37 – البابا اندرونيقوس – Andronicus – الأستاذ أشرف صالح


[تابع بطاركة القرن السابع الميلادي].

37 - البابا أندرونيقوس - Andronicus

616 م - 623 م

مقدمة

مما هو معروف عن البابا "أندرونيقوس" - من حيث الأصل والنشأة الأولى - أنه نشأ في أسرة عريقة، ومن أبوين عظيمين في المجد، إلى جانب ما كانا يتحلان به من فضائل، فتأسس منذ الطفولة على المحبة والإحترام لكل من حوله، كما إرتبط بالكنيسة منذ الصغر، وأحبها كثيراً.

كما أنه نال نعمة الخدمة في الكنيسة منذ حداثة شبابة، ونظراً لما كان يتمتع به من فهم وإدراك عظيمين بمعاني الكتاب المقدس، ولبراعته في التوصل إلى معانيها الروحية، أصبح شماساً، ثم رُسِمَ قساً واعظاً، وبعد نياحة البابا "أنسطاسيوس"، إجتمع أساقفة الثغر السكندري، يشاركهم لفيف من الشعب والإكليروس من أجل إختيار البابا الذي سيجلسونه على الكرسي الباباوي خلفاً له، فكان إجماع آرائهم على إختيار "أندرونيقوس"، ليقود الكنيسة القبطية، ويقوم على رعايتها، وتمت رسامته بابا للكنيسة القبطية في يوم 24 كيهك لعام 339 للشهداء، الموافق ليوم 20 ديسمبر من عام 616م.

الجلوس على الكاتدراء المرقسي

كان لأندرونيقوس - إبن عم عظيم المكانة في الأسكندرية، حيث كان يشغل منصب رئيس ديون الأسكندرية، فقام على تعليمه وتقويمة على تعاليم الكتاب المقدس، وعلى العلم بأنه لم يسلك في الرهبنة، ولم يسكن البراري أو الأديرة كما فعل السلاف ممن سبقوه في الجلوس على الكرسي الباباوي المرقسي، إلا أنه رُسمَ بابا لكنيسة الأسكندرية بإجماع آراء الأساقفة والشعب والأكليروس ـ فكان جلوسه على السدة المرقسية في يوم 20 ديسمبر من عام 616م.

أهم الأحداث المعاصرة

الغزو الفارسي لمصر وفترة الإضطهاد الفارسي للكنيسة القبطية

لم تَطًُل فترة السلام التي عاشتها الكنيسة القبطية من جراء الحرب الخلكيدونية التي ظلت تُعاني منها كثيراً، وما تلاها من أحداث مؤسفة بسبب إنتشار البدعة الخلكيدونية في أنحاء الإمبراطورية الرومانية بقسميها الشرقي والغربي، وخاصةً - بعد أن إتحد أتباع خلكيدون بالسلطة الحاكمة للإمبراطورية، والمُتمثلة في الأباطرة القائمين على الحكم، والذين كان بيدهم الأمر والنهيٌ، وذلك بسبب الغزو الفارسي لمصر، والذي جاءت وقائعة المؤسفة مُعاصرة لخدمة البابا "أندرنيقوس"، الذين قاموا بغزو الشرق، وجازوا نهر الفرات، وإستولوا علي حلب وإنطاكية وأورشليم وغيرها، وقتلوا، وأسروا من المسيحيين عددًا كبيرًا.

أحداث هجوم جيوش فارس على الأديرة العامرة بالرهبان

بعد أن تَمَكٌنت الجيوش الفارسية من إحكام قبضتها على كامل علي مصر، وصلوا إلى الإسكندرية، وكان حولها نحو ستمائة دير عامرة بالرهبان، فقتلوا من فيها، ونهبوها وهدموها، فلما عَلِمَ سكان الإسكندرية بما فعلوا، فتحوا لهم أبواب المدينة، ورأي قائد المعسكر الفارسي في رؤيا الليل من يقول له: "قد سلمت لك هذه المدينة فلا تخربها، بل أقتل أبطالها لأنهم منافقون"، فقبض علي الوالي وقيده، ثم أمر أكابر المدينة أن يُخٌرِجُوا إليها رجالهم من إبن ثماني عشرة سنة إلى خمسين سنة، ليعطي كل واحد عشرين دينارا وبرتبهم جنودًا للمدينة، فخرج إليه ثمانون ألف رجل، فكتب أسماءهم، ثم قتلهم جميعاً بالسيف، وبعد ذلك قصد بجيشه الصعيد، فمر في طريقه بمدينة نقيوس وسمع أن في المغائر التي حولها سبعمائة راهب فأرسل من قتلهم. وظل يعمل في القتل والتخريب إلى أن انتصر عليه هرقلوطرده من البلاد. أما الأب البطريرك، فإنه سار سيرة فاضلة. وبعد ما أكمل في الرئاسة ست سنين تنيَّح بسلام. صلاته تكون معنا آمين.

مشاهير الشخصيات المعاصرة

محمد صاحب شريعة الإٍسلام

يوحنا النقيوسي

يُعد "يوحنا النقيوسي" - أسقف نقيوس - من أوائل المؤرخين المُعاصرين لفترات تاريخية هامة مرت بها مصر في القرن السابع الميلادي - لعل من أهمها إن لم يكن الحدث البالغ الأهمية في تاريخ مصر العام، وتاريخ الكنيسة القبطية بوجهٍ خاص - وقائع الغزو العربي الإسلامي لمصر في الفترة من عام 640 م، وحتى عام 641 م، وما تلاها من أحداث تاريخية هامة. وقد وضع "يوحنا النقيوسي" كتاباً في التاريخ بعنوان "تاريخ مصر والعالم القديم" يعتبر من أهم الكتب التي أرخت للفتح العربي الإسلامي لمصر حيث كان معاصرا له. ونحن لا نعلم الا القليل عن حياته؛ ومن هذا القليل عرفنا بدأ بدأحياته راهبا في دير القديس مكاريوس ببرية شيهيت؛ وتميز بعمق الثقافة الدينية والأدبية والتاريخية؛ ونظرا لما تميز به من سمات العلم والتقوي؛ عينه البابا أغاثون (662 - 680) البطريرك ال39 من بطاركة الكنيسة القبطية الآرثوذكسية سكرتيرا له؛ وأستمر في منصبه هذا مع البابا يؤانس الثالث (680 - 689) البطريرك ال 40؛ وفي عهد البابا أسحق (690 - 692) البطريرك ال 41 تمت رسامته أسقفا علي مدينة نقيوس؛ أما عن نقيوس نفسها فهي العاصمة الرابعة من مقاطعات الوجه البحري في العصر الفرعوني؛ ويشغل موقعها حاليا بلدة زرزين الصغيرة بالقرب من قرية بشادي بمحافظة المنوفية. وفي عهد البابا سيمون الأول (692 - 700) البطريرك ال 42 رقي يوحنا النقيوسي رئيسا لأساقفة الوجه البحري ثم عينه البابا رئيسا علي أديرة القديس مكاريوس. ونحن لا نعرف علي وجه الدقة تاريخ وفاة يوحنا النقيوسي؛ علي أنه من المؤكد أنها لم تتجاوز نهاية القرن السابع الميلادي بـأي حال من الأحوال. وعودة إلي كتاب يوحنا النقيوسي؛ فهو ينقسم إلي 122 بابا؛ واللغة الأولي للمخطوط هي اللغة القبطية؛ ثم ترجم بعدها إلي اللغات اليونانية والعربية والحبشية القديمة المعروفة بأسم لغة (الجعز) غير أنه لم تصل الينا الا الترجمة الحبشية المحفوظة في الكنيسة الأثيوبية؛ ويرجع تاريخها إلي عام 1602م؛ ويذكر المترجم الحبشي أنه أستعان في الترجمة الحبشية عن العربية بالشماس غبريال المصري. ولقد ختم الترجمة بقوله في آخر الكتاب "لقد عنيت أنا الصغير بين الناس مع الشماس غبريال القبطي بترجمة هذا الكتاب من العربية إلي الحبشية القديمة بمنتهي الدقة. وقد أدينا هذه الترجمة نزولا علي إرادة الملكة مريم سنا؛ وأثناسيوس قائد الجيش الأثيوبي" والملكة سنا المذكورة هنا هي زوجة الامبراطور سجدا الأول (1563 - 1597). أما القائد أثناسيوس فهو حاكم أحدي الأمارات الأثيوبية وزوج أحدي بنات الإمبراطور سجدا الأول. ولقد قام المستشرق الفرنسي زونتبرج بترجمة الكتاب إلي اللغة الفرنسية عام 1883. ثم جاء من بعده العالم الانجليزي تشارلز وترجم النص الأثيوبي الي اللغة الانجليزية عام 1916؛ كما ترجم المؤرخ القبطي المعروف كامل صالح نخلة شذرات قليلة من تاريخ يوحنا النقيوسي عن الترجمة الفرنسية التي بها قام بها زونتبرج ونشرها في مجلة صهيون عامي 1948 و1949. وأخيرا قام الأستاذ الدكتور عمرو صابر عبد الجليل بعمل ترجمة كاملة للمخطوط عن اللغة الأثيوبية ونشرها في كتاب صدر تحت عنوان "تاريخ مصر ليوحنا النقيوسي رؤية قبطية للفتح الإسلامي" عام 2000؛ كما قام الؤرخ عبد العزيز جمال الدين بعمل تحقيق لهذه المخطوطة ونشر نتيجة التحقيق في كتاب صدر عام 2011. وأقدم المخطوطات المعروضة حاليا لهذا الكتاب موجودة في المكتبة الوطنية بباريس ضمن كتالوج زونتبرج للمخطوطات الأثيوبية؛ وترجع للقرن السابع عشر. ومخطوطة أخري في المتحف البريطاني ضمن مجموعة من المخطوطات الأثيوبية وترجع للقرن الثامن عشر. والجدير بالذكر ان المسشترق الفرنسي زونتبرج قد ذكر رأيا أن اللغة الأصلية للمخطوط هي اللغة اليونانية وليست القبطية؛ غير أن العالم المصري الدكتور مراد كامل (1907 - 1975) قد تصدي للرد علي هذا الرأي بالأدلة التالية: - 1 - من المستبعد علي كاتب قبطي متمسك بقوميته المصرية أن يكتب لمواطنيه تاريخ العالم بلغة مضطهديهم من الروم 2 - اللغة اليونانية قد أخذت في الانقراض من مصر منذ القرن الخامس الميلادي علي يد الانبا شنودة رئيس المتوحدين 3 - صيغة أسماء الأعلام في النص الحبشي تدل علي أنها أخذت عن أصل قبطي.. والشيء الجميل في مخطوطة يوحنا النقيوسي أنها تمثل أنشودة رائعة في حب مصر؛ فالمؤرخ ينتهز أي فرصة ليذكر فيها مصر وفضل مصر فمثلا في الفصل التاسع كتب عن هرمس أنه كان يوزع صدقات كثيرة علي الناس ويهب عطايا للمصريين. وفي الفصل العاشر كتب عن المصريون أنهم أول من صنعوا أسلحة الحرب والقتال؛ وعمل الأحجار التي أستخدموها في الحرب؛ وفي الفصل ال12 كتب عن تأسيس مدينة هليوبوليس وصارت فيها مقابر الملوك؛ كما بنيت فيها معابد لأعظم الآلهة. وفي الفصل ال13 كتب عن تأسيس مدينة أبو صير في مصر العليا؛ وفي الفصل ال14 كتب عن تأسيس مدينة سمنود؛ وفي الفصل ال16 كتب يقول "هناك مدينة تعتبر هي الأولي في معرفة زراعة الأرض؛ وبذر القمح؛ وكل أنواع الحبوب الأخري. وسر ارتفاع رقعة أرض هذه المدينة بسبب كثرة الهائلة المنحدرة من نهر جيجون". وفي الفصل ال17 كتب عن الملك سيزوستريس أول حاكم مسح الأراضي؛ وشق القنوات. وفي الفصل ال19 كتب عن الملك خوفو؛ وقال عنه أنه شيد في مدينة ممفيس أهرامات؛ وكلفه هذا العمل علي دفع 1600 هبة من النقود للعمال. وفي الفصل ال 59 كتب عن بناء مدينة الاسكندرية. وفي الفصل ال67 كتب عن حكم كليوباترا لمصر. وفي الفصل ال68 كتب عن التقويم المصري وأهميته. والفصل ال72 كتب عن تأسيس حصن بابليون أما الفصول الأحدي عشر الأخيرة (من الفصل 111 حتي الفصل 122)، فلقد خصها بالكامل عن الفتح العربي لمصر؛ وأفاض فيها كشاهد عيان.

الأباطرة المعاصرون للخدمة

الامبراطور هرقل - Heraclius

610 م - 641 م

الامبراطور هرقل - Heraclius

نياحة البابا أندرونيقوس

بعد أن جلس على الكاتدراء المرقسي فترة تُقارب الستة أعوام، قضاها أميناً في خدمة الكنيسة القبطية أعظم أمانة، قائماً على وجباته الرعوية الباباوية خير قيام، تنيح البابا أندرونيقوس بسلام في يوم 3 طوبة (يناير) من عام 623م.


الموضوع الأصلي متاح من خلال موقع المؤلف هنا https://kingdomoftheearth.blogspot.com/

التاريخ القبطي عبر العصور - الأستاذ أشرف صالح
التاريخ القبطي عبر العصور - الأستاذ أشرف صالح