الأصحاح الثالث والثلاثون – ملخص الرحلة – سفر العدد – القمص تادرس يعقوب ملطي

هذا الفصل هو جزء من كتاب: 04- تفسير سفر العدد – القمص تادرس يعقوب ملطي.

إضغط للذهاب لصفحة التحميل

الأصحاح الثالث والثلاثون – ملخص الرحلة

لقد صدر الأمر الإلهي لموسى النبي أن يسجل صورة مختصرة للرحلة منذ إنطلاقها من أرض مصر حتى بلغت عربات موآب شرق الأردن استعدادا للدخول إلى أرض الموعد.

١ – الأمر الإلهي بتسجيل الرحلة ١ - ٢.

٢ – محطات الرحلة ٣ - ٤٩.

٣ – الاستعداد للعبور ٥٠ - ٥٦.

الأعداد 1-2

١ – الأمر الإلهي بتسجيل الرحلة

"هَذِهِ رِحْلاتُ بَنِي إِسْرَائِيل الذِينَ خَرَجُوا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِجُنُودِهِمْ عَنْ يَدِ مُوسَى وَهَارُونَ. وَكَتَبَ مُوسَى مَخَارِجَهُمْ بِرِحْلاتِهِمْ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ" (ع١، ٢).

لقد سبق فسجل موسى هذه الرحلات بشيء من التفصيل في سفري الخروج والعدد، فما الحاجة لها الملخص المقتضب للرحلة؟

أولاً: إن ما فعله موسى النبي لم يكن من ذاته بل يقول "حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ"، أي ما جاء إستجابة لأمرٍ إلهي. ولعله كما أمر الله بالإحصاء مرتين، الإحصاء الأول في بدء الرحلة في السنة الثانية من بدء الشهر الثاني، والثاني قبيل دخولهم أرض الموعد، هكذا سمح بتسجيل الرحلات مرتين، المرة الأولى يقدم تفاصيل معاملات الله مع الإنسان، والمرة الثانية أيضًا قبيل دخولهم أرض الموعد من أجل التذكرة. وكما يقول موسى النبي: "وتتذكر كل الطريق التي فيها سار بك الرب إلهك هذه الأربعين سنة في القفر لكي يذلك ويجربك ليعرف ما في قلبك أتحفظ وصاياه أم لا" (تث٨: ٢).

في التسجيل الأول كان يقدم لنا تفاصيل معاملات الله معنا وتذمرات الإنسان ضده لكي يبعث فينا روح الجهاد والغلبة، فنكون دائمًا في تحرك مستمر بغير توقف مجاهدين من أجل بلوغ أورشليم العليا، أما التسجيل الثاني فيمثل أنشودة أو تسبيحًا للرب.

ثانيًا: في السجل المقتضب ظهر تحرك الإنسان في برية هذا العالم، تارة يتقدم خطوات وأخرى يتراجع، لكنه ما دام تحت قيادة الله نفسه المظلل عليه كسحابة والمنير له الطريق كعمود نار، حتمًا يبلغ هدفه ويحقق رسالته. حقًا إن طريق الله هو أكثر الطرق أمانًا حتى وإن كان ليس أقصر الطرق ولا أسهلها.

ثالثًا: من يتطلع إلى هذا الأصحاح يظن لأول وهلة أنه يحوي أسماء بلادٍ وسهول وتلال وجبال مع ذكر لآبار ونخيل... أمور قد يظنها البعض لا نفع لنا بمعرفتها. لكن العلامة أوريجينوس يعلق على ذلك في حديث طويل جدًا نقتطف منه العبارة التالية: [الدرس الذي بين أيدينا يبدو صعب الفهم وبلا فائدة للقراءة، لكننا لا نستطيع القول بأنه يوجد في كتابات الروح القدس شيء بلا نفع وزائد، حتى وإن بدى بالنسبة للبعض غامضًا. إنما يلزمنا بالحري أن نوجه عيون ذكائنا نحو (الرب) الذي أمر بالكتابة، ونطلب منه المعنى[282]].

في إختصار يرى العلامة أوريجينوس أن البعض يتطلعون إلى هذا العرض كشيء بلا نفع وزائد، فيكون مثلهم مثل الأسد الذي لا يأكل العشب بل اللحوم فيرى في وجود العشب على الأرض أمرًا لا نفع منه، بينما الماشية وهي تأكل العشب تجد شبعها في العشب بينما تظن في غيره من الأطعمة أنه بلا نفع. هكذا للإنسان طعام، وللحيوانات المفترسة طعام والحيوانات البرية طعام والطيور طعام، فالأطعمة متنوعة لا شباع الكل. هكذا في الكتاب المقدس نجد أطعمة كثيرة تشبع هذا وذاك، فما يظنه إنسان أنه بلا نفع يجد غيره فيه لذته وشبعه. وقد قدم العلامة أمثلة لنفع هذا الأصحاح لعمل رمزي لخلاصنا وتحريرنا من أرض العبودية إلى كنعان السماوية، إذ يحمل كل اسم مدينة أو جبل أو سهل... الخ، مفهومًا روحيًا في طريق خلاصنا.

وصف موسى النبي الرحلة بقوله: "خَرَجُوا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِجُنُودِهِمْ عَنْ يَدِ مُوسَى وَهَرُونَ" (ع١). لقد خرجوا كرجال حرب روحيين بقيادة موسى وهرون ليسوا هاربين في عجلة إنما تحت قيادة الله نفسه خلال وصيته (موسى) وذبيحته المقدسة (هرون الكاهن)، إذ يقول إشعياء النبي: "لأنكم لا تخرجون بالعجلة وتذهبون هاربين، لأن الرب سائر أمامكم وإله إسرائيل يجمع ساقتكم" (إش٥٢: ١٢). لقد ظهروا كهاربين لكن خروجهم في أعماقه يحمل خطة إلهية تسلم الرب تنفيذها نفسه.

الأعداد 3-49

٢ – محطات الرحلة

سجل لنا موسى النبي ٤٢ محطة تنتهي بدخولهم أرض الموعد. هذا يذكرنا بقول الإنجيلي "فجميع الأجيال من إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلاً، ومن داود إلى سبي بابل أربعة عشر جيلاً، ومن سبي بابل إلى المسيح أربعة عشر جيلاً" (مت١: ١٧). وكأن الأجيال من إبراهيم أب الآباء إلى السيد المسيح ٤٢ جيلاً، مطابقًا عدد المحطات التي عبر بها الشعب قديمًا في إنطلاقه من مصر إلى أورشليم. كأن هذه المحطات تمثل الخلاص وتاريخه خلال البشرية. لقد خرج بنو إسرائيل من مصر بجنودهم، أي يحملون قوة للجهاد الروحي، هذه القوة في حقيقتها هي السيد المسيح الذي عبر بالبشرية خلال التاريخ كسرّ قوتهم حتى ظهر بتجسده بعد إثنين وأربعين جيلاً.

هذا من جهة العدد أما من جهة أسماء المحطات فتحمل عملاً رمزيًا مستمرًا يرفع النفس من حالة العبودية للعبور بها إلى أعالي السموات. لهذا يسميها العلامة أوريجينوس [مركبة من كلمات غامضة]. هذه المركبة تعبر بنا من قوة إلى قوة (مز٨٤: ٧) ومن مجدٍ إلى مجد، يتخللها آلام كثيرة وتجارب تزيد من قوتنا الروحية وأمجادنا... وفيما يلي ملخص لأسماء المحطات الإثنين والأربعين الواردة في هذا الأصحاح وما تحمله من معانٍ رمزية:

  1. رَعَمْسِيس: اسم مصري قديم يعني "ابن إله الشمس (رع)" كما يعني "بيت رمسيس"، إذ بناها رمسيس الثاني كعاصمة للدلتا، في حدود مصر الشرقية وسمها باسمه. يظهر من (تك٤٧: ١١) أنها في أرض جاسان، تسمى حاليًا "صالحجر" أو "صان الحجر" الأرجح أنها أحدى مدن المخازن التي بناها الإسرائيليون في مصر (خر١: ١١).

يرى العلامة أوريجينوس أنها تعني "بلد الفساد[283]" أو "إضطراب مزعج" أو "إضطراب بالبرغوث[284]". تبدأ الرحلة بالإنطلاق من موقع الفساد، مكان العثرة والخطية، حيث تكون النفس في حالة إضطراب. في هذا الموضع يدفن الأشرار أبكارهم (ع٤) ويفقدون سلامهم، لهذا يهرب المؤمنون منها. يقول العلامة أوريجينوس: [كل ما في العالم يسقط فريسة للإضطراب والقلق والفساد، الأمور الممثلة في البرغوث. لهذا يجب على النفس ألاَّ تمكث فيه (محبة العالم وإغراءاته) بل ترحل منه إلى سكوت[285]].

  1. سُكُّوت: اسم عبراني يعني "مظلات" أو "خيام"، تقع غالبًا في وادي الطميلات، ظن البعض أنها المدينة المحيطة بفيثوم، لكن الرأي الغالب أنها تل المسخوطة في نهاية شرق وادي الطميلات[286].

من الناحية الرمزية إذ تنطلق النفس من رعمسيس حيث الإضطراب الداخلي تنطلق إلى سكوت (الخيام) لتعيش متغربة لا تستريح حتى تبلغ حضن الآب السماوي مستقرة في المسيح يسوع ربها. يقول العلامة أوريجينوس: [إذ تنفض عنك صدأ الفساد وتبتعد عن مجال الرذيلة اسكن في الخيام، هذه التي لا نريد أن نخلعها بل نلبس فوقها (٢كو٥: ٤). يسكن في الخيام من يركض نحو الله حرًا بلا قيود ولا أحمال[287]]. وأيضًا: [أول تقدم للنفس هو أن تتلخص من الإضطراب الأرضي وتعرف أنه يجب عليها أن تسكن في الخيمة كالبدو الرحل، فتكون كجندي تحت السلاح مستعد لمواجهة الأعداء (الروحيين) ومتيقظ وغير مرتبك[288]].

  1. إِيثَام: شرقي مدينة سكوت (تل المسخوطة) على طرف البرية في نهاية الطرف الشرقي لوادي الطميلات. أمام برية إيثام فتقع شرقي إيثام. ويُظن أن إيثام كانت بالقرب من مدينة الإسماعيلية الحالية.

يرى العلامة أوريجينوس أن كلمة "إيثام" تعني "علامة[289]" أو "مضيق[290]" وهي المحطة الثالثة في الرحلة، لهذا يرى العلامة أوريجينوس أنها تحمل رمز قيامة المسيح في اليوم الثالث. فعند بلوغهم هذه المحطة جاءوا إلى حافة البرية، واستطاعوا أن يتمتعوا بظل الحياة المقامة مع السيد المسيح، إذ رأوا الله يظللهم كسحابة في النهار، وينير لهم الطريق ليلاً كعمود نار. هذه العلامة التي لهذه الرحلة، أو هذه هي الرؤيا... إنها رحلة القيامة مع السيد المسيح التي سبق لنا الحديث عنها[291].

يعلق العلامة أوريجينوس على معنى إيثام كمضيق بقوله: [يجب علينا في المضيق أن نحتمل مصارعة عظيمة وإعلان قتال ضد الشيطان وسلاطينه المضادة. هكذا حارب إبراهيم في وادي (عمق) السديم (تك١٤: ٨) ملوكًا أشرارًا وغلبهم. إذن سياحتنا هي نزول إلى سكان الأعماق والأماكن السفلية (المضيق) لا لكي نبطيء هناك إنما لكي نحصل على الغلبة].

إذن دخولنا إيثام إنما هو دخول إلى الحياة المقامة في المسيح يسوع ربنا حيث نغلب به إبليس الساكن في الأعماق السفلية أو المضيق.

  1. فَمِ الحِيرُوث: أو فيهوحيروث: يظن الأب هابيل Pére Abel أنها في مستنقعات جنفه Jeneffeh على حافة الممر بين الجبل والبحيرة المرة[292]. تقع بين مجدل والبحر أمام بعل صفون (خر١٤: ٩). وقد سبق أن عرضنا التفسير الرمزي لهذا الاسم وموقعه، إذ يرى العلامة أوريجينوس أن "فم الحيروث" تعني "الصعود القاسي أو القفر"، وأنها تقع بين مجدل التي تعني "برج" والذي يشير إلى ضرورة حساب نفقته (لو١٤: ٢٨)، والبحر يشير إلى أمواج التجارب المستمرة، أما كونها أمام بعل صفون[293] التي تشير إلى "الصعود بسرعة أو بخفة"، إنما يعني أن الإنسان إذ يدخل البرية يلزمه أن يقبل الصعود القاسي أو القفر، واضعًا أمام عيني قلبه حساب النفقة، متقبلاً التجارب غير المنقطعة، مسرعًا في الجهاد غير متباطيء في حياته الروحية[294].

هذا ملخص ما قدمه لنا أوريجينوس في عظاته على سفر الخروج لكنه يعود فيقدم لنا تفسيرًا آخر أثناء عظاته على سفر العدد. إنه يرى في "فم الحيروث" معنى "فم الكفور"، أي مدخل أو فم البلاد الصغيرة التي تحسب كفورًا لا مدنًا. وكأن "فم الحيروث" تعني الدخول إلى البلاد الصغيرة الضيقة حتى لا يوجد ترف المدن الكبرى بل التقشف والزهد. فإن كانت هذه هي أول محطة في البرية بعد الخروج من إيثام آخر حدود مصر في ذلك الوقت فإنه يجب علينا أن نصعد إلى فم الضيق والتعب والألم، نصعد خلال الكفور الضيقة متجهين نحو مدينة الله العظمى، أورشليم العليا. أما كونها تقع بين مجدل والبحر، فإن "مجدل" تعني "برج" كما تعني "مجد"، فالمؤمن يدخل إلى الضيق ناظرًا إلى الأمجاد السماوية كدافع لجهاده المستمر غير متخوف من أمواج بحر هذا العالم.

  1. مَارَّة: إسم عبراني يعني "مرّ" أو "مرارة". وهي عين مياه مرة جدًا بلغها الشعب بعد عبورهم بحر سوف حوالي ثلاثة أيام. مرارة المياه جعلت الشعب يدرك مدى صعوبة الرحلة فتذمروا، ولكن الله أمر موسى النبي أن يلقي بخشبة في المياه فتصير حلوة (خر١٥: ٢٣ - ٢٦). تقع هذه العين في برية شور في الطريق إلى سيناء، غالبًا هي عين حوارة، تبعد حوالي ٤٧ ميلاً من السويس، وبضعة أميال قليلة من البحر الأحمر تفصلها عنه سلسلة تلال. عمق العين حوالي ٢٥ قدمًا وإن كان الإتساع يزداد في العمق. تربة هذه المنطقة بها نسبة عالية من الصودا ومياهها مالحة ومرّة[295].

إذ دخلوا في برية إيثام ثلاثة أيام التقوا بالمياه المرة التي صارت خلال الخشبة عذبة ومروية، إشارة إلى تمتع المؤمن بالحياة المقامة في المسيح يسوع خلال دفنه في مياه المعمودية المقدسة ثلاث مرات باسم الثالوث القدوس، هكذا يتحول الدفن إلى قيامة، ويصلب الإنسان القديم بأعماله المره ويظهر الإنسان الجديد الذي على صورة خالقه. هنا أيضًا يشرب المؤمن مياه الناموس فلا يجدها مرة خلال الحرف القاتل بل عذبة ومروية خلال نعمة الصليب الخشبة المحيية[296].

  1. إِيلِيم: إسم عبري يعني أشجارًا ضخمة مثل السنديان والنخيل والبطم. تعرف حاليًا بواحة وادي غرند، على بعد ٦٣ ميلاً من السويس، بها أشجار نخيل ونبات الطرفاء (عبل) وشجر السنط. عبر إليها الشعب القديم بعد مارة فوجدوا بها ١٢ عين ماء و١٧٠ نخلة (خر١٥: ٢٧؛ ١٦: ١)، فكان ذلك إشارة إلى إنطلاق النفس من مرارة الناحية (مارة) إلى الحياة الإنجيلية الغنية خلال الإثني عشر تلميذًا والسبعين رسولاً. إنها رحلة النفس من حرفية الناموس المرة إلى عذوبة الفهم الروحي الإنجيلي. فلا يكفي للإنسان أن يشرب من مياه الناموس حتى بعد تحوله إلى ماء حلو خلال خشبة الصليب إنما يلزمه أن ينهل من المياه الإنجيلية الرسولية ويتمتع بالطعام الجديد[297].
  2. شواطيء بَحْرِ سُوف: "ارْتَحَلُوا مِنْ إِيلِيمَ وَنَزَلُوا عَلى بَحْرِ سُوفَ" (ع١٠). قلنا أن سوف تعني "قصب الغاب"، لأن المنطقة الشمالية للبحر من جانب صر كان يمثل مجموعة من المستنقعات يتكثر حولها قصب الغاب.

إذ بلغ الشعب إيليم وتمتعوا بالحياة الإنجيلية الرسولية إلتزموا ألاَّ يعبروا بحر سوف مرة أخرى بل ينزلوا على شواطئه. إنهم دخلوه مرة واحدة إشارة إلى المعمودية التي لن تتكرر حتى إن أنكر المؤمن إيمانه وعاد مرة أخرى بالتوبة، فإنه لا ينزل إليها بل ينزل إلى جوارها خلال التوبة ليستعيد عمله فيها. لهذا يقول الرسول بولس: "لأن الذين استنيروا مرة (نالوا المعمودية التي هي سرّ الإستنارة) وذاقوا الموهبة السماوية وصاروا شركاء الروح القدس، وذاقوا كلمة الله الصالحة وقوت الدهر الآتي، وسقطوا لا يمكن تجديدهم (أي لا تُعاد معموديتهم التي هي سرّ تجديد الطبيعة) أيضًا للتوبة، إذ هم يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية ويشهرونه" (عب٦: ٤ - ٦). يقول القديس كيرلس الأورشليمي: [إننا لا ننال المعمودية مرتين أو ثلاثة... لأنه يوجد "رب واحد وإيمان واحد ومعمودية واحدة" (أف٤: ٥)، فلا تعاد إلاَّ معمودية الهراطقة إذ لا تحسب معمودية[298]]. ويقول العلامة ترتليان: [لا يمكن إعادة السرّ[299]].

إنهم يعسكرون على شاطيء البحر يذكرون عمل الله العجيب خلال المياه المقدسة، كيف خلصهم من فرعون وحطم الشيطان وكل قواته الشريرة، هذا والوقوف بجانب البحر يذكرهم أيضًا بالأمواج الشديدة التي يتعرضون لها خلال رحلتهم لكنهم لا يخافونها بل يذكرون خلاصهم.

  1. بَرِّيَّةِ سِين: وهي غير برية صين. وهي غالبًا كلمة أكادية مشتقة من إله القمر "سين". غالبا مكانها الآن دبة الرملة وهي كومة رمال في الجنوب الغربي من الداخل عند شبه جزيرة عند سفح جبل التيه. فيها أنزل الله المن للشعب لأول مرة.

يرى العلامة أوريجينوس أن "سين" تعني "عليقة" أو "تجربة"، وهو يربط بين المعنيين معًا. فإذا ينزل الإنسان إلى شواطيء بحر سوف يتأمل أعمال الله معه خلال مياه المعمودية إنما يذكر العليقة التي تشير إلى التجسد الإلهي والصلب والقيامة فينفتح أمامه الرجاء في الخيرات الحقيقية، إذ يقول العلامة: [يبدأ الرجاء في الخيرات الحقيقية يتبسم لك، لكن من يأتي هذا الرجاء؟ إنه في العليقة التي ظهر فيها الرب وتحدث مع موسى، وكان ذلك أول ظهورات الله لبني إسرائيل[300]]. ولما كانت "سين" تعني أيضًا "التجربة" فإننا إذ نتطلع إلى العليقة يلزمنا أن نميز بين الرؤيا الحقيقية التي من الله والرؤيا المخادعة التي يجربنا بها الشيطان، هذا الذي يحول شكله إلى ملاك نور ليخدعنا (٢كو١١: ٤). ولهذا عندما رأى يشوع بن نون رؤيا، سأل في الحال: "هل لنا أنت أو لأعدائنا؟" (يش٥: ١٣). كأن من يبلغ هذه المحطة الثامنة يلزمه أن يحمل روح التمييز ليتقبل الرؤي الإلهية ويفرزها، فلا يسقط في تجارب إبليس وفخاخه.

  1. دُفْقَة: إسم عبراني غالبًا يعني "سوق المواشي"، وهي في الطريق بين البحر الأحمر ورفيديم، ربنا في سرابية الخادم أو بجوار وادي المغارة[301]. يرى العلامة أوريجينوس أن "دفقة تعني في العبرية" صحة "فإن النفس التي تدخل إلى برية سين وتمحص بالتجارب ويكون لها روح التمييز الذي يفرز ما هو لله مما هو من الشيطان تُشفى من كثير من الأمراض الروحية وتتمتع بالصحة. حقًا إن لكثير من أمراضنا الروحية إنما هو ثمرة عدم تمييزنا الروحي.

في دفقة تدرك النفس مسيحها ك؛ كطبيب لها فترنم، قائلة: "باركي يا نفسي الرب، وكل ما في باطني ليبارك إسمه القدوس... الذي يغفر لك ذنوبك، الذي يشفي كل أمراضك" (مز١٠٣: ١ - ٣).

  1. أَلُوش: بالقرب من رفيديم، يرى العلامة أوريجينوس أنها تعني "أعمال". فإذ تدخل النفس إلى دفقة أي إلى الصحة الروحية، وتسبح الرب الشافي أمراضها تنطلق للعمل الروحي بفرح بلا ملل، فيقال للمؤمن: "لأنك تأكل تعب يديك، طوباك وخير لك" (مز١٢٨: ٢).
  2. رَفِيدِيم: إسم عبري يعني "متسعات" [302]، تقع بين برية سين وسيناء (خر١٧: ١، ١٩: ٢). لم يكن فيها ماء فتذمر الشعب على موسى الذي بأمرٍ ألهي ضرب الصخرة بالعصا مرتين فأفاضت ماء (خر١٧: ٥، ٦). وفي رفيديم تمت المعركة ضد عماليق فكان إذ يبسط موسى يديه يغلب شعبه، وإذ يخفضهما ينغلب (خر١٧: ٨ - ١٣). وإليها جاء حمو موسى وسجد للرب مع شيوخ إسرائيل (خر١٨: ١ - ١٢)، الأمور التي سبق الحديث عنها في دراستنا في سفر الخروج. أما موقعها فيحتمل أن يكون وادي رفايد شمال غرب جبل موسى، هنا يتصل وادي ردوا، وهو مجرى ماء بارد بوادي رفايد حيث توجد واحة عند سفح جبل رفايد[303].

أما التفسير الرمزي لرفيديم ففي رأي العلامة أوريجينوس تعني "مديح التمييز"، قائلاً: [من الصواب أن يتبع الأعمال المديح، ولكن أي مديح هو هذا؟ إنه مديح بروح التمييز. فإن النفس تصير مستحقة للمديح حينما يكون لها تمييز صالح، تمييز جيد فتحكم في كل شيء ولا يحكم فيها أحد (١كو٢: ١٥).

  1. بَرِّيَّةِ سِينَاء[304]: كلمة "سيناء" مأخوذة من الكلمة الأكادية "سين" إله القمر، ويلاحظ أن كلمة "سيناء" تطلق بصورة أعم على برية سيناء كما على جبل سيناء الذي يسمى أيضًا بجبل حوريب. تبعد هذه البرية المحيطة بالجبل عن قادش بربيع مسيرة ١١ يومًا عن طريق جبل ساعير (تث١: ٢). هذه البرية متسعة تكفي أن يعسكر فيها الشعب عند سفح الجبل (خر١٩: ٢٠)، وهي ملاصقة للجبل، يمكن للجبل أن يلمسه الشعب (خر١٩: ١٢) ويمكن للمعسكر أن يرى قمته (خر١٩: ١٦، ١٨، ١٩). على هذا الجبل إستلم موسى الوصايا العشر وعند سفحه تم العهد بين الله وشعبه (خر٢٠: ١ - خر٢٤: ٨). لم يذكر فيما بعد الكتاب أي زيارة لهذا الجبل سوى هروب إيليا عندما هددته إيزابل الشريرة (١مل١٩: ٨).

هناك نظريات كثيرة بخصوص جبل سيناء، فالبعض يراه جبل سريال في وادي فيران يرجع إلى عهد يوسابيوس المؤرخ، يمتاز بينه جبل منعزل وعظيم جدًا، يبلغ إرتفاعه ٦٧٤٨ قدمًا، يُرى من مسافة بعيدة، لكن ليس حوله برية تتسع لمعسكر الشعب. أما الرأي الآخر فيرجع إلى جوستنيان، حيث يرى أن جبل موسى هو جبل سيناء وهو شديد الإنحدار، في أسفله يوجد وادي الراحة التي تبلغ مساحتها حوالي أربعة أميال مربعة تكفي للمعسكر. لهذا الجبل أهميته العظمى فهو الجبل الذي تقدس بلقاء الله مع موسى على قمته ليهبه الوصايا العشر، وفيه وحوله نشأت عدة كنائس مسيحية، خاصة دير سانت كاترين الغني بممخطوطاته الأثرية. في هذا الدير اكتشفت النسخة السينائية للكتاب المقدس والتي ترجع للقرن الرابع الميلادي.

على أي الأحوال إن رجعنا إلى التفسير الرمزي يقول أن النفس بعد أن تدخل إلى رفيديم وتستحق المديح خلال روح التمييز الصالح يمكنها أن تصعد على جبل سيناء لتلتقي مع إلهها في خلوة مقدسة تتسلم فيها وصيته وتتعرف على أسراره، وتتمتع بإنعكاسات مجده عليها.

  1. قَبَرُوتَ هَتَّأَوَةَ: موضع ما بين جبل سيناء وحضيروت، على بعد ١٥ ميلاً شمال شرق سيناء. فيها إشتهى الشعب اللحم فأرسل الله السلوى ليأكلوا لحمًا شهرًا كاملاً، وإذ أكلوا بشهوة ضربهم بالوبأ.

"قبروت هتأوة" تعني "قبور الشهوة" أو "قبور الشهوانيين" (عد١١: ٣٤). يقول العلامة أوريجينوس: [إنها بلا شك الموضع الذي فيه تدفن الشهوات وتبطل، فتنطفيء الرغبات الشريرة كلها، ولا يشتهي الجسد ضد الروح (غل٥: ١٧) بل نموت عن الناموس بجسد المسيح (رو٧: ١٤)].

  1. حَضَيْرُوت: ربما هي عين خضراء التي تبعد حوالي ٣٦ ميلاً شمال شرق جبل سيناء، هناك تذمرت مريم وهرون على موسى حيث صارت برصاء (عد١٢).

كلمة حضيروت تعني "إستقرار"، ويرى العلامة أوريجينوس أنها تعني "بناء كامل (مستقر)" أو "تطويب"، لهذا يقول: [لاحظ أيها المسافر تتابع تقدم الرحلة، فإنك إذ تقبر شهوات الجسد وتسلمها للموت تبلغ عظمة الموضع (الإستقرار) وتنال تطويبًا. حقًا طوبى للنفس التي لا تقهرها أي رذيلة جسدية[305]].

يرى البعض أنها تعني "ديار" أو "حظائر"، وهو ذات المعنى "إستقرار"، فإن النفس لا يمكن أن تستقر وتشعر بالراحة كمن في داره آمنًا ما لم يقبر أولاً بالروح القدس شهوات الجسد وقتلها بالصليب!

  1. رِثْمَة: إسم عبراني يعني "رثمة" وهو نبات من الشيح ينمو في المناطق الصحراوية، يؤكل جذوره في المجاعات كما تستخدم جذوعه وجذوره في صنع الفحم (مز١٢٠: ٤). ويرى العلامة أوريجينوس أن الكلمة تعني "رؤيا متممة"، فالنفس التي تقبر الشهوات الجسدانية وتستحق التطويب والإستقرار تتمتع برؤيا روحية سليمة، تتعرف على أسرار التجسد والتدبير الإلهي بطريقة كاملة وعميقة.
  2. رِمُّونَ فَارِص: لعلها "نقب البيار". أما معناها فهو "رمانة الشق أو الثغرة"، أي الرمانة التي تنبت على شق أو ثغرة. ويرى العلامة أوريجينوس أن "فارص" هنا تعني "قطع" أو "شق" بمعنى أنه يليق بالنفس بعد عبورها على رثمة وتمتعها بالرؤي المتممة أن تقطع الأمور العلوية السماوية عن الأمور السفلية الأرضية، تفصل الأبديات عن الزمنيات.
  3. لِبْنَة: تعني "أبيض". إذ تدخل النفس إلى رمون فارص وتنعم بالفصل بين ما هو سماوي وما هو أرضي تختار ما هو سماوي فتنعم بالبياض رمز السماء. فقد رأى يوحنا الحبيب السيد المسيح السماوي رأسه وشعره أبيضان كالصوف الأبيض كالثلج (رؤ٧: ١٤)، ورآه دانيال في ثياب بيضاء كالثلج (دا١٧: ٢). وفي أحداث القيامة والصعود ظهرت الملائكة بثياب بيضاء (أع١: ١٠). وفي الملكوت يظهر الغالبون بثيابٍ بيضاء (رؤ٧: ٩) هؤلاء الذين غسلوا ثيابهم في دم الخروف (رؤ٧: ١٤). لهذا يقول دانيال النبي "تتطهرون فتبْيَضون" (دا١١: ٣٥).

إذن الدخول إلى لبنة هو قبول الحياة المقدسة السماوية، ورفض الأمور الدنسة.

  1. رِسَّةَ: ربما كانت في قنديلة الجرافي بين قسيمة والعقبة، شمال غربي جبل روبسة النجين[306]. وهو إسم عبراني يعني "تحطيم أو ندى أو مطر"، غير العلامة أوريجينوس يرى أنه يعني "تجربة منظورة"، هذا يعني المعنى القريب من "التحطيم"، كما يرى أنه يعني "مستحق للمديح". لها يقول: [مهما تقدمت النفس فإن التجارب لن تفارقها. واضح أن التجارب تلحق بها كحارس ووقاية لها. فكما أن اللحم يفسد بدون ملح مهما كان نوع اللحم، هكذا تفسد النفس إن لم تملح بتجارب متواصلة، إذ بدونها تتهاون النفس وتتراخى. لهذا السبب قيل: "كل قربانك من تقادمك بالملح تملحه" (لا٢: ١٣). لهذا أيضًا يقول الرسول بولس: "لئلا أرتفع بفرط الإعلانات أُعطيت شوكة في الجسد ملاك الشيطان ليلطمني لئلا أرتفع" (٢كو١٢: ٧). هذه هي التجارب المنظورة التي تجعلنا نستحق المديح[307]].
  2. قُهَيْلاتَة: يرجح إنها "قنتلة قراية" والتي تدعى أيضًا "عجرود". حيث توجد بها آبار وخزان ماء، بها ممر يقود إلى بئر معين[308].

"قهيلاتة" إسم عبري يعني "مجمع" كما يعني "رئاسة" أو "عصا" [309]. كان دخول النفس إلى رسة أي إلى التجارب لا يضعفها ما دامت تحمل السمة السماوية بل بالعكس يربطها بالأكثر بمجمع السمائيين ويهبها سلطانًا أعظم، فتصير كملكة، يسيطر على القلب والفكر وكل الحواس، تقبل الفكر الذي تريده وتطرد ما تشاء، تتحكم في كل أعماقها الداخلية بسلطان. إنها تمسك بعصا التي هي الصليب به تقول في قوة: "قد صلب العالم لي وأنا للعالم" (غل٦: ١٤). إنها تسمع صوت عريسها يناجيها قائلاً: "جملت جدًا جدًا فصلحت لمملكة وخرج لك إسم في الأمم لجمالك، لأنه كان كاملاً ببهائي الذي جعلته عليك يقول السيد الرب" (حز١٦: ١٣، ١٤).

في قهيلاتة تدخل النفس إلى مجمع السماء كملكة صاحبة رئاسة ومعها عصا عريسها، سرّ قوتها وجمالها، لتملك معه إلى الأبد.

  1. جَبَلِ شَافَر: يحتمل أن يكون جبل عرايف الناقة، جنوب قادش. كملة شافر تعني "جمال" أو "أناقة". فالنفس التي تدخل إلى قهيلاتة وتحسب عضوًا في مجمع السمائيين وتوهب سلطانًا وعصا الصليب إنما تدخل إلى الجمال السماوي والأناقة على مستوى فائق. إنها تسمع صوت عريسها السماوي "ها أنتِ جميلة يا حبينتي، ها أنتِ جميلة" (نش١: ١٥)، مؤكدًا إعجابه بها.

ويرى العلامة أوريجينوس أن شافر تعني "أصوات أبواق"، فإذ تملك النفس مع السيد المسيح إنما تمسك بأصوات البوق التي تشير إلى كلمة الله، التي هي سرّ نصرتها وبهائها السماوي. إنها تضرب بالكلمة الإلهية أصوات أبواق الغلبة والفرح لكي تعيّد عيدًا سماويًا بلا إنقطاع (عدد ١٠).

  1. حَرَادَة: ربما في وادي لوسان[310]، أو وادي العين التي تبعد مسيرة يوم عن عين حضيرة.

حرادة كلمة عبرية تعني رعب أو خوف، فإن الإنسان مهما بلغ في تقدمه الروحي، حتى إن بلغ جبل شافر، فصار له جمال السيد المسيح الروحي لكنه ينبغي أن يسلك في مخافة الرب، مكملاً خلاصه بخوفٍ ورعدة. يرى العلامة أوريجينوس أن كلمة حرادة تعني "يجعله مستحقًا"، بهذا فإن من بلغ جبل شافر بأبواق كلمة الله يستحق الإكليل.

  1. مَقْهَيْلُوت: ربما تكون هي بعينها قهيلاتة عادوا إليها من جديد أم بلدة مشابهة في الإسم، إذ يرى البعض أنها أيضًا تعني "مجامع" ويرجحون أنها قنتلة قراية والتي تدعى عجرود[311]؟!

لعل العلامة أوريجينوس قد رأى أنها عودة للجماعة إلى ذات البلد الأولى حتى رأى فيها المعنى الرمزي "منذ البدء"، مع أن مقهيلوت تعني "مجامع"، قائلاً: أن يميل إلى التأمل في كلمة الله "جبل شافر" ويتمسك بأبواقها ليغلب يلزمه أن يتأمل فيمن كان في البدء، أي في الله الكلمة ولا يتغرب عنه قط.

  1. تَاحَت: إسم عبراني يعني "ما هو تحت"، فمن يريد أن يتمتع بمقهيلوت أي بالمجامع المقدسة متأملاً في ذاك الذي من البدء، يلزمه أن يكون آخر (تحت) الكل وخادمًا للجميع. بهذا يحيا في سلامٍ مع الله والناس.

يرى العلامة أوريجينوس أن تاحت تعني "التثبيت". من يتضع "ينزل إلى تحت" يتأمل الذي كان من البدء لا تأملاً نظريًا، بل خلال الثبوت فيه (يو١٥: ٤).

يُظن أن تاحت موقعها عند جبل التيه.

  1. تَارَح: غالبًا بين عين الحضرة والقسيمة، وكلمة "تارح" كلمة عبرانية تعني "وعلى" أو "نوع من الغزال الجبلي". إلاَّ أن العلامة أوريجينوس يرى أنها تعني "الدهش" أو "الإختطاف بالروح". وكأن ثبوتنا في السيد المسيح "كلمة الله" يدخل بنا إلى إدراك أسراره الإلهية غير المنطوق بها ولا مدركة، فندخل إلى مدينة الدهش، حيث تختطف أرواحنا إلى حجاله السماوي.
  2. مِثْقَة: ربما وادي أبو تقية الذي ينزل من نقب العرود إلى وادي الجرعفي. "مثقة" كلمة عبرانية تعني "حلاوة"، وكأنها تشير إلى الدخول إلى عذوبة المسيح يسوع وحلاوته خلال ثبوتنا فيه.

يرى العلامة أوريجينوس أنها تعني "الموت الجديد". فإن مدينة الدهش أو إختطاف الروح في الإلهيات تدفعنا بالأكثر إلى التمتع بموت السيد المسيح كموت جديد ليس ثمرة الخطية التي إرتكبناها أو ورثناها بل ثمرة الإتحاد مع السيد المسيح المصلوب والقائم من الأموات.

  1. حَشْمُونَة: غالبًا هي وادي الهشيم. كلمة حشمونة تعني "غصب"، فإن كانت مثقة تعني العذوبة في المسيح يسوع فإن حشمونة تعني خصوبة الحياة وإثمارها فيه.

يرى العلامة أوريجينوس أن حشمونة تعني "عظام"، فإن كانت مثقة في رأيه هي "الموت الجديد"، فإننا بموتنا مع المسيح لا نخاف ولا نضطرب فإن واحدة من عظامنا (الروحية) لا تنكسر.

  1. مُسِيرُوت: موضعها غير معروف، لكنها بجوار جبل هور على حدود آدوم. كلمة "مسيروت" تعني "رباطات" أو "قيود"، لهذا يرى العلامة أوريجينوس أن من يدخل مدينة مسيروت يقيد العدو إبليس ويطرحه، فلا يكون له فينا موضع (أف٤: ٢٧).
  2. بَنِي يَعْقَان: أي أبناء يعقان، وهي قبيلة حورية من جبل سعير، إغتصبها الأدوميين (تك٣٦: ٢٠، ٢١، ٢٧؛ ١أي١: ٣٨؛ تث٢: ١٢). في أيام الخروج كون بنو يعقان قبيلة إحتلت إقليمًا على حدود آدوم بالقرب من جبل هور حيث مات هرون، وقد عسكر بنو إسرائيل عند بعض آبارهم.

يرى العلامة أوريجينوس أن يعقان تعني "ينابيع" أو "تنقية"، فإذ يطرح إبليس مقيدًا ولا يكون له فينا موضع، يلزمنا أن ننهل بالأكثر من ينابيع الله النقية، أي من كلمته أو وصيته التي تنقي أعماقنا الداخلية.

  1. حُورِ الجِدْجَاد: أي "كهف الجدجاد"، وهي الجدجود (تث١٠: ٦، ٧)، ربما تقع على وادي غدغودة أو غداغد التابع لوادي جيرافي أو جيرعفي شمال قنتيلة الجيرافي.

يرى العلامة أوريجينوس أن "جدجاد" تعني "إنقباض" أو "تجربة". إذ تتخلل الدجلة مواقع كثيرة تمثل أنواعًا من التجارب بدونها لا تتقدم النفس في الفضيلة ولا تتزين بأكاليل المجد. لهذا يقول: [التجارب قوة للنفس وسورٍ واقٍ لها، تختلط بالفضائل جيدًا، بدونها لا تكون الفضائل جميلة أو كاملة. ففي تقدمنا نحو الفضائل كثيرًا ما نجد محطات متنوعة للتجارب[312]].

  1. يُطْبَات: ربما تكون "الطابة"، تبعد حوالي ٢٢ ميلاً شمال العقبة، والموضع به جداول مياه غزيرة (تث١٠: ٧). كلمة "يطبات" عبرية تعني "الطيبات"، فإنه كلما دخلنا مدينة تجارب "الجدجاد" ننعم بخيرات أكثر وصلاح، وتتحول مرارة التجربة إلى لذة نصرة في المسيح يسوع ربنا.
  2. عَبْرُونَة: وهي واحة تسمى حاليًا عين دريه تبعد سبعة أميال ونصف شمال عصيون جابر. كلمة "عبرونة" تعني "عبور" أو "ممر". فإن النفس التي تتمتع بالخيرات الروحية (بطبات) يلزمها أن تكون في حالة عبورٍ مستمر، فتجتاز من خيرٍ إلى خير أعظم، وترتفع من مجدٍ إلى مجد بواسطة روح الله القدوس.
  3. عِصْيُونَ جَابِر: مدينة تقع على الطرف الشمالي لخليج العقبة بالقرب من إيلات وربما من غربها (تث٢: ٨؛ ١مل٩: ٢٦، ١٠: ٢٢، ٢٢: ٤٨؛ أي٨: ١٧). يظن أنها تل الخليفة، تبعد ٥٠٠ ياردة من ساحل البحر الأحمر على منتصف الطريق بين العقبة والطرف الشرقي من خليج العقبة، ومرشراش على الطرف الغربي، وهي أسفل منحنى يميل على الجانب الشرقي من تلال آدوم. كانت مركزًا لتجارة الحديد والنحاس (تث٨: ٩)، بنى سليمان الحكيم أسطوله البحري مستغلاً موقعها الجغرافي، لكن آدوم إستولت عليها فيما بعد، ثم عاد الملك أمصيا فاحتلها منهم وبني مرفأ إيلات (٢مل١٤: ٢٢؛ ٢أي٢٦: ١، ٢) [313].

أما من الناحية الرمزية فيرى العلامة أوريجينوس أنها تعني "مقاصد الرجال". فإنه بدخولنا عبرونة أي قبولنا حياة العبور المستمر ننطلق من مرحلة الطفولة إلى نضوج الرجال، أو الرجولة الروحية. فيصير لنا مقاصد الرجال ومشوراتهم التي قيل عنها: "المشورة في قلب الرجل مايه عميقه وذو الفطنة يستقيها" (أم٢٠: ٥). كما يقول الرسول: "لما كنت طفلاً كطفل كنت أتكلم، ولكن لما صرت رجلاً أبطلت ما للطفل" (١كو١٣: ١١).

  1. برِّيّةِ صِين: ملاصقة للحدود الجنوبية لكنعان، وهي حد لأدوم غربًا وليهوذا إلى الجنوب الشرقي (يش١٥: ١ - ٣)، وكانت جزءًا من برية فاران أو كانت قادش حدًا بينهما. وهي تختلف عن برية سين[314]. تعني أيضًا "تجربة". هكذا ننطلق في رحلتنا من تجربة إلى تجربة، هذه التي يدخلها من له مقاصد الرجال فيزداد نضوجًا وبهاءًا. إنه يشبه الإناء المكرم الذي يدخل النار فيزداد نقاوة وبهاءًا، إذ يقول العلامة أوريجينوس: [الصائغ الذي يريد أن يصنع إناءًا نافعًا يقربه من النار ويشكله بالمطرقة، ويهذبه كثيرًا لكي يجعله أكثر نقاوة، ويهبه الشكل الجميل الذي يقصده الفنان[315]].
  2. قَادِش: إسم سامي معناه "مقدس". تسمى أيضًا "قادش برنيع". وهي واحة هامة في شمال برية سيناء، عند طرف برية صين (عد٢٠: ١) إلى الجهة الغربية من وادي العربة قرب التخم الجنوبي لأرض سبط يهوذا أو الحد الجنوبي لبني إسرائيل، على مسيرة ١١ يومًا من حوريب في إتجاه جبل سعير وعلى طريقه. وهي ليست بعيدة عن جبل هور وتخم آدوم. لعبت دورًا رئيسيًا في الرحلة بعد جبل سيناء مباشرة. ففي قادش حدث الآتي:
  1. تذمر الشعب على موسى بسبب عطشهم فضرب الصخرة بالعصا مرتين (عد٢٠).
  2. حدث عصيان قورح وجماعته (عد١٦).
  3. موت مريم أخت هرون (عد٢٠: ١).
  4. أرسل موسى الجواسيس إلى كنعان، وجاؤا إلى الجماعة يقدمون عنقود العنب محمولاً على خشبة عربونًا للأرض التي تفيض لبنًا وعسلاً (عد١٣؛ تث١: ٢٠).
  5. أرسل موسى رسلاً إلى آدوم يستأذنه في عبور أرضه إلى بلاد موآب (عد٢٠: ١٤ - ٢١).
  6. قضى الشعب أكبر فترة في الرحلة في هذا الموقع لهذا يرى البعض أن الخيمة كانت منصوبة في قادش وكانت الجماعة تتنقل حولها وتعود لأجل العبادة والقضاء فيها.

يرى البعض أنها عين قديس على مسافة ٥٠ ميلاً من بئر سبع جنوبًا، والبعض يرى أنها عين قضيرات القريبة منها والأكبر من الأولى.

من الناحية الرمزية فإن قادش وهي تمثل حياة القداسة ليس لها موقع إلاَّ عند برية صين أي برية التجارب، فخارج الألم لا يدخل الإنسان إلى الحياة المقدسة. في هذه الحياة نرتوي بمياه الصخرة الحية التي تفيض لنا بالروح القدس خلال العصا (الصليب)، وفيها يتبدد كل عصيان وعجرفة لقورح وجماعته، ونتقبل الموت (مريم) بلا حزن، ونتمتع بعربون الملكوت (عنقود العنب)، وندخل في حربٍ مع الشيطان (آدوم)...

  1. جَبَلِ هُور: عند حدود بلاد آدوم، مات عليه هرون وهناك دفن (عد١٠: ٢٤ - ٢٩، ٣٣: ٣٧ - ٣٩؛ تث٣٢: ٥٠). كان التقليد السائد على الأقل حتى أيام يوسيفوس[316] أن جبل هرون هو جبل هور، وهو يقع على منتصف الطريق بين خليج العقبة والطريق الجنوبي من البحر الميت، وهو صخر رملي يبلغ إرتفاعه ٤٧٨٠ قدمًا، البتراء قريبة من نحو الغرب. إلاَّ أن بعض الدارسين المحدثين يرون أن جبل هور هو جبل نضيرة على بعد ١٥ ميل من شمال شرقي قادش على الطريق بين قادش وموآب. ويعللون ذلك أن جبل هرون وسط آدوم وليس على حدودها، الأمر الذي يصعب فيه على الشعب في ذلك الوقت أن يعبروا إليه. هذا وإرتفاع جبل هرون لا يعطي الفرصة للجماعة معاينة موته (عد٢٠: ٢٢ - ٢٩).

أما كلمة "هور" فتعني "جبل"، وكأن هرون الذي يصعد إلى هذا الجبل ليموت يرتفع ليرقد ويستريح دون أن يهتم باسم الموقع. يكفيه أن يرتفع ولا ينحدر كقورح وجماعته.

من يدخل قادش أي الحياة المقدسة يشتهي أن يرتفع على جبل هور، ليستريح في حضن الله إلى الأبد.

  1. صَلمُونَة: لعلها شرق جبل هرون عند بئر مدكور. كلمة "صلمونة" تعني "ظل الملك"، فإن من يرتفع على جبل هور خلال حياته المقدسة في الرب لا يسقط في الكبرياء والتشامخ بل يعيش مستترًا في ظل الملك السماوي. لقد تمتعت القديسة مريم بهذا الظل إذ سمعت البشرى: "قوة العلي تظللك" (لو١: ٣٥). هذا ما تشتهيه كل نفس، قائلة: "تحت ظله إشتهيت أن أجلس" (نش٢: ٣).
  2. فُونُون: يعتقد أنها تقع في الجانب الشرقي من العربة نحو خمسة أميال ونصف شرقي خربة نحاس، وهي منطقة تشتهر بالنحاس والحديد. ويرى العلامة أوريجينوس أن كلمة "فونون" تعني "حفظ اللسان". لهذا فإن من يرتفع إلى جبل هور ويجلس تحت ظل الملك نفسه يلزمه أن يحفظ لسانه مقدسًا، يتكلم بالحق ولا ينطق بكلمة بطالة.
  3. أُوبُوت: تعني "قرب الماء"، تقع بالقرب من حدود موآب الجنوبية الشرقية، ربما عند عين الويبة. لعل قرب المياه تشير إلى شربنا من مياه الروح القدس التي تسندنا دومًا في رحلتنا.
  4. عَيِّي عَبَارِيم: "عيي" كلمة موآبية تعني "خراب"، وهي على حدود أرض موآب الجنوبية، وهي نفسها عييم، ربما هي مخاي شرق ذات الرأس بسبعة أميال.

يرى العلامة أوريجينوس أن "عيي عباريم" تعني "عمق العبور" أو "هوة العبور". فإننا إذ نقترب إلى نهاية الرحلة ندخل إلى الأعماق في أحضان أبينا إبراهيم الذي يقول للأشرار "بيننا وبينكم هوة عظيمة" (لو١٦: ٢٦). في هذا الحضن الأبوي تستريح النفس بعبورها الدائم إلى أعماق الحياة الأخرى العظيمة.

  1. دِيبُونَ جَاد: سبق لنا الحديث عن ديبون في الأصحاح الثاني والثلاثين.

إن كانت "ديبون" عند العلامة أوريجينوس تعني "خلية" فإن النفس الواعية كلما اقتربت من العبور الأبدي تزداد نشاطًا وجدية فتكون كخلية النحل التي لجاد (الجاد في حياته).

  1. عَلمُونَ دِبْلاتَايِمَ: أي "نعلم أن التين قد ذبل". هذه هي المحطة قبل الأخيرة وهي بين نهر أرنون وجبال عباريم، ربما كانت هي نفسها بيت دبلتايم (أر٤٨: ٢٢)، ويرجح أنها دليلات الغربية على بعد ميلين ونصف شمال شرق لب.

إننا إذ ندخل هذا الموقع نتحقق أن العالم قد صار كشجرة التين التي ذبلت. ندرك بحق "باطل الأباطيل الكل باطل وقبض الريح" (جا١). لهذا لا نتستر بعد بأوراق التين كأبينا آدم بل نتقبل ذبيحة السيد المسيح التي تستر ضعفنا وتنطلق بنا إلى الميراث الأبدي.

  1. جِبَالِ عَبَارِيمَ أَمَامَ نَبُو: سبق الحديث عنها في الأصحاح الثاني والثلاثين. إنها المرحلة الأخيرة حيث نقف مع موسى النبي على جبال العبور، ونرى كنعان أمامنا فنشتهي الإنطلاق لننضم مع جماعة القديسين الذين رقدوا في الرب.

هذه هي رحلة النفس من رعمسيس حيث الإضطراب والعبودية إلى عباريم حيث تتضح رؤيا كنعان السماوية.

الأعداد 50-56

٣ – الإستعداد للعبور

إنتهت الرحلة إلى جوار الأردن، النهر المقدس، الذي فيه حل السيد المسيح ليعمد الكنيسة واهبًا إياها روح النبوة، مقدسًا إياها عروسًا له، وهيكلا لروحه القدوس.

ختم موسى النبي بتشديد الرب في عدم ترك الوثنيين وسطهم حتى لا تتسلل إليهم العبادة الوثنية، وإلاَّ صار هؤلاء كأشواكٍ في أعينهم ومناخس في جوانبهم وسبب مضايقات مستمرة، بل أن الله نفسه يفعل بهم ما أراد أن يفعله بالأشرار.


[282] In Num. , hom. 26.

[283] للمؤلف: سفر الخروج، ١٩٨١، ص٨١.

[284] أوريجانوس: تفسير العدد، عظة ٢٧.

[285] المرجع السابق.

[286] Hastings, p942.

[287] In Exod. , hom. 5: 2.

[288] In Num. , hom. 27.

[289] للمؤلف: سفر الخروج، ١٩٨١، ص٨٦، ٨٧.

[290] In Num. , hom. 27.

[291] للمؤلف: سفر الخروج، الأصحاح ١٣.

[292] New Westminster Dict. p 751.

[293] إسم عبراني يعني "بعل شمال"، غالبًا كان مزارا للإلهة "بعلة الشمال". أما موقعها فبالقرب من خليج السويس على الشاطيء الغربي من السويس.

[294] للمؤلف: سفر الخروج، ص٨٨، ٨٩.

[295] New Westminster, p 586.

[296] للمؤلف: سفر الخروج، ص٩٩.

[297] المرجع السابق، ص١٠٠.

[298] مقال إفتتاحي ٧.

[299] De Oratione. Ench. 208 - 314.

[300] In Num. , hom. 27.

[301] New Wesminster Dict. p 231.

[302] New Westminster Dict. , p 798.

[303] Ibid, p799.

[304] Ibid, p 886 - 7.

[305] In Num. , hom. 27.

[306] New Westminster Dict. , p806.

[307] In Num. , hom. 27.

[308] New Westminster Dict. , p 534.

[309] Origen: In Num. , hom. 27.

[310] Hastings, p 364.

[311] New Westminster Dict. , p 581.

[312] In Num. , hom. 27.

[313] New Westminster Dict. , p 289, 290.

[314] Ibid. , p 1024 - 5.

[315] In Num. , hom. 27.

[316] Antiq. 4: 4, 7.

فهرس الكتاب

إضغط على إسم الفصل للذهاب لصفحة الفصل.

No items found

الأصحاح الرابع والثلاثون – حدود أرض الميعاد - سفر العدد - القمص تادرس يعقوب ملطي

الأصحاح الثاني والثلاثون – أرض جلعاد - سفر العدد - القمص تادرس يعقوب ملطي

تفاسير سفر العدد الأصحاح 33
تفاسير سفر العدد الأصحاح 33