37فَطَلَبَ إِلَيْهِ كُلُّ جُمْهُورِ كُورَةِ الْجَدَرِيِّينَ أَنْ يَذْهَبَ عَنْهُمْ، لأَنَّهُ اعْتَرَاهُمْ خَوْفٌ عَظِيمٌ. فَدَخَلَ السَّفِينَةَ وَرَجَعَ. 38أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الشَّيَاطِينُ فَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ، وَلكِنَّ يَسُوعَ صَرَفَهُ قَائِلاً: 39«ارْجعْ إِلَى بَيْتِكَ وَحَدِّثْ بِكَمْ صَنَعَ اللهُ بِكَ». فَمَضَى وَهُوَ يُنَادِي فِي الْمَدِينَةِ كُلِّهَا بِكَمْ صَنَعَ بِهِ يَسُوعُ.".

ولما جاء إلى العبر = أى عبروا البحيرة.

فى الآيات السابقة رأينا عواصف تواجه السفينة، ظهرت الطبيعة ثائرة على الإنسان، وهنا نرى أن الشيطان يواجه نفوس البشر ليحطمها ويذلها. والمسيح أتى ليخلصنا من سطوة هذا العدو المهول.

بمقارنة الأناجيل الثلاثة نجد أن هناك فروق فى القصة: -.

متى يذكر أنها حدثت مع شخصين أما لوقا ومرقس فيقولان أنها حدثت مع شخص واحد. ويبدو أنها فعلاً قد حدثت مع شخصين لكن كان أحدهما هو المشهور، أو أن أحدهما كان الأكثر شراسة ووحشية. وكان أن إكتفى مرقس ولوقا بذكر الشخص الأكثر شهرة. ورمزياً فمتي يكتب لليهود وذكره لإثنان فهو بذلك يشير لأن المسيح أتى للأمم كما لليهود. أما مرقس ولوقا فيكتبان للأمم وهم يشيروا أن المسيح أتى للأمم. واليهود تسلط عليهم الشيطان لكبريائهم. والأمم تسلط عليهم الشيطان لوثنيتهم.

يقول معلمنا متى أن الحادثة وقعت فى كورة الجرجسيين. ويقول مرقس ولوقا أنها فى كورة الجدريين. وهذا لأن القصة حدثت فى مدينة جرجسة وهى إحدى المدن العشر، وهذه المدينة تقع فى مقاطعة إسمها كورة الجدريين، ومتى إذ يكتب لليهود يذكر إسم البلدة فهم يعرفونها، أما مرقس ولوقا إذ يكتبان للأمم يكتبان إسم المقاطعة ونلاحظ فى القصة.

عنف وسطوة الشيطان على الإنسان روحاً وجسداً وكان هذا بسبب سقوط الإنسان فى الخطية. لا يلبس ثوباً = فالشيطان يفضح. ولاحظ تأثير الشيطان على الروح فهو يفصلها عن الله وعلى الجسد فهو يدفعه لإيذاء نفسه وعلى النفس فهو يفقد النفس سلامها.

مجرد عبور السيد فى الطريق فضح ضعف الشيطان وأذله فصرخ الشيطان على لسان المجنون ما لنا ولك.. أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذبنا فإذ رأت الشياطين المسيح على الأرض ظنوا أنه جاء يحاكمهم، فوجوده كان عذاب لهم. وبهذا نفهم أن الشيطان كان يعرف أنه سيدان يوما، ولكنه لم يفكر فى التوبة وإستمر فى تحديه لله وعناده. وهذه هى طبيعة الملائكة الذى كان الشيطان واحدا منهم. فالملاك لاتوجد له طبيعة مترددة، هو يتخذ القرار ولا يتردد فيه. وبينما إستقر الملائكة القديسون على قرار حب الله والخضوع له وهم لن يتراجعوا فى هذا القرار للأبد، تمرد الشيطان ضد الله ولم ولن يتوب للأبد. لذلك لم يكن هناك فداء للشيطان.

الشياطين دفعت المجنونين للقبور كما تدفعنا لقبور نجاسة الخطية فالموت والقبور إشارة للنجاسة. ونلاحظ أنهما كانا يقطعان السلاسل التى يربطونهما بها. وكل خاطىء يتملكه روح الشر يقطع كل القيود الدينية والاجتماعية ليجرى نحو قبور الخطية ونجاسة الشهوة وهناك يؤذى نفسه ويجرحها، فالخطية نار من يحضنها يحترق وتؤذيه.

الشياطين تجد راحتها فى دفع الإنسان للخطية لتتلذذ بإيذائه لنفسه. هم يجدون راحتهم فى مملكتهم التى يقيمونها فى القلب الفاسد. ولكننا من قول الشياطين أجئت قبل الوقت لتعذبنا نفهم أنهم واثقين من إنهيار مملكتهم. وقولهم قبل الوقت = أى وقت الدينونة.

طلبت الشياطين أن تذهب لقطيع الخنازير لتسبب كراهية الناس فى هذه المنطقة للرب فيرفضه الناس، وأيضاً فهى تفرح بأى أذى يصيب الناس.

سمح السيد للشياطين أن تدخل فى الخنازير للأسباب الآتية: -.

لم تحتمل الخنازير دخول الشياطين بل سقط القطيع كله مندفعاً إلى البحر ومات فى الحال، ومن هذا نعلم شر الشياطين. مما فعلوه بأجساد الحيوانات ونعرف ما يحدث لمن تمتلكهم الشياطين. ولكن نرى أن ما حدث للمجنونين كان أقل بكثير مما حدث للخنازير، وهذا يوضح أن الله لم يسمح للشياطين أن تؤذى المجنونين إلاّ فى حدود معينة. ورأينا هنا قوة الشياطين المهولة والمدمرة، وبهذا ندرك عظمة الخلاص الذي قدمه لنا المسيح.

ب - بهذا يعلن السيد أنه يسمح بهلاك قطيع خنازير من أجل إنقاذ شخصين فنفهم أهمية النفس البشرية عنده.

ج - نفهم من القصة أن الشياطين لا تقدر أن تفعل شىء، حتى الدخول فى قطيع خنازير إلاّ بسماح منه.

د - كان هذا تأديباً لأصحاب الخنازير فتربيتها ممنوعة حسب الناموس.

ه - لم تطلب الشياطين الدخول فى إنسان فهى تعرف أن المسيح الذى أتى ليشفى الإنسان سيرفض هذا حتماً. وهى لم تطلب الدخول فى حيوانات طاهرة يقدم منها ذبائح فالمسيح سيرفض، ولكنها تطلب الدخول فى حيوانات نجسة. ومن هذا نتعلم شىء عن عالم الأرواح…. فنحن معرفتنا ناقصة جداً عن عالم الأرواح فنحن لا نعرف كيف تسكن روح الإنسان فى الإنسان، ولا كيف تسكن روح شريرة فى الإنسان ولا كيف تدخل الأرواح الشريرة فى الحيوانات، ولكن من هذه القصة نفهم أن المسيح يسمح بدخول الأرواح الشريرة للحيوانات النجسة أو للإنسان الذى يحيا فى نجاسة، فمن يقبل أن يسلم حياته للشيطان ويحيا فى النجاسة يكون معرضاً لأن تدخل فيه الأرواح الشريرة وتحطم حياته. فالإنسان الذى يعيش عيشة الخنازير - يتمرغ فى خطاياه كما يتمرغ الشيطان فى الطين - يكون للشيطان سلطان عليه، ويدفعه للهلاك كما دفع الخنازير للهلاك. فالخنازير تشير لمن يرتد لنجاسته (2بط22: 2) ومثل هؤلاء سيكون مصيرهم البحيرة المتقدة بالنار مع إبليس (رؤ10: 20 + 8: 21).

هذان المجنونان يمثلان الإنسان أو البشرية التى بقيت زماناً طويلاً مستعبدة لعدو الخير بسلاسل الخطية وقيود الشر، لا تقوى على العمل لحساب مملكة الله، تعيش خارج المدينة أى خارج الفردوس، لا تستطيع السكن مع الله فى مقدسه. وهى قد تعرت من ثوب النعمة الإلهية تؤذى نفسها بنفسها، تعيش فى البرارى منعزلة عن شركة الحب مع الله والناس. يصيح ويجرح فى نفسه = حينما يستحوذ الروح الشرير على إنسان يورثه القلق والبؤس.

أصحاب الخنازير رفضوا المسيح بسبب خسارتهم. وهذا هو منطق العالم للآن الذى يخاصم المسيح بسبب أى خسارة مادية، بل قد يرفضه بسببها.

المسيح عبر البحيرة وتعرضت السفينة للغرق لينقذ نفسا هذين المجنونين.

لجيئون = هى كلمة لاتينية تعنى لمن كان تحت حكم الرومان ويفهم لغتهم = العدد الكثير والقوة والطغيان. وقيل أنها إسم فرقة رومانية قوامها ستة ألاف جندى. والمسيح بسؤاله عن إسمه يكشف قوته. ما إسمك والسؤال موجه للشيطان وليس للرجل، فالشيطان قد إمتلك الرجل وسلبه عقله وشخصيته. وسؤال السيد لإبليس هنا ما إسمك، ليعلن شخصيته أمام الناس، فالإسم هو الرمز الخارجى للشخصية. ونلاحظ أنه بعد هذا السؤال تكلم الشيطان بلغة الجمع لأننا كثيرون.

وطلب إليه (لو 31: 8) طلب الشيطان من المسيح أن لا يأمرهم بالذهاب إلى الهاوية = فالهاوية هى مكان عذاب حقيقى لهم ينتظرهم حتماً. وهذا معنى قولهم أجئت إلى هنا لتعذبنا قبل الوقت (مت 29: 8). والمسيح لم يرسلهم إلى الهاوية، فهذا محدد له وقت هو يوم الدينونة.

لاحظ قول لوقا كيف خلص المجنون آية (36). فلهذا أتى المسيح المخلص لكى يخلصنا من سطوة الشياطين ويشفينا روحياً.

الرعاة وجمهور الكورة الذين رفضوا المسيح مفضلين عليه أن يسكنوا مع خنازيرهم، هؤلاء يشبهون من يفضل حياة الخطية والنجاسة عن التوبة (2 بط 21: 2 - 22).

علامة خلاص هذا المجنون قبوله للمسيح إذ هو أراد أن يتتلمذ للسيد المسيح، لكن المسيح فضل أن يتحول هذا الشخص لكارز. وهذا هو الإنجيل أن مريم المجدلية التى كان بها سبعة شياطين تتحول إلى كارزة بالقيامة ولمن؟ للتلاميذ. وهذا المجنون البائس يطلب من الرب بعد أن شفاه أن يتحول إلى كارز بكم صنع به يسوع.

هناك من يتصور أن الشيطان أو أى قوة شيطانية لها سلطان عليه (كالأعمال والسحر والحسد). ومن هذه القصة نفهم عكس هذا. فلا سلطان مطلق للشيطان. بل المسيح له سلطان عليه. وإن كان دخول الخنازير إحتاج لسماح من المسيح فهل يكون للشيطان سلطان على الإنسان الذى فداه المسيح وسكن فيه الروح القدس. أما من يفارقه الروح فللشيطان سلطان عليه (شاول الملك). والشيطان يذل مثل هذا الإنسان ويعذبه ليلاً ونهاراً (مر5: 5) أى دائم العذاب.

أتى المسيح ليحرر الإنسان من عبوديته للشيطان، ولاحظ قول القديس مرقس قَالَ لَهُ: اخْرُجْ مِنَ الإِنْسَانِ يَا أَيُّهَا الرُّوحُ النَّجِسُ (آية8) قد يكون المقصود بالإنسان هنا هو هذا المجنون. ولكن العبارة تشير لما هو أبعد أى لخلاص كل البشر من سلطان إبليس. ولكن الآن نجد أن الشيطان لا سلطان له على إنسان إلا لمن يسلم نفسه للشيطان بإرادته، أى لمن يطلب الشيطان ويقبل من يده ملذاته النجسة. وهذا معنى أن الشيطان عرض على المسيح أن يعطيه كل ما فى العالم، ولكن هناك ثمن "هو السجود للشيطان أى العبودية له". لذلك نلاحظ أن الشيطان يقول للسيد وَطَلَبَ إِلَيْهِ كَثِيرًا أَنْ لاَ يُرْسِلَهُمْ إِلَى خَارِجِ الْكُورَةِ (آية10 من إنجيل مرقس). وهذا لأن الشيطان وجد فى هذه الكورة بشر يريدونه. فأهل هذه الكورة يحيون فى نجاسة يشير لها وجود الخنازير. ولكن نلاحظ أيضا أنهم لنجاستهم يرفضون وجود المسيح النور الحقيقى، فالنور يكشف نجاستهم. فنجدهم يَطْلُبُونَ إِلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ تُخُومِهِمْ (آية17 من إنجيل مرقس). وماذا يريد الشيطان من تسهيل النجاسة للناس؟ هدف الشيطان إلحاق أكبر أذى للبشر، هو لا يريد أن يجعل الإنسان يتلذذ بالخطية، بل يسقطه فى الخطية ثم يستعبده ويعذبه. الشيطان فى شره يتلذذ بعذاب البشر وأنظر كيف كان يعذب هذا الإنسان الذى كان يجرح نفسه بالحجارة. ولما ألزمه المسيح بالخروج نجده يطلب إهلاك الخنازير مصدر الرزق لهؤلاء الناس ليلحق يهم أكبر أذى ممكن وهذا هو هدفه. وقطعا هناك سبب آخر هو أن يكره الناس المسيح. فالمسيح يؤدب ليضمن خلاص النفس، ولكن الشيطان الكذاب (يو8: 44) يُصوِّر للإنسان أن التأديب ما هو إلا قسوة من الله ليوقع بين الإنسان والله. هدف الله هو تحرير الإنسان الحرية الحقيقية ليخلص ولا يعود مستعبدا للشيطان.. لذلك يقول السيد "إن حرركم الإبن فبالحقيقة تكونون أحرارا" (يو8: 36).

ولاحظ قول القديس لوقا فَطَلَبَ إِلَيْهِ كُلُّ جُمْهُورِ كُورَةِ الْجَدَرِيِّينَ أَنْ يَذْهَبَ عَنْهُمْ، لأَنَّهُ اعْتَرَاهُمْ خَوْفٌ عَظِيمٌ (آية37) = هم خافوا ولكنهم لم يتوبوا بل أصروا على خطيتهم. وحتى الآن نسمع عن غضب الله فى الطبيعة من زلازل وغيرها، وهلاك الكثير من البشر إعلانا عن غضب الله ولكن بلا توبة ولا ندم بل وإصرار على الخطية. ولاحظ أن التصرف الخاطئ لأهل كورة الجدريين هو هو نفسه تصرف البشر الخاطئ الآن. فأهل كورة الجدريين رأوا قوة يسوع فى إنقاذ وخلاص المجنون، ورأوا قوة الشيطان المدمرة وعمله المخرب فى الإنسان وفى هلاك الخنازير. وكلاهما أهل الجدريين قديما وأهل الزمان الحاضر لم يطلبوا يسوع ليخلصوا بل هم لا يريدونه وأصروا على خطيتهم.

شفاء نازفة الدم وإقامة إبنة يايرس.

الأعداد 21-43

الآيات (مر21: 5 - 43): -

"21 وَلَمَّا اجْتَازَ يَسُوعُ فِي السَّفِينَةِ أَيْضًا إِلَى الْعَبْرِ، اجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَمْعٌ كَثِيرٌ، وَكَانَ عِنْدَ الْبَحْرِ. 22 وَإِذَا وَاحِدٌ مِنْ رُؤَسَاءِ الْمَجْمَعِ اسْمُهُ يَايِرُسُ جَاءَ. وَلَمَّا رَآهُ خَرَّ عِنْدَ قَدَمَيْهِ، 23 وَطَلَبَ إِلَيْهِ كَثِيرًا قَائِلاً: «ابْنَتِي الصَّغِيرَةُ عَلَى آخِرِ نَسَمَةٍ. لَيْتَكَ تَأْتِي وَتَضَعُ يَدَكَ عَلَيْهَا لِتُشْفَى فَتَحْيَا! ». 24فَمَضَى مَعَهُ وَتَبِعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ وَكَانُوا يَزْحَمُونَهُ. 25 وَامْرَأَةٌ بِنَزْفِ دَمٍ مُنْذُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، 26 وَقَدْ تَأَلَّمَتْ كَثِيرًا مِنْ أَطِبَّاءَ كَثِيرِينَ، وَأَنْفَقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا وَلَمْ تَنْتَفِعْ شَيْئًا، بَلْ صَارَتْ إِلَى حَال أَرْدَأَ. 27لَمَّا سَمِعَتْ بِيَسُوعَ، جَاءَتْ فِي الْجَمْعِ مِنْ وَرَاءٍ، وَمَسَّتْ ثَوْبَهُ، 28لأَنَّهَا قَالَتْ: «إِنْ مَسَسْتُ وَلَوْ ثِيَابَهُ شُفِيتُ». 29فَلِلْوَقْتِ جَفَّ يَنْبُوعُ دَمِهَا، وَعَلِمَتْ فِي جِسْمِهَا أَنَّهَا قَدْ بَرِئَتْ مِنَ الدَّاءِ. 30فَلِلْوَقْتِ الْتَفَتَ يَسُوعُ بَيْنَ الْجَمْعِ شَاعِرًا فِي نَفْسِهِ بِالْقُوَّةِ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْهُ، وَقَالَ: «مَنْ لَمَسَ ثِيَابِي؟ » 31فَقَالَ لَهُ تَلاَمِيذُهُ: «أَنْتَ تَنْظُرُ الْجَمْعَ يَزْحَمُكَ، وَتَقُولُ: مَنْ لَمَسَنِي؟ » 32 وَكَانَ يَنْظُرُ حَوْلَهُ لِيَرَى الَّتِي فَعَلَتْ هذَا. 33 وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَجَاءَتْ وَهِيَ خَائِفَةٌ وَمُرْتَعِدَةٌ، عَالِمَةً بِمَا حَصَلَ لَهَا، فَخَرَّتْ وَقَالَتْ لَهُ الْحَقَّ كُلَّهُ. 34فَقَالَ لَهَا: «يَا ابْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ، اذْهَبِي بِسَلاَمٍ وَكُونِي صَحِيحَةً مِنْ دَائِكِ». 35 وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ جَاءُوا مِنْ دَارِ رَئِيسِ الْمَجْمَعِ قَائِلِينَ: «ابْنَتُكَ مَاتَتْ. لِمَاذَا تُتْعِبُ الْمُعَلِّمَ بَعْدُ؟ » 36فَسَمِعَ يَسُوعُ لِوَقْتِهِ الْكَلِمَةَ الَّتِي قِيلَتْ، فَقَالَ لِرَئِيسِ الْمَجْمَعِ: «لاَ تَخَفْ! آمِنْ فَقَطْ». 37 وَلَمْ يَدَعْ أَحَدًا يَتْبَعُهُ إِلاَّ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ، وَيُوحَنَّا أَخَا يَعْقُوبَ. 38فَجَاءَ إِلَى بَيْتِ رَئِيسِ الْمَجْمَعِ وَرَأَى ضَجِيجًا. يَبْكُونَ وَيُوَلْوِلُونَ كَثِيرًا. 39فَدَخَلَ وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تَضِجُّونَ وَتَبْكُونَ؟ لَمْ تَمُتِ الصَّبِيَّةُ لكِنَّهَا نَائِمَةٌ». 40فَضَحِكُوا عَلَيْهِ. أَمَّا هُوَ فَأَخْرَجَ الْجَمِيعَ، وَأَخَذَ أَبَا الصَّبِيَّةِ وَأُمَّهَا وَالَّذِينَ مَعَهُ وَدَخَلَ حَيْثُ كَانَتِ الصَّبِيَّةُ مُضْطَجِعَةً، 41 وَأَمْسَكَ بِيَدِ الصَّبِيَّةِ وَقَالَ لَهَا: «طَلِيثَا، قُومِي! ». الَّذِي تَفْسِيرُهُ: يَا صَبِيَّةُ، لَكِ أَقُولُ: قُومِي! 42 وَلِلْوَقْتِ قَامَتِ الصَّبِيَّةُ وَمَشَتْ، لأَنَّهَا كَانَتِ ابْنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. فَبُهِتُوا بَهَتًا عَظِيمًا. 43فَأَوْصَاهُمْ كَثِيرًا أَنْ لاَ يَعْلَمَ أَحَدٌ بِذلِكَ. وَقَالَ أَنْ تُعْطَى لِتَأْكُلَ.".

الآيات (مت 18: 9 - 26): -.

"18 وَفِيمَا هُوَ يُكَلِّمُهُمْ بِهذَا، إِذَا رَئِيسٌ قَدْ جَاءَ فَسَجَدَ لَهُ قَائِلاً: «إِنَّ ابْنَتِي الآنَ مَاتَتْ، لكِنْ تَعَالَ وَضَعْ يَدَكَ عَلَيْهَا فَتَحْيَا». 19فَقَامَ يَسُوعُ وَتَبِعَهُ هُوَ وَتَلاَمِيذُهُ. 20 وَإِذَا امْرَأَةٌ نَازِفَةُ دَمٍ مُنْذُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً قَدْ جَاءَتْ مِنْ وَرَائِهِ وَمَسَّتْ هُدْبَ ثَوْبِهِ، 21لأَنَّهَا قَالَتْ فِي نَفْسِهَا: «إِنْ مَسَسْتُ ثَوْبَهُ فَقَطْ شُفِيتُ». 22فَالْتَفَتَ يَسُوعُ وَأَبْصَرَهَا، فَقَالَ: «ثِقِي يَا ابْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ». فَشُفِيَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ. 23 وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ الرَّئِيسِ، وَنَظَرَ الْمُزَمِّرِينَ وَالْجَمْعَ يَضِجُّونَ، 24قَالَ لَهُمْ: «تَنَحَّوْا، فَإِنَّ الصَّبِيَّةَ لَمْ تَمُتْ لكِنَّهَا نَائِمَةٌ». فَضَحِكُوا عَلَيْهِ. 25فَلَمَّا أُخْرِجَ الْجَمْعُ دَخَلَ وَأَمْسَكَ بِيَدِهَا، فَقَامَتِ الصَّبِيَّةُ. 26فَخَرَجَ ذلِكَ الْخَبَرُ إِلَى تِلْكَ الأَرْضِ كُلِّهَا.".

الآيات (لو 40: 8 - 56): -.

"40 وَلَمَّا رَجَعَ يَسُوعُ قَبِلَهُ الْجَمْعُ لأَنَّهُمْ كَانُوا جَمِيعُهُمْ يَنْتَظِرُونَهُ. 41 وَإِذَا رَجُلٌ اسْمُهُ يَايِرُسُ قَدْ جَاءَ، وَكَانَ رَئِيسَ الْمَجْمَعِ، فَوَقَعَ عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ وَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ، 42لأَنَّهُ كَانَ لَهُ بِنْتٌ وَحِيدَةٌ لَهَا نَحْوُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَتْ فِي حَالِ الْمَوْتِ. فَفِيمَا هُوَ مُنْطَلِقٌ زَحَمَتْهُ الْجُمُوعُ. 43 وَامْرَأَةٌ بِنَزْفِ دَمٍ مُنْذُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَدْ أَنْفَقَتْ كُلَّ مَعِيشَتِهَا لِلأَطِبَّاءِ، وَلَمْ تَقْدِرْ أَنْ تُشْفَى مِنْ أَحَدٍ، 44جَاءَتْ مِنْ وَرَائِهِ وَلَمَسَتْ هُدْبَ ثَوْبِهِ. فَفِي الْحَالِ وَقَفَ نَزْفُ دَمِهَا. 45فَقَالَ يَسُوعُ: «مَنِ الَّذِي لَمَسَنِي؟ » وَإِذْ كَانَ الْجَمِيعُ يُنْكِرُونَ، قَالَ بُطْرُسُ وَالَّذِينَ مَعَهُ: «يَامُعَلِّمُ، الْجُمُوعُ يُضَيِّقُونَ عَلَيْكَ وَيَزْحَمُونَكَ، وَتَقُولُ: مَنِ الَّذِي لَمَسَنِي؟ » 46فَقَالَ يَسُوعُ: «قَدْ لَمَسَنِي وَاحِدٌ، لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّ قُوَّةً قَدْ خَرَجَتْ مِنِّي». 47فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا لَمْ تَخْتَفِ، جَاءَتْ مُرْتَعِدَةً وَخَرَّتْ لَهُ، وَأَخْبَرَتْهُ قُدَّامَ جَمِيعِ الشَّعْبِ لأَيِّ سَبَبٍ لَمَسَتْهُ، وَكَيْفَ بَرِئَتْ فِي الْحَالِ. 48فَقَالَ لَهَا: «ثِقِي يَا ابْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ، اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ». 49 وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ، جَاءَ وَاحِدٌ مِنْ دَارِ رَئِيسِ الْمَجْمَعِ قَائِلاً لَهُ: «قَدْ مَاتَتِ ابْنَتُكَ. لاَ تُتْعِبِ الْمُعَلِّمَ». 50فَسَمِعَ يَسُوعُ، وَأَجَابَهُ قِائِلاً: «لاَتَخَفْ! آمِنْ فَقَطْ، فَهِيَ تُشْفَى». 51فَلَمَّا جَاءَ إِلَى الْبَيْتِ لَمْ يَدَعْ أَحَدًا يَدْخُلُ إِلاَّ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَأَبَا الصَّبِيَّةِ وَأُمَّهَا. 52 وَكَانَ الْجَمِيعُ يَبْكُونَ عَلَيْهَا وَيَلْطِمُونَ. فَقَالَ: «لاَ تَبْكُوا. لَمْ تَمُتْ لكِنَّهَا نَائِمَةٌ». 53فَضَحِكُوا عَلَيْهِ، عَارِفِينَ أَنَّهَا مَاتَتْ. 54فَأَخْرَجَ الْجَمِيعَ خَارِجًا، وَأَمْسَكَ بِيَدِهَا وَنَادَى قَائِلاً: «يَا صَبِيَّةُ، قُومِي! ». 55فَرَجَعَتْ رُوحُهَا وَقَامَتْ فِي الْحَالِ. فَأَمَرَ أَنْ تُعْطَى لِتَأْكُلَ. 56فَبُهِتَ وَالِدَاهَا. فَأَوْصَاهُمَا أَنْ لاَ يَقُولاَ لأَحَدٍ عَمَّا كَانَ.".

من وضع قصص الإنجيليين الثلاثة معاً، نفهم أن يايرس، رئيس المجمع كانت إبنته مريضة، وقد إقتربت من الموت، فذهب للسيد المسيح يسأله أن يأتى ويشفيها، والسيد قبل أن يذهب، لكن موضوع نازفة الدم فى الطريق وشفائها عَطَّلَ السيد. وجاء خبر أن البنت قد ماتت، لكن يايرس أصر على أن يذهب السيد ويقيمها = تعال وضع يدك عليها فتحيا (مت 18: 9) وواضح أن متى يختصر القصة ويقدم خلاصة الموضوع.

وهنا نحن أمام معجزتين متداخلتين: 1) شفاء نازفة الدم 2) إقامة إبنة يايرس.

لأننا نعاني كخليقة من مشكلتين: 1) النجاسة 2) الموت.

والمسيح أتى ليحل المشكلتين ويعطينا بذلك خليقة جديدة فيها نسود على الخطية والنتيجة حياة أبدية. ولنلاحظ أن الموت هو بسبب النجاسة فتداخلت المشكلتان.

شفاء نازفة الدم:

كثيرون ساروا وراء المسيح وواحدة نالت الشفاء لأنها تقدمت 1) بإيمان 2) بنفس منكسرة تتقدم فى الخفاء بإنسحاق لتتلامس مع الرب. وبحسب الناموس فنازفة الدم هى نجسة تنجس من يتلامس معها، لكن السيد القدوس لا يتنجس منا بل بتلامسه معنا يشفينا ويقدسنا. والسيد أعلن ما فعلته هذه المرأة ليعلن إيمانها فنتشبه بها وحتى لا ينخسها ضميرها لأنها نالت العطية خلسة، ولأن المسيح أعجب بإنسحاقها. ونلاحظ قول مرقس عنها، وقد تألمت كثيراً من أطباء كثيرين وأنفقت كل ما عندها ولم تنتفع شيئاً بل صارت إلى حال أردأ. بينما أن لوقا كطبيب يحترم مهنة الطب لا يقول هذا بل يقول أنفقت كل معيشتها للأطباء ولم تقدر أن تشفى من أحد. هذه المرأة تشير لأن العالم غير قادر على شفائنا من أمراضنا. فقط المسيح.

والسيد بعد أن شفاها جسدياً منحها السلام لنفسها = إذهبى بسلام.

إن مسست ثَوْبَهُ فقط … من لمسنى = هناك من يلمس السيد بإيمان فيشفى وهناك كثيرين يزحمونه ويلتفون حوله بلا إيمان فلا يأخذون شيئاً. وهو يشفى أمراض أجسادنا وأنفسنا وأرواحنا. ولاحظ حال المرأة قبل شفاء المسيح لها 1) مريضة جسدياً.

2) نجسة طقسياً بسبب النزف. 3) بلا مال (أنفقت كل أموالها).

قوة قد خرجت منى = هذه اللمسة بإيمان تخرج قوة شافية من السيد فكثيرون يملأون الكنائس وقليلون من يتلامسوا بإيمان مع يسوع فينالوا قوة. والقوة التى خرجت منه لا تعنى أن قوته نقصت بسببها، فهذا كإشعال شمعة من نار شمعة أخرى دون أن تنقص شعلة الثانية. والتحام قصتى نازفة الدم وإبنة يايرس يعنى أن المسيح هو قوة شفاء وحياة. وهنا نجد تفسير لقول السيد للمجدلية لا تلمسينى، فهى عرفته كمعلم ولم تدرك أنه الله. وكأن السيد يقول لها أنت لن تأخذى منى ما أخذته هذه المرأة نازفة الدم إن لم يكن إيمانك بى قد إرتفع وصار مثلها، بقدر إيمانك ستأخذى منى، إذاً حين تدركى أننى يهوه (أننى والآب واحد = أى أصبحت فى نظرك أننى وأبى متساويان) ستأخذين ما تريدين. أنا أريد يا مريم أن تلمسينى بهذا الإيمان لتأخذى.

إقامة إبنة يايرس:

لاحظ أيضاً أن يايرس كان فى درجة إيمانية أقل من قائد المئة. فيايرس قال للسيد تعال وضع يدك، أما قائد المئة فقال قل كلمة فقط، لكن يايرس طلب بلجاجة = كثيراً.

قام المسيح بعمل ثلاثة معجزات إقامة من الأموات تمثل عمله الإلهى فى إقامتنا من موت الخطية. ونلاحظ أن السيد قادر أن يقيمنا من أى درجة من درجات موت الخطية.

بنت يايرس = كانت مازالت فى بيت أبيها = تشير للخطية خلال الفكر الخفى فى الداخل. وهذه تحتاج إلى لمسة. ومرقس إذ يكتب للرومان يفسر كلمة طاليثا العبرية.

إبن أرملة نايين = هذا حُمِلِ فى نعش إلى الطريق = وهذا يشير لأن الخطية خرجت من مجال الفكر إلى حيز التنفيذ. وهذه إحتاجت أن يوقف السيد الجنازة ويأمر الشاب أن يقوم، رمز لتدخل الله ليوقف حركة الخاطىء نحو قبر الخطايا، فلا يكمل الشرير طريق شره وتتحول الخطية إلى عادة ودفع الشاب لأمه يشير لأن المسيح يعيد الخاطىء لحضن الكنيسة.

لعازر = هنا حدث عفونة للجسد = الخطية تحولت إلى عادة إرتبطت بالشخص وإرتبط الشخص بها. وهنا نسمع أن السيد إنزعج وأمر برفع الحجر ونادى لعازر ليخرج، وطلب حل رباطاته.

ونلاحظ أن اليهود كانوا يستأجرون فى حالات الموت ندابات ومزمرون وهذا لا يرضى المسيح فأخرجهم. ونجد هنا أن المسيح يعتبر أن الموت هو حالة نوم كما قال فى حالة لعازر، وهذا يعطينا أن لا ننزعج من الموت فهو حالة مؤقتة يعقبها قيامة بالتأكيد. ونلاحظ أن قليلين هم الذين رأوا معجزة قيامة البنت، إشارة لأن قليلون هم من يتمتعوا بقوة القيامة. وقليلين (حوالى 500 أو أكثر قليلاً) هم من رأوا المسيح بعد قيامته.

وقال أن تعطى لتأكل = ليثبت أن قيامتها ليست خيالاً أو وهماً.

تأمل: - الكنيسة آمنت بقول السيد أن الموت ما هو إلاّ نوم فعبرت عن هذا فى ليتورجيتها قائلة "ليس موت لعبيدك بل هو إنتقال".

القصتان متداخلتان لأن نتائج الخطية [1] نحيا في نجاسة فترة [2] بعد هذه الفترة نموت. والمسيح أتى ليعطينا خليقة جديدة. فهو المسيح القدوس الحي سيعطينا [1] قداسة [2] حياة أبدية. والقصتان جاءتا بعد ذكر الخليقة الجديدة ليشرح معنى الخليقة الجديدة. وجاءتا متداخلتان لأن من عاش في قداسة يستمر في حياة أبدية بدأها بالمعمودية أما النجاسة فتؤدي للموت.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح السادس - تفسير إنجيل مرقس - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح الرابع - تفسير إنجيل مرقس - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير إنجيل مرقس الأصحاح 5
تفاسير إنجيل مرقس الأصحاح 5