الأصحاح الأول – سفر أيوب – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر أيوب – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

مقدمة سفر أيوب

1. ينقسم العهد القديم إلى أقسام.

1 - أسفار موسى الخمسة.

2 - الأسفار التاريخية (يشوع - إستير).

3 - الأسفار الشعرية (أيوب - النشيد).

4 - الأسفار النبوية.

2. وسفر أيوب سفر شعري لذلك وُضع في بداية الأسفار الشعرية.

من أول الإصحاح الثالث وحتى الآية 6: 42 فالسفر كله قد صيغ شعراً. والشعر العبراني يختلف عن باقي أنواع الشعر فهو لا يهتم بالوزن ولا القافية بل كل بيتين أو ثلاثة تتشابه في المعنى فيظهر جماله. ولذلك فترجمة الشعر العبراني لا تضيع جماله.

3. ينقسم السفر إلى:

1 - مقدمة عن تجربة أيوب إصحاحات 1، 2.

2 - حوار بين أيوب وأصدقائه الثلاثة إصحاحات 3 - 31.

3 - رد أليهو على أيوب والأصحاب إصحاحات 32 - 37.

4 - كلام الله لأيوب إصحاحات 38 - 1: 42 - 7.

5 - الخاتمة إصحاح 7: 42 - 17.

4. السفر يحوي حواراً بين شخصيات السفر، وهذا الحوار ليس هو كلام الله نفسه ولكنه مدوَّن بإلهام من الله. وبعض فقرات من الحوار أظهر الله عدم رضاه عنها (2: 38 + 7: 42) لأنها تعبر عن رأي أصحابها الشخصي وقد أخطأوا في أرائهم هذه، ولكنها ذكرت لمنفعتنا، فهكذا يفكر البشر ونستنتج الخطأ مما قيل ونتعلم. لذلك لا يجب أن تستخدم كل آيات السفر كما لو كانت تعبر عن إرادة علوية مقدسة، وهذا لا يتعارض مع أن السفر مكتوب بوحي من الروح القدس (2تي 16: 3 + 2بط 21: 1) فسفر التكوين موحى به من الروح القدس ولكن ورد في سفر التكوين على لسان الحية أقوال لا يوافق عليها الله مثل "لن تموتا" وسمح الله بكتابة أقوال (إبليس) الحية لنستفيد من معرفتنا بكذبها والدليل موت آدم وحواء عكس ما قالته الحية. وبنفس المنطق سمح الله بكتابة أقوال أيوب وأصدقائه رغما عن أنها خاطئة لنستفيد.

5. أيوب كان شخصاً حقيقياً والقصة كلها قصة حقيقية حدثت ودوَّنها أيوب أو أليهو ثم صاغها أحدهم شعراً بعد ذلك ليسهل حفظها والإستفادة منها، وغالباً كان موسى هو الذي صاغها شعراً حين وجد القصة معروفة ومتداولة حين كان يرعى غنم حميه يثرون المدياني. ودليل أن أيوب كان شخصاً حقيقياً وليس خيالياً أن حزقيال أورد إسمه مع نوح ودانيال (حز 14: 14). وهكذا ذكره يعقوب في العهد الجديد (يع 11: 5) ولا يعقل أن الرسول الذي يكتب بوحي إلهي يستشهد بأمر وهمي ويجعله مثالاً للصبر ويأتي به برهاناً على رحمة الله. فضلاً عن ذكر أسماء الأشخاص والأماكن وعدد الأولاد وثروة أيوب قبل وبعد التجربة بل أسماء بعض أولاده. نقول هذا رداً على من يتصور أن قصة أيوب قصة خيالية كتبت لأجل التعليم والتهذيب.

6. الزمان الذي عاش فيه أيوب: - هو عاش في الزمن بين نوح وإبراهيم أي قبل إبراهيم. وهناك من يضع الزمن بعد هذا بقليل، وهذا هو الأدق فبلدد الشوحى غالبا من أولاد شوح بن إبراهيم. ولكن من المؤكد أن أحداث القصة قد وقعت قبل خروج بني اسرائيل من مصر. ونستدل على هذا من عمر أيوب الذي يرجح أنه تعدى الـ200 سنة[1] فهو قد عاش 140 سنة بعد تجربته 16: 42. ومن عدد أولاده يستدل أن عمره وقت التجربة لم يكن أقل من 60 سنة ويقول البعض 70 سنة بدليل أن كل ما ضاع من أيوب إستعاده مضاعفاً (من أملاكه) فقال البعض أن عمره بعد التجربة كان ضعف عمره قبل التجربة. ونستدل على فترة حياة أيوب أيضاً من طريقة تقدير ثروته بعدد مواشيه وهي عادة قديمة وكذلك من عادة الكتابة بالنقر في الصخر والمذكورة في 24: 19. وأيضاً كان أيوب منتمياً للأباء البطاركة (كان رئيس العائلة هو كاهن العائلة، يقدم الذبائح عن أفراد عائلته) وكان هذا قبل الكهنوت اللاوي الذي أسسه موسى بعد الخروج. وأيضاً فلا يُذكر من العبادات الوثنية سوى عبادة الأفلاك السماوية (الشمس والقمر) وهي من أقدم العبادات.

7. يُظهر سفر أيوب أن الله في العهد القديم لم يقصر تعامله على إبراهيم وإسحق ويعقوب ومن ثم نسل يعقوب أي الشعب اليهودي فقط، بل الله كان يظهر نفسه ويتعامل مع كل نفس تقية تطلبه فأيوب لم يكن يهودياً ولا من نسل يعقوب. وهكذا أصدقاء أيوب وأليهو، بل وملكي صادق الذي بارك ابراهيم، هؤلاء لم يكونوا يهوداً لكنهم عرفوا الله وآمنوا به وعاشوا أتقياء. وبنفس المنطق نجد أن الله كان يكلم أبيمالك في الحلم (تك 3: 20). وإهتم الله بخلاص نفوس شعب نينوى الوثنيين ودعاهم للتوبة بواسطة نبيه يونان وإستخدم الله بلعام النبي الأممي فنطق بنبوات عجيبة عن المسيح (عد22 - 24).

8. كان أيوب رجلاً كاملاً ومستقيماً. ولكن كلمة كامل تعني كمالاً نسبياً بالنسبة إلى ظروفه وإمكانياته وعصره وجيرانه. ولا يوجد من هو كامل كمالاً مطلقاًَ سوى الله فالجميع زاغوا وفسدوا... رو 12: 3.

9. فإذا كان أيوب رجلاً كاملاً فما سبب تجربته؟

أيوب كان رجلاً باراً ويحس في نفسه أنه بار (1: 32). لذلك حورب بالبر الذاتي. وأراد الله بهذه التجربة أن ينقيه وينجيه. فالله سمح أن يذله وترك الشيطان يجربه وذلك لمنفعته. الشيطان كان يريد إسقاطه أما الله فكان يقصد إصلاح عيوب أيوب الناشئة عن البر الذاتي وهناك فوائد ثانوية لهذه التجربة وهي 1) إعطاء مثالاً للصبر 2) إظهار عداوة الشياطين للبشر من اولاد الله. وكيف ان الله يعتبر حروب الشيطان ضدنا أنها اداة تأديب وبسماح منه.

ونرى خطية البر الذاتي عند أيوب في كلامه مع أصحابه ومن شهادته لنفسه، ومن كلام أليهو عنه، ومن كلام الله عن أيوب. فأيوب تصور أنه يقترب من الله لو أثبت بره ولم يفهم كيف يقف كخاطئ أمام الله. بل هو تصوَّر أن الله أخطأ فى أحكامه ضده بينما هو لم يخطئ، فبرر نفسه وإستذنب الله فحسب نفسه أبر من الله (35: 1 + 36: 17). وقال أيوب "حتى أسلم الروح لا أنزع كمالي عني، تمسكت ببري ولا أرخيه" (5: 27، 6). بينما يقول الكتاب "كانت طريقهم أمامي كنجاسة الطامث" (حز 13: 36) والله ينسب لملائكته حماقة. فالفريسي لم يتبرر مع أنه يفعل البر، أما العشار فقد تبرر لأنه إعترف بخطيته وطلب الرحمة. هكذا تبررت المرأة الخاطئة التي مسحت قدمي المخلص بشعرها حينما سقطت دموعها على قدميه، ولم يتبرر الفريسي الذي أولم الوليمة للمخلص لأنه شعر ببره.

10. كاتب السفر: - دوَّن أيوب أو أليهو القصة نثراً ثم صاغها أحدهم شعراً بعد ذلك، وربما صاغها موسي شعراً هو أو أحد رجاله بعد الخروج، والأغلب موسى الذى تهذب بكل حكمة المصريين وتربى فى قصر الملك (أع7: 22)، حين كان موسى يرعى غنم حميه يثرون. فأحداث القصة حدثت في "عوص" (1: 1) وهي من بلاد آدوم وأصحاب أيوب من العرب الساكنين في هذه المنطقة فالأحداث عربية حدثت في بلاد العرب. ولكن يتضح أن الكاتب يهودي والثقافة اليهودية تشع من الكلمات، والكاتب أيضاً مثقف بالثقافة المصرية، ومتأثر بالجو الذي عاشه في مصر فهو يتكلم عن الأهرامات (14: 3). ويصف ما رآه في مصر مثل وصف فرس البحر (سيد قشطة) والتمساح (15: 40 + 1: 41) ومما يدل على الثقافة المصرية للكاتب حديثه عن طائر السمندل أو ما يعرف بالعنقاء (هو طائر السمندل وهو ما يسمى Phoenix) (18: 29) ليدلل على طول العمر. فطائر السمندل أو العنقاء هو أسطورة مصرية عن طائر خرافي ظن قدماء المصريين أنه يعمر 500 سنة ثم يحرق نفسه وينبعث ثانية من رماده وهكذا بلا نهاية، بل ينبعث وهو أشد ما يكون جمالاً. (قاموس المورد تحت PHOENIX). فنجد هنا الكاتب يستخدم الأساطير المصرية والخيال المصري عن طائر العنقاء حين أراد أن يصور طول المدة التي يعمرها الإنسان (كما يفعل الآن إنسان العصر الحديث حين يقول فلان سريع مثل الصاروخ. فهي أمثلة من واقع الحياة أو الثقافة المعاصرة). وهكذا إستخدم الشاعر العبراني مثالاً مصرياً عن حيوان يسمى لوياثان وهو حيوان هائل جبار، ربما كان التمساح بل هو أقرب ما يمكن في وصفه للتمساح ولكن الخيال الشعري المصري أضاف له بعض الأوصاف المخيفة فصارت صورة لوياثان هي صورة مخيفة للتمساح أضيف عليها أوصافاً خيالية على ما يُعرف عن التمساح من قوة (إصحاح 41).

ولأن السفر موحى به من الله فالله سمح بوجود هذه التشبيهات ليشرح أفكاراً معينة. فطائر العنقاء يشير إشارة واضحة للقيامة من الأموات، بعد أن يتحول جسم الإنسان إلى تراب بل يقوم أجمل وأبهى وأكثر إشراقاً. ولوياثان الجبار هذا يشير للشيطان. والسفر بدأ بحسد الشيطان وينتهي السفر بوصف لوياثان رمزاً للشيطان وقوته المخيفة المدمرة، وقد رأينا الأهوال التي عانى منها أيوب بسبب حسد الشيطان وبقوته الجبارة. ثم نجد في نهاية السفر قول الله المطمئن للبشرية "أتصطاد لوياثان بشص..... أتضع أسلة في خطمه" (1: 41، 2). ومن المفهوم أن الإنسان لا يستطيع هذا، لكن الله يستطيع فهو الذي قيَّد إبليس بسلسلة (رؤ 1: 20، 2، 3). فالله وافق على ذكر أوصاف لوياثان هذه وهي أوصاف مصرية ليشرح قوة إبليس وليعطينا ثقة في نهاية السفر أنه وحده له السيطرة عليه وأنه خاضع لسيطرته فلماذا الخوف منه، بل كل حسده وجنونه يحولهم الله لخير الإنسان كما حوَّل حسده ضد أيوب لصالح أيوب فنقاه من بره الذاتى ليكون أكثر كمالاً. وإستخدم الله حسد إبليس ضد المسيح، ومؤامرات إبليس، الذي دبَّر أن يُصْلَبْ المسيح لتخلص البشرية.

11. السفر يشرح فكرة عن القيامة (في موضوع طائر العنقاء. وعدم تضاعف أولاد يعقوب فأولاده في السماء مازالوا أحياء.. وبعض الكلمات الأخرى التي وردت على ألسنة أيوب وأصحابه لتشير إشارة باهتة إلى القيامة) ومن الواضح أن فكرة القيامة غير واضحة تماماً بل هي مختلطة بأفكار أخرى عن فناء الإنسان بعد موته، ففكرة القيامة كانت غير واضحة في العهد القديم (راجع 10: 14 - 14 لترى المفهوم المضاد للقيامة). فإذا عبَّر أيوب عن أفكاره فهو لا يرى القيامة بل يرى فناء الإنسان بعد الموت، وإذا تكلم مسوقاً من الروح القدس يعبر كلامه عن القيامة، لذلك قلنا أنه لا يجب أن نتعامل مع كل كلمة وردت في هذا السفر عن أنها تعبر عن فكر الله.

12. يشرح السفر فكرة عن شفاعة القديسين والملائكة (1: 5 + 33: 23، 24) فهم يشفعون في البشر ليستجيب الله صلاة البشر. وفي نهاية السفر تشفع أيوب عن أصحابه ليقبلهم الله.

13. يشرح السفر أن غرض الشيطان أن يجرب الإنسان ليجدف على الله، والله يسمح بهذا لينقي الإنسان ويتزكى بالأكثر.

14. يبحث سفر أيوب في القضية الأساسية التي تشغل ذهن البشر وهي القضاء والقدر، وطرق الله في معاملة الإنسان ويجيب السفر عن أسئلة هامة بطريقة المناقشة.

أ - هل يمكن للإنسان أن يمارس عبادته لله عن حب نقي منزه عن النفعية، أي هل يمكن للإنسان أن يعبد الله حتى لو لم يكن قصده الإنتفاع المادي، وهذا قد أثبته أيوب بأن ظل يعبد الله بالرغم من خسارته المادية بل وأولاده أيضاً.

ب - هل تنسب الأعمال التي إصطلح على تسميتها شراً يصيب الإنسان، لأي مخلوق آخر سوى الله. فموت أولاد أيوب وخسارته المادية تسمى شراً أصابه ولكن أيوب نسبها لله "أالخير نقبل من عند الله والشر لا نقبل" (1: 2). لذلك فالإنسان المسيحى لا يوجد فى قاموسه كلمة إسمها مصيبة أو كارثة، فالله إلهنا صانع خيرات وليس صانع شرور. وهو يحول ما نظنه شرا إلى خير لصالحنا "فكل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله". وفهمنا أن الشيطان هو المتسبب في هذا الشر ولكن فهمنا أنها بسماح من الله وتحت سيطرته والتجارب التي يسمح بها محدودة ولصالح الإنسان.

حـ - هل الظروف الخارجية التي يعاني منها شخص تؤخذ على أنها إختبار أو كحكم على مدى صلاح هذا الشخص؟ والإجابة قطعاً "لا" لأن أيوب كان باراً ورغماً عن هذا تألم وهكذا المسيح.

د - هل يمكن لإنسان دون معونة إلهية أن يفحص ويفهم أحكام الله؟ قطعاً لا.

هـ - هل الإنسان الصالح التقي يضمن أن يعيش بلا أي تجارب أو ضيقات ضامناً كل الخيرات الزمنية المادية.

15. مشكلة أيوب كما قلنا أنه كان باراً في عيني نفسه فلازمته أفكار البر الذاتي ونلاحظ في كلماته أنه يشعر أنه بلا خطية ويتباهى بحسناته، بل نشعر في كلامه أنه داخله فكر الكبرياء "ضحك عليَّ أصاغري أياماً الذين كنت أستنكف من أن أجعل أبائهم مع كلاب غنمي" (30: 1). بل تحدى الله أن يجد له خطية. لذلك سمح الله بأن تضغطه التجارب حتى لا يهلك وذلك حتى تظهر خطيته فى الخارج فيعرفها ويتوب عنها فيُشفى منها، فالتجربة ليست لكى يعرف الله ما فى داخلى فهو فاحص القلوب والكلى، لكن لكى أعرف أنا أخطائى ولكى أتنقى منها. لذلك نفهم أن الخطية الدفينة التي لا يشعر بها صاحبها هي كالدمل المملوء "صديداً" لو تُرِك يموت صاحبه والطبيب يضغط على الدمِّل لتخرج المِدَّة (الصديد) ويصبح الجرح نظيفاً فيشفى صاحبه، ولكن الضغط مؤلم ولكن فائدته هي حياة الشخص. فظل الله يضغط على أيوب وأيوب يصرخ من الألم والله يضغط وأيوب يصرخ حتى أصبح الداخل نظيفاً فقال أيوب. "ها أنا حقير فماذا أجاوبك" (4: 40) ثم (1: 42 - 6) وبهذا شُفي أيوب.

16. يتضح من السفر أن الإيمان بإله واحد سرمدي قادر غير محدود، خالق الكل المنظور وغير المنظور هو إيمان كان منتشراً بين العرب وفي كل مكان بالتالي، ولم يكن مقصوراً على اليهود. ونفهم أن الإيمان بالله الواحد كان هو السائد ثم حدث إرتداد لبعض الشعوب أو معظمها. ولكن الله لا يبقي نفسه بلا شاهد فها نحن نرى في بلاد العرب وبلاد أدوم أناس قديسون يتقوا الله ويعبدونه مثل أيوب وأصحابه الأربعة. ونرى في نينوى شعباً تائباً.

17. الخلاف الذي ظهر في الحوار بين أيوب وأصحابه يتلخص في مبدأين.

مبدأ أيوب: - أن المصيبة التي نُكب بها لا يستحقها إذ أنه لم يرتكب أثاماً يستحق معها هذه المصيبة، وظل أيوب يدافع عن مبدأه هذا.

مبدأ الأصحاب: - أن الله لا يسمح بأن تحل المصائب بالأبرار وأن أيوب إن لم يكن شريراً لما حلت عليه نقمة الله لذلك عليه أن يتوب وتفكير أصحاب أيوب هذا ظل تفكيراً شائعاً، أي أن النكبات تحل بالأشرار كقصاص عن خطية أو خطايا سبق أن إرتكبت. ولذلك سأل التلاميذ السيد عن المولود أعمى "من أخطأ هذا أم أبواه حتى ولد أعمى" (يو 2: 9) والتلاميذ تصوروا أن الخطية لابد لها من عقاب حتى ولو أصاب الأبناء.

ولكن هذا السفر يوضح أن البار قد تصيبه الألام، ورأينا بعد ذلك ألام المسيح وهو بلا خطية. وإحتمال أيوب وصبره كانا مصدر تعزية للكثيرين من المتألمين عبر العصور.

18. نلاحظ في أقوال أصحاب أيوب الآتي:

أ - أن بها أراء روحية سديدة كثيرة جداً. وهذه ناشئة من أن الله كان يتكلم مع عبيده الأتقياء بصور متعددة منها الرؤى والأحلام.. الخ قبل أن يكون هناك كتاب مقدس ودليل هذا أن بولس الرسول في عب 5: 12، 6 يتكلم عن تأديب الرب لأحبائه والكلام مأخوذ من أي 17: 5. ونجد تطابقاً بين أي 18: 5 وبين أقوال الأنبياء في إش 26: 30 + تث 29: 32 + هو 1: 6. (قارن أي 13: 5 مع 1كو 19: 3). فإذا كان العهد الجديد يقتبس من سفر أيوب فهو سفر إلهى بوحى من الروح القدس.

ب - كانت هناك أراء خاطئة لأصدقاء أيوب وهذه نشأت من محاولاتهم البشرية في تطبيق أقوال الله على أيوب، فهم كان لهم معلومات صحيحة عن طرق الله ولكن كان خطأهم فى التطبيق، ببساطة لأنه لا يعرف ما فى باطن الإنسان إلا الله. فنجدهم قد حاولوا إلصاق تهمة الشر بأيوب فى ضوء معلوماتهم. والله غضب من محاولاتهم هذه. هم فهموا من الله أن الشر له عقوبته وحاولوا بما لهم من معلومات روحية تطبيق المبدأ على أيوب، وأنه شرير بما أنه منكوب. وهذا هو النقص البشري في إدراك إعلانات الله، ولهذا السبب كيف لنا أن ندين إنسان بينما أنه لا يعرف غير الله سرائر الناس ويدين عليها (رو2: 16). فأصحاب أيوب لم يلحظوا خضوع أيوب لإرادة الله، بل هم في غرور ظنوا أنهم قادرين أن يجدوا تبريراً لكل أسباب الألام البشرية وما أجهل الإنسان بكل طرق الله (رو 33: 11).

حـ - كانت خطة أصحاب أيوب أن يدينوه ويثبتوا له شره ليقدم توبة فيصفح عنه الله، وهم غالباً كانوا قد اتفقوا على هذا معاً. ولم يكن أيوب في حاجة لمن يدينه وهو في هذا الوضع المؤلم بل لمن يعطيه كلمة مشجعة معزية، فكانت كلمات أصحابه سبباً في زيادة آلامه، خصوصاً حينما إتهموه في نزاهته مع الله فصرخ فيهم "معزون متعبون كلكم" (أي 16: 2).

د - بعد أن إنتهى الحوار بين أيوب والأصحاب الثلاثة إلى طريق مسدود فكل منهم تشبث برأيه، تدخل أليهو في الحوار كقاضي أدان كلا الطرفين. وبعد أليهو تكلم الله ليحكم ويدين فكان أليهو كسابق لله كما كان المعمدان سابقاً للمسيح. وكانت كلمات أليهو قد أعدت قلوب الجميع إستعداداً لسماع الله. وكان ملخص كلام أليهو أن الألام قد تكون بسماح من الله للتأديب والتكميل.

19. مفهوم أليهو هو مفهوم العهد الجديد (عب 5: 12) بل يزيد بولس الرسول "أن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً" (2كو 17: 4). بل صار الألم هبة من الله (في 29: 1).

20. روعة قصة أيوب أن سفراً بأكمله يدور حول إهتمام الله بشخص واحد أممي. إذاً هي قصتي وقصتك. فالله لا يزال يهتم بي وبك شخصياً، ولا زال الشيطان يشتكي عليَّ وعليك. وروعة السفر أيضاً في أننا نرى أن مكائد وحسد الشيطان ضدنا يحولها الله لخيرنا فهو صانع خيرات. "حوَّلت لى العقوبة خلاصا" (القداس الغريغورى).

21. أيوب رمز للسيد المسيح.

22. وبسبب أن أيوب كان رمزاً للمسيح في ألامه تقرأ الكنيسة سفر أيوب يوم أربعاء البصخة ويسمى أربعاء أيوب. فأيوب رمز للمسيح المتألم. ونقرأ في الصوم الكبير كثيراً من أيوب لتعطي القراءة في هذا السفر خلال الصوم تذللاً في العبادة وإنسحاق في الروح. وتُعَيِّد له الكنيسة القبطية في أول توت.

23. أيوب يتنبأ عن المسيح.

خلال ألامه إنفتحت عيني أيوب ليرى من بعيد، أو ليشتهي وجود مُصالِح يصالح بين الله والإنسان "ليس بيننا مصالح يضع يده على كلينا" (33: 9). وتساءل إن مات رجلٌ أفيحيا (14: 14) وهذا التساؤل ظل معلقاً في العهد القديم حتى أتى ذاك الذي هو مشتهى الأجيال ليعطي حياة لمن ماتوا بعد أن صالحهم مع أبيه. وصار لهم شاهداً وشفيعاً في الأعالي كما رآه أيوب في 19: 16. بل صرخ أيوب قائلاً عنه "أما أنا فقد علمت أن وليي حيٌ والآخر على الأرض يقوم" (25: 19). ولأن ولينا حي فهو سيحيينا بعد أن نموت وبدون جسدنا هذا الذي مات نرى الله (26: 19) فأيوب في ألامه إنفتحت عيناه ورأى مالم يراه غيره من الأصحاء، ولذلك يقول معلمنا يعقوب "إحسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة (يع 2: 1). فأيوب صار نبياً يرى المستقبل حينما قبل الآلام بصبر. وهكذا فإن قبلنا الصليب الموضوع علينا وصارت لنا مع المسيح شركة الصليب تنفتح أعيننا فنرى ما لا يراه الأصحاء لذلك اشتهى القديسون التجارب.

24. من ناحية أخرى نجد أليهو المؤمن الغيور على مجد الله تنفتح عيناه هو الآخر ويرى هذا الوسيط أي المسيح (23: 33) فكما أن شركة الآلام والصليب تفتح الأعين هكذا الإيمان القوي ومعرفة الله الحقيقية تفتح الأعين.

25. أخيراً نقول أن حياة أيوب هي ملحمة ممتلئة من معاناة أناس الله القديسون حتى يأتي بهم الله إلى الكمال الحقيقي، ونفهم من قصة أيوب أن الألم ليس عقوبة على الخطية بالنسبة لأولاد الله بل هو طريق للكمال بالنسبة لهم. لقد أمر الملاك طوبيا أن يمسح بالمرارة عيني أبيه لتنفتح، وبالتجارب المريرة تنفتح عيوننا فنعرف العيوب التي فينا فنتنقى ونرى الله "طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" وهذا هو طريق الكمال. ونجد هذا المفهوم عند طوبيا، إذ أدرك أن الألام التى عانى منها كانت للتأديب (طو11: 16، 17). ومن المؤكد أن أيوب يشكر الله الآن وهو في السماء على كل التجارب التي سمح الله بها أن تقع له، فهى التى أتت به إلى السماء.

الله يكمل المسيح بالألام (عب 2: 10) ليشابهنا في كل شئ. ويكملنا بالألام لنشبه المسيح.

26. قد لا يوافق الله على بعض الأفكار البشرية ولكن نجد الله يتعامل بها لأن البشر لا يفهمون سوى هذه الأفكار أو تلك اللغة. فالله يكلم البشر باللغة والطريقة التي يفهمونها حتى تصل لأذهانهم أفكار الله. وعموماً فالكتاب المقدس هو أبسط طريقة (وبأسلوب بشري) وجدها الله ليشرح أفكاره ولكنه مكتوب بلغة بشرية ومهما كانت اللغة البشرية فهي محدودة وقاصرة عن شرح أفكار الله وعن شرح السماويات. ولنأخذ أمثلة:

أ - سليمان الحكيم كتب سفر النشيد ليصور حالة الحب بين المسيح والنفس البشرية ولكن سليمان كتب السفر مستخدماً ألفاظ حب عادية بين رجل وإمرأة، ويتعثر في السفر جداً من يحاول فهمه بطريقة حرفية وليست رمزية.

ب - بولس الرسول إقتبس من أقوال الشعراء اليونان قوله "الكريتيون دائماً كذابون... (تي 12: 1) فهو وجد في قول الشاعر الوثني ما يؤيد فكرته ويوضحها فإقتبس من أقواله ولم يمتنع.

حـ - الله إستخدم مع المجوس نجماً في السماء ليشرح لهم عن ميلاد المسيح كشخص عظيم، فهم لا يفهمون سوى لغة النجوم.

د - يقول السيد المسيح للكنعانية "ليس حسن أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب. وإطلاق لقب الكلاب على الكنعانيين كان من اليهود، والمسيح قَبِل أن يستخدمه ليحرك مشاعر التوبة عند الكنعانية. وهكذا فعل بولس الرسول راجع (في 2: 3).

هـ - أوصاف السماء في سفر الرؤيا هي أوصاف رمزية بلغة بشرية حتى نفهم.

و - قول الكتاب عن الله أنه "ندم" و "غضب" و "يد الله" و "عين الله" هي كلمات بلغة البشر حتى نفهم على قدر إدراكنا.

لذلك لا مانع للشاعر الذي كتب سفر أيوب أو الذي نظمه شعراً من أن يقتبس من الثقافة المصرية لشرح وجهة نظره، فهو إقتبس أفكار عديدة من الثقافة المصرية مثل السمندل ولوياثان... الخ. بل ومن بعض الأساطير عن كسوف الشمس مثلا.

27. يقول القداس الغريغوري "ربطتني بكل الأدوية المؤدية للخلاص" والأدوية نوعان:

ما يعطي لشفاء مرض = والتجارب التي أصابت أيوب من هذا النوع. وعن هذه قال بولس الرسول "يسلم الخاطئ للشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح.. (1كو5: 5).

ما يعطي كوقاية من مرض = وهذا استعمله الله مع بولس نفسه حتي لا ينتفخ 2كو12.

28. برجاء مراجعة نهاية إصحاح 42 تحت عنوان نظرة عامة على السفر.

الإصحاح الأول

العدد 1

أية (1): -

"1كَانَ رَجُلٌ فِي أَرْضِ عَوْصَ اسْمُهُ أَيُّوبُ. وَكَانَ هذَا الرَّجُلُ كَامِلاً وَمُسْتَقِيمًا، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ.".

أرض عوص = على حدود بلاد أدوم وبلاد العرب شرق البحر المتوسط وشمال خليج العقبة بالبحر الأحمر ونلاحظ أن السبئيين هم قبيلة سكنت بلاد العرب والكلدانيين، وكانت أرضهم أولاً بين سوريا ونهر الفرات قبل أن يستقروا في بابل. والصديق أليفاز التيماني صاحب أيوب كان من أدوم فتيمان من بلاد أدوم. وراجع مراثي 21: 4 وقد إشتهرت أرض عوص بالحكمة. لذلك كان أصحاب أيوب من جيرانه الأدوميين والعرب. فأيوب لم يكن إسرائيلياً لا هو ولا أصدقاؤه. فالله إختار إسرائيل ليأتي منهم المسيح ولكن ليس معنى هذا أن الله قصر تعامله على إسرائيل وترك باقي العالم.

(راجع نقطة رقم 7 فى المقدمة).

إسمه أيوب = الإسم له أكثر من تفسير 1) أنه رجل يحزن ويئن.

2) قيل أنه مشتق من الفعل العربي آب أي رجع ويكون معنى الإسم رجع وتاب.

كاملاً = كمالاً نسبياً بالنسبة لمن هم حوله، هو أفضل ممن حوله. كطالب في الإبتدائي حصل على 100% ولكنه لا يفهم في دروس الثانوي. وأيوب كانت له خطية البر الذاتي فهو لم يقدم ذبائح عن نفسه بل عن أولاده فقط وكثر كلامه عن كماله وبره. وهذا عكس ما قيل عن موسى في خروج 29: 34 "أن موسى لم يعلم أن جلد وجهه صار يلمع". لأن موسى لم ينظر إلى نفسه ليعجب بنفسه بل كان منشغلاً بالنظر إلى الله فلم يدري ما حدث له. ولنتعلم أن ننظر فقط للسماء ونقارن أنفسنا مع السماء "كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" فحين ننظر للسماء نجد أنفسنا خطاة. وهذا ما وصل إليه أيوب أخيراً حين أضاء الله بنوره عليه فرأى حقيقة نفسه. أما من ينظر للآخرين ويقارن نفسه معهم هو معرض: -.

1) أن يشعر ببره الذاتي. 2) يرى عيوب الآخرين ويدينهم.

يتقي الله ويحيد عن الشر = يقول الكتاب في أم 21: 12 "لا يصيب الصديق شر" فلماذا تألم أيوب؟ كلمة شر في أم 21: 12 تعني ضرر أو أذي. وما أصاب أيوب لم يؤذه بل نقاه وطهره... "فكل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله" لذلك نسمى الله صانع خيرات فى صلاة الشكر. فمهما يحدث فهو للخير. وقد لا نفهم أحياناً، وهذا راجع لقصر إدراكنا (يو13: 7). وكان سر نجاح أيوب أنه يتقي الله وكان أن باركه الله وأكثر له الخيرات من أملاك وبنين. ولكن لكي يكمله سمح له ببعض التجارب فالتجربة تكشف ما هو غائب عنا.

الأعداد 2-3

الأيات (2 - 3): -

"2 وَوُلِدَ لَهُ سَبْعَةُ بَنِينَ وَثَلاَثُ بَنَاتٍ. 3 وَكَانَتْ مَوَاشِيهِ سَبْعَةَ آلاَفٍ مِنَ الْغَنَمِ، وَثَلاَثَةَ آلاَفِ جَمَل، وَخَمْسَ مِئَةِ فَدَّانِ بَقَرٍ، وَخَمْسَ مِئَةِ أَتَانٍ، وَخَدَمُهُ كَثِيرِينَ جِدًّا. فَكَانَ هذَا الرَّجُلُ أَعْظَمَ كُلِّ بَنِي الْمَشْرِقِ.".

"هذه البركة الكبيرة سببها كمال أيوب. وكانت الثروة في أيام الأباء البطاركة تقدر بعدد المواشي. فدان بقر = الذي يحرثه بقرتان بجانب بعضهم.

أعظم كل بني المشرق = المقصود ببني المشرق من هم شرق أرض فلسطين. وكان أيوب أعظمهم في ثروته وحكمته وصلاحه وكماله. وقال عن نفسه أن الناس كانت تسجد له.

الأعداد 4-5

الأيات (4 - 5): -

"4 وَكَانَ بَنُوهُ يَذْهَبُونَ وَيَعْمَلُونَ وَلِيمَةً فِي بَيْتِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي يَوْمِهِ، وَيُرْسِلُونَ وَيَسْتَدْعُونَ أَخَوَاتِهِمِ الثَّلاَثَ لِيَأْكُلْنَ وَيَشْرَبْنَ مَعَهُمْ. 5 وَكَانَ لَمَّا دَارَتْ أَيَّامُ الْوَلِيمَةِ، أَنَّ أَيُّوبَ أَرْسَلَ فَقَدَّسَهُمْ، وَبَكَّرَ فِي الْغَدِ وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ عَلَى عَدَدِهِمْ كُلِّهِمْ، لأَنَّ أَيُّوبَ قَالَ: «رُبَّمَا أَخْطَأَ بَنِيَّ وَجَدَّفُوا عَلَى اللهِ فِي قُلُوبِهِمْ». هكَذَا كَانَ أَيُّوبُ يَفْعَلُ كُلَّ الأَيَّامِ.".

نجد هنا وصفاً آخر لرخاء أيوب وتقواه. وكيف كان فرحاً بأولاده وغالباً كانوا متزوجين فلهم كل واحد بيته، يعيشون في محبة ونجاح ولهم حياة مشتركة (مز 1: 133).

وبكر في الغد = نلاحظ أهمية أن يبدأ اليوم بالصلاة ليبارك الله اليوم كله ونتقدس. ونلاحظ خطأ أيوب هنا واضحاً. فهو يقدم ذبائح عن أولاده، أما عن نفسه فلا يقدم ذبيحة فهو في نظر نفسه لا يخطئ وهذا هو البر الذاتي. جدفوا على الله في قلوبهم = أي نسوا الله في مسراتهم وهو واهب كل خيراتهم. ولا شئ يبعد العقل عن الله بقدر الإنهماك في مطالب الجسد. والإنسان يميل في مسراته أن ينسى الله لذلك إهتم أيوب أن يدعو أولاده للعبادة بعد أن إنتهت ولائمهم. أرسل فقدسهم = التقديس يشمل التوبة عما إقترفوه من خطايا والطهارة الجسدية أيضاً (إستحمام وغسل ملابس) إستعداداً لتقديم الذبائح والصلاة والعبادة. ونلاحظ هنا أن أيوب كان كاهن الأسرة، هو يقدم الذبيحة ليطلب لهم المغفرة. هكذا كان أيوب يفعل كل الأيام = إن من يعبد الله عبادة مستقيمة يجب أن يعبده عبادة مستديمة.

العدد 6

أية (6): -

"6 وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُو اللهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ، وَجَاءَ الشَّيْطَانُ أَيْضًا فِي وَسْطِهِمْ.".

كما إستخدم السيد المسيح الأمثال لشرح طبيعة الملكوت. يشرح هنا الكاتب الملهم بالروح القدس منظراً سماوياً وأحاديث دارت بين الله والشيطان في وجود الملائكة. ومثل هذا المنظر لم يراه إنسان ولا يمكن أن يتخيله إنسان، فالسماء فيها ما لم تره عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على بال إنسان. ولكن هذا المنظر التصويري أن الملائكة تجتمع في حضرة الله يتلقون أوامرهم منه ثم يأتون ليقدموا تقريراً عما فعلوه، ويأتي الشيطان المشتكي وسطهم ليشتكي على البشر هو تصوير بلغة البشر على قدر ما نفهم، وهكذا نجد بولس الرسول يعيد رسم نفس المنظر في رو 33: 8، 34 وهناك بعض الملاحظات على هذه الآية: -.

1. كان الشيطان طليقاً قبل مجئ السيد المسيح، ولما تجسد الرب متأنساً... ربط إبليس وقيده رؤ 1: 20 - 3. وتقييده معناه أنه لا يستطيع أن يجرب الناس على هواه بل هو الآن مثل كلب مربوط بسلسلة فلا يستطيع أن يعض إلا من يدنو منه، هو قد يعوي نابحاً، ويرهب مفزعاً الناس لكنه لا يقدر أن يعض إلا من يقترب إليه.

2. لقد تحدى إبليس الله وصار عدواً له، بل وصار كل إنسان يتقى الله عدواً لإبليس، يحارب عبادته وخضوعه لله.

3. كان الشيطان في بادئ خلقته كاروباً مظللاً منبسطاً يحيط بالعرش الإلهي. لقبه الوحي الإلهي زهرة بنت الصبح قبل معصيته. وزهرة بنت الصبح هو كوكب منير يظهر في الصباح وهو ألمع الأجرام السماوية ويسمى فينوس وباللاتينية لوسيفر ولقد سقط الشيطان من هذه الرتبة اللامعة بعد أن كان ممتلئاً من الحكمة فدخله الغرور وبدلاً أن يمجد الله إفتخر بنفسه. وبسقوطه تحول من كاروب للمجد إلى شيطان هالك. وكلمة شيطان من شطن إيل ومعناها خصم أو مقاوم أو ضد الله. وسمي باليونانية ذيافلوس ومعناها مشتكي زوراً أو ثالب ونقلت بالعربية إبليس وهو المفترى ظلماً. ومن أسمائه أيضاً التنين أو الحية القديمة لقوته ودهائه في الحرب وهو يشتكي على البشر دائماً، يكتشف نقاط ضعفهم ويغريهم بالوقوع وإن وقعوا يشتكي عليهم، بل هو أيضاً يشتكي الله في أسماعنا بأن الله قاسى لا يحب الإنسان ومع أي تجربة يقع فيها الإنسان يأتي إبليس ليشتكي الله في أذاننا فإن صدق الإنسان شكوى إبليس وردد معه "لماذا لا يحبني الله ويوقعني في هذا الألم" هنا يذهب الشيطان ليشتكي الإنسان لله بأنه جدف وهذا ما حاوله إبليس مع أيوب.

4. نرى في التصوير السابق أن الله هو ضابط الكل والشيطان ليس مطلق الحرية في التصرف بل إن حياتنا يتم تدبير أمورها في السماء... فلماذا نخاف؟ بل لماذا نتساءل عن مصدر أي ألم يقع علينا هل هو من الله أو هل هو من إبليس. وعلينا أن نردد مع أيوب أألشر من الرب لا نقبل؟ فالله هو ضابط الكل وكل ما يحدث هو بسماح منه وتحت سيطرته، بل أن الله في أول مرة سمح لإبليس أن يجرب أيوب في كل شئ ولكن لا يمس جلده وجسمه. وفي المرة الثانية سمح بهذا على أن لا يمس حياته أي لا يموت. فنفهم أن سلطان إبليس محدود وفي حدود ما يسمح به الله. وما يسمح به الله هو لخير الإنسان فالله يحب الإنسان رو 28: 8.

5. هذا المنظر السماوي: - الله وحوله ملائكته والشيطان في وسطهم يتكرر في الكنيسة على الأرض فكلما يكون هناك تجمع لأولاد الله يدخل إبليس في وسطهم ليزرع الشك والكراهية بينهم. فلنحذر.... فالشيطان جرب المسيح نفسه.

6. قبل أن يحدثنا الكتاب عن كيف فاجأت الألام أيوب، وحلت به في هذا العالم المنظور، حدثنا عن كيف تم تدبير الأمور في السماء في عالم الأرواح، لأن الشيطان الذي كانت بينه وبين أيوب عداوة شديدة بسبب تقواه إلتمس الإذن ليعذبه من الله، فإن كان الله هو الذي يسمح فنحن إذن في يدي الله فلماذ الخوف.

7. إعترض البعض كيف يكون للشيطان القدرة أن يصل إلى حيث العظمة الإلهية ومقر الملائكة الأطهار؟ ‍‍ والرد أن الله ليس محصوراً في مكان (راجع إر 24: 23، إش 1: 66 + 1مل 27: 8 + إش 15: 57 + مز 1: 139 - 12) فالله موجود في كل مكان ومثول الملائكة والشيطان أمام الله هو تنازل العزة الإلهية وتجليها أمام خليقته سواء البارة أو الأثيمة لكي يكشف مقاصده. ولكن يجب أن نفهم أن هناك فرق فالملائكة تعاين مجد الله وتفرح وتبتهج وتسبح، أما إبليس فيرى عدل الله وحكمه ضده فيقشعر ويزداد هيجاناً على أولاد الله، إبليس إذا جاء وسط الملائكة لا يرى مجد الله بل يرى وجه الله الغاضب الذي يدينه.

العدد 7

أية (7): -

"7فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «مِنَ أَيْنَ جِئْتَ؟ ». فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: «مِنْ الْجَوَلاَنِ فِي الأَرْضِ، وَمِنَ التَّمَشِّي فِيهَا».".

من أين جئت = هذه لا تعني أن الله لا يعرف بل تعني أنه مهما ذهب فهو تحت عين الله الفاحصة وبنفس الطريقة سأل الله آدم أين أنت. هو سؤال يشير أن الله يعرف كل ما كان يعمله الشيطان. الجولان في الأرض = الكلمة تعني العمل الدائم الثابت وبنشاط واسع وفي كل مكان. والشيطان لم يقدر أن يدعي بأنه كان يصنع خيراً فهو يعرف أن الله فاحص كل شئ ولم يجسر أن يعترف بأنه كان يصنع ضرراً فهو يقشعر بوجوده في حضرة الله.

العدد 8

أية (8): -

"8فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ».".

الله هو الذي يبدأ بالسؤال فهو يعرف أن الشيطان حاقد على أيوب بل على كل بار. والله يعرف أن الشيطان وضع في قلبه أن يشتكي أيوب ويلتمس الإذن بأذيته وتجربته. فبدأ الله يتكلم عن أيوب بإعزاز ويفتخر بعبده ويشهد لكماله وأنه يسلك بإستقامة فمما يفرح الله أن يتكلم عن أبنائه الأبرار "أكرم الذين يكرمونني" وكون الله يبدأ بالسؤال فهذا يعني أن الله هو الذي في يده كل الأمور كضابط للكل، ويظهر إهتمام الله بأيوب كشخص وهكذا بكل منا. وهو الذي بدأ لأنه كان يعرف نية الشيطان وأنه يريد أن يجرب أيوب وأن الله كان يريد هذه التجربة لصالح أيوب وحتى يكمل أيوب بالأكثر ويتنقى من بره الذاتي. وأن يبدأ الله بالكلام عن أيوب فهذا يعني أن الله يقول أنا أعرف مهمتك يا شيطان وأنا أعرف فيماذا تفكر، بل الله يعلم الغيرة والحسد اللذان في قلب الشيطان ضدنا، وان الشيطان لن يحتمل كلمة مديح من الله لأحد من البشر، لذلك بادر الله بمدح ايوب أمام الشيطان وهو يعرف رد فعله. ومن كل هذا نفهم أن 1) لنا شفيع مستعد أن يدافع عنا حتى قبل توجيه الإتهام إلينا. 2) الله كضابط الكل إستخدم الشيطان كأداة تنقية لأيوب حبيبه وذلك عن حب له. وبعد ان تنقي أيوب رفع الله عنه هذه العصا. وهكذا يفعل الله مع كل منا. 3) بهذا نفهم معني أن كل الأشياء تعمل معا للخير.

العدد 9

أية (9): -

"9فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: «هَلْ مَجَّانًا يَتَّقِي أَيُّوبُ اللهَ؟".

هل مجاناً يتقي أيوب الله = لم يحتمل الشيطان أن يسمع الثناء على أيوب وهو لا يحتمل أي إنسان بار مجاهد فيوجه كل سهامه ضده. ولذلك تزداد حروب إبليس ضدنا حينما نعترف ونتوب ونتناول. وكل من لايحتمل أن يوجه مديح لشخص آخر غيره فهؤلاء يشبهون الشيطان. وبدأ الشيطان شكواه وهجومه ضد أيوب وهو لم يجد خطية في أيوب يشتكيه عليها فإفترى عليه بأنه لا يعبد الله من أجل الله ولكن لأنه يحصل على خيرات زمنية أي أن عبادته هدفها النفعية، وأنه إن لم يحصل على إمتيازات زمنية ما كان يعبد الله (وهناك من هو حتى الآن يعبد الله للحصول على إمتيازات وبركات مادية فإن خسرها ترك الله أو تصور أن الله تركه) بل إنها حرب من إبليس، فهو يتحايل على أولاد الله ويقنعهم أنهم لابد ان يحصلوا على أجر مادي وإمتيازات مادية في مقابل عبادتهم. ولكن علينا أن نتطلع إلى الجزاء الأبدي والميراث السماوي فهذا ما أعده الله لنا.

ولنلاحظ أن الشيطان يشتكي على أولاد الله إذا أخطأوا وهكذا أولاد إبليس. أما أبناء الله فيسترون الخاطئ. راجع قصة القديس الأنبا مقار حين تستر على خطية الراهب الزاني فسمع الصوت "طوباك يا مقاريوس لأنك صرت شبيها بالله".

ولنفهم أن الله ما كان يسمح للشيطان أن يشتكي على أيوب إلا لأن هناك خطية ملأت قلب أيوب وهي البر الذاتي. لذلك إستطاع المجرب أن يجد فيه مكاناً ليشتكي عليه وهذا ما جعل الله يوافق على أن يجرب إبليس أيوب. أما المسيح فلأنه بلا خطية قال عن إبليس "رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شئ".

العدد 10

أية (10): -

"10أَلَيْسَ أَنَّكَ سَيَّجْتَ حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ وَحَوْلَ كُلِّ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ؟ بَارَكْتَ أَعْمَالَ يَدَيْهِ فَانْتَشَرَتْ مَوَاشِيهِ فِي الأَرْضِ.".

سيجت حوله = أي لحمايته وحماية أسرته وممتلكاته. ودائماً شعب الله يتمتع فعلاً بحماية الله زك 5: 2. وبدون بركة الله ما كانت ثروته قد إزدادت.

العدد 11

أية (11): -

"11 وَلكِنِ ابْسِطْ يَدَكَ الآنَ وَمَسَّ كُلَّ مَا لَهُ، فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ».".

يتحدث الشيطان هنا بخبث وحقد أن أيوب لو سمح الله وجربه فهو سيكف عن تقواه بل سوف يجدف على الله. فالشيطان يريد أن يثبت أن أيوب لا يتقي الله حباً في الله لكن حباً في عطاياه، ويريد إثبات أن الله ليس له عبد أمين واحد بين البشر وأنه لا يوجد في العالم إخلاص حقيقي في التقوى، وكل التدين ما هو إلا إدعاء باطل وتظاهر. وبذلك يصير الشيطان هو الملك الفعلي على كل البشر. ومع أن الشيطان له قوة خارقة لكننا نجده هنا قد أخطأ في حساباته فلا أيوب جدف ولا ترك الله، وذلك لأن الله وحده هو الذي يعلم ما في القلب ولذلك سمح الله بتجربة أيوب فهو يعلم أنه لن يجدف. والله وحده هو الذي يسمح بالتجربة ويحدد مداها حتي لا نيأس ونفشل (مز 125: 3) وهو يسمح إن كان هناك فائدة من التجربة للشخص نفسه.

العدد 12

أية (12): -

"12فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: «هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ فِي يَدِكَ، وَإِنَّمَا إِلَيهِ لاَ تَمُدَّ يَدَكَ». ثمَّ خَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ أَمَامِ وَجْهِ الرَّبِّ.".

الله هنا يعطي الإذن للشيطان أن يجرب أيوب ولكن في حدود = وإنما إليه لا تمد يدك = أي لا تمس جسده لكن أملاكه فقط. إذاً السلطان المعطى للشيطان محدود. والله لا يسمح بتجربة إلا في حدود ما نستطيع ونحتمل 1كو 13: 10 والله عَلِم أن رصيد النعمة لدى أيوب يسمح له بأن يحتمل (راجع مز 23: 37 - 25).

خرج الشيطان من أمام وجه الرب = وهكذا فعل قايين وهكذا يفعل كل شرير تابع للشيطان فهو لا يستطيع أن يبقى أمام وجه الرب.

العدد 13

أية (13): -

"13 وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَأَبْنَاؤُهُ وَبَنَاتُهُ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ خَمْرًا فِي بَيْتِ أَخِيهِمِ الأَكْبَرِ،".

من شر الشيطان وكراهيته للإنسان خصوصاً الإنسان البار نجده هنا بمجرد أن حصل على سماح من الله بأن يؤذي أيوب شرع فوراً في التنفيذ. ونلاحظ في خطة الشيطان أن ضرباته ضد أيوب كانت في يوم فرح حتى يكون للضربات وقع أكثر إيلاماً على نفس أيوب. وكانت الضربات متلاحقة متتابعة حتى لا يعطي لأيوب فرصة أن يلتقط أنفاسه أو يستريح فيتعزي. ونلاحظ في خطة الشيطان أيضاً أنه حاول الوقيعة بين الله وبين أيوب، وبين أيوب وبين الله. فهو حاول أن يشتكي أيوب لله وحاول أن يصور لأيوب أن كل هذه الضربات هى لغضب الله عليه، فالنار والريح هما بيد الله، والله تركهم ضد أيوب وهجوم السبئيين والكلدانيين معناه أن الله لم يحافظ على عبده أيوب أو يحميه منهم، ولذلك وضع الشيطان في فم الغلمان قولهم نار الله سقطت من السماء.

العدد 14

أية (14): -

"14أَنَّ رَسُولاً جَاءَ إِلَى أَيُّوبَ وَقَالَ: «الْبَقَرُ كَانَتْ تَحْرُثُ، وَالأُتُنُ تَرْعَى بِجَانِبِهَا،".

الشيطان يثير أيوب ضد الله، مع أن الشيطان هو الذى أوعز للسبئيين بأن يهجموا على ممتلكات أيوب. ولقد كانت خسائر أيوب مطابقة لكل أملاكه السابق ذكرها فكأنه خسر كل شئ وبسرعة، فلم يعطه الشيطان فرصة أن يتأمل في حياته السابقة وربما إكتشف خطية فيندم عليها أو يهدأ بين الضربة والضربة، فيكون له خضوع مبارك أمام الله وقال أيوب بعد ذلك "لأن البوار من الله رعب علىَّ أي 23: 31".

العدد 15

أية (15): -

"15فَسَقَطَ عَلَيْهَا السَّبَئِيُّونَ وَأَخَذُوهَا، وَضَرَبُوا الْغِلْمَانَ بِحَدِّ السَّيْفِ، وَنَجَوْتُ أَنَا وَحْدِي لأُخْبِرَكَ».".

السبئيون = هي في الأصل شبا بالعبرية وكانوا غزاة ووصلت حروبهم وغزواتهم حتى اليمن التي تنسب أيضاً إلى نفس القبيلة. وكانوا غزاة يغيرون على البلاد ويسبون ساكنيها ويتاجرون في العبيد. الغلمان = الفلاحون والرعاة وهؤلاء قتلوا وهم يدافعون عن أملاك سيدهم (تك 3: 25).

العدد 16

أية (16): -

"16 وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذْ جَاءَ آخَرُ وَقَالَ: «نَارُ اللهِ سَقَطَتْ مِنَ السَّمَاءِ فَأَحْرَقَتِ الْغَنَمَ وَالْغِلْمَانَ وَأَكَلَتْهُمْ، وَنَجَوْتُ أَنَا وَحْدِي لأُخْبِرَكَ».".

نار الله = هو برق غير عادي وبكثافة شديدة وإتجه نحو أملاك أيوب مباشرة. ومما يثير أيوب أنه كان يقدم ذبائحه لله في عبادته من مواشيه والآن يجد أن الله يسقط ناره ليلتهم كل مواشيه بدلاً أن يباركها. فى العبرية حين يضاف إسم الله إلى شئ فهذا للتدليل على ضخامة الشئ فنار الله = نار عظيمة جدا، وجيش الله = جيش ضخم جدا وهكذا.

العدد 17

أية (17): -

"17 وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذْ جَاءَ آخَرُ وَقَالَ: «الْكَلْدَانِيُّونَ عَيَّنُوا ثَلاَثَ فِرَق، فَهَجَمُوا عَلَى الْجِمَالِ وَأَخَذُوهَا، وَضَرَبُوا الْغِلْمَانَ بِحَدِّ السَّيْفِ، وَنَجَوْتُ أَنَا وَحْدِي لأُخْبِرَكَ».".

الكلدانيون = نسبة إلى المكان الذي سكنوه وهو كلديا جنوب بابل. وكان منهم الكهان القدامى وكانوا قبلما يستولون على بابل يقومون بغزوات في الغرب، يتجولون في الأرض بين شرقي الأردن والفرات وبعد ذلك إستوطنوا بابل.

العدد 18

أية (18): -

"18 وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذْ جَاءَ آخَرُ وَقَالَ: «بَنُوكَ وَبَنَاتُكَ كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ خَمْرًا فِي بَيْتِ أَخِيهِمِ الأَكْبَرِ،".

ضربة بنوه وبناته هي التي جرحت قلبه جرحاً عميقاً فهم أثمن ما يملك. لذلك حفظ الشيطان هذه الضربة لتكون آخر ضربة ليدفعه للتجديف على الله. والريح في يد الله فإذا جاءت الريح بهذه الشدة لتقتل الأولاد يفهم أن الله هو الذي فعل هذا وهكذا فهمها بلدد (4: 8). زوبعة = عاصفة تدور في سيرها فتدمر.

العدد 19

أية (19): -

"19 وَإِذَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ جَاءَتْ مِنْ عَبْرِ الْقَفْرِ وَصَدَمَتْ زَوَايَا الْبَيْتِ الأَرْبَعَ، فَسَقَطَ عَلَى الْغِلْمَانِ فَمَاتُوا، وَنَجَوْتُ أَنَا وَحْدِي لأُخْبِرَكَ».".

العدد 20

أية (20): -

"20فَقَامَ أَيُّوبُ وَمَزَّقَ جُبَّتَهُ، وَجَزَّ شَعْرَ رَأْسِهِ، وَخَرَّ عَلَى الأَرْضِ وَسَجَدَ،".

تمزيق الجبة وجز الشعر علامة الحزن، وهذه هى المشاعر الطبيعية، لقد تصرف أيوب كإنسان في محنته وهكذا بكى المسيح على قبر لعازر فالمسيح شابهنا في كل شئ ما عدا الخطية. والله لا يتضايق من المشاعر الطبيعية بل هو في كل ضيقة تلم بنا يتضايق. ولنلاحظ أن أي إنسان يتعرض لما تعرض له أيوب ولا يحزن يكون صخرة صماء لا إنسان. ومع كل هذا لم يصدر عن أيوب أي كلمة تجديف وظل محتفظاً بسلامه الداخلي حتى جاءه خبر موت بنيه بل هو خر على الأرض وسجد فهو في ضيقته لجأ إلى الله ولم يجدف عليه، لجأ إليه في عبادة وسجود ولم يهرب منه ويتركه. (هناك عادة رديئة عند بعض الناس الذين إذا مات لهم شخص محبوب ينقطعون عن الكنيسة فترة) وأن يلجأ الإنسان لله في ضيقته فهذا يعطيه فرصة أن يهدأ أمام الله ويعطيه الله سلاماً يصعب أن يجده الإنسان بعيداً عن الله.

العدد 21

أية (21): -

"21 وَقَالَ: «عُرْيَانًا خَرَجْتُ مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَعُرْيَانًا أَعُودُ إِلَى هُنَاكَ. الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ، فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا».".

هنا تظهر عظمة أيوب وإقتبس بولس الرسول هذه الآية 1تي 7: 6. والخطية هي التي جعلت الإنسان عرياناً (هكذا يولد وهكذا يموت) ولكن الأنفس التقية تخرج لابسة ثوب البر 2كو 3: 5. الرب أعطي = هو نسب كل خيراته لله ولم يقل يداي وقوتي عملت بهما ثروتي. والرب أخذ = فنحن لا نهتم بمن هو سبب النكبة هل هو الشيطان أم الأعداء (سبئيين وكلدانيين) أم هي الطبيعة (نار ورياح) بل نحن في يد الله، والله هو ضابط الكل وحين يضيع منا شئ نقول الرب سمح بهذا. بل أن بعض الناس يقولون في خسارتهم أن حظهم سيئ وهذا ضد الإيمان بأن الله هو ضابط الكل، وكل شئ تحت سيطرته هو. ولنلاحظ أن أيوب قال هذا القول الرائع وهو ساجد مصليا أمام الله فالعبادة وسط الضيقة تعطي قوة وعزاء للمتألم. وهذه الروح الخاشعة تؤدي للتسليم أمام الله بإقتناع. فليكن إسم الرب مباركاً = هذه من بركات الصلاة والروح الخاشعة فهو لم يلعن السبئيين ولا البرق ولا الريح ولا حظه السيئ، بل من فضلة القلب يتكلم اللسان، وقلب أيوب الخاشع لا يقدر أن يلعن لذلك بارك الله وشكره (وهكذا الكنيسة تعلمنا أن نشكر في كل مناسبة) فالتذمر والضجر وعدم الصبر تتهم الله في الواقع بالجهالة.

العدد 22

أية (22): -

"22فِي كُلِّ هذَا لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ وَلَمْ يَنْسِبْ للهِ جِهَالَةً.".

الروح القدس يعترف لأيوب في شهادة كريمة بثباته وقداسته لأنه لم يخطئ.


[1] هذا السن يماثل سن تارح أبو إبراهيم.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الثاني - سفر أيوب - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير سفر أيوب الأصحاح 1
تفاسير سفر أيوب الأصحاح 1