67- البابا كيرلس الثاني – Cyril II – الأستاذ أشرف صالح


[تابع بطاركة القرن الحادي عشر الميلادي].

67 - البابا كيرلس الثاني - Cyril II

1078 م 1092 - م

مقدمة

كان البابا "كيرلس الثاني" من مواليد البحيرة.

وقد جاء جلوسه على الكاتدراء المرقسي في خلال خلافة الخليفة الفاطمي المستنصر، وفي عهد بدر الدين الجمالي، الذي كان متصرفًا في شئون البلاد بشكل فعلىٌ، وكان يغلب عليه أنه مسيحي من بلاد الصقلي أهل (جنوب روسيا)، وكان الخليفة قد إستحضره من سوريا، وخلع عليه عدة ألقاب منها (أمير الجيوش)، حيث كان شجاعًا قويًّا حسن التصرف.

وقد نعمت مصر أيامها بالسلام والهدوء، لأن الجمالي وفر وسائل الأمن والعدالة، وكان يهدف إلى جعل مصر دولة قوية تنعم بالرخاء، فنمت الزراعة والتجارة، حيث تنازل للزراع عن ضرائب ثلاث سنين مضت كانت متأخرة عليهم، فزاد إنتاجهم، كما إزدهرت العلوم والفنون وروح الإبتكار، وكان واسع الفكر يعرف قيمة الوحدة الوطنية، فأعطى الأقباط حريتهم، فنبغوا في كل أحوالهم.

وكان أعظم إنجاز معماري في عهده هو سور القاهرة العظيم، ونفذ المهندسون رغبته وقد جعلوا لهذا السور ثلاثة أبواب هي باب الفتوح وباب النصر وباب زويلة، وكان المتولي عمارة هذه الأسوار راهب قبطي يدعى يوحنا (يؤنس) وهو الذي اشرف على تصميمها. وقد أقيمت بعيدة عن الأسوار القديمة فأعطت القاهرة اتساعًا أكثر.

ووسط إستتاب الأمن كلف بدر الجمالي الأقباط بتنظيم الدواوين وتشكيلها..

الجلوس على الكاتدراء المرقسي

كان البابا "كيرلس الثاني" - قبل الرسامة - راهباً متوحداً بإسم "جرجس"، وقد سيم بطريركاً بقرار من مجمع إًنعقد في الدار البطريركية، مؤلَّف من الأساقفة وأراخنة الشعب القبطي، وقوبلت رسامته بالإرتياح من كل دوائر الحكم والشعب مسلمين ومسيحيين.

بعد أن تمت مراسم الرسامة بالإسكندرية في 22 برمهات سنة 792 الموافق 1078 م. سار في ركب إلى القاهرة قاصدًا كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بجزيرة الروضة، وكان في استقباله الأنبا يعقوب أسقف مصر، والشيخ أبو الفضل يحيى بن إبراهيم "متولي الأبواب" (رئيس الشرطة) وديوان الصناعة، وأرسل إليه حصانًا أبيضًا ليركبه البابا الذي سار في موقف مهيب من الشرطة وحفظة الأمن وعبر النيل إلى مصر، وكان في إستقباله على الشاطئ جمهور كبير، وسار موكبه هذا إلى قصر الخليفة، فخف إلى إستقباله مأمون الدولة (الأستاذ) الذي أخذه من يده بمفرده إلى مكان جلوس الخليفة، وكان الخليفة جالسا مع أفراد أسرته ومعهم زجاجات الطيب، فصمخوه منه، وطلبوا منه البركة فصلى لهم، وفرحوا به كثيراً، ثم غادر القصر في بهجة وسرور متوجها إلى قصر بدر الجمالي، حيث إستقبل إستقبالاَ حسناَ أيضاً، ودعى لهم، وأمر بدر الجمالي والي مصر بالخروج معه إلى حيث يريد، وأن يراعيه، وأن يُقدم له الخدمات طيلة وجوده في مصر، حيث نزل في الكنيسة المعلقة،.

وقد أجرى الله على يديه أيامها مُعجزة، حيث لما بدأ الصوم الكبير قصد دير أبي مقار، وبينما كان يصلى قداس خميس العهد وكان وعاء الميرون المقدس موضوعا فسكب الميرون على يديه وعلى المذبح من تلقاء ذاته، فكان إعلان بركة للجميع. كما تبادل السنوديقا (رسالة الشركة والوحدة في الإيمان) مع بطريرك الإنطاكي.

أهم الأحداث السياسية المعاصرة

1 - مناوشات بين ولاة النوبة وأسوان

قامت المناوشات في تلك الفترة بين ولاة منطقة أسوان وبين ملوك النوبة، إذ لم تكن العلاقات حسنة بينهما، إلا أن بدر الجم إلى رأى أن السلام أفضل، واظهر هذا الملوك النوبة الذين إستجابوا له، خاصة وان ملكهم (سلمون) المسيحي كان يحب أن ينهى حياته في أحلى الأديرة العربية، فتنازل لجرجس ابن أخته عن الحكم، وذهب إلى دير أبو نوفر السايح ليعيش، ولما دخل إلى الأراضي العربية سارع والى أسوان وإسمه أسعد الدولة إلى تسلمه أسيرًا، إلا أن بدر الجمالي رفض هذا، ودعاه ليعيش في أديرة مصر وبعث له الحرس ليرافقه إلى القاهرة ليقابل الخليفة الذي زاد من إحترامه له، وأعد له منزلا مؤقتا ظل يعيش فيه إلى أن مات، ودفن في دير الأنبا رويس في ظاهر القاهرة، مما كان مظهرًا طيبًا للروابط بين مصر والنوبة.

وإستغل الخليفة هذه الروابط الحسنه بين البلدين وعقد فيها معاهدات صداقة وتجارة، كما أنعم على البابا بأموال لإصلاح الأديرة والكنائس.

2 - الأقباط وكنيسة الحبشة

لقد حدث أن قام البابا كيرلس الثاني، برسم مطرانًا على الحبشة بإسم الأنبا ساويرس، وكان إبن أخت المطران المتوفي، وكان هذا بديلًا لشخص كان يدعى: (كوريل أو كيريل) "كيرلس"، إغتصب الكهنوت وادعى الأسقفية في الحبشة دون رسامة، فلما وصل المطران الشرعي ساويرس لقى مقاومة من كوريل هذا، ولما فشل كوريل جمع أموالا كثيرا من الأحباش وحاول الهرب بها، ولكنه قُبِضَ عليه، وسيق إلى أمير الجيوش بدر الجمالي، فحاكمه وقتله بالسيف في عام 860 شهداء.

إلا أن المطران ساويرس وجد عناء في التعامل مع الأحباش، لأنه وجد فيهم عادات خاطئة أراد أن يمنعهم عنها فغضبوا منه، مثل زواج السراري والإماء، وكانت حجتهم في هذا العهد القديم وإبراهيم أبي الأنبياء، فإستعان بالبطريرك الأنبا كيرلس، فأرسل البابا خطابا رعويا رسمياً إلى الملك وحاشيته يمنعهم عن هذه العادة.

أهم أعمال البابا كيرلس الثاني الإصلاحية

كانت لقداسة البابا "كيرلس الثاني" - أعمالاً مجيدة أثناء خدمته الرعوية كبابا للكنيسة القبطية، فعلي الرغم من أن الكنيسة لم تَعِش في خلال فترة خدمته، مستقرة أو هادئة، كما كان مقدرًا لها، إلا أنه قام بعمل العديد من الإصلاحات خلال فترة الخدمة الباباوية، نذكر منها:

رسامة أساقفة للكنائس

رسم أساقفة من الرهبان الصالحين للإيبارشيات الشاغرة.

الإهتمام بالوعظ والتعليم الروحي للشعب

دأب على التعليم حيث تعلم هو أولًا لأنه لم يكن متعلما، ثم دفعه هذا إلى تعليم الشعب ودراسة الكتب المقدسة والتفاسير المستقيمة بدلا من بلبلة الأفكار.

الإهتمام بتشييد وبناء الكنائس والأديرة

لقد قام البابا "كيرلس الثاني" - بترميم الكثير من البيع والأديرة، وكانت علاقته بالحاكِم والإدارة ممتازة.

كما تم تكريس "بيعة" - (كنيسة) - بناها أحد الأقباط وهو منصور التلباني هناك.

وضع قرارات وقوانين تُنظم حياة مُجتمع الكنيسة القبطية

في إطار خطة البابا "كيرلس الثاني" للإصلاح لأمور عديدة تخص مجتمع الكنيسة القبطية، فقد قام البابا كيرل"س الثاني" بنشر مجموعة من القوانين الكنسية على الشعب ليعرفها ويعمل بها، ووضع أربعة وثلاثين ماده دارت حول:

أ - عدم تقاضى رشوة لقاء الأعمال الكهنوتية، ومن يفعل هذا لا تقبل رياسته للكهنوت ولا يكون بيننا إلا كالوثني والعشار.

ب - أي قس أو أسقف يرفض قبول خاطئ تائب فليُقطَع لأنه خالَف قول السيد المسيح.

ج - يجب على كل أسقف أن يتفقد جميع البيع والأديرة الواقعة تحت سلطانه، وان يحافظ على أدواتها وريعها ونظافتها وعمارتها.

د - يجب على كل أسقف أن يعرف حال كهنته في مختلف الكنائس والجهات الخاصة له، وأن يفحص أمورهم في عملهم، وفي القداسات التي يقيمونها، وفي قراءة الكتب التي يفرضون على أنفسهم تلاوتها.

هـ - يجب على الأسقف أيضا أن يتعهد كهنته وشعبه بالتعاليم الإلهية التي تخلصه وتخلصهم من خطاياهم، فكل نفس من أنفس الرعية مطلوبة من راعيها.

و - رتب البابا كيرلس بعد ذلك بالتفصيل واجبات الأسقف نحو الفقراء والمعوزين، ونحو الرهبان الذين يجب أن يقضوا العمر كله في البرية ما لم يطلب خلاف ذلك.

ز - يجب أن يكف الكهنة والعلمانيون الالتجاء إلى غير حكم البيعة.

وقد إسترسل البابا في قوانينه، فبين أهمية الصوم ووجوب التمسك به، وتطرق إلى ضرورة تدقيق الكهنة واستعمال سر الذبيحة، فلا يعقدونه إلا في ظل سلامته وشرعيته، وأوصى الشعب بضرورة احترام الكهنة والأساقفة، "ويجب على أبناء المعمودية توفير المذابح المقدسة والهياكل الطاهرة وتزيينها" وفي عهد هذا البابا تم ترميم كنيسة القيامة بالقدس والتي كان الحاكم بأمر الله قد احرقها وأرسل مندوبين عن الكنيسة القبطية لتكريسها في موسم القيامة من عام 800 شهداء 1084 م.

نقل مقر الكرسي الباباوي إلى كنيسة العذراء بحارة الروم

في خلال فترة باباوية البابا "كيرلس الثاني"، تم نقل مقر الكرسي الباباوي المرقسي من الكنيسة المعلقة إلى كنيسة السيدة العذراء بحارة الروم.

كنيسة العذراء حارة الروم  والتي إنتقل إليها مقر الكرسي الباباوي في عهد البابا كيرلس الثاني

كنيسة العذراء حارة الروم والتي إنتقل إليها مقر الكرسي الباباوي في عهد البابا كيرلس الثاني.

فترة ضيق في الكنيسة خلال الخدمة

فرغم هذا إنفجرت الكنيسة من الداخل بفعل الأساقفة بزعامة الأسقف يوحنا بن الظالم الذي كان موجوداً أيام البابا السابق خرستوزولوس، وأثار أيامه الكثير من الحوادث، عاد أيام هذا البابا واقلق الأمة القبطية.

فقد إتخذ هذا الأسقف (وكان أسقفًا لسخا) مع أربعة أساقفة آخرين وهم: أخوه أسقف سمنود - يوحنا أسقف دميرة - خائيل أسقف ابى صير - مقارة أسقف القيس، ومعهم شماس يدعى أبو غالب أحد أعيان مصر، وتواطئوا على عزل البطريرك.

فكتبوا إلى البطريرك معربين عن إستيائهم من بعض الرجال المحيطين به وطلبوا إبعادهم، إلا أنه لم يبعد سوى واحد فقط، فعادوا إليه يعاتبوه فرفض، وكان في ديوان الخليفة آنذاك رجل مسموع ألكلمه إسمه أبو زكريا يحيى بن مقاره، وكان شيخا وقورا عاقلا ذا كلمة مسموعة لدى الجميع، وتدخل هذا الرجل للصلح إلا أن أسقف سخا لم يكتف بهذه المصالحة، وطلبوا دفع الأمر إلى بدر الجمالي، وفعلاً كتبوا له تقريرا بالطعن في حق البابا كيرلس الثاني مدعين عليه بدعاوى توجِب عزله، وأوصلوا إليه هذه الشكوى عن طريق البستاني بسبب الذي كان مسيحيًا، وكان البطريرك آنذاك في رحلة رعوية في الأقاليم لافتقاد الخدمات في الكنائس وتدشين الجديد من البيع.

فلما أطلع بدر الجمالي على هذه الشكوى - وكان يجل البابا - رأى انه ليس من حقه البت فيها وحده، وإنما رأى عقد مجلس من أساقفة الوجهين القبلي والبحري وكبار رجال الأمة برياسة بدر الجمالي في الإسكندرية في قصره هو، فقبل دعوته سبعة وأربعون شخصًا، وكان الوزير يستهدف السلام حيث قال لهم: "كونوا جميعاً برأي واحد، وليكن ولاءكم لكبيركم خالصًا، وتمسكوا بكلام المسيح حين أوصى تلاميذه بأن لا يكنزوا لهم كنوزا في الأرض.. كان يجدر بكم ترك المنابذة لأنكم المثال في التسامح حتى يقتدي بكم الشعب الذي ترشدونه".

وطلب منهم أن يطلبوا الصفح من البابا، فتصافح الجميع أمامه.

كما أمر بقطع رأس البستاني الذي سعى بالشر منه بطريركه، فخجل الأساقفة من تأنيب بدر الجمالي لهم ورجعوا إلى كنيسة أبى سيفين، وأقاموا قداساً إستفنارًا عمّا عملوه وتناولوا من البابا.

الخلفاء المسلمون المعاصرون للخدمة

الخليفة المستنصر بالله

1036 م - 1064 م

67- البابا كيرلس الثاني - Cyril II - الأستاذ أشرف صالح 3
دينار الخليفة المستنصر بالله الفاطمي.

هو أبو تميم معد بن الظاهر المعروف بالمستنصر بالله بن علي الظاهر لإعزازدين الله - الخليفة الفاطمي الثامن والإمام الثامن عشر في سلسلة أئمة الشيعة المعروفة بإسم "الشيعة الإسماعيلية".

كانت الدولة الفاطمية حين اعتلى عرشها الخليفة المستنصر بالله الفاطمي قد إستقرت تمامًا، وقد إتسعت إتساعًا هائلاً، وبلغت دعوتها الشيعية أقصى مدى لها في الذيوع والإنتشار، وإمتلأت خزائنها بالأموال.

غير أن وقوعها في أيدي المغامرين والطامحين، وإشتعال الفتن والثورات بين فرق الجيش، والتنافس على الجاه والسلطان أضاع منها كل شيء.

وقد إختُزلت الدولة التي كانت تمتد من أقصى المحيط الأطلسيإلى الفرات في مصر فقط. وبعد أن كانت ترفل في غناها وثرائها وكثرة خيراتها أصبح يعلوها الذبول والشحوب بفعل المجاعات التي أصابتها.

هذا التحول من السعة إلى الضيق ومن الغنى إلى الفقر، هو ما شهده عصر الخليفة المستنصر بالله الفاطمي.

ولاية بدر الدين الجِمالي

1073م - 1094م

هو والي مصر في فترة خلافة المستنصر بالله الفاطمي - بدر الدين الجمالي، وكان أرمني الجنيسة، وكان مملوكاً لجمال الدولة بن عمار فلذلك لقب بالجمالي.

وإسمه بالكامل هو: "السيد الأجل أمير الجيوش سيف الإسلام ناصر الإمام"، كافل قضاة المسلمين، وهادي دعاة المؤمنين أبو النجم بدر المستنصري وزير الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، ومجدد القاهرة الفاطمية.

ولقدكان بدر الدين الجمالي - في واقع الأصل - مملوكاً أرمينياً - كان أمير الجيوش في الشام، قد إستدعاه الخليفة المستنصر من الشام ليوليه الوزارة في عام 1073م، حتى يستعيد السيطرة على الأمور، وللخروج من الأزمات التي كادت تودى بدولة المستنصر بالله.

وكان على بدر الدين الجمالي، مواجهة عدد من الأزمات مثل الصراعات بين فصائل الجيش التركية والأفريقية وهجمات من البربر على الدلتا ومجاعة مستمرة لسنوات بسبب إنخفاض مستوى النيل وأوبئة، وإستيلاء السلاجقة على أجزاء من الشام وكانت مصر مهددة من كل النواحي.

جاء بدر الجمالي بقواته الأرمينية من الشام فسكنوا القاهرة التي كان قد قل تعداد سكانها كثيراً بسبب الأوبئة، كما قل تعداد سكان الفسطاط والقطائع في ذلك الوقت وتهدم معظمهما.

وأعاد بدر الجمالي بناء سور القاهرة لتقويته ولزيادة مساحة القاهرة - خاصةً - بعد سكنه فيها هو وجنوده، وأيضاً ليدخل فيها جامع الحاكم الذي بناه الخليفة الحاكم بأمــر الله، خارج أسوارها، وأصبحت القاهرة مدينة دفاعية مسورة لصد هجمات السلاجقة المحتملة عليها، وقد بقيت أجزاء من هذا السور، وبعض أبوابه الشهيرة باب النصر، باب الفتوح، وباب زويلة.

وقد إستطاع بدر الدين الجمالي التخلص من قادة الفتنة ودعاة الثورة، وبدأ في إعادة النظام إلى القاهرة وفرض الأمن والسكينة في ربوعها، وأمتدت يده إلى بقية أقاليم مصر فأعاد إليها الهدوء والاستقرار، وضرب على يد العابثين والخارجين، وبسط نفوذ الخليفة في جميع أرجاء البلاد.

كما قام في الوقت نفسه بتنظيم شئون الدولة وإنعاش اقتصادها، فشجع الفلاحين على الزراعة ورفع جميع الأعباء المالية عنهم، وأصلح لهم الترع والجسور، وأدى انتظام النظام الزراعي إلى كثرة الحبوب وتراجع الأسعار، وكان لاستتباب الأمن دور في تنشيط حركة التجارة في مصر، وتوافد التجار عليها من كل مكان.

لايذكر المؤرخون الهدف من بناء بدر الدين الجمالي مشهد الجيوش فوق جبل المقطم، وهذا المشهد يشبه الجوامع في تخطيطه وله مأذنة ولكن النص التأسيسي يقول "مشهد" لا جامع، المشهد هو ما يقام لذكرى شخص أو شيء ".

ويختلف مؤرخو تاريخ الفن الإسلامي في الغرض من هذا المشهد فمنهم من يقول أنه كان برج مراقبة مشيد أعلى القاهرة ولكن على صورة جامع للتخفي، ومنهم من يقول أنه كان مشهداً يؤرخ لانتصارات بدر الجمالي على الثورات والاضطرابات التي كانت تؤرق الدولة الفاطمية من قبله.

وهذا جزء من النص التأسيسي الذي يذكر المبنى ومؤسسه: "مما أمر بعمارة هذا المشهد المبارك فتى مولانا وسيدنا الإمام المستنصر بالله السيد الأجل أمير الجيوش سيف الإسلام ناصر الإمام كافل قضاة المسلمين وهادي دعاة المؤمنين عضد الله به الدين وأمتع بطول بقائه أمير المؤمنين، وأدام قدرته وأعلى كلمته وكيّّد عدوه وحسدته إبتغاء مرضاة الله". وقد توفي بدر الدين الجمالي في سنة 487هـ، وقد ناهز الثمانين عاماً. (فترة إزدهار دولة السلاجقة).

وفق أكثر النظريات إنتشارًا، فإن السلاجقة هم جمهرة من القبائل التركية الرحل المحاربة، كانت تستقر في الصين، وإنتقلت منها إلى بخارى حيث اعتنقت الإسلام في عهد مؤسسها سلجوق، ثم إستطاعت - تحت زعامة طغرل بك - السيطرة التدريجية على أملاك الدولة الغزنوية، ثم الدخول إلى بغداد بناءً على طلب الخليفة، الذي عين طغرل بكسلطانًا وخطب باسمه في 15 ديسمبر سنة1055 م - الموافق فيه 22 رمضان 447 هـ، ولقبه « بملك المشرق والمغرب »، وزوٌجه إبنته.

وإثر وفاته عام 1063 م، كان طغرل بك قد حقق إستقرارًا سياسيًا واقتصاديًا في الأوضاع، وقد خلفه ألب أرسلان.

السلطان ألب أرسلان سلطان دولة السلاجقة والتي بلغت ذروة إزدهارها في عصره

السلطان ألب أرسلان سلطان دولة السلاجقة والتي بلغت ذروة إزدهارها في عصره.

وقد إمتد حكم السلطان ألب أرسلان حتى القدس، وإسطاع عقب إنتصاره في معركــة ملاذ كرد، تأسيس دولة سلجوقية في الأناضول هي الأولى من نوعها؛ غير أنه قتل في إحدى معاركه عام 1064م، ثمتلاه إبنه جلال الدولة ملكشاه، الذي شهدت سلطنته وفاة الخليفة القائم بأمر الله بعد خلافة استمرت خمسة وأربعين عامًا تعكس الإستقرار، وتحسن الأوضاع المعيشية، وبويع المقتدي بأمر الله بالخلافة.

وقد اهتم ملكشاه بالعلوم والفنون وشيّد في بغداد مرصدًا فلكيًا ومسجدًا كبيرًا دعي بإٍسم: "جامع السلطان".

وقد برز في عهده أيضًا عمر الخيام وثار القرامطة في البصرة عدة مرات، وبوفاته عام 1092م أخذت الدولة السلجوقية بفقدان قوتها، إذ تفرقت إلى عدة دول مستقلة في بلاد الشام والعراقوبلاد فارس وغيرها، بل تحولت الساحة إلى دسائس وتحالفات بين الملوك السلاجقة ضد بعضهم البعض بهدف توسيع إمارتهم.

ولا شكّ أن تكلفة هذه الحروب الداخلية المستمرة، لم تؤثر فقط على الاستقرار الاجتماعي في البلاد، بل على الوضع الاقتصادي أيضًا بسبب كلفتها الباهظة، ما سهّل تحقيق إنتصار الحملة الصليبية الأولى عام 1098 م، وكان المستظهر بالله حينها يشغل منصب الخليفة منذ عام 1094م.

النياحة

كيرلس الثاني "كعاته لقضاءه في دير الأنبا مقاره، وإنما اكتفي بالذهاب إلى دير الشمع غرب طموه ثم إلى كنيسة الملاك ميخائيل في جزيرة الروضة، ثم عاد إلى كنيسة السيدة العذراء المعلقة ليحتفل بعيد القيامة المجيد، ولم تكد الخمسين المقدسة تنتهي حتى بلغ نهايته واسلم روحه الطاهرة بعد أن قضى أربعة عشر سنه وستة أشهر على الكرسي المرقسي.


الموضوع الأصلي متاح من خلال موقع المؤلف هنا https://kingdomoftheearth.blogspot.com/

التاريخ القبطي عبر العصور - الأستاذ أشرف صالح
التاريخ القبطي عبر العصور - الأستاذ أشرف صالح