52 – البابا يوساب الاول – Joseph I – الأستاذ أشرف صالح


[بطاركة القرن التاسع الميلادي].

52 - البابا يوساب الأول - Joseph I

831م – 849 م

مقدمة

كان يُدعى "يوسف" قبل الرسامة.

وهو من مواليد بلدة منوف، وكان ينتمي إلى أسرة ذائعة الصيت في الثراء والشهرة، ولما تنيَّح أبواه، قام على تربيته وتنشأته بعض المؤمنين، ولما كبر قليلًا، عقد النية على أن يسلك حياة البرية، فتصدق بأكثر أمواله، ثم تَرَهَّب في برية القديس مقاريوس "دير الأنبا مقار الكبير" - ببرية شيهيت.

أعمال البابا يوساب الأول في الخدمة

لقد إهتم البابا "يوساب الأول" كثيراً بإنشاء وتعمير الكنائس، وكان يشتري بما يفضل عنه من موارده أملاكًا ويوقفها علي الكنائس، وكان أيضاً كثير التعليم للشعب لا يغفل عن أحد منهم.

كما كان البابا "يوساب الأول" مداومًا علي وَعْظ الخطاة وردع المخالفين، مثبتًا الشعب علي الإيمان المستقيم الذي تسلمه من آبائه، مفسرًا لهم ما إستشكل عليهم فهمه، حارسا لهم بتعاليمه وصلواته.

فترات الضيق في حياة البابا يوساب الأول

الوالي يعارض في رسامة البابا يوساب الأول

كان قد حدث قبل جلوس البابا "يوساب الأول" على الكرسي الباباوي المرقسي، عارَض الوالي عبد الله إبن يزيد في إختياره، لأن المذكور كان قد وعده بألف دينار إذا جلس على الكرسي، وطلب الوالي من أهل الإسكندرية في حاله الموافقة لهم على رسامة القس يوساب يدفعون له ما وعده إسحق به من المال، وأفهموه أنهم ليسوا تحت سلطانه ـ بل تحت سلطان والى مصر، وعرفوه بأنهم سينطلقوا لوالى مصر ويطلبون منه ترخيصاً برسامته في عهد خلافة المأمون وخلافة المعتصم.

وكان يوسف أو يوساب إبن لوالدين فاضلين بمدينة منوف، وكان بعد موتهما له ثروة كبيرة، وقد تبناه أحد الأراخنة إسمه تادرس من نيقيوس، وكان يعتبره له ولداً، ومكث عنده مدة حتى أنه أراد المعيشة الرهبانية، ولما أخبر الأرخن بميله أرسله بكتاب إلى البابا شارحا له قصة هذا الشاب وأصله الطيب، ولما قابله البابا فرح به جدًا وأرسله إلى شماسه ليعلمه، وكان في ذاك الوقت البابا، وقد تعلم الكثير، وطلب منه أن يرسله للبرية لأنه مُشتاق إلى الحياة النسكية والوحدة، فأرسله لدير أبو مقار وتسلمه القمص يؤنس هناك، وكان مطيعاً مٌصلياً صائماً بإستمرار، وكل حياته عباده ونسك إلى أن إختاره الله، وجلس على الكرسي البطريركي المرقسي، وكان مقره الباباوي في كنيسة مرقس الرسول بالأسكندرية.

الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون [خر 14: 14].

بسبب محبة الناس له لكثرة فضائلة، وحسن صفاته، وقوامة إيمانه، حسده الشيطان وسبب له أحزانًا وشدائد وضيقات عديدة... من ذلك إن أسقف تنيس وأسقف مصر أغاظا شعب كرسيهما، فأنكر هذا الأب عليهما ذلك، وطلب إليهما مرارًا كثيرة إن يترفقا برعيتهما، فلم يقبلا منه نصيحة، وإستغاثت رعيتهما قائلة: "إن أنت أرغمتنا علي الخضوع لهما تحولنا إلى مِلة أخرى"، وإذ إجتهد كثيرًا في الصُلح بين الفريقين ولم ينجح، دعا الأساقفة من سائر البلاد، وأطلعهم علي أمر الأسقفين وتبرأ من عملهما، فكتبوا جميعهم بقطعهما، فلما سقطا، مضيا إلى الوالي بالقاهرة، ولفقا علي الأب قضية كاذبة، فأرسل الوالي أخاه مع بعض الجند لإحضار البطريرك، ولما وصلوا إليه جرد أخو الأمير سيفه، وأراد قتله، ولكن الله أمال يده عنه، فجاءت الضربة في العمود، فإنكسر السيف.

فإزداد الأمير غضبًا، وجرد سكينًا، وضرب الأب في جنبه بكل قوته، فلم تنل منه شيئًا سوي إن قطعت الثياب، ولم تصل إلى جسمه، فتحقَّق الأمير إن في البطريرك نعمة إلهية ووقاية سماوية تصده عن قتله، فاحترمه وأتى به إلى أخيه، وأعلمه بما جري له معه، فإحترمه الحاكم أيضًا وخافه، ثم إستخبره عن القضية التي رفعت عليه، فاثبت له عدم صحتها واعلمه بأمر الأسقفين، فإقتنع، وأكرمه، وأمر بأن لا يُعارضه أحد في رسامة أو عزل أحد من الأساقفة، أو في أي عمل يختص بالبيعة.

وشاية في حق أساقفة مصر والمطالبة برجمهما

كان قد حدث في أيام البابا: "يوساب الأول" أن إشتكى أهل مصر أسقفتهم، وطالبوا برجمهم، وكان هذا سببًا في حزن البابا وزيادة أعباءه، فصلى إلى الرب أن يثبت شعبه وكهنته، ودعا جميع الأساقفة من كل مكان وأعلمهم بكل ما جرى، فرأى الأساقفة أنه حفاظا على الكنيسة أن يرفع الأسقفين من كراسيهم، وكان حزن البابا شديد على كل ما جرى.

ظهور جماعة البشموريين

كما حدث في خلال فترة جلوس البابا "يوساب الأول" على الكرسي الباباوي المرقسي، أن قام أهل البشمور (البشموريين)، بشن حملة عصيان على الحكومة مطالبين بحقوقهم المسلوبة، وجاء الخليفة ليجعله واسطة بينهم مع بطريرك إنطاكية بسبب ذلك - وقد أمر الوالي بأن يكون البابا يوساب هو الرئيس الروحي لجميع كنائس مصر. ولكن الشيطان جعل الأسقفين المقطوعين يدسان له عند الوالي ويوشيان عليه انه هو السبب في ثورة أهل البشمور عليه - وأخبروه أنه مجتمع في الكنيسة مع شعب غفير. وكان أحد الأسقفين المشلوحين سكران في هذا الوقت، مما جعله يرسل أخاه إلى البيعة ليحضر البطريرك ليقتله، ولكن الرب أنقذ البابا واظهر تهور الأسقفين، مما جعل الوالي ينوى قتلهما ولكن البابا توسط لديه من أجلها.

فترة ضيق بسبب الخليقدونيين

لم يتركه أيضًا الخلقدونيون، فوشوا به، وتسببوا في سلب رخام الكنائس، وخاصة كنيسة مارمينا بكينج مريوط، التي كانت تمتاز بالرخام الملون.

وهكذا كان الشيطان يعمل، ويحارب كل خير يسود السدة المرقسية، ويبدد صفاء الجو بإستمرار، وكانت التجارب مستمرة عليه لا تنتهي واحدة منها حتى تظهر الأخرى.

الجلوس على الكرسي الباباوي المرقسي

لما تنيَّح البابا "سيمون الثاني"، صلى الجميع إلى الله قائلين: "نسألك يا رب إن كنت قد اخترت هذا الأب لهذه الرتبة، فلتكن علامة ذلك إننا نجد بابه مفتوحًا عند وصولنا إليه".

فلما وصلوا، وجدوا بابه مفتوحًا، حيث كان يودع بعض زائريه من الرهبان، وإذ هم بإغلاق الباب رآهم مُقبلين، فإستقبلهم بفرح، وأدخلهم إلى قلايته، فلما دخلوا، أمسكوه وقالوا له "مستحق".

فصاح، وبكي، وبدأ يُظْهِر لهم نقائصه وعثراته، فلم يقبلوا منه، وأخذوه إلى ثغر الإسكندرية، ووضعوا عليه اليد، ولما جلس علي الكرسي المرقسي، فأرشدهم إلى هذا الأب الطوباوي، فرسموه بطريركًا، فإهتم كثيرًا بالكنائس، وكان كثير التعليم للشعب... وقد أظهر الله تعالى على يديّ هذا الأب عجائب وآيات كثيرة.

[بعد نياحة الأنبا سيمون الثاني، إجتمع الأساقفة وأعيان الطائفة، ليقيمون من سيخلفه على السدة المُرقسية، فإختلفت كلمتهم، حيث أن أهل الإسكندرية أرادوا رسامة رجلًا علمانيًا متزوجًا كان غنيًا، ويُدعى إسحق، ومن مؤيديه الأنبا زكريا أسقف أوسيم - الأنبا تادرس (تادروس أو تاوضروس) أسقف مصر، وكان في هذا الوقت أساقفة قديسون يغارون على بيعة الله منهم أنبا ميخائيل - أسقف بلبيس، أنبا ميخائيل - أسقف صا، أنبا يوحنا - أسقف بنا. وعرفوا ما نوى عليه أهل الإسكندرية، وتواجهوا إلى الإسكندرية، ووبخوا الذين فكروا في إنتخاب رجل متزوج، مُخالفة للشريعة، وكان هناك قس فاضل يدعى يوساب كان مقيمًا بدير أبو مقار، وقالوا إذا: "كان الرب يختاره، نَجِدَ باب قلايته مفتوحاً"!.

ولما وصلوا إليه وجدوه قائماً يغلق باب قلايته خلف تلاميذه، فقالوا له إنك تُدعى للبطريركية، فبكى بكاء مرا وإمتنع، فأخذوه عنوة في 21 هاتور سنة 548 ش. الموافق 18 / 11 / 831 م.

الخلفاء المعاصرين للخدمة

[تابع - خلفاء الدولة العباسية الإسلامية الشيعيٌة].

فترة حكم الخليفة المأمون.

809 م - 833 م.

درهم الخليفة المأمون

درهم الخليفة المأمون.

فترة حكم الخليفة المعتصم بالله.

809 م - 833 م.

درهم الخليفة المأمون

درهم الخليفة المعتصم بالله.

هو أبو إسحاق محمد المعتصم بالله بنهارون الرشيد بن المهدي بن المنصور - الثامن في خلفاء الدولة العباسية الإسلامية الشيعية.

ولد سنة 179 هجرية وتوفي بمدينة سامراء في 18 من ربيع الأول سنة 227 هجرية (4 من فبراير سنة 842 ميلادية)، وكان في عهد أخيه المأمون، واليًا على الشام ومصر، وكان المأمون يميل إليه لشجاعته فولاه عهده، وفي اليوم الذي توفي فيه المأمون بمدينة طرسوس بويع أبو إسحاق محمد بالخلافة.

وقد لقب بالمعتصم بالله، في 19 من رجب سنة 218 هجرية - والموافق 10 من أغسطس سنة 833 ميلادية - وبحسب المؤرخين - فقد كان يملك قوة بدنية وشجاعة مميزة، غير أنه كان محدود الثقافة وضعيف في الكتابة، وما ميز عهد المعتصم هو إستعانته بالجنود الأتراك، وذلك للحد من المنافسة الشديدة بين العرب والفُرس في الجيش والحكومة.

النياحة

تنيَّح البابا "يوساب الأول" بسلام في 23 بابه سنة 566 ش. الموافق 20 أكتوبر سنة 849 م. حتى أقام على الكرسي البطريركي 17 سنة و11 شهرًا ويومان. ودفن في المرقسية بالإسكندرية.

د.


الموضوع الأصلي متاح من خلال موقع المؤلف هنا https://kingdomoftheearth.blogspot.com/

التاريخ القبطي عبر العصور - الأستاذ أشرف صالح
التاريخ القبطي عبر العصور - الأستاذ أشرف صالح