اَلْمَزْمُورُ الثَّامِنُ وَالثَّمَانُونَ – سفر المزامير – مارمرقس مصر الجديدة

هذا الفصل هو جزء من كتاب: سفر المزامير – كهنة و خدام كنيسة مارمرقس مصر الجديدة.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

المزمور الثَّامِنُ والثمانون

آلام وتوسلات.

تسبيحة. مزمور لبني قورح. لإمام المغنين على العود.

للغناء قصيدة لهيمان الأزراحي.

"يا رب إله خلاصي بالنهار والليل صرخت أمامك..." (ع1).

مقدمة:

كاتبه: هيمان الأزراحي، وهو أحد رؤساء المرنمين الثلاثة، وكان يقف عن يمين آساف الرئيس، وهو من عشيرة زارح ابن يهوذا، أي من سبط يهوذا، وكان يعد من الحكماء البارزين بعد سليمان الملك (1 مل 4: 31).

يبين هذا المزمور آلامًا شديدة عانى منها الكاتب، ولكنه ما زال يصلي بالرغم من أنه لا يشعر بتعزية ولكن رجاءه في الله، فهو مرثاة شخصية تشبه مرثاة أيوب، وإرميا.

هذا هو المزمور الوحيد الذي يستعرض الآلام حتى نهايته، ولا يعلن حتى في آخره تدخل الله وحل المشكلة.

يعتبر هذا المزمور نبوة عن آلام المسيح وهو على الصليب.

لا يوجد هذا المزمور في صلوات الأجبية، ويناسب هذا المزمور كل إنسان يعاني من الآلام، ويدعوه أن يستمر في الصلاة ولا ييأس مهما كانت آلامه.

يقدم هذا المزمور أسبابًا للطلبات التي يطلبها من الله؛ ليؤكد أهمية طلبته، وذلك في آيات (ع 1، 2، 3، 7، 12، 17).

(1) آلام عنيفة (.

العدد 1

ع1:

يَا رَبُّ إِلهَ خَلاَصِي، بِالنَّهَارِ وَاللَّيْلِ صَرَخْتُ أَمَامَكَ،.

يشعر كاتب المزمور بضيق شديد؛ حتى أنه يصرخ اليوم كله نهارًا، وليلًا؛ لأن الألم مستمر. ولكن في نفس الوقت له رجاء في الله مخلصه، بل ليس له خلاص إلا فيه، فيقول إله خلاصي، أي المسئول الوحيد عن خلاصه.

العدد 2

ع2:

فَلْتَأْتِ قُدَّامَكَ صَلاَتِي. أَمِلْ أُذُنَكَ إِلَى صُرَاخِي،.

يترجى هيمان من الله أن تصل صلاته قدامه، أي يهتم بسماع صلاته، وكذلك بصراخه الذي قد يكون داخلي لا يسمعه أحد، ولكنه أنين داخل نفسه قوي ومؤلم. فهو يثق أنه الله أب حنون سيهتم به، وينقذه من أتعابه. وإمالة الأذن معناها تواضع شديد من الله، واهتمام خاص يساند هيمان ويشجعه على احتمال الآلام. فالشعور بوجود الله داخل الضيقة معزى جدًا ومريح.

هاتان الآيتان.

نبوة عن صرخات المسيح وآلامه على الصليب التي عبر عنها بقوله إلهي إلهي لماذا تركتني (مت27: 46).

العدد 3

ع3:

لأَنَّهُ قَدْ شَبِعَتْ مِنَ الْمَصَائِبِ نَفْسِي، وَحَيَاتِي إِلَى الْهَاوِيَةِ دَنَتْ.

دنت: اقتربت.

يعبر كاتب المزمور عن آلامه، فيقول أنها كثيرة جدًا، حتى أن نفسه شبعت منها، كمن يأكل طعامًا ويشبع فلا يستطيع أن يأكل أكثر من ذلك، هكذا نفسه لا تستطيع أن تحتمل مصائب أخرى. وأيضًا يشعر أنه قد اقترب من الموت (الهاوية)، فيكاد يفقد رجاءه في الخلاص من الآلام.

العدد 4

ع4:

حُسِبْتُ مِثْلَ الْمُنْحَدِرِينَ إِلَى الْجُبِّ. صِرْتُ كَرَجُل لاَ قُوَّةَ لَهُ.

الجب: حفرة عميقة واسعة.

يشعر أنه يكاد يموت بإلقائه في جب لا يعرف له قرار، وأيضًا يشعر أنه قد فقد كل قوة لمقاومة الآلام؛ لأنها شديدة جدًا. ولعله يتذكر يوسف الصديق الذي بعد احتمال آلام العبودية في بيت فوطيفار ألفى في السجن، بعد أن احتمل إلقاء إخوته له في الجب وكانوا يريدون قتله وهو لا قوة له.

هذه الآيات أيضًا (ع 3، 4) وما يليها نبوات عن آلام المسيح على الصليب.

العدد 5

ع5:

بَيْنَ الأَمْوَاتِ فِرَاشِي مِثْلُ الْقَتْلَى الْمُضْطَجِعِينَ فِي الْقَبْرِ، الَّذِينَ لاَ تَذْكُرُهُمْ بَعْدُ، وَهُمْ مِنْ يَدِكَ انْقَطَعُوا.

من شدة الألم شعر كاتب المزمور أنه قارب الموت، حتى كأنه قد وصل إلى القبر، وصار فراشه، أو مرقده هناك بين القتلى، ولم يعد يتمتع برعاية الله واهتمامه، أي شعر أنه منسي، ومتروك من الله، وهذا شعور صعب جدًا، فهو ليس متألم جسديًا فقط، بل بالأكثر نفسيًا.

كل هذه الآلام نبوة عما شعر به المسيح وهو على الصليب، وهو مقبل على القبر ليضطجع هناك، مثل الراقدين والقتلى، وهو منسي من الله، حتى أنه شعر أن الله تركه.

العدد 6

ع6:

وَضَعْتَنِي فِي الْجُبِّ الأَسْفَلِ، فِي ظُلُمَاتٍ، فِي أَعْمَاق.

يشعر كاتب المزمور أن الله قد وضعه في أعماق جب كبير وعميق، حيث الظلام شديد. كل هذا يعبر عن آلامه الصعبة؛ حتى يكاد اليأس أن يطبق عليه.

هذه الآية أيضًا نبوة عن المسيح وهو على الصليب؛ إذ يشعر أنه يقترب من الموت لينزل إلى أعماق الجحيم، ولكن ليخلص ويصعد أولاده منه، وليس ليبقى فيه.

العدد 7

ع7:

عَلَيَّ اسْتَقَرَّ غَضَبُكَ، وَبِكُلِّ تَيَّارَاتِكَ ذَلَّلْتَنِي. سِلاَهْ.

شعر كاتب المزمور أن الآلام شديدة نتيجة غضب الله الذي استقر عليه، أي أصبح ثابتًا ومستقرًا، وكأنه في أعماق البحر، وتغطي بالماء وتياراته، حتى أصبح في منتهى الذل. والله سمح بكل هذا ليتضع ويتوب، ويتنقى.

هذه الآية أيضًا تبين كيف حمل المسيح خطايا العالم كله، واحتمل الغضب الإلهي، الذي كان ينبغي أن يأتي على الإنسان، فحمله المسيح عنه، وكذلك على الصليب ليفدي البشرية.

تنتهي الآية بكلمة سلاه وهي وقفة موسيقية للتأمل في مدى معاناة المسيح الآلام عنا ليفدينا؛ حتى نتوب عن خطايانا، ونقدم الشكر الدائم له.

العدد 8

ع8:

أَبْعَدْتَ عَنِّي مَعَارِفِي. جَعَلْتَنِي رِجْسًا لَهُمْ. أُغْلِقَ عَلَيَّ فَمَا أَخْرُجُ.

رجسًا: قذرًا ونجسًا والمقصود هنا أنه أصبح عارًا.

زاد الضيق النفسي لهذا المتكلم بابتعاد أحبائه، وأصدقائه عنه، إذ رأوه عارًا فلا يريدون الاقتراب منه، وأطبق عليه هذا العار بما يحمل من آلام النفسية، لا يستطيع الخروج منها. وهذا يمثل منتهى الألم النفسي.

هذا ما حدث مع المسيح عندما تركه الجميع عند الصليب، وظنوه فاعل شر ومستحق للموت، وهكذا عانى من الآلالم النفسية، وليس فقط الجسدية، بالإضافة للآلام الروحية؛ لأنه حمل خطايا العالم كله، ولا يستطيع الخروج من هذه الآلام؛ لأنه يريد إتمام الفداء.

العدد 9

ع9:

عَيْنِي ذَابَتْ مِنَ الذُّلِّ. دَعَوْتُكَ يَا رَبُّ كُلَّ يَوْمٍ. بَسَطْتُ إِلَيْكَ يَدَيَّ.

أيضًا ضعفت عيني هذا المتألم من شدة الذل الذي حل به، ولكنه ظل يدعو الله، ولم يفقد رجاءه، فاستمر في صلاته باسطًا يديه، طالبًا معونة الله الذي ما زال يحبه ويدعوه.

كذلك المسيح من شدة الآلام ظهر الذل في نظرة عينيه؛ لأنه يحمل كل خطايا العالم، ولكنه ظل باسطًا يديه على الصليب، ويصلي ويدعو الآب بكلمات كثيرة.

† عندما تزداد آلامك ارفع قلبك بالصلاة إلى الله، وثق أنه يسمعك ويكافئك، ويحول ذلك إلى مجد، ويبارك حياتك.

(2) صرخة قبل الموت (ع10 - 12):

الأعداد 10-12

ع10 - 12:

:

أَفَلَعَلَّكَ لِلأَمْوَاتِ تَصْنَعُ عَجَائِبَ؟ أَمِ الأَخِيلَةُ تَقُومُ تُمَجِّدُكَ؟ سِلاَهْ. هَلْ يُحَدَّثُ فِي الْقَبْرِ بِرَحْمَتِكَ، أَوْ بِحَقِّكَ فِي الْهَلاَكِ؟ هَلْ تُعْرَفُ فِي الظُّلْمَةِ عَجَائِبُكَ، وَبِرُّكَ فِي أَرْضِ النِّسْيَانِ؟

إذ شعر كاتب المزمور بأنه قد اقترب من الموت قال لله، لماذا لا تنقذني من هذه الآلام، وذلك الموت؛ لأنه بعد الموت لا يستطيع الإنسان أن يعبدك، ولا الأخيلة - أي النفوس التي رقدت - أن تفعل شيئًا، ولا تسمع القبور أي تمجيد لله أو إعلان للحق. ولا يصدر من القبر المظلم أو الموتى الذين تركوا الحياة أي تعظيم لله.

إن القبر والظلمة يرمزان لموت الخطية، فمن ينغمس في الخطية لا يستطيع أن يمجد الله.

الشخص الوحيد الذي استطاع أن يمجد الله وهو في القبر هو المسيح؛ لأنه استطاع أن يصنع أكبر أعجوبة وهي القيامة.

يختم الآية العاشرة بكلمة سلاه وهي دعوة للتأمل فيما بعد الموت.

† لا تفقد رجاءك في مسيحك مهما زادت عليك المتاعب؛ لأنه يستطيع أن يخرج حياة من الموت، ويخرج من الضيقة بركات كثيرة تفرح قلبك وتملأك سعادة.

[3] صلاة متألم (ع13 - 18):

العدد 13

ع13:

أَمَّا أَنَا فَإِلَيْكَ يَا رَبُّ صَرَخْتُ، وَفِي الْغَدَاةِ صَلاَتِي تَتَقَدَّمُكَ.

الغداة: الصباح الباكر.

رغم كل الآلام التي يعاني منها كاتب المزمور استمر في صلواته، بل منذ بداية اليوم في الصباح الباكر قدم صلوات كثيرة أمام الله، وعبَّر عن صراخه كأن الله يسير في موكب وهو يقدم هذه الصلوات والصرخات إليه؛ لينقذه من أتعابه، فهو يلح على الله، وينتظر استجابته، أي أن رجاءه ما زال ثابتًا في الله.

العدد 14

ع14:

لِمَاذَا يَا رَبُّ تَرْفُضُ نَفْسِي؟ لِمَاذَا تَحْجُبُ وَجْهَكَ عَنِّي؟

من شدة معاناة كاتب المزمور، وعدم تدخل الله لرفع الآلام عنه يعاتب الله بدالة حب ورجاء؛ لأنه توانى عن إنقاذه، ويقول له إن سكوتك يعني رفضك، وابتعاد وجهك عني رغم احتياجي الشديد، أي يطلب أن يتدخل الله سريعًا.

الأعداد 15-18

ع15 - 18:

:

أَنَا مِسْكِينٌ وَمُسَلِّمُ الرُّوحِ مُنْذُ صِبَايَ. احْتَمَلْتُ أَهْوَالَكَ. تَحَيَّرْتُ. عَلَيَّ عَبَرَ سَخَطُكَ. أَهْوَالُكَ أَهْلَكَتْنِي. أَحَاطَتْ بِي كَالْمِيَاهِ الْيَوْمَ كُلَّهُ. اكْتَنَفَتْنِي مَعًا. أَبْعَدْتَ عَنِّي مُحِبًّا وَصَاحِبًا. مَعَارِفِي فِي الظُّلْمَةِ.

أهوالك: مصائب عظيمة.

سخطك: غضبك الشديد.

اكتنفتني: أحاطت بي من كل جانب.

يستكمل كاتب المزمور عتابه لله بدالة ورجاء، فيقول له أنت تعلم مدى معاناتي منذ صباي. فأنا مسكين وضعيف ومستسلم للضيقات والآلام التي تسمح بها. بل إنك يا رب سمحت لي بضيقات عظيمة، عندما غضبت علىَّ. ويشبه الضيقات بمياه البحر التي سقطت فيها، وأحاطت به من كل جانب، وأصبح عاجزًا عن الخروج منها واستمرت اليوم كله، أي طوال عمره، وتفرق عنه كل أحبائه، وعاش في ظلمة الضيقة.

هذه الآيات نبوات عن آلام المسيح ومعاناته على الصليب، كما سبق وشرحنا في الآيات السابقة.

† عندما تدخل في ضيقات وتتألم كثيرًا اعلم أن هذا بسماح من الله؛ لتشعر بالمتألمين، وكما أخرجك الله من الضيقة تساعد غيرك بكل ما تستطيع لترفع عنهم آلامهم.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

اَلْمَزْمُورُ التَّاسِعُ وَالثَّمَانُونَ - سفر المزامير - مارمرقس مصر الجديدة

اَلْمَزْمُورُ السَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ - سفر المزامير - مارمرقس مصر الجديدة

تفاسير سفر المزامير الأصحاح 88
تفاسير سفر المزامير الأصحاح 88