الأصحاح الثالث – تفسير الرسالة إلى رومية – القمص أنطونيوس فكري

هذا الفصل هو جزء من كتاب: رسالة بولس الرسول إلى رومية – القس أنطونيوس فكري.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الإصحاح الثالث

لم يقل بولس في الإصحاح الثاني أن الناموس بلا نفع أو أن الختان بلا نفع، بل إن من يختتن ولا يعمل بالناموس فقد صار كالأغرل. إذاً هو لا يقلل من شأن الناموس، بل يفضح اليهود الذين لم يعملوا به. ولكن بولس الرسول حين قال أن الله سيعامل اليهودي كما الأممي، وأن الكل واحداً أمام الله، تصوَّر أن اليهود في ثورتهم سيتساءلون. ألم يكرم الله اليهود ويعطيهم الختان كعلامة عضوية (تث29: 33 + خر5: 19 + أش8: 41). والناموس أسماه الكتاب أقوال حية (أع38: 7). والكتاب بلغتهم والأنبياء منهم. إذاً إن كان الله سيعامل اليهودي كالأممي فلماذا الناموس؟! وما فائدة الختان؟! وهذا هو ما بدأ الرسول به الإصحاح. السؤال الذي تصوَّر أن اليهود سيسألونه.

العدد 1

آية (1): -

"1إِذًا مَا هُوَ فَضْلُ الْيَهُودِيِّ، أَوْ مَا هُوَ نَفْعُ الْخِتَانِ؟".

إذا كان الأممي قادراً علي أن يرضي الله إن عمل أعمالاً صالحة وذلك بواسطة الناموس الطبيعي المُعطَي له. وما دام الكل قد سقط في الدينونة سواء أمم (بمخالفتهم الناموس الطبيعي) أو يهود (بمخالفتهم لناموس موسى). فما فائدة الختان أو ماذا يميز اليهود؟

العدد 2

آية (2): -

"2كَثِيرٌ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ! أَمَّا أَوَّلاً فَلأَنَّهُمُ اسْتُؤْمِنُوا عَلَى أَقْوَالِ اللهِ.".

أول مزايا اليهود أن الله إستأمنهم علي أقواله. إذاً هم كانوا أفضل من الأمم أمام الله، فالله لم يكن ليستأمن أحد علي أقواله إن لم يكن جديراً بذلك. وكان اليهود هم أول من يستأمنهم الله علي كلامه.

وهنا الرسول يذكر ميزة واحدة لليهود وأكمل باقي مميزاتهم في (رو4: 9) اسْتُؤْمِنُوا عَلَى أَقْوَالِ اللهِ = قيل أنهم صاروا أمناء مكتبة المسيحية. كانت التوراة فيها نبوات كاملة عن المسيح. كان الكتاب في أيديهم بنبواته عن المسيح شاهداً أن خطة الله لخلاص العالم كانت خطة أزلية فالله غير متغير (أى أن الله خلق الإنسان حرا، وبسابق معرفته كان يعلم أنه سيسقط، ولمحبته كان مستعدا أن يدفع ثمن خلاصه على الصليب). وهم كانوا بلا شك أمناء علي كتابهم وسلموه لنا دون تحريف. والله إختار إبراهيم المؤمن وحده وسط عالم وثني إنحرف عن الحق، كان إبراهيم أحسن الموجودين في العالم، وأعطاه الختان الذي كان علامة عهد الله معهم، فهم فعلاً كانوا مميزين عن باقي الشعوب المحيطة. والله إختارهم كشعب خاص له يخرج منهم المسيح والعذراء والرسل والأنبياء وكل أبرار العهد القديم، كل هؤلاء الأبرار خرجوا في ظل الناموس. ولنلاحظ أن الله أعطي الضمير لكل الناس شاهداً للحق داخل قلوب البشر ولما فسد الضمير أعطي الله الناموس عوناً للبشر، لكنه أعطاه لمن يقدِّره، أي لأحسن الناس وكان هؤلاء هم اليهود. وكان هذا حتى يأتي المسيح وبنعمته يُقْبَلْ كل البشر، إذ بالنعمة سيتغير الجميع عن طبيعتهم القديمة الفاسدة ويصيروا خليقة جديدة (2كو17: 5). أي أن الخلاص لهم ومنهم ولكنه ليس حكراً لهم. ولكن فضل اليهود كان قبل مجيء المسيح، أما بعد المسيح فالكل واحد (غل28: 3).

العدد 3

آية (3): -

"3فَمَاذَا إِنْ كَانَ قَوْمٌ لَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ؟ أَفَلَعَلَّ عَدَمَ أَمَانَتِهِمْ يُبْطِلُ أَمَانَةَ اللهِ؟".

الله فاض علي اليهود من خيراته، ولكنه لما جاء يطلب الثمر لم يجد سوي العقوق وعدم الأمانة. ولكن عدم أمانتهم في المحافظة علي عهود الله ووعوده لا تبطل أمانة الله في خطته لخلاص البشرية، عدم التزام اليهود بالناموس لن يعطل خطة الله في أن المسيح سيأتي من نسل اليهود. ذلك لأنه إذا وجد بعض من هؤلاء اليهود قد أظهروا عدم أمانة، فإن عدم أمانتهم لا تعطل أمانة الله ولا تبطل حب الله للحق، ولا تعطل صدق الله في وعوده. بولس هنا لا يسئ للناموس، بل لليهود مخالفي الناموس، بولس لم يقل أن الناموس بلا نفع، بل هو له نفع لو إقترن بعمل الصلاح. فَمَاذَا إِنْ كَانَ قَوْمٌ = الرسول لم يقل الكل، بل إن كان قوم. فهو لا يعمم الخطية أمّا نحن فيوجد عندنا عيب أن ننسب الخطأ والعيب للكل.

العدد 4

آية (4): -

"4حَاشَا! بَلْ لِيَكُنِ اللهُ صَادِقًا وَكُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِبًا. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «لِكَيْ تَتَبَرَّرَ فِي كَلاَمِكَ، وَتَغْلِبَ مَتَى حُوكِمْتَ».".

حتى لو وُجِدَ العالم كله خاطئ لكن الله سيظل صادقاً. والرسول لم يلجأ لتاريخ اليهود في كتابهم لإظهار خطاياهم وعدم أمانتهم في مقابل بر الله، بل لجأ لكلام داود النبي في المزمور لِكَيْ تَتَبَرَّرَ فِي كَلاَمِكَ، وَتَغْلِبَ مَتَى حُوكِمْتَ فبالرغم من خطيتي وخطايا البشر وخطايا اليهود، فالله لم يعبأ بها بل أرسل إبنه الوحيد لأنه وعد بذلك. هنا يثبت بولس بناء على كلام داود صدق الله وأمانته وأنه صنع كل شئ لتبريرهم ولم يؤمنوا. تَغْلِبَ مَتَى حُوكِمْتَ = لو حاول خاطئ أن يبرر نفسه بأن له عذر، فالله سيظهر له أنه عمل كل شئ له حتى يخلص ولكنه هو الذي رفض. والله عمل لليهود كل شئ ولم ينتفعوا بأعماله.

ملحوظة: لا يصح أن نضطرب إذا رأينا أناساً يتركون الإيمان، فهناك يهوذا الذي خان الرب بعد كل ما رآه. وأيضاً هناك الشهداء الأمناء للمسيح.

العدد 5

آية (5): -

"5 وَلكِنْ إِنْ كَانَ إِثْمُنَا يُبَيِّنُ بِرَّ اللهِ، فَمَاذَا نَقُولُ؟ أَلَعَلَّ اللهَ الَّذِي يَجْلِبُ الْغَضَبَ ظَالِمٌ؟ أَتَكَلَّمُ بِحَسَبِ الإِنْسَانِ.".

بولس هنا يرد علي بعض الذين فهموا كلامه وإستغلوه بطريقة خاطئة، حينما قال "حيث كثرت الخطية إزدادت النعمة جداً" (رو20: 5) وأيضاً يرد الرسول علي من قال من الوثنيين "أنه بسبب خطية اليهود ظهر بر الله وتجسد. إذاً فلنزداد في الخطية ليظهر بر الله بالأكثر" فهناك من يستغلون أي شئ لتبرير خطاياهم وللإستمرار فيها. ولقد تعود الإنسان منذ أخطأ آدم أول مرة علي نفي الخطية عن نفسه بل وتحميلها لغيره. ومعني الآية إذا كان إثمنا يظهر بر الله (بطريقة الـCONTRAST) فالله يصير ظالماً لأنه يغضب علي إثمنا وتصرفاتنا الخاطئة. أنا هنا (بولس يقول) أتكلم وأفكر كما يفكر الإنسان العادي الذي يحاول أن يبرر خطيته. فالشر لا يمكن أن يكون علّة للخير، لكن الله بحكمته يخرج من الشر خيراً… يخرج من الجافي حلاوة.

العدد 6

آية (6): -

"6حَاشَا! فَكَيْفَ يَدِينُ اللهُ الْعَالَمَ إِذْ ذَاكَ؟".

حَاشَا = هذه مثل إذهب عني يا شيطان، هي طرد للفكر الردئ. فإنه من غير الممكن أن يكون الله ظالماً. فهو إن كان بره يزداد ويظهر بخطيتي فكيف يدين وكيف يحكم علي البشرية ويجازي كل واحد حسب أعماله. إذاً فهذا الفكر مرفوض.

العدد 7

آية (7): -

"7فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ صِدْقُ اللهِ قَدِ ازْدَادَ بِكَذِبِي لِمَجْدِهِ، فَلِمَاذَا أُدَانُ أَنَا بَعْدُ كَخَاطِئٍ؟".

معني الآية: - أن الله لن يستطيع أن يدين العالم إن كانت خطيتي = كذبى... تزيد بره.

بكذبى = الرسول يسمى الخطية كذب فلماذا؟ كل خطية فيها شئ من الكذب (عدو الخير يمزج جزء من الحقيقة مع جزء من الكذب). والخطية هى سلوك يخالف وصية الله، والله أعطى الوصية لا ليتحكم فى البشر بل ليحفظهم من الشرير ومن الهم والغم والذل الذى ينتج عن الخطية. ولكن الخطية مخادعة وكاذبة تَعِدْ باللذة، ولا تعطى سوى لذة للحظات يعقبها ألام الهم. وقوله هنا قَدِ ازْدَادَ بِكَذِبِي = أن خطيتى أو كذبى تظهر بالأكثر بر الله وصدقه.

والله هو الحق، والإنسان قد خُلِقَ ليحيا لله أي حسب الحق. فمن لا يعيش لله إنما يعيش لنفسه فقد ترك الحق وصار كاذباً، لأنه صار يحقق إرادة نفسه، لا إرادة الله. صار يعيش بغير ما خُلِقَ ليعيش به. ولنلاحظ أن أي إنحراف عن الحق هو كذب وضلال. ومن يجري وراء شهوته فهو في ضلال. إذاً فالخطية عموماً هي كذب أي اللا حق.

العدد 8

آية (8): -

"8أَمَا كَمَا يُفْتَرَى عَلَيْنَا، وَكَمَا يَزْعُمُ قَوْمٌ أَنَّنَا نَقُولُ: «لِنَفْعَلِ السَّيِّآتِ لِكَيْ تَأْتِيَ الْخَيْرَاتُ»؟ الَّذِينَ دَيْنُونَتُهُمْ عَادِلَةٌ.".

أَمَا كَمَا يُفْتَرَى عَلَيْنَا = هناك قوم إفتروا وظلموا بولس ونسبوا له هذه الأقوال. وقد إِتُّهِمْ رب المجد نفسه بأنه يتعاون مع بعلزبول. وإلقاء التهم علي خدام الرب هي لعبة شيطانية قديمة. فهم إفتروا علي بولس الرسول بأنه يدعو المؤمنين أن يفعلوا السيئات والأفعال الرديئة. وهؤلاء من العدل أن يدينهم الله فهم جعلوا من أنفسهم أداة في يد الشيطان.

لِنَفْعَلِ السَّيِّآتِ = هم يبررون أنفسهم فيما يفعلون.

الآيات 9 - 18: هي إدانة للكل يهود ويونانيين حتى يستد كل فم، ويطلب الكل الرحمة. الرسول يظهر هنا أن الكل أخطأ سواء يهوداً أم أمم، وصار البشر كلهم بأشد الإحتياج للمسيح فيتبرر الكل بالإيمان. والتبرير نعمة مجانية لا يسوغ معها الإفتخار بأعمال الناموس، وليس لأحد فضل في هذا التبرير. حقاً الخلاص من اليهود (يو13: 4) لأن لهم العهود ومنهم جاء المسيح. ومن آمن أو من يؤمن بالمسيح منهم حتى الآن يقبله الله.

العدد 9

آية (9): -

"9فَمَاذَا إِذًا؟ أَنَحْنُ أَفْضَلُ؟ كَّلاَ الْبَتَّةَ! لأَنَّنَا قَدْ شَكَوْنَا أَنَّ الْيَهُودَ وَالْيُونَانِيِّينَ أَجْمَعِينَ تَحْتَ الْخَطِيَّةِ.".

أَنَحْنُ = يقصد اليهود الذين دخلوا الإيمان ومنهم بولس نفسه. وهو هنا يتساءل هل نحن أفضل من الوجهة الروحية والأخلاقية من الأمم. وهو يجيب بلا. لأنه سبق وأوضح إدانة الكل سواء يهود أم أمم. شَكَوْنَا = إتهمنا وأقمنا الحجة.

الأعداد 10-11

الآيات (10 - 11): -

"10كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ. 11لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللهَ.".

لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ (مقتبسة من جا20: 7) لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ (مقتبسة من مز2: 14، 2: 53) وأيضا لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللهَ = لا يوجد شخص بار، ولا واحد. لا يوجد إنسان ما له فكر نقي غير ملتصق بالظلام، ظلام الخطيئة، أو قادر أن يدرك ويتفهم الحقائق الأخلاقية والدينية. ليس هناك إنسان ما يبحث بشوق ورغبة شديدة لكي يعرف الله ويطلب من قلبه أن يرضى الله بأن يحفظ وصاياه رافضا شهوات قلبه الخاطئة. وليس من يَجِّد ويبحث في طلب معرفة الله. وهذا ناتج عن التعلق بالشهوات الخاطئة.

وحينما يخطئ الإنسان تنطمس عيون ذهنه فلا يعود قادراً أن يري ويدرك الأسرار الإلهية. مثال ذلك آدم إذ أخطأ لم يعد قادراً أن يدرك محبة الله فإختبأ وهرب من وجه الله. وحتى الآن ليس من يفهم وليس من يطلب الله، فكم من المؤمنين يجدوا لذتهم وفرحتهم في الجلوس مع الله، من الذي إكتشف هذا؟ ليس كثيرين للأسف. ولكن الكثيرين للأسف أيضاً لا يعرفون سوي ملذات العالم وإغراءاته. لكن كلما يتنقى القلب يستطيع الإنسان أن يبصر ويدرك لذة الله (أنقياء القلب يعاينون الله) وهذا ما تفعله التوبة.

العدد 12

آية (12): -

"12الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ.".

راجع (مز3: 14 + 3: 53). حينما تركوا الله وتركوا طريق الفضيلة فسدوا.

العدد 13

آية (13): -

"13حَنْجَرَتُهُمْ قَبْرٌ مَفْتُوحٌ. بِأَلْسِنَتِهِمْ قَدْ مَكَرُوا. سِمُّ الأَصْلاَلِ تَحْتَ شِفَاهِهِمْ.

راجع (مز9: 5) (سبعينية) + (مز3: 140) حَنْجَرَتُهُمْ قَبْرٌ مَفْتُوحٌ = حنجرة هؤلاء الأشرار تشبه قبراً مفتوحاً فهم يدبرون الموت للقريب. والكلام خارج منهم له رائحة عفونة. بِأَلْسِنَتِهِمْ قَدْ مَكَرُوا = يتكلمون كلمات معسولة لأجل أغراض خبيثة. ولاحظ قول السيد عن الشيطان أنه الكذاب وأبو الكذاب، فهؤلاء يتاجرون بالكذب والخداع، وكلامهم الرديء يقطر من شفاههم الخاطئة كالسم. وفي هذا إشارة لأنهم بكلامهم يسيئون للناس ويشهرون بهم فيقتلونهم أدبياً، وربما إساءة السمعة تؤدي للقتل الجسدي. أصلال = جمع صل وهي الأفعى السامة.

الأعداد 14-18

الآيات (14 - 18): -

"14 وَفَمُهُمْ مَمْلُوءٌ لَعْنَةً وَمَرَارَةً. 15أَرْجُلُهُمْ سَرِيعَةٌ إِلَى سَفْكِ الدَّمِ. 16فِي طُرُقِهِمِ اغْتِصَابٌ وَسُحْقٌ. 17 وَطَرِيقُ السَّلاَمِ لَمْ يَعْرِفُوهُ. 18لَيْسَ خَوْفُ اللهِ قُدَّامَ عُيُونِهِمْ».".

فَمُهُمْ مَمْلُوءٌ لَعْنَةً وَمَرَارَةً (مز7: 10) كلمات لعنة علي الله والبشر. (راجع إش7: 59 + أم16: 1 + إش59: 7، 8 + مز1: 36) بالترتيب. ومن ليس عنده خوف الله يرتكب أي شر.

العدد 19

آية (19): -

"19 وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا يَقُولُهُ النَّامُوسُ فَهُوَ يُكَلِّمُ بِهِ الَّذِينَ فِي النَّامُوسِ، لِكَيْ يَسْتَدَّ كُلُّ فَمٍ، وَيَصِيرَ كُلُّ الْعَالَمِ تَحْتَ قِصَاصٍ مِنَ اللهِ.".

كل ما يقوله الناموس فهو يقوله للخاضعين للناموس أي اليهود، وهو بهذا يفضحهم ليكسر كبريائهم. أي أن الناموس الذي يفتخرون به ها هو يدينهم (لكن الناموس يفتح الجرح ويظهر مدي سوء الداخل دون أن يقدم العلاج). وبهذا ينتهي بولس بأن الجميع قد أغلق عليهم في العصيان يهوداً وأمم. اليهودية بناموس موسى، والوثنية بناموس الضمير عجزتا عن خلاص أتباعهم، وصار العالم في حاجة لإستعلان بر الله في البار الوحيد يسوع المسيح.

نلاحظ في الآيات السابقة أن بولس إستخدم آيات الناموس ليستد فم اليهود المتكبرين ولا يعترضوا.

العدد 20

آية (20): -

"20لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لاَ يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ. لأَنَّ بِالنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ الْخَطِيَّةِ.".

يقول القديس يعقوب أن "من أخطأ في واحدة فقد صار مجرماً في الكل" (يع10: 2). فمَن مِن البشر لم يخطئ في واحدة. فالناموس وضع ليحكم علي الخطايا ويدين الخطاة، ولكنه عاجز أن يبرر أحد ليقف أمام الله بلا لوم. وكان وضع الناموس لمحاصرة الخطية والخطاة تمهيداً لظهور بر الله الذي وحده له القدرة علي محو الخطية وتبرير الخاطئ بأن يولد من جديد. لأَنَّ بِالنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ الْخَطِيَّةِ = الناموس ليس علَّة الخطية ولكن بواسطة الناموس تكشف وضعنا في الحياة الروحية. الناموس هنا كالمرآة أظهر ما عليه البشرية من خطية وفساد (فالمرآة تظهر عيوب الوجه ولكنها لا تصلح هذه العيوب). ولم يستطع الناموس أن يبرر الإنسان، لأن البشر عجزوا عن أن يتمموا وصاياه. وهكذا بالناموس تأكد ما يستحقه البشر جميعاً من قصاص الله نتيجة الخطية. ومن المنطقي أن المجرم لا يستطيع أن يلجأ لقانون العقوبات (أي الناموس) الذي يدينه طالباً العفو، أمّا المنطقي أن يطلب الرحمة والغفران.

العدد 21

آية (21): -

"21 وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بِدُونِ النَّامُوسِ، مَشْهُودًا لَهُ مِنَ النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءِ.".

فشل الإنسان في أن يتبرر بناموس موسى وبالناموس الطبيعي وصار العالم في ظلام دامس وفقد الكل البر، كان هذا ليل اليوم السابع للخليقة. وَأَمَّا الآنَ = أشرق شمس البر أي أتى المسيح ليقدم لنا بر الله بإتحاده بنا فنحمل سمات الإبن فينا ويصير بره براً لنا.

بِرُّ اللهِ بِدُونِ النَّامُوسِ = بر الله أي الله مصدر كل بر فيَّ.

بِدُونِ النَّامُوسِ =.

1. لأن اليهود إستغلوا الناموس ليثبتوا بر أنفسهم (رو9: 31، 32 + 10: 3، 4) فإنتفخوا. ومثال لذلك نري بولس نفسه يقول عن نفسه أنه من جهة الناموس بلا لوم، أما في ظل النعمة فقال عن نفسه أنه أول الخطاة. ولنفهم أن علامة التوبة أن نمقت أنفسنا (حزقيال43: 20). ولماذا يمقت التائب نفسه، لأن التائب تنفتح عينه فيري كم هي نجسة خطاياه التي يفعلها، وأيضاً تنفتح عينه ليري نقاوة الله ونور الله، وفى نور المسيح الشديد يرى خطاياه أوضح فيمقت نفسه، وهذا النور جعل بولس الرسول يقول "الخطاة الذين أولهم أنا". ولكن هذا يتحول لمحبة وتسبيح للمسيح، الذي قبلني مع كل قذارتي مع أنني لا أستحق. ومن يُغفر له أكثر يحب أكثر. وهذا عكس بر الناموس الذي يسبب الكبرياء.

2. بر الله بدون الناموس ليكون للأمم كما لليهود، فبر الله كان بالإيمان والمعمودية التي فيها يموت الإنسان العتيق مع المسيح، ويقوم مع المسيح، يعطيه المسيح حياته ليكون خليقة جديدة. وهذا للكل يهود وأمم.

3. الناموس هدفه أن نصل للمسيح وطالما ظهر المسيح إنتهي دور الناموس إذ قد وصل إلي غايته العظمي. إذاً دون عمل الناموس ظهر البر الذي يهبه الله.

4. الأمم لا يعرفون الناموس = البر الذي للمسيح هو للكل يهوداً وأمماً، فكان لابد أن يكون بدون الناموس ليتبرر الأمم الذين لا يعرفون ناموس موسى.

مَشْهُودًا لَهُ مِنَ النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءِ = أي سبق الناموس والأنبياء وأخبروا عن المسيح والبر الذي بالمسيح (إش46: 12، 13 + اش 51: 4، 5 + 1: 61 - 11 + 6: 64 + دا 24: 9). إذاً كان البر الذي بالمسيح في فكر الله الأزلي وظهر في ملء الزمان.

العدد 22

آية (22): -

"22بِرُّ اللهِ بِالإِيمَانِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، إِلَى كُلِّ وَعَلَى كُلِّ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ. لأَنَّهُ لاَ فَرْقَ.".

هذا البر يُعطَى من الله بواسطة الإيمان بالمسيح يسوع (الإيمان هو المدخل وراجع المقدمة للتبرير). ولكن هناك خطوات متعددة. "فبدون المسيح لا نقدر أن نفعل شيئاً" (يو5: 15). ولاحظ أن الإيمان ليس هو الإيمان النظري بأن الله واحد مثلث الأقانيم… لكن الإيمان بأن المسيح قادر أن يعطيني حياة، وأن عمله في حياتي هو عمل قوي، وأنه إله حنون كل ما يسمح به للخير. وهذا معناه أن الخبرات الإيمانية تزداد يوماً فيوم (راجع تفسير رو17: 1) والإيمان يزداد: -.

1. بالصلاة = يا رب أعن عدم إيماني.

2. بالعشرة مع الله (صلاة / تسبيح / كتاب مقدس) وبهذا يفتح الروح القدس عينى فأعرف المسيح (يو16: 14) فتزداد محبتى له وثقتى فيه أى يزداد إيمانى به.

3. بالشكر وسط الضيقات وبلا تذمر (كو7: 2).

وهذا البر يُعطَى إلي كل الذين يؤمنون.. النعمة ستصل إِلَى كُل من يؤمن ومنسكبة من السماء عَلَى كل من يؤمن من اليهود والأمم بلاَ فَرْقَ = ولهذا لا معني أن يرفضوا بعضهم بعضاً أو يحتقروا بعضهم أو يتفاخروا علي بعضهم البعض. وهناك من فسر قول الرسولعَلَى كُل أن البر سيكون كتاج وإكليل يوضع علي رأس المؤمن. بل هو كرداء يلبسه (راجع إش61: 10 - 11) والبر هو المسيح الذى نلبسه (رو13: 14)، أى يرى الناس فينا صورة المسيح البار.

وفي نبوة واضحة عن المسيح أسماه إرمياء النبي "الرب برنا" (إر23: 5 - 8). وهذا معني الثياب البيضاء التي رآها يوحنا في رؤياه (رؤ7: 9 – 14).

بر الانسان: ليس بار ليس ولا واحد.

بر الانسان بالناموس: الله أعطى الناموس كمعين وإرشاد ولكن من حاول الإلتزام به فشل، وحينما نفذ بعض الوصايا إغتر وحسب نفسه باراً (وهذا ما يسمى البر الذاتى).

بر الله: لا يوجد بار بلا خطية سوى الله. ولا عادل سوى الله. كلمة بر وعدل هما لهما نفس المعنى.

نصير نحن بر الله فيه: (2كو5: 21) نحن فى المسيح البار نحسب أبراراً إن ثبتنا فيه. والمسيحى الحقيقى يفهم أن كل بر يعمله راجع لحياة المسيح فيه وعمل النعمة معه.

العدد 23

آية (23): -

"23إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ.".

ليس هناك تمييز لأن الجميع قد أخطأوا فإفتقروا للمجد الذي يمنحه الله. ولقد لمع وجه موسى حين رأي جزءاً من مجد الله، فماذا كان عليه مجد آدم في الفردوس. ونحن بالخطية خسرنا صورة هذا المجد وخسرنا نعمة الله، بل فقدنا رؤية الله (إش15: 45). ولنفهم أن المجد هو وجود الله وسطنا (زك5: 2). فمجده يظهر وسط أولاده، لا بل ينعكس عليهم (1يو2: 3). هذا هو مجدنا الحقيقي أن يكون الله وسطنا ويسكن فينا. والمسيح أتي ليعيد لنا صورة المجد (يو22: 17)، ويسكب علينا من نعمته وبره. نحن الآن في مجد غير ظاهر لسكني الله فينا ولكن هذا المجد سيستعلن فينا في الأبدية (رو18: 8).

إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا = نحن فقدنا صورة المجد بسبب الخطية، بل صرنا لا نحتمل أن نري مجد الله بسبب الضعف الذي حدث في طبيعتنا بسبب الخطية، فآدم لم يحتمل أن يري الله بعد أن أخطأ، لذلك إختبأ، وإستمر الضعف، حتى أن موسى حينما طلب أن يري مجد الله، قال له الله لا يراني الإنسان ويعيش (خر20: 33) هذه مثل من يريد أن ينظر للشمس ولكن ضعف عينيه لن يحتمل نور الشمس. ولذلك قال بولس الرسول أن لحماً ودماً لن يرثا ملكوت الله (1كو50: 15). فكيف نرث المجد ونحن غير قادرين علي أن نراه. هذا لن يكون إلا بعد أن نلبس الأجساد الممجدة.

العدد 24

آية (24): -

"24مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ.".

مُتَبَرِّرِينَ: راجع المقدمة.

مَجَّانًا = ليس لأن الثمن رخيص، بل لأنه لا يُقَّدر بمال. يُقال (ربما قصة رمزية للشرح) أنهم صنعوا دواء للسرطان تكلف مئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية وأرادوا أن يجربوه. وكانت امرأة هناك لها إبن مصاب بمرض خطير، وذهبت إلي هذا المستشفي طالبة العلاج لإبنها. فقالوا لها عندنا دواء تحت التجربة فقالت لهم فلنستعمله، وشفي الولد، فسألت عن ثمن العلاج، ولما كان الثمن باهظاً، وهي لا تتصور الثمن، قالوا لها أن هذا الدواء مجاناً. لذلك قال السيد "من يرد فليأخذ ماء الحياة مجاناً" (رؤ17: 22). فقط علينا أن نؤمن فنخلص بالنعمة (الإيمان مدخل وهناك خطوات أخري. راجع المقدمة).

العدد 25

آية (25): -

"25الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ، لإِظْهَارِ بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ الصَّفْحِ عَنِ الْخَطَايَا السَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ اللهِ.".

كَفَّارَةً = من COVER أي غطاء. فالمسيح غطانا بدمه، ولم يعد الآب يري من هو ثابت في المسيح، في وضعه الضعيف، بل يري المسيح نفسه فيرضي علي من هو ثابت فيه. ويشرح هذا تماماً تابوت العهد في العهد القديم فكان موضوعاً في التابوت لوحي الشريعة وهما يناديان بالموت لكل من خالف وصية مكتوبة فيهما، ومن هو الذي لم يخالف؟ ولكن كان التابوت له غطاء (كافورت من COVER) والغطاء مغطي بدم ذبيحة الكفارة، وكان الله يرضي علي الشعب ويغفر خطاياهم حين يرى الدم. كان هذا رمزاً لما عمله المسيح بصليبه، وهذا معني أن المسيح حيُّ ليشفع فينا (عب25: 7) + ليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلي الأقداس فوجد فداءً أبدياً (عب22: 9). الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ = بمعني أن الله الآب قَدَّمَ إبنه ليكون ذبيحة ويكون قُدّامه دائماً، فيغفر برحمته لمن يكون ثابتا فيه، ويعطي بره لمن يؤمن، وليكون وساطة للصلح بينه وبين الإنسان، والمدخل لكل ذلك هو الإيمان لإظهار بره = بسفك دمه أظهر المسيح عدل الله، الله الذي لا يحتمل الخطية، ولابد للخطية من عقاب، هذا العقاب تحمله المسيح. بره = عدله. السَّالِفَةِ = السابقة. مِنْ أَجْلِ الصَّفْحِ = لقد أمهل الله الأباء ولم يعاقبهم علي خطاياهم. وكان هذا بِإِمْهَالِ اللهِ = فالله لم يُرِد أن يهلك البشرية حتى يأتي المسيح ليصلح حال البشر. ونفهم من هذه الآية أن دم المسيح وفدائه شمل الأباء الأبرار من آدم للمسيح بأثر رجعي.

العدد 26

آية (26): -.

"26لإِظْهَارِ بِرِّهِ فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ، لِيَكُونَ بَارًّا وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ الإِيمَانِ بِيَسُوعَ.".

لإِظْهَارِ بِرِّهِ = لإظهار عدله، فالله لم يُسامح البشر مجاناً بل تحمل هو عقوبة الخطية. فالعدل والرحمة تلاقيا علي الصليب. فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ = أن المسيح بذل دمه كفارة، لكي يظهر عدله في الوقت الحاضر الذي هو ملء الزمان (غل4: 4). لِيَكُونَ بَارًّا = لا يوجد بار سوي الله، ولقد ظهر بره في فداء المسيح [1] عدله في عقاب الخطية إذ هو قدوس. [2] في تحقيق وعوده التي وعد بها البشر أنه سيخلصهم ويفديهم (إش44: 22، 24). [3] فى كون المسيح يعطينا حياته فتكون لنا إمكانية أن نحيا فى البر = وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ الإِيمَانِ. ولاحظ أن الآية السابقة تظهر أن المسيح برر الأباء الذين أتوا من قبله، بدمه، وهذه الآية تظهر أن التبرير بدمه سيكون لكل من يؤمن حتى إنقضاء الدهر. لأنه هكذا هو بار، ورحمته ستشمل كل البشرية وهذا التبرير سهل المنال لكل من يؤمن (هذا هو المدخل) ويكون شاعراً بالإحتياج لهذا التبرير.

وهذا هو تفسير رجوع الشمس أيام حزقيا الملك، فهذا يعنى أن بر المسيح شمل أبرار العهد القديم، ثم تعود الشمس لمسارها الطبيعى فيشمل بر المسيح من يؤمن لنهاية الزمان.

العدد 27

آية (27): -

"27فَأَيْنَ الافْتِخَارُ؟ قَدِ انْتَفَى. بِأَيِّ نَامُوسٍ؟ أَبِنَامُوسِ الأَعْمَالِ؟ كَّلاَّ. بَلْ بِنَامُوسِ الإِيمَانِ.".

أَيْنَ الافْتِخَارُ = بعد ما فهمناه أن التبرير يكون بالإيمان بدم المسيح فبماذا نفتخر، أنفتخر بناموس موسى؟ هذا الذي يحكم علينا بالموت!! أو نفتخر بناموس الأعمال؟ هل نفتخر بأعمالنا؟ وهل أعمالنا كانت تعطي لنا حياة؟!. بل نفتخر بعمل المسيح الذي أعطانا حياة نحصل عليها بالإيمان نَامُوسِ الإِيمَانِ = ناموس أي قانون. فالإيمان ليس فوضي، بل له قانون نلتزم به، هو ناموس الحب والحرية، هو إيمان عامل بمحبة (غل6: 5). وهو تدبير الروح الجاد المدقق.

ولاحظ أن قول بولس هذا هو قول رجل عيناه مفتوحتان، فهو كان يقول "من جهة الناموس أنا بلا لوم" (في6: 3) وبعد النعمة إنفتحت عيناه، فقال "الخطاة الذين أولهم أنا" (1تي15: 1) وإذ شعر بخطاياه فهم أن أعماله لا تخلِّص ولا تعطي حياة.

العدد 28

آية (28): -

"28إِذًا نَحْسِبُ أَنَّ الإِنْسَانَ يَتَبَرَّرُ بِالإِيمَانِ بِدُونِ أَعْمَالِ النَّامُوسِ.".

لأنه لو كان للناموس فاعلية لظهرت قبل مجيء المسيح. والناموس هنا أي التطهيرات والغسلات والختان. ولكن هذا لا يُفهم منه أن الرسول يريد أن يبطل الوصايا الأخلاقية كالوصايا العشر مثلاً.

العدد 29

آية (29): -

"29أَمِ اللهُ لِلْيَهُودِ فَقَطْ؟ أَلَيْسَ لِلأُمَمِ أَيْضًا؟ بَلَى، لِلأُمَمِ أَيْضًا.".

بولس يوضح لليهود أن إحتقارهم للأمم يهين مجد الله، لأنهم يريدونه إلهاً لهم وحدهم، ولا يريدونه إلهاً للجميع، فإن كان إلهاً للجميع، يحاسب الجميع ويضبط الجميع وخالق الجميع، فهو كإله للجميع فإنه عليه أن يهتم بالجميع ويخلِّص الجميع بذات الطريق أي الإيمان.

أَمِ اللهُ لِلْيَهُودِ = بولس هنا يكلم اليهود الذين آمنوا بالمسيح قائلاً، إذا كنتم قد فهمتم أن الخلاص ليس بالناموس ولا بالأعمال، بل بالإيمان، فالأمم أيضاً يمكنهم الخلاص بنفس الشرط أي الإيمان.

العدد 30

آية (30): -

"30لأَنَّ اللهَ وَاحِدٌ، هُوَ الَّذِي سَيُبَرِّرُ الْخِتَانَ بِالإِيمَانِ وَالْغُرْلَةَ بِالإِيمَانِ.".

الله واحد لليهود وللأمم، وسيبرر كليهما بالإيمان بالمسيح يسوع.

العدد 31

آية (31): -

"31أَفَنُبْطِلُ النَّامُوسَ بِالإِيمَانِ؟ حَاشَا! بَلْ نُثَبِّتُ النَّامُوسَ.".

هذه الآية تظهر إرتباط العهدين، فالله أوحي بهما كليهما. والسيد المسيح قال "ما جئت لانقض بل لأكمل" (مت5: 17، 18). وكما فهمنا فإن الناموس يعجز عن تحقيق الخلاص. ولكن بولس يثبته فلماذا؟

  1. لأنه بالإيمان تتحقق غاية الناموس في أن يتبرر الإنسان (رو4: 8) ولكن ليس بالناموس وحده بل بالمسيح. بل إن غاية الناموس هو المسيح (رو4: 10). فمن يتبع الناموس لابد وسيصل للمسيح، وأكبر دليل علي ذلك هم تلاميذ المسيح، الذين عاشوا في بساطتهم متبعين وصايا الناموس بلا كبرياء لذلك عرفوا المسيح، أمّا الكهنة والفريسيين فهم عاشوا ليثبتوا بر أنفسهم فلم يعرفوا المسيح لأن عينهم كانت مثبتة على أنفسهم وليس على الله.
  2. الناموس يفضح خطايانا ويظهر ضعفاتنا وعدم قدرتنا أن نحفظ وصاياه فنلجأ للمسيح، الناموس يعلن إحتياجنا الدائم للمسيح.
  3. بالمسيح نكون كاملين كما أراد الناموس.
  4. الناموس سبق وتحدث عن المواعيد التي حققها المسيح.
  5. المسيح صلب ليصفح عن خطايا تعدياتنا ضد الناموس.
  6. الناموس مرشد لنا في جهادنا. فعلينا أن نتبع الوصايا الأخلاقية فيه.

نفهم مما سبق أن العكس هو الصحيح، فعدم الإيمان بالمسيح يبطل الناموس لأن الناموس يشهد للمسيح. بل نفهم أننا نثبت الناموس فشهادة الناموس بنبواته عن المسيح هي إثبات لفكر الله الأزلي عن الفداء الذي بالمسيح. وهي شهادة لليهود وللجميع عن المسيح فالنبوات تحمل صورة واضحة عن المسيح منذ ميلاده حتي صعوده.

الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ (رو3: 23).

ماذا تعني كلمة خطية؟

خطية باليونانية هى من يخطئ الهدف ولايصيبه فتضيع منه المكافأة.

وروحياً فكل من يخالف وصايا الله فهذا خطية عليه لذلك تضيع منه المكافأة.

وما هى المكافأة؟ هى مجد الله. وهذا معنى أعوزهم مجد الله، أى حرموا أنفسهم من مجد الله، والوجود في حضرته، إذ لاشركة للنور مع الظلمة. (كلمة معوز أى فاقد للشئ أو فقير إليه).

لماذا أعطى الله الوصية؟

الله لايريد أن يتحكم في الناس يل يريد للناس أن يتمتعوا بالمجد الذي يريده لهم. ولما كان الله قد خلقنا أحراراً على صورته كان لابد أن يعطينا الوصية كإرشاد لنا حتى لانفقد هذا المجد، فالوصية هى أفضل ماأعده الله للإنسان وبها نصل للمجد، فلا نعود معوزين للمجد (حز20: 11). الله لم يقل أنه شق لهم البحر أو حررهم من مصر.... إلخ بل الله يرى أن أفضل ما أعطاه لهم هو الوصية إذ هى طريق الحياة والمجد. إذاً إن قلنا أن الهدف هو أن نحصل على مايريده الله لنا، فلنرى كيف خلقنا الله:

  1. لنحيا أبديا: الله أعطانا حياة لنحيا إلى الأبد. هذا إن أكلنا من شجرة الحياة، وشجرة الحياة معناها الإتحاد بالله.
  2. لنكون فى مجده: كنا في حضرة الله في مجد منعكس علينا من مجد الله.
  3. لنفرح: الله خلقنا فى جنة عَدْن وكلمة عَدْن تعني فرح، فالله يريد لنا أن نفرح.

إذاً الله يريد لنا: 1 - حياة أبدية 2 - مجد 3 - فرح.

ولما أخطأنا أى إخترنا إختياراً خاطئاً فقدنا الهدف.

  1. حين إنفصلنا عن الله إذ لاشركة للنور مع الظلمة، والله حياة، خسرنا الحياة ودخل الموت إلى العالم. وهذا معنى شجرة معرفة الخير والشر، فتذوُقنا للخطية جعلنا ننفصل عن الله ونموت، لأن الله حياة. وكان هذا إختياراً حراً لكنه خاطئ إذ ضاعت المكافأة، إذ ضاع الهدف الذي أراده الله.
  2. فقدنا المجد إذ ما عدنا نرى الله، ولا عاد مجده ينعكس علينا.
  3. طُردنا من جنة الفرح وصرنا في حزن في العالم.

فماذا حدث حين ضاع الفرح من الإنسان؟

إستبدل الإنسان الفرح الحقيقي الذي يعطيه الله بشئ آخر هو الملذات الحسية وأسماها عن طريق الخطأ فرح، لذلك فبعد الخطية مباشرة نسمع "فإنفتحت أعينهما وعَلِما أنهما عريانان" (تك3: 6، 7) لكن مع الملذات الحسية دخل الحزن والشقاء.

إذاً الخطية هى أن نبحث عما نريده نحن لا ما يريده الله فننفصل عن الله،.

ويضيع منا كل ما أعده لنا الله.

وما يريده الله هو القداسة ومعناها أن نرتفع عن كل ماهو خاطئ في الأرض طالبين الحياة السماوية (1تس4: 3).

ولم يتركنا الله.......... وتجسد المسيح.

  1. ليتحد بطبيعتنا، ولكن مازالت لنا الحرية، لذلك يقول "إثبتوا فىَّ وأنا فيكم" (يو15: 4). ولأن المسيح حياة، فسنحيا للأبد.
  2. إذ صار المسيح فينا، عاد لنا المجد "أكون مجداً في وسطها" (زك2: 5). ولكنه مجد غير مُعلن الآن (رو8: 18). والمسيح بتجسده تمجد بالجسد ليعطينا نحن أن نتمجد بهذا المجد قارن الآيتين (يو17: 5) و(17: 22).
  3. أعاد المسيح لنا الفرح بالرغم من الحزن الذي في العالم (يو16: 22) وهذه إرادة الله أن نفرح لذلك يقول بولس الرسول "إفرحوا في الرب كل حين وأيضاً أقول لكم إفرحوا" (في4: 4) يقول هذا وهو في السجن مقيد بسلاسل. وهذه هى النصرة في المسيحية أن ينتصر الفرح الذي فينا بالرغم من الآلام الخارجية = الفرح ينتصر على الألام الخارجية مهما كانت شدة هذه الألام. بل صارت الألام سبب تعزية وفرح إذ أن المتألم يجد المسيح يحتضنه "شماله تحت رأسى ويمينه تعانقنى" (نش2: 6)، وما أحلاها من شركة، ومن حلاوة هذه الشركة قال بولس الرسول "وهب لكم من أجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أن تتألموا لأجله" (فى1: 29).

وأرسل المسيح لنا الروح القدس.

  1. ليثبتنا فيه بأن يُبكتنا لو أخطأنا (يو16: 8) ويُعيننا (رو8: 26) وبهذا يظل إتحادنا بالمسيح الذي يبدأ بالمعمودية ثم الأسرار التي هى عمل الروح القدس ثم المساعدة على الثبات في المسيح عن طريق التبكيت والمعونة.
  2. وجود المسيح فينا وثباتنا فيه يجعلنا أحياء، ولو وُجدت الحياة يوجد ثمار، ومن ثمار الروح القدس الفرح.
  3. الروح القدس يوجهنا للمسيح ويحكي لنا عنه (يو16: 14) فندرك حلاوته إذ عرفناه، فنبحث عنه عن حب إذ عرفناه. وهذا معنى ظهور الروح القدس يوم المعمودية على هيئة حمامة التي تشير للبساطة.
  4. كلمة بساطة بالإنجليزية = SINGLE HEARTED.

أى يكون لنا هدف واحد هو أن نتجه إلى المسيح كما يعود الحمام الزاجل إلى بيته. بقلب واحد غير منقسم بين البحث عن المسيح والبحث عن الخطية "ياإبني إعطني قلبك" (أم23: 26). وبهذا نثبت في المسيح. ولانطلب سواه، والمسيح نور، فنستنير ونكون نوراً (مت6: 22).

ولكن هذا يتطلب أن لانقاوم الروح القدس...... فهل نسمع له؟!

فالإنسان كان ومايزال حُراً تماماً.

فهل تريد أن تبرأ (يو5: 6).

تسلسل عمل الله مع البشر.

  1. خلق الله آدم عل صورته والله محبة، فكان قلب آدم مملوء محبة.
  1. الله يقول لذاتي في بنى آدم (أم8: 31) لذلك كان آدم الذي على صورة الله يحب الله، ويجد لذته في الله.
  2. والفرح كان نتيجة هذا. لذلك كان آدم في جنة عَدْن وعَدْن كلمة عبرية تعنى فرح. أى كان آدم يحيا في فرح.
  3. كان آدم يطيع الله عن حب، والقلب المملوء حباً يُسمى قلب لحم. هكذا جبل الله الإنسان والوصايا مطبوعة على قلبه اللحمي وهذا مايُسمى الضمير أو الناموس الطبيعي.
  4. سقط آدم، وبدأ يهرب من الله بل بدأ حُب العالم يدخل لقلب البشر (بني آدم). ولكثرة الإثم تبرد المحبة (مت 24: 12). وتحول القلب إلى قلب حجر، وماعاد البشر يحبون الله وإختفى الفرح، وحلت اللذة الخادعة مكان الفرح. وإعتاد الإنسان الخطية. وصار يشرب الإثم كالماء (أى15: 16).
  5. الله المحب للبشر يعلم أن الخطية تُهلك. وكان أن أعطى الله للإنسان (الناموس عوناً). ولكنه أعطاه الناموس على لوحى حجر كطبيعة قلب الإنسان الحجرية.
  6. وعَدَ الله الإنسان أنه سيأتي يوم ويحول له قلب الحجر إلى قلب لحم (حز36: 26). ووعد آخر بأن يعود ويكتب الوصية على القلب (إر31: 33) والمعنى واحد فالقلب اللحم هو قلب مملوء محبة، ويطيع الله لأنه يحب الله (يو14: 23).
  7. وكان الفداء، وحل الروح القدس على المؤمن المُعمَّد، ليسكب محبة الله في القلوب ويحولها لقلوب لحم. وصار تنفيذ الوصية سهلاً (عب12: 1). فكل من يحب المسيح يطيعه (يو14: 15، 23).

9 - مَن له ثمار الروح فهو مملوء من حب الله لذلك لايحتاج لوصايا الناموس، فهى مطبوعة على قلبه اللحمي كما قال بولس الرسول (غل5: 22، 23). والمقصود ليس أن يلغي الناموس، ولكن الناموس هو مُرشد لكل واحد. ولكن ليس خوفاً من عقوبات ينفذ الوصايا بل محبة لله.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الرابع - تفسير الرسالة إلى رومية - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح الثاني - تفسير الرسالة إلى رومية - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير الرسالة إلى رومية الأصحاح 3
تفاسير الرسالة إلى رومية الأصحاح 3